المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أين جاء هذا التغيير المفاجيء - مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن

[محمد بن عبد الله دراز]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول حقائق تاريخية أولية

- ‌الفصل الأول حياة الرسول قبل البعثة

- ‌نسبه ومولده:

- ‌طفولته وشبابه:

- ‌رحلته الأولى إلى سوريا واتصاله بالراهب بحيرى:

- ‌مشاغله الأساسية:

- ‌صفاته الخلقية:

- ‌حلف الفضول:

- ‌رحلته الثانية:

- ‌زواجه من خديجة:

- ‌أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌مشاعره الأبوية:

- ‌ترميم الكعبة:

- ‌صورته الخلقية والخلقية:

- ‌أول مظاهر بعثته:

- ‌أول اتصاله بروح القدس:

- ‌بداية الوحي:

- ‌تأثيره على الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌مواساة خديجة ورأي ورقة بن نوفل:

- ‌فتور الوحي وانقطاعه مؤقتا:

- ‌استئناف الوحي بوصفه رسولا بالإضافة إلى وصفه نبيّا:

- ‌التوافق بين التقويم الهجري والتقويم الميلادي:

- ‌الفصل الثاني كيف جمع نصّ التنزيل الحكيم

- ‌مظهر التجزؤ من الأهمية التي كان يثيرها كل جزء منزل بين الخصوم وبين الأتباع:

- ‌القرآن (المقروء) والكتاب (المدون):

- ‌كتبة الوحي:

- ‌لم توجد نسخة عند الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌عند بعض الأفراد أوراق متفرقة:

- ‌بقاء بعض السور غير تامة:

- ‌كل جزء منزل كان له مكانه في التلاوة:

- ‌القراء أو حملة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والتجمع الشفوي للقرآن:

- ‌أول مصحف منظم في عهد الخليفة الأول:

- ‌خصائصه:

- ‌اختلافه بمعرفة عثمان:

- ‌مآخذ بعض الشيعة:

- ‌اعتراف الإمامية (أبو جعفر):

- ‌شهادة الغربيين عن صحة القرآن في عصور الإسلام كلها:

- ‌تصحيح:

- ‌منشأ القراءات المختلفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقراءات السبعة:

- ‌هل ألغى عثمان جميع القراءات

- ‌الهدف المزدوج لنشر عثمان المصاحف:

- ‌مصحف عثمان لا يحمل أية قراءة للآحاد وإنما اقتصر على القراءات الصحيحة:

- ‌ما مدى صحة القراءات غير العثمانية:

- ‌تفنيد حجة الدكتور جيفري:

- ‌ضعف القراءات المخالفة:

- ‌محاولة ترتيب القراءات المخالفة:

- ‌ابن مسعود لم يخرج على الإجماع:

- ‌إعدام المخطوطات المشكوك فيها أنقذ وحدة النص:

- ‌الفصل الثالث كيف تم تبليغ المبدأ القرآني إلى العالم

- ‌سرعة انتشاره واستقراره:

- ‌مقارنة مع فتوحات الإسكندر الأكبر:

- ‌خطأ رأي علماء الغرب عن عوامل التوسعات الإسلامية:

- ‌نظرة تاريخية وتحليلية عن منشأ الصراع الحزبي في الإسلام:

- ‌من أين جاء هذا التغيير المفاجيء

- ‌القرآن يحدد الحرب الشرعية:

- ‌السنة النبوية تفصل الأهداف العسكرية من الحرب:

- ‌الغرض الحقيقي من الحرب:

- ‌خطأ جوتييه في معنى التسامح الإسلامي:

- ‌الجهاد في الدعوة يخضع لقواعد:

- ‌المبدأ الإسلامي الذي ينظم العلاقات الدولية:

- ‌اعتراف جوتييه:

- ‌مقارنة بين الحروب الإسلامية وحروب حركة الإصلاح البروتستانتية:

- ‌متانة البناء الإسلامي:

- ‌الباب الثاني القرآن من خلال مظاهره الثلاثة الدّيني والخلقي والأدبي

- ‌الفصل الأول الحق أو العنصر الديني

- ‌المظاهر الخارجية للحقيقة: اتفاق ذوي الاختصاص:

