الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: " صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنَ الْخَمْرِ فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ". قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَوِ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ أَوِ الِاسْتِخْفَافِ وَلِذَا حُكِمَ بِكُفْرِ الْهَازِلِ مَعَ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ عَلِيٍّ إِنَّمَا وَقَعَتْ سَهْوًا لَا قَصْدًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْبَابِ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ إِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رَائِحَتِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَكَذَا إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رِيحُهَا أَوْ ذَهَبَ مِنْ غَيْرِهَا، وَأَمَّا التَّقَادُمُ فَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ; لِأَنَّ غَيْبُوبَةَ الْعَقْلِ أَوْ غَلَبَةَ الطَّرَبِ وَالتَّرَحِ تُخَفِّفُ الْأَلَمَ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْجَائِزِ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَرْتِرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ فَفَعَلُوا فَدَفَعَهُ إِلَى السِّجْنِ ثُمَّ دَعَا بِهِ مِنَ الْغَدِ، فَدَعَا بِسَوْطٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَدُقَّتْ ثَمَرَتُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دِرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ وَارْفَعْ يَدَكَ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَائِزُ وَالتَّرْتَرَةُ وَالْمَزْمَزَةُ التَّحْرِيكُ بِعُنْفٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ ; لِأَنَّ التَّحْرِيكَ يُظْهِرُ الرَّائِحَةَ مِنَ الْمَعِدَةِ الَّتِي كَانَتْ خَفِيَتْ وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَحْسَنْتَ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ» ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ وَفِي لَفْظٍ رِيحَ شَرَابٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الرِّيحِ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الرَّائِحَةِ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَصَحُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَفْيُهُ وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَّرَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ الرَّائِحَةَ وَيَتَرَجَّحُ لِأَنَّهُ أَصَحُّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَلَدَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ الْحَدَّ تَامًّا وَقَدِ اسْتَبْعَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُدُودِ إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا مُقِرًّا أَنْ يُرَدَّ وَيُدْرَأَ مَا اسْتُطِيعَ فَكَيْفَ يَأْمُرُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالْمَزْمَزَةِ عِنْدَ عَدَمُ الرَّائِحَةُ لِيَظْهَرَ الرِّيحُ فَيَحُدَّهُ.
فَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُولَعًا بِالشَّرَابِ مُدْمِنًا فَاسْتَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ بِهِ رِيحُ الْخَمْرِ ; لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تُثْبِتُ مَعَ الِاحْتِمَالِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ قَالَ: الشَّاعِرُ:
يَقُولُونَ لِي أَنْكَهْ شَرِبْتَ مُدَامَةً
…
فَقُلْتُ لَا بَلْ أَكَلْتُ السَّفَرْجَلَا
وَأَنْكَهْ بِوَزْنِ أَمْنَعُ وَنَكَهَ مِنْ بَابِهِ أَيْ أَظْهَرَ رَائِحَةَ فَمِهِ وَقَالَ الْآخَرُ:
سَفَرْجَلَةٌ تَحْكِي ثَدْيَ الْفَرَاهِدِ
…
لَهَا عُرْفٌ ذِي فِسْقٍ وَصُفْرَةِ زَاهِدِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلِ
[بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3614 -
عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ. وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
3614 -
(عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ) أَيْ أَمَرَ بِالضَّرْبِ (فِي الْخَمْرِ) أَيْ فِي شَارِبِهَا أَوِ التَّقْدِيرُ ضَرَبَ شَارِبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ شُرْبِهَا (بِالْجَرِيدِ) وَهُوَ جَمْعُ جَرِيدَةٍ وَهَى السَّعَفَةُ سُمِّيَتْ بِهِمَا لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَةً عَنِ الْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النَّخْلِ (وَالنِّعَالِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ النَّعْلِ وَهُوَ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ وَهَذَا مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ الْعَدَدَ أَرْبَعِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ الضَّرْبَ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ، لَكِنَّهُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَقَدْ يَصِلُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ لِمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ السَّائِبِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ضَرَبَ رَجُلًا بِجَرِيدَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ ثَمَانِينَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «مِنْ
