الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3527 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
3527 -
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَعَاطَى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُتَنَاوَلَ (السَّيْفُ مَسْلُولًا) : أَيْ: خَارِجًا عَنْ غِمْدِهِ حَذَرًا. مِنْ أَنْ يَقَعَ خَطَأً أَوْ يَحْصُلَ رَوْعٌ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ.
3528 -
وَعَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه، عَنْ سَمُرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
3528 -
(وَعَنِ الْحَسَنِ) : أَيِ: الْبَصْرِيِّ (عَنْ سَمُرَةَ) : أَيِ: ابْنِ جُنْدُبٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُقَدَّ) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُقْطَعُ طُولًا أَوْ مُطْلَقًا (السَّيْرُ) : أَيْ: دَوَالُّ النَّعْلِ (بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ) : لِئَلَّا تَعْقِرَ الْحَدِيدَةُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: النَّهْيُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَشَفَقَةٍ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
3529 -
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
3529 -
(وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) : أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قُتِلَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (دُونَ دِينِهِ) : أَيْ: قُدَّامَ دِينِهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُرِيكَ الْقَذَى دُونَهَا وَهِيَ دُونَهُ
أَوْ عِنْدَ حِفْظِ دِينِهِ. (فَهُوَ شَهِيدٌ) : وَهَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا قَصَدَ الْمُخَالِفُ مِنَ الْكَافِرِ أَوِ الْمُبْتَدَعِ خُذْلَانَهُ فِي دِينِهِ، أَوْ تَوْهِينَهُ وَهُوَ يَذُبُّ عَنْهُ، وَيَحْجِزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَرَادَ كَالْحَامِي يَذُبُّ عَنْ حَقِيقَتِهِ. (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ) : أَيْ: عِنْدَ مُحَافَظَةِ مَحَارِمِهِ (فَهُوَ شَهِيدٌ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قُصِدَ مَالُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ بِالْأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلَّا بِالْمُقَاتَلَةِ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالثَّلَاثَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: ( «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمِنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالضِّيَاءُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِلَفْظٍ جَامِعٍ، وَهُوَ:( «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ) .
3530 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ: بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ» -) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: (الرِّجْلُ جُبَارٌ) ذُكِرَ فِي (بَابِ الْغَضَبِ) .
وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ
ــ
3530 -
(وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ) : أَيْ: بِالْبَاطِلِ (عَلَى أُمَّتِي - أَوْ قَالَ: عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ.
(وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: (الرِّجْلُ) : أَيْ: رِجْلُ الدَّابَّةِ (جُبَارٌ) : أَيْ: هَدَرٌ (ذُكِرَ فِي بَابِ الْغَضَبِ) : فَإِسْقَاطُهُ عَنْ تَكْرِيرٍ مَعَ أَنَّ عَكْسَهُ هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْقَسَامَةِ]
(2)
بَابُ الْقَسَامَةِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
3531 -
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا حَدَّثَا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (كَبِّرِ الْكُبْرَ) - قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: يَعْنِي لِيَلِيَ الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ - فَتَكَلَّمُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْتَحِقُّوا قَتِيلَكُمْ أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ بِمِائَةِ نَاقَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[2]
- بَابُ الْقَسَامَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَهِيَ أَيْمَانٌ تُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْمُدَّعِينَ لِدَمِهِ عِنْدَ جَهَالَةِ الْقَاتِلِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقَسَمُ الْيَمِينُ، يُقَالُ: أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَقْسَامًا وَالْقَسَامَةُ اسْمٌ مِنْهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ قَسَامَةً وَقِيلَ: هِيَ الْأَيْمَانُ تُقْسَمُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ. قَالَ الشَّمَنِيُّ: الْقَسَامَةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ لِأَقْسَمَ، أَوِ اسْمٌ لِمَصْدَرِهِ، وَقِيلَ: أَهْلُ اللُّغَةِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ سُمُّوا بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتْلِ فِي الْمَحَلَّةِ، وَأَمَّا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَرُكْنَهَا. قَوْلُهُمْ: بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا حُرًّا عَاقِلًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي قَسَامَةِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ، وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوِ الْخَطَأِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: صُورَةُ قَتِيلِ الْقَسَامَةِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ وَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ قَتْلَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي كَأَنْ وَجَدَ فِي مَحَلَّتِهِمْ وَكَانَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا أَمْ لَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ: لَا يَجِبُ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ. فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَتَحَرَّاهُمُ الْوَلِيُّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَمَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ.
