الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى صِفَةٍ مِنَ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالتُّقَى وَالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ لَا سِيَّمَا أَيَّامَ وِلَايَتِهِ قِيلَ لَمَّا أَفْضَتْ إِلَيْهِ الْخِلَافَةُ سُمِعَ مِنْ مَنْزِلِهِ بُكَاءٌ عَالٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ عُمَرَ خَيَّرَ جَوَارِيهِ فَقَالَ: نَزَلَ بِي مَا شَغَلَنِي عَنْكُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَعْتَقْتُ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ أُمْسِكَهُ أَمْسَكْتُ وَلَمْ يَكُنْ لِي إِلَيْهَا شَيْءٌ وَسَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ أَلَا تُخْبِرِينِي عَنْ عُمَرَ؟ فَقَالَتْ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ لَا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا مِنَ احْتِلَامٍ مُنْذُ اسْتَخْلَفَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ وَقَالَتْ قَدْ يَكُونُ فِي الرِّجَالِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ عُمَرَ وَلَكِنِّي لَمْ أَرَ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا قَطُّ أَشَدَّ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلَا يَزَالُ يَبْكِي وَيَدْعُو حَتَّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لَيْلَهُ أَجْمَعَ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ (جَمَعَ بَنِي مَرْوَانَ حِينَ اسْتُخْلِفَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: جُعِلَ خَلِيفَةً (فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ فَدَكُ) أَيْ: خَاصَّةً (فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا) أَيْ: عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ (وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ: يُحْسِنُ مِنْهَا عَلَى صِغَارِهِمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا فَرَغَ نَفَقَتُهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إِلَيْهِمْ بِنَفَقَةٍ أُخْرَى فَالْعَائِدَةُ أَخَصُّ مِنَ الْفَائِدَةِ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ يُقَالُ عَادَ فُلَانٌ بِمَعْرُوفِهِ وَهَذَا الْأَمْرُ أَعْوَدُ عَلَيْكَ أَيْ: أَرْفَقُ بِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَمَا أَكْثَرُ عَائِدَةُ فُلَانٍ عَلَى قَوْمِهِ وَإِنَّهُ لِكَثِيرُ الْعَوَائِدِ عَلَيْهِمْ (وَيُزَوِّجُ مِنْهَا أَيِّمَهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: عُزَّابُهُمْ فِي الْقَامُوسِ: الْأَيِّمُ كَكَيِّسُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا، أَوْ ثَيِّبًا وَمَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ. (وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى فَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ: لِمَا هَيَّأَهُ اللَّهُ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ وَالْوُصُولِ إِلَى لِقَائِهِ تَعَالَى ذَكَرُهُ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّهُ قَالَ حَتَّى ذَهَبَ الرَّسُولُ بَعْدَ تَبْلِيغِ كَمَالِ الرِّسَالَةِ لِسَبِيلِهِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ إِلَى رَبِّهِ وَمُرْسِلِهِ (فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ مَكْسُورٍ أَيْ: تَوَلَّى (أَبُو بَكْرٍ، عَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ) أَيْ: مَاتَ وَرَجَعَ إِلَى حُكْمِ رَبِّهِ (فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَمِلَ فِيهِ بِمِثْلِ مَا عَمِلَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ اقْتَطَعَهَا مَرْوَانُ) أَيْ: فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَالْمَعْنَى جَعَلَهَا قَطِيعَةً لِنَفْسِهِ وَتَوَابِعِهِ، وَالْقَطِيعَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ يُقْطِعُهَا السُّلْطَانُ مَنْ يُرِيدُ، وَمَرْوَانُ هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ جَدُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَى أَبَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وُلِّيَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، فَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا وَابْنُهُ مَعَهُ (ثُمَّ صَارَتْ) أَيِ: الْوَلَايَةُ، أَوْ فَدَكُ (لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) : وُضِعَ مَوْضِعَ إِلَيَّ مُلْتَفِتًا لِيُشْعِرَ بِأَنَّ نَفْسَهُ غَيْرُ رَاضِيَةٍ بِهَذَا (فَرَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ رضي الله عنها لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) أَيْ: لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا اسْتِحْقَاقٌ وَلَوْ كَانَ خَلِيفَةً فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ (وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَدَدْتُهَا) أَيْ: فَدَكَ عَلَى مَا كَانَتْ (يَعْنِي) أَيْ: يُرِيدُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ (عَلَى مَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]
[19]
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4064 -
ــ
[19]
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
الصَّيْدُ: مَصْدَرٌ. بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّيْدِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا لِمُقَابَلَةِ الذَّبَائِحِ، فَإِنَّهَا جَمْعُ الذَّبِيحَةِ. بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ الِاصْطِيَادُ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَالصَّيْدُ يَحِلُّ إِنْ كَانَ مَأْكُولًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ. بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا كَالِاحْتِطَابِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] بِالْعَطْفِ عَلَى الطَّيِّبَاتِ أَيْ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ، أَوْ مَا شُرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَالْجَوَارِحُ: الْكَوَاسِبُ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْعُقَّابِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي، وَالْكِلْبُ بِكَسْرِ الْكَافِ مُؤَدِّبُ الْجَوَارِحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلْبِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْكِلَابِ، أَوْ لِأَنَّ السَّبُعَ يُسَمَّى كَلْبًا، ثُمَّ يُعْلَمُ الْمُعَلَّمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعِ الْبَازِي بِدُعَائِهِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
4064 -
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه أَيِ: الطَّائِيِّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَنَزَلَ الْكُوفَةَ، وَسَكَنَ بِهَا، وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَشَهِدَ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ مَاتَ بِقَرْقِلِيسَا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَرْسَلْتَ) أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُرْسِلَ (كَلْبَكَ) أَيِ: الْمُعَلَّمُ (فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: حَالَةَ إِرْسَالِهِ إِذِ الْإِرْسَالُ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا فَيَحِلُّ، وَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ، ثُمَّ زَجَرَ الْكَلْبَ فَانْزَجَرَ وَسَمَّى بَعْدَ الزَّجْرِ وَأَخَذَ الصَّيْدَ وَقَتَلَ لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ:(فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى الْإِرْسَالِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ حَالَ إِرْسَالِهِ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رَجْعُ الضَّمِيرِ إِلَى الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ الْمُتَبَادَرُ الْأَقْرَبُ، (فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ) : فِي الْأَسَاسِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَالَهُ حَبَسَهُ أَيْ: إِنْ حَبَسَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ لَكَ (فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ) : فَلَوْ تَرَكَ الذَّكَاةَ عَمْدًا حَرُمَ ; لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ (وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ) أَيِ: الصَّيْدَ (قَدْ قَتَلَ) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: قَتَلَهُ الْكَلْبُ، وَفِي نُسْخَةٍ قُتِلَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ) : أَمْرُ إِبَاحَةٍ (وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ) : نَهْيُ تَحْرِيمٍ (فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيِ: أَمْسَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ لِنَفْسِهِ لَا لَكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ الْكَلْبُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثًا تَبَيَّنَ جَهْلُهُ، (فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ غَيْرَهُ) أَيْ: كَلْبًا لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ، أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ كَالْمَجُوسِيِّ (وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ) : وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِرْسَالَ شَرْطٌ حَتَّى إِنَّ الْكَلْبَ إِذَا انْفَلَتَ مِنْ صَاحَبِهِ وَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ. (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: قَتَلَ بِلَا ضَمِيرٍ، ثُمَّ أَيُّهُمَا مُبْتَدَأٌ وَقَتَلَهُ خَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَدْرِي، وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْعَمَلِ لَفْظًا ; لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] .
قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ. فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ» . وَلِذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَهُوَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ، أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ، أَوْ كَلْبٌ أُرْسِلَ لَهُ، وَتُرِكَ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا، وَاجْتَمَعَ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَغُلِّبَتِ الْحُرْمَةُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمَاؤُنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الذَّابِحِ أَنْ لَا يَكُونَ تَارِكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَمُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كِتَابِيًّا، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَأَمَّا نَسْيُ التَّسْمِيَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعُ الْحُكْمِ عَنِ الْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَوْبَانَ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ فِي الشَّرْعِ. (وَإِذَا رَمَيْتَ) أَيْ: أَرَدْتَ أَنْ تَرْمِيَ (بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا) أَيِ: الصَّيْدُ (فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ) : وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْمَشِيئَةِ هُنَا وَأَطْلَقَهُ هُنَاكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْإِبَاحَةِ إِيمَاءً إِلَى الشُّبْهَةِ هُنَا، فَإِنَّ فِي غَيْبَتِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: شَرْطُ الْحِلِّ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ وَالْجَرْحُ، وَأَنْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ إِنْ غَابَ الصَّيْدُ حَالَ كَوْنِهِ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّيْدِ يَتَوَارَى عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. (وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ الْمَاءِ لَا بِسَبَبِ رَمْيِكَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ فَوَائِدَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّيْدِ: مِنْهَا: أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَكُونُ حَلَالًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ مِنَ الْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا، وَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِحَةُ مُعَلَّمَةً، وَلَا يَحِلُّ قَتِيلُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، وَالتَّعْلِيمُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: إِذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى، وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ كَانَ مُعَلَّمًا يَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ قَتْلُهُ، وَقَوْلُهُ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ جِهَةِ الصَّائِدِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ صَيْدًا، وَقَتَلَهُ لَا يَكُونُ حَلَالًا، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ شَرْطٌ فِي الذَّبِيحَةِ حَالَةَ مَا تُذْبَحُ، وَفَى الصَّيْدِ حَالَةَ مَا يُرْسِلُ الْجَارِحَةَ، أَوِ السَّهْمَ، فَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ ذِكْرُ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِرْسَالُهُ الْكَلْبَ عَلَى قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِهِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَوَاءٌ تُرِكَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا لَا يَحِلُّ، وَإِنْ تَرَكَ نَاسِيًا يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ.
