الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستتر في كل من جزئي التوراة:
ولهذا نرى أن كلا من منهج العهد القديم ومنهج العهد الجديد، إما أنهما متكاملان أو متبادلان أو أنه لا مفر من الاعتراف بأنه لا ينبغي أن يحكم كل منهج منهما مستقلا عن الآخر إلا مجموعة محدودة من البشرية أو مرحلة معينة من التاريخ. والإنجيل - وهو يقدم لنا الوحدة التى لا تنفصم لآبائنا الأولين كمثل أعلى يبدو - أنه يقبل السلوك الواقعي القاسي من الذين لا يعرفون كيف يرتبون الأمور بطرق أخرى
(1)
والتوراة من جانبها - التي كثيرا ما تطالب بقانون النفس بالنفس والجرح بالجرح - تدعونا أحيانا إلى العفو عن المعتدي، وعدم الثأر من غيرنا
(2)
.
والقاعدة الأخلاقية الصحيحة إذن هي التي تضمنها كل من الكتابين المقدسين بحيث احتوى كل منهما على جزء منها وترك الجزء الآخر مستترا إلى حد ما.
التركيب القرآني:
ولقد تولى القرآن الكريم إعلان هذه القاعدة الكاملة واعتنى كل العناية بتوضيح عنصريها وإبراز قيمة كل عنصر في ذاته فيقول: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ}
[النحل 126 - 127] هذا ما يتعلق بالقصاص والعفو. أما فيما يختص بالطلاق
(1)
قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني. والذي يتزوج بمطلقة يزني. قال له تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج. فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم (متى 8:19 - 11).
(2)
لا تبغض أخاك في قلبك. إنذارا تنذر صاحبك ولا تحمل لأجله خطية. لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك (لاويين 17:19 - 18]
فينبغي أن نتصفح القرآن الكريم
(1)
لكي تتبين لنا الحواجز التي يجب على الإنسان أن يجتازها قبل أن يفكر في فصم هذه العلاقة المقدسة وفي موضع آخر يوضح لنا القرآن المحاولات التي يجب بذلها للتوفيق بين الزوجين قبل الانفصال نهائيا
(2)
وبعد كل هذا فإن من يرجع عن قراره في الطلاق يؤدي عملا يمحو سيئاته.
ويجلب له مغفرة ربه
(3)
فالطلاق في نظر الإسلام ليس عملا مباحا بغير حدود أو يؤدي بغير اكتراث؛ ولهذا يصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: «أبغض الحلال إلى الله»
(4)
.
وهكذا يوضح القرآن أعمال الرسل ويؤيد شرائعهم بالجمع والتوفيق بينها.
ونعتقد أن في هذا التوحيد لمختلف الاتجاهات وبهذا الأسلوب - الذي يقبل في إطار قانون أخلاقي واحد درجات متفاوتة من أعمال الخير - عاملا على جانب
(1)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً [النساء: 19] وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً [النساء: 35] وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء: 128].
(2)
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:
228 -
230]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ [الطلاق: 1 - 2].
(3)
فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 226].
(4)
أبو داود - كتاب الطلاق الباب الثالث باب في كراهية الطلاق باب (4) رقم (2178) ج 2 ص 632.