المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في النذور] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٦

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَحَضَانَتِهِ فِي الصِّغَرِ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[بَابُ إِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ]

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

- ‌[بَابٌ فِي النُّذُورِ]

- ‌[كِتَابُ الْقِصَاصِ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يُضَمَّنُ مِنَ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَامَةِ]

- ‌[بَابُ قَتْلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالسِّعَايَةِ بِالْفَسَادِ]

- ‌[كِتَابُ الْحُدُودِ]

- ‌[بَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ]

- ‌[بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ]

- ‌[بَابُ مَا لَا يُدْعَى عَلَى الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَابُ التَّعْزِيرِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ الْخَمْرِ وَوَعِيدِ شَارِبِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ مَا عَلَى الْوُلَاةِ مِنَ التَّيْسِيرِ]

- ‌[بَابُ الْعَمَلِ فِي الْقَضَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ]

- ‌[بَابُ رِزْقِ الْوُلَاةِ وَهَدَايَاهُمْ]

- ‌[بَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ إِعْدَادِ آلَةِ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ آدَابِ السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابِ إِلَى الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ]

- ‌[بَابُ الْقِتَالِ فِي الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْأُسَرَاءِ]

- ‌[بَابُ الْأَمَانِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالْغُلُولِ فِيهَا]

- ‌[بَابُ الْجِزْيَةِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[بَابُ الْفَيْءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

الفصل: ‌[باب في النذور]

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3425 -

وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ ابْنَ عَمٍّ لِي آتِيهِ أَسْأَلُهُ فَلَا يُعْطِينِي وَلَا يَصِلُنِي، ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَيَّ فَيَأْتِينِي فَيَسْأَلُنِي، وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَأْتِينِي ابْنُ عَمِّي فَأَحْلِفُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ، قَالَ: كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» ".

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3425 -

(عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ) ، أَيِ ابْنِ نَضْرٍ سَمِعَ أَبَاهُ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِيهِ)، لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ. (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ ابْنَ عَمٍّ لِي آتِيهِ) : مِنَ الْإِتْيَانِ أَيْ أَجِيئُهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَرَأَيْتَ بِمَعْنَى عَلِمْتَ (أَسْأَلُهُ) : حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ رَأَيْتَ بِمَعْنَى عَرَفْتَ، وَالْفِعْلَانِ حَالَانِ مُتَرَادِفَانِ أَوْ مُتَدَاخِلَانِ. أَفَلَا يُعْطِينِي) : أَيْ فِي مُقَابَلَةِ سُؤَالِي إِيَّاهُ (وَلَا يَصِلُنِي)، فِي مُعَاوَضَةِ مَا أَتَانِي إِلَيْهِ (ثُمَّ يَحْتَاجُ إِلَيَّ فَيَأْتِينِي) : أَيْ لِأَصِلَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَيَسْأَلُنِي، وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ)، أَيْ مُجَازَاةً لِفِعْلِهِ وَمُكَافَأَةً لِعَمَلِهِ (فَأَمَرَنِي) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَنْ آتِيَهُ) : أَيْ بِأَنْ أَفْعَلَ بِهِ (الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) : وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِعْطَاءِ وَالصِّلَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ (خَيْرٌ) لِلتَّفْضِيلِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى دَائِرٌ بَيْنَ قَطْعِ الصِّلَةِ وَمَنْعِ الْمَعْرُوفِ وَوَصْلِهَا وَإِعْطَائِهِ، وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:" «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ» ". وَنَهَى عَنِ الْخَلَّتَيْنِ أَبْلَغَ نَهْيٍ (وَأُكَفِّرَ) : أَيْ وَبِأَنْ أُكَفِّرَ (عَنْ يَمِينِي) : (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) . وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَفِي نُسْخَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أَيْ لِابْنِ مَاجَهْ أَوْ لَهُمَا. ( «قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي ابْنُ عَمِّي فَأَحْلِفُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ. قَالَ: " كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» ") . أَيْ بَعْدَ الْحِنْثِ.

ص: 2245

[بَابٌ فِي النُّذُورِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3426 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا تَنْذُرُوا ; فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[1]

بَابٌ فِي النُّذُورِ أَيْ: مُخَصَّصٌ بِهَا، وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3426 -

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهم، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَنْذُرُوا ")، بِضَمِّ الذَّالِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَالضِّيَاءِ (" فَإِنَّ النَّذْرَ ") : وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَصَابِيحِ فَإِنَّهُ أَيِ النَّذْرَ (" لَا يُغْنِي ") : أَيْ لَا يَدْفَعُ أَوْ لَا يَنْفَعُ (" مِنَ الْقَدَرِ ") : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ السَّمَاوِيِّ (" شَيْئًا ")، فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ (" وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ ") : أَيْ بِسَبَبِ النَّذْرِ (" مِنَ الْبَخِيلِ ") . ; لِأَنَّ غَيْرَ الْبَخِيلِ يُعْطِي بِاخْتِيَارِهِ بِلَا وَاسِطَةِ النَّذْرِ. قَالَ الْقَاضِي: عَادَةُ النَّاسِ تَعْلِيقُ النُّذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَنَهَى عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْبُخَلَاءِ إِذِ السَّخِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتَعْجَلَ فِيهِ وَأَتَى بِهِ فِي الْحَالِ، وَالْبَخِيلُ لَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ يُسْتَوْفَى أَوَّلًا، فَيَلْتَزِمُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَيَحْصُلُ لَهُ، وَيُعَلِّقُهُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ شَيْئًا أَيْ نَذْرٌ لَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ، وَلَا يَرُدُّ عَنْهُ شَرًّا قُضِيَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ النَّذْرَ قَدْ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرِجُ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّأْكِيدُ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرُ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ

ص: 2245

حَتَّى يَفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ، إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلِبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِ:" فَلَا تَنْذُرُوا ". عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ، إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ، وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ بِنَفْسِهِ، كَمَا زَعَمُوا، وَكَمَا نَرَى فِي عَهْدِنَا جَمَاعَةً يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لَمَّا شَاهَدُوا مِنْ غَالِبِ الْأَحْوَالِ حُصُولَ الْمَطَالِبِ بِالنَّذْرِ، وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُسَهِّلُ الْأُمُورَ، وَهُوَ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ. وَالنُّذُورُ كَالذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلِ، فَيَكُونُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ طَاعَةً، وَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ الْخِيَرَةَ مِنْ عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَ {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] قُلْتُ: وَكَذَا قَوْلُهُ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنَّ النَّذْرَ الْمُقَيَّدَ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مَعْصِيَةً لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْقَيْدُ، أَعْنِي الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ. قَالَ: وَأَمَّا مَعْنَى " فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْبَذْلَ وَالْإِنْفَاقَ، فَمَنْ سَمَحَتْ أَرْيَحِيَّتُهُ فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَشَرْعُ النُّذُورِ لِيُسْتَخْرَجَ بِهِ مَالُ الْبَخِيلِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ كَوْنَ النَّاذِرِ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لَهُ، فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاطٍ، قُلْتُ: وَهُوَ مُشَاهَدٌ كَثِيرًا فِيمَنْ يَنْذُرُ صِيَامَ الدَّهْرِ. أَوِ الْبِيضَ، أَوْ صَلَاةَ الضُّحَى وَغَيْرَهَا، أَوْ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ وَنَحْوَهُ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ كَوْنَهُ يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا فِي نَذْرِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ، فَيَنْقُصُ أَجْرَهُ، وَشَأْنُ الْعِبَادَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلَّهِ تَعَالَى اهـ. وَهُوَ تَوْضِيحٌ وَبَيَانٌ لِمَا فِي كَلَامِ الْقَاضِي مِمَّا مَضَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ يَرُدُّ الْقَدَرَ، وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّرِ، فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِلٍ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ النَّذْرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ كَمَا سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2246

3427 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3427 -

(وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ") فَإِنَّ إِطَاعَةَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ، فَكَيْفَ إِذَا أَكَّدَ بِالنَّذْرِ. (" وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ ") : أَيِ اللَّهَ (" فَلَا يَعْصِهِ ") . بِإِشْبَاعِ هَاءِ الضَّمِيرِ وَيَجُوزُ قَصْرُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِهَاءِ السَّكْتِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، إِذْ لَوْ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ وَلَا عَلَى إِثْبَاتِهَا، وَبُيِّنَ الْحُكْمُ بِإِطْلَاقِهِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ:" «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". وَبِتَصْرِيحِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ". قَالَ: فَعَلَى هَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ فَبَاطِلٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَأَمَّا إِذَا نَذَرَ مُطْلَقًا فَقَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". قُلْتُ: زِيَادَةُ إِذَا لَمْ يُسَمَّ تَحْتَاجُ إِلَى تَصْحِيحِهَا ثُمَّ الِاعْتِبَارُ بِمَفْهُومِهَا. قَالَ: وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ وَلَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ شَيْئًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي اسْتِدْلَالِهِ مِنَ الْخَفَاءِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ.

ص: 2246

3428 -

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ".

ــ

3428 -

(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) : بِالتَّصْغِيرِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمَا صَحَابِيَّانِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا وَفَاءَ ") : أَيْ جَائِزٌ أَوْ صَحِيحٌ (" بِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا ") ؟ أَيْ لَا وَفَاءَ أَيْ لَا يُوجَدُ الْوَفَاءُ لِكَوْنِهِ لَا يَنْعَقِدُ (" فِيمَا ") : أَيْ فِي نَذْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِشَيْءٍ (" لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ ") . أَيْ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ النَّذْرِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ لِمُسْلِمٍ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ (" «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» ") . فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ: (" «وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.

ص: 2247

3429 -

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

3429 -

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَيِ الْجُهَنِيِّ كَانَ وَالِيًا عَلَى مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ بَعْدَ أَخِيهِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ عَزَلَهُ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ص: 2247

3430 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بَرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

