الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3445 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ إِنْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ عَدُوِّهِ. فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَنْحَرْ نَفْسَكَ ; فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا قَتَلْتَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً، وَإِنْ كُنْتَ كَافِرًا تَعَجَّلْتَ إِلَى النَّارِ، وَاشْتَرِ كَبْشًا فَاذْبَحْهُ لِلْمَسَاكِينِ ; فَإِنَّ إِسْحَاقَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَفُدِيَ بِكَبْشٍ. فَأَخْبَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ هَكَذَا كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أُفْتِيَكَ. رَوَاهُ رَزِينٌ.
ــ
3445 -
(وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ) : اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الِافْتِعَالِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ هَمْدَانِيٌّ ابْنُ أَخِي مَسْرُوقٍ، رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: إِنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ إِنْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ عَدُوِّهِ) : فَإِنَّ النَّجَاةَ مِنَ الْعَدُوِّ مَعَ تَصَوُّرِ أَنْوَاعِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ أَصْعَبُ مِنْ قَتْلِ الْوَاحِدِ نَفْسَهُ بِيَدِهِ إِمَّا نَظَرًا إِلَى الْفَضِيحَةِ وَالتَّعْيِيبِ، وَإِمَّا نَظَرًا إِلَى قِلَّةِ التَّعْذِيبِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ يَقَعُ كَثِيرًا مِنَ الْجَهَلَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ غَالِبٌ عَلَيْهِ لَذَّةُ الْخَلَاصِ مِنْ عَدُوِّهِ حَتَّى ذُهِلَ عَنْ فَقْدِ نَفْسِهِ وَهَلَاكِهِ بِيَدِهِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ قَالَ أَعْرَابِيٌّ فَقَدَ إِبِلًا لَهُ: مَنْ أَتَانِي بِهِ فَهُوَ لَهُ، فَقِيلَ لَهُ: فَمَا فَائِدَتُكَ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ مَا تَعْرِفُونَ لَذَّةَ الْوِجْدَانِ. (فَسَأَلَ) : أَيِ الرَّجُلُ (ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: سَلْ مَسْرُوقًا) .
قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ، أَسْلَمَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَدْرَكَ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَكَانَ أَحَدَ الْأَعْلَامِ وَالْفُقَهَاءِ الْكِرَامِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ فَهُمْ هَؤُلَاءِ: الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ رضي الله عنه، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ: كَانَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَامِلًا عَلَى الْبَصْرَةِ أَهْدَى إِلَى مَسْرُوقٍ رضي الله عنه ثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُحْتَاجٌ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، يُقَالُ: إِنَّهُ سُرِقَ صَغِيرًا ثُمَّ وُجِدَ مَسْرُوقًا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. (فَسَأَلَهُ، فَقَالَ) : أَيْ لَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (لَا تَنْحَرْ نَفْسَكَ ; فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا، قَتَلْتَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً) : يَعْنِي وَقَدْ قَالَ تَعَالَى جل جلاله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ - وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 29 - 93] الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِصَاصِ مَا وَرَدَ مِنَ الْوَعِيدِ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ. (وَإِنْ كُنْتَ كَافِرًا تَعَجَّلْتَ إِلَى النَّارِ، وَاشْتَرِ كَبْشًا فَاذْبَحْهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ) : أَيْ أَوْ إِسْمَاعِيلَ عَلَى خِلَافٍ فِي الذَّبِيحِ، تَوَقَّفَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّصْحِيحِ. (خَيْرٌ مِنْكَ، وَفُدِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِكَبْشٍ) : إِيمَاءً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ عَظِيمُ شَأْنِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107](فَأَخْبَرَهُ) : أَيِ الرَّجُلُ (ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه : أَيْ بِمَقُولِ مَسْرُوقٍ (فَقَالَ) : أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ (هَكَذَا كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أُفْتِيَكَ) أَيْ: أَفْتَاكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَعَلَّهُ إِنَّمَا بَعَثَهُ إِلَى مَسْرُوقٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الصِّدِّيقَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ لَا يَسْتَعْجِلَ فِي الْفَتْوَى، بَلْ يَسْتَشِيرُ أَوْ يَرْجِعُ إِلَى النَّقْلِ. (رَوَاهُ رَزِينٌ) : أَيْ فِي جَامِعِهِ.
[كِتَابُ الْقِصَاصِ]
كِتَابُ الْقِصَاصِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3446 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» " " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
كِتَابُ الْقِصَاصِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَصْدَرٌ مِنَ الْمُقَاصَّةِ، وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ، أَوْ فِعَالٌ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ أَيْ تَبِعَهُ، وَالْوَالِي يَتْبَعُ الْقَاتِلَ فِي فِعْلِهِ. الْمُغْرِبُ: الْقَصُّ الْقَطْعُ وَقُصَاصُ الشَّعْرِ مَقْطَعُهُ وَمُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إِلَى حَوَالَيْهِ، وَمِنْهُ الْقِصَاصُ وَهُوَ مُقَاصَّةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلَ، وَالْمَجْرُوحِ الْجَارِحَ وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ إِيَّاهُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ ثُمَّ عُمَّ فِي كُلِّ مُسَاوَاةٍ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3446 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ) : أَيْ إِرَاقَتُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَّضِحٌ عُرْفًا فَلَا إِجْمَالَ فِيهِ، وَلَا فِي كُلِّ تَحْرِيمٍ مُضَافٍ إِلَى الْأَعْيَانِ كَمَا ظُنَّ، وَالْمُرَادُ بِامْرِئٍ: الْإِنْسَانُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ شَامِلٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسْوَانِ إِلَّا فِي جَانِبِ الْمُرْتَدَّةِ فَسَيَأْتِي الْبَيَانُ (" مُسْلِمٍ ")، هُوَ صِفَةٌ مُقَيَّدَةٌ لِامْرِئٍ (" يَشْهَدُ ") : أَيْ يَعْلَمُ وَيَتَيَقَّنُ وَيَعْتَقِدُ (" أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") : أَيْ بِوُجُودِهِ وَوُجُوبُ وُجُودِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ (" وَأَنِّي رَسُولُ ") : أَيْ إِلَى كَافَّةِ خَلْقِهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَشْهَدُ مَعَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ جَاءَتْ لِلتَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ هُوَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِمَا كَافٍ لِلْعِصْمَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الظَّاهِرُ أَنَّ يَشْهَدُ حَالٌ جِيءَ بِهَا مُقَيِّدَةً لِلْمَوْصُوفِ مَعَ صِفَتِهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بِهِمَا الْعُمْدَةُ فِي حَقْنِ الدَّمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. (" إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ") : أَيْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ: قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَزِنًا لِمُحْصَنٍ، وَالِارْتِدَادُ، فَفَصَّلَ ذَلِكَ بِتَعْدَادِ الْمُتَّصِفِينَ بِهِ الْمُسْتَوْجِبِينَ الْقَتْلَ لِأَجْلِهِ فَقَالَ:(" النَّفْسِ ") : بِالْجَرِّ وَجُوِّزَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فِيهَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ قَالَ الْكَازَرُونِيُّ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ، وَبِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ عَلَى الْأَوَّلِ اهـ. وَلَعَلَّهُ رِوَايَتُهُ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ الْجَرُّ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِابْنِ حَجَرٍ أَيْ قَاتِلِ النَّفْسِ. (" بِالنَّفْسِ ")، لِيُلَائِمَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ:(" وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ ") . أَوْ تَقْدِيرُهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَزِنَا الثَّيِّبِ وَمُرُوقُ الْمَارِقِ، لِيَكُونَ بَيَانًا لِلْخِصَالِ الثَّلَاثِ، وَبِالنَّفْسِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ قَتْلٍ مُلْتَبِسٍ بِالنَّفْسِ كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلْمُقَابَلَةِ أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ الْمُقْتَصِّ بِالنَّفْسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ إِخْرَاجًا لِلْقَتْلِ الْمُسْتَحَقِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ يَحِلُّ قَتْلُ النَّفْسِ قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَهَا عُدْوَانًا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِوَلِيِّ الدَّمِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِأَحَدٍ سِوَاهُ، حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُرَفَاءِ: كَمَا كَتَبَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فِي قَتْلَاهُ الَّذِينَ بَذَلُوا الرُّوحَ الْإِنْسَانِيَّ عِنْدَ شُهُودِ الْجَلَالِ الصَّمَدَانِيِّ، كَمَا قَالَ: مَنْ أَحَبَّنِي قَتَلْتُهُ، وَمَنْ قَتَلْتُهُ فَأَنَا دِيَتُهُ، الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى. أَيْ مَنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ فَيْضُهُ مُتَّصِلًا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنْ كَانَ فِي رِقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُكَوِّنَاتِ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ غَايَةَ الِاتِّصَالِ، وَمَنْ كَانَ نَاقِصًا فِي دَعْوَى مَحَبَّتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِكَمَالِ مَحَبَّتِهِ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ دِيَتَهُ فَلَهُ حَيَاةُ الدَّارَيْنِ وَالْبَقَاءُ بِرَبِّ الثَّقَلَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ الْمُحْصَنُ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الَّذِي أَصَابَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ثُمَّ زَنَى، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ رَجْمَهُ وَلَيْسَ لِآحَادِ النَّاسِ ذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ خِلَافٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ ; لِأَنَّ إِبَاحَةَ دَمِهِ لِمُحَافَظَةِ أَنْسَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَهُ حَقًّا فِيهِ، أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ اقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رحمه الله وَفِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ إِبَاحَةَ دَمِ الْقَاتِلِ أَيْضًا لِمُحَافَظَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى الرَّجْمِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا [أَلْبَتَّةَ] نَكَالًا مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا، وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا الْحَدِيثَ. وَكَانَ ذَلِكَ بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ فِي الزِّنَا مَفَاسِدَ مِنِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَتَضْيِيعِ الْأَوْلَادِ، وَيَثِبُ كُلُّ رَجُلٍ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْحُرُوبُ بَعْدَ التَّشَبُّهِ بِالْبَهَائِمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبِكْرُ وَالْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَيُجْلَدُ مِائَةً، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ،
وَيُرَادُ بِالْمَارِقِ لِدِينِهِ الْخَارِجُ عَنْهُ مِنَ الْمُرُوقِ وَهُوَ الْخُرُوجُ، وَمِنْهُ الْمَرَقُ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ اللَّحْمِ عِنْدَ الطَّبْخِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَهُوَ مُهْدَرٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لَا قِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، وَفِيمَا إِذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ خِلَافٌ. اهـ.
وَالتَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْمَارِقِ أَيِ الَّذِي تَرَكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَانْفَرَدَ عَنْ أَمْرِهِمْ بِالرِّدَّةِ الَّتِي هِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوِ اعْتِقَادًا، فَيُحَبُّ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَتَسْمِيَتُهُ مُسْلِمًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا بِالْبِدْعَةِ أَوْ نَفْيِ الْإِجْمَاعِ كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ ; فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ دَخَلَ الْإِسْلَامَ بِشَيْءٍ سِوَى مَا عُدِّدَ كَتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْأَرْبَعِينَ: وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» ". أَيِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْكُفْرِ كَذَا فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ السَّابِقُ نَصٌّ فِي الْحَصْرِ الْمُفِيدِ لِنَفْيِ قَتْلِهِ، فَلَا يَثْبُتُ إِثْبَاتُهُ بِمِثْلِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ فُسِّرَ بِأَنَّهُ قَارَبَ الْكُفْرَ، أَوْ شَابَهَ عَمَلَ الْكَفَرَةِ، أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ الْكُفْرَانُ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا اسْتَحَلَّ تَرْكَهُ أَوْ نَفَى فَرْضِيَّتَهُ، أَوْ عَلَى الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ إِيجَابِ الْحَجِّ:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] حَيْثُ وَضَعَ قَوْلَهُ: كَفَرَ مَوْضِعَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي النَّفْسِ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي قَوْلِهِمْ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ} [المائدة: 45] وَالْمَفْهُومُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْطُوقِ مَعَ الِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنْ لَا مَفْهُومَ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: التَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ بِأَيَّةِ رِدَّةٍ كَانَتْ فَيَجِبُ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْمَرْأَةُ ; فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالُوا: وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ خَارِجٍ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِبِدْعَةٍ أَوْ نَفْيِ إِجْمَاعٍ كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمَا، وَخُصَّ مِنْ هَذَا الْعَامِّ الصَّائِلُ وَنَحْوُهُ، فَيُبَاحُ قَتْلُهُ فِي الدَّفْعِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ، وَالْمُرَادُ لَا يَحِلُّ تَعَمُّدُ قَتْلِهِ قَصْدًا إِلَّا فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَعْنَى: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ حَالُ الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْقَهْرِ الْإِلَهِيِّ، وَالطَّرْدِ الْكُلِّيِّ، لَا يُفْتَحُ لَهُمْ بَابُ الْمَشْهَدِ الصَّمَدِيِّ، وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَأْتِيهِ الْإِلْهَامُ مِنَ الرَّبِّ، وَلَا بَابُ السَّمْعِ وَالْإِبْصَارِ، فَيَدْخُلُهُمَا الْفَهْمُ وَالِاعْتِبَارُ، فَارْتَدُّوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَصِرَاطِ التَّوْحِيدِ، وَاحْتَجَبُوا بِظُلُمَاتِ الْكَثْرَةِ عَنْ نُورِ التَّفْرِيدِ، وَاسْتَحَقُّوا الْقَتْلَ وَالنَّارَ، وَحُبِسُوا فِي ظُلُمَاتِ دَارِ الْبَوَارِ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اشْتَغَلَ بِالْفَضَائِلِ، وَانْتَهَى عَنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَسَائِرِ الرَّذَائِلِ، وَمَا أَنْفَعَ قَوْلَ الْقَائِلِ:
أَيَا فَاعِلَ الْخَيْرِ عُدْ ثُمَّ عُدْ
…
وَيَا فَاعِلَ الشَّرِّ مَهْ لَا تَعُدْ
فَمَا سَادَ عَبْدٌ بِدُونِ التُّقَى
…
وَمَنْ لَمْ يَسُدْ بِالتُّقَى لَمْ يَسُدْ
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ يَعْنِي السِّتَّةَ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَجَدْتُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . فَجُمْلَةُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ أَسْقَطَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيٌّ فِي أَرْبَعِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ: كَذَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِمَا، وَصَاحِبُ الْمِشْكَاةِ مَعَ الْتِزَامِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ تَتَبُّعَ الصَّحِيحَيْنِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ خَالَفَ هَاهُنَا وَاخْتَارَ تَأْخِيرَ الثَّيِّبِ عَنِ النَّفْسِ، مَعَ أَنَّ التَّرْتِيبَ لِلتَّرَقِّي مُسْتَفَادٌ مِنْ نَقْلِنَا إِذِ الزِّنَا دُونَ الْقَتْلِ، وَهُوَ دُونَ الِارْتِدَادِ، لَا يُقَالُ الْوَاوُ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، لِأَنَّا نَقُولُ: التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ مُعْتَبَرٌ صَحِيحٌ فِي كَلَامِ الْحَكِيمِ الْفَصِيحِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ» ". ثُمَّ قَوْلِهِ: الزَّانِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي نُسَخِ الْمِشْكَاةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَكَذَا فِي النُّسَخِ، الزَّانِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَ النُّونِ، وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ قُرِئَ بِهَا فِي السَّبْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9] وَالْأَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ إِثْبَاتُ الْيَاءِ.
3447 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» ) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3447 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ ") : بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ سَعَةٍ (" مِنْ دِينِهِ ") : وَرَجَاءِ رَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ (مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ") . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أُمُورُ دِينِهِ وَيُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ، وَلَوْ بَاشَرَ الْكَبَائِرَ سِوَى الْقَتْلِ، فَإِذَا قَتَلَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:" «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» ". قِيلَ: الْمُرَادُ بِشَطْرِ الْكَلِمَةِ قَوْلُ: " أَقٍ ". وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَصْلِ الثَّانِي:" «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا» ". أَيِ الْمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ مُسَارِعًا لَهَا مَا لَمْ يُصِبُ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ لِشُؤْمِ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الْإِثْمِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ عَيَّاشٍ بِلَفْظِ:" «لَنْ يَزَالَ الْعَبْدُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِذَا شَرِبَهَا خَرَقَ اللَّهُ عَنْهُ سِتْرَهُ وَكَانَ الشَّيْطَانُ وَلِيَّهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَرِجْلَهُ يَسُوقُهُ إِلَى كُلِّ شَرٍّ وَيَصْرِفُهُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ» ". كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الِانْتِهَاءُ عَنِ الْكَبَائِرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَذْكُورِ هُوَ وَأَمْثَالُهُ، وَخُصَّ بِالذِّكْرِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
3448 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3448 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (" أَوَّلُ مَا يُقْضَى ") : أَيْ يُحْكَمُ (" بَيْنَ النَّاسِ ") : أَيِ الْمُؤْمِنِينَ (" يَوْمَ الْقِيَامَةِ ") : ظَرْفُ يُقْضَى (" فِي الدِّمَاءِ ") . خَبَرٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا يُقْضَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا لِتَعْظِيمِ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَتَأْثِيرِ خَطَرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهَذَا فِي الْمَأْمُورَاتِ، أَوِ الْأَوَّلُ فِي الْمُحَاسَبَةِ، وَالثَّانِي فِي الْحُكْمِ، لِمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا:" «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» ". وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ عز وجل: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 22 - 23] الْآيَةَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
3449 -
ــ
3449 -
(وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَرَأَيْتَ) : أَيْ أَعَلِمْتَ فَأَخْبِرْنِي (إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا)، أَيْ أَرَادَ كُلٌّ مِنَّا قَتْلَ الْآخَرِ بِالْفِعْلِ (فَضَرَبَ) : أَيِ الْكَافِرُ (إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ) : أَيْ مَثَلًا فِي الْمَحَلِّ وَالْآلَةِ (فَقُطِعَتْ)، أَيْ يَدَيَّ (ثُمَّ لَاذَ مِنِّي) : مِنَ اللِّيَاذِ بِمَعْنَى الْعِيَاذِ أَيِ الْتَجَأَ (بِشَجَرَةٍ) أَيْ مَثَلًا مَعَ أَنَّ الِالْتِجَاءَ نَفْسَهُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ فَرْضٌ غَالِبِيٌّ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ (فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ) : أَيِ انْقَدْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ، أَوْ دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى (- وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا أَهْوَيْتُ) : أَيْ قَصَدْتُ (لِأَقْتُلَهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - أَأَقْتُلُهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (بَعْدَ أَنْ قَالَهَا) ؟ أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَفِي نُسْخَةٍ قَالَهُ أَيْ هَذَا اللَّفْظَ (قَالَ: " لَا تَقْتُلْهُ ") . قَالَ الْقَاضِي: يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ صِحَّةُ إِسْلَامِ الْمُكْرَهِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ
حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ) . أَيْ وَمَعَ هَذَا لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ، (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا تَقْتُلْهُ ") ، يُسْتَفَادُ مِنْ نَهْيِهِ عَنِ الْقَتْلِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ ثَانِيًا بَعْدَمَا كَرَّرَ أَنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ يَدَيْهِ قِصَاصًا (" فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ") ، لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا مَعْصُومَ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي أَبَاحَتْ دَمَكَ قِصَاصًا، وَالْمَعْنَى كَمَا كُنْتَ قَبْلَ قَتْلِهِ مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ كَذَلِكَ هُوَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (" وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ ") . لِأَنَّكَ صِرْتَ مُبَاحَ الدَّمِ كَمَا هُوَ مُبَاحُ الدَّمِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ إِبَاحَةَ دَمِ الْقَاتِلِ بِحَقِّ الْقِصَاصِ وَإِبَاحَةَ دَمِ الْكَافِرِ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَحَسِبُوا أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكُفْرِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَدَّ الْقَاتِلَ مِنْ عِدَادِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلِ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ اهـ كَلَامُ الْقَاضِي.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَوْ حُمِلَ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: 97] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] لَجَازَ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَارِكَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فِي الْآيَتَيْنِ فِي زُمْرَةِ الْكَافِرِينَ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا إِيذَانًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْكُفْرِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ، وَبِدَارِ الْمَقَامِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ أَزْجَرُ وَأَرْدَعُ مِمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ إِهْدَارِ الدَّمِ، وَلِأَنَّ جَعْلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بَلْ نَازِلٌ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَمْرِ الْفَظِيعِ الشَّنِيعِ، وَكَذَلِكَ هُوَ بِمَنْزِلَتِكَ فِي الْإِيمَانِ بِوَاسِطَةِ تَكَلُّمِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ تَوْهِينًا لِفِعْلِهِ وَتَعْظِيمًا لِقَوْلِهِ، وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله. قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ مِثْلُهُ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَارْتِكَابِ الْإِثْمِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْإِيمَانُ فَيُسَمَّى إِثْمُهُ كُفْرًا وَإِثْمُكَ مَعْصِيَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3450 -
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا. قَالَ: " فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3450 -
(وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) : حِبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ أَرْسَلَنِي مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ)، بِالتَّصْغِيرِ قَبِيلَةٌ (فَأَتَيْتُ) : أَيْ مَرَرْتُ أَوْ أَقْبَلْتُ (عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ) ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ شَرَعْتُ أَضْرِبُهُ بِالرُّمْحِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْعَيْنِ. فَفِي الْقَامُوسِ: طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ طَعْنًا ضَرَبَهُ وَزَجَرَهُ. (فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَتَلْتُهُ) ، ظَنَّ رضي الله عنه أَنَّ إِسْلَامَهُ لَا عَنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، أَوِ اجْتَهَدَ فِي هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَنْفَعُ، فَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:(فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ")، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَةٌ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ) : أَيْ إِظْهَارَ الْإِيمَانِ (تَعَوُّذًا) . مَفْعُولٌ لَهُ، وَقِيلَ: حَالٌ أَيْ مُسْتَعِيذًا مِنَ الْقَتْلِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَمَا كَانَ مُخْلِصًا فِي إِسْلَامِهِ (فَقَالَ) : أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (" فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ") ؟ أَيْ إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ. فَلِمَ لَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَعْلَمَ وَتَطَّلِعَ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ؟ أَتَعَوُّذَا قَالَ ذَلِكَ أَمْ إِخْلَاصًا؟ وَشَقُّ الْقَلْبِ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْفَحْصِ وَالْبَحْثِ عَنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أُسَامَةَ ادَّعَى أَمْرًا يَجُوزُ مَعَهُ الْقَتْلُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْبَاحِثِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ، وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا يَظْهَرُ بِاللِّسَانِ فَقَالَ: هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ قَالَهَا بِالْقَلْبِ وَاعْتَقَدَهَا وَكَانَتْ فِيهِ، أَمْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ: بَلْ جَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ يَعْنِي: فَأَنْتَ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هَذَا، فَاقْتَصِرْ عَلَى اللِّسَانِ وَلَا تَطْلُبْ غَيْرَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ يُحْكَمُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.
3451 -
وَفِي رِوَايَةِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَهُ مِرَارًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
3451 -
(وَفِي رِوَايَةِ جُنْدُبٍ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَتُفْتَحُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَتُكْسَرُ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً (ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ)، بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ ") ؟ أَيْ كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مَنْ يَلْفِظُ بِهَا (" يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قَالَهُ) : أَيْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْقَوْلَ (مِرَارًا) . أَيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي الْمَجَالِسِ تَخْوِيفًا وَتَهْدِيدًا وَتَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي دِمَاءِ الْكُفَّارِ الْإِبَاحَةُ، وَكَانَ عِنْدَ أُسَامَةَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مُسْتَعِيذًا مِنَ الْقَتْلِ لَا مُصَدِّقًا بِهِ، فَقَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ، وَالْخَطَأُ عَنِ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ، أَوْ تَأَوَّلَ فِي قَتْلِهِ أَنْ لَا تَوْبَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] قَالَ الْقَاضِي: وَأَيْضًا هَذَا الرَّجُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ بِمَا قَالَ حَتَّى يَضُمَّ الْإِقْرَارَ بِالنُّبُوَّةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى بِمَا هُوَ الْعُمْدَةُ، وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ حَتَّى يَتَعَرَّفَ حَالَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ فِي سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا تَلَفَّظَ بِهِ رَدُّ إِشْعَارٍ بِإِهْدَارِ دَمِ الْقَاتِلِ قِصَاصًا وَلَا بِالدِّيَةِ، بَلْ فِيهِ الدَّفْعُ عَنْهُ بِشُبْهَةِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا، وَالزَّجْرُ وَالتَّوْبِيخُ عَلَى فِعْلِهِ وَالنَّعْيُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ يَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْقَتْلِ اهـ.
وَحُكِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه غَلَبَ عَلَى كَافِرٍ وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ لِيَقْطَعَ عُنُقَهُ، فَتَفَلَ الْكَافِرُ إِلَى جَانِبِهِ فَقَامَ عَلِيٌّ عَنْ جَنْبِهِ وَقَالَ: أَعِدِ الْمُبَارَزَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ بَاعِثِ تَرْكِ قَتْلِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: لَمَّا فَعَلْتَ الْفِعْلَ الشَّنِيعَ تَحَرَّكَتْ نَفْسِي فَخِفْتُ أَنْ أَقْتُلَكَ غَضَبًا لَهَا لَا خَالِصًا لِوَجْهِهِ تَعَالَى، فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَخُلُوصِ طَوِيَّتِهِ رضي الله عنه. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3452 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ; وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3452 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو)، بِالْوَاوِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا ") : بِكَسْرِ الْهَاءِ، مَنْ عَاهَدَ الْإِمَامَ عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ ذِمِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَنْ عَاهَدَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِالْمُعَاهِدِ مَنْ كَانَ لَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ شَرْعِيٌّ، سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ:" لَمْ يَرُحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ") ، فِيهِ رِوَايَاتٌ ثَلَاثٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ رَاحَ يَرَاحُ، وَبِكَسْرِهِ مِنْ رَاحَ يَرِيحُ، وَبِضَمِّ الْيَاءِ مَنْ أَرَاحَ يُرِيحُ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْيَاءِ هُوَ أَجْوَدُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ثُمَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَجِدْ رِيحَهَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا أَصْلًا، بَلْ أَوَّلُ مَا يَجِدُهَا سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِفُوا الْكَبَائِرَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَعَاضَدَتْ بِهِ الدَّلَائِلُ النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ، عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَلَا يُحْرَمُ مِنَ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ التَّغْلِيظُ: (" وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ ") : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ تُوجَدُ (" مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ") . أَيْ عَامًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ. قَالَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله: وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعِينَ عَامًا، وَفِي الْأُخْرَى مِائَةَ عَامٍ، وَفِي الْفِرْدَوْسِ أَلْفُ عَامٍ، وَجَمَعَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ، وَتَفَاوُتِ الدَّرَجَاتِ، فَيُدْرِكُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، وَمَنْ شَاءَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ طُولَ الْمَسَافَةِ لَا تَحْدِيدَهَا. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي رِوَايَةٍ:" مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ قَتْلُهُ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " أَيْ مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِهَا مُدَّةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِالتَّاءِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ مَرْفُوعًا:" «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ» ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ.
3453 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ; فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ; فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3453 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَرَدَّى ") : أَيْ رَمَى نَفْسَهُ (" مِنْ جَبَلٍ ") : قَالَ الْقَاضِي: التَّرَدِّي فِي الْأَصْلِ التَّعَرُّضُ لِلْهَلَاكِ مِنَ الرَّدَى، وَشَاعَ فِي التَّهَوُّرِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا أَنْ يَتَهَوَّرَ الْإِنْسَانُ مِنْ جَبَلٍ (" فَقَتَلَ نَفْسَهُ ")، أَيْ فَصَارَ بِالرَّمْيِ سَبَبَ قَتْلِ نَفْسِهِ (" فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهَا ") : أَيْ بِعَذَابٍ فِيهَا جَزَاءً وِفَاقًا (" خَالِدًا ") : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ (" مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ") . تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى بَيَانِ أَنَّ فَاعِلَهُ مُسْتَحِقٌّ لِهَذَا الْعَذَابِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُدَّةِ وَتَأْكِيدُهُ بِالْمُخَلَّدِ وَالتَّأْبِيدِ يَكُونُ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ. (" وَمَنْ تَحَسَّى ") : التَّحَسِّي وَالْحَسْوُ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ تَكَلُّفًا أَيْ مَنْ شَرِبَ (" سُمًّا ") : بِفَتْحِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا. قَالَ الْأَكْمَلُ: السُّمُّ مُثَلَّثُ السِّينِ الْقَاتِلُ (" قَتَلَ نَفْسَهُ ")، أَيْ بِشُرْبِ ذَلِكَ السُّمِّ (" فَسُمُّهُ ") : مُبْتَدَأٌ (" فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ ") : أَيْ يَتَكَلَّفُهُ فِي شُرْبِهِ (" فِي نَارِ جَهَنَّمَ ") : كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ - يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 16 - 17](" خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهِ أَبَدًا ") أَيْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ) أَيْ بِآلَةٍ مِنْ حَدِيدٍ (فَحَدِيدَتُهُ) : أَيْ تِلْكَ بِعَيْنِهَا أَوْ مِثْلِهَا (" فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ ") : بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ تَفَعُّلٌ مِنَ الْوَجْئِ، وَهُوَ الطَّعْنُ بِالسِّكِّينِ وَنَحْوِهِ، كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: يَجَأُ عَلَى وَزْنِ يَضَعُ. قَالَ شَارِحُهُ: مِنْ وَجَأْتَهُ بِالسِّكِّينِ أَيْ ضَرَبْتَهُ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ لِلْقَرَائِنِ مِنْ قَوْلِهِ: يَتَرَدَّى وَيَتَحَسَّى وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (" بِهَا ") : لِلْحَدِيدَةِ أَيْ يَطْعَنُ بِهَا فِي بَطْنِهِ (" فِي نَارِ جَهَنَّمَ ") : أَيْ حَالَ كَوْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (" خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ") .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ مُسْتَحِلِّينَ لَهُ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْهُ الْعُمُومُ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ دَوَامِ الِانْقِطَاعِ لَهُ، وَاسْتِمْرَارٍ مَدِيدٍ يَنْقَطِعُ بَعْدَ حِينٍ بَعِيدٍ لِاسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْمَعْنَيَيْنِ، فَيُقَالُ: وَقَفَ وَقْفًا مُخَلَّدًا مُخَلَّدًا مُؤَبَّدًا، وَأُدْخِلَ فُلَانٌ حَبْسَ الْأَبَدِ، وَالِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَجِبُ جَعْلُهُمَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا تَصْنَعُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَتْلُوهُ مَرْوِيًّا عَنْ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ» الْحَدِيثَ. قُلْتُ: هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، إِذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَافِرًا، أَوِ ارْتَدَّ مِنْ شِدَّةِ الْجِرَاحَةِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُسْتَبِيحًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ ظَنًّا عَلَى الدَّوَامِ وَالْإِقْنَاطِ الْكُلِّيِّ فَضْلًا عَنِ الْقَطْعِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ بِصَدَدِ أَنْ يَحْمِلَهُ الضَّجَرُ وَالْحُمْقُ وَالْغَضَبُ عَلَى إِتْلَافِ نَفْسِهِ، وَيُسَوِّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّ الْخَطْبَ فِيهِ يَسِيرٌ، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أُخْرَى حَرُمَ قَتْلُهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِنَفْسِهِ مُطَالِبٌ مِنْ قِبَلِ الْخَلْقِ فَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، أَعْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُكَلَّفِينَ أَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمُعَذَّبُونَ بِهِ عَذَابًا شَدِيدًا، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ كَقَتْلِ سَائِرِ النُّفُوسِ الْمُحَرَّمَةِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا، كَذَا فِي شَرْحِ عَقِيدَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْبُغَاةُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ، وَكَذَا قَاتِلُ نَفْسِهِ خِلَافًا لَأَبِي يُوسُفَ لَا الشَّهِيدُ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3454 -
وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعَنُهَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3454 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الَّذِي يَخْنُقُ ") : بِضَمِّ النُّونِ مِنْ حَدِّ نَصَرَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا أَيْ: يَقْتُلُ (" نَفْسَهُ ") : بِالْخَنَقِ، وَفِي مَعْنَاهُ الشَّنْقُ. قَالَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ: أَيْ يَعْصِرُ حَلْقَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ مَصْدَرُهُ الْخَنَقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالنُّونِ. (" يَخْنُقُهَا ") : أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ يَخْنُقُهَا اللَّهُ (" فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعَنُهَا ") : بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّنْقِيحِ، وَفِي الْقَامُوسِ: طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ ضَرَبَهُ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا ضُبِطَ فِي الْأُصُولِ. (" يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ ". كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ) .
3455 -
وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا، فَجَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3455 -
(وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ)، أَيِ الْبَجَلِيِّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ ") : الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ (" جُرْحٌ ")، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُفْتَحُ (" فَجَزِعَ ") : بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الصَّبْرِ (" فَأَخَذَ سِكِّينًا، فَحَزَّ ") : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، أَيْ: قَطَعَ بِغَيْرِ إِبَانَةٍ قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ. وَقِيلَ: وَرُوِيَ بِالْجِيمِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى، وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَزُّ الْقَطْعُ، وَالْجَزُّ بِالْجِيمِ قَطْعُ الشَّعْرِ وَالْحَشِيشِ أَيْ قَطَعَ (" بِهَا ") : أَيْ بِتِلْكَ السِّكِّينِ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ (" يَدَهُ ") : أَيِ الْمَجْرُوحَةَ (" فَمَا رَقَأَ الدَّمُ ") : بِفَتَحَاتٍ أَيْ مَا سَكَنَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَتَّى مَاتَ (" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ") : أَيْ أَرَادَ مُبَادَرَتِي بِرُوحِهِ (" فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ ") . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَرَّمَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى يُذِيقَهُ وَبَالَ أَمْرِهِ إِنْ لَمْ يَرْحَمْهُ بِفَضْلِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3456 -
ــ
3456 -
(وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: أَسْلَمَ وَصَدَّقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ. (وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ) : أَيِ الطُّفَيْلُ (إِلَيْهِ)، أَيْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَهَاجَرَ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ الطُّفَيْلِ (رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَمَرِضَ) : أَيِ الرَّجُلُ (فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ مِشْقَصٍ كَمِنْبَرٍ وَهُوَ السِّكِّينُ، وَقِيلَ: نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا غَيْرَ عَرِيضٍ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَاقْتَصَرَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الثَّانِي (فَقَطَعَ بِهَا) : أَيْ بِبَعْضِ الْمَشَاقِصِ (بَرَاجِمَهُ) ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ، وَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ الَّتِي بَيْنَ الرَّوَاجِبِ، وَهِيَ الْمَفَاصِلُ الَّتِي تَلِي الْأَنَامِلَ وَبَيْنَ الْأَشَاجِعِ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْكَفَّ، كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَصَابِيحِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْبَرَاجِمُ هِيَ الْعُقَدُ الَّتِي فِي ظُهُورِ الْأَصَابِعِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ الْوَاحِدَةُ بُرْجُمَةٌ بِالضَّمِّ، (فَشَخَبَتْ) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ سَالَتْ (يَدَاهُ) : أَيْ دَمُهُمَا (حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ وَهَيْئَتُهُ) : أَيْ سِمَةُ الرَّجُلِ وَحَالُهُ (حَسَنَةٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَةٌ (وَرَآهُ) : بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ مَمْدُودَةٍ أَيْ عَقِبَهُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ فَرَآهُ، ثُمَّ قَوْلِهِ:(مُغَطِّيًا يَدَيْهِ)، بِكَسْرِ الطَّاءِ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (فَقَالَ) : أَيِ الطُّفَيْلُ (لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: مَا لِيَ) : بِفَتْحِ الْإِضَافَةِ وَسُكُونِهَا (أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي) : أَيْ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ) : أَيْ بِيَدَيْكَ، وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ إِلَّا إِنْ شَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (فَقَصَّهَا) : أَيْ فَحَكَى الرُّؤْيَا (الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ ") . عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُ وَلِيَدَيْهِ (" فَاغْفِرْ ") .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: عُطِفَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: وَقِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: قِيلَ لِي غَفَرْنَا لَكَ سَائِرَ أَعْضَائِكَ إِلَّا يَدَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ". وَاللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَاغْفِرْ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ رُؤْيَا أُرِيَهَا الصَّحَابِيُّ لِلِاعْتِبَارِ بِمَا يُؤَوَّلُ تَعْبِيرُهُ، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ". مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخُلُودَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي حَقِّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ ; لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِلْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ بَعْدَ أَنْ نُهِيَ عَنْهُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
3457 -
وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ! قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.
