المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب آداب السفر] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ فِي الصِّغَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[بَابُ إِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

- ‌[بَابٌ فِي النُّذُورِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِصَاصِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يُضَمَّنُ مِنَ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَامَةِ]

- ‌[بَابُ قَتْلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالسِّعَايَةِ بِالْفَسَادِ]

- ‌[كِتَابُ الْحُدُودِ]

- ‌[بَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ]

- ‌[بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يُدْعَى عَلَى الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَمْرِ وَوَعِيدِ شَارِبِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْوُلَاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ]

- ‌[بَابُ الْعَمَلِ فِي الْقَضَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ]

- ‌[بَابُ رِزْقِ الْوُلَاةِ وَهَدَايَاهُمْ]

- ‌[بَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ آدَابِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابِ إِلَى الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ]

- ‌[بَابُ الْقِتَالِ فِي الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْأُسَرَاءِ]

- ‌[بَابُ الْأَمَانِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالْغُلُولِ فِيهَا]

- ‌[بَابُ الْجِزْيَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[بَابُ الْفَيْءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

الفصل: ‌[باب آداب السفر]

3889 -

وَعَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3889 -

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ) : أَيْ يَوْمَ الْفَتْحِ (وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2510

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3890 -

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3890 -

(عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ» ) : أَيِ: الْجِهَادِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ذِكْرُ الْخَيْلِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْغَزْوِ وَالْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقِرَانُهُ مَعَ النِّسَاءِ هُنَا لِإِرَادَةِ التَّكْمِيلِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ:" «حُبِّبَ إِلَيَّ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» "، فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَيْلُ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ الِاسْتِغْفَارِ، أَحَسَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يُوهِمُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَائِلًا إِلَى مُعَاشَرَةِ أَرْبَابِ الْخُدُورِ وَمُشْتَغِلًا بِهِنَّ عَنْ أَعَالِي الْأُمُورِ، فَكَمَّلَ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْخَيْلِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مِقْدَامٌ يَظَلُّ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ مُجَاهِدًا مَعَ أَعْدَاءِ اللَّهِ، كَمَا كَمَّلَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ: وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ، فَأَذِنَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مُجَاهِدٌ مَعَ نَفْسِهِ وَاصَلٌ إِلَى مَخْدَعِ الْقُرْبِ اهـ. قِيلَ: وَقَدْ أُعْطِي صلى الله عليه وسلم قُوَّةَ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ فِي الْجِمَاعِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ غَايَةً فِي التَّصَبُّرِ عَنْهُنَّ، وَنِهَايَةً فِي الِامْتِنَاعِ عَنِ اجْتِمَاعِهِنَّ. (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) .

ص: 2510

3891 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْسٌ عَرَبِيَّةٌ فَرَأَى رَجُلًا بِيَدِهِ قَوْسٌ فَارِسِيَّةٌ، قَالَ: " مَا هَذِهِ؟ أَلْقِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ وَأَشْبَاهِهَا وَرِمَاحِ الْقَنَا فَإِنَّهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ لَكُمْ بِهَا فِي الدِّينِ وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِي الْبِلَادِ» ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ــ

3891 -

(وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَتْ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْسٌ عَرَبِيَّةٌ» ) : أَيْ: مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْعَرَبِ فِي الصِّنَاعَةِ فَرَأَى رَجُلًا بِيَدِهِ قَوْسٌ فَارِسِيَّةٌ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ ; أَيْ: عَجَمِيَّةٌ (قَالَ: مَا هَذِهِ؟) : أَيِ: الْقَوْسُ الْفَارِسِيَّةُ (أَلْقِهَا) : أَيِ: اطْرَحْهَا (وَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ) : أَيِ: الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ (وَأَشْبَاهِهَا) : أَيْ: فِي الْهَيْئَةِ (وَرِمَاحِ الْقَنَا) : بِفَتْحِ الْقَافِ جَمْعِ الْقَنَاةِ ; أَيْ: بِرِمَاحٍ كَامِلَةٍ) فَإِنَّهَا) : أَيِ: الْقِصَّةَ (يُؤَيِّدُ اللَّهُ لَكُمْ بِهَا) : أَيْ: بِكُلٍّ مِنَ الْقَوْسِ وَالرِّمَاحِ (فِي الدِّينِ وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِي الْبِلَادِ) : يُقَالُ: مَكَّنَتْهُ فِي الْأَرْضِ تَمْكِينًا أَثْبَتُّهُ فِيهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: اسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الْقِصَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الحج: 46] وَلَعَلَّ الصَّحَابِيَّ رَأَى أَنَّ الْقَوْسَ الْفَارِسِيَّةَ أَقْوَى وَأَشَدُّ وَأَبْعَدُ مَرْمًى، فَآثَرَهَا عَلَى الْعَرَبِيَّةِ زَعْمًا بِأَنَّهَا أَعْوَنُ فِي الْحَرْبِ وَفَتْحِ الْبِلَادِ، فَأَرْشَدَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمْتَ، بَلِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ فِي الدِّينِ، وَيُمَكِّنُكُمْ فِي الْبِلَادِ بِعَوْنِهِ لَا بِعَوْنِكُمْ وَلَا قُوَّةِ إِعْدَادِكُمْ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَوْسُ مُؤَنَّثٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ، وَذُو الْقَوْسِ حَاجِبُ ابْنُ زُرَارَةَ أَتَى كِسْرَى فِي جَدْبٍ أَصَابَهُمْ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ لِقَوْمِهِ أَنْ يَصِيرُوا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بِلَادِهِ حَتَّى يَحْيَوْا فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُعَاشِرَ الْعَرَبِ غُدُرٌ حُرُصٌ، فَإِذَا أَذِنْتُ لَكُمْ أَفْسَدْتُمُ الْبِلَادَ وَأَغَرْتُمْ عَلَى الْعِبَادِ. قَالَ حَاجِبٌ: إِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَلِكِ أَنْ لَا يَفْعَلُوا. قَالَ: فَمَنْ لِي بِأَنْ تَفِيَ؟ قَالَ: أَرْهَنُكَ قَوْسِي فَضَحِكَ مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ كِسْرَى: مَا كَانَ لِيُسَلِّمَهَا أَبَدًا فَقَبِلَهَا مِنْهُ، وَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ أُحْيِيَ النَّاسُ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ مَاتَ حَاجِبٌ فَارْتَحَلَ عُطَارِدٌ ابْنُهُ رضي الله عنه إِلَى كِسْرَى يَطْلُبُ قَوْسَ أَبِيهِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَكَسَاهُ حُلَّةً، فَلَمَّا رَجَعَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَاعَهَا مِنْ يَهُودِيٍّ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .

ص: 2510

[بَابُ آدَابِ السَّفَرِ]

ص: 2510

[2]

بَابُ آدَابِ السَّفَرِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3892 -

عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

[2]

بَابُ آدَابِ السَّفَرِ

أَيْ: مِنَ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3892 -

(عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) : غَيْرِ مُنْصَرِفٍ بِالْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالصَّرْفِ عَلَى أَنَّهُ فَعُولٌ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْبَوْكِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ تَثْوِيرُ الْمَاءِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، وَبِهِ سُمِّيَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَبُوكُونَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ فِي أَرْضِ الشَّامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَوَقَعَ غَزْوَتُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ، (وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ) : أَيْ: إِذَا غَزَا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ (يَوْمَ الْخَمِيسِ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: اخْتِيَارُهُ رَصْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لِلْخُرُوجِ مُحْتَمَلٌ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَوْمٌ مُبَارَكٌ يُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَتْ سَفْرَاتُهُ لِلَّهِ، وَفِي اللَّهِ، وَإِلَى اللَّهِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ صَالِحٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ أَتَمُّ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ عَدَدًا. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ كَانَ يَتَفَاءَلُ بِالْخَمِيسِ فِي خُرُوجِهِ، وَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَتَفَاءَلَ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ ; لِأَنَّهُمْ خَمْسُ فِرَقٍ: الْمُقَدِّمَةُ، وَالْقَلْبُ، وَالْمَيْمَنَةُ، وَالْمَيْسَرَةُ، وَالسَّاقَةُ، فَيَرَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَأْلِ الْحَسَنِ حِفْظَ اللَّهِ لَهُ وَإِحَاطَةَ جُنُودِهِ بِهِ حِفْظًا وَحِمَايَةً، وَزَادَ الْقَاضِي، وَلِتَفَاؤُلِهِ بِالْخَمِيسِ عَلَى أَنَّهُ يَظْفَرُ عَلَى الْخَمِيسِ الَّذِي هُوَ جَيْشُ الْعَدُوِّ، وَيَتَمَكَّنُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا شَرَفٌ، أَوْ ; لِأَنَّهُ يُخَمِّسُ فِيهِ الْغَنِيمَةَ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا أَحْمَدُ.