شَرِبَ نَصِيفَةً مِنْ خَمْرٍ فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ» . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ وَكَانَ الرَّأْيُ لِلْإِمَامِ فِي التَّبْيِينِ مِمَّا يُقَارِبُ الْأَرْبَعِينَ إِلَى تَمَامِ الثَّمَانِينَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بُرْهَانُهُ وَتَمَامُ بَيَانِهِ (وَجَلَدَ) لَعَلَّ فِيهِ تَجْرِيدًا أَيْ ضَرَبَ (أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ) أَيْ جَلْدَةً أَوْ ضَرْبَةً فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي شَارِبِ الْخَمْرِ فَذَهَبَ قَوْمٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْحَدَّ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ ثَمَانُونَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ ; فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، أَوْ كَمَا قَالَ، فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ قَالَ: وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ كَانَ تَعْزِيرًا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعُقُوبَةِ إِذَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي رَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، قَالَ عَلَيٌّ لِلْحَسَنِ: أَقِمْ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، قَالَ: فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَعُدُّ فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ: حَسْبُكَ جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ. وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْأَرْبَعِينَ حَسْبُكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْحُدُودِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ تَعْزِيرٌ وَلَوْ كَانَ حَدًّا لَمَا كَانَ لِأَحَدٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَقَوْلُهُ وَلِّ حَارَّهَا أَيْ وَلِّ الْعُقُوبَةَ وَالضَّرْبَ مَنْ تَوَلَّى الْعَمَلَ وَالنَّفْعَ وَالْقَارُّ الْبَارِدُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَلِّ شَدِيدَهَا مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرَانِ الْمُؤَنَّثَانِ رَاجِعَانِ إِلَى الْخِلَافَةِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِعُثْمَانَ رضي الله عنه، يَعْنِي وَلِّ مَشَاقَّ الْخِلَافَةِ مَنْ تَوَلَّى مَلَاذَّهَا فَإِنَّ الْحَرَارَةَ وَالْبُرُودَةَ مَثَلَانِ لِلْمَشَقَّةِ وَاللَّذَّةِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَكُلٌّ سُنَّةٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقَضِيَّتَيْنِ مَبْنَاهَا عَلَى السُّنَّةِ فَسَمَّى كِلْتَيْهِمَا سُنَّةً لِأَنَّهُمَا أُخِذَتَا مِنَ السُّنَّةِ، وَيُبَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» . قَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُ عَلِيٍّ كُلٌّ سُنَّةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُعَظِّمًا لِآثَارِ عُمَرَ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَقَوْلَهُ سُنَّةٌ وَأَمْرَهُ حَقٌّ وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ بِخِلَافِ مَا يَفْتَرِي الشِّيعَةُ عَلَيْهِ اه. وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ مَا اخْتَارَ الثَّمَانِينَ إِلَّا بِمَشُورَةِ عَلِيٍّ وَإِشَارَتِهِ وَكَانَ هَذَا عِنْدَ عُتُوِّ أَهِلِ الشُّرْبِ بِزِيَادَةِ الْفِسْقِ مِنَ الْهَذَيَانِ وَالْقَذْفِ وَالضَّرْبِ وَنَحْوِهَا فِي حَالِ سُكْرِهِمْ، فَرَأَوْا تَضْعِيفَ الْحَدِّ سِيَاسَةً مُنَاسِبَةً لِحَالِهِمْ مِنْ سُوءِ فِعَالِهِمْ وَقُبْحِ مَقَالِهِمْ وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي الْهِدَايَةِ: وَحَدُّ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ أَيْ مِنْ غَيْرِهَا ثَمَانُونَ سَوْطًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعُونَ إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى أَنْ يَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى تَعْيِينِ الثَّمَانِينَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
3615 -
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ» .
3615 -
(وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَنَسٍ ( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ» ) .