- ‌تعريف القرآن للإسلام باعتباره الإيمان بجميع الأديان المنزلة السابقة:

- ‌العودة إلى الوحدة الأولى:

- ‌الجزء الأول من المبادئ الدينية في القرآن: فكرة عالمية وغالبا مغمورة:

- ‌وصف الوثنية العربية من وحدانية الله الخالق إلى وحدانية الله المعبود:

- ‌العلاج القرآني:

- ‌فكرة الأسباب والمسببات:

- ‌العلم والدين: تفسير الكون عن طريق الدين نابع من عقل أكمل من عقل العلم:

- ‌فكرة المعجزات في القرآن:

- ‌الجزء الثاني من نظرية القرآن الدينية:

- ‌خلود الروح:

- ‌بعث الأجساد:

- ‌ماذا تضمنه أصالة التعاليم القرآنية

- ‌الفصل الثاني الخير أو العنصر الأخلاقي في القرآن

- ‌الدين عقيدة وتشريع اعتقاد وطاعة:

- ‌مقام العنصر العملي في القرآن وفي العقيدة:

- ‌نبدأ بالمنهج:

- ‌اعتماد القرآن على غريزة الإنسان في معرفة العدل والظلم والخير والشر:

- ‌مقارنة بين المبادئ الأخلاقية في التوراة والقرآن:

- ‌مقارنة بين المبادئ الأخلاقية في الإنجيل والقرآن:

- ‌الاختلاف الظاهري بين التوراة والإنجيل بشأن الطلاق والقصاص:

- ‌حقيقة أن العدل والمحبة هما مظهران لقانون خالد واحد:

- ‌المستتر في كل من جزئي التوراة:

- ‌التركيب القرآني:

- ‌1 - في مجال الفضيلة الشخصية

- ‌2).2 -الفضيلة في العلاقات بين الأفراد

- ‌3، 4 - الفضائل الجماعية والفضائل العامة:

- ‌5 - الفضيلة في المعاملات الدولية وبين الأديان:

- ‌الفصل الثالث الجمال أو الجانب الأدبي

- ‌القرآن نموذج ممتاز في الأدب العربي:

- ‌بعض خصائص التركيب القرآني:

- ‌السمو الفريد حتى بالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌خطأ كثير من العلماء بشأن وحدة السور القرآنية:

- ‌تجربة خاصة:

- ‌هذه الوحدة من العجائب نظرا للظروف التي تتم فيها وتجعلها مستحيلة بالنسبة للقوى البشرية:

- ‌انفراد في تجميع الأجزاء القرآنية مما يثبت وجود خطة سابقة:

- ‌تصميم يتحدى الطبيعة ونجاحه معجزة المعجزات:

- ‌فضلا عن هذا التخطيط المنطقي والإسلوبي فقد اتبع الوحي مسلكا تربويا:

- ‌الباب الثالث المصدر الحقيقي للقرآن

- ‌الفصل الأول البحث عن مصدر القرآن في الفترة المكية

- ‌البيئة الوثنية: صورتان من حياة العرب في الجاهلية:

- ‌الحنفاء:

- ‌الصابئون:

- ‌البيئة اليهودية والمسيحية:

- ‌رحلات الرسول صلى الله عليه وسلم ومشاهداته (فرضان لا يعول عليهما):

- ‌الإتصال بالجموع المسيحية في سوريا:

- ‌وصف المسيحية في ذلك الوقت بمعرفة الكتاب المسيحيين:

- ‌الاتصال بالكتب المقدسة:

- ‌هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ

- ‌عدم وجود توراة باللغة العربية في تلك الفترة:

- ‌الاقتباس من الشعراء ومن الفكر الشعبي:

- ‌تأملاته الفكرية الشخصية:

- ‌ثمار تأملاته الشخصية:

- ‌الفصل الثاني البحث عن مصدر القرآن في الفترة المدنية

- ‌هل أثر إنتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيئة جديدة واتصاله بأهل الكتاب في سلوكه ومصدر علمه

- ‌تغيير الموطن:

- ‌أخلاق اليهود في نظر القرآن:

