الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج القرآن الكامل ينهض دليلا كافيا على مصدره الرباني:
وهكذا تشترك أحداث الماضي والحاضر والمستقبل في مجال الواقع لكي تتوافق مع عالم الأفكار وتؤيدها. بماذا نخلص من كل هذا؟ بأحد أمرين: فإما أن يكون هناك ميثاق معقود مع العناية الإلهية تولت بمقتضاه السهر على هذه الدعوة لعصمتها من كل زلل، وإما أن الله يخدعنا عندما يترك جميع الأدلة القاطعة تنحاز إلى كذّاب خدّاع، ولا يترك لنا بصيصا من الضوء يعاوننا على كشف أمره.
ولكن قيمة القرآن لا تقف عندما يصرح به فقط، بل إن إعجازه يمتد إلى ما يمتنع عن قوله أو يسقطه عن قصد. فوراء العلم الذي يقدمه لنا يضرب النطاق حول منطقة حرام، لا يخترقها علمنا المحدود استأثر بها علم الله. فهل حالف النجاح أية محاولة لاختراق هذا الحاجز بخطوات ثابتة؟. ومهما أقيم من محطات الأرصاد الجوية، فإن التنبؤات ستظل احتمالية وما هي الروح؟ إن كلمة الفلسفة في هذا الموضوع كانت: لا أدري
(1)
.
(9)
- هذه الظواهر. فإن التنبؤ بالأحداث البعيدة يفترض وجود موقف إرادى مقصود فى التجارب العملية، فضلا عن أن التجربة فى أثناء إجراءها تجعل الضمير السوي يتمثل هذه الأحداث بطابع افتراضي ممكن أو محتمل الحدوث لأنه يمكن لأى تأكيد ذاتي في الموضوع أن يتشتت نتيجة إيحاء خاطئ (مثل الأحلام والتنويم المغناطيسى) ويتضح الفرق «ثانيا» في التحقيق الفعلي لهذه الظواهر.
وفي هذه النقطة يؤكد لنا الكاتب الأمريكى أو بتون سنكلير المعروف ببحوثه المنهجية عن التلباثي (أو الاستشفاف) - بأن من بين 290 حالة اختبرها مع زوجته حققت منها 23 حالة نجاحا كاملا، و 53 حالة نجاحا جزئيا (واردة بكتاب «الله» للعقاد ص 38 وأخيرا فإن هذه الظواهر من حيث مداها - سواء كان هدفها الفرد أو عصر محدد - ونظرا لأنها تنبؤات إنسانية فإن مجالها من حيث التطبيق متواضع جدا ولا يمكن أن يصل مطلقا إلى حد الخلود. أما ما نحن بصدده من تنبؤات القرآن فإننا نجد فيه حقائق قاطعة مقدمة بنفس قوة الوعد الإلهي وتتعلق بوقائع من كل نوع بعضها يتحقق بطريقة أبدية والآخر في تاريخ محدد وغيرها يستبعد نهائيا وفي كل حالة تتحقق هذه الوقائع كما هو مرسوم بكل دقة.
ولكن موقفنا الحقيقي هنا لا يقصد منه التدليل لصالح القرآن بقدر ما هو دحض للنظرية المعارضة بحجة اللامعقول. فإذا كان الوحي من نتائج خيال متحمس فينبغي أن نجد على الأقل نموذجا واحدا في القرآن يتمثل فيه الفارق الكبير بين القول وبين الحقيقة الواقعة.
(1)
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85].
وقول قاصر: أن تقول إن القرآن دائرة معارف عصره، فلقد كانت لجميع العصور أوهامها التي اعتبرتها حقائق مقررة ولم يثبت خطؤها إلا فيما بعد. ولكن القرآن في مسلكه بين مجالات العلم لا يتأرجح أبدا والحقائق التي يسوقها كانت وستظل لا تقهر
(1)
.
إنه لا يقع في الأخطاء الموروثة - التي كانت في العصور القديمة والتي تتميز بها الجزيرة العربية، كما أنه لا يتوقف عند تفاصيل حقيرة أو دارجة أو تحمل طابع البيئة التي نزل فيها. ولقد عبر «لامنز» في كتابه «مهد الإسلام قبيل الهجرة» عن أسفه، لأن هذا الكتاب لم يقدم معلومات أو تفاصيل توصف بها بلاده من حيث العلوم المناخية والجوية، بينما يطيل تأملاته أمام النجوم والجبال والسحاب والمظاهر العادية الأخرى التي يصفها بالعجائب (ص - 89) وهنا يمكن في رأينا الدليل على أن القرآن ليس انتاجا محليا، لأن الحقائق التي يقدمها هي من النوع الذي يسهل على جميع العقول إدراكه واستخلاص الفائدة الأخلاقية منه. ولهذا نرى مكانه سامقا فوق كل الاعتبارات الجغرافية والعنصرية وغيرها. ولهذا أيضا لا يذكر عموما أسماء الأشخاص والأماكن التي يتحدث عنها، ولا يركز إلا على العبر والدروس التي تفيد في تربية الإنسانية، إن هذا المنهج الكامل المتكامل الذي ينفرد به القرآن وحده هو في ذاته برهان وأي برهان.
لقد انتشرت الدعوة القرآنية في البداية في الجزيرة العربية بين العرب ولكن غايتها هي أفراد البشرية أجمعين
(2)
.
***
(1)
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42].
(2)
لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1] إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [سورة ص: 87].