3616 -
وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ يُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
3616 -
(وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ يُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ) بِكَسْرِ هَمْزٍ وَسُكُونِ مِيمٍ أَيْ إِمَارَتِهِ وَخِلَافَتِهِ (وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ) أَيْ شَيْئًا مِنْ أَوَّلِ عَهْدِهِ (فَنَقُومُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ضَرْبِ الشَّارِبِ (بِأَيْدِينَا) أَيْ بِكُفُوفِنَا (وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا) وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَلْوُونَهَا وَيَضْرِبُونَهُ بِهَا وَأَرَادَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنَ الْأَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ (حَتَّى كَانَ) أَيْ وُجِدَ وَقَعَ (آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ أَيْ كَانَ الزَّمَانُ آخِرَ إِمَارَةِ عُمَرَ (فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ) أَيْ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّبْيِينِ (حَتَّى) أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى (إِذَا عَتَوْا) أَيْ أَهْلُ الشَّرَابِ بِأَنْ أَفْسَدُوا بِمُقْتَضَى فَسَادِ الزَّمَانِ وَانْهَمَكُوا فِي الطُّغْيَانِ (وَفَسَقُوا) أَيْ خَرَجُوا عَنِ الْحَدِّ وَتَجَاوَزُوا فِي الْعِصْيَانِ (جَلَدَ ثَمَانِينَ) أَيْ لِلسِّيَاسَةِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُخَالَفَةُ مَعَ أَنَّ الْعُتُوَّ هَلُمَّ جَرَّا فِي الزِّيَادَةِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ يُجْعَلَ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، قَالَ: فَجَعَلَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ» ، وَفِي الْمُوَطَّأِ: اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَرَى أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرَوَى الْحَدِيثَ مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أُخْرَى، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الشُّرَّبَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُونَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِذَا شَرِبَ إِلَخْ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضَرَبَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ» فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِجَرِيدَتَيْنِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ بِأَنِ انْكَسَرَتْ وَاحِدَةٌ وَأُخِذَتِ الْأُخْرَى، وَإِلَّا فَهِيَ ثَمَانُونَ، فَيَكُونُ مِمَّا رَأَى عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ إِلَخْ لَا يُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ اسْتَشَارَ فَوَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى تَقْدِيرِ الثَّمَانِينَ الَّتِي انْتَهَى عَلَيْهَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، يُبْعِدُهُ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَلَدَ ثَمَانِينَ وَمَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي جَلَدَ الثَّمَانِينَ بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتَ فِيهِ فَأَجِدَ مِنْهُ فِي نَفْسِي إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ، وَالْمُرَادُ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا، قَالَ: فَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام بِعَدَدٍ مُعَيِّنٍ ثُمَّ قَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى ثَمَانِينَ، وَبِهِمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى تَعْيِينِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَعْلُومُ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام عَدَمُ تَعْيِينِهِ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ لِزِيَادَةِ فَسَادٍ فِيهِ، ثُمَّ رَأَوْا أَهْلَ الزَّمَانِ تَغَيَّرُوا إِلَى نَحْوِهِ أَكْثَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ السَّائِبِ حَتَّى عَتَوْا وَفَسَقُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الزَّمَانَ كُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ فَسَادُ أَهْلِهِ أَكْثَرَ فَكَانَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام فِي أَمْثَالِهِمْ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ جَلْدِ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ بَعْدَ عُمَرَ فَلَمْ يَصِحَّ، وَذَلِكَ مَا فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ وَرَجُلٌ آخَرُ فَشَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ شَرِبَهَا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُهَا فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. الْحَدِيثَ.