4065 -
وَعَنْهُ، قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، قَالَ: " كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ " قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: " وَإِنْ قَتَلْنَ " قُلْتُ: إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ. قَالَ: " كُلُّ مَا خَزَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4065 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ عَدِيٍّ (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ) : بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: فَبَيِّنْ مَا يَجُوزُ لَنَا أَكْلُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ. (قَالَ: كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ) : فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الْمُطَابِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجَرْحِ تَأْيِيدٌ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ جُرْحُ ذِي النَّابِ وَذِي الْمِخْلَبِ لِلصَّيْدِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لِتُحَقُّقِ الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، قَالُوا: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَهُوَ بِالْجُرْحِ عَادَةً فَأُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ، كَمَا فِي
الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ. (قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟) أَيِ: الصَّيْدُ، وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ (قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ قُلْتُ: إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ السَّهْمُ الثَّقِيلُ الَّذِي لَا رِيشَ لَهُ وَلَا نَصْلَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: سَهْمٌ لَا رِيشَ عَلَيْهِ يُمْضَى عَرْضًا فَيُصِيبُ بِعَرْضِ الْعُودِ لَا بِحَدِّهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: كَمِحْرَابٍ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِكَسْرِ الْمِيمِ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ، أَوْ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ فِيهِ وَلَا نَصْلَ، وَقِيلَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قِدَدٍ رِقَاقٍ، فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ، وَقِيلَ هُوَ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ إِذَا رَمَى بِهِ ذَهَبَ مُسْتَوِيًا اهـ. وَيَصِحُّ إِرَادَةُ الْكُلِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ (قَالَ: كُلْ مَا خَزَقَ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ: نَفَذَ، ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ: خَزَقَ السَّهْمُ أَصَابَ الرَّمِيَّةَ وَنَفَذَ فِيهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: خَزَقَ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مَعْنَاهُ نَفَذَ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: الْخَزْقُ الطَّعْنُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ خَزَقَهُ، طَعَنَهُ، وَالْخَازِقُ السِّنَانُ، وَمِنَ السِّهَامِ الْمُقَرْطَسُ، وَفِيهِ رَمَى فَقَرْطَسَ أَيْ: أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، فَالْمَعْنَى كُلْ مَا جَرَحَ وَقَتَلَ وَهُوَ مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ لِقَوْلِهِ:(وَمَا أَصَابَ) أَيِ: الْمِعْرَاضُ وَغَيْرُهُ (بِعَرْضِهِ) أَيْ: بِحَيْثُ مَا جَرَحَهُ (فَقَتَلَ) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: فَقَتَلَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يَعْنِي بِثِقْلِهِ (فَإِنَّهُ وَقِيذٌ) : بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ: مَوْقُوذٌ مَضْرُوبٌ ضَرْبًا شَدِيدًا بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ حَتَّى مَاتَ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: الْوَقِيذُ مَا قُتِلَ بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ. (فَلَا تَأْكُلْ) : جَوَابُ الشَّرْطِ، أَوْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ وَقِيذٌ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ هِيَ الْجَزَاءَ، وَالنَّهْيُ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَقِيذُ وَالْمَوْقُوذُ هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مِنْ عَصًا، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَادَ بِالْمِعْرَاضِ فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِالْبُنْدُقَةِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الْمِعْرَاضِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ: يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِالْمِعْرَاضِ وَالْبُنْدُقَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَفَى الشُّمُنِّيِّ: رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأَصِيدُ. قَالَ: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ» قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ وَعَرْضُ الْمِعْرَاضِ لَا يَجْرَحُ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَهُ بِبُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ ذَاتِ حِدَّةِ حَرُمَ الصَّيْدُ ; لَأَنَّ الْبُنْدُقَةَ تَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ، فَكَانَتْ كَالْمِعْرَاضِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً ذَاتَ حِدَّةٍ لَمْ يَحْرُمْ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، فَلَوْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ، أَوْ بِسَيْفٍ إِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أَكَلَ، وَإِلَّا لَا. وَلَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ إِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَ بِثِقْلِهِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا، وَبِهِ حِدَّةٌ وَجَرَحَ، يُؤْكَلُ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجَرْحِ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَوْتَ إِنْ حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ يُؤْكَلُ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقَلِ أَوْ شُكَّ فِيهِ لَا يُؤْكَلُ حَتْمًا، أَوِ احْتِيَاطًا.
4066 -
ــ
4066 -
(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، نَزَلَ الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. (قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ!) : وَفِي نُسْخَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (إِنَّا) أَيْ: نَحْنُ (بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ) : بَدَلٌ، أَوْ بَيَانٌ (أَفَنَأْكَلُ فِي آنِيِتِهِمْ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْهَمْزَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقْحَمَةً ; لِأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لِلِاسْتِخْبَارِ، وَقَوْلُهُ: فَنَأْكُلُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ يَعْنِي فَالتَّقْدِيرُ: إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمٍ فَنَأْكُلُ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَاهَا فَيُقَدَّرُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بَعْدَهَا أَيْ: أَتَأْذَنُ لَنَا فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ (وَبِأَرْضِ صَيْدٍ) : الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ: بِأَرْضٍ يُوجَدُ فِيهَا الصَّيْدُ، أَوْ يَصِيدُ أَهْلُهَا حَالَ كَوْنِي (أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي
الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟) أَيْ: وَمَا لَا يَصْلُحُ لِي أَكْلُهُ وَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ مُرَكَّبًا مِنْ مَسْأَلَتَيْنِ قَالَ) : مُفَصِّلًا فِي الْجَوَابِ (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَيْ: وَمِنَ الْأَكْلِ فِيهَا (فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا) أَيِ: احْتِيَاطًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ. وَتَنَزُّهًا عَنِ اسْتِعْمَالِ ظُرُوفِهِمُ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَوْ بَعْدَ الْغَسْلِ، وَتَنْفِيرًا عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا هُوَ التَّقْوَى وَمَا بَعْدَهُ حُكْمُ الْفَتْوَى، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ الْآتِي ذِكْرُهُ، (وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) أَيْ: غَيْرَهَا (فَاغْسِلُوهَا) : أَمْرُ وُجُوبٍ إِذَا كَانَ هُنَاكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَأَمْرُ نَدْبٍ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. أَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ إِنَاءَ الْكُفَّارِ فِيمَا إِذَا تُيُقِّنَ نَجَاسَتُهُ وَمَا لَا فَكَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةٌ (وَكُلُوا فِيهَا) : قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ آنِيَتَهُمْ بَعْدَ الْغَسْلِ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهَا، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَتِهِمْ بَعْدَ الْغَسْلِ بِلَا كَرَاهِيَّةٍ سَوَاءً وَجَدَ غَيْرَهَا، أَوْ لَا، فَتُحْمَلُ الْكَرَاهِيَّةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآنِيَةُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةَ النَّجَاسَةِ، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الْأَوَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ غَالِبًا، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ صَرِيحًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطْلَقًا، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مُقَيَّدًا. قَالَ: إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمُ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ وَقَالَ: فَالنَّهْيُ بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ الْمَغْسُولَةِ (وَمَا صِدْتَ) : بِكَسْرِ الصَّادِ أَيْ: وَأَمَّا مَا صِدْتَهُ (بِقَوْسِكَ) : أَوْ بِرَمْيِكَ السَّهْمَ بِمَعُونَةِ قَوْسِكَ (فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: فِي أَوَّلِ رَمْيِكَ (فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: حِينَ إِرْسَالِكَ إِيَّاهُ (فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ) : بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ. وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَفَى نُسْخَةٍ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ بِالتَّعْرِيفِ (فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ) : بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: ذَبْحَهُ، وَالْمَعْنَى أَدْرَكْتَهُ حَيًّا وَذَبَحْتَهُ (فَكُلْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
4067 -
وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4067 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمٍ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِسَهْمِكَ، وَفِي أُخْرَى سَهْمَكَ بِالنَّصْبِ، فَفِي الْقَامُوسِ: رَمَى الشَّيْءَ وَبِهِ، فَالتَّقْدِيرُ إِذَا رَمَيْتَ السَّهْمَ عَلَى صَيْدٍ، أَوْ إِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ (فَغَابَ عَنْكَ) أَيْ: يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ (فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ) أَيْ: إِنْ شِئْتَ لِمَا سَبَقَ فِي نُسْخَةٍ فَكُلْ أَيْ: مِنْهُ (مَا لَمْ يُنْتِنْ) . بِضَمِّ الْيَاءِ وَيُفْتَحُ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ نَتُنَ الشَّيْءُ وَأَنْتَنَ إِذَا صَارَ ذَا نَتَنٍ وَفِي الصِّحَاحِ: وَنَتُنَ الشَّيْءُ كَكَرُمَ فَهُوَ نَتِينٌ كَقَرِيبٍ وَنَتَنَ كَضَرَبَ وَفَرِحَ وَأَنْتَنَ انْتَانًا اهـ. فَيَجُوزُ فِي الْمُجَرَّدِ تَثْلِيثُ الْعَيْنِ مَاضِيًا وَمُضَارِعًا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَإِلَّا فَالنَّتَنُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ مُتَغَيِّرَ الرِّيحِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْمُنْتِنِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَطْعِمَةِ الْمُنْتِنَةِ إِلَّا أَنْ يُخَافَ فِيهَا ضَرَرٌ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
4068 -
