الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3609 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ يَعْنِي الْقَبْرَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ.» قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلْمَانَ: تُقْطَعُ يَدُ النَّبَّاشِ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْمَيْتِ بَيْتَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3609 -
(وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ) أَيْ أَجَبْتُ لَكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَطَلَبْتُ السَّعَادَةَ لِإِجَابَتِكَ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةَ (قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ) أَيْ كَيْفَ حَالُكَ وَمَالُكَ (إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ) أَيْ وَبَاءٌ عَظِيمٌ (يَكُونُ الْبَيْتُ) أَيْ بَيْتُ الْمَوْتِ أَوِ الْمَيْتِ وَهُوَ الْقَبْرُ (فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِ إِصَابَتِهِ (بِالْوَصِيفِ) أَيْ بِمُقَابَلٍ بِهِ فِي النِّهَايَةِ الْوَصِيفُ الْعَبْدُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَكْثَرَ الْمَوْتَ حَتَّى يَصِيرَ مَوْضِعَ قَبْرٍ يُشْتَرَى بِعَبْدٍ مِنْ كَثْرَةِ الْمَوْتَى وَقَبْرُ الْمَيْتِ بَيْتُهُ (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ (الْقَبْرَ) وَهُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الرُّوَاةِ (قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] الْآيَةَ (قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ) أَيِ الْزَمِ الصَّبْرَ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ، فَإِنَّ الصَّابِرَ عَلَى دِينِهِ حِينَئِذٍ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ تَعُمُّ الدِّينَ وَالْبَدَنَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (قَالَ حَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ: تُقْطَعُ يَدُ النَّبَّاشِ) أَيْ نَبَّاشُ الْقُبُورِ لِأَخْذِ الْكَفَنِ (لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْمَيْتِ بَيْتَهُ) بِالْجَرِّ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبًا عَلَى التَّفْسِيرِ وَالتَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي. اه وَجَوَازُ كَوْنِ التَّمْيِيزِ نَكِرَةً مَذْهَبُ بَعْضِ النُّحَاةِ قَالَ: وَاسْتَدَلَّ حَمَّادٌ بِتَسْمِيَتِهِ الْقَبْرَ الْبَيْتَ عَلَى أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْمَيْتِ فَتُقْطَعُ يَدُ النَّبَّاشِ. اه. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ إِطْلَاقِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَوْنُهُ حِرْزًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ حَارِسٌ لَمْ يُقْطَعْ بِلَا خِلَافٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالُ: حُرِّزَ كُلُّ شَيْءٍ بِحَسَبِ مَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ حِرْزًا، وَلِذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَطْعِهِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا قَطْعَ عَلَى نَبَّاشٍ وَهُوَ الَّذِي يَسْرِقُ أَكْفَانَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّفْنِ، هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ أَبُو ثَوْرٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالزَّهْرِيُّ لَهُمْ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَرَّحَ بِضَعْفِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَفِي سَنَدِهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ كَبِشْرِ بْنِ حَازِمٍ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: لَا قَطْعَ فِي الْمُخْتَفِي، قَالَ: وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْ بِعُرْفِهِمْ وَأَمَّا الْآثَارُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ثُمَّ أَعَلَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمَكِّيِّ قَالَ عَطَاءٌ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ وَيُمَاثِلُهُ أَيْ فِي الضَّعْفِ أَثَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِيهِ مَجْهُولٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَقِيتُهُ بِمِنًى عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمَا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنِ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ، فَأَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُتِيَ مَرْوَانُ بِقَوْمٍ يَخْتَفُونَ أَيْ يَنْبُشُونَ الْقُبُورَ فَضَرَبَهُمْ وَنَفَاهُمْ وَالصَّحَابَةُ يَتَوَافَرُونَ. اه وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ وَزَادَ: وَطَوَّفَ بِهِمْ. وَكَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ أَشْعَثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُخِذَ نَبَّاشِيٌّ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَسَأَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ فَأَجْمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ وَيُطَافَ بِهِ. اه فَحِينَئِذٍ فَلَا يُشَكُّ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِنَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ قُلْتُ: فَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ قَطْعِ نَبَّاشٍ يُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السَّاعِي فِي الْفَسَادِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْعِبَادِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
[بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ]
بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3610 -
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ، فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
ــ
بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3610 -
