الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينشأ من حياة القلب وغيرته وتعظيمه، وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم عدم الغضب والاشمئزاز، وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته، وأي خير يبقى في قلب هذا؟
وفي بعض الآثار: "إن الله أوحى إلى جبريل أن اخسف بقرية كذا وكذا. قال: يا رب، إن فيهم فلانا العابد. قال: به فابدأ، إنه لم يتمعر 1 وجهه فيَّ قط".
وذكر ابن عبد البر: "إن الله بعث ملكين إلى قرية ليدمراها بمن فيها، فوجدا فيها رجلا قائما يصلي في مسجد، فقالا: يا رب، إن فيها عبدك فلانا يصلي، فقال الله عز وجل دمراها ودمراه معهم، فإنه ما تمعر وجهه فيَّ قط". انتهى.
ومن له علم بأحوال القلوب، وما يوجبه الإيمان ويقتضيه من الغضب لله، والغيرة لحرماته، وتعظيم أمره ونهيه، يعرف من تفاصيل ذلك فوق ما ذكرنا.
ولو لم يكن إلا مشابهة المغضوب عليهم والضالين في الإنس بأهل المعاصي ومواكلتهم ومشاربتهم لكفى بذلك عيبا. والله الموفق والهادي لا إله غيره.
وبلغ سلامنا الإخوان والخواص إجازة مطلقة، والشيخ الوالد والعيال بخير وينهون السلام، ولا تنسنا من صالح دعائك والسلام.
رسالة
{في بيان فضل من يحيي السنة ويهدم الشرك والبدعة}
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى ذي الجناب المكرم، والفضل الباذخ المقدم السيد عبد الرحمن الألوسي، سلك الله به سبل الاستقامة، وزينه بحلل التوفيق والكرامة، ورفعه إلى رتب السيادة والإمامة. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 تمعر الوجه: تغير للغضب والغيظ. وأصله قلة النضارة وعدم إشراق اللون.
أما بعد: فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو كثير الخير دائم المعروف، على ما أولاه من سوابغ نعمه الباطنة والظاهرة، وما ألبسه من ملابس كرامته السنية الفاخرة، التي أعظمها وأجلها على الإطلاق هدايته لدينه الذي ارتضاه لنفسه، واختص به أولياءه، وخاصة أهل كرامته وقدسه. مع أنه قد اطرد القياس بفساد أكثر الناس، وتركهم من الإسلام أصله الأعظم والأساس، وكثرة الاشتباه في أبواب الدين والالتباس.
وجمهورهم عكَس القضية في مسمى الملة الإسلامية، ولم يميزوا بينها وبين الملة القرشية، والسنة الجاهلية، فهم كما وصفهم الله تعالى بقوله:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} 1.
وكتابك الكريم وصل إلينا، وحسن موقعه لدينا، لما بلغنا عنك من إظهار الإسلام والسنة، وعيب أهل الشرك والبدعة، وطعنك على الدعاة إلى الضلالة، وعيبهم بما يبدونه من سوء العمل وشنيع المقالة، وأن الله قمعهم بك وقواك عليهم، فأذلهم وأهانهم، فأبشر بثواب ذلك، واعتده من أفضل أعمالك وحسناتك.
وفي الحديث: "من أحيا شيئا من سنتي، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضم بين إصبعيه".
وفي الأثر: "إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا لله يذب عنها، وينطق بعلاماتها". فاغتنم ذلك، وكن من صالح أهله، واحرص أن يكون لك في ذلك جماعة وتلامذة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك، ويجري لك مثل أجورهم إلى يوم القيامة كما صح به الخبر.
فاعمل على بصيرة، وسر إلى الله بصلاح القصد والسريرة، وإياك أن يكون لك من أهل الشرك الذين يعبدون الأولياء والصالحين جليس أو صديق، فقد جاء في الأثر: "من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى
1 سورة الفرقان آية: 44.