ص: 2511

3893 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3893 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ) : أَيْ: مِنَ الضَّرَرِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ لِشُغْلِ بَالِهِ وَعَدَمِ مُؤْنِسٍ بِحَالِهِ (مَا أَعْلَمُ) : أَيْ: مِقْدَارَ مَا أَعْلَمُهُ وَ (مَا) فِيهِمَا مَوْصُولَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى وَنَافِيَةٌ فِي قَوْلِهِ: (مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) : أَيْ: مُنْفَرِدًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (مَا) فِي الْوَحْدَةِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ عُلِّقَ الْعِلْمُ عَنِ الْعَمَلِ، وَالثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ، وَالثَّالِثَةُ نَافِيَةٌ. قَالَ الْمُظْهِرِ: فِيهِ مَضَرَّةٌ دِينِيَّةٌ إِذْ لَيْسَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ وَمَضَرَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ إِذْ لَيْسَ مَنْ يُعِينُهُ فِي الْحَوَائِجِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ مَا سَارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ، فَقَيَّدَهُ بِالرَّاكِبِ وَاللَّيْلِ ; لِأَنَّ الْخَطَرَ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ، فَإِنَّ انْبِعَاثَ الشَّرِّ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ أَصْعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ، وَقَوْلُهُمْ: أَعْذَرَ اللَّيْلُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ كَثُرَ فِيهِ الْعُذْرُ، لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ رَاكِبًا فَإِنَّ لَهُ خَوْفًا، وَجَلَّ الْمَرْكُوبُ مِنَ النُّفُورِ مِنْ أَدْنَى شَيْءٍ وَالتَّهَوِّيِ فِي الْوَهْدَةِ بِخِلَافِ الرَّاجِلِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالرَّاكِبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِلَ مَمْنُوعٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَحْدَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَى الرَّاكِبِ كَمَا لَا يَخْفَى. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ:" لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ " الْحَدِيثَ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

ص: 2511

3894 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا يُحِبُّ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3894 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ) : أَيْ: مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ (رُفْقَةً) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا ; أَيْ جَمَاعَةً تَرَافَقُوا وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا (فِيهَا كَلْبٌ) : أَيْ: لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ (وَلَا جَرَسٍ) : بِزِيَادَةِ لَا لِلتَّأْكِيدِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: جَازِ عَنْهُ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا كَلْبٌ، وَإِنْ كَانَ مُثْبَتًا ; لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. فِي الْمُغْرِبِ: الْجَرَسُ

ص: 2511

بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُعَلَّقُ بِعُنُقِ الدَّابَّةِ وَغَيْرُهُ فَيُصَوَّبُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَبَبُ الْحِكْمَةِ فِي عَدَمِ مُصَاحَبَةِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ الْجَرَسِ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوَاقِيسِ، أَوْ ; لِأَنَّهُ مَنَّ الْمَعَالِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِكَرَاهَةِ صَوْتِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ ; أَيِ: الْآتِي مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الشَّامِ: يُكْرَهُ الْجَرَسُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ اهـ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: جَرَسُ الدَّوَابِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِذَا اتُّخِذَ لِلَّهْوِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا بَأْسَ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: رِوَيَ أَنَّ جَارِيَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ، وَفِي رِجْلِهَا جَلَاجِلُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَخْرِجُوا عَنِّي مُفَرِّقَةَ الْمَلَائِكَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَطَعَ أَجْرَاسًا فِي رِجْلِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانًا» . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ص: 2512

3895 -

وَعَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3895 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ: أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَخْبَرَ عَنِ الْمُفْرِدِ بِالْجَمْعِ إِمَّا لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ، أَوْ لِأَنَّ صَوْتَهَا لَا يَنْقَطِعُ كُلَّمَا تَحَرَّكَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، لَاسِيَّمَا فِي السَّفَرِ بِخِلَافِ الْمَزَامِيرِ الْمُتَعَارَفَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: مِعًى جِيَاعَا وَصَفَ الْمُفْرَدَ بِالْجَمْعِ لِيُشْعِرَ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمِعَى بِمَثَابَتِهِ لِشِدَّةِ الْجُوعِ، وَأَضَافَ إِلَى الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّ صَوْتَهُ لَمْ يَزَلْ يَشْغَلُ الْإِنْسَانَ مِنَ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ص: 2512

3896 -

وَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا: لَا تُبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3896 -

(وَعَنْ ; أَبِي بَشِيرٍ رضي الله عنه : بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَكَسْرِ مُعْجَمَةٍ (الْأَنْصَارِيِّ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ قَيْسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه الْأَنْصَارِيُّ الْمُزَنِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ: لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى اسْمٍ صَحِيحٍ، وَلَاسِيَّمَا مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الْكُنَى وَلَمْ يُسَمِّهْ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مَاتَ بَعْدَ الْحَرَّةِ، وَكَانَ قَدْ عَمَّرَ طَوِيلًا. (أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا) : أَيْ: مَقُولًا لَهُ (لَا تُبْقَيَنَّ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْقَافِ مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِبْقَاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا عَلَى صِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْبَقَاءِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَتْرُكَنَّ (فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ) : أَيْ: مَثَلًا (قِلَادَةٌ) : بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ نَائِبُ الْفَاعِلِ، أَوِ الْفَاعِلُ (مِنْ وَتَرٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدِ أَوْتَارِ الْقَوْسِ (أَوْ قِلَادَةٌ) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بِغَيْرِ قَيْدٍ. قَوْلُهُ: مِنْ وَتَرٍ، وَالْمَعْنَى قِلَادَةٌ مُطْلَقًا (إِلَّا قُطِعَتْ) : أَيْ: قُلِعَتْ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَطْعِهَا ; لِأَنَّ الْأَجْرَاسَ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَا، وَهِيَ مِنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ وَمَانِعَةٌ لِمُصَاحَبَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّفْقَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا، أَوْ لِئَلَّا يَتَشَبَّثَ بِهَا الْعَدُوُّ، فَيَمْنَعَهَا عَنِ الرَّكْضِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: لَا تُبْقَيَنَّ إِمَّا صِفَةٌ لِـ " رَسُولًا " أَيْ أَرْسَلَ رَسُولًا يُنَادِي فِي النَّاسِ بِهَذَا، أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ " أَرْسَلَ "؛ أَيْ: أَرْسَلَ رَسُولًا آمِرًا لَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَذَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا فُسِّرَ " لَا تُبْقَيَنَّ " بِلَا يُتْرَكَنَّ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَعَمُّ عَامَّ الْأَحْوَالِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: تَأَوَّلَ مَالِكٌ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم بِقِطَعِ الْقَلَائِدِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشُدُّونَ بِتِلْكَ الْأَوْتَارِ وَالْقَلَائِدِ وَالتَّمَائِمِ، وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا الْعُوَذَ يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَعْصِمُ مِنَ الْآفَاتِ) فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا أَمَرَ بِقَطْعِهَا ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَ فِيهَا الْأَجْرَاسَ. قَالَ النَّوَوِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا تُقَلِّدُوهَا أَوْتَارَ الْقِسِيِّ لِئَلَّا تَضِيقَ عَلَى عُنُقِهَا فَيَخْنُقَهَا اهـ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا رُبَّمَا رَعَتِ الشَّجَرَةَ، أَوْ حَكَّتْ بِهَا عُنُقَهَا فَتَشَبَّثَ بِهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2512

