الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3، 4 - الفضائل الجماعية والفضائل العامة:
ونقطة بارزة في القانون الأخلاقي في الديانة الموسوية، ألا وهي هذا الحاجز العالي والقائم بين الإسرائيلي وغير الإسرائيلي. فأي خير يسديه الإسرائيلي إذا لم يكن مقتصرا على شعبه. ينبغي ألا يتعدي وطنه (ولا يشمل الغريب المقيم معه) «للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا» (تثنية 20:23) «الأجنبي تطالب وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئه يدك منه» (تثنية 3:15)«وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد» (لاويين 39:25) «لا تتسلط عليه بعنف .. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم
…
وأيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون» (لاويين 43:25 - 45).
أما قانون الأخلاق المسيحي فله الفضل في إسقاط هذا الحاجز الذي كان يفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان «لأنه إذا أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟ .... وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟» (متى 46:5 - 47).
ولكن في مقابل ذلك لا نجد هنا هذا الالتحام الاجتماعي وهذا الشعور بالمسئولية الجماعية الذي تتضمنه النصوص العبرية مثل: «(هذه الكلمات) قصها على أولادك» (تثنية 7:6)«فتنزعون الشر من بينكم» (تثنية 5:13)«فتحفظون جميع فرائضي جميع أحكامي وتعلّمونها لكي لا تقذفكم الأرض» (لاويين 22:20) والفضيلة الاجتماعية المسيحية كما تقدمها الأناجيل، تتعلق بالعلاقات بين الأفراد أكثر من دلالتها على الروح الجماعية بصفة أساسية. فقد كانت الروح الجماعية في الماضي تستهدف غرضين:
صالح الجماعة من ناحية وتمييزها عن صالح الغير من ناحية أخرى، ولكن المحبة المسيحية بامتدادها خارج الحدود الإقليمية وبرغبتها في إحتواء الإنسانية كلها، قد أحسنت صنعا بإبطال هذا الطابع العنصري، واستبداله بأخوة عالمية. ولكنها لم تركز اهتمامها بالقدر الكافي لتقوية الرابطة المقدسة للجماعة بصفة خاصة.
ألا يمكن - في الوقت الذي نراعي فيه عمليا وقلبيا محبة عالمية - أن تخلق في ظل هذه الأسرة العالمية الكبرى أسرة أصغر وأكثر ترابطا، وأكثر إدراكا لكيانها، وكأنها مجموعة من الخلايا تكوّن كيانا عضويا داخل ذلك الجسم الكبير؟
إن هذا الجمع الموفق بين الفضيلة العامة والفضيلة الجماعية هو الذي أبرمه القرآن الكريم؛ إذ يعلمنا في الواقع أن خارج الأخوة في الله توجد الأخوة في آدم
(1)
، وأن اختلاف المشاعر الدينية لا يجوز أن يحول بيننا وبين أن نبادل إخواننا في الإنسانية المحبة والإحسان
(2)
، وأن قسوة الكفار علينا لا ينبغي أن تدفعنا إلى العدوان، ولا لأن نكون غير مقسطين في معاملتهم
(3)
ولقد حرم على المؤمنين أن يتعاملوا بالربا مع أي إنسان
(4)
، وبين أن التقيّ العادل في محيط الجماعة الإسلامية هو كذلك خارجها
(5)
. وإذا كان على المسلم في بعض الظروف أن يبدى عناية خاصة في فك أسر إخوانه المسلمين
(6)
، فإن عتق العبيد بوجه عام يعتبر إما إلتزاما عليه
(7)
، وإما عملا يستحق التقدير
(8)
ويحث عليه القرآن دائما
(9)
. وهكذا تتطور فكرة الفضيلة العامة التي أعلنها الإنجيل، وتتحدد أكثر فأكثر عندما تتسع لتشمل مجالات الحياة المختلفة. ولكن هل معنى ذلك أن الجماعة الإسلامية ستتراخى في
(1)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].
(2)
لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8].
(3)
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ .. عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا [المائدة: 2].
(4)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278].
(5)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ
…
بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:
75 -
76].
(6)
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها [النساء: 75].
(7)
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ
…
وَفِي الرِّقابِ
…
فَرِيضَةً مِنَ اللهِ [التوبة: 60].
(8 و 9)) وَفِي الرِّقابِ [البقرة: 177] فَكُّ رَقَبَةٍ .. [البلد: 13].
روابطها الداخلية لتضيع في محيط البشرية الواسع؟ على العكس إذ نجد أن مبدأين أساسيين يذكرانها بكل قوة بدورها كجماعة متميزة ومتماسكة:
الأول: يدعو المؤمنين بأن يكونوا جماعة موحدة لا تنقسم، بدون فرقة أو إنشقاق، تلتف حول مثل أعلى وحول رئيسها
(1)
. ومع ذلك فقد بدا لبعض المستشرقين أن يصوروا المسلم على أنه ذو نزعة «فردية لا تقاوم» ، لم يعرف معنى «رباط التضامن» في يوم من الأيام
(2)
. «إن الدين الإسلامي، كما يقول أحد المستشرقين، يحترم النزعة الفردية ويقدسها، ولا يعرف معنى اندماج النفوس وتلاشيها في تنظيم كبير: فليست الأعمال الجماعية مثل صلاة الجمعة، ووقفة عرفات، وصلاة الأعياد، إلا أعمالا فردية يؤديها المؤمنون في وقت واحد، ومكان واحد، دون أن تتخذ طابع الاحتفالات الموجهة أو المنظمة وفق تنسيق خاص
(3)
.
وسوف يلاحظ أي إنسان يحضر صلاة الجماعة للمسلمين، أن هذا القول لا أساس له من الصحة، وسوف لا يرى المؤمنين مبعثرين في غير نظام يصلى كل واحد من أجل نفسه أو يحضر كمشاهد، بينما إمامهم يؤدي وحده جوهر الفريضة الدينية. وإنما سوف يرى المؤمنين مصطفين في نظام جميل، متلاصقين كتفا إلى كتف، الغني بجانب الفقير، والرئيس بجوار مرؤوسه، في وضع واحد، واتجاه واحد، ودعاء واحد، كل منهم يدعو للجميع:{إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة 5 - 6] إنهم جميعا يطلبون النجاة والفلاح، ليس فقط لمجموعة المصلين وإنما لجميع عباد الله الصالحين أينما كانوا:«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» إن هذا التوافق في المظهر لا يعدو أن يكون وسيلة لتأليف
(1)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
…
[النساء: 59] وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا [الأنفال: 46].
(2)
انظر «أخلاق وعادات المسلمين» تأليف جوتييه، ص 216.
(3)
انظر «الإسلام» في مجموعة «التاريخ والمؤرخين» تأليف جودفروا ديمو مبين ص 739.