الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ (وَمَضَى الْأَجَلُ) أَيْ: قَرُبَ انْقِضَاءُ الْأَجَلِ، أَوْ شَارَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَضَاءَ الْأَجَلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَلَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ التَّأْوِيلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ (أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَلِإِظْهَارِ كَرَاهَةِ الْمُشْرِكِينَ إِقَامَتَهُ صلى الله عليه وسلم فِيهَا قَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنْهُ وَإِظْهَارًا لِلشَّوْكَةِ وَالْغَلَبَةِ (فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، أَوْ فِي ابْتِدَاءِ انْتِهَائِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَزَادَ الْبُخَارِيُّ: فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلْهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكَ، فَحَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، فَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا، وَقَالَ:(الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ) الْحَدِيثَ. وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَخْذِهَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَرَادَ الْخُرُوجَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهَا، هَذَا وَقَضِيَّةُ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مُجْمَلًا عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ هُوَ مَا قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَهَلَّ ذُو الْقَعْدَةِ يَعْنِي سَنَةَ سَبْعٍ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَعْتَمِرُوا قَضَاءً لِعُمْرَتِهِمُ الَّتِي صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ إِلَّا رِجَالٌ مَاتُوا، وَخَرَجَ مَعَهُمْ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَلْفَانِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَسَاقَ عليه الصلاة والسلام سِتِّينَ بَدَنَةً، وَحَمَلَ السِّلَاحَ وَالْبَيْضَ وَالدُّرُوعَ وَالرِّمَاحَ وَقَادَ مِائَةَ فَرَسٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ قَدَّمَ الْخَيْلَ أَمَامَهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدَّمَ السِّلَاحَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بِشْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْرَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَبَّى، وَالْمُسْلِمُونَ يُلَبُّونَ مَعَهُ، وَمَضَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الْخَيْلِ إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ فَوَجَدَ بِهَا نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ هَذَا الْمَنْزِلَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَتَوْا قُرَيْشًا فَأَخْبَرُوهُمْ فَفَزِعُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَدَّمَ السِّلَاحَ إِلَى بَطْنِ يَأْجَجَ كَيَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَضْرِبُ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى نِصَابِ الْحَرَمِ، وَخَلَّفَ عَلَيْهِ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ أَمَامَهُ، فَحُبِسَ بِذِي طُوًى، وَخَرَجَ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، وَالْمُسْلِمُونَ مُتَوَشِّحُونَ السُّيُوفَ مُحْدِقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُلَبُّونَ، فَدَخَلَ فِي الثَّنِيَّةِ الَّتِي تُطْلِعُهُ عَلَى الْحَجُونِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ آخِذًا بِزِمَامٍ رَاحِلَتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيَّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
…
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ شِعْرًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:( «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ» ) قَالُوا: وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ، وَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَطُوفُونَ مَعَهُ، وَقَدِ اضْطَبَعُوا بِثِيَابِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ارْمُلُوا لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلَ قُعَيْقِعَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ وَجْهُهُ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ، ثُمَّ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَلَمَّا كَانَ الطَّوَافُ السَّابِعُ عِنْدَ فَرَاغِهِ وَقَدْ وَقَفَ الْهَدْيُ عَنِ الْمَرْوَةِ وَقَالَ:( «هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» ) فَنَحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَلَقَ هُنَاكَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْهُمْ إِلَى أَصْحَابِهِمْ بِبَطْنِ يَأْجَجَ فَيُقِيمُوا السِّلَاحَ، وَيَأْتِيَ الْآخَرُونَ فَيَقْضُوا نُسُكَهُمْ فَفَعَلُوا، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَخَرَجَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة السَّكِينَةِ.
[بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ]
بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4050 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ " فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
فِي النِّهَايَةِ: الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ، وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَزَنَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ فِي الْعَرْضِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا، وَمِنْ جُدَّةَ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَ بِجَانِبَيْهَا، وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ اهـ.
وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ. وَفِي الْقَامُوسِ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ، ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4050 -
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ بَيْنَمَا بِالْمِيمِ أَيْ: بَيْنَ أَوْقَاتٍ (نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " انْطَلِقُوا ") أَيِ: اذْهَبُوا مَعِيَ (إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ) أَيْ: مِنَ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنَ الْمَدِينَةِ (حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ) : قَالَ الْقَاضِي مِفْعَالٌ مِنَ الدِّرَاسَةِ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ كَالْمِكْثَارِ وَالْمِعْطَاءِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُ دِرَاسَةِ كُتُبِهِمُ الَّذِي يُدَارِسُهَا لِلنَّاسِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَدْرَسَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ كُتُبَهُمْ وَيَدْرُسُونَهَا فِيهِ إِضَافَةَ الْبَيْتِ كَإِضَافَةِ الْمَسْجِدِ إِلَى الْجَامِعِ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الصِّحَاحِ حَتَّى أَتَى الْمِدْرَاسَ (فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى فَثَبَتَ قَائِمًا وَلَمْ يَجْلِسْ (قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا) أَمْرٌ مِنَ الْإِسْلَامِ (تَسْلَمُوا) جَوَابُ الْأَمْرِ مِنَ السَّلَامَةِ أَيْ: تَنْجُوا مِنَ الذُّلِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْعُقْبَى قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ تَسْلَمُوا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَيْ: تَسْلَمُوا مِنَ الْإِجْلَاءِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَسْلَمُونَ مِنَ الْآفَاتِ هُوَ الْإِجْلَاءُ، وَمُفَارَقَةُ الْأَوْطَانِ الْمَأْلُوفَةِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْبَلَاءِ وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الْوَطَنِ ; لِأَنَّهُ عُقِّبَ بِقَوْلِهِ {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191] وَأَنْشَدَ:
لَقَتْلٌ بِحَدِّ السَّيْفِ أَهْوَنُ مَوْقِعًا
…
عَلَى النَّفْسِ مِنْ قَتْلٍ بِحَدِّ فِرَاقِ
وَقَالَ:
يَقُولُونَ إِنَّ الْمَوْتَ صَعْبٌ وَإِنَّمَا
…
مُفَارَقَةُ الْأَوْطَانِ وَاللَّهِ أَصْعَبُ
(اعْلَمُوا) اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ بَعْدَ الْيَأْسِ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ اعْلَمُوا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: (أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا) اتَّجَهَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِمَ إِذًا تُخَاطِبُنَا بِهَذَا وَمَا سَنَحَ لَكَ مِنَ الرَّأْيِ؟ قَالَ: (اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) أَيْ: حَقِيقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128] وَتَبَعًا وَعَاقِبَةً قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:) {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128](أَيْ: أَرْضُكُمْ هَذِهِ قَدْ تَعَلَّقَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُورِثَهَا الْمُسْلِمِينَ فَفَارِقُوهَا، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْجَلَاءَ إِلَى نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَنَّ إِجْلَاءَهُ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِلتَّزْيِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 9] . (وَأَنِّي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفًا عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي (أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ) : مِنَ الْإِجْلَاءِ أَيْ: أُبْعِدُكُمْ وَأُخْرِجُكُمْ " مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ ":
أَيْ: مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالْخِطَابُ لِمَنْ بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْيَهُودِ بَعْدَ إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ قُرَيْظَةَ كَيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَإِنَّ إِجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَتْلَ قُرَيْظَةَ فِي خَامِسِهَا، وَإِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى (مِنْ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6](شَيْئًا) أَيْ: مِمَّا لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ نَقْلُهُ كَالْعَقَارِ وَالْأَشْجَارِ، وَقِيلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى (فِي) وَقِيلَ الْبَاءُ لِلْبَدَلِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بِعْتُ هَذَا بِهَذَا، وَالْمَعْنَى مَنْ صَادَفَ عِوَضَ مَالِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ (فَلْيَبِعْهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ أَشْبَهَ، وَأَمَا الْمَكْرُوهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى بَيْعِ الشَّيْءِ شَاءَ، أَوْ أَبَى، وَالْيَهُودُ لَوْ لَمْ يَبِيعُوا أَرَاضِيَهُمْ لَمْ يُحْمَلُوا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَشْفَقُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَاخْتَارُوا بَيْعَهَا، فَصَارُوا كَأَنَّهُمُ اضْطُرُّوا إِلَى بَيْعِهَا كَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى بَيْعِ مَالِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَوْجَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِخْرَاجَ الْكَافِرِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحِجَازِ وَهُوَ عِنْدَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَأَعْمَالِهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا: لَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِخُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا نُبِشَ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ، وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] اهـ. وَفِي الْمَعَالِمِ: أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ ; لِأَنَّهُمْ إِنْ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ وَجَوَّزَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِلْمُعَاهَدِ دُخُولَ الْحَرَمِ، وَفِي الْمَدَارِكِ: فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَحُجُّوا وَلَا يَعْتَمِرُوا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَهُوَ عَامُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ حَيْثُ أُمِّرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى الْمَوْسِمِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُمْنَعُونَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
4051 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ " «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» " وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُخْرِجُنَا قَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ؟ فَقَالَ عُمَرُ أَظْنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَكَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ هَذِهِ كَانَتْ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