3897 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَقَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ، وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3897 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ) : بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ; أَيْ: زَمَانَ كَثْرَةِ الْعَلَفِ وَالنَّبَاتِ (فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَقَّهَا) : أَيْ: حَظَّهَا (مِنَ الْأَرْضِ) : أَيْ: مِنْ نَبَاتِهَا يَعْنِي دَعُوهَا سَاعَةً فَسَاعَةً تَرْعَى، إِذْ حَقُّهَا مِنَ الْأَرْضِ رَعْيُهَا فِيهِ، (وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ) : أَيِ الْقَحْطِ، أَوْ زَمَانِ الْجَدْبِ (فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا) : أَيْ: رَاكِبِينَ عَلَيْهَا (السَّيْرَ) : مَفْعُولُ أَسْرِعُوا، وَالْمَعْنَى لَا تُوقِفُوهَا فِي الطَّرِيقِ لِتُبَلِّغَكُمُ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ تَضْعُفَ (فَإِذَا عَرَّسْتُمْ) : بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ) ; أَيْ: نَزَلْتُمْ (بِاللَّيْلِ) : فِيهِ تَجْرِيدٌ إِذِ التَّعْرِيسُ هُوَ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: أَعْرَسَ الْقَوْمُ نَزَلُوا فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ كَعَرَّسُوا، وَهَذَا أَكْثَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا النُّزُولُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ:(فَاجْتَنِبُوا) : أَيْ: فِي نُزُولِكُمُ (الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ) : أَيْ: دَوَابِّ الْمُسَافِرِينَ، أَوْ دَوَابِّ الْأَرْضِ مِنَ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا (وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ) : وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ كُلُّ ذَاتِ سُمٍّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَلِلرَّاحَةِ فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ النُّزُولُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ، وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَرْشَدَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ وَدَوَابَّ الْأَرْضِ وَذَوَاتِ السُّمُومِ وَالسِّبَاعَ وَغَيْرَهَا تَطْرُقُ فِي اللَّيْلِ عَلَى الطُّرُقِ لِتَلْقُطَ مَا سَقَطَ مِنَ الْمَارَّةِ مِنْ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ.

(وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَتَحْتِيَّةٍ ; أَيْ: أَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ مَا دَامَتْ قَوِيَّةً بَاقِيَةَ النِّقْيِ، وَهُوَ الْمُخُّ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْوِي نَقْبَهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْقَافِ، وَيَرَى الضَّمِيرَ فِيهِ رَاجِعًا إِلَى الْأَرْضِ، وَيُفَسِّرُ النَّقْبَ بِالطَّرِيقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ مَنِ التَّصْحِيفَاتِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْعَالِمُ فَضْلًا عَنِ الْجَاهِلِ. قَالَ الْأَشْرَفُ فِي الصِّحَاحِ: نَقِبَ الْبَعِيرُ بِالْكَسْرِ إِذَا رَقَّتْ أَخْفَافُهُ، وَأَنْقَبَ الرَّجُلُ إِذَا نَقِبَ بَعِيرُهُ وَنَقِبَ الْخُفُّ الْمَلْبُوسُ إِذَا تَخَرَّقَتْ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا اللَّفْظُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَلَا يَكُونُ تَصْحِيفًا. قُلْتُ: حُكْمُ الشَّيْخِ عَلَيْهِ بِالتَّصْحِيفِ فَرْعُ عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَوُجُودِ ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِغَيْرِهِ، فَبِمِثْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ مِنَ الدِّرَايَةِ لَا يَرْتَفِعُ كَوْنُهُ تَصْحِيفًا فِي الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى، حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَبْنِيِّ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ:" نِقْيَهَا " بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ " بَادِرُوا " وَعَلَيْهِ الْأُصُولُ مِنَ النُّسَخِ الْمَضْبُوطَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مَفْعُولًا بِهِ وَبِهَا حَالٌ مِنْهُ ; أَيْ: بَادِرُوا نِقْيَهَا إِلَى الْمَقْصِدِ مُلْتَبِسًا بِهَا، أَوْ مِنَ الْفَاعِلِ ; أَيْ: مُلْتَبِسَيْنِ بِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً ; أَيْ: بَادِرُوا بِسَبَبِ سَيْرِهَا نِقْيَهَا، وَأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ ; أَيْ: بَادِرُوا نِقْيَهَا مُسْتَعِينِينَ بِسَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا فَاعِلًا لِلظَّرْفِ، وَهُوَ حَالٌ ; أَيْ: بَادِرُوا إِلَى الْمَقْصِدِ مُلْتَبِسًا بِهَا نِقْيُهَا، أَوْ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ كَقَوْلِهِمْ: فُوهُ إِلَى فِيَّ، وَأَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، وَالْمَعْنَى سَارِعُوا بِنَقْبِهَا إِلَى الْمَقْصِدِ بَاقِيَةَ النِّقْيِ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى مَعَ إِرَادَةِ نَقْبِ الْخُفِّ اهـ. مُلَخَّصًا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

ص: 2513

3898 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ فَجَعَلَ يَضْرِبُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ". مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٌ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ " قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3898 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ) : أَيْ: مُعَاشِرُ الصَّحَابَةِ (فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ (عَلَى رَاحِلَةٍ) : أَيْ: ضَعِيفَةٍ (فَجَعَلَ) : أَيْ: شَرَعَ وَطَفِقَ (يَضْرِبُ) : أَيِ: الرَّاحِلَةَ (يَمِينًا وَشِمَالًا) : أَيْ: بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، أَوْ يَمِينَهَا وَشِمَالَهَا لِعَجْزِهَا عَنِ السَّيْرِ، وَقِيلَ: يَضْرِبُ عَيْنَيْهِ إِلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ; أَيْ: يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمَا طَالِبًا لِمَا يَقْضِي لَهُ حَاجَتَهُ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ

ص: 2513

فَضْلُ ظَهْرٍ) : أَيْ: زِيَادَةُ مَرْكُوبٍ عَنْ نَفْسِهِ (فَلْيَعُدْ بِهِ) : أَيْ: فَلْيَرْفُقْ بِهِ (عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ) : وَيَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ؛ مِنْ عَادَ عَلَيْنَا بِمَعْرُوفٍ ; أَيْ: رَفَقَ بِنَا، كَذَا فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ (وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ) : أَيْ: مِنْهُ وَمِنْ دَابَّتِهِ (فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ) : أَيْ: مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ، وَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ تَعْبَانُ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ; أَيْضًا، أَوْ ذَكَرَهُ تَتْمِيمًا وَقَصْدًا إِلَى الْخَيْرِ تَعْمِيمًا. قَالَ الْمُظْهِرُ: أَيْ: طَفِقَ يَمْشِي يَمِينًا وَشِمَالًا ; أَيْ: يَسْقُطُ مِنَ التَّعَبِ إِذْ كَانَتْ رَاحِلَتُهُ ضَعِيفَةً لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْكَبَهَا فَمَشَى رَاجِلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ رَاحِلَتُهُ قَوِيَّةً إِلَّا أَنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا زَادَهُ وَأَقْمِشَتَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْكَبَهَا مَنْ ثِقَلِ حِمْلِهَا، فَطَلَبَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجَيْشِ فَضْلَ ظَهْرٍ ; أَيْ: دَابَّةً زَائِدَةً عَلَى حَاجَةِ صَاحِبِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي تَوْجِيهِهِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّ عَلَى رَاحِلَتِهِ صِفَةَ رَجُلٍ ; أَيْ: رَاكِبٍ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ:" فَجَعَلَ " عَطْفٌ عَلَى " جَاءَ " بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُتَمَحَّلَ وَيُقَالَ: إِنَّهُ عَطَفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ ; أَيْ: فَنَزَلَ فَجَعَلَ يَمْشِي. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ حَامِلٌ مَتَاعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَوْ عَلَى بِمَعْنَى (مَعَ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] قَالَ الطِّيبِيُّ: الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ " يَضْرِبُ " مَجَازٌ عَنْ " يَلْتَفِتُ " لَا عَنْ " يَمْشِي "، وَهَذَا أَيْضًا يُسْقِطُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ الَّذِي يَأْبَاهُ الْمَقَامُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رُوِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ فَجَعَلَ يَضْرِبُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا يَصْرِفُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَصَرِهِ، وَفِي بَعْضِهَا يَضْرِبُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمَعْنَى يَصْرِفُ بَصَرَهُ مُتَعَرِّضًا بِشَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الرُّفْقَةِ وَالْأَصْحَابِ، وَالِاعْتِنَاءُ بِمَصَالِحِهِمْ وَالسَّعْيُ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ بِتَعَرُّضِهِ لِلْعَطَاءِ، وَتَعْرِيضِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَاحِلَةٌ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ، أَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي وَطَنِهِ، فَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ فِي هَذَا الْحَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ) : أَيْ: أَبُو سَعِيدٍ (فَذَكَرَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ) : كَالثَّوْبِ وَالنِّعَالِ وَالْقِرْبَةِ وَالْمَاءِ وَالْخَيْمَةِ وَالنُّقُودِ وَنَحْوِهَا. (حَتَّى رَأَيْنَا) : أَيْ: ظَنَّنَا (أَنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ (لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

