الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول البحث عن مصدر القرآن في الفترة المكية
البيئة الوثنية: صورتان من حياة العرب في الجاهلية:
نحاول بأبسط الافتراضات أن نجد في بيئة الحجاز المحدودة - إن لم يكن في مسقط رأس الرسول صلى الله عليه وسلم جميع العناصر الضرورية لبناء الدعوة القرآنية. ومن هذه النظرة قدم لنا «إرنست رنان» نموذجا فريدا لحياة العرب قبل الإسلام. ففي مقال له عن «محمد ومصادر الإسلام»
(1)
، عرض لنا هذا العالم الفرنسي صورة رائعة للجزيرة العربية في القرن السادس بعد الميلاد. وبدلا من هذا الشعب المشرك الذي تعرفه الدنيا، وضع لنا شعبا آخر لم يعرف في حياته عن الله تعددا ولا تنوعا وإنما عرفه كإله واحد لم يلد ولم يولد (انظر صفحة 1070 - 1071) ولقد نجح «رنان» في إبراز الذوق الأدبي الرفيع لهذا الشعب، ونظرته الواقعية القوية، وفي إغفال سائر الصفات الأخرى التي لا تشرفه. فبدلا من هذه النزعة المادية الطاغية الفاسدة التي لا تلتفت إلى أي تفكير ينتمي إلى الحقائق السامية، رسم لنا مجتمعا في أوج حماسه الديني التقت فيه جميع الديانات وجميع الحضارات بالإضافة إلى أن الدين كان شغله الشاغل (صفحة 1089) وعلى هذا المنوال لا تعدو أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلا امتدادا للحركة الدينية التي سادت في عصره دون أن يسبقها محمد صلى الله عليه وسلم في أي جديد (نفس الصفحة).
ولكن الصورة الحقيقية للحياة العربية في هذه الحقبة من الزمان، نجدها في القرآن ذاته، وتختلف عن ذلك كل الاختلاف. فلقد سبق أن رأينا كيف كان
(1)
Revue des Deux Mondes،I 5 dec.I 85 I .
العرب يطمسون التوحيد الأولي تحت أركام من الخرافات والأساطير
(1)
. وأما الجانب الخلقي والاجتماعي فلم يكن أسعد من ذلك حالا، فوأد الأطفال
(2)
، والبغاء
(3)
، وزنا المحارم
(4)
، وابتزاز المهور وإرث نساء الأقارب كرها
(5)
، وظلم اليتامي
(6)
، والجشع وإهمال الفقراء وازدراء الضعفاء
(7)
، كان هو الطابع الغالب.
بل ان المروءة العربية المشهورة كان القرآن يعتبرها عاطفة في غير موضعها، ملطخة بالرذيلة والفساد، إن لم تكن الفساد بعينه؛ فلم يكن الغرض منها سوى الإسراف والمباهاة
(8)
.
وباختصار كانت حياتهم حياة (الضلال المبين)
(9)
، وزمانهم زمن «الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى»
(10)
.
ولقد كانوا يحتفظون في عاداتهم ببعض الآثار من ديانة إبراهيم واسماعيل عليهما السلام مثل الحج، ولكن هذه الآثار ذاتها، كانت تختلط بأخطاء وأوهام كثيرة
(11)
.
(1)
انظر الفصل الأول من الجزء الثاني.
(2)
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 140].
(3)
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور: 33].
(4)
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ
…
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ .. إلى آخرالآية [النساء: 22 - 23].
(5)
لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ
…
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً [النساء: 19 - 21].
(6)
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ [النساء: 127].
(7)
كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 17 - 20].
(8)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء: 38].
(9)
وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2].
(10)
الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى [الأحزاب: 33] إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [الفتح: 26].
(11)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [البقرة: 189] فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: 200].