- ‌المعارضة الشعبية لنظامين مدنيين:

- ‌الحرب وتعدد الزوجات:

- ‌الادعاء باختلاف الأساس بين التعاليم المكية والمدنية في القرآن:

- ‌القصص الديني اليهودي والمسيحي في القرآن:

- ‌علاقة الأنساب بين العرب وبين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:

- ‌موقف الإسلام من الأديان السابقة:

- ‌عدد صلوات المسلمين:

- ‌سن عاشوراء وتحويل القبلة:

- ‌فكرة الله في مكة وفي المدينة:

- ‌مصطلح النسخ في القرآن:

- ‌علاقة ابن سلام وسلمان الفارسي ومريم القبطية:

- ‌تطابق وليس اقتباس:

- ‌خاتمة

- ‌نتيجة البحث السلبية عن مصادر طبيعية:

- ‌الوحي نقطة تحول في علم الرسول صلى الله عليه وسلم لا في خلقه:

- ‌شهادة خصومه عن صدقه وإخلاصه:

- ‌خصائص الوحي المتقطعة:

- ‌من أين ينبع إذن هذا الوحي؟ أليس من أعماق نفسه

- ‌الوقائع تثبت العكس:

- ‌القرآن لا يعكس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌التعارض بين موقف محمد صلى الله عليه وسلم قبل وبعد كل تنزيل:

- ‌اعتراف العلماء المسيحيين عن الإخلاص الشخصي للنبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌هل هي أوهام لا شعورية

- ‌افتراض تعارضه مع الواقع:

- ‌طريقة التحقق من صحة الوحي:

- ‌التطابق الكامل لتعاليمه مع الحقيقة:

- ‌وإليك ثلاث عينات:

- ‌1 - في الماضي: حقائق دينية وأخلاقية وتاريخية:

- ‌2 - في الحاضر: حقائق علمية:

- ‌3 - في المستقبل: في التأكيد وفي النفي وفي الإغفال:

- ‌منهج القرآن الكامل ينهض دليلا كافيا على مصدره الرباني:

- ‌ملحوظة

- ‌المراجع

- ‌ أ - المراجع العربية

- ‌ ب - المراجع الأوروبية

الفصل: ‌من أين جاء هذا التغيير المفاجيء

وحتى ذلك الوقت كان كل شيء يمر بسلام وكرامة على الأقل من جانب المسلمين، ولم يكن هناك ما ينبئ عن إمكان الإلتجاء إلى القوة. فبعد أن اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم على مصير أتباعه ووصولهم إلى بر الأمان، ورغم الأخطار التي كانت تهدد حياته صلى الله عليه وسلم. لم يتعجل في اللحاق بهم لأنه لم يكن ليغادر مكان دعوته دون إذن صريح من الوحي. ولقد اعتقد أن المطلوب منه هو إطالة بقائه بمسقط رأسه، حيث يتحتم عليه الإستمرار في دعوته، ومعه صاحباه أبو بكر وعلى بن أبي طالب. ولكنه في اليوم السابق لتنفيذ مؤامرة متفق عليها للقضاء على حياته، تلقى الأمر الإلهي بالهجرة، وفي اللحظة التي بدأت الخطوات لتنفيذ هذه المؤامرة الخبيثة، غادر الرسول صلى الله عليه وسلم مكة سرا مع أحد صاحبيه، وعهد إلى الثاني بأن يغطي انسحابه. وبعد أن نجا بمعجزة من هذا الخطر، ألم يكن ينبغي عليه أن يفكر في الانتقام من أعدائه الذين كانوا يريدون القضاء عليه؟ كلا .. وإذا تتبعنا مراحل نشاطه في العام الأول بعد الهجرة، وشطرا من العام الثاني نجد أنه كان يوجهه لأعمال سلمية نبيلة وبناءة: منها تشييد مسجده، وتنفيذ فريضة الصيام، ووضع نظام الآذان وتنظيم المجتمع داخليا وسليما. كل شيء كان يبدو في ذلك الوقت وكأن المسلمين قد أداروا ظهورهم عن مكة نهائيا، حتى في قبلة الصلاة، إلى أن حان منتصف العام الثاني، حيث بدأوا يعترضون قوافل تجارة قريش تمهيدا لمنازلتهم.