وَعَنْهُ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ: " فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4068 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه (عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ: فَكُلْهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَكُلْ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِ الْمُدْرَكِ: إِذَا أَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ، (مَا لَمْ يُنْتِنْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
4069 -
ــ
4069 -
(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ (إِنَّ هُنَا) أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ، أَوْ غَيْرِهَا (أَقْوَامًا) : جَمْعُ قَوْمٍ أَيْ: جَمَاعَةً كَثِيرِينَ إِشَارَةً إِلَى عُمُومِ الْبَلْوَى الْمَانِعِ مِنْ مُرَاعَاةِ الِاحْتِيَاطِ وَالتَّقْوَى الْمُحْتَاجِ إِلَى الرُّجُوعِ لِلْفَتْوَى (حَدِيثٌ) : بِالتَّنْوِينِ أَيْ: جَدِيدٌ (عَهْدُهُمْ) : بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِضَافَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ إِمَّا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ قُدِّمَ خَبَرُهَا عَلَى اسْمِهَا وَوَقَعَتْ صِفَةً (لِأَقْوَامًا)، أَوْ يَكُونُ حَدِيثٌ: خَبَرًا ثَانِيًا لِأَنَّ، وَعَهْدُهُمْ: فَاعِلًا لَهُ. (بِشِرْكٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِحَدِيثٍ أَيْ: بِكُفْرٍ (يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ) : بِضَمِّ اللَّامِ جَمْعُ لَحْمٍ (لَا نَدْرِي أَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى ذَوَاتِ اللُّحُومِ عِنْدَ ذَبْحِهَا (أَمْ لَا؟ قَالَ: اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) : وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ (وَكُلُوا) . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ تَسْمِيَتَكُمُ الْآنَ تَنُوبُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمُذَكِّي، بَلْ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَأَنَّ مَا لَمْ تَعْرِفُوا أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَبْحِهِ يَصِحُّ أَكْلُهُ إِذَا كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ التَّسْمِيَةَ شَرْطًا بِهَذَا الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ شَرْطَ الْإِبَاحَةِ كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُودِهَا مَانِعًا مَنْ أَكْلِهَا كَالشَّكِّ فِي أَصْلِ الذَّبْحِ، وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ التَّسْمِيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَتَأَوَّلَهُ مَنْ لَمْ يَرَهَا شَرْطًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْفِسْقُ فِي ذِكْرِ غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إِلَى قَوْلِهِ: (، {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَفِي الْمَدَارِكِ الْآيَةُ تُحَرِّمُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ. وَخُصَّتْ حَالَةُ النِّسْيَانِ بِالْحَدِيثِ، أَوْ يُجْعَلُ النَّاسِي ذَاكِرًا تَقْدِيرًا، وَمِنْ حَقِّ الْمُتَدَيِّنِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْآيَةِ مِنَ التَّشْدِيدِ الْعَظِيمِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] وَهُوَ وَإِنْ نَزَلَ فِي الْمَيْتَةِ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. قَالَ: وَمَنْ أَوَّلَ الْآيَةَ بِالْمَيْتَةِ وَبِمَا ذُكِرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: (، {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَقَدْ عَدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ اهـ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَيْتَةِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُذَكَّاةٍ بِالتَّسْمِيَةِ، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ، وَلِهَذَا ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ حَرَامٌ وَذَبِيحَةُ الذِّمِّيِّ حَلَالٌ لِكَوْنِهِمْ مِمَّنْ يُسَمُّونَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ الْقَلْبِيَّةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، فَإِنَّ كُلَّ ذِكْرٍ مَشْرُوعٍ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَا لَمْ يُتَلَفَّظْ لَهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَحَادِيثُ الْبَابِ حَيْثُ شَرَطَ التَّسْمِيَةَ فِي حَالَةِ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ اللَّذَيْنِ قَامَا مَقَامَ الذَّبْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
4070 -
وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:«سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً فِيهَا: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ " ـ وَفِي رِوَايَةٍ: " مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4070 -
(وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) : بِالتَّصْغِيرِ رضي الله عنه. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ الْكِنَانِيُّ، غَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ، أَدْرَكَ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِي سِنِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَاثْنَتَيْنِ بِمَكَّةَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: هَلْ خَصَّكُمْ) أَيْ: أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ) أَيْ: مِنْ آيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ (فَقَالَ: مَا خَصَّنَا بِشَيْءٍ) أَيْ: بِتَحْدِيثِ شَيْءٍ (لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ إِلَّا مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي) : بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ وِعَاءٌ يَكُونُ فِيهِ السَّيْفُ بِغِمْدِهِ أَيْ: مَا هُوَ مَدْسُوسٌ فِي غِلَافِ سَيْفِي (هَذَا) : وَلَعَلَّهُ ذُو الْفَقَارِ الَّذِي وَهَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إِمَّا مُتَّصِلٌ مَبْنِيًّا عَلَى ظَنِّهِ، أَوْ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى لَكِنْ مَا فِي قِرَابِ سَيْفِي مَا أَدْرِي هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِنَا، أَوْ يَعُمُّ النَّاسَ أَيْضًا؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِ وَفِي بَيَانِ التَّخْصِيصِ (فَأَخْرَجَ) أَيْ: عَلِيٌّ مَنِ الْقِرَابِ (صَحِيفَةً) أَيْ: كِتَابًا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْقَامُوسِ (فِيهَا: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَنَارَةٍ، وَهَى عَلَامَةُ الْأَرَاضِي الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا حُدُودُهَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: يُرِيدُ اسْتِبَاحَةَ مَا لَيْسَ لَهُ مِنْ حَقِّ الْجَارِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَنَارُ الْعَلَمُ وَالْحَدُّ بَيْنَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُسَوِّيَهُ، أَوْ يُغَيِّرَهُ لِيَسْتَبِيحَ بِذَلِكَ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ مِنْ مِلْكٍ، أَوْ طَرِيقٍ. (وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ) أَيْ: رَفَعَهَا وَجَعَلَهَا فِي أَرْضِهِ وَرَفَعَهَا لِيَقْتَطِعَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْجَارِ إِلَى جَارِهِ. (وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ) أَيْ: صَرِيحًا، أَوْ تَسَبُّبًا بِأَنْ لَعَنَ وَالِدَ أَحَدٍ فَيَسُبُّ وَالِدَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] فَالنَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ احْتِرَازٌ عَنِ التَّسَبُّبِ. (وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى) : بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الْقَصْرَ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هِيَ فَصِيحَةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ. (مُحْدِثًا) : بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ مَنْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ جِنَايَةً وَإِيوَاؤُهُ إِجَارَتُهُ مِنْ خَصْمِهِ وَحِمَايَتِهِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَحِقُّ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ عِقَابٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْجَانِي عَلَى الْإِسْلَامِ بِإِحْدَاثِ بِدْعَةٍ إِذَا حَمَاهُ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَالْأَخْذِ عَلَى يَدِهِ لِدَفْعِ عَادِيَتِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
4071 -
ــ
4071 -
(وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا لَاقُو الْعَدُوَّ) : بِضَمِّ الْقَافِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَقِيَ وَحُذِفَ النُّونُ بِالْإِضَافَةِ أَيْ: نَحْنُ مُلَاقُو الْكُفَّارِ (كَذَا) : يُحْتَمَلُ حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا أَيْ: فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، وَالْمُرَادُ إِنَّا نَكُونُ فِي حَالَةِ ضِيقٍ (وَلَيْسَتْ مَعَنَا) أَيْ: مَعَ جَمِيعِنَا، وَفِي رِوَايَةٍ: لَنَا (مُدًى) : بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ جَمْعُ مُدْيَةٍ وَهِيَ السِّكِّينُ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟) : بِفَتْحَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ: الْقَصَبُ مِنَ الْعِظَامِ كُلُّ عَظِيمٍ عَرِيضٍ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَصَبُ مُحَرَّكَةٌ كُلُّ نَبَاتٍ ذِي أَنَابِيبَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الشُّمُنِّيُّ، وَهُوَ الذَّبْحُ بِكُلِّ مَا فِيهِ حَدٌّ وَلَوْ كَانَ لِيفَةً وَهُوَ الْقَصَبُ، أَوْ مَرْوَةً وَهِيَ الْحَجَرُ. (قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْإِنْهَارُ الْإِسَالَةُ، وَالصَّبُّ بَكَثْرَةٍ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ، فَالْمَعْنَى مَا أَسَالَ الدَّمَ. (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) أَيْ: عَلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ وَرِوَايَةٍ. (فَكُلْ) أَيْ: فَكُلْهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَا) شَرْطِيَّةً وَمَوْصُولَةً. وَقَوْلُهُ فَكُلْ جَزَاءٌ، أَوْ خَبَرٌ وَاللَّامُ فِي الدَّمِ بَدَلٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ: دَمُ صَيْدٍ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ حَالٌ مِنْهُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ أَعَمُّ مِنَ الصَّيْدِ لِيَشْمَلَ كُلَّ ذَبِيحَةٍ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السُّؤَالُ بِقَوْلِهِمْ: أَفَنَذْبَحُ؟ وَإِنَّ قَوْلَهُ: ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَطْفٌ عَلَى أَنْهَرَ الدَّمَ، سَوَاءٌ تَكُونُ (مَا) شَرْطِيَّةً، أَوْ مَوْصُولَةً. فَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ. (لَيْسَ) أَيِ: الْمُنْهِرُ (السِّنَّ وَالظُّفُرَ) : بِضَمَّتَيْنِ وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الثَّانِي وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ شَاذٌّ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمَعْنَى إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، فَإِنَّ الذَّبْحَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَفَى الْفَائِقِ: لَيْسَ تَقَعُ فِي كَلِمَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ يَقُولُونَ: جَاءَ الْقَوْمُ لَيْسَ زَيْدًا. بِمَعْنَى إِلَّا زَيْدًا، وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لَيْسَ بَعْضُهُمْ زَيْدًا، أَوْ لَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ زَيْدًا وَمُؤَدَّاهُ مُؤَدَّى إِلَّا (وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْهُ) أَيْ: عَنِ الْمُسْتَثْنَى، وَالسِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَالْمَعْنَى أُخْبِرُكَ عَنْ سَبَبِ اسْتِثْنَائِهِمَا مُفَصَّلًا وَإِنْ أَجْمَلْتُهُمَا فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ الْمَفْهُومِ مِنَ اسْتِثْنَائِهِمَا (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) أَيْ: وَكُلُّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ بِهِ الذَّبْحُ، وَطَوَى النَّتِيجَةَ لِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهَا.
ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسٌ حُذِفَ مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِتَقَرُّرِهَا وَظُهُورِهَا عِنْدَهُمْ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ، وَذَكَرَهُ دَلِيلًا " عَلَى اسْتِثْنَاءِ السِّنِّ. أَقُولُ: وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً وَمُقَرَّرَةً عِنْدَهُمْ بَلْ نَأْخُذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ عَظْمٌ أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مَنْ نَقَلَ لِلْمَنْعِ مِنَ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يُعْقَلُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَّلَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْعَظْمَ يَنْجُسُ بِالدَّمِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَنْجِيسِهِ ; لِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا: فَهِمْنَا أَنَّ الْعِظَامَ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهَا لِتَعْلِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ عَظْمًا، وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَظْمِ لَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ، وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ أَشْهَرُهَا جَوَازُهُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ كَيْفَ كَانَ اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشِ) : بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَعَلَيْهِ صَحَّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْحُبَشُ وَالْحَبَشُ مُحَرَّكَتَيْنِ وَالْأَحْبُشُ بِضَمِّ الْبَاءِ جِنْسٌ مِنَ السُّودَانِ جَمْعُهُ حُبْشَانُ، أَوْ أَحَابِشُ، وَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَشَمْسِ الْعُلُومِ وَالْمِصْبَاحِ، بَلْ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، الْحَبَشَةُ بِالتَّاءِ وَالْحُبْشُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ إِنَّمَا هُوَ بَطْنٌ، أَوْ جَدٌّ كَمَا فِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَظْفَارَ سَكَاكِينُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَذْبَحُونَ بِهَا مَا يُمْكِنُ ذَبْحُهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ وَبِشِعَارِهِمْ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُمَا وَمَنَعَ الذَّبْحَ بِهِمَا ; لِأَنَّهُمَا تَوْقِيذٌ وَتَخْنِيقٌ وَلَيْسَ بِذَبْحٍ، فَفِي الذَّبْحِ الِانْقِطَاعُ بِقُوَّتِهِ لَا بِحِدَّةِ الْآلَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ، أَمَّا فِي الْمَنْزُوعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ أَكْلُهُ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: لَهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَمْ يَفْصِلْ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الذَّبْحِ بِهِمَا مُطْلَقًا، وَلَنَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تُرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَكْلِهِ» ، وَإِذَا صَلُحَ الْحَجَرُ آلَةً لِلذَّبْحِ بِمَعْنَى الْجُرْحِ، فَكَذَا الظُّفُرُ الْمَنْزُوعُ وَالسِّنُّ الْمَنْزُوعُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَوْتَ بِالثِّقَلِ مَعَ الْحِدَّةِ فَتَصِيرُ الذَّبِيحَةُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ. نَعَمْ يُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالْمَنْزُوعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْحَيَوَانِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ كَلَيْلَةٍ. وَحَدِيثُ رَافِعٍ يُحْمَلُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْحَبَشَةَ يُحَدِّدُونَ أَسْنَانَهُمْ وَلَا يُقَلِّمُونَ أَظْفَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: إِنْ كَانَ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ مُحَرَّمًا لِكَوْنِهِ تَشْبِيهًا بِالْكَفَّارِ لَكَانَ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ بِالسِّكِّينِ أَيْضًا. قُلْتُ: إِنْهَارُ الدَّمِ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْمُلْحَقَاتُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّشَبُّهُ لِضَعْفِهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّشَبُّهَ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ شَعَارًا لَهُمْ مُخْتَصًّا بِهِمْ، فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصِلِهِ. (وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ) أَيْ: غَارَتَهُمَا، وَالْمَعْنَى أَغَرْنَا عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَوَجَدْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا (فَنَدَّ) أَيْ: شَرَدَ وَفَرَّ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّادِقَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (بِعِيرٌ) : وَاسْتَعْصَى (فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ) أَيْ: مَنَعَهُ مِنَ التَّوَحُّشِ وَأَمَاتَهُ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَبَسَهُ مِنَ الشِّرَادِ بِأَنْ أَثَّرَ فِيهِ السَّهْمُ فَمَاتَ بِهِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْإِبِلِ وَاللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى (مِنْ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَمَلَ اللَّامُ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالْبَعْضِيَّةُ تُسْتَفَادُ مِنَ اسْمِ إِنَّ ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] أَيْ: بَعْضَ اللَّيْلِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ مِنْهُ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللَّامِ عَلَى بَابِهَا، وَالْأَوَابِدُ: جَمْعُ آبِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ (كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) أَيْ: حَيَوَانُ الْبَرِّ (فَإِذَا غَلَبَكُمْ فِيهَا) أَيْ: مِنْ أَوَابِدِ الْإِبِلِ (شَيْءٌ) أَيْ: وَاحِدٌ (فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا) أَيْ: فَارْمُوهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَعْنَى مَا نَفَرَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَكَالصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ فِي حُكْمِ الذَّبْحِ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ، فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَحَلُّ الذَّبْحِ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْإِبِلِ لِأَنَّ التَّوَحُّشَ فِيهِ أَكْثَرُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ إِذَا تَوَحَّشَ وَنَفَرَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ مَذْبَحِهِ يَصِيرُ جَمِيعُ بَدَنِهِ فِي حُكْمِ الْمَذْبَحِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ مَنْكُوسًا، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ حُلْقُومِهِ فَطُعِنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ فَمَاتَ كَانَ حَلَالًا؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ حِسَانِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ، وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَوِ اسْتَأْنَسَ الصَّيْدَ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِقَطْعِ مَذْبَحِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
4072 -
ــ
4072 -
(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: كَانَتْ (لَهُ غَنَمٌ) أَيْ: قِطْعَةٌ مِنَ الْغَنَمِ (تُرْعَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُرْعِيهَا الرَّاعِي (بِسَلْعٍ) : بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ اسْمُ جَبَلٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ شِعْبٌ (فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ) أَيْ: بِنْتٌ، أَوْ مَمْلُوكَةٌ (لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا) أَيْ: أَثَرُ مَوْتٍ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ (فَكَسَرَتْ حَجَرًا) : لِتَحْصِيلِ الْحِدَّةِ (فَذَبَحَتْهَا) أَيْ: هِيَ (بِهِ) أَيْ: بِالْحَجَرِ الْمَكْسُورِ (فَسَأَلَ) أَيْ: كَعْبٌ (النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا) أَيْ: فَأَجَازَ لَهُ أَكْلَهَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
4073 -
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4073 -
(وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ) أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ (رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ) أَيْ: تَكَاثَرَ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ (وَتَعَالَى) أَيْ: تَعَظَّمُ شَأْنُهُ وَبُرْهَانُهُ (كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) : إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ: أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] وَقَدْ قَالَ شَارِحٌ أَيْ: كَتَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَأَنَّهُ بُعِثَ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَنَّ لِأُمَّتِهِ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ هَذَا الْوَصْفِ بِمُتَابَعَتِهِ، وَلِذَا أَتَى بِالِاسْمِ الْجَامِعِ، وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ الرَّحْمَنَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ رَحْمَتِهِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: أَوْجَبَ مُبَالَغَةً ; لِأَنَّ الْإِحْسَانَ هُنَا مُسْتَحَبٌّ وَضَمَّنَ الْإِحْسَانَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ وَعَدَّاهُ بِعَلَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّفَضُّلِ إِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ بِتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: عَلَى هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِحْسَانِ، أَوْ بِكَتَبَ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَلَى أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ. بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَتَبَ، وَالتَّقْدِيرُ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْإِحْسَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ، (فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) : بِكَسْرِ الْقَافِ الْحَالَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسْتَحِقَّةُ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، وَالْإِحْسَانُ فِيهَا اخْتِيَارُ أَسْهَلِ الطُّرُقِ وَأَظُنُّهَا أَقَلَّهَا إِيلَامًا (وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: يُرْوَى بِفَتْحِ الذَّالِ وَبِغَيْرِ هَاءٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ (وَلْيُحِدَّ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ) : بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ: سِكِّينَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحِدَّ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا (وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَسْتَرِيحَ وَتَبْرُدَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرَاحَ الرَّجُلُ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بَعْدَ الْإِعْيَاءِ، وَالِاسْمُ الرَّاحَةُ، وَهَذَانِ الْفِعْلَانِ كَالْبَيَانِ لِلْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتْلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْجَوَامِعِ اهـ.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَكُرِهَ السَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَكُلُّ تَعْذِيبٍ بِلَا فَائِدَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلِمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:«أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟» . قَالُوا: وَكُرِهَ النَّخْعُ بِنُونٍ فَمُعْجَمَةٍ فَمُهْمَلَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ السِّكِّينُ النُّخَاعَ وَهُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ، لِمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الذَّبِيحَةِ أَنْ تُفْرَسَ» . وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الْفَرْسُ أَنْ تُذْبَحَ الشَّاةُ فَتُنْخَعَ، وَقِيلَ مَعْنَى النَّخْعِ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الِاضْطِرَابُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ الشُّمُنِّيُّ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ.
4074 -
«وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4074 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: تُحْبَسُ (بَهِيمَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا) أَيْ: مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ بِلَا أَكْلٍ وَشُرْبٍ حَتَّى تَمُوتَ فَقَوْلُهُ: (لِلْقَتْلِ) أَيْ: لِأَجْلِ قَتْلِهِ بِالْحَبْسِ الْمَوْصُوفِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يُحْبَسَ الْحَيَوَانُ فَيُرْمَى إِلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَى أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا» أَيْ: حَبْسًا، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَلَفْظُهُ:«نَهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ» ، وَمِنْ غَرِيبِ مَا ذُكِرَ فِي التَّوَارِيخِ أَنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ وَأَلْفًا صَبْرًا أَيْ: غَيْرُ مَنْ قَتَلَهُ عَسْكَرُهُ فِي الْحَرْبِ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَشَرِيفٍ وَضَعِيفٍ.