ــ
3457 -
(وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (الْكَعْبِيِّ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَعْبِيُّ الْعَدَوِيُّ الْخُزَاعِيُّ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ. (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" قَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَهَذَا مِنْ تَتِمَّةِ خُطْبَتِهِ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ الْفَتْحِ مُقَدِّمَتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ حَرَمِ مَكَّةَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ قَتَلُوا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي هُذَيْلٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ دِيَتَهُ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ (" قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ ") : بِالتَّصْغِيرِ (" وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ ") : أَيْ: مُؤَدٍّ دِيَتَهُ مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ الدِّيَةُ، سُمِّيَتْ بِهِ ; لِأَنَّ إِبِلَهَا تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الدَّمِ، أَوْ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ أَيْ: تَمْنَعُ دَمَ الْقَاتِلِ عَنِ السَّفْكِ. (" مِنْ قَتْلٍ بَعْدَهُ ") : أَيْ: مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ (" قَتِيلًا فَأَهْلُهُ ") : أَيْ: وَارِثُ الْقَتِيلِ (" بَيْنَ خِيرَتَيْنِ ") : بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَيُسَكَّنُ أَيْ: اخْتِيَارَيْنِ، وَالْمَعْنَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ (" إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا ") : أَيْ: قَاتِلَهُ (" وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ") : أَيْ: الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الدِّيَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ أُخِذَ بِهَا الْقَاتِلُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إِلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: الْخِيرَةُ الِاسْمُ مِنَ الِاخْتِيَارِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ لِلْوَلِيِّ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَنَّ الْوَلِيَّ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ إِنْ بُذِلَتْ لَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِأَهْلِهِ كُلِّهِمْ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالزَّوْجَاتُ ; لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا أَهْلَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ إِذَا كَانَ غَائِبًا أَوْ طِفْلًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغَ الطِّفْلُ وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّافِعِيُّ) .
3458 -
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِسْنَادُهُ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، وَقَالَ: وَأَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي بِمَعْنَاهُ.
ــ
3458 -
(وَفِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " بِإِسْنَادِهِ) : أَيْ: بِإِسْنَادِ الْبَغَوِيِّ (وَصَرَّحَ) : أَيْ: مُحْيِي السُّنَّةِ (بِأَنَّهُ) : أَيْ: الْحَدِيثَ (" لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، وَقَالَ) : أَيِ: الْبَغَوِيُّ (وَأَخْرَجَاهُ) : أَيْ: الشَّيْخَانِ (مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَعْنِي) : أَيْ: يُرِيدُ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ عَنْهُ (بِمَعْنَاهُ) : أَيْ: بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا بِلَفْظِهِ، فَتَمَّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ حَيْثُ ذُكِرَ حَدِيثُ غَيْرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الصِّحَاحِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
3459 -
وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرٍ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا. فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ، فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3459 -
(وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا) : أَيْ: وَاحِدًا مِنَ الْيَهُودِ (رَضَّ) : وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّضُّ: الدَّقُّ. الْجَرِيشُ أَيْ: دَقَّ (رَأْسَ جَارِيَةٍ) : أَيْ: بِنْتٍ وَالْجَارِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ مَا لَمْ تَبْلُغْ (بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟) : أَيْ: الرَّضَّ (أَفُلَانٌ؟ : أَيْ: فَعَلَ بِكِ (أَفُلَانٌ؟) : كِنَايَةٌ عَنْ أَسْمَاءِ بَعْضِهِمْ (حَتَّى سُمِّيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ ذُكِرَ (الْيَهُودِيُّ أَفَأَوْمَأَتْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَأَوْمَتْ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ حَذْفِهَا التَّخْفِيفُ، فَفِي الْقَامُوسِ: وَمَأَ إِلَيْهِ كَوَضَعَ أَشَارَ كَأَوْمَأَ وَوَمَأَ، وَفِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: إِيمَاءُ الْإِشَارَةِ بِالْأَعْضَاءِ كَالرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ الْفِعْلُ أَوْمَأَتْ، وَلَا يُقَالُ: أَوْمَتْ وَوَمَأَتْ لُغَةٌ، وَالْمَعْنَى أَشَارَتْ (بِرَأْسِهَا) : أَيْ نَعَمْ (فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: دُقَّ (رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ) : الظَّاهِرُ بَيْنَ حَجَرَتَيْنِ تَكْمِيلًا لِلْمُمَاثَلَةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ، وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ وَالْمُثَقَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُوجِبْ بَعْضُهُمُ الْقِصَاصَ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَتْلِ فَيُقْتَصُّ مِنَ الْقَاتِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ شِبْهَ عَمْدٍ بِأَنْ قَتَلَ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، فَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ بِهِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَاللَّطْمَةِ وَالْقَضِيبِ وَالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْجَرِيحِ: مَنْ جَرَحَكَ؟ وَفَائِدَتُهُ أَنْ يُعْرَفَ الْمُتَّهَمُ فَيُطَالَبَ فَإِنْ أَقَرَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ ثُبُوتُ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَجْرُوحِ، وَتَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُسْلِمٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3460 -
ــ
3460 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَنَسٍ (قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ) : بِضَمِّ رَاءٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ: بِنْتُ النَّضْرِ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بِنْتُ سُرَاقَةَ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهَا أُمُّ الرَّبِيعِ بِنْتُ النَّضْرِ، وَالَّذِي ذُكِرَ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ أَنَّهَا الرَّبِيعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (- وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) : أَيْ: ابْنِ النَّضْرِ رَاوِي الْحَدِيثِ (ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ) : بِفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَكَسْرِ نُونٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ وَاحِدَةُ الثَّنَايَا مَفْعُولُ كَسَرَتْ، وَالْمُرَادُ بِالْجَارِيَةِ بِنْتٌ (مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَتَوْا) : أَيْ: قَوْمُ الْجَارِيَةِ (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (ثَنِيَّتُهَا) : أَيْ: ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) : قَالَ الْقَاضِي: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَاصِ فِي الْأَسْنَانِ، وَقَوْلُ أَنَسٍ: لَا وَاللَّهِ إِلَخْ لَمْ يَرِدْ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الرَّسُولِ وَالْإِنْكَارُ بِحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ تَوَقُّعًا وَرَجَاءً مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهَا وَيُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَضِيَ الْقَوْمُ بِالْأَرْشِ مَا قَالَ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" يَا أَنَسُ ") : أَيِ: ابْنَ النَّضْرِ (" كِتَابُ اللَّهِ ") : أَيْ: حُكْمُهُ أَوْ حُكْمُ كِتَابِهِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ (" الْقِصَاصُ ") : أَيْ: الْمُمَاثَلَةُ فِي الْعُدْوَانِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَقَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَإِلَى قَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] إِنْ قُلْنَا بِأَنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ فِي شَرْعِنَا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: " لَا ". فِي قَوْلِهِ لَا وَاللَّهِ لَيْسَ رَدًّا لِلْحُكْمِ بَلْ نَفْيًا لِوُقُوعِهِ، وَقَوْلُهُ: وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ إِخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَذَلِكَ بِمَا كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْقُرْبَى وَالزُّلْفَى وَالثِّقَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، بَلْ يُلْهِمُهُمُ الْعَفْوَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ: لَا وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا (فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ) أَيْ: الدِّيَةَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ") : أَيْ: جَعَلَهُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ لَا حَانِثًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ مِنْ زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُصْطَفَيْنَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ فِيمَا يَظُنُّ الْإِنْسَانُ وُقُوعَهُ، وَجَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ لَا يَخَافُ الْفِتْنَةَ بِذَلِكَ، وَاسْتِحْبَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالشَّفَاعَةُ فِي الْعَفْوِ، وَأَنَّ الْخِيرَةَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، لَا إِلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ الْقِصَاصِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا قَلَعَهَا كُلَّهَا، وَفِي كَسْرِ بَعْضِهَا وَكَسْرِ الْعِظَامِ خِلَافٌ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ اهـ. وَعِنْدَنَا فِيهِ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفِقْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3461 -
وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا» ". فِي " كِتَابِ الْعِلْمِ ".
ــ
3461 -
(وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) : بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: اسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَكَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَوْزٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. (قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ) : الْجَمْعُ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ رَئِيسُهُمْ، فَفِيهِ تَغْلِيبُ (شَيْءٌ) : وَفِي رِوَايَةٍ: شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ (فَقَالَ: فِي الْقُرْآنِ) : وَإِنَّمَا سَأَلَهُ لِزَعْمِ الشِّيعَةِ أَنَّ عَلِيًّا خُصَّ بِبَعْضِ أَسْرَارِ الْوَحْيِ، (قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ) : أَيْ: شَقَّهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ وَالْغُصْنَ (وَبَرَأَ النَّسَمَةَ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: خَلَقَهَا، وَالنَّسَمَةُ النَّفْسُ وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي فَطَرَ الرِّزْقَ وَخَلَقَ الْمَرْزُوقَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَحْلِفُ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ (مَا عِنْدَنَا) : جَوَابُ الْقَسَمِ أَيْ: لَيْسَ عِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ (إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ) : أَيْ: فِي الْمُصْحَفِ (إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوِ اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا بَقِيَ مِنِ اسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ، وَخُلَاصَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا غَيْرُ الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا إِلَخْ. قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي مَا يُفْهَمُ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِ، وَيُسْتَدْرَكُ مِنْ بَاطِنِ مَعَانِيهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِنْ نَصِّهِ وَالْمُتَلَقَّى مِنْ لَفْظِهِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ وُجُوهِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ الْفَهْمِ وَالتَّفَهُّمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ تَقَاصَرُ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ (وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ) : عَطْفٌ عَلَى فَهْمًا. وَفِي رِوَايَةٍ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: إِنَّمَا سَأَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ أَهْلَ بَيْتِهِ لَا سِيَّمَا عَلِيًّا رضي الله عنه بِأَسْرَارٍ مِنْ عِلْمِ الْوَحْيِ لَمْ يَذْكُرْهَا لِغَيْرِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْهُ عِلْمًا وَتَحْقِيقًا لَا يَجِدُهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَخُصَّ بِالتَّبْلِيغِ وَالْإِرْشَادِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ وَاسْتِعْدَادِ الِاسْتِنْبَاطِ، فَمَنْ رُزِقَ فَهْمًا وَإِدْرَاكًا وُفِّقَ لِلتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِهِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهِ فُتِحَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْعُلُومِ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا لَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْعِلْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الصَّحِيفَةِ عَطْفٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَإِلَّا فَهُمَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَقَعَ اسْتِدْرَاكًا عَنْ مُقْتَضَى الْحَصْرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ كَمَا هُوَ عِنْدَهُ فَهُوَ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَكِنَّ التَّفَاوُتَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ وَلَا مُدَافَعٍ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمَعَانِي وَإِدْرَاكِ اللَّطَائِفِ وَالرُّمُوزِ. (قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟) : وَفِي رِوَايَةٍ: فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (قَالَ: الْعَقْلُ) : أَيِ: الدِّيَةُ وَأَحْكَامُهَا يَعْنِي فِيهَا ذِكْرُ مَا يَجِبُ لِدِيَةِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِبِلِ، وَذِكْرُ أَسْنَانٍ تُؤَدَّى فِيهَا وَعَدَدُهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. (وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ) : قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ: فِيهَا حُكْمُ تَخْلِيصِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ، (وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) : أَيْ: غَيْرِ ذِمِّيٍّ عِنْدَ مَنْ يَرَى قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ كَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ قِصَاصًا، سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ السَّلْمَانِيِّ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ". ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» . وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا احْتِجَاجَ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَخْطَأَ إِذْ قِيلَ: إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَتَيْنِ وَمَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولًا، فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا وَالْمُسْتَأْمَنُ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وِفَاقًا، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عَلَى دَرَجِ الْبَيْتِ:" وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ".
قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِي الصَّحِيفَةِ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْ جُمْلَةَ مَا فِيهَا إِذِ التَّفْصِيلُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا أَوْ ذَكَرَ وَلَمْ يَحْفَظْهُ الرَّاوِي. قُلْتُ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ذَكَرَهَا الْجَزَرِيُّ قَالَ: «سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا» . قَالَ الْأَشْرَفُ: فِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّ لِلْعَالِمِ الْفَهِمِ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْقُرْآنِ بِفَهْمِهِ، وَيَسْتَنْبِطَ بِفِكْرِهِ وَتَدَبُّرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا عَنِ الْمُفَسِّرِينَ، لَكِنْ بِشَرْطِ مُوَافَقَتِهِ لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ، فَفِيهِ فَتْحُ الْبَابِ عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: قَوْلُ الْقَاضِي: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الصَّحِيفَةِ عَطْفٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لَعَلَّهُ تَعْرِيضٌ بِتَوْجِيهِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ حَيْثُ قَالَ: حَلَفَ حَلْفَةً أَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً أَرَادَ بِهِ اسْتِدْرَاكَ مَعْنًى اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ فَقَالَ: إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْعُلُومِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قِبَلِ الْبَلَاغِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ، ثُمَّ قَرَنَ بِذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيفَةِ احْتِيَاطًا فِي يَمِينِهِ وَحَذَرًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الصَّحِيفَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحَسَبَ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِلَّا فَهْمًا، وَلَوْ ذَهَبَ إِلَى إِجْرَاءِ الْمُتَّصِلِ مَجْرَى الْمُنْقَطِعِ عَلَى عَكْسِ قَوْلِ الشَّاعِرِ
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ
…
إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ: إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى بِقَوْلِهِ مَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِفَهْمٍ رَزَقَهُ اللَّهُ لَمْ يُسْتَبْعَدْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَيْسَ عِنْدَنَا شَيْءٌ قَطُّ إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي الْفَهْمِ مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، وَقَدْ عُلِمَ وَحُقِّقَ أَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا فِي الصَّحِيفَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مُسْتَنْبَطًا مِنْهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا شَيْءَ خَارِجٌ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] وَهَذَا فَنٌّ غَرِيبٌ وَأُسْلُوبٌ عَجِيبٌ، فَحِينَئِذٍ يُحَسِّنُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ عِلْمِ الْوَحْيِ لِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُمْ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّنْعَانِيُّ فِي الدُّرِّ الْمُلْتَقَطِ: وَمِنَ الْمَوْضُوعِ قَوْلُهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: " «يَا عَلِيُّ ادْعُ بِصَحِيفَةٍ وَدَوَاةٍ ". فَأَمْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَتَبَ عَلِيٌّ وَشَهِدَ جِبْرِيلُ ثُمَّ طُوِيَتِ الصَّحِيفَةُ» . قَالَ الرَّاوِي: فَمَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الصَّحِيفَةِ إِلَّا الَّذِي أَمْلَاهَا وَكَتَبَهَا وَشَهِدَهَا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، وَقَوْلُهُمْ: وَصِيِّي وَمَوْضِعُ سِرِّي وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَخَيْرُ مَنْ أَخْلُفُ بِعْدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي أَسْنَى الْمَنَاقِبِ: وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ التَّيْمِيِّ، وَهُوَ وَالِدُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَفْظُهُ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ يُقْرَأُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ: الْمَدِينَةُ حَرَامٌ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَذَكَرَ الْجَزَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ:«قُلْنَا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا كَتَمَهُ اللَّهُ النَّاسَ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مِنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ» ". يَعْنِي الْمَنَارَ أَيْ: الْعَلَامَةَ. قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَفْظُهُ: «كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيْكَ؟ فَغَضِبَ، فَقَالَ: مَا كَانَ يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ عَنِ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» ". الْحَدِيثَ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ".
(وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا» ". آخِرُهُ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. (" فِي كِتَابِ الْعِلْمِ ") : فَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَكْرِيرٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْأَوَّلَ لَكَانَ أَوْفَقَ بِالْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3462 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3462 -
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَزَوَالُ الدُّنْيَا ") : اللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ (" أَهْوَنُ ") : أَيْ: أَحْقَرُ وَأَسْهَلُ (" عَلَى اللَّهِ ") : أَيْ: عِنْدَهُ (" مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ") : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: الدُّنْيَا عِبَارَةٌ عَنِ الدَّارِ الْقُرْبَى الَّتِي هِيَ مَعْبَرٌ لِلدَّارِ الْأُخْرَى، وَهِيَ مَزْرَعَةٌ لَهَا، وَمَا خُلِقَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا لِتَكُونَ مَسَارِحَ أَنْظَارِ الْمُتَبَصِّرِينَ وَمُتَعَبَّدَاتِ الْمُطِيعِينَ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191] أَيْ: بِغَيْرِ حِكْمَةٍ بَلْ خَلَقْتَهَا ; لِأَنْ تَجْعَلَهَا مَسَاكِنَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَأَدِلَّةً لَهُمْ عَلَى مَعْرِفَتِكَ، فَمَنْ حَاوَلَ قَتْلَ مَنْ خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ فَقَدْ حَاوَلَ زَوَالَ الدُّنْيَا، وَبِهَذَا لُمِحَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:" «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ» ". قُلْتُ: وَإِلَيْهِ الْإِيمَاءُ بِقَوْلِهِ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] الْآيَةَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَوَقَفَهُ) : أَيِ: الْحَدِيثَ عَلَى الصَّحَابِيِّ (بَعْضُهُمْ، وَهُوَ) : أَيِ: الْمَوْقُوفُ (أَصَحُّ) : أَيْ: مِنَ الْمَرْفُوعِ، قِيلَ: هُوَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ.
3463 -
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه.
ــ
3463 -
(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) .
3464 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
3464 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) : أَيْ: مَعًا (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَوْ أَنَّ ") : أَيْ: لَوْ ثَبَتَ أَوْ فُرِضَ أَنَّ (" أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا ") : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَوْ لِلْمُضِيِّ وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ فَاعِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوِ اشْتَرَكَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (" فِي دَمِ مُؤْمِنٍ ") : أَيْ: إِرَاقَتِهِ وَالْمُرَادُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (" لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ ") : أَيْ: صَرَعَهُمْ فِيهَا وَقَلَبَهُمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: كَبَّهُ لِوَجْهِهِ أَيْ صَرَعَهُ فَأَكَبَّ هُوَ، وَهَذَا مِنَ النَّوَادِرِ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ لَازِمًا وَفَعَلَ مُتَعَدِّيًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يَكُونُ بِنَاءُ أَفْعَلَ مُطَاوِعًا بِفِعْلٍ بَلْ هَمْزَةُ أَكَبَّ لِلصَّيْرُورَةِ أَوْ لِلدُّخُولِ، فَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا كَبٍّ أَوْ دَخَلَ فِي الْكَبِّ وَمُطَاوِعُ فَعَلَ انْفَعَلَ نَحْوَ: كَبَّ وَانْكَبَّ وَقَطَعَ وَانْقَطَعَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَالصَّوَابُ كَبَّهُمُ اللَّهُ، وَلَعَلَّ مَا فِي الْحَدِيثِ سَهْوٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ هَذَا عَلَى الْأَصْلِ، وَكَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ، وَلِأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ نَافٍ وَالرُّوَاةَ مُثْبِتُونَ. قُلْتُ: فِيهِ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ لَيْسَ بِنَافٍ لِلتَّعْدِيَةِ، بَلْ مُثْبِتٌ لِلُّزُومِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ اللُّزُومِ نَفْيُ التَّعْدِيَةِ، هَذَا وَقَدْ أَثْبَتَهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ: كَبَّهُ قَلَبَهُ وَصَرَعَهُ كَالْكَبَّةِ وَكَبْكَبَهُ كَأَكَبَّ هُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: الْهَمْزَةُ لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ كَمَا فِي مَدَّ وَأَمَدَّ عَلَى مَا وَرَدَ هُنَا، وَلِسَلْبِهَا عَلَى مَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ يُقَالُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ لِلتَّعْدِيَةِ كَمَا قَالُوا فِي: رَحِبَتْكَ الدَّارُ، أَيْ: رَحِبَتْ بِكَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَنِسْبَةُ الْخَطَأِ إِلَى بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ، بَلْ كُلِّهِمْ أَوْلَى وَأَحْوَطُ مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى الرُّوَاةِ الثِّبَاتِ الْعُدُولِ الثِّقَاتِ، هَذَا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَكَبَّهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي النَّارِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
3465 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ! قَتَلَنِي، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3465 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ ") : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ: يُحْضِرُهُ وَيَأْتِي بِهِ (" يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ ") : أَيْ: شَعْرُ مُقَدَّمِ رَأْسِ الْقَاتِلِ (" وَرَأْسُهُ ") : أَيْ: بَقِيَّتُهُ (" بِيَدِهِ ") : أَيْ: بِيَدِ الْمَقْتُولِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الْمَفْعُولِ عَلَى بُعْدٍ، وَقَدِ اكْتَفَى فِيهَا بِالضَّمِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا عَلَى تَقْدِيرِ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْمَجِيءِ بِهِ (" وَأَوْدَاجُهُ ") : فِي النِّهَايَةِ: هِيَ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي يَقْطَعُهَا الذَّابِحُ، وَاحِدُهَا وَدَجٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ: الْوَدَجَانِ عِرْقَانِ غَلِيظَانِ عَنْ جَانِبَيْ نُقْرَةِ النَّحْرِ، وَقِيلَ: عَبَّرَ عَنِ الْمُثَنَّى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِلْأَمْنِ مِنَ الْإِلْبَاسِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: أَيْ: وَدَجَاهُ، وَهُمَا: عِرْقَانِ عَلَى صَفْحَتَيِ الْعُنُقِ (" تَشْخُبُ ") : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: تَسِيلُ (" دَمًا ") : تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ أَيْ: دَمُهُمَا (" يَقُولُ: يَا رَبِّ قَتَلَنِي ") : أَيْ: وَيُكَرِّرُهُ (" حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ ") : مِنْ أَدْنَى أَيْ: يُقَرِّبُ الْمَقْتُولُ الْقَاتِلَ مِنَ الْعَرْشِ، وَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِقْصَاءِ الْمَقْتُولِ فِي طَلَبِ ثَأْرِهِ، وَعَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِرْضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِعَدْلِهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
3466 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، أَشْرَفَ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ كُفْرٍ بَعْدَ إِسْلَامٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقُتِلَ بِهِ ". فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا قَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَبِمَ تَقْتُلُونَنِي» ؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ لَفْظُ الْحَدِيثِ.
ــ
3466 -
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) : بِالتَّصْغِيرِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَصَحِبَ عَلِيًّا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ وَلَّاهُ فَارِسَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ وَغَيْرُهُ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ. (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه أَشْرَفَ) : أَيْ: عَلَى النَّاسِ (يَوْمَ الدَّارِ) : أَيْ: وَقْتَ الْحِصَارِ (فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ) : بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ: أُقْسِمُكُمْ (بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ) : الْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ أَيْ: قَدْ تَعْلَمُونَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ") : أَيْ: مِنَ الْخِصَالِ (" زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ كُفْرٍ بَعْدَ إِسْلَامٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقُتِلَ بِهِ؟) : تَقْرِيرٌ وَمَزِيدُ تَوْضِيحٍ لِلْمَعْنَى، وَفِي نُسْخَةٍ: وَقَتْلِ بِالْوَاوِ، وَفِي نُسْخَةٍ: تُقْتَلُ بِهِ (فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ: بَيْعَةَ الْإِسْلَامِ (وَلَا قَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) : أَيْ: قَتْلَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (فَبِمَ تَقْتُلُونَنِي؟) : بِنُونَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَخْفِيفِهَا أَيْ: فَبِأَيِّ سَبَبٍ تُرِيدُونَ قَتْلِي؟ وَالْخِطَابُ لِلتَّغْلِيبِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ) : قِيلَ أَيْ: دُونَ الْقِصَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لِلدَّارِمِيِّ وَلِلْبَقِيَّةِ بِمَعْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ بِدُونِ الْقِصَّةِ. رَوَاهُ غَيْرُهُ أَيْضًا عَلَى مَا سَبَقَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
3467 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3467 -
(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا ") : بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ. فِي النِّهَايَةِ: أَيْ: مُسْرِعًا فِي طَاعَتِهِ مُنْبَسِطًا فِي عَمَلِهِ (" صَالِحًا ") : أَيْ: قَائِمًا بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ (" مَا لَمْ يُصِبْ ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ أَيْ: لَمْ يُبَاشِرْ (" دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ ") : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ بَيْنَ الْمُوَحَّدَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفٍ أَيْ: أَعْيَا وَانْقَطَعَ فَلَمْ يُوَفَّقْ لِلْمُسَارَعَةِ. فِي النِّهَايَةِ: بَلَّحَ الرَّجُلُ انْقَطَعَ مِنَ الْإِعْيَاءِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَرَّكَ، وَمِنْهُ مَنْ أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ يُرِيدُ وُقُوعَهُ فِي الْهَلَاكِ وَقَدْ يُخَفِّفُ اللَّامَ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: بَلَحَ الرَّجُلُ بُلُوحًا أَعْيَا وَبَلَّحَ تَبْلِيحًا مِثْلَهُ، وَالرِّوَايَةُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالتَّشْدِيدِ. قُلْتُ: وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ وَالتَّأْكِيدَ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُعْنِقُ الْمُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ مِنَ الْعَنَقِ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ وَالْخَطْوُ الْفَسِيحُ، وَالتَّبْلِيحُ الْإِعْيَاءُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَزَالُ مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ مُسَارِعًا إِلَيْهَا مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ لِشُؤْمِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْإِثْمِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مُعْنِقًا مُنْبَسِطًا فِي سَيْرِهِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَا أَرَى هَذَا سَدِيدًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُعْنِقًا مَشْرُوطٌ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُصِيبَ دَمًا حَرَامًا فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: لَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْأَحْوَالِ الْآتِيَةِ أَيْ: لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُنْبَسِطًا فِي سَيْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا لَمْ يُصِبْ فِي الدُّنْيَا دَمًا حَرَامًا، وَنَحْوُهُ فِي الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:«مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» . وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي سَعَةٍ مِنْ دِينِهِ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ وَلَوْ بَاشَرَ الْكَبَائِرَ سِوَى الْقَتْلِ، فَإِذَا قَتَلَ أَعْيَا وَضَاقَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3468 -
وَعَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3468 -
(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ ") : أَيْ: يُتَوَقَّعُ مِنْهُ تَعَالَى (" أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ") : أَيْ: ذَنْبَهُ. قَالَ الْأَشْرَفُ: لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ مُضَافٍ إِمَّا فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، أَيْ: كُلُّ قَارِفِ ذَنْبٍ أَوْ إِلَّا ذَنْبَ مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا اهـ. وَالثَّانِي أَوْلَى فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ عِنْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (" أَوْ مَنْ يَقْتُلُ ") : وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَوْ قَتَلَ (" مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ") : بِأَنْ قَصَدَ قَتْلَهُ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا أَوْ أَرَادَ بِهِ تَغْلِيظًا أَوْ حَتَّى يُرْضِيَ خَصْمَهُ، أَوْ إِلَّا أَنْ يَغْفِرَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] قَالَ الْمُظْهِرُ: إِذَا كَانَ مُسْتَحِلًّا دَمَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ وَمَا دُونَهُ مِنَ الْكَبَائِرِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لَا يُغْفَرَانِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَيُغْفَرَانِ بَعْدَهَا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ قَوْلَهُمْ. الْكَشَّافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] .
فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى خُلُودِ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْتُ: مَا أَبْيَنَ الدَّلِيلَ فِيهَا، وَهُوَ تَنَاوُلُ قَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْتُلْ أَيُّ قَاتِلٍ كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ تَائِبٍ أَوْ غَيْرِ تَائِبٍ، إِلَّا أَنَّ التَّائِبَ أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ، فَمَنِ ادَّعَى إِخْرَاجَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ التَّائِبِ فَلْيَأْتِ بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ. قُلْتُ: مَا أَبْيَنَ الدَّلِيلَ فِي نَظَرِ غَيْرِ الْعَلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا شَافِيًا فِي الرِّسَالَةِ الْمَعْمُولَةِ الْمُسَمَّاةِ: بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ فِي خُلْفِ
الْوَعِيدِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَقَدْ أَتَى فِي فُتُوحٍ بِالْغَيْبِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ أَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظْمُ الْآيَاتِ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ أُسْلُوبِ التَّغْلِيظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] إِلَى قَوْلِهِ: (وَمَنْ كَفَرَ) وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} [النساء: 92] دَلَّ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ خَرَجَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ ; لِأَنَّ كَانَ هَذَا نَحْوُ كَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: 35] وَالْمَعْنَى لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَسْتَقِمْ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْكَشَّافِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا قَتْلَ الْخَطَأِ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَةً أَيْ: لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ مُنَافِيَةٌ لِقَتْلِ الْعَمْدِ، فَإِذًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَتْلُ الْعَمْدِ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ ذَيَّلَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا بِقَوْلِهِ:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] يَعْنِي كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَتْلُ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، وَأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ جَزَاؤُهُمُ الْخُلُودُ، وَحُلُولُ غَضَبِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]" فَإِنَّهُ جَعَلَ تَرْكَ الزَّكَاةِ مِنْ صِفَاتِ الْكُفَّارِ أَيِ: الْكَافِرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الزَّكَاةَ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَتَّصِفَ بِصِفَتِهِمْ، وَكِتَابُهُ مَشْحُونٌ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ، فَعَلَى هَذَا الْحَدِيثُ كَالْآيَةِ فِي التَّغْلِيظِ. قُلْتُ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الدَّلِيلِ، فَالْأَخْلَصُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] أَيْ: بِلَا تَوْبَةٍ، فَإِنَّ الشِّرْكَ أَيْضًا يُغْفَرُ مَعَهَا، وَالْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ مَعْنًى مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: "«مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ". فَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ صَدَرَ عَنِ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ هَذَا الذَّنْبِ فَمَاتَ وَلَمْ يَتُبْ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ شَفَاعَةٍ، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، عَنْ أَنَسٍ: "«شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» ". «وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِقَدْرِ مَا شَاءَ ثُمَّ يُخْرِجُهُ إِلَى الْجَنَّةِ» ". قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله، فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ خَصَّ إِحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ: يَعْنِي مَنْ مَاتَ بِالْمَاضِي وَالْأُخْرَى بِالْمُضَارِعِ؟ قُلْتُ: تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي أَنَّ نَحْوَ: فُلَانٌ يَقْرِي الضَّيْفَ وَيَحْمِي الْحَرِيمَ، يُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ وَدَأْبِهِ، وَقَدْ سَبَقَ آنِفًا أَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ مِنْ شَأْنِ الْكُفَّارِ وَدَأْبِهِمْ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ كَانَ بِالْمُضَارِعِ أَجْدَرَ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : أَيْ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
3469 -
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ.
ــ
3469 -
(وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ مُعَاوِيَةَ.
3470 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُقَادُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
3470 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» ") : وَفِي نُسْخَةٍ: فِي الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنَ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ: صِيَانَةٌ لِلْمَسَاجِدِ وَحِفْظُ حُرْمَتِهَا، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ، أَمَّا لَوِ الْتَجَأَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إِلَى الْحَرَمِ فَجَازَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ، سَوَاءٌ كَانَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوِ الطَّرَفِ، فَتُبْسَطُ الْأَنْطَاعُ وَيُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ تَعْجِيلًا لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُسْتَوْفَى قِصَاصُ النَّفْسِ فِي الْحَرَمِ، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَيُقْتَلَ. قُلْتُ: هَذَا الْخِلَافُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْحَرَمِ لَا خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: فَتُبْسَطُ الْأَنْطَاعُ. (" وَلَا يُقَادُ ") : أَيْ: لَا يُقْتَصُّ مِنَ الْقَوَدِ بِمَعْنَى الْقِصَاصِ (" بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ ") : وَالْمَعْنَى لَا يُقْتَصُّ وَالِدٌ بِقَتْلِ وَلَدِهِ، بَلْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ. قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِابْنَ إِذَا قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ قُتِلَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ بِهِ إِذَا كَانَ قَتَلَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ كَإِضْجَاعِهِ وَذَبْحِهِ. اهـ.
وَالْوَالِدَةُ كَالْوَالِدِ، وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْوَالِدَيْنِ، نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ قَالَ الْأَشْرَفُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا يَقْتَصُّ وَالِدٌ بِقَتْلِ وَلَدِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بَعِوَضِ الْوَلَدِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِأَنْ قَتَلَ الْوَلَدُ أَحَدًا ظُلْمًا، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يُقْتَلَ الِابْنُ بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَبِ وَبِالْعَكْسِ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْوَالِدَ سَبَبُ وُجُودِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِعَدَمِهِ، وَحُكْمُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ مَعَ الْأَحْفَادِ حُكْمُ الْوَالِدَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ.
3471 -
وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي قَالَ: " مَنْ هَذَا الَّذِي مَعَكَ؟ قَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: " أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " فِي أَوَّلِهِ قَالَ: «دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى أَبِي الَّذِي بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: دَعْنِي أُعَالِجُ الَّذِي بِظَهْرِكَ فَإِنِّي طَبِيبٌ. قَالَ: " أَنْتَ رَفِيقٌ وَاللَّهُ الطَّبِيبُ» ".
ــ
3471 -
(وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ فَمُثَلَّثَةٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ التَّمِيمِيُّ (قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي، فَقَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي (" مَنْ هَذَا الَّذِي مَعَكَ؟ " قَالَ) : أَيْ: أَبِي (ابْنِي) : أَيْ: هُوَ ابْنِي (اشْهَدْ بِهِ) : بِهَمْزِ وَصْلٍ وَفَتْحِ هَاءٍ أَيْ: كُنْ شَاهِدًا بِأَنَّهُ ابْنِي مِنْ صُلْبِي، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ تَقْرِيرٌ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَالْمَقْصُودُ الْتِزَامُ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ عَنْهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مُؤَاخَذَةِ كُلٍّ مِنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِجِنَايَةِ الْآخَرِ. (قَالَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَدًّا لِزَعْمِهِ (" أَمَا ") : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (" إِنَّهُ ") : لِلشَّأْنِ أَوِ الِابْنِ (" لَا يَجْنِي عَلَيْكَ ") : لَا تُؤَاخَذُ بِذَنْبِهِ (" وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ") : أَيْ: لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَيْ: إِنَّهُ لَا يَجْنِي جِنَايَةً يَكُونُ الْقِصَاصُ أَوِ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَيْكَ، أَوْ أَنَّ لَفْظَهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ نَهْيٌ أَيْ: لَا يَجْنِ عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ وَلَا الْبَابَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ) أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " فِي أَوَّلِهِ) : أَيْ: فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ) : أَيْ: أَبُو رِمْثَةَ (دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى أَبِي الَّذِي) : أَيْ: ظَاهِرَ اللَّحْمِ الْمُكَبْكَبِ (بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ: مِنْ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي خُلِقَ مَعَ خَلْقِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَظَنَّ أَنَّهُ سِلْعَةٌ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ: لَحْمَةٌ زَائِدَةٌ تَحْدُثُ فِي الْجَسَدِ كَالْغُدَّةِ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، (قَالَ: دَعْنِي) : أَيِ: اتْرُكْنِي، وَالْمُرَادُ ائْذَنْ لِي (أُعَالِجُ) : بِالرَّفْعِ، وَقِيلَ: بِالْجَزْمِ وَكَسْرٍ لِلِالْتِقَاءِ، وَتَقْدِيرُ الْأَوَّلِ: أَنَا أُعَالِجُ (الَّذِي بِظَهْرِكِ فَإِنِّي طَبِيبٌ. فَقَالَ: (" أَنْتَ رَفِيقٌ ") : أَيْ: أَنْتَ تَرْفُقُ بِالنَّاسِ فِي الْعِلَاجِ بِلَطَافَةِ الْفِعْلِ فَتَحْمِيهِ بِحِفْظِ مِزَاجِهِ عَمَّا يُخْشَى أَنْ لَا يَحْتَمِلَهُ بَدَنُهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ الرَّدِيئَةِ الْمُرْدِيَةِ، وَتُطْعِمُهُ مَا تَرَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ مِنَ الْأَغْذِيَةِ اللَّطِيفَةِ وَالْأَدْوِيَةِ (" وَاللَّهُ الطَّبِيبُ ") : أَيْ: هُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْمَوْصُوفِ بِالْبَقَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ: إِنَّمَا الشَّافِي الْمُزِيلُ لِلْأَدْوَاءِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:" «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» ". أَيِ الَّذِي تَنْسُبُونَهُ إِلَى الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ فَاعِلُهُ لَا الدَّهْرُ، فَلَا يُوجِبُ جَوَازَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ طَبِيبًا. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: رَأَى بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمَ النُّبُوَّةِ وَكَانَ نَاتِئًا، وَظَنَّ أَنَّهُ سِلْعَةٌ تَوَلَّدَتْ مِنْ فَضَلَاتِ الْبَدَنِ، فَرَدَّ صلى الله عليه وسلم كَلَامَهُ بِأَنْ أَخْرَجَهُ مُدَرِّجًا مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، يَعْنِي لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعَالَجُ، بَلْ يَفْتَقِرُ كَلَامُكَ إِلَى الْعِلَاجِ حَيْثُ سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالطَّبِيبِ، وَاللَّهُ هُوَ الطَّبِيبُ، فَهُوَ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ فِي الصَّنْعَةِ الْبَدِيعِيَّةِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّبِيبِ أَنْ يُذْكَرَ فِي حَالِ الِاسْتِشْفَاءِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُصِحُّ وَالْمُمْرِضُ وَالْمُدَاوِي وَالطَّبِيبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ: يَا طَبِيبُ كَمَا يُقَالُ: يَا حَلِيمُ يَا رَحِيمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ مِنَ الْأَدَبِ ; وَلِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ. قَالَ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قُلْتُ: وَلَعَلَّ بَعْدَهُ مِنَ الْأَدَبِ لِكَوْنِهِ مُوهِمًا لِلْإِطْلَاقِ الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمَخْلُوقِ، كَمَا لَا يُقَالُ لَهُ الْمُعَلِّمُ، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ} [البقرة: 31] وَ {الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1 - 2] وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ الْأَسْمَاءَ تَوْقِيفِيَّةٌ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ إِلَّا إِنْ أَرَادَ مِنْ حُصُولِ التَّوْقِيفِ صِحَّةَ الدَّلِيلِ أَوْ حَصْرَهُ بِمَا فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمَشْهُورَةِ الْمَعْدُودَةِ بِالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: اللَّهُ الطَّبِيبُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ. وَرَوَى الشِّيرَازِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا:«الطَّبِيبُ اللَّهُ، وَلَعَلَّكَ تَرْفُقُ بِأَشْيَاءَ يَخْرُقُ بِهَا غَيْرُكَ» .