ص: 2514

3899 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3899 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّفَرُ) : أَيْ: جِنْسُهُ (قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ) : أَيْ: نَوْعٌ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) فَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي فِيهِ كَذَلِكَ أَبَدًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: سُمِّيَ السَّفَرُ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ وَمُعَانَاةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخَوْفِ وَالسُّرَى، وَمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ، وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ. قُلْتُ: وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ السَّقَرِ، فَغَيْرُ ثَابِتِ الْمَبْنَى، وَلَعَلَّهُ نَقَلَ بِالْمَعْنَى، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيًّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: لَوْلَا أَنَّ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَعَكَسْتُ وَقُلْتُ: السَّقَرُ قِطْعَةٌ مِنَ السَّفَرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْمُبَالَغَةِ أَوَّلًا، وَفَوْتٌ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنَ الصَّعُودِ، وَخُرُوجٌ عَنْ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ الْخُطَبِيَّةِ وَالْحِسَابَاتِ الْجُمَلِيَّةِ (يَمْنَعُ) : أَيِ: السَّفَرُ (أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) : أَيْ: عَنِ الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَهُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، أَوْ حَالٌ (فَإِذَا قَضَى) : أَيْ: أَحَدُكُمْ (نَهْمَتَهُ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ; أَيْ: حَاجَتَهُ (مِنْ وَجْهِهِ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: النَّهْمَةُ بُلُوغُ الْهِمَّةِ فِي الشَّيْءِ، وَقَدْ نُهِمَ بِهَذَا فَهُوَ مَنْهُومٌ ; أَيْ: مُولَعٌ بِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " وَمِنْ وَجْهِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِقَضَى ; أَيْ: إِذَا حَصَلَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَتِهِ وَجَانِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ (فَلْيَعْجَلْ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّشْدِيدِ، فَفِي الْقَامُوسِ عَجِلَ كَفَرِحَ أَسْرَعَ وَعَجَّلَ تَعْجِيلًا ; أَيْ: فَلْيُبَادِرْ (إِلَى أَهْلِهِ) : أَيْ: وَبَلَدِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْإِقَامَةِ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ لِلْأَهْلِ وَالْقَرَابَاتُ، وَهَذَا فِي الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:" «فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيَعْجَلْ إِلَى أَهْلِهِ " أَشَارَ إِلَى السَّفَرِ الَّذِي لَهُ نَهْمَةٌ وَأَرَبٌ مِنْ تِجَارَةٍ، أَوْ تَقَلُّبٍ دُونَ السَّفَرِ الْوَاجِبِ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ» اهـ.

ص: 2514

وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْمَةَ. بِمَعْنَى الْحَاجَّةِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:" «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ» ". وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَغْرِيبِ الزَّانِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالتَّغْرِيبُ عَذَابٌ كَالْجَلْدِ. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ التَّغْرِيبَ عَذَابٌ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ الْمُرَادُ أَمْ لَا. وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ حَدٌّ، أَوْ سِيَاسَةٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ:" فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ ".

ص: 2515

3900 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا قَدِمَ مَنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ مَنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قَالَ: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3900 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) : هُوَ ابْنُ أَخِي عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ (قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلِقِيَّ» ) : مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنَ التَّلَقِّي، وَفِي نُسْخَةٍ مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ ; أَيْ: يُسْتَقْبَلُ (بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ) : أَيْ: مِنْ أَوْلَادِ أَعْمَامِهِ (وَإِنَّهُ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ ; أَيْ: بُودِرَ (بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ) : يَعْنِي أَحَدَ الْحَسَنَيْنِ (فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قَالَ) : أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ (فَأُدْخِلْنَا) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: فَأَدْخَلَنَا اللَّهُ (الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً) : قَالَ الطِّيبِيُّ: حَالٌ مُوطِّئَةٌ ; أَيْ: ثَلَاثَةً كَائِنَةً (عَلَى دَابَّةٍ) : كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (لِسَانًا عَرِبِّيًا)(رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ص: 2515

3901 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3901 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ) : أَيْ: أَنَسًا (أَقْبَلَ) ; أَيْ: عَنْ سَفَرٍ (هُوَ) : أَيْ: أَنَسٌ (وَأَبُو طَلْحَةَ) : أَيْ: زَوْجُ أُمِّهِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) : أَيْ: مُرَافِقِينَ لَهُ (وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةُ) : فِيهِ تَفَنُّنٌ، وَوَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ رَجْعِهِ إِلَى أَبَى طَلْحَةَ، أَوْ أَنَسٍ (مُرْدِفَهَا) : حَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ: جَاعِلَ صَفِيَّةَ مُرْدِفَهَا (عَلَى رَاحِلَتِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَكَّدَ الْمُسْتَتِرَ لِيَعْطِفَ الْمُظْهَرَ عَلَيْهِ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ظَرْفُ أَقْبَلَ، أَوْ حَالٌ ; أَيْ مُصَاحِبِينَ لِلنَّبِيِّ، وَقَوْلُهُ: مُرْدِفَهَا حَالٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَامِلُ مُتَعَلِّقُ الظَّرْفِ كَأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ سَفَرٍ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي شَرْحِهِ السُّنَّةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَبَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَدِيفُهُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2515

3902 -

وَعَنْهُ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا غُدْوَةً، أَوْ عَشِيَّةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3902 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ) بِضَمِّ الرَّاءِ ; أَيْ: لَا يَأْتِي (أَهْلَهُ لَيْلًا) : فِيهِ تَجْرِيدٌ، فَفِي النِّهَايَةِ الطُّرُوقُ مِنَ الطَّرْقِ، وَهُوَ الدَّقُّ وَسُمِّيَ الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِحَاجَتِهِ إِلَى دَقِّ الْبَابِ. قُلْتُ: أَوْ مَأْخُوذٌ مِنَ الطَّارِقِ بِمَعْنَى النَّجْمِ الثَّاقِبِ لِظُهُورِهِ لَيْلًا (وَكَانَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَا يَدْخُلُ إِلَّا غُدْوَةً) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَوْ فَتَحِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْغُدْوَةُ بِالضَّمِّ الْبُكْرَةُ، أَوْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كَالْغَدَاةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: الْغَدْوُ سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالْغَدْوَةُ مَرَّةٌ مِنْهُ، وَالْغُدْوَةِ بِالضَّمِّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدْوَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ (أَوْ عَشِيَّةً) : فِي النِّهَايَةِ: الْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَشِيِّ وَالْعَشِيَّةُ آخِرُ النَّهَارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِالْعَشِيَّةِ اللَّيْلَ لِقَوْلِهِ: لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] الْكَشَّافَ: عَشِيًّا صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَتُظْهِرُونَ صَلَاةُ الظُّهْرِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَشَّافَ بَيَّنَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ بِقَرِينَةِ تُظْهِرُونَ، لَا أَنَّهُ تَفْسِيرُ دَعْوَى (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.

ص: 2515

3903 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3903 -

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ) : أَيْ: فِي سَفَرِهِ (فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا) : فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ قَالَ: «فَطَرَقَ رَجُلَانِ بَعْدَ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ.