(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ) أَيْ أَحْزَنَهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْهَمِّ (شَأْنُ الْمَرْأَةِ) قَالَ: التُّورِبِشْتِيُّ يُقَالُ: أَهَمَّنِي الْأَمْرُ إِذَا أَقْلَقَكَ وَأَحْزَنَكَ (الْمَخْزُومِيَّةِ) أَيِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ (الَّتِي سَرَقَتْ) أَيْ وَكَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَيْضًا وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا (فَقَالُوا) أَيْ قَوْمُهَا (مَنْ يُكَلِّمُ) أَيْ بِالشَّفَاعَةِ (فِيهَا) أَيْ فِي شَأْنِهَا (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ (فَقَالُوا) وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالُوا أَيْ بَعْضٌ مِنْهُمْ (وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أُسَامَةَ قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ وَمَنْ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ مِنَّا أَحَدٌ لِمَهَابَتِهِ وَلِمَا لَا يَأْخُذُهُ فِي دِينِ اللَّهِ رَأْفَةٌ وَمَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ. اه وَالْأَظْهَرُ أَنَّ (مَنْ) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ يُعْطِي مَعْنَى النَّفْيِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ فَالْمَعْنَى: لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى يَجْتَرِئُ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِذْلَالِ وَهَذِهِ مَنَقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُسَامَةَ (فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ) أَيْ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَفَاعَةٍ حَسَنَةٍ مَقْبُولَةٌ وَذُهُولًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء: 85](فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ (ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ) أَيْ بَالَغَ فِي خُطْبَتِهِ أَوْ أَظْهَرَ خُطْبَتَهُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ خَطَبَ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ حَمْدِهِ وَثَنَاءِ رَبِّهِ (إِنَّمَا أَهْلَكَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (الَّذِينَ قَبْلَكُمْ) يَحْتَمِلُ كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ (أَنَّهُمْ كَانُوا) أَيْ كَوْنُهُمْ إِذَا سَرَقَ إِلَخْ أَوْ مَا أَهْلَكَهُمْ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ إِذْ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا (إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ) أَيِ الْقَوِيُّ (تَرَكُوهُ) أَيْ بِلَا إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ) أَيِ الْقَطْعَ أَوْ غَيْرَهُ (وَايْمُ اللَّهِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَسُكُونِ يَاءٍ وَضَمِّ مِيمٍ وَبِكَسْرٍ وَبِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَيُكْسَرُ فَفِي الْقَامُوسِ: وَايْمَنُ اللَّهِ وَايْمُ اللَّهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَايْمُ اللَّهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ وَالتَّقْدِيرُ ايْمُنُ اللَّهِ قَسَمِي، وَفِي النِّهَايَةِ: وَايْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ وَفِي هَمْزِهَا الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ وَالْوَصْلُ وَفِي شَرْحِ الْجَزَرِيَّةِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ: الْأَصْلُ فِيهَا الْكَسْرُ ; لِأَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ لِسُقُوطِهَا، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ فِي هَذَا الِاسْمِ ; لِأَنَّهُ نَابَ مَنَابَ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَهُوَ الْوَاوُ فَفُتِحَتْ لِفَتْحِهَا وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مُفْرَدٌ وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْيُمْنِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَرَكَةُ اللَّهِ قَسَمِي وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ وَايْمُ اللَّهِ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَوَصْلِهَا أَصْلُهُ ايْمَنُ فَلَمَّا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَذَفُوا النُّونَ فَقَالُوا: ايْمُ اللَّهِ وَقَالُوا: امُ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ. اه وَفِيهِ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْقَامُوسِ (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) إِنَّمَا ضَرْبَ الْمَثَلَ بِفَاطِمَةَ ; لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ صلى الله عليه وسلم. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةُ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ) وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْجُحُودُ لِتَعْرِيفِهَا وَإِلَّا فَالْقَطْعُ كَانَ لِسَرِقَتِهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ فَسَرَقَتْ (فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ مُسْلِمٌ أَوِ الرَّاوِي عَنْ عَائِشَةَ (بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَإِنَّمَا لَمْ تُذْكَرِ السَّرِقَةُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ لَا الْإِخْبَارُ عَنِ السَّرِقَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَجِبُ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى الْإِمَامِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّشْفِيعُ فِيهِ فَأَمَّا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَقَدْ أَجَازَ فِيهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلنَّاسِ وَأَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ فَيَجُوزُ الشَّفَاعَةُ وَالتَّشْفِيعُ فِيهَا سَوَاءٌ بَلَغَتِ الْإِمَامَ أَمْ لَا لِأَنَّهَا أَهْوَنُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ أَذًى.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3611 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: «مَنْ أَعَانَ خُصُومَةً لَا يَدْرِي أَحَقٌّ أَمْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ» .
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3611 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ حَالَتْ) مِنَ الْحَيْلُولَةِ أَيْ حَجَبَتْ (شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ) أَيْ عِنْدَهُ وَالْمَعْنَى مَنْ مَنَعَ بِشَفَاعَتِهِ حَدًّا (مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ قُدَّامَ حَدٍّ فَيَحْجِزُ عَنِ الْحَدِّ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ (فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ) أَيْ خَالَفَ أَمْرَهُ ; لِأَنَّ أَمْرَهُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ ; لِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ حِمَاهُ وَمَنِ اسْتَبَاحَ حِمَى اللَّهِ تَعَدَّى طَوْرَهُ وَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا حَمَا فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ (وَمَنْ خَاصَمَ) أَيْ جَادَلَ أَحَدًا (فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ يَعْلَمُ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ خَصْمَهُ عَلَى حَقٍّ أَوْ يَعْلَمُ الْبَاطِلَ أَيْ ضِدَّهُ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَيُصِرُّ عَلَيْهِ (لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ) أَيْ يَتْرُكَ وَيَنْتَهِيَ عَنْ مُخَاصَمَتِهِ يُقَالُ: نَزَعَ عَنِ الْأَمْرِ نُزُوعًا إِذَا انْتَهَى عَنْهُ (وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ) أَيْ مِنَ الْمَسَاوِئِ (أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُفْتَحُ وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الرَّدْغَةُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَهُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ، وَفِي النِّهَايَةِ جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ وَالرَّدْغَةُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا طِينٌ وَوَحْلٌ كَثِيرٌ وَالْخَبَالُ فِي الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَبْدَانِ وَالْعُقُولِ اه. قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ الصَّدِيدُ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ وَقِيلَ: الْخَبَالُ مَوْضِعٌ فِي جَهَنَّمَ مِثْلُ الْحِيَاضِ يَجْتَمِعُ فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَعُصَارَتُهُمْ (حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) أَيْ مِنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيفَاءِ عُقُوبَتِهِ أَوْ بِاسْتِدْرَاكِ شَفَاعَتِهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ مَغْفِرَتِهِ قَالَ الْقَاضِي: وَخُرُوجُهُ مِمَّا قَالَ أَنْ يَتُوبَ عَنْهُ وَيَسْتَحِلَّ مِنَ الْمَقُولِ فِيهِ، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِثْمِ مَا قَالَ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ إِثْمِهِ أَيْ إِذَا اسْتَوْفَى عُقُوبَةَ إِثْمِهِ لَمْ يُسْكِنْهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ بَلْ يُنْجِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَيَتْرُكُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ: حَتَّى عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي غَايَةُ فِعْلِ الْمُغْتَابِ فَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا فَيَجِبُ التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ بِسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ فِي إِسْكَانِهِ رَدْغَةَ الْخَبَالِ وَيُؤَيِّدُهُ الْقَرِينَةُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ ; لِأَنَّ النَّزْعَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى مُفَسَّرٌ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ الْبَاطِلَةِ وَعَلَى هَذَا فِي الثَّالِثَةِ وَالْحَيْلُولَةُ بِالشَّفَاعَةِ أَعْظَمُهَا ; لِأَنَّهُ مُضَادَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا النَّزْعَ قُلْتُ: لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ لَيْسَتْ مُسْتَمِرَّةً فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُهُ بِحَدٍّ قَالَ: ثُمَّ الِاغْتِيَابُ بِوَضْعِ الْمُسَبَّبِ مَوْضِعَ السَّبَبِ تَصْوِيرٌ لِتَهْجِينِ أَمْرِ الْمُغْتَابِ وَكَأَنَّهُ فِيهَا الْآنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اه وَفِيهِ أَنَّ الْغَيْبَةَ أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُهُ وَهُوَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ بُهْتَانٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ لَا يَكُونُ مُغْتَابًا بَلْ يَكُونُ آتِيًا بِالْبُهْتَانِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ (فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مَنْ أَعَانَ) أَيْ تَعَصُّبًا أَوْ عَبَثًا (عَلَى خُصُومَةٍ لَا يَدْرِي أَحَقٌّ) أَيْ هِيَ (أَمْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ) .
3612 -
وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ، قَالَ: بَلَى. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَعْتَرِفُ فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِيءَ بِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ. ثَلَاثًا» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ هَكَذَا وَجَدْتُ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ.