3472 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الْأَبَ مِنِ ابْنِهِ، وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَضَعَّفَهُ.
ــ
3472 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ) : أَيِ: ابْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ الْكِنَانِيِّ كَانَ يَنْزِلُ قُدَيْدًا وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ شَاعِرًا مُجِيدًا، مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحَابَةِ. (قَالَ: حَضَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقِيدُ الْأَبَ) : بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى أَيْ يَقْتَصُّ لَهُ (مِنِ ابْنِهِ) : بِكَسْرِ نُونِ مِنْ لِلِالْتِقَاءِ أَيْ: لِأَجْلِهِ وَبِسَبَبِهِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ. قِيلَ: كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْقَوَدُ الْقِصَاصُ وَقَتْلُ الْقَاتِلِ بَدَلَ الْقَتِيلِ، وَقَدْ أَقَدْتُهُ بِهِ أُقِيدُهُ قَادَةً، وَاسْتَقَدْتُ الْحَاكِمَ سَأَلْتُهُ أَنْ يُقِيدَ بِي. (وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ) : بِكَسْرِ اللَّامِ لِلِالْتِقَاءِ (مِنْ أَبِيهِ) : بِتَضْعِيفِ الْعَيْنِ أَيْ: نُسِبَ الْحَدِيثُ إِلَى الضَّعْفِ، وَقَالَ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ.
3473 -
وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ. وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ» .
ــ
3473 -
(وَعَنِ الْحَسَنِ) : أَيِ: الْبَصْرِيِّ (عَنْ سَمُرَةَ) : أَيِ: ابْنِ جُنْدُبٍ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» ") : قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا زَجْرٌ لِيَرْتَدِعُوا فَلَا يُقْدِمُوا عَلَى ذَلِكَ، كَمَا «قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي شَارِبِ الْخَمْرِ:" إِذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ ". ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ: " فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» ". ثُمَّ لَمْ يَقْتُلْهُ حِينَ جِيءَ بِهِ وَقَدْ شَرِبَ رَابِعًا أَوْ خَامِسًا، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ فِي عَبْدٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَزَالَ عَنْهُ مِلْكُهُ فَصَارَ كُفْئًا لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] إِلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] اهـ. وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ دُونَ عَبْدِ نَفْسِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ (" وَمَنْ جَدَعَ ") : بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (" عَبْدَهُ ") : أَيْ: قَطَعَ أَطْرَافَهُ (" جَدَعْنَاهُ ") : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ طَرَفَ الْحُرِّ لَا يُقْطَعُ بِطَرَفِ الْعَبْدِ، فَثَبَتَ بِهَذَا الِاتِّفَاقِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ» ") .
3474 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ ; فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ: وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً. وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
3474 -
(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ قَتَلَ ") : أَيْ: شَخْصًا (" مُتَعَمِّدًا ") : أَيْ: لَا خَطَأً (" دُفِعَ ") . بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (" إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ ") : أَيْ: وَرَثَتِهِ (" فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا ") : أَيْ: قَتَلُوهُ بَدَلَ قَتِيلِهِمْ (" وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ ") : أَيْ: دِيَتَهُ (" وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً ") : بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ (" وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً ") : بِحَرَكَتَيْنِ مَا دَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ (" وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً ") : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ: الْحَامِلُ مِنَ النُّوقِ (" وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ ") : أَيْ: مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، أَوْ فِي تَعْيِينِ زَمَانِ الْعَطَاءِ وَمَكَانِهِ، (" فَهُوَ ") : أَيِ: الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (" لَهُمْ ") : أَيْ: جَائِزٌ لِلْمُصَالِحِينَ أَوْ ثَابِتٌ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَجُلًا حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْهُ الدِّيَةَ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً. قَالَ الشَّمَنِيُّ: وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَرْبَاعٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَكَتَ عَنْهُ. ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا إِلَّا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ; لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، وَلِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «فِي كِتَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ» . وَالْمُرَادُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَدْنَى، وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّهَا فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ تَجِبُ أَخْمَاسًا، ثُمَّ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: فِي مَالِ الْقَاتِلِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ; لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْعَمْدِ، وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ. الْحَدِيثَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ أَنَّ دِيَتَهَا عَلَى عَاقِلَتِهَا.
3475 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
3475 -
(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه : قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَدْ كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ، (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ ") : بِالتَّأْنِيثِ وَهَمْزِ آخِرِهِ أَيْ تَتَسَاوَى (" دِمَاؤُهُمْ) : فِي الدِّيَاتِ وَالْقِصَاصِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُرِيدُ بِهِ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقِصَاصِ، يُقَادُ الشَّرِيفُ مِنْهُمْ بِالْوَضِيعِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالْعَالِمُ بِالْجَاهِلِ، وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ شَرِيفًا أَوْ عَالِمًا، وَالْقَاتِلُ وَضِيعًا أَوْ جَاهِلًا، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ غَيْرُ قَاتِلِهِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا لَا يَرْضَوْنَ فِي دَمِ الشَّرِيفِ بِالِاسْتِقَادَةِ مِنْ قَاتِلِهِ الْوَضِيعِ، حَتَّى يَقْتُلُوا عِدَّةً مِنْ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ. (" وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ ") : أَيْ بِأَمَانِهِمْ (" أَدْنَاهُمْ ") : فِي الْفَائِقِ: الذِّمَّةُ الْأَمَانُ، وَمِنْهَا سُمِّيَ الْمُعَاهَدُ ذِمِّيًّا ; لِأَنَّهُ أُومِنَ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ لِلْجِزْيَةِ، وَالْمَعْنَى إِذَا أَعْطَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَمَانًا فَلَيْسَ لِلْبَاقِينَ إِخْفَارُهُ أَيْ نَقْضُ عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَيْ إِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَمَّنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَخْفِرُ ذِمَّتَهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ:«سَيُجِيرُ عَلَى أُمَّتِي أَدْنَاهُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (" وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ ") : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ عَنْ بِلَادِ الْكُفْرِ إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدًا فِي الْأَمَانِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ نَقْضُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ دَارًا مِنَ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَثَانِيهِمَا: إِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ دَارَ الْحَرْبِ، فَوَجَّهَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً مِنْهُمْ، فَمَا غَنِمَتْ مِنْ شَيْءٍ أَخَذَتْ مِنْهُ مَا سَمَّى لَهَا، وَيَرُدُّ عَلَى الْعَسْكَرِ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ، لِأَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنِيمَةَ كَانُوا رِدْءًا لِلسَّرَايَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا يَلْزَمُ مِنَ الثَّانِي التَّعْمِيَةُ وَالْإِلْغَازُ ; لِأَنَّ مَفْعُولَ يَرُدُّ غَيْرُ مَذْكُورٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَّلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ تَكْرَارٌ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يُجِيرُ بِعَهْدِهِمْ أَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً وَأَبْعَدَهُمْ مَنْزِلًا، وَيَنْصُرُ الْوَجْهَ الثَّانِي الْحَدِيثُ السَّادِسُ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي بَابِ الدِّيَاتِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ. (" وَهُمْ) : أَيِ الْمُسْلِمُونَ (يَدٌ ") : أَيْ كَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ فِي التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ. (" عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيِ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ، بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ هَذَا التَّرْكِيبِ وَبَيَانُ مَجَازِهِ (" أَلَا ") : بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (" «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ") : أَيْ بِحَرْبِيٍّ بِدَلِيلِ عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ مُطْلَقًا (" وَلَا ذُو عَهْدٍ ") : أَيْ لَا يُقْتَلُ (" فِي عَهْدِهِ ") : أَيْ فِي زَمَانِهِ وَحَالِهِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً مَا دَامَ فِي الْعَهْدِ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ لَا يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ مَا دَامَ مُعَاهِدًا غَيْرَ نَاقِضٍ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ قِصَاصًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُعَاهِدُ هُوَ الْحَرْبِيُّ دُونَ الذِّمِّيِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ هُوَ الْحَرْبِيُّ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي. قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ إِضْمَارٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا دَلِيلَ يَقْتَضِيهِ، وَأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرُ لَازِمٍ. قُلْتُ: عَدَمُ لُزُومِهِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ، فَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ أَحْسَنُ، وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُقْتَضِي لِلْإِضْمَارِ، فَضَعُفَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِحَرْبِيٍّ، فَيَكُونُ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْتُ: بَلِ الْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِذِمِّيٍّ عِنْدَنَا، فَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكَانَ الْكَلَامُ خَالِيًا عَنِ الْفَائِدَةِ لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُعَاهِدَ لَا يُقْتَلُ فِي عَهْدِهِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فَائِدَتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَتَلَ الْكَافِرَ أَوْجَبَ ذَلِكَ تَوْهِينَ حُرْمَةِ دِمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ وُقُوعِ شُبْهَةٍ لِبَعْضِ السَّامِعِينَ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ وَإِقْدَامِ الْمُسْرِعِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَتْلِهِمْ، فَأَعَادَ الْقَوْلَ فِي حَظْرِ دِمَائِهِمْ دَفْعًا لِلشُّبْهَةِ، وَقَطْعًا لِتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَإِنْ قَوَّاهُ الطِّيبِيُّ مِمَّا تَكَلَّفَهُ. قَالَ الْأَشْرَفُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى: يَحْتَمِلُ هَذَا الْحَدِيثُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِأَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا مُعَاهِدٌ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ، وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ وَاحِدَةٌ يُعْطَفُ عَلَيْهَا سِيمَاءَانِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِهَا، وَالْآخَرُ إِلَى بَعْضِهَا. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فِي الْكَلَامِ لِيَظْهَرَ بِهِ الْمَرَامُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي شَرْحِهِ: قَوْلُهُ: ذُو عَهْدٍ. عَطْفٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ: ذُو أَمَانٍ لَا ذُو إِيمَانٍ ; لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَإِلَّا يَصِيرُ مَعْنَاهُ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهُ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيُّ دُونَ الذِّمِّيِّ ; لِأَنَّهُ يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهِ إِجْمَاعًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) : أَيْ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيٍّ.
3476 -
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ــ
3476 -
(وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) .