4075 -
وَعَنْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4075 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا لَهُ الرُّوحُ غَرَضًا» ) : بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ أَيْ: هَدَفًا زِنَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ مَا يَنْصِبُهُ الرُّمَاةُ وَيَقْصِدُونَ إِصَابَتَهُ مِنْ قِرْطَاسٍ وَغَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: ( «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ» ) أَيْ: قَطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ كَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ وَغَيْرِهِمَا، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
4076 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4076 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا) : قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا) وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَافٌ لِنَفْسِهِ وَتَضْيِيعٌ لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُ مَرْفُوعًا:«نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ فِيهِ الرُّوحٌ غَرَضًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
4077 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4077 -
(وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ» ) أَيْ: فِي وَجْهِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْكَافِرَ حَالَ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَلْجَأُ الْمُسْلِمُ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ (وَعَنِ الْوَسْمِ) أَيِ: الْكَيِّ (فِي الْوَجْهِ) : سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَحُكْمُهُ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «نَهَى عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ» . وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ جَابِرٍ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ:«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَسِمُ فِي الْوَجْهِ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، عَنْ عِمْرَانَ رضي الله عنه بِلَفْظِ: نَهَى عَنِ الْكَيِّ.
4078 -
وَعَنْهُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ وَقَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
4078 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ) أَيْ: مَرَّ بِهِ (وَقَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ) أَيْ: وَسْمًا فَاحِشًا وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ) أَيْ: كَوَاهُ هَذَا الْكَيَّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لُعِنَ الْوَاسِمُ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ لَعْنِ الْمُسْلِمِ؟ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْوَاسِمَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى الِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَ عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ دُعَاءً بَلْ إِخْبَارٌ عَنِ الْغَيْبِ، وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَلِمَ بِالنَّهْيِ فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ مُسْتَهِينًا بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْزُوعَ الرَّحْمَةِ، وَقَدْ صَحَّ:«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ» . وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاسِمُ كَافِرًا وَأَنْ يَكُونَ لِلتَّغْلِيظِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:( «لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَأَمَّا وَسْمُ الْآدَمِيِّ فَحَرَامٌ لِكَرَامَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِذِ اللَّعْنُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ فَمُسْتَحَبٌّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَجَائِزٌ فِي غَيْرِهَا، وَإِذَا وَسَمَ فَمُسْتَحَبٌّ أَنْ يَسِمَ الْغَنَمَ فِي آذَانِهَا وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا، وَفَائِدَةُ الْوَسْمِ التَّمْيِيزُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
4079 -
ــ
4079 -
(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: غَدَوْتُ) أَيْ: ذَهَبْتُ غَدْوَةً (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) أَيْ: مَصْحُوبًا مَعَهُ وَهُوَ أَخُوهُ مِنْ أُمِّهِ (لِيُحَنِّكَهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَفِي الْفَائِقِ يُقَالُ: حَكَنَهُ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا أَيْ: لِيَمْضُغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْرًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْحُلْوِ وَيُدَلِّكَ دَاخِلَ حَنَكِهِ، وَهُوَ أَقْصَى الْفَمِ، وَهَذَا سُنَّةٌ فِي الصِّغَارِ لِوُصُولِ الْبَرَكَةِ. (فَوَافَيْتُهُ) أَيْ: صَادَفْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ (فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ يُكْوَى بِهَا (يَسِمُ) : مُضَارِعُ وَسَمَ كَيَعِدُ أَيْ: يَكْوِي (إِبِلَ الصَّدَقَةِ) : لِلْعَلَامَةِ الْمُمَيِّزَةِ لَهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالنَّهْيُ خَاصٌّ بِهِ، أَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
4080 -
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاءً، حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
4080 -
(وَعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ: ابْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، رَوَى عَنْ جَدِّهِ أَنَسٍ. وَسَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ، يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، مَوْضِعٌ يُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَالرَّبْدُ: الْحَبْسُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ، وَهُوَ مِثْلُ الْحَظِيرَةِ لِلْغَنَمِ، وَالْمِرْبَدُ، هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ مَجَازًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ الْغَنَمَ فِي مِرْبَدِ الْإِبِلِ لِيَسِمَهَا اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ الْمِرْبَدُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ، وَأَطْلَقَ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ: الْمِرْبَدُ كَمِنْبَرٍ الْمَحْبَسُ (فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاءً) : بِشِينٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَهَمْزَةٌ جَمْعُ شَاةٍ. وَفِي نُسْخَةٍ شِيَاهٌ بِكَسْرِ الشِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ فَفِي الْقَامُوسِ: الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْغَنَمِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمْعُهُ شَاءٌ أَصْلُهُ شَاءٌ وَشَاهٌ اهـ. وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لِيَسِمَ، وَفِي آذَانِهَا مَفْعُولٌ فِيهِ، وَتَبْيِينٌ لِلْإِجْمَالِ وَتَصَحَّفَ عَلَى الطِّيبِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَشَيْئًا ظَرْفٌ بِمَعْنَى يَسِمُ فِي شَيْءٍ، وَفِي آذَانِهَا بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّهِ انْتَهَى. وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ; لِأَنَّهُ يَبْقَى مَرْجِعًا حِينَئِذٍ لِضَمِيرِ آذَانِهَا، وَلَا مَعْنَى بِدُونِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ إِبْهَامِ شَيْئًا مُنَكَّرًا (حَسِبْتُهُ) أَيْ: أَنَسًا (قَالَ) أَيْ: زِيَادَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ (فِي آذَانِهَا) : بِالْمَدِّ جَمْعُ الْأُذُنِ أَيْ: يَسِمُ شَيْئًا فِي آذَانِهَا لِمَا سَبَقَ مِنَ اسْتِحْبَابِ وَسْمِ الْغَنَمِ فِي الْأُذُنِ، وَقَالَ شَارِحٌ، قَالَ فِي آذَانِهَا أَيْ: يَسِمُوهَا فِي آذَانِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ ; لِأَنْكَارِهِ عَلَى مَا رَأَى مِنْ وَسْمِ وَجْهِ الْحِمَارِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
4081 -
«عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَحَدُنَا أَصَابَ صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَيَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: " أَمْرِرِ الدَّمَ بِمَ شِئْتَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
4081 -
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ) أَيْ: أَخْبِرْنِي (أَحَدُنَا) : بِالرَّفْعِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ (أَصَابَ صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ ضَمِيرِ أَصَابَ، وَالْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِأَرَأَيْتَ، وَمَحَطُّ الِاسْتِخْبَارِ قَوْلُهُ:(أَيَذْبَحُ) أَيْ: أَحَدُنَا الْمَذْكُورَ (بِالْمَرْوَةِ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِنَصْبِ أَحَدِنَا، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ الطِّيبِيِّ أَيْ: أَخْبِرْ أَحَدَنَا، وَالْمُسْتَخْبَرُ عَنْهُ قَوْلُهُ: أَيَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْبَيْضَاءُ، وَبِهِ سُمِّيَتْ مَرْوَةُ مَكَّةَ اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْمَرْوَةُ حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ، وَقَدْ يُسَمَّى بِهَا الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ. وَقَالَ شَارِحٌ: هِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يُجْعَلُ مِنْهُ كَالسِّكِّينِ وَيُذْبَحُ بِهَا. (وَشِقَّةِ الْعَصَا؟) : بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ: شَظِيَّةٌ تَتَشَظَّى مِنْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9] أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ هُمَا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَمَا قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةِ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الْوَاحِدِ، وَالْمَوْصُولُ هُوَ الْآخَرُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِأَرَأَيْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً اسْتِفْهَامِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [النجم: 33] أَعْنَدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ؟ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] أَطَّلَعَ الْغَيْبَ. وَقَوْلِهِ عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ - أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58 - 59] وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، فَتُخَرَّجُ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ الْقَانُونِ اهـ. فَكَذَلِكَ نَحْنُ نُخَرِّجُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى قَانُونِ تِلْكَ الْآيَاتِ مُوَافَقَةً بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَفْظًا وَمَعْنًى وَإِعْرَابًا وَبَيَانًا. (فَقَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم (أَمْرِرِ الدَّمَ) : أَمْرٌ مِنَ
الْإِمْرَارِ بِالْفَكِّ، وَفَى نُسْخَةٍ أَمِرَّ بِالْإِدْغَامِ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَمْرٌ مِنْ مَرَى يَمْرِي إِذَا مَسَحَ الضَّرْعَ، وَالْمَعْنَى سَيْلُهُ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ شَارِحٌ وَقَالَ: وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ مِنَ الْإِمْرَارِ لَحْنٌ، ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى أَمِرِ بِفَتْحِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ يَعْنِي وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ مَنْ أَمَارَ الدَّمَ أَيْ: أَجْرَاهُ وَمَارَ بِنَفْسِهِ أَيْ: جَرَى اهـ. وَهُوَ كَذَا فِي نُسْخَةٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ أَمِرَّ الدَّمَ شَدَّدَ الرَّاءَ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنْ مَرَى يَمْرِي، وَرَوَى بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيكِ الْمِيمِ وَقَطْعِ الْأَلِفِ مِنْ أَمَارَ الَّذِي هُوَ أَفْعَلَ مِنْ مَارَ الدَّمَ مَوْرًا إِذَا جَرَى. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَلْحَنُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَيُشَدِّدُونَ الرَّاءَ وَيُحَرِّكُونَ الْمِيمَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ مِنَ الْإِمْرَارِ، وَلَيْسَ بِقَوِيمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنْ مَرَى يَمْرِي إِذَا مَسَحَ الضَّرْعَ لِيَدِرَّ، وَالْمَعْنَى اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسَيْلُهُ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ. قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ: وَالَّذِي قَرَأْتُهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ بَرَّاءَيْنِ مُظْهَرَتَيْنِ بِغَيْرِ إِدْغَامٍ، وَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ النَّسَائِيِّ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْجَدِيدِ أَمْرَرْتُ الشَّيْءَ أَمُرُّهُ إِمْرَارًا إِذَا جَعَلْتُهُ بِمَرْأَى لِيَذْهَبَ يُرِيدُ كَجَرِّ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ اهـ. كَلَامُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدَّمُ عِبَارَةً عَنْ سَيَلَانِهِ ; لِأَنَّ سَيَلَانَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِإِمْرَارِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ: وَفِي الْقَامُوسِ: مَرَّ الشَّيْءَ اسْتَخْرَجَهُ، وَأَمَارَهُ أَيْ: أَسَالَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ، وَقَوْلُهُ:(بِمَ شِئْتَ) أَيْ: بِمَا شِئْتَ، حُذِفَ الْأَلِفُ مِنْ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَيْ: أَنْهِرِ الدَّمَ بِأَيِّ شَيْءٍ شِئْتَ مَا عَدَا السِّنَّ وَالظُّفُرَ. (وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: عَلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) .