ص: 2516

3904 -

وَعَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلَا تَدَخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3904 -

(وَعَنْهُ) : أَيْ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ) : أَيْ: قَارَبْتَ دُخُولَ (بَلَدِكَ) : يَعْنِي لَيْلًا، كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (فَلَا تُدْخَلْ عَلَى أَهْلِكَ) ; أَيْ: لَيْلًا، أَوْ عَلَى غَفْلَةٍ (حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ ; أَيْ حَتَّى تَسْتَعِدَّ بِالنَّظَافَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا مُسْتَقْبِلَةً لِوُصُولِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَلِذَا قَالَ:(وَتُمَشِّطُ الشَّعِثَةُ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ; أَيْ: تُعَالِجَ بِالْمُشْطِ الْمُتَفَرِّقَةُ الشَّعَرِ لِتَصُونَ الْقَادِمَ مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ شَعْرِ الْعَانَةِ، وَأَغَابَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَهِيَ مُغِيبَةٌ بِالْهَاءِ وَشَذَّ بِلَا هَاءٍ، وَأَرَادَ بِالِاسْتِحْدَادِ أَنْ تُعَالِجَ شَعْرَ عَانَتِهَا بِمَا مِنْهُ الْمُعْتَادُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ يَعْنِي مِنَ النَّتْفِ وَالتَّنَوُّرِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ اسْتِعْمَالَ الْحَدِيدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ فِي أَمْرِهِنَّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ كُلُّهَا تُكْرَهُ لِمَنْ طَالَ سَفَرُهُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ قَرِيبًا يُتَوَقَّعُ إِتْيَانُهُ لَيْلًا فَلَا بَأْسَ لِقَوْلِهِ: إِذَا طَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي قَفَلٍ عَظْمٍ، أَوْ عَسْكَرٍ وَنَحْوِهِمْ، وَاشْتُهِرَ قُدُومُهُمْ، وَعَلِمَتِ امْرَأَتُهُ وَأَهْلُهُ أَنَّهُ قَادِمٌ فَلَا بَأْسَ بِقُدُومِهِ لَيْلًا لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ سَبَبُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ التَّهَيُّؤُ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ. قُلْتُ: لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَقِّ الْبَابِ وَانْتِظَارِ الْجَوَابِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2516

3905 -

وَعَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا، أَوْ بَقَرَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3905 -

(وَعَنْهُ) ; أَيْ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَا قَدِمَ) : بِكَسْرِ الدَّالِ ; أَيْ: جَاءَ وَنَزَلَ (الْمَدِينَةَ) ; أَيْ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ، أَوْ بَعْدَ غَزْوَةٍ (نَحَرَ جَزُورًا) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فِي النِّهَايَةِ: الْجَزُورُ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، إِلَّا أَنَّ اللَّفْظَ مُؤَنَّثٌ تَقُولُ: هَذِهِ الْجَزُورُ وَإِنْ أَرَدْتَ ذَكَرًا (أَوْ بَقَرَةً) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ; أَيِ: السُّنَّةُ لِمَنْ قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَضِيفَ بِقَدْرِ وُسْعِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْقُدُومِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2516

3906 -

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ لِلنَّاسِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3906 -

(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِنْ قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ» ) ; أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ (رَكْعَتَيْنِ) ; أَيْ: تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، أَوْ صَلَاةَ الضُّحَى (ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ لِلنَّاسِ) ; أَيْ: لِمَقَالَاتِهِمْ وَسُؤَالَاتِهِمْ وَجَوَابَاتِهِمْ وَحُكُومَاتِهِمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ «كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُثَنِّي بِفَاطِمَةَ، ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ» .

ص: 2516

ــ

3907 -

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لِي: ادْخُلِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» ) : فَثَبَتَ اسْتِحْبَابُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْمُسَافِرُ وَصَلَاتُهُ فِيهِ بِحَدِيثِهِ صلى الله عليه وسلم فِعْلًا وَقَوْلًا، وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى تَعَلُّمِ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ زَائِرَهُ زَائِرٌ لَهُ سبحانه وتعالى. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2516

الْفَصْلُ الثَّانِي

3908 -

عَنْ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» " «وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ شَيْئًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ» ، وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا. فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

3908 -

(عَنْ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ رضي الله عنه : بِفَتْحِ الْوَاوِ (الْغَامِدِيِّ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مِنَ الْأَزْدِ سَكَنَ الطَّائِفَ، وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ بَارِكْ) ; أَيْ: أَكْثَرِ الْخَيْرَ (لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) ; أَيْ: صَبَاحِهَا وَأَوَّلِ نَهَارِهَا، وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَهُوَ يَشْمَلُ طَلَبَ الْعِلْمِ وَالْكَسْبِ وَالسَّفَرِ وَغَيْرِهَا. (وَكَانَ) ; أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا) : أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَقَدْ سَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) ; أَيْ: مُطَابَقَةً لِدُعَائِهِ (وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا) : فِيهِ تَجْرِيدٌ، أَوِ الْتِفَاتٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَنْهُ (فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ) ; أَيْ: مَالَهُ (أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى) ; أَيْ: صَارَ ذَا ثَرْوَةٍ ; أَيْ: مَالٍ كَثِيرٍ (وَكَثُرَ مَالُهُ) : عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ: أَثْرَى. قَالَ الْمُظْهِرُ: الْمُسَافَرَةُ سُنَّةٌ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ هَذَا يُرَاعِي هَذِهِ السُّنَّةَ، وَكَانَ تَاجِرًا يَبْعَثُ مَالَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ فَكَثُرَ مَالُهُ بِبَرَكَةِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ دُعَاءَهُ صلى الله عليه وسلم مَقْبُولٌ لَا مَحَالَةَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ» ".

ص: 2517

3909 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3909 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ» ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ اسْمٌ مَنْ أَدْلَجَ الْقَوْمُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ إِذَا سَارُوا أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْإِدْلَاجَ سَيْرَ اللَّيْلِ كُلِّهِ، وَكَأَنَّهُ الْمُعْنَى بِهِ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ:(فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ) ; أَيْ: بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: تُقْطَعُ بِالسَّيْرِ فِي اللَّيْلِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: وَالدُّلْجَةُ ; أَيْضًا اسْمٌ مِنَ ادَّلَجُوا بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا إِذَا سَارُوا آخِرَ اللَّيْلِ، يَعْنِي لَا تَقْنَعُوا بِالسَّيْرِ نَهَارًا بَلْ سِيرُوا بِاللَّيْلِ ; أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَسْهُلُ حَيْثُ يَظُنُّ الْمَاشِي أَنَّهُ سَارَ قَلِيلًا وَقَدْ سَارَ كَثِيرًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

ص: 2517

3910 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» ". رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

3910 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَّهُ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الرَّاكِبُ) ; أَيْ: إِذَا كَانَ وَحْدَهُ (شَيْطَانٌ) : لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ وَتَعَسُّرِ الْمَعِيشَةِ وَعَدَمِ الْمَعُونَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِمْكَانِ الْمَنِيَّةِ (وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ) : إِذْ رُبَّمَا مَاتَ الْوَاحِدُ، أَوْ مَرِضَ، وَاضْطُرَّ الْآخَرُ بِغَيْرِ مُسَاعِدٍ لَهُ (وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ; أَيْ: جَمَاعَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» ". وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّكْبُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ كَنَفَرٍ وَرَهْطٍ، وَلِذَا صُغِّرَ عَلَى لَفْظِهِ، وَقِيلَ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَحْبٍ جَمْعِ صَاحِبٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي تَصْغِيرِهِ: رُوَيْكِبُونَ كَمَا يُقَالُ: صُوَيْحِبُونَ، وَالرَّاكِبُ فِي الْأَصْلِ هُوَ رَاكِبُ الْإِبِلِ خَاصَّةً، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ، وَأُطْلِقَ عَلَى مَنْ رَكِبَ دَابَّةً. قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي مَشْيَ الْوَاحِدِ مُنْفَرِدًا مَنْهِيٌّ، وَكَذَلِكَ مَشْيُ الِاثْنَيْنِ، وَمَنِ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ، وَلِذَا أَطْلَقَ صلى الله عليه وسلم اسْمَهُ عَلَيْهِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا: الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ سَافَرَ وَحْدَهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ مَاتَ مَنْ أَسْأَلُ عَنْهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُنْفَرِدُ فِي السَّفَرِ إِنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَقُومُ بِغُسْلِهِ وَدَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ، وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ تَرِكَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَيُورَدُ خَبَرَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُ فِي السَّفَرِ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحَمُولَةِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً تَعَاوَنُوا وَتَنَاوَبُوا الْمِهْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ وَصَلَّوُا الْجَمَاعَةَ وَأَحْرَزُوا الْحَظَّ فِيهَا. (رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .

ص: 2517

3911 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3911 -

(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ) ; أَيْ: مَثَلًا (فِي سَفَرٍ) : وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ جَمَاعَةٌ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ، وَكَذَا إِذَا كَانَ اثْنَانِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ (فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) ; أَيْ: فَلْيَجْعَلُوا أَمِيرَهُمْ أَفْضَلَهُمْ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَمْرُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ، فَيَتْعَبُوا فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا حَكَّمَا رَجُلًا بَيْنَهُمَا فِي قَضِيَّةٍ فَقَضَى بِالْحَقِّ نَفَذَ حُكْمُهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ أَبَى سَعِيدٍ:«وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» ، وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ:«إِذَا سَافَرْتُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَكُمْ، وَإِذَا أَمَّكُمْ فَهُوَ أَمِيرُكُمْ» .

ص: 2518

3912 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

ــ

3912 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَيْرُ الصَّحَابَةِ) : بِالْفَتْحِ جَمْعُ صَاحِبٍ وَلَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالَةٍ غَيْرَ هَذَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (أَرْبَعَةٌ) ; أَيْ: مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: الْمُسَافِرُ لَا يَخْلُو عَنْ رَجُلٍ يَحْتَاجُ إِلَى حِفْظِهِ، وَعَنْ حَاجَةٍ يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً لَكَانَ الْمُتَرَدِّدُ وَاحِدًا، فَيَبْقَى بِلَا رَفِيقٍ، فَلَا يَخْلُو عَنْ خَطَرٍ وَضِيقِ قَلْبٍ لِفَقْدِ الْأَنِيسِ، وَلَوْ تَرَدَّدَ اثْنَانِ كَانَ الْحَافِظُ وَحْدَهُ. قَالَ الْمُظْهِرُ؟ يَعْنِي الرِّضَاءَ إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً ; لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَمَرِضَ أَحَدُهُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ رَفِيقَيْهِ وَصِيَّ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ بِإِمْضَائِهِ إِلَّا وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي، وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً كَفَى شَهَادَةُ اثْنَيْنِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ يَكُونُ مُعَاوَنَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَتَمَّ، وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا أَكْثَرُ، فَخَمْسَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِمَّنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمْ، لَا مِمَّنْ فَوْقَهُمْ ( «وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ» ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: لَنْ يَصِيرَ مَغْلُوبًا (اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) قَالَ الطِّيبِيُّ: جَمِيعُ قَرَائِنِ الْحَدِيثِ دَائِرَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَاثْنَا عَشَرَ ضِعْفًا أَرْبَعٌ، وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِذَلِكَ إِلَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَاشْتِدَادِ ظَهْرَانَيْهِمْ تَشْبِيهًا بِأَرْكَانِ الْبِنَاءِ، وَقَوْلُهُ:(مِنْ قِلَّةٍ) : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَارُوا مَغْلُوبِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِلَّةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ سِوَاهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونُوا قَلِيلِينَ وَالْأَعْدَاءُ مِمَّا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَثْلَاثِ جَيْشٌ قُوبِلَ بِالْمَيْمَنَةِ، أَوِ الْمَيْسَرَةِ، أَوِ الْقَلْبِ فَلْيَكْفِهَا، وَلِأَنَّ الْجَيْشَ الْكَثِيرَ الْمُقَاتِلَ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُقَاتِلُونَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ - وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا - لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، وَإِنَّمَا غُلِبُوا عَنْ إِعْجَابٍ مِنْهُمْ، قَالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25] وَكَانَ عَشَرَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَلْفَانِ مِنْ مُسْلِمِي فَتْحِ مَكَّةَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَلَفْظُ الْجَامِعِ وَلَا تُهْزَمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ.

ص: 2518

3913 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وَيُرْدِفُ، وَيَدْعُو لَهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3913 -

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ» ) ; أَيْ: يَعْقُبُ أَصْحَابَهُ فِي السَّيْرِ تَوَاضُعًا وَتَعَاوُنًا (فَيُزْجِي) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْجِيمِ ; أَيْ: فَيَسُوقُ (الضَّعِيفَ) ; أَيْ: مَرْكَبُهُ لِيُلْحِقَهُ بِالرِّفَاقِ (وَيُرْدِفُ) : مِنَ الْإِرْدَافِ ; أَيْ: يُرْكِبُ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ مِنَ الْمُشَاةِ (وَيَدْعُو لَهُمْ) ; أَيْ: لِجَمِيعِهِمْ، أَوْ لِبَاقِيهِمْ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي كَانَ مَدَدُهُمْ وَعَدَدُهُمْ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ.

ص: 2518

3914 -

وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ» ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ» ". فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3914 -

(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ رضي الله عنه. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَأَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا نَزَلَ الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ. (قَالَ: كَانَ النَّاسُ) ; أَيْ: مِنَ الصَّحَابَةِ (إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا) : أَيْ: فِي السَّفَرِ تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ الشِّعْبِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَقِيلَ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ (وَالْأَوْدِيَةِ) : جَمْعُ الْوَادِي وَهُوَ الْمَسِيلُ مِمَّا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّ ذَلِكُمْ) : أَيْ: تَفَرُّقَكُمْ (مِنَ الشَّيْطَانِ) : أَيْ: لِيُخَوِّفَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُحَرِّكَ أَعْدَاءَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَعَ مَوْقِعَ خَبَرِ إِنَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} [آل عمران: 155] وَالتَّرْكِيبُ مِنْ بَابِ التَّرْدِيدِ لِلتَّعْلِيقِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَمَسَّهَا حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ أَيْ: لَوْ مَسَّهَا حَجَرٌ لَسَرَّتْهُ، فَإِنَّ " إِنَّ " زِيدَتْ لِلتَّوْكِيدِ وَطُولِ الْكَلَامِ، وَ (مَا) لِتَكُفَّهَا عَنِ الْعَمَلِ، وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ أَنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ. (فَلَمْ يَنْزِلُوا) : أَيِ النَّاسُ (بَعْدَ ذَلِكَ) : أَيِ: الْقَوْلِ (مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: لَوْ أُوقِعَ (عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ) : أَيْ: لَشَمِلَ جَمِيعَهُمْ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2519

3915 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ، كُلَّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَانَتْ إِذَا جَاءَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَا: نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ» . قَالَ: " «مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا» ". رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".

ــ

3915 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا) : أَيْ: أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَوْمَ بَدْرٍ) : أَيْ: فِي غَزْوَتِهِ (كُلَّ ثَلَاثَةٍ) : أَيْ: مِنَ الْأَنْفَارِ (عَلَى بَعِيرٍ) : أَيْ: عُقْبَةً وَمُنَاوَبَةً (فَكَانَ) : أَيْ: مِنْ جُمْلَتِنَا (أَبُو لُبَابَةَ) : وَهُوَ رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ، غَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ، وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ، وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا بَلْ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ. (وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) ; أَيْ: كِلَاهُمَا (زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ; أَيْ عَدِيلَيْهِ، فَفِي النِّهَايَةِ: الزَّمِيلُ الْعَدِيلُ الَّذِي حَمَلَهُ مَعَ حَمْلِكَ عَلَى الْبَعِيرِ، وَقَدْ زَامَلَنِي عَادَلَنِي، وَالزَّمِيلُ ; أَيْضًا الرَّفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ; أَيْ: رَدِيفُهُ يَكُونَانِ مَعَهُ عَلَى الزَّامِلَةِ، وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَحْمِلُ الْمُسَافِرُ عَلَيْهِ طَعَامَهُ وَمَتَاعَهُ اهـ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الزَّمِيلَ هُوَ الَّذِي يُرْكَبُ مَعَكَ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ بِالنَّوْبَةِ بِقَرِينَةٍ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ (قَالَ) ; أَيِ: ابْنُ مَسْعُودٍ (فَكَانَتِ) ; أَيِ: الْقِصَّةُ وَهِيَ نُسْخَةٌ: وَكَانَ ; أَيِ: الشَّأْنُ (إِذَا جَاءَتْ) : وَفِي نُسْخَةٍ إِذَا جَاءَ (عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِضَمٍّ فَسُكُونٍ ; أَيْ: نَوْبَةُ نُزُولِهِ (قَالَا) : أَيْ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيٌّ (نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ) ; أَيْ: نَمْشِي مَشْيًا عِوَضًا عَنْ مَشْيِكَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ضَمَّنَ الْمَشْيَ مَعْنَى الِاسْتِغْنَاءِ ; أَيْ: نَسْتَغْنِيكَ عَنِ الْمَشْيِ يَعْنِي نَمْشِي بَدَلَكَ (قَالَ: مَا أَنْتُمَا) ; أَيْ: لَسْتُمَا (بِأَقْوَى مِنِّي) ; أَيْ: فِي الدُّنْيَا (وَمَا أَنَا) ; أَيْ: وَلَسْتُ (بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا) ; أَيْ: فِي الْعُقْبَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِظْهَارُ غَايَةِ التَّوَاضُعِ مِنْهُ، وَالْمُوَاسَاةِ مَعَ الرُّفْقَةِ، وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (رَوَاهُ) ; أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) ; أَيْ: بِإِسْنَادِهِ.