3430 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) : بِإِشْبَاعِ فَتْحَةِ نُونِ بَيْنَ أَيْ فِيمَا بَيْنَ أَوْقَاتٍ لَهُ صلى الله عليه وسلم (يَخْطُبُ فَإِذَا) : وَفِي نُسْخَةٍ إِذْ وَهِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ (هُوَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (بِرَجُلٍ قَائِمٍ)، يُجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ وَالتَّقْدِيرُ: عِنْدَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ (فَسَأَلَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَصْحَابَهُ عَنْهُ) : أَيْ عَنْ قِيَامِهِ أَوْ عَنِ اسْمِهِ أَوْ رَسْمِهِ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ: أَيْ هُوَ مُلَقَّبٌ بِذَلِكَ، وَأَبُو إِسْرَائِيلَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، قَالَ الْقَاضِي: الظَّاهِرُ مِنَ اللَّفْظِ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ هُوَ اسْمُهُ، وَلِذَا أُجِيبَ بِذِكْرِ اسْمِهِ، وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ حَالَهُ، فَيَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَعَلَّ السُّؤَالَ لَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ أَجَابُوا بِهِمَا جَمِيعًا (نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ) : أَيْ مُطْلَقًا (وَيَصُومَ)، أَيْ دَائِمًا (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" مُرُوهُ ") : أَيْ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مُرْهُ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ لِرَئِيسِ الْقَائِلِينَ، وَالْجَمْعُ أُطْلِقَ لِقَالُوا، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَوْلَ وَقَعَ مِنْهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ: مُرُوهُ أَيْ كُلُّكُمْ لِزِيَادَةِ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِهِ (" فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ ") : بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا فِي الْجَمِيعِ (" صَوْمَهُ ") . أَيْ لِيُكْمِلْ صَوْمَهُ وَلْيُتِمَّ عَلَى دَوَامِ صِيَامِهِ، فَإِنَّ النَّذْرَ عَلَى الطَّاعَةِ لَازِمٌ، وَصِيَامُ الدَّهْرِ مَحْمُودٌ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ الْمَنْهِيُّ شَرْعًا وَعُرْفًا وَإِنْ نَوَاهَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِفْطَارُهَا وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِهَا عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّكَلُّمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِبُ كَالْقِرَاءَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ فَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ، وَأَمَّا عَدَمُ الْقُعُودِ وَتَرْكُ الِاسْتِظْلَالِ فِيمَا لَا تُطِيقُهُ قُوَّةُ الْبَشَرِ، فَأَمَرَهُ بِالْحِنْثِ قَبْلَ أَنْ يَضُرَّهُ بَعْضُ الْوَفَاءِ بِهِ حَيْثُ لَنْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: أَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ وَالْمُخَالَفَةِ فِيمَا عَدَاهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِيمَا فِيهِ قُرْبَةٌ. قُلْتُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ عُمُومِ النَّذْرِ. قَالَ: وَمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَنَذْرُهُ لَغْوٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ مُبَاحًا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ. قَالَ: " أَوْفِي بِنَذْرِكِ» ". وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَمَّا قَصَدَتْ بِذَلِكَ إِظْهَارَ الْفَرَحِ بِمَقْدِمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَسَرَّةِ بِنُصْرَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ مَسَاءَةُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ الْتَحَقَ بِالْقُرُبَاتِ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِذْنُ دُونَ الْوُجُوبِ، وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الثِّقَاتِ.

قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ إِذِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ فَتَدَبَّرْ. قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْعِيدِ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ، وَلَوْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ، وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَالِدِهِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ ذَبْحَ الْوَلَدِ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَنْذُرُونَهُ وَيَعُدُّونَهُ قُرْبَةً بِخِلَافِ ذَبْحِ الْوَالِدِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

ص: 2247

3431 -

وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، فَقَالَ: " مَا بَالُ هَذَا؟ " قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ ". وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3431 -

(وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَيْخًا) أَيْ: رَجُلًا كَبِيرًا (يُهَادَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بَيْنَ ابْنَيْهِ) قَالَ: يَمْشِي بَيْنَ وَلَدَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفٍ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ، (فَقَالَ:" مَا بَالُ هَذَا؟ ") أَيْ: حَالُ هَذَا الشَّيْخِ (قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ) أَيْ: إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ (قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ) : نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (" لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) أَيْ: لِعَجْزِهِ عَنِ الْمَشْيِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: عَمِلَ بِظَاهِرِهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: عَلَيْهِ دَمٌ ; لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا بَعْدَ الْتِزَامِهِ. قَالَ الْمُظْهِرُ: اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ بِأَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَمْشِي إِنْ أَطَاقَ الْمَشْيَ، فَإِنْ عَجَزَ أَرَاقَ دَمًا وَرَكِبَ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ تَعَالَى: يَرْكَبُ وَيُرِيقُ دَمًا سَوَاءٌ أَطَاقَ الْمَشْيَ أَوْ لَمْ يُطِقْهُ اهـ.

وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَالْبَيَانُ إِلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْحَرَمِ أَوْ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقِيلَ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِلَفْظِ الْمَشْيِ إِلَى الْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ، بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا، فَيَكُونَ اخْتِلَافَ زَمَانٍ لَا اخْتِلَافَ بُرْهَانٍ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ جَعَلَ عُمْرَةً حَتَّى يَحْلِقَ، وَفِي الْأَصْلِ خُيِّرَ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَشَارَ إِلَى وُجُوبِ الْمَشْيِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالصَّحِيحُ، وَحَمَلُوا رِوَايَةَ الْأَصْلِ عَلَى مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ فَقِيلَ: يَبْتَدِئُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَقِيلَ: حَيْثُ أَحْرَمَ، وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ رحمه الله وَالْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ، وَعَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَصَحَّحَهُ قَاضِيخَانُ، وَالزَّيْلَعِيُّ، وَابْنُ الْهُمَامِ ; لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا، وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ فَبِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ لَوْ رَكِبَ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ أَوْ أَكْثَرَ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ ; لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا يَخْرُجُ عَنِ الْعَهْدِ، وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2248

3432 -

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ ; فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ ".

ــ

3432 -

(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ ; فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ ")

ص: 2248

3433 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه «اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

3433 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) : وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْأَنْصَارِ كَمَا تَقَدَّمَ (" اسْتَفْتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: سَأَلَهُ (فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَأَفْتَاهُ) أَيْ: أَجَابَ عَنْ سُؤَالِهِ (أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا) : فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ رحمه الله، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اخْتَلَفُوا فِي نَذْرِ أُمِّ سَعْدٍ هَذَا، فَقِيلَ: كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: كَانَ صَوْمًا، وَقِيلَ عِتْقًا، وَقِيلَ صَدَقَةً. وَاسْتَدَلَّ كُلُّ قَائِلٍ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي قِصَّةِ أُمِّ سَعْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَذْرًا فِي الْمَالِ، أَوْ نَذْرًا مُبْهَمًا، وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ: يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: " اسْقِ عَنْهَا الْمَاءَ ". وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا كَكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ زَكَاةٍ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَا يَلْزَمُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَلْزَمُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا، وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَحَدِيثُ سَعْدٍ يُحْتَمَلُ، أَنَّهُ قَضَى مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ فَقَدْ سَبَقَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ص: 2248

3434 -

«وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ". قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ.