4082 -
«وَعَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ فَقَالَ: " لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذِهِ ذَكَاةُ الْمُتَرَدِّي. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا فِي الضَّرُورَةِ.
ــ
4082 -
(وَعَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ) : بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ (عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ الدَّارِمِيُّ تَابِعِيٌّ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَفِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَهَذَا أَشْهَرُ مَا قِيلَ فِيهِ. (أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا يَكُونُ) : الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَ (مَا) نَافِيَةٌ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ أَيْ: أَمَا تَحْصُلُ (الذَّكَاةُ) : الذَّالُ الْمُعْجَمَةُ أَيِ: الذَّبْحُ الشَّرْعِيُّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَيْسَتْ أَمَا لِلتَّنْبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ حَرْفَ التَّنْبِيهِ. فَأُجِيبَ: لَا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ. أَقُولُ: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ التَّنْبِيهُ فِي كَلَامِ السَّائِلِ مَعَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ (مَا) لِلنَّفْيِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، بَلْ يَفْسُدُ الْمَعْنَى إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ تَنَبَّهْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الذَّبْحُ (إِلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) : بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ الْهَزْمَةُ الَّتِي فَوْقَ الصَّدْرِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ قِيلَ: وَهِيَ آخِرُ الْحَلْقِ (فَقَالَ: لَوْ طَعَنْتَ) أَيْ: أَنْتَ (فِي فَخِذِهَا) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ فَالسُّكُونُ أَيْ: فِي فَخِذِ الْمُذَكَّاةِ لِمَفْهُومِهِ مِنَ الذَّكَاةِ وَجَرَحْتَ (لَأَجْزَأَ عَنْكَ) أَيْ: لَكَفَى طَعْنُ فَخِذِهَا عَنْ ذَبْحِكَ إِيَّاهَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، (وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ وَهَذَا أَيْ: هَذَا الْحَدِيثُ، أَوْ قَوْلُهُ: لَوْ طَعَنْتَ إِلَخْ (ذَكَاةُ الْمُتَرَدِّي) أَيِ: السَّاقِطُ فِي الْبِئْرِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا فِي الضَّرُورَةِ) : وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي دَاوُدَ لِشُمُولِهِ الْبَعِيرَ النَّادَّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ أَبُو عِيسَى: لَا نَعْرِفُ لِأَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ اهـ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: حَرُمَ ذَبِيحَةٌ لَمْ تُذَكَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَذَكَاةُ الضَّرُورَةِ جَرْحٌ أَيْنَ كَانَ مِنَ الْبَدَنِ، وَذَكَاةُ الِاخْتِيَارِ ذَبْحٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَعُرُوقُ الذَّبْحِ الْحُلْقُومُ، وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْوَدَجَانِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُمَا مَجْرَى الدَّمِ وَحِلُّ الذَّبْحِ يَقْطَعُ أَيْ: ثَلَاثٌ مِنْهَا.
4083 -
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ، أَوْ بَازٍ، ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ ". قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: إِذَا قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
4083 -
(وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا عَلَّمْتَ) : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَمَا شَرْطِيَّةٌ، أَوْ مَوْصُولَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَيْ: مَا عَلَّمْتَهُ (مِنْ كَلْبِ، وَبَازٍ) أَيْ: أَحَدٌ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا إِمَّا مَثَلًا، أَوْ بِنَاءً عَلَى الْأَغْلَبِ (ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ) أَيْ: أَحَدُهُمَا إِلَى الصَّيْدِ (وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: عِنْدَ إِرْسَالِهِ (فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا.
(قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ؟) : وَصْلِيَّةٌ أَيْ: آكُلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجَزَاءُ مُقَدَّرٌ أَيْ: فَمَا حُكْمُهُ؟ (قَالَ: إِذَا قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جِيءَ بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ تَرَدُّدٍ ; لِأَنَّ إِنِ الشَّرْطِيَّةَ تَقْتَضِي عَدَمَ الْجَزْمِ. وَأَجَابَ بِإِذَا الَّتِي تَقْتَضِي الْجَزْمَ وَالتَّحْقِيقَ، وَأَعَادَ قَوْلَهُ: فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ دَلَالَةً عَلَى تَحَقُّقِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحُومُ الشَّكُّ حَوْلَهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
4084 -
وَعَنْهُ، قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ مِنَ الْغَدِ سَهْمِي. قَالَ: " إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
4084 -
(وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ عَدِيٍّ رضي الله عنه (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرْمِي الصَّيْدَ فَأَجِدُ فِيهِ مِنَ الْغَدِ) أَيْ: فِي بَعْضِ زَمَنِ الِاسْتِقْبَالِ (سَهْمِي) : فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253]، أَوْ بِمَعْنَى (فِي) كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (مِنْ) فِيهِ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] الْكَشَّافُ: قُرِئَ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ عَلَى الْجَرِّ كَأَنَّهُ قِيلَ قَبْلًا وَبَعْدًا. (قَالَ: إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ) أَيْ: بِأَنْ أَصَابَهُ بِهَذِهِ وَجَرَحَهُ (وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ) أَيْ: آخَرُ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ (فَكُلْ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِنْ رَأَيْتَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَلَا تَأْكُلْ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ سَبَبُ قَتْلِهِ يَقِينًا. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
4085 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ:«نُهِينَا عَنْ صَيْدِ كَلْبِ الْمَجُوسِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
4085 -
(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نُهِينَا عَنْ صَيْدِ كَلْبِ الْمَجُوسِ) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْكَفَرَةِ لَا يَحِلُّ صَيْدُ جَارِحَةٍ أَرْسَلَهَا هُوَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يَحِلُّ مَا اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، وَلَا يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُسْلِمُ حَيًّا فَيَذْبَحُهُ، وَإِنِ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي إِرْسَالِ كَلْبٍ، أَوْ سَهْمٍ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ فَهُوَ حَرَامٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمِ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» . وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: شَرْطُ كَوْنِ الذَّابِحِ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]، أَوْ كِتَابِيًّا وَلَوْ كَانَ الْكِتَابِيُّ حَرْبِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاتُهُمْ ; لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرُ الْمُذَكِّي يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْكِتَابِيُّ غَيْرَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بِذِكْرِ الْمَسِيحِ، أَوْ عُزَيْرٍ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] لَا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، مَجُوسِيًّا لِمَا سَبَقَ، أَوْ وَثَنِيًّا مِثْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي عَدَمِ التَّوْحِيدِ.
4086 -
ــ
4086 -
(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا أَهْلُ سَفَرٍ) : بِالرَّفْعِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْخَبَرُ (نَمَرُّ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) أَيْ: فِيهَا وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
4087 -
وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه، قَالَ:«سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ طَعَامِ النَّصَارَى وَفِي رِوَايَةٍ: سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ فَقَالَ: " لَا يَتَخَلَّجَنَّ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
4087 -
(وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ) : بِضَمِّ هَاءٍ وَسُكُونِ لَامٍ (عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، رَوَى عَنْهُ سِمَاكٌ وَهُلْبٌ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. قَالُوا: وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ اهـ. وَفِي الْمُغْنِي: قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ، كَذَا يَرْوِيهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ هَاءٍ وَكَسْرِ لَامٍ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْهُلْبُ لَقَبُ أَبِي قَبِيصَة يَزِيدَ بْنِ قُنَافَةَ الطَّائِيِّ يَضُمُّهُ الْمُحَدِّثُونَ، وَصَوَابُهُ كَكَتِفٍ. قُلْتُ: سُنَّةُ الْمُحَدِّثِينَ أَصَحُّ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَوِيِّينَ. (قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ طَعَامِ النَّصَارَى وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: لِلتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا (سَأَلَهُ) أَيِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (رَجُلٌ) : يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ (فَقَالَ) أَيِ: الرَّجُلُ (إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ) أَيْ: مِنْ جُمْلَةِ الْأَطْعِمَةِ (طَعَامًا) : قِيلَ: أَرَادَ بِهِ طَعَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (أَتَحَرَّجُ) أَيْ: أَتَجَنَّبُ وَأَمْتَنِعُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فِي النِّهَايَةِ: الْحَرَجُ فِي الْأَصْلِ الضِّيقُ، وَيَقَعُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْحَرَامِ، وَقِيلَ: الْحَرَجُ أَضْيَقُ الضِّيقِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125](فَقَالَ: لَا يَتَخَلَّجَنَّ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ) : بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْمُهْمَلَةِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لَا يَتَحَرَّكَنَّ الشَّكُّ فِي قَلْبِكَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ. قُلْتُ: الْأَبْلَغِيَّةُ إِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ الشَّيْءِ وَخُصُوصُ الشَّكِّ فَشَيْءٌ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ، مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ بِالتَّجْرِيدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّقْيِيدِ، فَالتَّحْرِيكُ أَبْلَغُ مِنَ الدُّخُولِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَبْلَغُ مِنْهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [الأعراف: 2] . (ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ) أَيْ: شَابَهْتَ لِأَجْلِهِ أَهْلَ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعِهِمْ إِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ حَرَامٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلُ النَّهْيِ، وَالْمَعْنَى لَا تَتَحَرَّجْ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ، فَإِنَّهُ مِنْ دَأْبِ النَّصَارَى وَتَرْهِيبِهِمْ، وَالرَّجُلُ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَكَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ نَصْرَانِيًّا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ ضَارَعْتَ فِيهِ صِفَةَ شَيْءٍ، وَعَبَّرَ عَنِ الْمُضَارِعِ بِالْمَاضِي مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ الْمُضَارَعَةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْمُوجِبِ أَيْ: لَا يَدْخُلَنَّ فِي قَلْبِكَ ضِيقٌ وَحَرَجٌ ; لِأَنَّكَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ فَإِنَّكَ إِذَا شَدَّدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمِثْلِ هَذَا شَابَهْتَ فِيهِ الرَّهْبَانِيَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ وَعَادَتُهُمْ قَالَ تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27] الْآيَةَ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) .
