الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولنفرض أنه اتصل بالفعل بالمسيحية في ذلك الوقت، فهل كان سيجد ما يسره؟ لنستمع أولا إلى ملاحظات بعض الكتاب المسيحيين: يقول «ج. سال» :
إذا قرأنا التاريخ الكنسي بعناية، فسنرى أن العالم المسيحي قد تعرض منذ القرن الثالث لمسخ صورته، بسبب أطماع رجال الدين، والانشقاق بينهم، والخلافات على أتفه المسائل، والمشاجرات التي لا تنتهى، والتى كان الأنقسام يتزايد بشأنها.
وكان المسيحيون في تحفزهم لإرضاء شهواتهم واستخدام كل أنواع الخبث والحقد والقسوة .. قد انتهوا تقريبا إلى طرد المسيحية ذاتها من الوجود، بفعل جدالهم المستمر حول طريقة فهمها. وفي هذه العصور المظلمة بالذات ظهرت، بل وثبتت أغلب أنواع الخرافات والفساد .. ولقد وجدت الكنيسة الشرقية نفسها بعد مجمع «نيقيه» ممزقة بسبب الخلافات بين أنصار أريوس وسابليوس ونسطور ويوتيخيوس.
ولقد رأى رجال الدين أن يمنح ضباط الجيش بعض الحماية، وبهذه الحجة كان العدل يباع علنا مما شجع كل نوع من أنواع الفساد والرشوة. أما بالنسبة للكنيسة الغربية، فقد بلغ الخلاف بين دماز Damase وأرزيسيان Ursicien على كرسي الأسقفية بروما في شدته حد اللجوء إلى العنف والقتل. ولقد قامت هذه الإنشقاقات أساسا نتيجة أخطاء الأباطرة ولا سيما الأمبراطور قسطنس. وزادت حدة في ظل حكم جستنيان، الذي اعتقد أنه ليس هناك أي جرم في قتل أي رجل يخالفه في فهم العقيدة. هذا الفساد في الأخلاق وفي العقيدة الذي ساد بين الأمراء وبين رجال الدين، استتبع بالضرورة فساد الشعب عامة. حتى أصبح شغل الناس الشاغل على اختلافهم هو جمع المال بأية وسيلة مهما كانت لإنفاقه بعد ذلك في الترف والرذيلة
(1)
.
وصف المسيحية في ذلك الوقت بمعرفة الكتاب المسيحيين:
ولقد كتب تايلور في كتابه «المسيحية القديمة» المجلد الأول صفحة 266 يقول
«إن ما قابله محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه في كل اتجاه .. لم يكن إلا خرافات منفرة، ووثنية منحطة ومخجلة، ومذاهب كنسية مغرورة، وطقوسا دينية منحلة وصبيانية، بحيث شعر العرب ذوو العقول النيرة، بأنهم رسل من قبل الله، مكلفين بإصلاح ما ألمّ بالعالم من فساد .. » وعندما وصف راهب مورخ الآلام والعذاب والذي أوقعه الفرس بشعب فلسطين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم لم يتردد في أن يقرر أن الله لم يصب المسيحيين هناك بقسوة الذنادقة الظلمة إلا بسبب ظلمهم وشرورهم. وعندما أراد «موشايم» Mosheim وصف هذا العصر، رسم صورة للمقارنة، أبرز فيها التعارض بين المسيحيين الأوائل والأواخر، وخرج بأن الديانة الحقيقية في القرن السابع كانت مدفونة تحت أكوام من الخرافات والأوهام السخيفة، حتى أنه لم يكن في مقدورها أن ترفع رأسها
(1)
.
وكأن هذه الصفحات قد كتبت لتفسرالآية القرآنية الوجيزة من سورة المائدة {وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ}
[المائدة: 14]، فهذه الآية الكريمة تشير مجرد إشارة إلى البعد الذي كان بين المسيحية والمسيحيين في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلن أن الإنشقاق الناتج من هذا البعد سيمتد إلى يوم القيامة.
فهل كان مسلك العرب الذين تنصروا أحسن حالا من مسلك المسيحيين أنفسهم؟ لا - فرغم تنصر قبائل العرب بسوريا في الجاهلية (الغساسنة)، احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم الوثنية القديمة
(2)
. ولقد قال عليّ إن ما أخذه التغالبة من المسيحية لم يكن سوى شرب الخمر
(3)
ويقرر «هوارت» Huart في
(1)
اسحق تيلور ذكره الدكتور سنكلير تسدال في «مصادر القرآن» باللغة الانجليزية ص 136 - 137.
Taylor،cite par Dr.Sinclair Tisdall،The sources of the Koran
(2)
انظر مسايه «الإسلام» ص 17.
(3)
انظر نولدكه في «تاريخ القرآن» باللغة الألمانية ص 10 وانظر أيضا تفسير الزمخشري لسورة المائدة الآية 5.