ــ

3434 -

(وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: كَانَ أَحَدَ شُعَرَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ اهـ. وَيَجْمَعُ أَوَائِلَ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ لَفْظُ مَكَّةَ (قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي) أَيْ: عَنِ التَّخَلُّفِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِلَا عُذْرٍ، وَالتَّوْبَةُ هِيَ النَّدَامَةُ وَالْعَزْمُ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، فَالْمَعْنَى مِنْ تَمَامِهَا (أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي) أَيْ: أَتَجَرَّدَ عَنْهُ كَمَا يَتَجَرَّدُ

ص: 2248

الْإِنْسَانُ وَيَنْخَلِعُ مِنْ ثِيَابِهِ (صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) : فِي النِّهَايَةِ أَيْ: أَخْرُجَ عَنْهُ جَمِيعِهِ وَأَتَصَدَّقَ بِهِ، وَأَعْرَى مِنْهُ كَمَا يَعْرَى الْإِنْسَانُ إِذَا خَلَعَ ثَوْبَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: هَذَا الِانْخِلَاعُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي مَعْنَى النَّذْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَفَّارَةٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُظْهِرُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَنَا فِيهِ يَقْتَضِي خَلْعَ مَالِي صَدَقَةً مُكَفِّرَةً، وَإِمَّا شُكْرًا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ اسْتِصْحَابُ الصَّدَقَةِ شُكْرًا لِلنِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ، لَا سِيَّمَا مَا عَظُمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَمُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُرُوجِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ نَدِمُوا مِنْ سُوءِ صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، فَتَابُوا إِلَى اللَّهِ، فَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ} [التوبة: 118] أَيْ: وَتَابَ بِمَعْنَى أَوْقَعَ قَبُولَ التَّوْبَةِ عَلَى {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] أَيْ: تَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ بِمَعْنَى خَلَّفَهُمُ الشَّيْطَانُ، أَوْ خَلَّفَ أَمْرَهُمْ، فَإِنَّهُمُ الْمُرْجَوْنَ، {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118] أَيْ: بِرُحْبِهَا بِمَعْنَى مَعَ سَعَتِهَا، فَأَرَادَ كَعْبٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ لِشَبَهِهِ النَّذْرَ فِي أَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحُدُوثِ أَمْرٍ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ ") : الظَّاهِرُ أَنَّهُ الثُّلُثَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ (" فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ") : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: إِنَّمَا أَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِبَعْضِهِ خَوْفًا مِنْ تَضَرُّرِهِ، وَأَنْ لَا يَتَصَبَّرَ عَلَى الْفَاقَةِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا صَدَقَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِجَمِيعِ مَالِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيًا (قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ) أَيْ: مِنَ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيِ: الْمَذْكُورُ هُنَا (طَرَفٌ) أَيْ: بَعْضٌ (مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ) أَيْ: ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي كُتُبِهِمْ بِطُولِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مُتَعَلِّقُ الْبَابِ، وَذُكِرَ مُطَوَّلًا فِي تَفْسِيرِهِ مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ إِلَى الْبُخَارِيِّ.

ص: 2249

الْفَصْلُ الثَّانِي

3435 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّانِي

3435 -

(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ") : وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ: لَا وَفَاءَ فِي نَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِنْ نَذَرَ أَحَدٌ فِيهَا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَفَّارَتُهُ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ الْوَفَاءَ ; لِأَنَّ " لَا " لِنَفْيِ الْجِنْسِ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا نُفِيَتْ يَنْتَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَإِذًا يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْوَفَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ، وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ اهـ. وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَنْصَفَ فِي طَرِيقِ الْهُدَى، وَلَمْ يَتَعَسَّفْ إِلَى طَرِيقِ الْهَوَى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالصَّحِيحُ وُجُودُهُ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَالَ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.

ص: 2249

3436 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ ; فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ". مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

ــ

3436 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ ") أَيِ: النَّاذِرُ بِأَنْ قَالَ: نَذَرْتُ نَذْرًا أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُعَيِّنِ النَّذْرَ أَنَّهُ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ. (" فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ") : قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ: كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَحَمَلَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ

ص: 2249

مُرِيدًا الِامْتِنَاعَ مِنْ كَلَامِ زَيْدٍ مَثَلًا إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، فَكَلَّمَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ. قُلْتُ: وَلَا يَظْهَرُ حَمْلُ مَا لَمْ يُسَمِّهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، مَعَ أَنَّ التَّخْيِيرَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَسْطُورِ قَالَ: وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَكَثِيرُونَ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ. قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ حَقٌّ، وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ الْمُحَقَّقُ قَالَ: وَحَمَلَهُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ. قُلْتُ: مَعَ بُعْدِهِ يَرُدُّهُ الْعَطْفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (" «وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ") : فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا فِي الْجُمْلَتَيْنِ. قَالَ: وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ، وَقَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ لِمَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ قُلْتُ: يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ إِتْيَانِ الْمَعْصِيَةِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ لِقَوْلِهِ:" لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ". أَيْ: لَا وَفَاءَ بِهِ كَمَا سَبَقَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ فَعَلَ خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ نَذْرًا لِلَّهِ يَكُونُ يَمِينًا إِذَا نَكَّرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرًا لِلَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا حَتَّى إِذَا لَمْ يَفِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، هَذَا إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا النَّذْرَ الْمُطْلَقَ شَيْئًا مِنَ الْقُرَبِ كَحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا، فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقُرْبَةُ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِنْ حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَعَلَيْهِ مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام:" «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُوجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ مُطْلَقًا، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْمُطْلَقِ فِي اللَّفِّ قُرْبَةً مُعَيَّنَةً كَانَتْ كَالْمُسَمَّاةِ لِأَنَّهَا مُسَمَّاةٌ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ الْحَدِيثُ إِلَى مَا لَا نِيَّةَ مَعَهُ مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرًا لِلَّهِ، وَلَمْ يُرِدْ عَلَيَّ ذَلِكَ، فَهَذَا لَمْ نَجْعَلْهُ يَمِينًا ; لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَأَمَّا إِذَا ذَكَرَ صِيغَةَ النَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا، أَوْ صَوْمُ يَوْمٍ مُطْلَقًا عَنِ الشَّرْطِ، أَوْ مُعَلَّقًا بِهِ، وَذَكَرَ لَفْظَ النَّذْرِ مُسَمًّى مَعَهُ الْمَنْذُورُ، مِثْلَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ مُعَلَّقًا أَوْ مُنْجَزًا، فَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْكَفَّارَةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ صِيغَةِ النَّذْرِ وَلَفْظِ النَّذْرِ اهـ. بَلَّغَهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْأَقْصَى فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَيْ: غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا، وَهَذِهِ شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ فَالنَّذْرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا النَّذْرُ لِعِيَادَةٍ لِمَرِيضٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَنْذُورِ مَعْصِيَةً يَمْنَعُ اعْتِقَادَ النَّذْرِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ الْقُرْبَةِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:" «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ قَالَ فِيهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَبَيَّنَ عِلَّتَهُ، وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَوْلُنَا: فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ أَيْ: مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتُزِمَ بِهِ أَوْ عُيِّنَ وَهُوَ خِلَافِيَّةُ زُفَرَ، فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ عَنْ نَذْرِهِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَتَصَدَّقَ فِي غَدٍ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ عَنْ نَذْرِهِ أَجْزَأَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، خِلَافًا لِزُفَرَ لَهُ: أَنَّهُ يَأْتِي بِغَيْرِ مَا نَذَرَهُ، وَلَنَا: إِنَّ لُزُومَ مَا الْمُلْتَزَمَةِ. (" وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ ") : كَحَمْلِ جَبَلٍ أَوْ رَفْعِ حِمْلٍ أَوِ الْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ (" فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ ") : أَمْرُ غَائِبٍ مِنْ وَفَى يَفِي، وَالْمَعْنَى فَلْيَفِ بِهِ أَوْ لِيُكَفِّرْ، وَبِهَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْبِرَّ فِي الْيَمِينِ أَوْلَى إِلَّا إِذَا كَانَ مَعْصِيَةً. قَالَ الطِّيِبِيُّ قَوْلُهُ: وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ، وَيُقَوِّي مَذْهَبَ الْأَصْحَابِ. قُلْتُ: لَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَوَقَفَهُ) أَيِ: الْحَدِيثَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ: أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. (عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) .

ص: 2250

3437 -

وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قَالَ: «نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَهَلْ كَانَ فِيهِ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ " قَالُوا: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ بِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3437 -

(وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) : وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فِي زَمَانِهِ (أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، اسْمُ مَوْضِعٍ فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ دُونَ يَلَمْلَمَ، وَقَدْ جَاءَ بِحَذْفِ التَّاءِ أَيْضًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بِبُوَانَةَ بِالضَّمِّ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَأَمَّا الَّذِي بِبِلَادِ فَارِسَ هُوَ شِعْبُ بَوَّانَ فَبِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، (فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: فَجَاءَهُ الرَّجُلُ (فَأَخْبَرَهُ) أَيْ: فَأَعْلَمَهُ بِنَذْرِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: لِأَصْحَابِهِ (" هَلْ كَانَ فِيهَا ") أَيْ: فِي بُوَانَةَ (" وَثَنٌ ") : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: صَنَمٌ (" مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ ") أَيْ: بِالْأُلُوهِيَّةِ (فَقَالُوا: لَا. قَالَ: " فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ ") أَيْ: إِظْهَارُ سُرُورٍ (" مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ ") : وَهَذَا كُلُّهُ احْتِرَازٌ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْكُفَّارِ فِي أَفْعَالِهِمْ (قَالُوا: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ مُلْتَفِتًا إِلَى الرَّجُلِ (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) : الطِّيبِيُّ رحمه الله: وَفِيهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ فِي مَكَانٍ، أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ. (" «فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» ") : تَعْلِيلٌ لِتَفْصِيلِ مَا تَحَقَّقَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُفْرَدٌ مُسْتَقِلٌّ، رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ كَمَا سَبَقَ. (" وَلَا ") أَيْ: وَلَا نَذْرَ صَحِيحٌ أَوْ مُنْعَقِدٌ (" فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ ") أَيْ: فِيمَا لَا يَمْلِكُ عِنْدَ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2251

3438 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ. قَالَ: " أَوْفِي بِنَذْرِكِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ رَزِينٌ: قَالَتْ: «وَنَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، مَكَانٌ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: " هَلْ كَانَ بِذَلِكِ الْمَكَانِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ " قَالَتْ: لَا. قَالَ: " هَلْ كَانَ فِيهِ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ " قَالَتْ: لَا. قَالَ: " أَوْفِي بِنَذْرِكِ» ".