ــ
3612 -
(وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ) قِيلَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ (الْمَخْزُومِيِّ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ: صَحَابِيٌّ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ رَوَى عَنْهُ أَبُو الْمُنْذِرِ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلُصٍّ) بِضَمِّ اللَّامِ وَيُكْسَرُ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي الْقَامُوسِ مُثَلَّثُ اللَّامِ أَيْ جِيءَ بِسَارِقٍ (قَدْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَقَدِ (اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا) أَيْ أَقَرَّ إِقْرَارًا صَرِيحًا (وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ) أَيْ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا إِخَالُكَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ هُوَ الْأَفْصَحُ وَأَصْلُهُ الْفَتْحُ قُلِبَتِ الْفَتْحَةُ بِالْكَسْرَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يَفْتَحُ هَمْزَتَهَا إِلَّا بَنُو أَسَدٍ، فَإِنَّهُمْ يُجْرُونَهَا عَلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مِنْ خَالَ يَخَالُ أَيْ مَا أَظُنُّكَ (سَرَقْتَ) قَالَهُ دَرَأً لِلْقَطْعِ (قَالَ: بَلَى) أَيْ سَرَقْتُ (فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (كُلَّ ذَلِكَ) بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كُلَّ ذَلِكَ ظَرْفُ يَعْتَرِفُ قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْمَعْنَى (يَعْتَرِفُ) فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَرَّاتِ وَذَكَرَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَامِلُهُ فَأَعَادَ (فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِيءَ بِهِ) أَيِ السَّارِقُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أَيِ اطْلُبْ مَغْفِرَةَ اللَّهِ بِاللِّسَانِ (وَتُبْ إِلَيْهِ) أَيِ ارْجِعْ إِلَى اللَّهِ بِالْجَنَانِ (فَقَالَ) أَيِ السَّارِقُ (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا) أَيِ اقْبَلْ تَوْبَتَهُ أَوْ ثَبِّتْهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ مُطَهِّرًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ فَسَادِ الطَّوِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُطَهِّرٌ لَعَيْنِ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ ثَانِيًا مِنْ جِهَةِ الرَّبِّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَتَكْرِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِغْفَارَ لَهُ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا لِتَوْبَتِهِ. اه وَمَا فِيهِ لَا يَخْفَى قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا يُسْتَشْهَدُ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْرِضَ لِلسَّارِقِ بِالرُّجُوعِ وَأَنَّهُ إِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ قُبِلَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ كَمَا فِي الزِّنَا وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلِمَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّرِقَةَ لَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارٍ مَرَّةً وَاحِدَةً كَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الْحَدِّ وَيَحْرُمُ تَلْقِينُهُ بِالرُّجُوعِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «تَعَافَوْا بِالْحُدُودِ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدَ وَجَبَ» . وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا لَقَّنَهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ لَهُ مَخْرَجًا عَنْهُ بِالرُّجُوعِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «ادْرَءوُا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ» . وَإِنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَخْرَجٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْهُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ عِنْدِي أَنَّهُ ظَنَّ بِالْمُعْتَرِفِ غَفْلَةً عَنِ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا فَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَبِينَ ذَلِكَ مِنْهُ يَقِينًا وَقَدْ نَقَلَ تَلْقِينَ السَّارِقِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. اه وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِلَّا إِعَادَةُ الْإِقْرَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ اسْتِبَانَةُ أَمْرِ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا لَا ظَنًّا وَلَا يَقِينًا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ مَا ظَنَّ لَمَّا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الِاعْتِرَافَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ مَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمَارَةَ كَافِيَةٌ فِي الظَّنِّ بِالْخَيْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اه. وَفِيهِ أَنَّ ظَنَّ الْخَيْرِ بِالْمُسْلِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمَارَةٍ مَعَ أَنَّ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ خُصُوصًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ إِمَّا وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوِ احْتِرَازًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَتَاعٌ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لَمَا لَقَّنَهُ لِئَلَّا يَفُوَتَ مَالُ الْمَظْلُومِ وَلِهَذَا مَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ عِنْدَهُ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَلَا يُسَنُّ التَّلْقِينُ لَهُ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى إِعَادَةِ الِاعْتِرَافِ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْهُ إِلَّا بَعْدَ تَكْرَارِ إِقْرَارِهِ وَلَمَّا أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِسَرِقَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: قَدْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ شَهَادَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا:«يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا سَرَقَ فَقَالَ: مَا أَخَالُهُ سَرَقَ، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ قَالَ: فَذَهَبَ بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ: تُبْ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَقَالَ: تُبْتُ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَقَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» فَقَدْ قَطَعَهُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً اه. وَفِيهِ أَنَّهُ وَقَعَ حِينَئِذٍ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُحْتَاجُ إِلَى التَّصْحِيحِ وَالتَّرْجِيحِ فَالْأَوْلَى حَمَلُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ عَلَى أَنَّ اعْتِرَافَهُ الْأَوَّلَ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الصَّحَابَةُ بِنَاءً عَلَى اعْتِرَافِهِ عِنْدَهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا سَرَقَ لَا أَنَّهُمْ شَهِدُوا وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُرْفَعُ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فَمَآلُهُمَا وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِقْرَارِ الْمُتَعَدِّدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ) أَيِ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ (أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ هَكَذَا) أَيْ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ لَا عَنْ أَبِي رِمْثَةَ (وَجَدْتُ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ) أَيِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ (وَجَامِعِ الْأُصُولِ) أَيْ وَفِي جَامِعِ أُصُولِ السُّنَّةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ.