‌من أين جاء هذا التغيير المفاجيء

؟

يستحيل علينا - نظرا للأحكام العديدة النزيهة التي اتفق المستشرقون عليها - أن ننسب الباعث إلى نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم، فالإجراءات الحربية في الحقيقة ليست من طبعه ولا من عادته، بل العكس هو الصحيح إذ كثيرا ما جلب عليه تسامحه وعفوه عن المشركين لوما من القرآن

(1)

، فقد نقل إلينا الأثر كثيرا من عفوه

(1)

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (الأنفال - 67) إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [التوبة: 80] ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى

[التوبة: 113].

ص: 59

ومغفرته تجاه جرائم ارتكبت ضد شخصه أو ضد ذويه

(1)

.

ولقد حاول البعض أن يعلل هذا الاتجاه الجديد بضغط جماعة المسلمين عليه، وهم من هذا الشعب الذي يتميز بالروح الحربية كطبع أصيل فيه. ولكن العلماء الذين تعمقوا في دراسة الغريزة العربية، لا يؤيدون مثل هذا الافتراض، بل إنهم أثبتوا أن الدماء تثير الفزع في نفوس العرب، ولا سيما أعراب الصحراء، ويؤكدون أن البدو لا يحرصون علي الحروب. ولكنها عندما تفرض نفسها عليهم يقبلونها بدلا من تحمل الذل والعار.

وحتى بالنسبة لعمليات الغزو التي كانت تقوم بها بعض القبائل على بعض، فإن القبائل الرحل كانت تحرص دائما على عدم سفك الدماء

(2)

.

فلا يمكن إذن تفسير هذا التحول الجديد عن طريق تحليل نفسية الشعب ولا بتحليل نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يتعين البحث عن دوافعه في حدث تاريخي ولا بد أن شيئا ما قد حدث في تلك الفترة فأدى إلى هذا الموقف الجديد، والواقع أن القرآن يجسد أمامنا مشهدا مثيرا للغاية، فقد رأينا من سياق العرض السابق كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة كان يطيل بقاءه بمكة بعد رحيل أتباعه ليكون آخر المهاجرين. ومن هذا نستطيع أن نؤكد أنه لم يترك خلفه ما ينشغل به. بل ويمكننا التخلي عن أي أمل في أن يسلم أحد بعده في هذا البلد الوثني. ولكن الأمر في الحقيقة كان على خلاف ذلك وها هو القرآن ينقل إلى أسماعنا صوت استغاثة من بين أناس {مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} أسلموا وهم بمكة ولا سند لهم يعينهم على الهجرة أو على دفع الظلم عنهم، ويتعذبون بإيمانهم ويطلبون

(1)

ومنها عفوه عن مبعوث قريش الذي جاء بعد موقعة بدر لاغتياله، وعن اليهودية التي دست السم له في الطعام بخيبر، والأخرى التى دفعت ابنته زينب بعنف أثناء الهجرة وهى حامل فأجهضتها. وكذلك عفوه عن الذين جاءوا بالأفك ضد زوجته عائشة البريئة. وكم يستحق من إعجاب مسلكه السلمي الكريم وقت فتح مكة وبعده (انظر محمد والقرآن «لمؤلفه ج. ب، سان هيلير» ص 125 - 130).

(2)

«مهد الإسلام» لامنز ص 247 Lammens،Berceau de l'Ialam

ص: 60

العون الإلهي لنجدتهم

(1)

، فلقد كان الغرس القديم - الدرس والقدوة - مثمرا وهو بعيد على أية دعاية جديدة. وكلما خفق الإيمان تحركت العداوة والقسوة لإخماده بدون رحمة أو شفقة تاركة عددا من الضحايا لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم.