ــ

3438 -

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ) أَيْ: قُدَّامَكَ أَوْ عِنْدَ قُدُومِكَ (بِالدُّفِّ) : بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: قَالَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ: الدُّفُّ بِالضَّمِّ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ، وَرُوِيَ بِالْفَتْحِ أَيْضًا (قَالَ:" أَوْفِ بِنَذْرِكَ ") : قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: ضَرْبُ الدُّفِّ لَيْسَ مِمَّا يُعَدُّ فِي بَابِ الطَّاعَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا النُّذُورُ، وَأَحْسَنُ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِإِظْهَارِ الْفَرَحِ لِسَلَامَةِ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، وَكَانَتْ فِيهِ مَسَاءَةُ الْكُفَّارِ وَإِرْغَامُ الْمُنَافِقِينَ صَارَ فِعْلُهُ كَبَعْضِ الْقُرَبِ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِهِ، وَالْخُرُوجِ بِهِ عَنْ مَعْنَى السِّفَاحِ الَّذِي لَا يُظْهَرُ، وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هِجَاءِ الْكُفَّارِ:" «اهْجُوا قُرَيْشًا ; فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ» ". (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ رَزِينٌ) أَيْ: فِي جَامِعِهِ (قَالَتْ: وَنَذَرْتُ) : بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ (أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا) : كِنَايَاتٌ عَنِ التَّعْيِينِ (مَكَانٌ) : بِالرَّفْعِ أَيْ: هُوَ أَيِ الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ مَكَانٌ (يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِجَرِّ مَكَانٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْأَوَّلِ (فَقَالَ: " هَلْ كَانَ بِذَلِكِ الْمَكَانِ ") : بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابُ الْمُؤَنَّثِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا خِطَابُ الْعَامِّ (" وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَالَتْ: لَا. قَالَ: " هَلْ كَانَ فِيهِ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: " أَوْفِي بِنَذْرِكِ ") .

ص: 2251

3439 -

«وَعَنْ أَبِي لُبَابَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً قَالَ: " يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» ". رَوَاهُ رَزِينٌ.

ــ

3439 -

(وَعَنْ أَبِي لُبَابَةَ) : بِضَمِّ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ غَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ كَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ، وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، بَلْ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا. (أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي) أَيْ: مِنْ تَمَامِهَا (أَنْ أَهْجُرَ) : بِفَتْحِ هَمْزٍ وَضَمِّ جِيمٍ أَيْ: أَتْرُكَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ) : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا فِرَارًا عَنْ مَوْضِعٍ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالذَّنْبِ فِيهِ، وَذَنْبُهُ كَانَ مَحَبَّتَهُ لِيَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا أَنَّ عِيَالَهُ وَأَمْوَالَهُ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَمَّا حَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَخَافُوا قَالُوا: ابْعَثْ لَنَا أَبَا لُبَابَةَ نَسْتَشِيرُهُ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ وَهُمْ يَبْكُونَ: أَتُرَى نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَيِ الذَّبْحُ ثُمَّ نَدِمَ، وَقَالَ: قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنَزَلَ فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: 27] فَشَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ: لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَتُوبَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ فَحُلَّ نَفْسَكَ قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَحُلُّهَا حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي، فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَخْ (وَأَنْ أَنْخَلِعَ) أَيْ: أَخْرُجَ بِالتَّجَرُّدِ (عَنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً) أَيْ: شُكْرًا لِقَبُولِ التَّوْبَةِ (قَالَ: يُجْزِئُ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَوْ يَكْفِي (" عَنْكَ الثُّلُثُ ") : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ: ثُلُثُ مَالِكَ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ دَلِيلٌ لِلصُّوفِيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْغَرَامَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَنْ يُذْنِبُ ذَنْبًا فِي الطَّرِيقَةِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ (رَوَاهُ رَزِينٌ) أَيْ: فِي جَامِعِهِ.

ص: 2252

3440 -

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ عز وجل إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: " صَلِّ هَاهُنَا ". ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " صَلِّ هَاهُنَا ". ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " شَأْنَكَ إِذًا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3440 -

(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) : صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ (أَنَّ رَجُلًا قَامَ) أَيْ: وَقَفَ لِلسُّؤَالِ (يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ عز وجل إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ) : بِفَتْحِ مِيمٍ وَكَسْرِ دَالٍ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى (رَكْعَتَيْنِ) : وَلَعَلَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ. (قَالَ: " صَلِّ هَاهُنَا ") أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مَعَ كَوْنِهِ أَسْهَلَ (ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ) أَيِ: السُّؤَالَ (فَقَالَ: " صَلِّ هَاهُنَا ") : أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ (ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ) أَيِ: الْكَلَامَ (فَقَالَ: " شَأْنَكَ ") : بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيِ: الْزَمْ شَأْنَكَ، وَالْمُعَيَّنُ أَنْتَ تَعْلَمُ (" إِذًا ") : بِالتَّنْوِينِ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ أَيْ: إِذَا أَبَيْتَ أَنْ تُصَلِّيَ هَاهُنَا فَافْعَلْ مَا نَذَرْتَ بِهِ مِنْ صَلَاتِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَا يَخْرُجُ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ". وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ عَنِ النَّذْرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ اهـ.

وَقَالَ عُلَمَاءُنَا: الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ فَصَلَّى فِي غَيْرِهِ دُونَهُ أَجْزَأَهُ، وَفِي الْمُصَفَّى: اعْلَمْ أَنَّ أَقْوَى الْأَمَاكِنِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ الْجَامِعُ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْحَيِّ، ثُمَّ الْبَيْتُ. فَلَوْ نَذَرَ إِنْسَانٌ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إِلَّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، عِنْدَ زُفَرَ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا: وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُمَا إِلَّا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَجُوزُ أَدَاؤُهُمَا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ: الْجَامِعُ وَمَسْجِدُ الْحَيِّ وَالْبَيْتُ، وَقِيلَ: أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا مَعَ زُفَرَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 2252

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَدَّاهَا فِي أَقَلَّ شَرَفًا مِنْهُ أَوْ فِيمَا لَا شَرَفَ لَهُ أَجْزَأَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. لَهُ: أَنَّهُ نَذْرٌ بِزِيَادَةِ قُرْبَةٍ فَيَلْزَمُهُ. قُلْنَا: عُرِفَ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّ الْتِزَامَهُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مُوجَبٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ الشَّرْعِ اعْتِبَارُ تَخْصِيصِ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ بِمَكَانٍ، بَلْ إِنَّمَا عَرَّفَ ذَلِكَ تَعَالَى فَلَا يَتَعَدَّى لُزُومُ أَصْلِ الْقُرْبَةِ بِالْتِزَامِهِ إِلَى الْتِزَامِ التَّخْصِيصِ بِمَكَانٍ، فَكَانَ مُلْغًى، وَبَقِيَ لَازِمًا بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ. فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ شُرُوطِ النَّذْرِ كَوْنُهُ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَكَيْفَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: إِذَا نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِلَا وُضُوءٍ يَصِحُّ نَذْرُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله أَهْدَرَهُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ، فَإِنَّمَا صَحَّحَهُ بِوُضُوءٍ نَظَرًا إِلَى الْتِزَامِ الشَّرْطِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَغْوٌ لَا يُؤَثِّرُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 2253

3441 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنهم نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَرْكَبْ وَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَتُكَفِّرْ يَمِينَهَا» ".

ــ

3441 -

(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) : أَيِ الْجُهَنِيِّ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ (نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، وَأَنَّهَا) : أَيْ أُخْتَهُ (لَا تُطِيقُ ذَلِكَ) : أَيِ الْحَجَّ مَاشِيَةً وَفِي نُسْخَةٍ لِلْمَصَابِيحِ: فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ: إِنَّهَا لَا تُطِيقُ. (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ ") : أَيْ إِذَا لَمْ تُطِقْ فَلْتَرْكَبْ (" وَلْتُهْدِ ") : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لِتَنْحَرْ (" بَدَنَةً ") : أَيْ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً عِنْدَنَا وَإِبِلًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) أَيْ: لِأَبِي دَاوُدَ (فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكَبَ) : أَيْ لِلْعَجْزِ (وَتُهْدِيَ هَدْيًا) : وَأَقَلُّهُ شَاةٌ وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ فَالشَّاةُ كَافِيَةٌ، وَالْأَمْرُ بِالْبَدَنَةِ لِلنَّدْبِ. قَالَ الْقَاضِي رحمه الله: لَمَّا كَانَ الْمَشْيُ فِي الْحَجِّ مِنْ عِدَادِ الْقُرُبَاتِ وَجَبَ النَّذْرُ، وَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَّا لِمَنْ عَجَزَ، وَيَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ الْفِدْيَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَاجِبِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: تَجِبُ بَدَنَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلْتُهْدِ بَدَنَةً ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ دَمُ شَاةٍ كَمَا فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ بِالْبَدَنَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَدْيِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ.

(وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ) : أَيْ لِأَبِي دَاوُدَ (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ ": بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ بِتَعَبِهَا وَمَشَقَّتِهَا (" شَيْئًا ") : أَيْ مِنَ الصُّنْعِ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ دَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ (" فَلْتَحُجَّ ") : بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَضَمُّهَا أَيْ: إِذَا عَجَزَتْ عَنِ الْمَشْيِ فَلْتَحُجَّ (" رَاكِبَةً ") : بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَلْتَرْكَبْ وَلْتَحُجَّ بِالْوَاوِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ. (" وَتُكَفِّرْ ") : بِالْجَزْمِ أَيْ فَلْتُكَفِّرْ هِيَ (" يَمِينَهَا ") : بِالنَّصْبِ أَيْ عَنْ حِنْثِ يَمِينِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْفِيرِ كَفَّارَةُ الْجِنَايَةِ وَهِيَ الْهَدْيُ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الصَّوْمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي لِيُطَابِقَ الرِّوَايَاتِ لَا كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا نُسِبَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْيَمِينِ، لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ حِنْثِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 2253

3442 -

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ. فَقَالَ:" مُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ.

ــ

3442 -

(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: يُكَنَّى أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ، سَمِعَ عُمَرَ وَأَبَا ذَرٍّ وَغَيْرَهُمَا رضي الله عنهم يُعَدُّ فِي تَابِعِي الْمِصْرِيِّينَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ (أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ) : أَيِ الْجُهَنِيَّ (سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ حَافِيَةً) : أَيْ مَاشِيَةً غَيْرَ لَابِسَةٍ فِي رِجْلِهَا شَيْئًا (غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ) : بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَيْ غَيْرَ مُغَطِّيَةٍ رَأْسَهَا بِخِمَارِهَا. فِي الْمُغْرِبِ: الْخِمَارُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَقَدِ اخْتَمَرَتْ وَتَخَمَّرَتْ إِذَا لَبِسَتِ الْخِمَارَ. (فَقَالَ) : أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مُرُوهَا ") : الْأَمْرُ لِعُقَبَةَ وَمَنْ مَعَهُ (" فَلْتَخْتَمِرْ ") : لِأَنَّ كَشْفَ رَأْسِهَا عَوْرَةٌ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ (" وَلْتَرْكَبْ ") : لِعَجْزِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ إِطَاقَتِهَا، لَا سِيَّمَا مَعَ الْحَفَاءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْجَفَاءُ

ص: 2253

(" وَلْتَصُمْ ") : أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْهَدْيِ. أَوْ عَنْ أَنْوَاعِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ") : أَيْ مُتَوَالِيَةً إِنْ كَانَ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ شَاءَتْ وَقَالَ الْمُظْهِرُ: أَمَّا أَمْرُهُ إِيَّاهَا بِالِاخْتِمَارِ وَالِاسْتِتَارِ، فَلِأَنَّ النَّذْرَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَالنِّسَاءُ مَأْمُورَاتٌ بِالِاخْتِمَارِ وَالِاسْتِتَارِ. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّذْرَ يَنْعَقِدُ فِي الْمَعْصِيَةِ، لَكِنْ لَا وَفَاءَ بِهِ أَيْ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا النَّذْرُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَأَمَّا نَذْرُهَا الْمَشْيَ حَافِيَةً، فَالْمَشْيُ قَدْ صَحَّ فِيهِ النَّذْرُ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَمْشِيَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِذَا عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى هَدْيًا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أُخْتُ عُقْبَةَ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنِ الْمَشْيِ، بَلْ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ) .

