الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرة، على الواجهة السياسية والاقتصادية في المدن الكبرى فقط وإنما تغلغل في الأعماق النفسية لهذه الشعوب جميعا: فاللغات والأفكار والقانون والآمال والعادات وتصور العالم وفكرة الله، كل ذلك قد طرأ عليه تغيير جذري سريع
(1)
.
خطأ رأي علماء الغرب عن عوامل التوسعات الإسلامية:
ولم يقتصر تأثير هذا الغزو الفكري على اجتذاب النفوس التي آمنت به بصفة دائمة، بل إنه كان ينزع دائما إلى الإنتشار وكسب الأتباع كلما أتيحت له الفرصة لكي يظهر في بساطته ونقائه الفطريين. وهذه الحقيقة تتعارض مع ذلك الرأي الذائع الانتشار والذي تلوكه الألسنة دائما من أن الإسلام لم ينتشر إلا بحد السيف. أليس التأثير الذي يمارسه على النفوس في الوقت الحاضر دليلا ملموسا على أن له قوة ذاتية وتوافقا فريدا مع الطبيعة البشرية وحقيقة الأشياء؟
نظرة تاريخية وتحليلية عن منشأ الصراع الحزبي في الإسلام:
ولقد حدث في مرحلة معينة أن القوى المعادية أخذت تصب أحقادها وتستخدم كل عنفها لاضطهاد الدعوة الناشئة وتعذيب أتباعها، مما اضطرها إلى الوقوف في وجه هذه القوى ووضع حد لهذا الظلم الذي ساد وقتا طويلا. وفور إعلان المقاومة، هبت العناصر المعادية في كل مكان وتضافرت فيما بينها للقضاء على هذا النظام الجديد الذي خشيت أن يحل محلها. وتوالت الضربات من كل جانب مما اقتضي وقتا غير قصيرا لإعادة السلام من جديد.
وإذا نظرنا إلى واقع هذه الأمور، فلا نجد مع ذلك شيئا في هذه المرحلة يجعل منها عاملا جوهريا متعمدا في انتشار الدعوة الإسلامية، بل نجد أن السنوات العشر الأولى من الدعوة توضح لنا كيف أن العرض البسيط لمبادئ الإسلام كان يجذب كل يوم مسلمين جدد رغم كل العقبات. وتشهد هذه السنوات كذلك
(1)
لإدراك الفرق بين هذه الثورة وبين الفتوحات التاريخية الأخرى، نحيلكم لقراءة «الاستعمار المقدوني وحركة تحويل الشرق إلى القومية اليونانية» ومؤلفه جوجيه وكذا «أخلاق وعادات المسلمين»
(L'lmperialisme Maced،et l'Helenisation de l'Orient)
(Moeurs et Coutumes des Musulmans).
بمدى البطولة والتسامح اللذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين يتحملون بهما سخرية قومهم وسبهم، فضلا عن العزلة والمقاطعة التي فرضت عليهم ووصلت أحيانا إلى أقسى أنواع التعذيب والتنكيل
(1)
. ولقد أجبر ذلك مئات المسلمين - ومنهم من أشراف قريش مثل عثمان وأم حبيبة بنت أبى سفيان - أن يبحثوا عن ملجئ أمين
(2)
بالقرب من ملك الحبشة. ولكن المثل الأخاذ في هذه الحقبة، الذي يدل على الأثر العجيب لهذا النداء السلمي، ضربه لنا سكان يثرب (التي أطلق عليها «المدينة» فيما بعد). فمن قبل أن يروا وجه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن قبل أن يسمعوا صوته الندي، وبمجرد أن سمعوا التنزيل القرآني على لسان حجيجهم، أقبل عرب المدينة على الإسلام، وتلقوا القرآن بشغف، حتى أنه لم تبق أسرة واحدة إلا وكان من بين أفرادها عدد من المؤمنين. وأكثر من ذلك أن العداوات والخصومات التي ظلت سائدة بينهم ما يقرب من ربع قرن
(3)
، قد انطفأت فجأة بنفحة ربانية
(4)
وبعد أن كانوا أعداءا بالأمس أصبحوا بنعمة الله إخوانا
(5)
. وفي نفس الوقت بدأت العبادات الإسلامية - التي لم تمارس علانية بمكة بسبب الإضطهاد - تقام جماعة وعلى مرأى ومسمع من الناس جميعا (ومنها صلاة الجمعة كان يؤمهم فيها أبو أمامة قبل الهجرة بعام). ففي هذا الوسط الكريم استقبل جميع المسلمين تقريبا بحفاوة وترحاب، بعد أن تركوا {دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ}
(6)
، وبعد أن أوذوا بمكة أشد الإيذاء.
(1)
مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ [العنكبوت: 10].
(2)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:
110].
(3)
«مهد الإسلام قبيل الهجرة» مؤلفة لامنز، ص 265 Lammesn،‘‘Berceau de l'Islam ''
(4)
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال: 63].
(5)
إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً [آل عمران: 103].
(6)
الحشر: 8.