الْفَصْلُ الثَّانِي
3617 -
عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
3617 -
(عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ إِنَّ مَنْ (شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ) الْمُرَادُ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ أَوِ الْأَمْرُ لِلْوَعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يَقْتُلُ وَقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ (قَالَ) أَيْ جَابِرٌ (ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ جِيءَ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ (بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ) فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْقَتْلَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا قَرِينَةٌ نَاهِضَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْتُلُوهُ مَجَازٌ عَنِ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ، مُبَالَغَةً لَمَّا عَتَا وَتَمَرَّدَ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخَذَ جَلْدَ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يُرِيدُ الْأَمْرَ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» . وَهُوَ لَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوَّلَ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَعَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهَا سَوَاءٌ شَرِبَ قَلِيلًا أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ طَائِفَةٍ شَاذَّةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقْتَلُ بَعْدَ جَلْدِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ قِيلَ: نَسَخَهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» . الْحَدِيثَ، وَحَدُّ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ كَمَا فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ وَهُوَ مَا سِوَى عَصِيرِ الْعِنَبِ مِنَ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: هُوَ حَرَامٌ يُجْلَدُ فِيهِ كَجَلْدِ شَارِبِ الْخَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْتَقِدُ إِبَاحَتَهُ أَوْ تَحْرِيمَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: لَا يَحْرُمُ وَلَا يُحَدُّ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هُوَ حَرَامٌ يُجْلَدُ بِشُرْبِهِ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ دُونَ إِبَاحَةٍ اه. وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) أَيْ عَنْ جَابِرٍ.
3618 -
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ.
ــ
3618 -
(وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَبِيصَةَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (ابْنِ ذُؤَيْبٍ) تَصْغِيرُ ذِئْبٍ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ.
3619 -
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ عَنْ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّرِيدُ إِلَى قَوْلِهِ فَاقْتُلُوهُ.
ــ
3619 -
(وَفِي أُخْرَى لَهُمَا) أَيْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ (وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ عَنْ نَفَرٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ (مِنْ إِعْجَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمُ ابْنُ عَمْرٍو وَمُعَاوِيَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالشَّرِيدُ) إِلَى قَوْلِهِ فَاقْتُلُوهُ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ حَدِّ الشُّرْبِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ ضَرَبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ عَادَ إِلَى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» . أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ سَكِرَ إِلَخْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ثُمَّ نُسِخَ الْقَتْلُ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ إِلَخْ قَالَ: «ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَزَادَ فِي لَفْظٍ وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدِ ارْتَفَعَ» . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ» فَكَانَ نَسْخًا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، فَرُفِعَ الْقَتْلُ فَكَانَ رُخْصَةً» . قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ فَقَالَ لَهُمَا: كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ اه. وَقَبِيصَةُ فِي صُحْبَتِهِ خِلَافٌ وَإِثْبَاتُ النَّسْخِ بِهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا أَثْبَتَهُ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ. الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ التَّارِيخِ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِالنَّسْخِ الِاجْتِهَادِيِّ أَيْ تَعَارُضًا فِي الْقَتْلِ فَرَجَحَ النَّافِي لَهُ فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ بِنَسْخِهِ فَإِنَّ هَذَا لَازِمٌ فِي كُلِّ تَرْجِيحٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