4051 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ) أَيْ: أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ وَسَاقَاهُمْ (وَقَالَ) أَيْ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَقَرَّهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ (نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) أَيْ: مَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِإِخْرَاجِكُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: نَتْرُكُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ بِإِعْطَائِكُمُ الْجِزْيَةَ أَيْ: مَا دُمْتُمْ تُعْطُونَهَا، وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ جَوَّزَ الْمُسَاقَاةَ مُدَّةً مَجْهُولَةً، وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى مُدَّةِ الْعَهْدِ ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَازِمًا عَلَى إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقِيلَ جَازَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ) هَذَا كَلَامُ عُمَرَ رضي الله عنه مِنَ الرَّأْيِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ: وَرَأَيْتُ الْآنَ الْمَصْلَحَةَ فِي إِجْلَائِهِمْ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيَانُ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ (مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ)(فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: صَمَّمَ عَزْمَهُ عَلَى إِجْلَائِهِمْ وَاتَّفَقَ آرَاؤُهُ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ (أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَهُودِ أَيْ: جَاءَهُ أَمِيرُهُمْ، أَوْ كَبِيرُهُمْ (فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ أَيْ: عَلَى أَرَاضِي دِيَارِنَا (وَعَامَلَنَا عَلَى الْأُصُولِ) أَيْ: وَجَعَلَنَا عَامِلِينَ عَلَى أَرَاضِي خَيْبَرَ بِالْمُسَاقَاةِ (فَقَالَ عُمَرُ: أَظْنَنْتَ
أَنِّي نَسِيتُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ (قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ: لَكَ كَيْفَ بِكَ أَيْ: كَيْفَ كَوْنُ حَالِكَ (إِذَا أُخْرِجْتَ) أَيْ: وَقْتَ إِخْرَاجِكَ (مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو) أَيْ: حَالَ كَوْنِكَ تُسْرِعُ (بِكَ قَلُوصُكَ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ: نَاقَتُكَ الشَّابَّةُ الْقَوِيَّةُ (لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ فَقَالَ هَذِهِ) أَيِ: الْكَلِمَةُ (كَانَتْ هُزَيْلَةً) تَصْغِيرُ هَزْلَةٍ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْهَزْلِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْجَدِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمِزَاحِ وَالْمُطَايَبَةِ (مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ) أَيِ: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) أَيْ: فِي قَوْلِكَ إِنَّمَا هَزْلٌ بَلْ جَدٌّ وَفَصْلٌ وَإِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم (فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَضَمُّ الْأَوَّلِ أَيْ: أَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا ثَبَتَ لَهُمْ بِاعْتِمَالِهِمْ فِي النَّخِيلِ بِالسَّقْيِ وَالتَّأْبِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حِصَّةِ التَّمْرِ فِي سَنَتِهِمْ تِلْكَ (مَالًا) بَدَلٌ مِنْ قِيمَةِ مَا كَانَ لَهُمْ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِبِلًا، وَعُرُوضًا) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ: أَمْتِعَةً بَيَانُهَا قَوْلُهُ (مِنْ أَقْتَابٍ) جَمْعُ قَتَبٍ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: رَحْلٌ وَهُوَ لِلْجَمَلِ كَالْإِكَافِ لِغَيْرِهِ (وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ: غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعُرُوضِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
4052 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَى بِثَلَاثَةٍ قَالَ: " أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ نَحْوَ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ فَأُنْسِيتُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4052 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى بِثَلَاثَةٍ) أَيْ: أَشْيَاءَ (قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُرِيدُ بِهِمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى (مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا) مِنَ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ إِعْطَاءُ الْأَمِيرِ (الْوَفْدَ) هُمُ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ الْأُمَرَاءَ لِزِيَارَةٍ، أَوِ اسْتِرْفَادٍ، أَوْ رِسَالَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى أَعْطُوهُمْ مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ (بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) فِي التَّعْبِيرِ بِالنَّحْوِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْعَطَاءِ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِهِمْ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَإِنَّمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ عَنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَافِدَ سَفِيرُ قَوْمِهِ، وَإِذَا لَمْ يُكْرَمُ رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِمَا يُنَفِّرُ دُونَهُمْ رَغْبَةَ الْقَوْمِ فِي الطَّاعَةِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ سَفِيرُهُمْ فَفِي تَرْغِيبِهِ تَرْغِيبُهُمْ وَبِالْعَكْسِ، ثُمَّ إِنَّ الْوَافِدَ إِنَّمَا يَفِدُ عَلَى الْإِمَامِ، فَيَجِبُ رِعَايَتُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أُقِيمَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَإِضَاعَتُهُ تُفْضِي إِلَى الدَّنَاءَةِ الَّتِي أَجَارَ اللَّهُ عَنْهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ (قَالَ) أَيِ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَأَنَّ ضَمِيرَ قَالَ رَاجِعٌ إِلَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ; لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِي قَوْلِهِ (وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ) هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (أَوْ قَالَ: فَأُنْسِيتُهَا) وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ لِلْمَشَارِقِ حَيْثُ قَالَ: الضَّمِيرُ فِي قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَفِي سَكَتَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: النَّاسِي هُوَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَعَلَى هَذَا ضَمِيرُ قَالَ لِسَعِيدٍ، وَضَمِيرُ سَكَتَ لِابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي مَتْنِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِلَفْظِ: وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ اهـ. وَهَذَا صَحِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ صَحِيحٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعًا نَظَرًا إِلَى سَابِقِ الْحَدِيثِ وَلَاحِقِهِ، وَإِلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ فِي رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ: إِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ سُلَيْمَانُ الْأَجْوَدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا أَدْرَى مَا رَأَى سَعِيدٌ مَصْلَحَةً فِي بَيَانِ الثَّالِثَةِ وَسَكَتَ عَنْهَا، أَوْ قَالَهَا وَلِكِنِّي نَسِيتُ، ثُمَّ قِيلَ إِنَّهَا إِنْقَاذُ جَيْشِ أُسَامَةَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْمُهَلَّبِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» " فَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعَ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)