الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلافيها، وقد يشتبه أيضا في بعض الانحرافات في الأجيال التالية. ولكن لنسمع أولا اعتراف أحد النقاد المعاصرين
(1)
وهو ممن لا يعلنون تأييدهم للنظام الإسلامي: «رغم العقبات الرسمية التي كانت تحول دون اعتناق الإسلام
(2)
فقد كان الناس يدخلون في هذا الدين أفواجا» (ص 217)«لم يحدث قط أن عربيا وهو في أوج حماسه لدينه الجديد - أن فكر في أن يطفيء في الدم المسفوك عقيدة دينية أخرى» (ص 207)«لم يحدث قط أن زاول الخليفة أي اضطهاد تجاه النصارى أو تجاه الزنادقة» (ص 208).
مقارنة بين الحروب الإسلامية وحروب حركة الإصلاح البروتستانتية:
وعلى أي حال فإن البؤس والآلام التي يمكن أن ننعيها في المعارك الإسلامية كانت طفيفة، والحروب كانت سريعة، مما يحملنا على الإعتقاد بأن الأبواب كانت مواربة أمام الفاتحين المسلمين. وما كان عليهم إلا دفعها لتفتح على مصراعيها.
فهذه السرعة من ناحية واستتباب النظام والأمن والعدل التي تلتها، من ناحية أخرى، قد حقن كثيرا من الدماء وقلل من الخسائر المادية. ولنتذكر أن حركة الإصلاح البروتستانتي التي لم تتناول بالتعديل إلا عدة مباديء فقط من المسيحية - قد كلفت أوربا خلال قرن ونصف قرن من الآلام والضحايا ما يربو على ذلك بكثير.
متانة البناء الإسلامي:
إن كل بنيان مزيف إذا عاش برهة من الزمان بفضل القوة التي تسانده لا بد وأن ينهار حين تختفي من حوله العناصر الغريبة عليه والتي ساعدت على بقائه قائما،
(1)
جوتييه - «أخلاق وعادات المسلمين» Moeurs et Coutumes des Musulmans
(2)
لا شك أن المؤلف يلمح إلى الخراج العقاري إذ أن المؤرخين ينقلون إلينا أن الخلفاء كانوا يحرصون على أن يكون الخراج أقل على الشعوب الأصلية مما كان يفرض على المسلمين الفاتحين، فقد أمر عمر بن عبد العزيز والي مصر أن يفرض على كل مالك مسلم 40 دينارا وعلى كل مالك قبطى النصف أي عشرين فقط («النجوم الزاهرة لابن تاغريبردي المجلد الأول ص 238 وردت بكتاب التعليم الإسلامي في مصر» للدكتور إبراهيم سلامة ص 14).
فماذا نرى اليوم بعد اثني عشر قرنا من الدهر الطويل، وبعد توقف التوسعات الإسلامية؟ هذه المبادئ المنتشرة بين شعوب جد مختلفة في الجنس واللغة واللون والمناخ من الصين إلى مراكش، ومن ليتوانيا حتى الموزمبيق، والتي تمثل أكثر من سدس سكان العالم،
(1)
هذا البناء الاجتماعي الذي تعرض طوال التاريخ المديد إلى عناصر التدمير الداخلية والخارجية - لم يفقد شيئا كثيرا من مظهره ولم يخسر شيئا على الإطلاق من جوهره. ورغم عدم استقرار الأحوال السياسية، فالبناء الديني والأخلاقي لا يزال منصوبا على قوائمه وثابتا في صلابة، بحيث قيل بحق: «إنه لم يحدث منذ بداية الهجرة أن مسلما قد تحول عن دينه إلي دين آخر
(2)
» وعلى أي حال نستطيع أن نؤكد أن المسلمين اليوم أقل إستعدادا لأن يتخلوا عن عقيدتهم من أتباع أية ديانة أخرى. أليس مما يناقض القوانين النفسية، أن ننسب هذا التمسك الوثيق بهذا الدين من جانب المسلمين إلى نوع من الاستسلام الوراثي يرجع أصله إلى نوع من الإكراه الذي وقع على آبائهم الأولين، وأن المسلمين لا يزالون يحتفظون بذكراه منقوشة في أعماق تركيبهم الذهني؟.
لا جدال في أنه يتحتم علينا أن نسلم بوجود الصفات الذاتية التي مكنت للإسلام من هذا الإنتشار ومن هذا الثبات رغم البعد عن تاريخ مولده.
***
(1)
طبقا للإحصائيات الحديثة المتواضعة بلغ تعداد المسلمين حاليا 350 مليونا.
(2)
«خطاب افتتاحي» مترجم إلى الفرنسية ومؤلفه بورتر في مقدمة «القرآن» تأليف دى راير.