الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم
(1)
. إن الحكم الموضوعي يقر أننا لا نستطيع أن نلوم مثل هذا الموقف الدفاعي البحت المتفاني في السمو ولكن المسألة تتركز أساسا فيما إذا كان التشريع القرآني قد تطور فيما بعد ووسع مفهوم حق الدفاع عن النفس بحيث شمل كل مبادرة بالعدوان.
يبدو لنا أن معلومات العالم الغربي غير وافية في هذه النقطة: إذ يسود الإعتقاد أنه يحق للشعوب الإسلامية، بل وحتى طبقا لكتابهم المقدس - أن يستخدموا السلاح سواءا لفرض دينهم على الناس أو للقضاء على كل من لا يعتنقه، ويطلقون على ذلك «الحرب المقدسة» وهي عبارة يجعلونها تتوافق مع كلمه «جهاد» الواردة في القرآن الكريم. والحقيقة أن هذا التعبير النوعي الذي يقصد به «بذل الجهد» ليست له أية علاقة بالناحية العسكرية لأننا نجده أيضا في السور المكية: إما لبذل الجهد في الوعظ والدعوة، والجدال بالحسنى
(2)
، وإما لبذل الجهد الشخصي ذي الطابع الأخلاقي المحض
(3)
. أما ما يعبر عن الحرب الحقيقية فهي كلمة «قتال» .
القرآن يحدد الحرب الشرعية:
والرجوع إلى النص القرآني يوضح لنا الموضوع والهدف والحدود التي يستهدفها التشريع القرآني من وراء القتال، فيقول:{وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ} [البقرة: 192 - 193]، {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا}
(1)
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ [النساء 75].
(2)
فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً [الفرقان 52].
(3)
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت - آخرآية].
{إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً} [النساء: 90 - 91] وفى موضع آخر نجد نفس التفرقة {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} [الممتحنة: 8 - 9] وحتى في سورة التوبة التي تعتبر أشد السور على الكفار والمنافقين والمتقاعدين المترددين في القتال والتي تبدأ بإعلان عام يقطع كل علاقة بالمشركين، نرى العناية التي أولاها القرآن في استثناء المشركين الذين لم ينقضوا عهودهم فيصرح:{إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]. والموضوع الذي يحرض القرآن المؤمنين من أجله يتضح أكثر في الآية التالية: {أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[التوبة: 13]. وترتب على ذلك بطبيعة الحال أن يقول الله تعالى للمؤمنين {وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
[التوبة: 36] ولكن هذا القتال يتوقف بمجرد حفظهم للعهد {فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7]. فلا نجد في أي مكان إذنا بالبدء بالقتال، وإنما الأمر هنا محدد بموقف الخصم العدواني، والأكثر من ذلك أنه حتى بالنسبة للمشركين الذين لا يرتبطون مع المسلمين بعهود ومواثيق ويطلبون حمايتهم، نجد القرآن يطالب الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبلغهم مقصدهم في أمان
(1)
(،2).
(1)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة: 6].
(2)
عندما وصل سنكلير إلى هذا الموضع بعد أن أغفل الآيات التي توضح الحدود في حق الإلتجاء إلى القوة، اضطر لكي لا يتعارض مع نتائجه في البحث - أن يستبدل هذه الآية التي تدعو إلى حماية المحايدين بنقط.