ص: 2254

3443 -

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رضي الله عنه: «أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ، فَقَالَ: إِنْ عُدْتَ تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ، كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَكَلِّمْ أَخَاكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَمِينَ عَلَيْكَ وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

3443 -

(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) : مِنْ أَجِلَّاءِ التَّابِعِينَ (أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) : أَيْ أَخَاهُ الْمُصَاحِبَ الْمُشَارِكَ فِي الْمِيرَاثِ (الْقِسْمَةَ) : أَيْ فِي النَّخِيلِ وَالْعَقَارِ، أَوِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ (فَقَالَ) : أَيِ الْآخَرُ (إِنْ عُدْتَ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: رَجَعْتَ تَسْأَلُنِي الْقِسْمَةَ فَكُلُّ مَالِي) : بِإِضَافَةِ الْمَالِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ أَيْ: فَكُلُّ شَيْءٍ لِي مِنَ الْمِلْكِ (فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ مَصَالِحِهَا أَوْ زِينَتِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: الرَّتَجُ مُحَرَّكَةً الْبَابُ الْعَظِيمُ كَالرِّتَاجِ كَكِتَابٍ، وَفِي النِّهَايَةِ: الرِّتَاجُ الْبَابُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَعْبَةُ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَالَهُ هَدْيٌ إِلَى الْكَعْبَةِ لَا إِلَى بَابِهَا، فَكَنَّى بِالْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْهُ يُدْخَلُ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ) : بِكَسْرِ اللَّامِ (كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَكَلِّمْ أَخَاكَ) : أَيْ فِي عَوْدِهِ إِلَى سُؤَالِ الْقِسْمَةِ (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَا يَمِينَ عَلَيْكَ ") : أَيْ عَلَى مِثْلِكَ، وَالْمَعْنَى لَا يَجِبُ إِلْزَامُ هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: أَيْ سَمِعْتُ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ إِلَى قَوْلِي لَكَ: لَا يَمِينَ عَلَيْكَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرْتَ، وَسَمَّى النَّذْرَ يَمِينًا لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُ مِنَ الْيَمِينِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي النَّذْرِ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مِثْلَ إِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَإِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ، فَهَذَا نَذْرٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنِ الْفِعْلِ كَالْحَالِفِ يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنِ الْفِعْلِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْوَفَاءُ

ص: 2254

بِمَا الْتَزَمَهُ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ النُّذُورِ اهـ الْكَلَامُ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ ابْنِ الْهُمَامِ مِمَّا يَنْفَعُكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. (" «وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ» ") : أَيْ لَا وَفَاءَ فِي هَذَا النَّذْرِ (" وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ") : وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ مِنْ مَنْعِ الْكَلَامِ مَعَ أَخِيهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَرَامِ (وَلَا فِيمَا لَا يُمْلَكُ ") : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمَعْلُومِ أَيْ فِيمَا لَا يَمْلِكُ النَّاذِرُ حِينَ نَذَرَهُ وَلَوْ مَلَكَ بَعْدَهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

ص: 2255

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3444 -

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «النَّذْرُ نَذْرَانِ: فَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي طَاعَةٍ فَذَلِكَ لِلَّهِ فِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا فَاءَ فِيهِ. وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ» ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

3444 -

(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " النَّذْرُ ") : أَيْ جِنْسُهُ (" نَذْرَانِ ") : أَيْ نَوْعَانِ يَنْذِرُهُمَا شَخْصَانِ (" فَمَنْ كَانَ نَذْرُهُ فِي طَاعَةٍ ") : وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَشْمَلُ الْمُبَاحَ (" فَذَلِكَ ") : أَيْ نَذْرُهُ (" لِلَّهِ ") : أَيْ يُرْضِي اللَّهَ (" فِيهِ الْوَفَاءُ ") : أَيْ يَجِبُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نَذْرِهِ الْوَفَاءُ بِهِ (" وَمَنْ كَانَ نَذْرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ ") أَيْ: لَا يَنْبَغِي الْوَفَاءُ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ الْحِنْثُ وَأَدَاءُ الْكَفَّارَةِ (" وَيُكَفِّرُهُ ") : أَيِ النَّذْرَ (" مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا نَذَرَ الْكَافِرُ مَا هُوَ قُرْبَةٌ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: يَلْزَمُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَوْمًا، فَقَالَ:" أَوْفِ بِنَذْرِكَ» ". وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ: " «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ". وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى جل جلاله: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَهُ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] فَيَعْنِي صُوَرَ الْأَيْمَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا، وَالْحَاصِلُ لُزُومُ تَأْوِيلٍ إِمَّا فِي لَا أَيْمَانَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَادَ لَا إِيفَاءَ لَهُمْ بِهَا أَوْ فِي نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُوَرُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ، وَتَرْجِيحُ التَّأْيِيدِ بِالْفِقْهِ، وَهُوَ إِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ عِبَادَةٌ يُجْبَرُ بِهَا مَا ثَبَتَ مِنْ إِثْمِ الْحِنْثِ إِنْ كَانَ، أَوْ مَا وَقَعَ مِنْ إِخْلَافِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى إِقَامَةً لِوَاجِبِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لِفِعْلِ عِبَادَةٍ، وَإِمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:" «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ". فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُوَرُ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ شَرْعًا الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ، لَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ ظُهُورِ الْحَقِّ فَشُرِعَ الْتِزَامُهُ بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ.

ص: 2255