الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتاوى في الاستشفاع والاستغاثة وغيرها
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن -أبا بطين-، عن المسائل الآتية، فأجاب عنها بما نصه:-
[معنى الاستشفاع والاستغاثة]
وما سألت عنه من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من قال: نستشفع بالله عليك، ولم ينكر قوله: نستشفع بك على الله؛ لأن معنى قوله: نستشفع بك على الله، أي نطلب منك أن تدعو الله أن يغيثنا؛ لأن الداعي شافع، ومعنى نستشفع بالله عليك: نطلب من الله أن يطلب منك أن تدعو لنا، وتستسقي لنا، والله سبحانه وتعالى يُشفع إليه، ولا يشفع هو إلى أحد.
وأما آخر الحديث الذي أشار إليه بعد قوله: "لا يستشفع به على أحد، شأن الله أعظم من ذلك. إن الله على عرشه، وإن عرشه على سمواته وأرضه هكذا"1 وقال بأصابعه مثل القبة، وفي لفظ:"وإن عرشه فوق سماواته، وسماواته فوق أرضه هكذا"2 - وقال بأصابعه مثل القبة 3.
وأما قوله في الحديث الآخر: "إنه لا يستغاث بي" الحديث، فإن كان 4
1 أبو داود: السنة "4726".
2 أبو داود: السنة "4726".
3 يراجع ما قاله شيخ الإسلام في هذا الحديث في رسالة العرش.
4 هكذا في الأصل وليس بعد هذا الشرط جزاء له. ومن المعلوم أن الاستغاثة كالاستعانة والدعاء، منها ما هو عادي، وما هو عبادة. فالعادي ما يطلب من الناس من الأمور العادية التي تدخل في كسبهم وقدرتهم، وأما العبادة فهو طلب ما لا يدخل في كسب العباد، ولا في نظام الأسباب والمسببات، وهذا لا يطلب إلا من الله القادر على كل شيء، فإذا وجه إلى مخلوق كان عبادة له، وشركا بالله -تعالى-، ومن ذلك دعاء الموتى والاستغاثة بهم، وقد انقطع كسبهم، وصاروا في عالم الغيب، الذي لا يعلم شأنهم فيه إلا الله -تعالى-.
النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا الحماية لجانب التوحيد، وإن كانت الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة، كقوله -تعالى-:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} 1، وإذا أقبل عليك عدو ونخيت على ربعك 2 يعاونونك، فهذا استغاثة بهم، والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة.
[ضعف الإيمان في القلوب حتى أصبحت لا تحس بما يقع من الشرك]
والحديث المروي: "يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن" الحديث؛ فهذه الأزمنة، والله كذلك، ولكن لضعف الإيمان ما نحس بذلك على حقيقته، وقد اشتدت -والله- غربة الإسلام. وأي غربة أعظم من غربة من وفقه الله لمعرفة التوحيد، الذي اتفقت عليه جميع الرسل الذي هو حق الله على عباده، مع جهل أكثر الناس اليوم به، وإنكارهم له، والأمر كما قال الله -تعالى-:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 3. نسأل الله لنا ولكم الوفاة على التوحيد؛ الذي هو إخلاص العبادة لله وحده.
وقول الحسن رحمه الله، فما أحسن ذلك وأجله، وتوجعه وتأوهه، فما رأى في زمانه المثنى على أهله، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، كما قال الصادق المصدوق، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم، وإلف العادة، ضعف استنكار المنكر وعُدِم ..
فالله المستعان، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
1 سورة القصص آية: 15.
2 الربع: جماعة الرجل وقبيلته. ونخيت، أصله: أنخت بعيرك، والمعنى: نزلت عليهم، واستنصرت على العدو.
3 سورة يونس آية: 58.