3531 -
(عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّ الْأَنْصَارِيَّ، «أَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا شَهِيدٌ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) وَانْفَضَّتْ جِرَاحَتُهُ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ (وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُثَلَّثَةٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَبَا عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (أَنَّهُمَا حَدَّثَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ أَبِي مُحَيِّصَةَ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ بِخَيْبَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْقَسَامَةِ. (وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَعْدٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ مُشَدَّدَتَيِ الصَّادِ صَحَابِيَّانِ. وَقَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ، فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّأِ: إِنَّ تَشْدِيدَ الْيَاءِ فِيهِمَا أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ، وَفِي التَّقْرِيبِ: يَجُوزُ فِيهِمَا تَشْدِيدُ الْبَاءِ مَكْسُورَةً، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا سَاكِنَةً، وَالْأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ. قُلْتُ: وَعَلَيْهِ النُّسَخُ الْمُصَحَّحَةُ وَالْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ. (أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ) : اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنَى النَّخِيلِ (فَقُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) : أَيْ: أَخُو الْقَتِيلِ (وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ) : وَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ أَعْمَامِ الْمَقْتُولِ (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمُوا) : أَيْ: أَرَادُوا التَّكَلُّمَ إِلَى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ) : أَيْ: قَتِيلِهِمْ (فَبَدَأَ) : أَيْ: بِالْكَلَامِ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ) : أَيْ: مِنَ الثَّلَاثَةِ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كَبِّرِ الْكُبْرَ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ: عَظِّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ يَعْنِي
قَدِّمْهُ بِالْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ عَظِّمْهُمْ بِتَفْوِيضِ الْكَلَامِ إِلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ الْكُبْرَ الْكُبْرَ أَيْ كَبِّرِ الْكُبْرَ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْكُبْرَ الْكُبْرَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: فُلَانٌ كَبُرَ قَوْمَهُ إِذَا كَانَ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى جَدِّهِ الْأَكْبَرِ إِرْشَادًا إِلَى الْأَدَبِ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ، وَرُوِيَ كَبِّرِ الْكُبْرَ أَيْ قَدِّمِ الْأَكْبَرَ (قَالَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) أَيِ الرَّاوِي (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ كَبِّرِ الْكُبْرَ (لِيَلِيَ الْكَلَامَ) بِالنَّصْبِ (الْأَكْبَرُ) بِالرَّفْعِ مِنْ وَلِيَ الْأَمْرَ وَتَوَلَّاهُ إِذَا فَعَلَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ هَذَا وَفِي النُّسَخِ لِيَلِيَ بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءَيْنِ وَالظَّاهِرُ سُكُونُ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَمَعَ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَمْ يَحْذِفْ حَرْفَ الْعِلَّةِ فِي الْمَجْزُومِ وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى كَبِّرِ الْكُبْرَ وَاللَّامُ لِلْأَمْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعِلَّةِ وَالتَّقْدِيرُ إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: كَبِّرِ الْكُبْرَ، لِيَلِيَ الْكَّلَامَ الْأَكْبَرُ فَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ الْأَكْبَرَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ وَبِالْبَدَاءَةِ بِالْكَلَامِ، وَجَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُدُودِ وَجَوَازُ وَكَالَةِ الْحَاضِرِ ; لِأَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْقَتِيلِ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا عَمِّهِ (فَتَكَلَّمُوا) أَيْ فَتَكَلَّمَ كَبِيرُهُمْ فِي قَتِيلِهِمْ (قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْتَحِقُّوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ تَغْلِيبًا لِلْوَارِثِ عَلَى غَيْرِهِ (قَتِيلَكُمْ) أَيْ دِيَتَهُ أَوْ قِصَاصَهُ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَئِمَّتِنَا وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ) شَكَّ الرَّاوِي (أَيْمَانُ خَمْسِينَ) بِالْإِضَافَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ (مِنْكُمْ) فِيهِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْيَمِينِ فِي الْقَامَةِ بِالْمُدَّعِي وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِهَا لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَلِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصَّ وَعِنْدَنَا يُبْدَأُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَضِيَّةِ سَائِرِ الدَّوَاعِي كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَفِيهِ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْإِفْتَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا بِطْرِيقِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ حُضُورِ الْخَصْمِ حِينَئِذٍ ; وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَقْتُولُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قِيلَ لَهُ: كَبِّرِ الْكُبْرَ. أَيْ لِيَتَكَلَّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، وَحَقِيقَةُ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقَضِيَّةِ فَإِذَا أُرِيدَ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْوَارِثُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً، وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَبِسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَارِثُ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمْعِ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ وَكَيْفِيَّةَ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَارِثِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ كَالْإِمَامَةِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ) أَيْ صُدُورُ الْقَتْلِ أَمْرٌ (لَمْ نَرَهُ) أَيْ لَمْ نُبْصِرْهُ أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ (قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا (يَهُودُ) أَيْ فَيَحْلِفُ الْيَهُودُ لِتُبَرِّيَكُمْ مِنْ أَنْ تَحْلِفُوا (فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ) بِالْإِضَافَةِ وَتَرْكِهَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ تِلْكَ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْلِيفِهِمْ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمْ وَبَرَاءَتِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَشَهَادَتِهِمْ قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِاسْتِحْقَاقِ الْيَمِينِ اسْتِحْقَاقَ دِيَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ» ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ قَتِيلِهِ دُونَ الْقِصَاصِ لِضَعْفِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ ابْتِدَاءٌ دَخِيلٌ فِي الْإِثْبَاتِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ وَحَصَلَ اللَّوْثُ فِي حَقِّهِمْ وَيُحَلِّفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَرَفُوا لَهُ قَتِيلًا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ أَرْبَابِ الْخُطَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَمِنْ سُكَّانِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ كُلُّهَا مُتَطَابِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ، وَجَعَلَ يَمِينَ الرَّدِّ عَلَى يَهُودَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ، فَإِيجَابُ الدِّيَةِ مَعَهَا يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ أَيْضًا، إِذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ الْيَمِينُ مَعَ الْغَرَامَةِ، بَلْ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِلْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ أَوَّلًا فَلَمْ يَحْلِفْ رُدَّ الْحَلِفُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنَّ مَنْ تُوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ حَلَفَ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُ الْكَفَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ) أَيْ هُمْ قَوْمٌ كَفَرَةٌ لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ أَوْ كَيْفَ تُعْتَبَرُ أَيْمَانُهُمْ (فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ أَعْطَاهُمُ الْفِدَاءَ (مِنْ قِبَلِهِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ أَيْ مِنْ عِنْدِهِ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا وَدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ أَيْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَرِهَ إِبْطَالَ
الدَّمِ وَإِهْدَارَهُ وَلَمْ يَرَ غَيْرَ الْيَمِينِ عَلَى الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ رَاضِينَ بِأَيْمَانِهِمْ وَاثِقِينَ عَلَيْهَا (وَفِي رِوَايَةٍ «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ» ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ وَيَثْبُتُ حَقُّكُمْ عَلَى مَنْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ (فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ أَعْطَى دِيَتَهُ (مِنْ عِنْدِهِ بِمِائَةِ نَاقَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ الشَّمَنِيُّ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إِذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضٍ مِنْ هُنَالِكَ ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْكُبْرَ الْكُبْرَ يُرِيدُ السِّنَّ، وَفِي لَفْظٍ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ قَالُوا: لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ قَالَ: تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا: لَيْسُوا مُسْلِمِينَ. وَفِي لَفْظٍ: كَيْفَ تُقْبَلُ أَيْمَانُ قَوْمٍ كَفَّارٍ، «فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ» قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ (وَهَذَا الْبَابُ خَالٍ عَنِ الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ لِخُلُوِّ الْمَصَابِيحِ هَذَا عَنْ ذِكْرِ الْحِسَانِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3532 -