4088 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
4088 -
(وَعَنْ) أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ» ) : بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَبَطَهُ الشُّمُنِّيُّ بِكَسْرِهَا. فِي النِّهَايَةِ: هِيَ كُلُّ حَيَوَانٍ يُنْصَبُ وَيُرْمَى لِيُقْتَلَ إِلَّا أَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الطَّيْرِ وَالْأَرْنَبِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْثُمُ بِالْأَرْضِ أَيْ: يَلْزَمُهَا وَيَلْتَصِقُ بِهَا (وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ) أَيْ: تُحْبَسُ وَيُرْمَى إِلَيْهَا (بِالنَّبْلِ) : بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: بِالسَّهْمِ حَتَّى تَمُوتَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَالنَّهْيُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِذَبْحٍ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
4089 -
وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَعَنِ الْمُجَثَّمَةِ، وَعَنِ الْخَلِيسَةِ، وَأَنْ تُوطَأَ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ» . قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: سُئِلَ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الْمُجَثَّمَةِ، فَقَالَ: أَنْ يُنْصَبَ الطَّيْرُ، أَوِ الشَّيْءُ فَيُرْمَى وَسُئِلَ عَنِ الْخَلِيسَةِ، فَقَالَ: الذِّئْبُ، أَوِ السَّبُعُ يُدْرِكُهُ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ، فَيَمُوتُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
4089 -
(وَعَنِ الْعِرْبَاضِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (ابْنِ سَارِيَةَ) : مَرَّ ذِكْرُهُ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ) أَيْ: عَامَهُ، أَوْ وَقْتَ فَتْحِهِ، أَوْ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ غَزْوَةٍ (عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ) أَيْ: أَكْلِهِ (مِنَ السِّبَاعِ) أَيْ: سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالدُّبِّ وَالْقِرَدَةِ وَالْخِنْزِيرِ (وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ) : بِكَسْرِ مِيمٍ وَفَتْحِ لَامٍ (مِنَ الطَّيْرِ) أَيْ: مِنْ أَكْلِ سِبَاعِهِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَرَادَ بِكُلِّ ذِي نَابٍ مَا يَعْدُو بِنَابِهِ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ، كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا، وَأَرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ مَا يَقْطَعُ وَيَشُقُّ بِمِخْلَبِهِ كَالنَّسْرِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَنَحْوِهَا. (وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ) : بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حِمَارٍ (الْأَهْلِيَّةِ) أَيِ: الْإِنْسِيَّةِ ضِدَّ الْوَحْشِيَّةِ (وَعَنِ الْمُجَثَّمَةِ) : سَبَقَ ذِكْرُهَا وَسَيَأْتِي أَيْضًا (وَعَنِ الْخَلِيسَةِ) أَيِ: الْمَأْخُوذَةُ مِنْ فَمِ السِّبَاعِ فَتَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تُذَكَّى، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَخْلُوسَةً مِنَ السَّبُعِ أَيْ: مَسْلُوبَةٌ مِنْ خَلَسَ الشَّيْءَ إِذَا سَلَبَهُ، وَسَيَأْتِي مَعْنَاهَا فِي الْأَصْلِ (وَأَنْ تُوطَأَ) أَيْ: وَعَنْ أَنْ تُجَامَعَ (الْحَبَالَى) : بِفَتْحِ الْحَاءِ جَمْعُ الْحُبْلَى بِالضَّمِّ (حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ) : يَعْنِي إِذَا حَصَلَتْ لِشَخْصٍ جَارِيَةٌ حُبْلَى لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَكَذَا إِذَا تَزَوَّجَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: إِذَا حَصَلَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ فِي السَّبْيِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَحَتَّى تَحِيضَ وَيَنْقَطِعَ دَمُهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا.
(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) : شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (سُئِلَ أَبُو عَاصِمٍ) : يَعْنِي شَيْخَهُ (عَنِ الْمُجَثَّمَةِ) أَيْ: عَنْ تَصْوِيرِهَا (فَقَالَ: أَنْ يُنْصَبَ الطَّيْرُ، أَوِ الشَّيْءُ) أَيْ: مِنْ ذِي الرُّوحِ وَغَيْرِهِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّكِّ فَالْمُرَادُ بِالطَّيْرِ مَثَلًا (فَيُرْمَى) أَيِ: الْمَنْصُوبُ حَتَّى يَمُوتَ (وَسُئِلَ) أَيْ: أَبُو عَاصِمٍ (عَنِ الْخَلِيسَةِ، فَقَالَ: الذِّئْبُ) : بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ يَاؤُهُ أَيْ: خَلِيسَتُهُ (أَوِ السَّبُعُ) : بِفَتْحٍ فَضَمٍّ وَفِيهِ مَا سَبَقَ (يُدْرِكُهُ) أَيِ: السَّبُعَ (رَجُلٌ فَيَأْخُذُ) أَيِ: الْخَلِيسَةَ (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ السَّبُعِ (فَتَمُوتُ) أَيِ: الْخَلِيسَةُ (فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهَا) أَيْ: يَذْبَحُهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيِ: الْخَلِيسَةُ هِيَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنَ الذِّئْبِ، أَوِ السُّبُعِ فَتَمُوتُ، وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَتُؤْخَذُ الْمُخْتَلَسَةُ مِنْهُ، وَالضَّمِيرُ فِي تَمُوتُ وَيُذَكِّيهَا رَاجِعٌ إِلَيْهَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
4090 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنهم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ: زَادَ ابْنُ عِيسَى: هِيَ الذَّبِيحَةُ يُقْطَعُ مِنْهَا الْجِلْدُ وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ، ثُمَّ تُتْرَكُ حَتَّى تَمُوتَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
4090 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ» ) أَيِ: الذَّبِيحَةُ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ أَوْدَاجُهَا وَلَا يُسْتَقْصَى ذَبْحُهَا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْطِ الْحَجَّامِ. وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ بَعْضَ حَلْقِهَا وَيَتْرُكُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَحَسَّنَ هَذَا الْفِعْلَ لِيَدِهِمْ وَسَوَّلَهُ لَهُمْ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ الشَّرْطِ الذى هُوَ الْعَلَامَةُ أَيْ: شَارَطَهُمُ الشَّيْطَانُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ. (زَادَ ابْنُ عِيسَى) أَيْ: أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ هَذَا التَّفْسِيرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: (هِيَ) أَيْ: شَرِيطَةُ الشَّيْطَانِ هِيَ (الذَّبِيحَةُ) أَيِ: الْمَذْبُوحَةُ مَآلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36](يُقْطَعُ مِنْهَا الْجِلْدُ) أَيْ: يُشَقُّ مِنْهَا جِلْدُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ (وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ) : بِالتَّأْنِيثِ وَتُذَكَّرُ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْفَرْيِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ الْفَرْيُ: مِنْ حَدِّ ضَرَبَ هُوَ الْقَطْعُ عَلَى وَجْهِ الِاصْطِلَاحِ، وَالْإِفْرَاءُ الْقَطْعُ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوْدَاجِ الْعُرُوقُ الْمُحِيطَةُ بِالْعُنُقِ الَّتِي تُقْطَعُ حَالَةَ الذَّبْحِ، وَاحِدُهَا وَدَجٌ مُحَرَّكَةٌ، وَالْمَعْنَى يُشَقُّ مِنْهَا جِلْدُهَا وَلَا يُقْطَعُ أَوْدَاجُهَا حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ وَيُكْتَفَى بِذَلِكَ. (ثُمَّ تُتْرَكُ) أَيِ: الذَّبِيحَةُ (حَتَّى تَمُوتَ) : وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ حَلْقِ الْبَهِيمَةِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ ذَكَاتَهَا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
4091 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
4091 -
(وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ) : بِالرَّفْعِ فِي الثَّانِي، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالنَّصْبِ، وَحُكِيَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا. فِي النِّهَايَةِ: التَّذْكِيَةُ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ، وَيُرْوَى الْحَدِيثُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ ذَكَاةُ فَيَكُونُ ذَكَاةُ الْأُمِّ هِيَ ذَكَاةَ الْجَنِينِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَبْحٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَمَنْ نَصَبَ كَانَ التَّقْدِيرُ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ نُصِبَ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ يُذَكَّى تَذْكِيَةً مِثْلُ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَصِفَتُهُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَبَحِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ حَيًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي بِنَصْبِ الذَّكَاتَيْنِ اهـ. وَلَعَلَّ نَصْبَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ بِأَنْ تَنْصِبَ الْأُولَى وَتَرْفَعَ الثَّانِيَةَ وَتَعْكِسَ، وَيُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُمَا عَلَى الْإِغْرَاءِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ التَّرْكِيبِ غَيْرَ مُلَائِمٍ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ وَهُنَا عَكْسٌ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّ أَصْلَ الْكَلَامِ ذَكَاةُ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي الْحِلِّ أَيْ: مُغْنِيَةٌ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: سِلْمِي سِلْمُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ وَدَمِي دَمُكَ وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَكَقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا يُرِيدُ طِهَارَتَهَا مِنَ النَّجَاسَةِ جَعَلَ يُبْسَهَا مِنَ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ فِي التَّطْهِيرِ بِمَنْزِلَةِ تَذْكِيَةِ الشَّاةِ فِي الْإِحْلَالِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: سِلْمِي سِلْمُكَ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٍ الْمَنْطَلِقِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَالِحًا لِأَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا بِهِ وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: فَلَهُ صَارِفٌ عَقْلِيٌّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَفَى الْفَائِقِ: الذَّكَاةُ هِيَ التَّذْكِيَةُ، كَمَا أَنَّ الزَّكَاةَ هِيَ التَّزْكِيَةُ أَيْ: ذَكَاةُ الْأُمِّ كَافِيَةٌ فِي حِلِّ الْجَنِينِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنِينَ الَّذِي فِي بَطْنِ الْأُمِّ حَالَ ذَكَاةِ الْأُمِّ كَالْعُضْوِ الْمُتَّصِلِ بِالْأُمِّ، فَإِنَّ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ يَحِلُّ بِذَكَاتِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ كَذَلِكَ الْجَنِينُ الْمُتَّصِلُ بِهِ حَالَةَ الذَّبْحِ إِذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ يَكُونُ حَلَالًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ بَعْدَهَمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ،
وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الْإِشْعَارَ، فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا فَيُذْبَحُ وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَإِنَّمَا يَحِلُّ الْجَنِينُ لَوْ سَكَنَ فِي الْبَطْنِ عَقِيبَ الذَّبْحِ إِذْ لَوْ تَحَرَّكَ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ سَكَنَ حَرُمَ، وَإِنْ خَرَجَ فِي الْحَالِ وَبِهِ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ حَلَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يُذْبَحُ اتِّفَاقًا لِيَحِلَّ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ وَذُبِحَتِ الْأُمُّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ حَلَّ أَكْلُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْجَنِينِ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا وَيُذْبَحَ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَلَا يَحِلُّ جَنِينٌ مَيِّتٌ وُجِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَوَاءٌ أَشَعَرَ، أَوْ لَمْ يُشْعِرْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ لِلْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ حَقِيقَةً ; لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، وَيَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا، وَحُكْمًا ; لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْتِ الْوَارِدِ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ جُرْحُهَا ذَكَاةً لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاتِهِ كَالصَّيْدِ بِجَامِعِ الْعَجْزِ عَنِ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَنِينَ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْحَيَاةِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَيَجِبُ إِفْرَادُهُ بِالذَّكَاةِ لِيَخْرُجَ دَمُهُ فَيَطِيبَ لَحْمُهُ، وَلِيُجْعَلَ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِيهَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَكَاتِهِ وَهُوَ إِخْرَاجُ دَمِهِ لَا يَحْصُلُ بِذَبْحِهَا بِخِلَافِ جَرْحِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِدَمِهِ فَيَقُومُ مَقَامَ ذَبْحِهِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، وَالتَّشْبِيهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133] وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ رُوِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ أَيْ: يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ اهـ. فَإِطْلَاقُ الْجَنِينِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ أَوَّلًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2](رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ) أَيْ: عَنْ جَابِرٍ.
4092 -
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
ــ
4092 -
(وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) : وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ:( «ذَكَاةُ الْجَنِينِ إِذَا أَشْعَرَ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ) وَلَكِنَّهُ يُذْبَحُ حَتَّى يَنْصَبَّ مَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ.
4093 -
«وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ، فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: " كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
4093 -
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَنْحَرُ) أَيْ: نَحْنُ (النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ) : فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَهُوَ قَطْعُ مَوْضِعِ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ وَفِي الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ الذَّبْحُ وَهُوَ فِي الْحَلْقِ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: نُدِبَ نَحْرُ الْإِبِلِ وَهُوَ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا أَيْسَرُ ; لِأَنَّ الْعُرُوقَ مُجْتَمِعَةٌ لَهَا فِي الْمَنْحَرِ، وَكُرِهَ ذَبْحُهَا ; لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَالْإِعْجَالُ، وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ عَكْسُهُ فَنُدِبَ ذَبْحُهَا ; لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهَا أَيْسَرُ وَعُرُوقُ الذَّبْحِ فِيهَا مُجْتَمِعَةٌ فِي الْمَذْبَحِ، وَكُرِهَ نَحْرُهَا ; لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَحَلَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ. (فَنَجِدُ) أَيْ: أَحْيَانًا (فِي بَطْنِهَا) أَيِ: الْمَذْكُورَاتِ (الْجَنِينَ) أَيِ: الْمَيِّتَ، وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَمَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ. (أَنُلْقِيهِ) أَيْ: حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ (أَمْ نَأْكُلُهُ؟) : بِأَنْ نَذْبَحَهُ، أَوْ نَكْتَفِيَ بِذَبْحِ أُمِّهِ؟ (قَالَ: كُلُوهُ) : الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ لِقَوْلِهِ: (إِنْ شِئْتُمْ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ تَرَدُّدِهِمْ هُوَ أَنَّ الْجَنِينَ هَلْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ أَمْ لَا نَظَرًا إِلَى الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَنِينِ وَأُمِّهِ فِي الذَّكَاةِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ذَاتُ رُوحٍ، وَقَدْ أَحَلَّهُمَا اللَّهُ لَنَا بِالذَّبْحِ، وَإِلَّا فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَوْنِهِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ لِشُمُولِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] فَلَا وَجْهَ لِسُؤَالِهِمْ حِينَئِذٍ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ حَلَالًا مَا خَيَّرَهُمْ فَإِنَّ فِي عَدَمِ أَكْلِهِ إِضَاعَةَ الْمَالِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَمَا حَلَّ ذَبْحُ أُمِّهِ ; لَأَنَّ فِي ذَبْحِهَا إِضَاعَتَهُ أُجِيبَ: بِأَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ، بَلْ يُرْجَى إِدْرَاكُهُ فَيُذْبَحُ فَلَا يَحْرُمُ ذَبْحُ أُمِّهِ. (فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) : الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
4094 -
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: " أَنْ يَذْبَحَهَا فَيَأْكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
4094 -
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا) : بِالضَّمِّ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ مَعْرُوفٌ فِي الْقَامُوسِ: وَهِيَ بِهَاءٍ اهـ. فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَلِذَا أُنِّثَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:(فَمَا فَوْقَهَا) أَيْ: فِي الْحَقَارَةِ وَالصِّغَرِ، أَوْ فِي كِبَرِ الْجُثَّةِ وَالْعِظَمِ (بِغَيْرِ حَقِّهَا) : وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِأَكْلِهَا (سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ) أَيْ: عَاتَبَهُ وَعَذَّبَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَنَّثَ ضَمِيرُ الْعُصْفُورِ تَارَةً نَظَرًا إِلَى الْجِنْسِ، وَذَكَّرَهُ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ. (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا حَقُّهَا؟) : بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ جَرُّهَا عَلَى الْحِكَايَةِ (قَالَ: أَنْ يَذْبَحَهَا) أَيْ: إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهَا بِنَوْعٍ آخَرَ. (فَيَأْكُلَهَا) أَيْ: فَيَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَرْمِيهَا فَيُضَيِّعُهَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ كَرَاهَةُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ اهـ. وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَلِهَذَا «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ» كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الطِّيبِيُّ: حَقُّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، كَمَا أَنَّ قَطْعَ الرَّأْسِ وَالرَّمْيَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَيَاعِ حَقِّهَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ:(وَلَا يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهَا) : كَالتَّأْكِيدِ لِلسَّابِقِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَطْعِ الرَّأْسِ وَالرَّمْيِ بِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الطِّيبِيِّ ; لِأَنَّ الرَّمْيَ مُتَعَيَّنٌ مَعَ قَطْعِ الرَّأْسِ، وَإِنَّمَا الرَّمْيُ الْمَنْهِيُّ بَعْدَ ذَبْحِهَا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ كَرَاهَةُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ عِنْدَ قُدُومِ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ، وَأَوَانِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ تَتَجَدَّدُ لَهُمْ، وَفِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ ذَبْحَهُ وَأَكْلَهُ، أَوْ إِطْعَامَهُ لِلْفُقَرَاءِ لَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ، بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا، أَوْ بَقَرَةً» . وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الضِّيَافَةُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْقُدُومِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: ( «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«مَا مِنْ دَابَّةٍ طَائِرٍ وَلَا غَيْرِهِ يُقْتَلُ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا سَتُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
4095 -
وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:«قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ. فَقَالَ: " مَا يُقْطَعُ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
4095 -
(وَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ أَبُو وَاقِدٍ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ اللَّيْثِيُّ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ سَنَةً وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَدُفِنَ بِفَتْحٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ: يَقْطَعُونَ (أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ) : بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ سَنَامٍ (وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ) : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا جَمْعُ أَلْيَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ طَرَفُ الشَّاةِ (فَقَالَ: مَا يُقْطَعُ) : (مَا) مَوْصُولَةٌ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ: (مِنَ الْبَهِيمَةِ) : بَيَانِيَّةٌ (وَهِيَ حَيَّةٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَهِيَ) أَيْ: مَا يُقْطَعُ وَأُنِّثَ لِتَأْنِيثِ خَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (مَيْتَةٌ) : وَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ:(لَا تُؤْكَلُ) : صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، أَوِ اسْتِئْنَافٌ بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَيْ: كَمَيْتَةٍ، وَالْمَعْنَى حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَيْتَةِ فِي أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ، أَوِ الْمَعْنَى فَهِيَ مَيْتَةٌ شَرْعًا، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّيْءِ حَيًّا وَبَعْضُهُ مَيْتًا، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: كُلُّ عُضْوٍ قُطِعَ فَذَلِكَ الْعُضْوُ حَرَامٌ ; لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْهُ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَنُهُوا عَنْهُ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَنْشَأُ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ عَنِ الْجَنِينِ، فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْمَيِّتِ، فَالْقِيَاسُ بِالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ) : وَلَفْظُ الشُّمُنِّيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا: ( «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَذَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ.