المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر المعصية إما من العبد أو من الله أو منهما] - منهاج السنة النبوية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل قول الرافضي إن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ]

- ‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه]

- ‌[حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعتهِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ]

- ‌[فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ]

- ‌[فصل مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله: لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ]

- ‌[الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ " والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه]

- ‌[شرك الفلاسفة وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ]

- ‌[أدلة الوحدانية عند الفلاسفة]

- ‌[الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين]

- ‌[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ]

- ‌[فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه]

- ‌[فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ

- ‌[فصل تابع رد ابن تيميَّة على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ]

- ‌[الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة]

- ‌[التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود]

- ‌[الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه]

الفصل: ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر المعصية إما من العبد أو من الله أو منهما]

وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ يَكُونَ: (1) اللَّهُ جَعَلَ هَذَا مُسْتَحِقًّا لِلْمَدْحِ وَالثَّوَابِ، وَهَذَا مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ فَإِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ هَذَا مُسْتَحِقًّا وَهَذَا مُسْتَحِقًّا، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُمْدَحَ هَذَا وَيُذَمَّ هَذَا (2) ، لَكِنَّ خَلْقَهُ لِهَذَيْنِ الزَّوْجَيْنِ كَخَلْقِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِكْمَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي خَلْقِ (3) الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَعَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيِّ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ وَالشُّكْرَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مُحْسِنًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ إِلَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مُسِيئًا (4) ، بَلْ مَنْ لَا يَقْدِرُ [اللَّهُ] أَنْ (5) يَجْعَلَهُ مُحْسِنًا وَلَا مُسِيئًا فَعِنْدَهُ (6) لَا مَدْحَ وَلَا ذَمَّ إِلَّا بِشَرْطِ عَجْزِ اللَّهِ [تَعَالَى](7) وَقُصُورِ مَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ، وَحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِدُونِ مُحْدِثٍ.

[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا]

(فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ](8) : " وَمِنْهَا التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْإِمَامُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ (9) ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقَالَ: الْمَعْصِيَةُ مِمَّنْ؟ فَقَالَ الْكَاظِمُ (10) : الْمَعْصِيَةُ إِمَّا

(1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

(2)

ع: لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُذَمَّ هَذَا وَيُمْدَحَ هَذَا.

(3)

أ، ب: فِي حَقِّ.

(4)

أ، ب: مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُسِيئًا

(5)

ن، م: مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ.

(6)

أ، ب: فَعِنْدَهُمْ.

(7)

تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(8)

الرَّافِضِيُّ: فِي (ع) فَقَطْ. وَالنَّصُّ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 8 (م) .

(9)

ك: مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ عليهما السلام.

(10)

ك: الْكَاظِمُ عليه السلام.

ص: 137

مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ (1) أَوْ مِنْهُمَا (2) ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ أَعْدَلُ وَأَنْصَفُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ (3) بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُمَا فَهُوَ شَرِيكُهُ، وَالْقَوِيُّ أَوْلَى بِإِنْصَافِ عَبْدِهِ الضَّعِيفِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْعَبْدِ (4) وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ وَقَعَ الْأَمْرُ (5) وَإِلَيْهِ تَوَجَّهَ (6) الْمَدْحُ وَالذَّمُّ. وَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَوَجَبَ لَهُ (7) الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ (8) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:" {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} ".

فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا، فَإِنَّ الْمَنْقُولَاتِ (9) إِنَّمَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي هَذَا الْبَابِ، كَيْفَ وَالْكَذِبُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ (10) مِنَ الْمُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَبِمَذْهَبِهِ، وَكَلَامُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى

(1) ك: أَوْ مِنْ رَبِّهِ ; ن، م: وَإِمَّا مِنَ اللَّهِ.

(2)

ن، م: وَإِمَّا مِنْهُمَا.

(3)

ك: وَيَأْخُذَهُ.

(4)

ن، م: وَقَعَتْ مِنَ الْعَبْدِ.

(5)

ك: وَقَعَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ.

(6)

أ، ب، ع: وَإِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ، ن: وَعَلَيْهِ تَوَجَّهَ.

(7)

أ، ب، ع: وَوَجَبَتْ لَهُ، م: فَوَجَبَتْ لَهُ.

(8)

ع، ن، م: وَالنَّارُ.

(9)

أ، ب: فَالْمَنْقُولَاتُ.

(10)

ع: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه.

ص: 138

الْقَدَرِيَّةِ (1) مَعْرُوفٌ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ (2) وَقَدْ بَسَطَ (3) الْحِجَجَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَبْسُطْهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَتْبَاعُهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ (4) مَذْهَبُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ، وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا (5) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُمْكِنُهُ (6) أَنْ يَحْكِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْهُ، بَلْ هُمْ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يُفْتَى بِقَوْلِهِمْ مَذْمُومُونَ مُعَيَّبُونَ مِنْ (7) أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ (8) ، فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتَصْوَبَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ؟

وَأَيْضًا فَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ (9) ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ. وَقُدَمَاءُ الشِّيعَةِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا شَاعَ فِيهِمْ رَدُّ (10) الْقَدَرِ مِنْ حِينِ اتَّصَلُوا بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهٍ (11) .

(1) ع: وَبِكَلَامِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ.

(2)

كَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: كِتَابُ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْلِيفٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ أَلَّفَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْعُظَمَاءُ الْأَقْدَمُونَ مِثْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ، وَهَذَا ابْنُ تَيْمِيَةَ صَاحِبُ الْإِحَاطَةِ التَّامَّةِ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ وَأَبْطَلَ قَوْلَ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَقْدَمِينَ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ إِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ.

(3)

أ، ب، م: وَبَسَطَ.

(4)

هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .

(5)

ب (فَقَطْ) : بِهَذَا.

(6)

ب فَقَطْ: فَلَا يُمْكِنُ.

(7)

ب مَعْدُودُونَ مِنْ، أ: مَعْيُوبُونَ مِنْ، م: مُتْعَبُونَ مِنْ.

(8)

أ، ب: وَالضَّلَالِ.

(9)

أ، ب: عَنْهُمْ بِذَلِكَ، ن: فَذَلِكَ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(10)

ع: إِنْكَارُ.

(11)

عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا الْمَحَلُّ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَلَمْ أَرَ مِنْ بَاحِثٍ مَعَ الْإِمَامِيَّةِ مِثْلَ ابْنِ تَيْمِيَةَ، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ، حَيْثُ أَحَاطَ بِمَقَالَاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَمِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ وَقُدَمَائِهِمْ، وَمُتَأَخِّرِيهِمْ إِحَاطَةً تَامَّةً، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَصَدَّرَ لِرَدِّ الْإِمَامِيَّةِ رَدًّا عَنِيفًا، إِلَّا أَنَّهُ أَيْنَ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ الْحَبْرِ الْمُحِيطِ بِمَذَاهِبِهِمْ وَفِرَقِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ رَاجِلًا فِي مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ لَكَانَ هُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَالْإِتْقَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْنَ مِثْلُهُ فِي التَّتَبُّعِ وَالْإِحَاطَةِ.

ص: 139

وَأَيْضًا، فَهَذَا الْكَلَامُ الْمَحْكِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُهُ أَصَاغِرُ الْقَدَرِيَّةِ وَصِبْيَانُهُمْ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حِينِ حَدَثَتِ الْقَدَرِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ (1) وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ، بَلْ حَدَثُوا فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ زَمَنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ (2) .

[وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَذِبٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إِنَّمَا اجْتَمَعَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ سَأَلَهُ (3) أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا اجْتَمَعَ بِهِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو حَنِيفَةَ (مِمَّنْ) (4) يَأْخُذُ عَنْهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بِالْعِلْمِ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ مِنْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ](5) ؟

(1) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ مُوسَى الْكَاظِمِ 2/460.

(2)

يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 5/244: وَالْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 7: ثُمَّ حَدَثَ فِي زَمَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ فِي الْقَدَرِ وَالِاسْتِطَاعَةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. وَقَدْ خَرَجَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَقُتِلَ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِينَ.

(3)

ع: مِمَّنْ يَسْأَلُهُ.

(4)

مِمَّنْ: فِي (ع) فَقَطْ.

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَهُوَ فِي (ع) ، (أ) ، (ب) ، وَفِي آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (أ) ، (ب) كَلِمَةُ انْتَهَى وَهِيَ لَيْسَتْ فِي (ع)، وَعَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي (ع) بِتَعْلِيقٍ جَاءَ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ جَعْفَرَ الصَّادِقَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِأَبِي حَنِيفَةَ نَهَاهُ عَنِ الْقِيَاسِ، فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَقَبُولًا لِهَذَا الْكَلَامِ:" ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ "، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَصِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِسَنَدِهَا الْمَسْرُودَةِ عَلَى جَعْفَرٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْفُرُوعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَمَدَارُ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ مِنَ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْخَبِيثَةِ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ عُظَمَاءُ الْأُمَّةِ وَكُبَرَاءُ الْمِلَّةِ عَلَى ذَمِّ الْقِيَاسِ فِي الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَالْحِكَايَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا مُسْتَجِي زَادَهْ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/196 - 197 وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا يَمْنَعُ إِنْ صَحَّتِ الْحِكَايَةُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَفَادَ مِنْهُ بَعْضَ الْعِلْمِ. وَانْظُرْ كِتَابَ " الْإِمَامُ الصَّادِقُ " لِمُحَمَّدٍ أَبِي زَهْرَةَ، ص \ 252 - 255 - 291 - 293 ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ بِدُونِ تَارِيخٍ.

ص: 140

وَمَا ذَكَرَهُ (1) فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، هُوَ أَصْلُ كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِي يَعْرِفُهُ عَامَّتُهُمْ وَخَاصَّتُهُمْ، وَهُوَ أَسَاسُ مَذْهَبِهِمْ وَشِعَارُهُ (2) ; وَلِهَذَا سَمَّوْا أَنْفُسَهُمُ الْعَدْلِيَّةَ، فَإِضَافَةُ هَذَا إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ لَوْ كَانَ حَقًّا لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ [لَهُ] وَلَا مَدْحٌ (3) ، إِذَا كَانَ صِبْيَانُ الْقَدَرِيَّةِ يَعْرِفُونَهُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَذِبًا مُخْتَلَقًا عَلَيْهِ؟

وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ (4) . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " الْمَعْصِيَةُ مِمَّنْ؟ " لَفْظٌ

(1) ن، م: وَمَا ذُكِرَ.

(2)

أ، ب: وَشِعَارُهُمْ.

(3)

ن، م: لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَلَا مَدْحٌ ; ع: لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ لَهُ وَلَا فَضِيلَةٌ.

(4)

ن، م: بِمُخْتَصَرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

ص: 141

مُجْمَلٌ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ وَالطَّاعَةَ عَمَلٌ وَعَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (1) ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْعَبْدِ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَتْ قَائِمَةً بِاللَّهِ [تبارك وتعالى](2) بِلَا رَيْبٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ يُقَالُ: هُوَ مِنَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ بَائِنًا عَنْهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ قَامَ بِهِ وَاتَّصَفَ بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (3) :{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 13](4)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 53] .

وَاللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 7] وَقَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 88] فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ.

فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى](5){اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 62] وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْفَلَقِ: 1، 2] وَالثَّالِثُ كَقَوْلِهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 10] وَ [قَدْ]

(1) أ، ب: بِغَيْرِ، وَفِي (ع) وَالطَّاعَةُ عَرَضٌ. . . إِلَخْ.

(2)

تبارك وتعالى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(3)

تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(4)

آيَةُ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ لَيْسَتْ فِي (ع) .

(5)

ن، م، ع: كَقَوْلِهِ.

ص: 142

قَالَ ن، م: قَالَ. فِي أُمِّ الْقُرْآنِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6، 7] فَذَكَرَ أَنَّهُ فَاعِلُ النِّعْمَةِ، وَحَذَفَ فَاعِلَ الْغَضَبِ، وَأَضَافَ الضَّلَالَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ [عليه السلام] (1) {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 80] ، وَلِهَذَا كَانَ لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَسَمَّى (2) نَفْسَهُ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخَيْرِ.

وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الشَّرُّ فِي الْمَفْعُولَاتِ، كَقَوْلِهِ:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 98](3)، وَقَوْلِهِ فِي آخِرِ سُورَةِ (4) الْأَنْعَامِ:{إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 165](* وَقَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ: (5){إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 167] . *) (6) وَقَوْلِهِ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 49، 50] وَقَوْلِهِ: {حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 13] .

وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَخْلُقُهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شَرٌّ (7) بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ

(1) عليه السلام: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(2)

ع: فَيُسَمَّى.

(3)

ع: كَقَوْلِهِ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

(4)

سُورَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

(5)

ن، م: وَفِي الْأَعْرَافِ.

(6)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(7)

ن، م: الشَّرُّ.

ص: 143

فَلَهُ فِيهَا (1) حِكْمَةٌ، هُوَ بِخَلْقِهِ لَهَا (2) حُمَيْدٌ مَجِيدٌ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، فَلَيْسَتْ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ شَرًّا وَلَا مَذْمُومَةً، فَلَا يُضَافُ إِلَيْهِ مَا يُشْعِرُ بِنَقِيضِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ (3) الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالصُّوَرِ الْمُسْتَقْبَحَةِ وَالْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَذِرَاتِ (4) لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ.

فَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ الْعَذِرَةُ وَهَذِهِ الرَّوَائِحُ الْخَبِيثَةُ مِنَ اللَّهِ، أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهُ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: الْقَبَائِحُ مِنَ اللَّهِ [أَوِ الْمَعَاصِي مِنَ اللَّهِ](5) ، قَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ ذَاتِهِ، كَمَا تَخْرُجُ مِنْ ذَاتِ الْعَبْدِ، وَكَمَا يَخْرُجُ الْكَلَامُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يُوهِمُ [ذَلِكَ] أَنَّهَا (6) مِنْهُ قَبِيحَةٌ وَسَيِّئَةٌ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ خَلْقُهُ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلَيْ (7) التَّفْوِيضِ وَالتَّعْلِيلِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لِلطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَعْرَاضِ: هَذَا الطَّعْمُ الْحُلْوُ وَالْمُرُّ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ، وَهَذِهِ الرَّوَائِحُ الطَّيِّبَةُ أَوِ الْخَبِيثَةُ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ (8)، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُوهِمُ إِذَا قِيلَ:

(1) أ، ب، م: لَهُ فِيهَا.

(2)

أ، ب: هُوَ يَخْلُقُهَا لَهَا، ن: هُوَ يَخْلُقُهُ لَهَا ; م: فَهُوَ يَخْلُقُهُ لَهَا.

(3)

ن، م: خَلَقَ.

(4)

ن، م: وَالْعَذِرَةِ.

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(6)

ن: وَيُوهِمُ أَنَّهَا، م: وَتُوهِمُ أَنَّهَا.

(7)

ع، م: بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلِ. . . إِلَخْ، وَفِي (ن) : بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ خَلْقُهُ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلِ. . . إِلَخْ.

(8)

ن: أَوْ مِنْ هَذَا الْعَيْنِ ; م: أَوِ الْغَيْرَةِ.

ص: 144

إِنَّهَا مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (1) ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ.

وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ (2) ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمُفَوِّضَةِ: أَقُولُ (3) فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ (4) فِي الْكَلَالَةِ، وَقَالَ عُمَرُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَشَرَعَهُ وَأَحَبَّهُ (5) وَرَضِيَهُ، وَالْخَطَأُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يُحِبَّهُ وَلَمْ يَشْرَعْهُ، بَلْ هُوَ مِمَّا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِنَفْسِي فَفَعَلْتُهُ بِأَمْرِ الشَّيْطَانِ، فَهُوَ مِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ.

وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مِنَ الْعَبْدِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ وَحَاصِلَةٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِهَا الْمُتَحَرِّكُ بِهَا، الَّذِي يَعُودُ حُكْمُهَا عَلَيْهِ (6)، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لِمَا اتَّصَفَ بِهِ الْمَحَلُّ وَخَرَجَ مِنْهُ (7) : هَذَا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ الرِّيحُ (8) مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَهَذَا الزَّرْعُ مِنْ

(1) ن، م: وَلَا يُحِبُّ الْفَحْشَاءَ.

(2)

ع، م: وَهَذَا كَقَوْلِ.

(3)

ع: لَمَّا سُئِلَ أَقُولُ ; أ، ب: لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْفَرِيضَةِ أَقُولُ، م: لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمُفَوِّضَةِ لَمَّا أَقُولُ.

(4)

ع: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه.

(5)

أ، ب: وَأَوْجَبَهُ.

(6)

ع: الَّذِي حُكْمُهَا يَعُودُ عَلَيْهِ.

(7)

مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(8)

أ، ب: هَذَا الرِّيحُ، ن، م: هَذِهِ الرَّوَائِحُ.

ص: 145

هَذِهِ الْأَرْضِ، فَلَأَنْ يُقَالُ مَا صَدَرَ مِنَ الْحَيِّ (1) بِاخْتِيَارِهِ: هَذَا مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهَا قَائِمَةً بِغَيْرِهِ وَجَعَلَهَا عَمَلًا لَهُ وَكَسْبًا وَصِفَةً (2) ، وَهُوَ خَلَقَهَا بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةِ نَفْسِهِ بِوَاسِطَةِ خَلْقِهِ لِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ (3) ، كَمَا يَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، فَيَخْلُقُ السَّحَابَ بِالرِّيحِ، [وَالْمَطَرَ بِالسَّحَابِ](4) ، وَالنَّبَاتَ بِالْمَطَرِ.

وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إِلَى خَالِقِهَا بِاعْتِبَارٍ، وَإِلَى أَسْبَابِهَا بِاعْتِبَارٍ، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ حَرَكَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَصِفَاتِهَا مِنْهُ، وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ الْمُتَّصِفِ بِهَا وَإِنْ كَانَ جَمَادًا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا (5) ؟

وَحِينَئِذٍ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ (6) لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ، كَمَا [أَنَّا] (7) إِذَا قُلْنَا: هَذَا الْوَلَدُ مِنْ هَذِهِ (8) الْمَرْأَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ، وَمِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ (9) لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ. وَإِذَا قُلْنَا هَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنْ (10) الشَّجَرَةِ، وَهَذَا الزَّرْعُ مِنَ الْأَرْضِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ حَدَثَ فِيهَا، وَمِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْهَا (11) ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ.

(1) أ: لِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ حَيٍّ، ب: لِمَا صَدَرَ مِنْ حَيٍّ، ن، م: لِمَا صَدَرَ مِنَ الْحَقِّ.

(2)

وَصِفَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

أ، ب: بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ، م: لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتِهِ.

(4)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

ع: فَكَيْفَ بِالْحَيَوَانِ ; ن: فَكَيْفَ إِذَا كَانَ حَيَوَانِيًّا.

(6)

أ، ب: فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ ; ن: فَلَا نُشْرِكُهُ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ.

(7)

أَنَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(8)

هَذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

(9)

ع، ن، م: بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ.

(10)

هَذِهِ هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

(11)

مِنْهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 146

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سُورَةُ الطُّورِ: 35] فَالْمَشْهُورُ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ رَبٍّ؟ وَقِيلَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ عُنْصُرٍ؟

وَكَذَلِكَ قَالَ مُوسَى (1) . لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15] .

وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 79] مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 78] . فَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا (2) النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ ; وَلِهَذَا قَالَ: مَا أَصَابَكَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا أَصَبْتَ.

كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 120]، وَقَوْلِهِ:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 50] فَبَيَّنَ أَنَّ النِّعَمَ وَالْمَصَائِبَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَالنِّعْمَةُ مِنَ اللَّهِ ابْتِدَاءً وَالْمُصِيبَةُ بِسَبَبٍ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ مَعَاصِيهِ (3) .

كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [سُورَةُ الشُّورَى: 30]، وَقَالَ فِي الْآيَةِ] (4) الْأُخْرَى:(5)

(1) ن، م: لَمَّا قَالَ مُوسَى

(2)

ن، م، ع: وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا.

(3)

أ، ب: وَهِيَ مُعَاقَبَةٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

(4)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) .

(5)

الْأُخْرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 147

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 165] ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ مُحْسِنٌ عَدْلٌ، كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى الْعَبْدِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا، وَلَا يُعَاقِبُهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَقَ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا لِحِكْمَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَكِيمٌ عَادِلٌ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

وَإِذَا كَانَ غَيْرُ اللَّهِ يُعَاقِبُ عَبْدَهُ (1) عَلَى ظُلْمِهِ وَإِنْ كَانَ (2) مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ (3) يَفْعَلُ مَصْلَحَةً اقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ، لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَعْذِيبِ حَيَوَانٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ (4) ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هِيَ مِنَ اللَّهِ خَلْقًا لَهَا (5) فِي غَيْرِهِ وَجَعْلًا لَهَا عَمَلًا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا [لَهُ] قَائِمًا بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ بِهِ مَنْفَعَةً إِلَيْهِ (6) أَوْ يَدْفَعُ بِهِ مَضَرَّةً، وَكَوْنُ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْفِعْلُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ حُكْمُهُ الْخَاصُّ انْتِفَاعًا بِهِ أَوْ تَضَرُّرًا (7) ، جِهَةً لَا تَصْلُحُ لِلَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا تَقُومُ

(1) ع، ن، م: الْعَبْدَ.

(2)

ن، م: فَإِنْ كَانَ.

(3)

ن، م: وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ، أ، ب: وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ، وَسَقَطَتْ قَدْ.

(4)

مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .

(5)

ن، م: خَلْقُهُ لَهَا.

(6)

ع: وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا قَامَ بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ إِلَيْهِ بَعْدُ مَنْفَعَةً، ن، م: وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا قَامَ بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ بِهِ إِلَيْهِ مَنْفَعَةً.

(7)

ن، م: مِنِ انْتِفَاعٍ بِهِ أَوْ تَضَرُّرٍ.

ص: 148

بِهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ، وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا، وَلَا تَعُودُ إِلَيْهِ أَحْكَامُهَا، الَّتِي تَعُودُ إِلَى مَوْصُوفَاتِهَا. وَكَوْنُ الرَّبِّ هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا عَمَلًا لِغَيْرِهِ بِخَلْقِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتِهِ (1) وَفِعْلِهِ جِهَةً لَا تَصْلُحُ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، وَهِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَإِذَا قِيلَ هِيَ فِعْلُ (2) اللَّهِ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا (3) مُفَعْوِلَةٌ لَهُ، [لَا أَنَّهَا](4) هِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ.

وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ [الْإِمَامِ] (5) أَحْمَدَ (6) وَهُوَ قَوْلُ [ابْنَيْهِ يَعْنِي ابْنَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى] (7) : الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ (8) وَ [الْقَاضِي] أَبِي الْحُسَيْنِ (9) وَغَيْرِهِمَا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، [فَنَحْنُ](10) نَقُولُ بِمُوجِبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْ عَبْدَهُ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ

(1) ن، م: يَخْلُقُ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ وَقُدْرَتَهُ.

(2)

سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(3)

ع، أ: بِهَا.

(4)

لَا أَنَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(6)

عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " وَهُمْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ " الْأَشْعَرِيَّ وَمَنْ تَابَعَهُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: التَّكْوِينُ عَيْنُ الْمُكَوَّنِ وَالْخَلْقُ عَيْنُ الْمَخْلُوقِ.

(7)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي (ن)، (م) : وَهُوَ قَوْلُ ابْنَيِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ. . . إِلَخْ.

(8)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ.

(9)

ن، م: وَأَبِي الْحُسَيْنِ.

(10)

فَنَحْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .

ص: 149

إِلَّا بِمَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَقُوَّتِهِ (1) لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ. وَأَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْعَبْدِ هُوَ الْمَلُومُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ يَلُومُهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، مَعَ إِقْرَارِهِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

وَجَمَاهِيرُ الْأُمَمِ مُقِرَّةٌ بِالْقَدَرِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَذُمُّونَ الظَّالِمِينَ (2) وَيُعَاقِبُونَهُمْ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ، كَمَا أَنَّهُمْ (3) يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ (4) الْحَيَوَانَاتِ الْمُضِرَّةِ وَالنَّبَاتَاتِ الْمُضِرَّةِ (5) وَهُمْ مَعَ هَذَا يَسْعَوْنَ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا وَشَرِّهَا. وَهُمْ أَيْضًا مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَاذِبَ وَالظَّالِمَ مَذْمُومٌ بِكَذِبِهِ وَظُلْمِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ سَيِّئٌ (6) فِيهِ، وَأَنَّ نَفْسَهُ (7) الْمُتَّصِفَةَ بِذَلِكَ خَبِيثَةٌ ظَالِمَةٌ لَا تَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ الَّذِي يُنَاسِبُ أَهْلَ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ.

وَلَيْسَ فِي [فِطَرِ](8) النَّاسِ أَنْ يَجْعَلُوا مُقَابَلَةَ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ ظُلْمًا لَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنْسَبَ إِلَى الظُّلْمِ لِذَلِكَ (9) ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ](10) . وَأَمَّا عَلَى

(1) ع: وَقُدْرَتِهِ.

(2)

أ، ب: الظَّلَمَةَ ; ن: الظَّالِمَ.

(3)

أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(4)

أ، ب: خَلَقَ.

(5)

ع: الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ الْمُضِرَّةِ.

(6)

أ، ب: مُسِيءٌ، ن، م: شَيْءٌ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

(7)

ع: وَأَنَّ وَصْفَهُ نَفْسَهُ.

(8)

فِطَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(9)

ن: بِذَلِكَ.

(10)

مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 150

طَرِيقَةِ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ وَالتَّفْوِيضِ فَالظُّلْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ لِذَاتِهِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، أَوْ تَعَدَّى مَا حُدَّ لَهُ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِكُلِّ حَالٍ (1) فَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يُمَثَّلُ بِالْخَلْقِ (2) لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَمَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَا تَنَزَّهَ عَنْهُ مِنَ النَّقْصِ فَهُوَ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ، وَمَا كَانَ سَائِغًا لِلْقَادِرِ الْغَنِيِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَائِغًا لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّنْ يُتَضَرَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ (3) ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لَنْ يَبْلُغُوا ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ وَلَنْ يَبْلُغُوا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ لَيْسَ ظَالِمًا (4) ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ ظُلْمًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ ظُلْمًا مِنَ الرَّبِّ، وَلَا مَا كَانَ قَبِيحًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ قَبِيحًا مِنَ الرَّبِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ.

تَحْقِيقُ (5) ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ لَلَزِمَ أَنْ يَقْبُحَ مِنْهُ أُمُورٌ فَعَلَهَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنِ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ (6) بَلْ يَعْصِيهَ فَيَسْتَحِقُّ (7) الْعِقَابَ، كَانَ (8) ذَلِكَ مِنْهُ عَبَثًا وَقَبِيحًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ لِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ.

(1) أ، ب: وَهُمْ مُمْتَنِعَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ.

(2)

ع: بِالْمَخْلُوقِ.

(3)

ن: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِنْ مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ ; م: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقُبْحُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ.

(4)

ن، م، ع: لَيْسَ بِظَالِمٍ.

(5)

ن، م، ع: تَحَقُّقُ.

(6)

ن، م: فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ.

(7)

أ، ب: وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ.

(8)

ن، م: لَكَانَ.

ص: 151

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مُرَادِي (1) مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ بَلْ مَفْسَدَةٌ، لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا [مِنْهُ](2) . وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لِمُرَادٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَا يَحْصُلُ، لَكَانَ (3) ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ.

وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّ [اللَّهَ] خَلَقَ (4) الْكُفَّارَ لِيَنْفَعَهُمْ وَيُكْرِمَهُمْ (5) وَأَرَادَ ذَلِكَ بِخَلْقِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ لَا يَنْتَفِعُونَ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَ الْعِبَادِ لَوْ رَأَى عَبِيدَهُ أَوْ إِمَاءَهُ (6) يَزْنُونَ وَيَظْلِمُونَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ، لَكَانَ مَذْمُومًا مُسِيئًا، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا مُسِيئًا.

وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ: هُوَ أَرَادَ بِخَلْقِهِ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَيُثِيبَهُمْ، فَخَلَقَهُمْ لِلنَّفْعِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ (7) لَا يَنْتَفِعُونَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَبِيحٌ مِنَ الْخَلْقِ وَلَا يَقْبُحُ مِنَ الْخَالِقِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ عَبِيدِهِ مِنَ الْقَبَائِحِ، فَمَنْعُهُ لَهُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُعَرِّضَهُمْ لِلثَّوَابِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ إِلَّا الْعِقَابُ، كَالرَّجُلِ الَّذِي يُعْطِي وَلَدَهُ أَوْ غُلَامَهُ مَالًا لِيَرْبَحَ فِيهِ (8) ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ سُمًّا يَأْكُلُهُ (9) ، فَمَنْعُهُ لَهُ مِنَ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ.

(1) ن: مِنْ مُرَادِي.

(2)

مِنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(3)

أ، ب: كَانَ.

(4)

ع، ن: إِنَّهُ خَلَقَ.

(5)

ن: وَيُلْزِمَهُمْ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

(6)

ع، ن، م: وَإِمَاءً.

(7)

ع، ن: بِأَنَّهُمْ.

(8)

ب فَقَطْ: مَالًا يَرْبَحُ فِيهِ.

(9)

أ، ب: يَشْتَرِي شَيْئًا يَأْكُلُهُ.

ص: 152

وَكَذَلِكَ إِذَا أَعْطَى غَيْرَهُ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ بِهِ إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ تَعْرِيضَ هَذَا لِلثَّوَابِ، وَاللَّهُ لَا يَقْبُحُ ذَلِكَ مِنْهُ (1) ، وَهَذَا (2) حَالُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةُ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ: قَاسُوا أَفْعَالَ اللَّهِ عَلَى أَفْعَالِ خَلْقِهِ، وَعَدْلَهُ عَلَى عَدْلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ.

[الْوَجْهُ](3) الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الطَّاعَةُ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.

كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128]، وَقَالَ:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] .

وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَالْعَبْدُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا ; لِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا (4) إِنْ كَانَ حَدَثَ بِنَفْسِ كَوْنِهِ فَاعِلًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَدَثَ (5) بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

(1) أ، ب، م: وَاللَّهُ لَا يَقْبُحُ مِنْهُ ذَلِكَ.

(2)

ع، ن، م: وَهَذِهِ.

(3)

الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(4)

ع: لِأَنْ يَكُونَهُ فَاعِلًا.

(5)

ع: يَحْدُثُ.

ص: 153