ماذا يكون الحال إذن .. ؟ ألا أن المهاجرين والأنصار وهم في معزلهم الأمين الآن يتمتعون بحريتهم الكاملة في الإيمان والعبادة، يحق لهم أن ينطووا في أنانيتهم ولا يعيروا لمصير إخوانهم بمكة أي اهتمام؟ هل يجوز منطقيا وبدون تحامل، أن تحرم «الحقيقة» و «الفضيلة» من حقهما في تلقي العون، وأن نترك الاستبداد يشهر سلاحه ضدهما؟

ومع ذلك فهذا العون المادي المطلوب عن حق لم يقدمه المسلمون بسهولة على الأقل في صورته الحربية. وهنا أيضا يكفي أن نرجع إلى القرآن الكريم - وهو المصدر الممتاز الذي لم يعد أحد من العلماء يشك في صدقه وصحته تاريخيا - لكي نرى التردد والتراجع من جانب «الأحرار» أما المشروع العسكري الذي كان غرضه تحرير «الأسرى» . ولقد تدخلت في هذا الموقف - بالإضافة إلي كراهية الحرب

(2)

، وإلى غريزة حفظ النفس

(3)

- ظروف خاصة جعلت - الحرب في نظرهم غير معقولة، فقد فكر المسلمون وهم فى معسكرهم على هذا النحو: كيف نلقي بأنفسنا على غرة أمام عدو يفوقنا عدة وعددا وهو يهاجمنا؟

(4)

أليس من الأفضل القيام ببعض الأعمال الانتقامية غير المباشرة

(5)

بحيث تشعر قريش بقوتنا

(1)

وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء 75].

(2)

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة - 216].

(3)

وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء - 77 - 78] أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء - 4].

(4)

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ [النساء - 13].

(5)

من المعلوم أن المسلمين عندما هاجروا تركوا أموالهم وممتلكاتهم لقريش الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحج - 40] فمن حقهم على الأقل أن يعوضوا ولو جزءا من بضائعهم وهذا هو ما يسميه «الدكتور سنكلير تسدال» حملات السلب والنهب (مصادر القرآن ص 276).

ص: 61

فتترك إخواننا وشأنهم؟ قد يكون من الأفضل اعتراض طريق العير وعدم الاصطدام بجيش قريش

(1)

ولكن فريضة التضحية العظمى كان قد حان وقتها، وأراد الله أن يفصل في الصراع القائم بين الحق والباطل

(2)

. فليس على الإنسان إلا أن يضطلع بواجبه ويصمد ليعرف كل لماذا يموت ولماذا يعيش

(3)

: هؤلاء من أجل مثلهم الأعلى، وأولئك من أجل أوثانهم ومعبوداتهم

(4)

.

تلك هذه الظروف التي انطلقت فيها شرارة الحرب المسلحة الأولى. فبقدر ما ظلت الإضطهادات ذات طابع فردي وخاص، إلتزم المسلمون مدة إقامتهم بمكة، بالامتناع عن أي رد فعل عنيف، وتحملوا جراحهم ببسالة

(5)

. أما الآن وقد اصطبغت كراهية المشركين بصبغة العمومية. وتحولت إلى حرب ضارية

(6)

. فقد أذن للمؤمنين بعد أكثر من عشر سنوات من الصبر الجميل

(7)

، بأن يجندوا أنفسهم

(8)

(،9) للدفاع الجماعي عن كيانهم، وللذود عن إخوانهم الذين لا سند

(1)

وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال - 7].

(2)

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال - 8].

(3)

وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال 42].

(4)

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ [النساء 76].

(5)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ

[النساء - 77].

(6)

وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ..... [البقرة - 217].

(7)

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج - 39].

(8)

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [البقرة - 216].

(9)

لقد كان تحول هذا الإذن بالقتال إلى أمر عام في ظروف غير مواتية على الإطلاق، بحيث لا يمكننا أن نوافق «الدكتور سنكلير» بأن القانون القرآني كان يتعدل تدريجيا حسب انتصارات محمد (ص 279).

ولقد وقع هذا الكاتب أيضا في أخطاء أخرى في نفس الموضوع - أولا - عندما قلب معنى الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ [البقرة - 217] التي تدين أعمال العدوان في الأشهر الحرم (ص 276) ثانيا - عندما اعتبر وسائل قمع الارهابيين إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة - 33] صورة جديدة للحرب تعد مرحلة ثالثة في هذا التطور (ص 277).

ص: 62