الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنجده في القرآن
(1)
.
تأملاته الفكرية الشخصية:
وهنا يتعين علينا إدخال عامل جديد ألا وهو العامل الشخصي.
فقد يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في فترات تعبده في حراء قبيل نزول الوحي، بل وهو في خلوته عندما كان يرعى الغنم فى شبابه - كان ينطلق في تأملاته العميقة باحثا عن نوع الحقيقة في هذا الموضوع أو ذاك، وبعد إتمام بحثه يقوم بالإختيار والتحديد.
وهنا يجدر بنا التمييز بين مجالين من مجالات المعرفة الإنسانية، ألا وهما المعرفة الإمبيريفية (المنبعثة من الحياة اليومية) والمعرفة العقلية. فالتاريخ الإنساني لا يخضع لمنطقنا لأنه قد يشتمل على أحداث تتعارض مع ما يقبله العقل، فلا يستطيع محمد صلى الله عليه وسلم بانطوائه على نفسه أن يكتشف حادثا ما وقع في تاريخ ما من الزمان الغابر. ولهذا تتركز الجهود على المقارنة بين القصص الديني في القرآن، وبينه في الكتب المنزلة السابقة للبحث عن الطريقة التي نتج عنها هذا التوافق العجيب.
ثمار تأملاته الشخصية:
ولكن إذا كانت التأملات العقلية غير ذات جدوى في مجال الأحداث الواقعية، فإنها بلا أدنى شك تكون ذات قيمة عظيمة في مجال الكشف عن الحقائق الخالدة. فما هي حدود العقل الصافي المجرد في مادة الدين؟ إنها ضيقة بلا شك لأن العقل في مقدوره أن يثبت لنا ضلال الوثنية والخرافات وفراغها وعدم جدواها ولكن متى أزاح من طريقه هذه الخزعبلات، فماذا يبني مكانها؟ فليست هناك دعوة أو مذهب أو نظرية تنبنى على حقائق سلبية. ومن الأرجح أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد وجد نفسه - وهو في هذه المرحلة - في موقف الحنفاء، أي قلقا وحزينا، وهو
(1)
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82].
الحال الذي يرسمه لنا القرآن عن صورته قبيل نزول الوحي عليه: لقد كان حزينا وكأنه يئن تحت حمل ثقيل
(1)
.
ولنفرض أن اجتياز مرحلة البحث الأولى كان سريعا، وأن اكتشاف الحقيقة الجوهرية كان سهلا أو حدث في وقت مبكر. ولكن معرفة الله سبحانه وتعالى ليست هي كل العلم الديني الموجود في القرآن، والطريق الموصل إلى هذا العلم طويل ومتعثر إن لم يكن مغلقا ومسدودا أمام عقل الإنسان في حالة اعتماده على إمكانياته المحدودة. بأي إلهام إذن استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يكتشف صفات الله العديدة، وأسمائه الحسنى، وعلاقة الله بالكون المنظور وغير المنظور، والمصير الذي ينتظر الإنسان بعد الموت
…
ومن غير أن يتراجع في حقيقة سبق أن أعلنها، ومع احتفاظه في نفس الوقت بتوافقه العجيب مع حقائق الكتب السماوية السابقة والمحفوظة بعناية تحت يد العلماء؟ لا شك أن العقل مهما بلغ من الصفاء والقوة لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة في هذا السبيل بمثل هذه الثقة وهذا الوضوح ما لم يكن له عون ومدد من تعاليم ايجابية خارج نطاق البشر. والقرآن يؤكد هذا في تلك النقطة التي تشغلنا، ويقرر أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يدري قبل نزول الوحي عليه {مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ} [الشورى: 52]، وذلك بصرف النظر عن البناء التشريعي بمظاهره المختلفة، الأخلاقي منها والاجتماعي والتعبدي. كيف نعبد الله؟ ما هي قاعدة السلوك المثلى للفرد والمجتمع والإنسانية؟ لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يجهل كل ذلك فهل كان في استطاعته هداية غيره، بينما كان عاجزا عن هداية نفسه في أمور دينه؟
(2)
.
(1)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ [الإنشراح: 1 - 3].
(2)
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى [الضحى: 7].