3613 -
وَشُعَبُ الْإِيمَانِ وَمَعَالِمُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ بِالرَّاءِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ.
ــ
3613 -
(وَشُعَبُ الْإِيمَانِ) أَيِ الْبَيْهَقِيُّ (وَمَعَالِمُ السُّنَنِ) أَيْ لِلْخَطَّابِيِّ (عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ) بِالتَّصْغِيرِ (وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ بِالرَّاءِ) أَيِ الْمَكْسُورَةِ قَبْلَ مِيمٍ سَاكِنَةٍ (وَالثَّاءُ الْمُثَلَّثَةُ بَدَلُ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ) أَيْ فِي صُورَةِ الْخَطِّ مَا قَطَعَ النَّظَرَ عَنِ الشَّكْلِ وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُؤَلِّفُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْتِزَامِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَصْلِ الْبَابِ الْمُهِمِّ عِلْمُهُ فِي الْكِتَابِ مَا وَرَدَ فِي رَدِّ الْمَسْرُوقِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَضَمَانِ السَّارِقِ عِنْدَ فَقْدِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ وَأَنَا أَذْكُرُ لَكَ الْمَسْأَلَةَ وَاخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا مَعَ الْأَدِلَّةِ فَفِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ تُضْمَنْ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ ; لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُضْمَنْ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَهُ فِيهِ جِنَايَةٌ ثَابِتَةٌ فَلِأَنْ لَا يُضْمَنَ بِالْهَلَاكِ وَلَا جِنَايَةَ أُخْرَى لَهُ فِيهِ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضْمَنُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَحَمَّادٍ وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ السَّارِقُ مُوسِرًا ضُمِّنَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَلَا خِلَافَ إِنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا إِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ قَبْلَهُ: أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إِلَى دَعْوَى الْمَالِ وَجْهُ قَوْلِهِمْ عُمُومُ {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَمْلُوكًا عُدْوَانِيًّا فَيَضْمَنُهُ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ وَالْمَانِعُ إِنَّمَا هُوَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ حَقَّيِ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْآخَرُ حَقُّ الضَّرَرِ فَيُقْطَعُ حَقُّ اللَّهِ وَيُضْمَنُ حَقُّ الْعَبْدِ وَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لِلَّهِ وَيَضْمَنُهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِيمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَخِيهِ الْمِسْوَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ» ، وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ:«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ وَضَعْفٍ» فَإِنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ جَدُّهُ فَإِنَّهُ الْمِسْوَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ آخَرُ فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْفُرَاتِ رَوَاهُ عَنِ الْمُفَضَّلِ فَأَدْخَلَ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيَّ، وَقَالَ الْمُنْذِرُ: سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَعِنْدَنَا الْإِرْسَالُ غَيْرُ قَادِحٍ بَعْدَ ثِقَةِ الرَّاوِي وَأَمَانَتِهِ، وَذَلِكَ السَّاقِطُ إِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ فَقَدْ عُرِفَ وَبَطَلَ الْقَدَحُ بِهِ وَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَنَّهُ يَحْمِلُ غُرْمَ السَّارِقِ عَلَى أُجْرَةِ الْقَاطِعِ مَدْفُوعٌ بِرِوَايَةِ الْبَزَّارِ، لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنِ السَّارِقِ قَضَاءً لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ وَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّ الثَّوْبَ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَذَا لَوْ خَاطَ قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مَحْظُورٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ إِيجَابُ الْقَضَاءِ بِهِ كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ قَضَاءً، وَيَلْزَمْهُ دِيَانَةً كَالْبَاغِي إِذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ لِتَعَذُّرِ إِيجَابِ الضَّمَانِ بِعَارِضٍ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُعْتَبَرُ قَضِيَّةَ السَّبَبِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ: الْخَمْرُ سَتْرُ الشَّيْءِ وَيُقَالُ لِمَا يَسْتُرُ بِهِ خِمَارٌ وَالْخَمْرُ سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ خَامِرًا لِمَقَرِّ الْعَقْلِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمُ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ اه. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ بَابِ بَيَانِ الْخَمْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.