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ، فَانْطَلَقَ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَلَكُمْ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُمْ يَهُودُ وَقَدْ يَجْتَرِؤُنَ عَلَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا قَالَ: فَاخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَاسْتَحْلِفُوهُمْ، فَأَبَوْا، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
3532 -
(عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ (مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ فَانْطَلَقَ أَوْلِيَاؤُهُ) أَيْ وَلَدُهُ وَابْنَا عَمِّهِ (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ: أَلَكُمْ شَاهِدَانِ) أَيْ عَدْلَانِ (يَشْهَدَانِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ هُنَاكَ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَتْلِ (أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا هُمْ يَهُودُ) قَالَ الطِّيبِيُّ: تَعْرِيفُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَإِتْيَانُ إِنَّمَا الْمُفِيدُ لِلْحَصْرِ مَعَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَصْفُ الَّذِي اشْتُهِرَ وَتُعُورِفَ مِنْهُمْ مِنَ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
يَعْنِي لَيْسَ لَنَا شَاهِدَانِ وَهُمْ أَدْهَى وَأَنْكَرُ مِنْ أَنْ يُبَاشِرُوا قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يُؤْخَذُونَ بِهِ (وَقَدْ يَجْتَرِؤُنَ عَلَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنَ النِّفَاقِ وَمُخَادَعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَحْرِيفِ الْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَاخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَاسْتَحْلِفُوهُمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ مَا قَبْلَهُ أَمْرَانِ (فَأَبَوْا) أَيْ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنِ اسْتِحْلَافِ الْيَهُودِ (فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَقُولُ: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ صَرِيحٌ فِي مَأْخَذِ مَذْهَبِنَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْقَسَامَةُ فِي مَيِّتٍ بِهِ جُرْحٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ قَيْدُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخَالِيَ مِنْهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَلَا دِيَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ الْأَثَرُ بِشَرْطٍ بَلِ الشَّرْطُ اللَّوْثُ وَهُوَ مَا يُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي مِنْ أَثَرِ دَمٍ عَلَى ثِيَابِهِ أَوْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَسْأَلِ الِاقْتِصَارَ هَلْ كَانَ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَمْ لَا وَلِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَعَصْرِ الْخُصْيَتَيْنِ وَضَرْبِ الْفُؤَادِ نَاشِبَةً مَنْ بِهِ أَثَرٌ، وَلَنَا أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الدِّيَةِ لِتَعْظِيمِ الدَّمِ وَصِيَانَتِهِ عَنِ الْهَدَرِ وَذَلِكَ فِي الْقَتْلِ دُونَ الْمَوْتِ حَتْفَ الْأَنْفِ، وَالْقَتْلُ يُعْرَفُ بِالْأَثَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ عَدَمُ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ شَرَطَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ قَالَهُ فَحِينَئِذٍ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا حُرًّا مُكَافِئًا مِنْهُمْ يَخْتَارُهُمُ الْوَلِيُّ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وَهَذَا حِكَايَةُ قَوْلِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ إِذَا حَلَفَ يَقُولُ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلَهُ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ ثُمَّ قَضَى عَلَى أَهْلِهَا الدِّيَةَ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه وَالشَّافِعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَبْدَأُ بِالْمُدَّعِينَ فِي الْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَهُوَ مَذْهَبُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِأَوْلِيَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ ابْتِدَاءً: وَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، وَقَوْلُهُ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ: أَفَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ رَجُلًا. وَلَنَا مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْيَمِينُ عَلَى