ص: 2519

3916 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3916 -

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا) : أَيْ: لَا تَجْعَلُوا (ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ) : وَالْمَعْنَى: لَا تَجْلِسُوا عَلَى ظُهُورِهَا فَتُوقِفُونَهَا وَتُحَدِّثُونَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلِ انْزِلُوا وَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ، ثُمَّ ارْكَبُوا. قَالَ الطِّيبِيُّ، قَوْلُهُ: مَنَابِرَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقِيَامِ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُمْ إِذَا خَطَبُوا عَلَى الْمَنَابِرِ قَامُوا اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ الْوُقُوفُ لَا الشُّخُوصُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاقِفًا عَلَيْهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ظُهُورِهَا إِذَا كَانَ لِأَرَبٍ، أَوْ لِبُلُوغِ وَطَرٍ لَا يُدْرَكُ مَعَ النُّزُولِ إِلَى الْأَرْضِ مُبَاحٌ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ انْصَرَفَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهَا لَا بِمَعْنًى يُوجِبُهُ، فَيُتْعِبُ الدَّابَّةَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ. وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: الْوُقُوفُ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ، وَالْقِيَامُ عَلَى الْأَقْدَامِ رُخْصَةٌ. (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ) : أَيِ: الدَّوَابَّ مِنَ الْجِمَالِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ (لِتُبَلِّغَكُمْ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَيُخَفَّفُ ; أَيْ: لِتُوصِلَكُمْ (إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ) : أَيْ: وَاصِلِينَ إِلَيْهِ (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ; أَيْ مَشَقَّتِهَا وَتَعَبِهَا (وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) : أَيْ: بِسَاطًا وَقَرَارًا (فَعَلَيْهَا) : أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّوَابِّ (فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ الْأُولَى لِلسَّبَبِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّعْقِيبِ ; أَيْ: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْأَرْضِ اقْضُوا حَاجَاتِكُمْ لَا عَلَى الدَّوَابِّ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ تَفْسِيرًا لِلْمُقَدَّرِ، فَفِيهِ تَوْكِيدٌ مَعَ التَّخْصِيصِ، وَجَمَعَ الْحَاجَاتِ وَأَضَافَهَا إِلَى سَائِرِ الْمُخَاطَبِينَ لِيُفِيدَ الْعُمُومَ؛ يَعْنِي خُصُّوا الْأَرْضَ بِقَضَاءِ حَاجَاتِكُمُ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ، وَيَكْفِيكُمْ مِنَ الدَّوَابِّ أَنْ تُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2520

3917 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا إِذَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا لَا نُسَبِّحُ حَتَّى نَحُلَّ الرِّحَالَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3917 -

(وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا) : أَيْ: مَعْشَرُ الصَّحَابَةِ (إِذَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا لَا نُسَبِّحُ) : أَيْ: لَا نُصَلِّي (حَتَّى نَحُلَّ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْحَاءِ ; أَيْ: حَتَّى نَفُكَّ (الرِّحَالَ) : أَيِ: الْأَحْمَالَ عَنْ ظُهُورِ الْجِمَالِ شَفَقَةً عَلَيْهَا، وَسَبَبًا لِجَمْعِ الْخَاطِرِ عَنْهَا، وَعَنْ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَفِي نُسْخَةٍ نُحَلُّ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَرَفْعِ الرِّحَالِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: أَرَادَ بِالتَّسْبِيحِ صَلَاةَ الضُّحَى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ لَا يُبَاشِرُونَهَا حَتَّى يَحُطُّوا الرَّحَّالَ، وَيُرِيحُوا الْجِمَالَ رِفْقًا بِهَا وَإِحْسَانًا إِلَيْهَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2520

3918 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا، أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ، إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي ". قَالَ جَعَلْتُهُ لَكَ» ، فَرَكِبَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

3918 -

(وَعَنْ بُرَيْدَةَ) : بِالتَّصْغِيرِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ارْكَبْ وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ» ) : أَيْ: وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ خَلْفَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، أَوْ تَأَخَّرَ الرَّجُلُ عَنْ حِمَارِهِ أَدَبًا عَنْ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ، فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنِ التَّخْلِيَةِ (فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: لَا) : أَيْ: لَا أَرْكَبُ وَحْدِي، أَوْ فِي الصَّدْرِ (أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ) : صَدْرُهَا مِنْ ظَهْرِهَا مَا يَلِي عُنُقَهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: " لَا " هَاهُنَا حُذِفَ فِعْلُهُ " وَأَنْتَ أَحَقُّ " تَعْلِيلٌ لَهُ ; أَيْ: لَا أَرْكَبُ وَأَنْتَ تَأَخَّرَتْ ; لِأَنَّكَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ. (إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ) : أَيِ: الصَّدْرَ (لِي) : أَيْ: صَرِيحًا (قَالَ: جَعَلْتُهُ لَكَ، فَرَكِبَ) : أَيْ: عَلَى صَدْرِهَا فِيهِ بَيَانُ إِنْصَافِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاضُعِهِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ الْمُرِّ حَيْثُ رَضِيَ أَنْ يَرْكَبَ خَلْفَهُ. وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى غَالِبِ رِضَاهُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2520

3919 -

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ وَبُيُوتٌ لِلشَّيَاطِينِ ". فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِنَجِيبَاتٍ مَعَهُ قَدْ أَسْمَنَهَا فَلَا يَعْلُو بَعِيرًا مِنْهَا وَيَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدِ انْقَطَعَ بِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ. وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ أَرَهَا» . كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ: لَا أُرَاهَا إِلَّا هَذِهِ الْأَقْفَاصَ الَّتِي يَسْتُرُ النَّاسُ بِالدِّيبَاجِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3919 -

(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ رضي الله عنه : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مَوْلَى سَمُرَةَ، رَوَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَنَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَكُونُ) : بِالتَّأْنِيثِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّذْكِيرِ ; أَيْ: سَتُوجَدُ وَتَحْدُثُ (إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ) : يُرِيدُ بِهَا الْمُعَدَّةَ لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا أَمْرًا مَشْرُوعًا، وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ قُرْبَةٌ (وَبُيُوتٌ) : بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا ; أَيْ: مَسَاكِنُ (لِلشَّيَاطِينِ) : أَيْ: إِذَا كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، أَوْ مَبْنِيَّةً مِنْ مَالِ الْحَرَامِ.، أَوْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا) : أَيْ: فِي زَمَانِي هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْحَدِيثُ هُوَ ذَلِكَ الْمَحْمَلُ السَّابِقُ (يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ (بِنَجِيبَاتٍ مَعَهُ) : جَمْعِ نَجِيبَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُخْتَارَةُ، فَفِي النِّهَايَةِ النَّجِيبُ مِنَ الْإِبِلِ الْقَوِيُّ مِنْهَا الْخَفِيفُ السَّرِيعُ (قَدْ أَسْمَنَهَا) : أَيْ: لِلزِّينَةِ (فِي يَعْلُو) : أَيْ: لَا يَرْكَبُ (بَعِيرًا مِنْهَا وَيَمُرُّ) : أَيْ: فِي السَّفَرِ (بِأَخِيهِ) : أَيْ: فِي الدِّينِ (قَدِ انْقَطَعَ بِهِ) : عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ كُلٌّ عَنِ السَّيْرِ، فَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ الْمُنْقَطِعِ، وَبِهِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (فَلَا يَحْمِلُهُ) : أَيْ: فَلَا يُرْكِبُ أَخَاهُ الضَّعِيفَ عَلَيْهَا، وَهَذَا ; لِأَنَّ الدَّوَابَّ إِنَّمَا خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا بِالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا مَنْ أَعْيَا فِي الطَّرِيقِ، فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَنْعِ الِانْتِفَاعِ، فَكَأَنَّهَا لِلشَّيَاطِينِ، وَقَدْ حَدَثَ فِي زَمَانِنَا أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَكَابِرِ إِبِلٌ كَثِيرَةٌ وَيَأْخُذُوا إِبِلَ الضُّعَفَاءِ سُخْرَةً، وَرُبَّمَا تَكُونُ مُسْتَأْجَرَةً فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، فَيَرْمُوا الْحُمُولَ عَنْهَا وَيَأْخُذُوهَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. (وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ أَرَهَا) : إِلَى هُنَا كَلَامُ الصَّحَابِيِّ.

