الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرياح
…
(1)
(،2) إلخ.
3 - في المستقبل: في التأكيد وفي النفي وفي الإغفال:
وبالإضافة إلى هذه الحقائق المقررة، أعلن القرآن عن أحداث ستتم فيما بعد، رأيناها تقع كما كان متوقعا بالضبط. وهكذا تنبأ بالمواقف الثلاثة لمعارضيه (في البداية موقف المخالف ثم موقف الميال للتوفيق وأخيرا المعادي)، وبتتابع مراحل مصائرهم على التوالي بحسب كل موقف: مجاعة ورخاء وهزيمة
(3)
. وأعلن عن
(1)
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ (الحجر 22).
(2)
عند اختيارنا للآيات التي استشهدنا بها في هذه الفقرة، حرصنا على تلافي ما يعاب به على الطريقة التوضيحية المعروفة «بالتأويل» ، والتي تتلخص في تفسيرآيات القرآن بحيث تتفق نتائج التفسير مع النتائج العلمية المقررة. ولكن الحماس دفع بعض المفسرين المحدثين إلى المبالغة في استخدام هذه الطريقة التوفيقية لصالح القرآن، بحيث أصبحت خطرا على الإيمان ذاته. لأنها إما أن تقلل من الإعتماد على معنى النص باستنطاقه ما لا تحتمله ألفاظه وجمله، وإما أن نعول أكثر مما يجب على آراء العلماء، وحتى على افتراضاتهم المتناقضة أو التي يصعب التحقق من صحتها.
وبعد أن نستبعد هذه المبالغات عن البحث، نرى أن من مقتضيات الإيمان التي لا غنى عنها - أن نضاهي الحقائق الفورية التي نجدها في القرآن مع نتائج العلماء المنهجية البطيئة. والقرآن ذاته يدعونا إلى البحث والكشف عن مصدره الرباني، وذلك بتدبره، وبتأمل آيات الخالق التي أودعها في الكون وفي أنفسنا لنصل إلى الدليل القاطع على صدقها المطلق أَ@فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 81 - 82] سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ@لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
ولكن الأمثلة السابقة هنا لا تتطلب تفسيرا أو تأويلا، وإنما تتضمن تطابقا عجيبا بين التوضيح القرآني ذاته وبين التوضيح العلمي الذي ثبت بعد بحوث طويلة خلال العصور والأجيال التي إنتهت إلى النتائج المقطوع بصحتها بفضل إسهام رجال متخصصين كل في فرعه المحدود.
هل في هذا مجرد صدفة؟ هل يمكن في عصر الجاهلية أن يتعرض رجل مجرد من أية معدات فنية، ومعتمد على علمه الطبيعي الخاص، وعلي مشاهداته المحدودة (بالإضافة إلى ما إشتمل عليه كتابه من حلول فى الإخلاق والدين والإجتماع) لعلوم التشريح والأرصاد الجوية والكونية والنفسية للحيوان والإنسان وفروع أخرى كثيرة، تتطلب إمكانيات فنية دقيقة، وتجارب جماعية متكاملة، وإن يعطينا في كل موضوع حقائق عالمية خالدة من غير أن يترك في أي مجال أثرا ولو طفيفا ينم عن عصره أو بيئته أو حتى خياله الشخصي؟.
(3)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ * أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 10 - 16].
الهزيمة التي منيت بها قريش ببدر في العام الثاني الهجري، وذلك قبل الهجرة بسنوات عديدة، على أنها ستقع في نفس الوقت الذي ينهزم فيه الفرس من الرومان
(1)
. وحادثة عجيبة وقعت في هذه المعركة، وكان القرآن قد تنبأ بها في بداية الإسلام وهي ضربة السيف التي تلقاها شخص يدعي الوليد بن المغيرة على أنفه وتركت عليها علامة أثارت سخرية قومه منه مدى حياته
(2)
. ولا حاجة إلى ذكر الظروف المخيبة للآمال، والتي أعلن القرآن بالرغم منها انتصاره القريب على أعدائه، فضلا عن خلود دعوته على مر الزمان
(3)
. بل وقيام دولة الإسلام الفتية على الأرض
(4)
، وعجز كل قوى الأرض عن القضاء عليها
(5)
. ولم يغفل الكلام عن مستقبل الطائفتين الدينيتين السابقتين، وعلاقاتهما المستقبلة، وهي الانشقاق والخلاف إلى يوم القيامة بالنسبة للمسيحية
(6)
، وتشتت بني إسرائيل في أقطار الأرض والاضطهاد الذي سيقع عليهم في كل مكان حتى نهاية العالم، وحاجتهم الدائمة إلى الحيف
(7)
وتفوق المسيحيين على اليهود إلى يوم القيامة
(8)
(،9) .. إلخ.
(1)
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللهِ [الروم: 3 - 5].
(2)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: 16].
(3)
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17].
(4)
وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور: 55].
(5)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:
36].
(6)
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى
…
فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 14].
(7)
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ [آل عمران: 112].
(8)
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [آل عمران: 55].
(9)
ليس هناك حرج في إبراز الفروق الأساسية التي تتميز بها - من نواح كثيرة - الوقائع التى تنبأ بها القرآن، والوقائع التي يتناولها علم النفس التجريبي الحديث (التلباثى) والمغناطيسية، وتحضير الأرواح، وقياس الظواهر النفسية، والأحلام، والتنبؤات، والرؤية الخلفية .. الخ، والتي - وإن كانت تثبت وجود عالم ما وراء الحواس، واحتمال الاتصال بهذا العالم الغيبي - لا تقدم لنا أدلة أكيدة عن مصدره الإلهي. وهذا الفرق يكمن «أولا» في مفهوم -