3477 -
وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ: الْجُرْحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ: بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ النَّارُ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا» " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
ــ
3477 -
(وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (الْخُزَاعِيِّ) : بِضَمِّ أُولَى الْمُعْجَمَتَيْنِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَعْبِيُّ الْعَدَوِيُّ الْخُزَاعِيُّ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ. (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ ") : أَيِ: ابْتُلِيَ بِقَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ مِمَّنْ يَرِثُهُ (" أَوْ خَبْلٍ ") : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْخَبْلُ: الْجُرْحُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْخَبْلُ بِسُكُونِ الْبَاءِ فَسَادُ الْأَعْضَاءِ، فَالْمَعْنَى مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلِ نَفْسٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ (" فَهُوَ ") : أَيِ الْمُصَابُ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْمُصِيبَةُ وَهُوَ الْوَارِثُ (" بِالْخِيَارِ بَيْنَ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِلْخِيَارِ بِمَعْنَى الِاخْتِيَارِ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ بَيْنِ (" إِحْدَى ثَلَاثٍ ") : أَيْ خِصَالٍ (" فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ ") : أَيِ الزَّائِدَةَ عَلَى الثَّلَاثِ (" فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ") : أَيِ امْنَعُوهُ عَنْهَا (" بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ ") : بَدَلٌ مِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لَهُ أَيْ يَقْتَادُ مِنْ خَصْمِهِ (" أَوْ يَعْفُوَ ") : أَيْ عَنْهُ (" أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ ") : أَيِ الدِّيَةَ (" فَإِنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ ") : أَيْ مِنَ الْمَذْكُورِ (" شَيْئًا ") : أَيْ وَاحِدًا ثُمَّ عَدَا ") : أَيْ تَجَاوَزَ الثَّلَاثَ وَطَلَبَ شَيْئًا آخَرَ بِأَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ (" بَعْدَ ذَلِكَ ") : أَيْ بَعْدَ الْعَفْوِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِأَنْ عَفَا ثُمَّ طَلَبَ الدِّيَةَ (" فَلَهُ النَّارُ خَالِدًا ") : أَيْ حَالَ كَوْنِهِ دَائِمًا (" فِيهَا مُخَلَّدًا ") : أَيْ مُؤَبَّدًا (" أَبَدًا ") : تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ لِلزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ قَالَ الطِّيبِيُّ: بَيِّنٌ أَنْ يَقْتَصَّ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ، وَتَوْضِيحٌ لِمَا أُرِيدَ مِنْهُ مِنَ التَّقْسِيمِ الْحَاضِرِ. وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَذَ. . . إِلَخْ. أَيْضًا كَالتَّوْضِيحِ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ، فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ يَعْنِي: مَنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ مُتَجَاوِزٌ طَوْرَهُ فَيَسْتَحِقُّ النَّارَ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] وَبَيَانُ الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ قَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ) .
3478 -
وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ فِي رَمْيٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْحِجَارَةِ، أَوْ جَلْدٍ بِالسِّيَاطِ أَوْ ضَرْبٍ بِعَصًا، فَهُوَ خَطَأٌ ; وَعَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَأِ، وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ وَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
3478 -
(وَعَنْ طَاوُسٍ) : أَيِ ابْنِ كَيْسَانَ الْخَوْلَانِيِّ الْهَمْدَانِيِّ الْيَمَانِيِّ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَخَلْقٌ سِوَاهُ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِثْلَ طَاوُسٍ كَانَ رَأْسًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ قُتِلَ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (" فِي عِمِّيَّةٍ ") : بِكَسْرِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَبِضَمٍّ وَبِفَتْحٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ فِعْلِيَّةٍ مِنَ الْعَمَى وَمَعْنَاهُ الضَّلَالَةُ، وَقِيلَ: الْفِتْنَةُ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا يَسْتَبِينُ وَجْهُهُ وَلَا يُعْرَفُ أَمْرُهُ (" فِي رَمْيٍ ") : بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (" يَكُونُ ") : أَيِ الرَّمْيُ بِمَعْنَى الْحَذْفِ (" بَيْنَهُمْ ") : أَيْ بَيْنَ الْقَوْمِ (" بِالْحِجَارَةِ، أَوْ جَلْدٍ ") : عَطْفٌ عَلَى رَمْيٍ أَيْ ضَرْبٌ (" بِالسِّيَاطِ ") : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ سَوْطٍ (" أَوْ ضَرْبٍ بِعَصًا ") : قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: فِي رَمْيٍ إِلَخْ كَالْبَيَانِ لِقَوْلِهِ: (" فِي عِمِّيَّةٍ ") . قَالَ الْقَاضِي: أَيْ فِي حَالٍ يَعْمَى أَمْرُهُ فَلَا يَتَبَيَّنُ قَاتِلُهُ وَلَا حَالُ قَتْلِهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ فِي عِمِّيَّةٍ أَيْ جَهَالَةٍ، وَقِيلَ: الْعِمِّيَّةُ أَنْ يُضْرَبَ الْإِنْسَانُ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ كَحَجَرٍ صَغِيرٍ وَعَصًا خَفِيفَةٍ، فَأَفْضَى إِلَى الْقَتْلِ مِنَ التَّعْمِيَةِ وَهُوَ التَّلْبِيسُ، وَالْقَتْلُ بِمِثْلِ ذَلِكَ تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ شِبْهَ الْعَمْدِ. (" فَهُوَ خَطَأٌ ") : أَيْ قَتْلُهُ مِثْلُ قَتْلِ الْخَطَأِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ (" وَعَقْلُهُ ") : أَيْ دِيَتُهُ (" عَقْلُ الْخَطَأِ ") : لِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ وَوُجُودِ التَّقْصِيرِ (" وَمَنْ قَتَلَ ") : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (" عَمْدًا ") : مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ حَالٌ أَيْ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ مُتَعَمِّدًا (" فَهُوَ ") : أَيِ الْقَاتِلُ (" قَوَدٌ ") : أَيْ بِصَدَدِ الْقَوَدِ أَوْ قَتْلُهُ سَبَبُ قَوَدٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ فَيَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ الثَّانِي، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الطِّيبِيِّ: مَنْ: مُبْتَدَأٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى الشَّرْطِ، وَلِذَا جَاءَ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ رَاجِعٌ إِلَى (" مَنْ ") . وَقَوَدٌ: خَبَرُهُ أَيْ بِصَدَدِ أَنْ يُقَادَ مِنْهُ وَيَسْتَوْجِبَ لَهُ، أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ عَلَى الْمَفْعُولِ وَاسْتَعْمَلَهُ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ. (" وَمَنْ حَالَ دُونَهُ ") : أَيْ دُونَ الْقَاتِلِ بِأَنْ مَنَعَ الْوَلِيَّ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْهُ، أَوْ مَنْ حَالَ دُونَ الْقِصَاصِ أَيْ مَنَعَ الْمُسْتَحِقَّ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (" فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ") : أَيْ إِبْعَادُهُ عَنْ رَحْمَتِهِ (" وَغَضَبُهُ ") : أَيْ سَخَطُهُ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ وَإِيمَاءٌ إِلَى تَأْبِيدٍ، وَالْمُرَادُ زَجْرٌ شَدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ:(" لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ") : أَيْ نَفْلٌ أَوْ تَوْبَةٌ (" وَلَا عَدْلٌ ") : أَيْ فَرْضٌ أَوْ فِدْيَةٌ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .
3479 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا أُعْفِي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3479 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا أُعْفِي ") : بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْإِعْفَاءِ لُغَةٌ فِي الْعَفْوِ (" عَمَّنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ ") : أَيْ لَا أَدَعُ الْقَاتِلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَيُرْضَى مِنْهُ بِالدِّيَةِ لِعِظَمِ جُرْمِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ وَالتَّفْظِيعُ بِمَا ارْتَكَبَهُ، فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] وَالْمَعْنَى مَنْ تَجَاوَزَ عَنِ الْحَدِّ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَيْ: فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُقْتَلَ لَا مَحَالَةَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " «لَا أُعَافِي أَحَدًا قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ» ". قَالَ السَّيِّدُ مُعِينُ الدِّينِ الصَّفَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ السَّلَفِ، وَكَانَ الْوَلِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُؤَمِّنُ الْقَاتِلَ بِقَبُولِ الدِّيَةِ، ثُمَّ يَظْفَرُ بِهِ فَيَقْتُلُهُ فَيَرُدُّ الدِّيَةَ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: لَا يُعْفَى عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يُتْرَكُ، وَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَهُوَ حَسَنٌ دِرَايَةً إِنْ صَحَّ رِوَايَةً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَا أُعْفِيَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ فَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ بِلَفْظِ: " «لَا أُعَافِي أَحَدًا قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ» ".
3480 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً» ") . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3480 -
(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ، فَتَصَدَّقَ بِهِ ") : بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَيَتَصَدَّقُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: يُصَابُ، وَمُخَصِّصٌ لَهُ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَاوِيًّا وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْعِبَادِ، فَخُصَّ بِالثَّانِي لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَهُوَ الْعَفْوُ عَنِ الْجَانِي (" إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ ") : أَيْ بِذَلِكَ الْعَفْوِ (" دَرَجَةً وَحَطَّ ") : أَيْ وَضَعَ (" عَنْهُ ") : وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ " بِهِ " أَيْ بِذَلِكَ (" خَطِيئَةً) : أَيْ إِثْمَهَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَرَوَى وَهُوَ وَالضِّيَاءُ عَنْ عُبَادَةَ:" «مَا مِنْ رَجُلٍ يُجْرَحُ فِي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَ مَا تَصَدَّقَ» ".
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3481 -
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. رَوَاهُ مَالِكٌ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3481 -
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً) : بَيَانٌ لِـ نَفَرًا (أَوْ سَبْعَةً) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (بِرَجُلٍ وَاحِدٍ) : بِسَبَبِ قَتْلِهِ (قَتَلُوهُ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ قَتَلَهُ الْخَمْسَةُ أَوِ السَّبْعَةُ (قَتْلَ غِيلَةٍ) : بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحٍ وَنَصْبِ قَتْلٍ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ. فِي النِّهَايَةِ: أَيْ فِي خُفْيَةٍ وَاغْتِيَالٍ، وَهُوَ أَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَالْغِيلَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الِاغْتِيَالِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْغِيلَةُ الْقَتْلُ خُفْيَةً، وَفِي الْقَامُوسِ: الْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الْخَدِيعَةُ وَالِاغْتِيَالُ، وَقَتَلَهُ غِيلَةً أَيْ خِدْعَةً فَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ فَقَتَلَهُ. (وَقَالَ عُمَرُ: لَوْ تَمَالَأَ) : تَفَاعَلَ مِنَ الْمَلَأِ (عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى قَتْلِهِ (أَهْلُ صَنْعَاءَ) : أَيْ لَوْ تَسَاعَدُوا وَاجْتَمَعُوا وَتَعَاوَنُوا بِالْمُبَاشَرَةِ (لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا) : وَتَخْصِيصُ ذِكْرِ صَنْعَاءَ إِمَّا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالَ مِنْهَا، أَوْ هُوَ مَثَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْكَثْرَةِ، وَصَنْعَاءُ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ. (رَوَاهُ مَالِكٌ) .
3482 -
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ.
ــ
3482 -
(وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْ بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ.
3483 -
وَعَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي. فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ ". قَالَ جُنْدُبٌ: فَاتَّقِهَا» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
ــ
3483 -
(وَعَنْ جُنْدُبٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَيُفْتَحُ (قَالَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ) : يَعْنِي صَحَابِيًّا مَعْرُوفًا، فَالْجَهَالَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا لَا تَضُرُّ إِذِ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَثِقَاتٌ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ ") : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يَأْتِي بِهِ أَوْ يُحْضِرُهُ، أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ يَجِيءُ مَعَهُ (" يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ ") : أَيِ الْمَقْتُولُ (" سَلْ ") : أَيْ رَبِّي (" هَذَا فِيمَ ") : فِي تَعْلِيلِيَّةٌ دَخَلَتْ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ حُذِفَتْ أَلِفُهَا وُجُوبًا بِالتَّخْفِيفِ أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ وَلِأَيِّ غَرَضٍ (" قَتَلَنِي ") : أَيْ حِينَ قَتَلَنِي (" فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ ") : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ طَابَقَ هَذَا قَوْلَهُ فِيمَ قَتَلَنِي لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ قَتْلِهِ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ مَعْنَاهُ عَلَى عَهْدِ مَلِكٍ مِنَ السَّلَاطِينِ وَزَمَانِهِ، أَيْ فِي نُصْرَتِهِ. هَذَا إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْمُلْكِ، وَإِذَا رُوِيَ بِالْكَسْرِ كَانَ الْمَعْنَى قَتَلْتُهُ عَلَى مُشَاجَرَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي مِلْكِ زَيْدٍ مَثَلًا. (قَالَ جُنْدُبٌ: فَاتَّقِهَا) : أَيِ اجْتَنِبِ الْقِتْلَةَ أَوِ احْتَرِزِ النُّصْرَةَ أَوِ الْمُشَاجَرَةَ، وَهِيَ الْمُخَالَفَةُ وَالْمُنَازَعَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْقَتَلَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَانَ جُنْدُبٌ يَنْصَحُ رَجُلًا أَرَادَ هَذِهِ الْفَعْلَةَ، وَاسْتَشْهَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا سَمِعْتَ بِذَلِكَ فَاتَّقِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .
3484 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ شَطْرَ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آئِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
ــ
3484 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ شَطْرَ كَلِمَةٍ ") : بِنَصْبِ شَطْرٍ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ. وَهُوَ الظَّافِرُ. وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ شَقِيقٌ: هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي اقْتُلْ " اقْ " ذَكَرَهُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَفِي النِّهَايَةِ نَظِيرُ قَوْلِهِ