3620 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَزْهَرِ قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَقَالَ لِلنَّاسِ: اضْرِبُوهُ. فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَخَةِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي الْجَرِيدَةَ الرَّطْبَةَ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُرَابًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَمَى بِهِ فِي وَجْهِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3620 -
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَزْهَرِ) أَيِ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَهِدَ حُنَيْنًا رَوَى عَنْهُ ابْنَهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُ مَاتَ بِالْحَرَّةِ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الصَّحَابَةِ (قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيِ الْآنَ (إِذْ أُتِيَ بِرَجُلٍ) أَيْ فِي مَاضِي الزَّمَانِ وَفَائِدَتُهُ بَيَانُ اسْتِحْضَارِ الْقِصَّةِ كَالْعَيَانِ (قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَقَالَ لِلنَّاسِ: اضْرِبُوهُ. فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا) أَيْ بِجِنْسِهَا وَهَى بِالْأَلِفِ فِي الْأُصُولِ وَلَوْ وُجِدَتْ مَرْسُومَةً بِالْيَاءِ فَكَانَ بِكَسْرَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ الْعَصَا (وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَخَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْمِلْعَقَةِ هَكَذَا فِي الْأُصُولِ فَقَطْ، وَهِيَ الْعَصَا الْخَفِيفَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الدِّرَّةُ بِكَسْرِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ، وَرُوِيَ عَلَى غَيْرِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِتِّيخَةُ كَسِكِّينَةٍ الْعَصَا وَالْمِطْرَقُ الدَّقِيقُ، وَفِي النِّهَايَةِ: اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا فَقِيلَ: هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ تَشْدِيدِ التَّاءِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ بَعْدَ التَّاءِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِجَرَائِدِ النَّخْلِ وَأَصْلِ الْعُرْجُونِ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلْعَصَا وَقِيلَ لِلْقَضِيبِ الدَّقِيقِ اللَّيِّنِ وَقِيلَ: كُلُّ مَا ضُرِبَ بِهِ مِنْ جَرِيدٍ أَوْ عَصًا أَوْ دِرَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَصْلُهَا فِيمَا قِيلَ مِنْ تَيَّخَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ بِالسَّهْمِ إِذَا ضَرَبَهُ، وَقِيلَ: مِنْ يَتُخُّهُ
الْعَذَابَ وَطَيَّخَهُ إِذَا أَتَاحَ عَلَيْهِ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ مِنَ الطَّاءِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ خَرَجَ وَفِي يَدِهِ مَتِيخَةٌ فِي طَرَفِهَا خُوصٌ مُعْتَمِدًا عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ (قَالَ ابْنُ وَهْبٍ) أَيْ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِالْمِيتَخَةِ (الْجَرِيدَةَ الرَّطْبَةَ) وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ مُفَسِّرَةٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُرَابًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَمَى بِهِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ فَرَمَاهُ (فِي وَجْهِهِ) أَيْ فِي جَانِبِهِ وَجِهَتِهِ وَلَعَلَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا الْفِعْلُ حَتَّى اسْتَحَقَّ زِيَادَةَ عُقُوبَتِهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: رُمِيَ بِهِ إِرْغَامًا لَهُ وَاسْتِهْجَانًا لِمَا ارْتَكَبَهُ فَإِنَّهُ أَزَالَ أَشْرَفَ الْأَشْيَاءِ وَمَقَرَ تَكَالِيفَ اللَّهِ وَمَعْرِفَتَهُ بِأَنْجَسِ الْأَشْيَاءِ وَأَخْبَثِهَا اه. وَلَوْ قَالَ: بِأَنْجَسِ الْأَشْيَاءِ وَأَنْجَسِهَا لَكَانَ تَنْجِيسًا (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3621 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ. فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: بَكِّتُوهُ. فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ مَا خَشِيتَ اللَّهَ وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ وَلَكِنْ قُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3621 -