(كَانَ سَعِيدٌ) : أَيِ: ابْنُ هِنْدٍ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْحَدِيثَ رضي الله عنه (يَقُولُ: لَا أُرَاهَا) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ; أَيْ: لَا أَظُنُّهَا، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا ; أَيْ: لَا أَعْلَمُهَا (إِلَّا هَذِهِ الْأَقْفَاصَ) : أَيِ: الْمَحَامِلَ وَالْهَوَادِجَ (الَّتِي يَسْتُرُ) : وَفِي نُسْخَةٍ يَسْتُرُهَا (النَّاسُ بِالدِّيبَاجِ) : أَيْ: بِالْأَقْمِشَةِ النَّفِيسَةِ مِنَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِسَتْرِهَا بِالْحَرِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَالِ وَالتَّفَاخُرِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: عَيَّنَ الصَّحَابِيُّ مِنْ أَصْنَافِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِبِلِ صِنْفًا، وَهُوَ نَجِيبَاتٌ سِمَانٌ يَسُوقُهَا الرَّجُلُ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ، فَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي حَمْلِ مَتَاعِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَمُرُّ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ قَدِ انْقَطَعَ بِهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ فَلَا يَحْمِلُهُ، وَعَيَّنَ التَّابِعِيُّ صِنْفًا مِنَ الْبُيُوتِ وَهُوَ الْأَقْفَاصُ الْمُحَلَّاةُ بِالدِّيبَاجِ يُرِيدُ بِهَا الْمَحَامِلَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الْمُتْرَفُونَ فِي الْأَسْفَارِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ نَظْمُ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمْ أَرَهَا مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيْطَانِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا إِلَى قَوْلِهِ " فَلَا يَحْمِلُهُ "، وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ أَرَهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ مِنَ الْهَوَادِجِ الْمَسْتُورَةِ بِالدِّيبَاجِ وَالْمَحَامِلِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُتْرَفُونَ فِي الْأَسْفَارِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الرَّاوِي بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلَمْ أَرَهَا. كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ إِلَخْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا تَوْجِيهٌ غَيْرُ مُوَجَّهٍ يُعْرَفُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَالتَّوْجِيهُ مَا عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مَعَ الْأَشْرَفِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، أَوْ دَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ لِلتَّأَمُّلِ فِيهِ مَدْخَلٌ إِلَّا مَعَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ زَلَلٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِقَوْلِهِ: يَكُونُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَوَّلًا، فَحِينَئِذٍ لَا يُلَائِمُهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَأَمَّا الْإِبِلُ فَقَدْ رَأَيْتُهَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ غَيْرِهِ، فَلَمَّا نُسِبَ آخِرُ الْحَدِيثِ إِلَى التَّابِعِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ تَفْضِيلَ أَوَّلِهِ رَاجِعٌ إِلَى الصَّحَابِيِّ، فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2521

3920 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: غَزَوْنَا «مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمُنَازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا فِي النَّاسِ: " أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا، فَلَا جِهَادَ لَهُ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3920 -

(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ مُعَاذُ بْنُ أَنَسٍ الْجُهَنِيُّ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَهُمْ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَهْلٌ اهـ. فَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ خَطَأٌ وَلِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَأَبُوهُ مَا أَسْلَمَ. (قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ: فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ» ) : أَيْ: عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنْ أَخَذَ كُلٌّ مَنْزِلًا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ، أَوْ فَوْقَ حَاجَتِهِ (وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ) : بِتَضْيِيقِهَا عَلَى الْمَارَّةِ (فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ رَسُولُ اللَّهِ (" مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ) : حَالٌ، أَوِ اسْتِئْنَافٌ (أَنَّ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا ( «مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا، فَلَا جِهَادَ لَهُ» ) : أَيْ: لَيْسَ لَهُ كَمَالُ ثَوَابِ الْمُجَاهَدَةِ لِإِضْرَارِهِ النَّاسَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَوْ آذَى مُؤْمِنًا، وَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ص: 2522

3921 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" «إِنَّ أَحْسَنَ مَا دَخَلَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوَّلَ اللَّيْلِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3921 -

(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا دَخَلَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوَّلَ اللَّيْلِ» ) : قَالَ الْقَاضِي: (مَا) مَوْصُولَةٌ وَالرَّاجِعُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، " وَأَهْلَهُ " مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَإِيصَالُ الْفِعْلِ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ ; أَيْ: إِنَّ أَحْسَنَ دُخُولِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ دُخُولُ أَوَّلِ اللَّيْلِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً ; أَيْ: أَحْسَنُ أَوْقَاتِ دُخُولِ الرَّجُلِ فِيهَا أَهْلَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَإِذَا هَذَا مَرْفُوعٌ مَحَلًّا خَبَرٌ لِأَنَّ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَتَبِعَهُ الْقَاضِي: التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا " أَنْ يُحْمَلَ الدُّخُولُ عَلَى الْخُلُوِّ بِهَا وَقَضَاءِ الْوَطَرِ مِنْهَا لَا الْقُدُومِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ; لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لِبُعْدِهِ عَنْ أَهْلِهِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّبَقُ، وَيَكُونُ مُمْتَلِئًا تَوَّاقًا، فَإِذَا قَضَى شَهْوَتَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ خَفَّ بَدَنُهُ وَسَكَنَ نَفْسُهُ وَطَابَ نَوْمُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ سَبَقَ عَنِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ لِمَنْ طَالَ سَفَرُهُ طُرُوقُ اللَّيْلِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ قَرِيبًا يُتَوَقَّعُ إِتْيَانُهُ لَيْلًا، وَكَذَا إِذَا أَطَالَ وَاشْتُهِرَ قُدُومُهُ وَعَلِمَتِ امْرَأَتُهُ قُدُومَهُ، فَلَا بَأْسَ بِقُدُومِهِ لَيْلًا لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ سَبَبُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ التَّهَيُّؤُ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ اهـ. كَلَامُهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُنَزَّلَ الْحَدِيثُ عَلَى الثَّانِي ; لِأَنَّ مَنْ طَالَ سَفَرُهُ وَبَعُدَ مُدَّةُ الْفِرَاقِ طَارَ قَلْبُهُ اشْتِيَاقًا، وَخُصُوصًا إِذَا قَرُبَ مِنَ الدَّارِ، وَرَأَى مِنْهَا الْآثَارَ قَالَ:

إِذَا دَنَتِ الْمَنَازِلُ زَادَ شَوْقِي

وَلَاسِيَّمَا إِذَا بَدَتِ الْخِيَامُ

وَلِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ الَّذِي طَالَ سَفَرُهُ أَنْ يَقْرُبَ مِنَ الْأَهْلِ إِلَّا بَعْدَ ; أَيَّامٍ ; لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: يُكْرَهُ لَيْسَ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ عَلَى طِبْقِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ الْفَلْسَفِيَّةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2522

الْفَصْلُ الثالِثُ

3922 -

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3922 -

(عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ) : بِالتَّشْدِيدِ ; أَيْ: نَزَلَ (بِلَيْلٍ) : أَيْ: قَبْلَ السَّحَرِ (اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ) : أَيْ: لِيَسْتَرِيحَ بَدَنُهُ (وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ) : أَيْ: وَقْتَ قُرْبِ طُلُوعِهِ (نَصَبَ ذِرَاعَهُ) : أَيِ: الْيَمِينَ (وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ) : لِئَلَّا يَغْلِبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْهُ بِلَفْظِ:«كَانَ إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَضَعَ رَأَسَهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ» .

ص: 2522