الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
.
هذا إذن هو المشهد الحي الذي يمتد أمام نظر المشاهد. فحيثما اتجه وجد ضلالا يحتاج إلى الهداية. وانحرافا يتطلب التقويم. ولن يجد أبدا نموذجا أخلاقيا ودينيا يصلح لأن ينقله محمد صلى الله عليه وسلم أو يبني عليه نظامه الإصلاحي. فلا شك أن المواد التي صادفها حتى الآن قد تجمعت في بناء يصلح للهدم، ولم يكن فيها ما يصلح ليقيم عليه بناءه الجديد.
الاتصال بالكتب المقدسة:
فلنوسع حقل البحث قليلا. إذ خارج العالم الملموس والمنظور، يوجد العالم المسموع، وبيئة الكتب والإطلاع. وإذا لم يصلح المثل والواقع، فقد يصلح الدرس.
ولكن من أين يأتي الدرس؟ ومن هو حامله؟.
إن أول إجابة تتبادر إلى الذهن في هذا المجال، هو أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد استخلص دروسه من مطالعاته المباشرة للكتب المقدسة القديمة سواء كانت مسيحية أو يهودية أو غيرها
(2)
. ولكن هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة والكتابة؟
هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ
؟:
يجيب القرآن بالنفي؛ ويبرهن بأمية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على ربانية تعليمه. إنه لا يقرر فحسب أنه أمّي من شعب أمّي
(3)
، أي غير متعلم، وليس فقط كما يريد
(1)
انظر هورات «مصدر جديد للقرآن» ص 129.
(2)
لقد ذهب الدكتور س. تسدال إلى حد الإدعاء بأن بعض المبادئ الإسلامية مستقاة من الزرادشتية.
وخصص فصلا كاملا لعناصر هذا المذهب الذي يرى أنها موجودة في القرآن والسنة. ومن غير مناقشة مصدر أو حتى تشابه الأفكار التي أوردها تحت هذا العنوان، نلاحظ - فيما عدا فكرة «الحور» - أنها لا تنسب إلى القرآن، وإنما إلى بعض الأثر المشكوك فيه. إنها فكرة النور «نور محمد» وفكرة «عزرائيل» ملك الموت وفكرة «السراط» جسر جهنم
…
الخ.
(3)
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
…
[الأعراف: 157] وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران: 164].
«سبرنجر» أنه ينتمي إلى شعب وثني لم يتلق أي كتاب سماوي من قبل
(1)
، وإنما يؤكد، بصريح العبارة، أنه لم يسبق له أن قرأ كتابا قبل القرآن، أو كتب بيده:{وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48].
ولا شك أن معارضيه كانوا يعرفون فيه هذه الأمية جيدا، لأنهم عندما أرادوا تعليل المصدر الذي تلقى عنه أساطير العصور القديمة، لم يجرؤوا أن يقولوا «كتبها» وإنما قالوا «اِكْتَتَبَها» أي كتبها له غيره {وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان: 5] وهما عبارتان مختلفتان تمام الاختلاف، إلا أنه التبس معناهما على بعض المستشرقين
(2)
.
(1)
وهذا التفسير غير معقول في بعض المواضع، فضلا عن أنه يتعارض مع القرآن في مواضع أخرى، حيث تطبق كلمة «أمي» على اليهود غير المتعلمين وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ [البقرة: 78] ومن جهة أخرى عندما يقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو وقومه «أمة أمية» يفسرها بأنهم لا يقرأون ولا يحسبون (البخاري كتاب الصوم باب 13).
(2)
انظر مثلا الكتاب السابق تأليف لوبلوا (ص 34). ولقد حاول هذا الكاتب - اقتداءا بغيره من الكتاب - أن يثبت العكس استنادا إلى رواية مضمونها أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، طلب أن يؤتى إليه بما يكتب عليه وصيته بشأن الخلافة. ولكن هذه الحجة ليست كافية، لأن الرواية لا تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب بالفعل، ولا ينبغي استخلاص شيء من أمر لم يتم، ولا سيما بالنسبة لإنسان في حالة احتضار.
ومن جهة أخرى، إن استعمال فعل «يكتب» بالنسبة للرؤساء والعظماء بوجه عام - ومن باب أولى بالنسبة لرئيس معروف بين أتباعه بأنه لم يستعمل القلم ولم يقرأ أبدا فيما مضى - معناه أن «يملي أو يضع خاتمه» . وبناء على ذلك يستعمل الرواة عند الحديث عن مراسلات الرسول صلى الله عليه وسلم السياسية للملوك والحكام هذا الفعل بالمعنى السابق «كتب إلى فلان» أي بواسطة كتبته أو سكرتارييه. ونفس الموقف عندما قيل «بينما يكتب هو وسهيل إذ طلع .. الخ» وذلك في صلح الحديبية بينما الذي كان يكتب بالفعل هو علي بإملاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهناك تعليل آخر حاولوا استنتاجه في حادث عرضى وقع أثناء هذا الصلح ذاته. إذ لما عنون علي الصلح وذكر فيه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم «محمد رسول الله
…
» اعترض مندوب قريش بحجة أنه إذا كان يعلم أنه رسول الله لما قاتله - ونزولا على رغبة هذا المندوب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليا باإلغاء هذا العنوان، ولكن الكاتب الورع لم يجرؤ على إجراء الشطب المطلوب، وعندئذ سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكان الكلمة المطلوب إلغاؤها وشطبها بيده. إلى هنا وليست هناك خلافات. إلا أنه توجد رواية صحيحة تضيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب محل الكلمة المشطوبة «محمد بن عبد الله» وهذه الإضافة تنسب في ظاهرها الكتابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وحتى على فرض أن هذا هو معني الرواية فليس هناك إشكال لأن القاعدة العامة تقتضى أن يكون إلحاق هذه الصفة بعبارة ذات معنى قطعي. ثم إن أي التباس ظاهري في المعنى توضحه وتبينه الروايات الأخرى التي تذكر أنه بعد إلغاء العنوان السابق بمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم استبدله بآخر. أما الإفادة من هذه النقطة الضيقة لإثبات معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم للكتابة فيعد نسيانا للواقعة التي تقول إنه لم يستدل -