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ) أَيِ الْخَمْرَ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (فَقَالَ: اضْرِبُوهُ. فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ) أَيْ كَفِّهِ (وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ) أَيْ بِرِدَائِهِ الْمَلْوِيِّ (وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ) أَيْ مِنَّا هَذِهِ الْأَصْنَافُ (ثُمَّ قَالَ: بَكِّتُوهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنَ التَّبْكِيتِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيرُ بِاللِّسَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لِلْإِيجَابِ (فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مَاضٍ مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ (يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ) أَيْ مُخَالَفَتَهُ (مَا خَشِيتَ اللَّهَ) أَيْ مَا لَاحَظْتَ عَظَمَتَهُ أَوْ مَا خِفْتَ عُقُوبَتَهُ (وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ تَرْكِ مُتَابَعَتِهِ أَوْ مِنْ مُوَاجَهَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ (فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ) وَهُوَ دُعَاءٌ بِالْخِزْيِ وَالْفَضِيحَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8] وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ نَصِيحَةً بَلَى آلَ إِلَى فَضِيحَةٍ (قَالَ) أَيْ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَكَاشِفُ الْغُمَّةِ (لَا تَقُولُوا) خِطَابٌ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَوْ عَدَلَ عَنْهُ غَضِبَ عَلَيْهِ (لَا تَقُولُوا هَكَذَا) أَيْ مِثْلَ أَخْزَاكَ اللَّهُ أَيْ مِمَّا يَضُرُّهُ بَلْ قُولُوا كَمَا سَبَقَ مِمَّا يَنْفَعُهُ (لَا تُعِينُوا الشَّيْطَانَ) قَالَ الْقَاضِي: أَيْ بِنَحْوِ هَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ إِذَا أَخْزَاهُ الرَّحْمَنُ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَيِسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَانْهَمَكَ فِي الْمَعَاصِي أَوْ حَمَلَهُ اللِّجَاجُ وَالْغَضَبُ عَلَى الْإِصْرَارِ، فَيَصِيرُ الدُّعَاءُ وَصْلَةً وَمَعُونَةً فِي إِغْوَائِهِ وَتَسْوِيلِهِ (وَلَكِنْ قُولُوا) أَيْ أَوَّلًا أَوِ الْآنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ التَّبْكِيتُ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِقَوْلِهِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) أَيْ بِمَحْوِ الْمَعْصِيَةِ (اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) أَيْ بِتَوْفِيقِ الطَّاعَةِ أَوِ اغْفِرْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَارْحَمْهُ فِي الْعُقْبَى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3622 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ فَلُقِيَ يَمِيلُ فِي الْفَجِّ فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا حَاذَى دَارَ الْعَبَّاسِ انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ وَقَالَ: أَفَعَلَهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِشَيْءٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3622 -
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَرِبَ رَجُلٌ فَسَكِرَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (فَلُقِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رُؤِيَ (يَمِيلُ) حَالٌ مِنَ الْمُسْتَكِنِّ فِي لَقِيَ أَيْ مَائِلًا (فِي الْفَجِّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (فَانْطُلِقَ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ فَأُخِذَ وَأُرِيدَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا حَاذَى) أَيْ قَابَلَ (دَارَ الْعَبَّاسَ انْفَلَتَ) أَيْ تَخَلَّصَ وَفَرَّ (فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ) أَيِ الْتَجَأَ الشَّارِبُ إِلَيْهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ أَوِ اعْتَنَقَهُ مُتَشَفِّعًا لَدَيْهِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ بِمَكَّةَ ; لِأَنَّ دَارَ الْعَبَّاسِ بِهَا وَاقِعَةٌ فِي أَحَدِ شِعَابِهَا إِذْ لَيْسَتِ الدَّارُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَى الْعَبَّاسِ بِالْمَدِينَةِ فِي فَجٍّ مِنَ الْفِجَاجِ وَلَا مُقَارِبَةً مِنْهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِلزُّقَاقِ الْوَاسِعِ الْفَجُّ فَيَكُونُ بِالْمَدِينَةِ اه. وَفِيهِ أَنَّ لَقْيَهُ مَائِلًا فِي الْفَجِّ ثُمَّ انْطِلَاقَهُ وَوُصُولَهُ إِلَى مُحَاذَاةِ دَارِ الْعَبَّاسِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ دَارِ الْعَبَّاسِ فِي الْفَجِّ أَوْ
مُقَارِبَةً لَهُ (فَذُكِرَ ذَلِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ فَحُكِيَ مَا ذُكِرَ (لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ وَقَالَ: أَفَعَلَهَا) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ لِلْمَذْكُورَاتِ مِنَ الِانْفِلَاتِ وَالدُّخُولِ وَالِالْتِزَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَفَعَلَ الْفَعْلَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا فَالْفِعْلُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ اللَّازِمِ (وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ أَخَفُّ الْحُدُودِ وَأَنَّ الْخَطَرَ فِيهِ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْفَوَاحِشِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْعَبَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ أَوْ شَهَادَةِ عُدُولٍ وَإِنَّمَا لُقِيَ فِي الطَّرِيقِ يَمِيلُ فَظُنَّ بِهِ السُّكْرُ فَلَمْ يَكْشِفْ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَهُ عَلَى ذَلِكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3623 -
عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ ; فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنَّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3623 -
(عَنْ عُمَيْرِ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِالْيَاءِ (النَّخَعِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَنَصْبِ الْمِيمِ وَتُسَمَّى لَامَ الْجُحُودِ (عَلَى أَحَدٍ حَدًّا) قَالَ الطِّيبِيُّ: دَخَلَ اللَّامُ فِي خَبَرِ كَانَ تَأْكِيدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكَمْ} [البقرة: 143] وَقَوْلُهُ (فَيَمُوتَ) مُسَبَّبٌ مِنْ أُقِيمَ وَقَوْلُهُ (فَأَجِدَ) مُسَبَّبٌ عَنْ مَجْمُوعِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ اه وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا بِتَقْدِيرِ هُوَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنَا فِي الثَّانِي بَعْدَ فَإِنَّهُمَا وَالْمَعْنَى فَأُصَادِفَ (فِي نَفْسِي فِيهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِّ أَوِ الْمَحْدُودِ (شَيْئًا) أَيْ مِمَّا يُرِيبُنِي وَيُزْعِجُنِي (إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ) أَيْ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِمَّا سَبَقَ (وَدَيْتُهُ) أَيْ غَرِمْتُ دِيَتَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ أَجِدُ مِنْ حَدِّ صَاحِبٍ إِذَا مَاتَ شَيْئًا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مَا أَجِدُ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ شَيْئًا إِلَّا مِنْ مَوْتِ صَاحِبِ الْخَمْرِ فَيَكُونَ مُتَّصِلًا (وَذَلِكَ) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ أَوِ الْوِجْدَانُ أَوِ الِاسْتِثْنَاءُ (أَنَّ) أَيْ بِأَنَّ أَوْ ; لِأَنَّ (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنَّهُ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ لَا غَيْرُ أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ حَدًّا مَضْبُوطًا مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ فَجَلَدَهُ الْإِمَامُ أَوْ جَلَّادُهُ الْحَدَّ الشَّرْعِيَّ فَمَاتَ فَلَا دِيَةَ فِيهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى جَلَّادِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بِالتَّعْزِيرِ فَمَذْهَبُنَا وُجُوبُ ضَمَانِهِ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضَمَّنُ ثُمَّ فِي قَوْلٍ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّ نَفْعَ عَمَلِهِ يَرْجِعُ إِلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْغُرْمُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ لَهُمْ، عَلَيْهِمْ وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ ; لِأَنَّ أَصْلَ التَّعْزِيرِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَبَ فَالضَّرْبُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي التَّعْزِيرِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُبَاحًا، فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَمْ يُسَلَّمْ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا يَخُصُّ التَّعْزِيرَ وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ عِنْدَ ظُهُورِ الِانْزِجَارِ لَهُ فِي التَّعْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَمَا فِي الْفَسَادِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْفِعْلِ وَإِلَّا عُوقِبَ وَالسَّلَامَةُ خَارِجَةٌ عَنْ وُسْعِهِ إِذِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ بِسَبَبِهَا الْقَرِيبُ وَهُوَ مَا بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي التَّخْفِيفِ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْهُ بِهِ أَوْ بِفِعْلِ مَا يَقَعُ عَنْهُ زَاجِرًا وَهُوَ مَا هُوَ مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ وَقَدْ يَتَّفِقُ أَنْ يَمُوتَ الْإِنْسَانُ بِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْأَمْرُ بِالضَّرْبِ الْمُؤْلِمِ الزَّاجِرِ مَعَ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّهَا رَفْعُ الْجُنَاحِ فِي الْفِعْلِ وَإِطْلَاقُهُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِهِ فَصَحَّ تَقْيِيدُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَالِاصْطِيَادِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ إِذَا عَزَّرَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَمَنْفَعَتُهُ تَرْجِعُ إِلَيْهِ كَمَا تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ اسْتِقَامَتُهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَضْرِبُ ابْنَهُ وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إِذَا أَدَّبَ الصَّبِيَّ فَمَاتَ لَا يُضَمَّنُ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيِّ أَمَّا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ لَا يُضَمَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مَعَ أَنَّهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