المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يستلزم أشياء شنيعة منها أن يكون الله أظلم من كل ظالم والرد عليه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل قول الرافضي إن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ]

- ‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه]

- ‌[حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعتهِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ]

- ‌[فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ]

- ‌[فصل مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله: لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ]

- ‌[الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ " والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه]

- ‌[شرك الفلاسفة وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ]

- ‌[أدلة الوحدانية عند الفلاسفة]

- ‌[الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين]

- ‌[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ]

- ‌[فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه]

- ‌[فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ

- ‌[فصل تابع رد ابن تيميَّة على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ]

- ‌[الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة]

- ‌[التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود]

- ‌[الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه]

الفصل: ‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يستلزم أشياء شنيعة منها أن يكون الله أظلم من كل ظالم والرد عليه]

وَأَمَّا أَمْرُ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيُرِيدُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: أَنْ قَصَدَ إِبْرَاهِيمُ الِامْتِثَالَ وَعَزَمَ (1) عَلَى الطَّاعَةِ، فَأَظْهَرَ (2) الْأَمْرَ امْتِحَانًا لَهُ وَابْتِلَاءً، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ نَادَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْخَمْسِينَ] (3) .

[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه]

[فَصْلٌ]

قَالَ الْمُصَنِّفُ (4) الرَّافِضِيُّ (5) : " وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ، لِأَنَّهُ يُعَاقِبُ الْكَافِرَ عَلَى كُفْرِهِ وَهُوَ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ الظُّلْمَ لَوْ عَذَّبَهُ عَلَى لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَقِصَرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ فِيهَا، كَذَا (6) يَكُونُ ظَالِمًا لَوْ عَذَّبَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي فَعَلَهَا فِيهِ ".

فَيُقَالُ: الظُّلْمُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْجُمْهُورِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَيْنِ: (7) أَحَدُهُمَا: أَنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ (8) ، وَغَيْرُ

(1) ع: وَعَزْمَهُ.

(2)

ب، أ: وَأَظْهَرَ.

(3)

وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْخَمْسِينَ: فِي (ع) فَقَطْ. وَمَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

الْمُصَنِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(5)

ن، م: الْإِمَامِيُّ. وَالْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ فِي (ك) 1/85 (م) - 86 (م) .

(6)

ب، أ: كَذَلِكَ.

(7)

ع، أ: قَوْلَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(8)

م (فَقَطْ) : وَابْنُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 20

هَؤُلَاءِ: (1) يَقُولُونَ: (2) إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَذِبِ (3) وَالظُّلْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ (4) الْقَبَائِحِ، وَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

قَالُوا: وَالدَّلَالَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الظُّلْمِ وَالْقَبِيحِ (5) مِنْهُ [أَنَّ الظُّلْمَ وَالْقَبِيحَ](6) مَا شَرَعَ اللَّهُ وُجُوبَ ذَمِّ فَاعِلِهِ، وَذَمَّ الْفَاعِلَ لِمَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِيمَا غَيْرُهُ أَمْلَكُ بِهِ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْهُ، فَوَجَبَ اسْتِحَالَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ [إِنَّهُ](7) لَمْ يَكُنْ آمِرًا لَنَا (8) بِذَمِّهِ، وَلَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ دُخُولُ أَفْعَالِهِ تَحْتَ تَكْلِيفٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ (9) ، وَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ تَصَرُّفًا فِي شَيْءِ غَيْرِهِ أَمْلَكَ بِهِ (10) ، فَثَبَتَ [بِذَلِكَ](11) اسْتِحَالَةُ تَصَوُّرِهِ فِي حَقِّهِ.

وَحَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الذَّمَّ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَمَنْ عَصَى الْآمِرَ (12)[الَّذِي فَوْقَهُ](13) ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْمُرَهُ أَحَدٌ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ.

(1) ب، أ: وَغَيْرُهُمْ.

(2)

ب، أ: وَلَا يَقُولُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(3)

ن، م: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَذِبِ.

(4)

أَنْوَاعِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

(5)

ع: وَالْقُبْحِ.

(6)

وَالْقَبِيحَ: فِي (ع) ، (م) فَقَطْ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " أَنَّ الظُّلْمَ وَالْقَبِيحَ " مِنْ (ن) .

(7)

إِنَّهُ: فِي (ع) فَقَطْ.

(8)

ب، أ: لَمْ يَكُنْ أَمَرَ النَّاسَ ; ن، م: لَمْ يَكُنْ لَنَا آمِرًا.

(9)

لِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(10)

ن: مِنْهُ.

(11)

بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(12)

ب (فَقَطْ) : أَمْرَ.

(13)

الَّذِي فَوْقَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 21

وَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ (1) إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ (2)، قَالَ: مَا خَاصَمْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ، قُلْتُ: لَهُمْ (3) أَخْبِرُونِي مَا الظُّلْمُ؟ قَالُوا: (4) أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ فِي مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ.

وَهُمْ (5) لَا يُسَلِّمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَذَّبَهُ بِسَبَبِ لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَقِصَرِهِ كَانَ ظَالِمًا حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْقِيَاسِ، بَلْ يُجَوِّزُونَ التَّعْذِيبَ لَا بِجُرْمٍ (6) سَابِقٍ وَلَا لِغَرَضٍ لَاحِقٍ. وَهَذَا الْمُشَنِّعُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الظُّلْمَ مَقْدُورٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ [مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَنُفَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ، كَالْكَرَامِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي خَازِمِ (7) . (8) وَغَيْرِهِ وَهَذَا](9) كَتَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [سُورَةُ طه 112] .

(1) ب، أ: يَرُدُّ عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

أَبُو وَاثِلَةَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةٍ الْمُزَنِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/304.

(3)

لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) فَقَطْ.

(4)

ع: قَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

ن، م: وَهَؤُلَاءِ.

(6)

ع: بِلَا ظُلْمٍ ; م: بِلَا جُرْمٍ.

(7)

ب، أ، ع،: أَبِي حَازِمٍ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَّاءِ. سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/143، 2/286

(8)

بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى

(9)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 22

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَغَيْرِ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ (1) فِي جِسْمِهِ مَرَضٌ (2) أَوْ عَيْبُ خُلُقٍ فِيهِ لَمْ يَحْسُنْ (3) ذَمُّهُ وَلَا عِقَابُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ ظَلَمَ ابْنُهُ أَحَدًا لَحَسُنَ (4) عُقُوبَتُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَقُولُونَ: الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لِغَيْرِهِ لَوِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَاحْتَجَّ ظَالِمُهُ بِالْقَدَرِ أَيْضًا (5) ، فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِهَذَا فَهُوَ حُجَّةٌ لِهَذَا، وَإِلَّا فَلَا. (6)

وَالْأَوَّلُونَ أَيْضًا يَمْنَعُونَ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَذَوِي الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْقَبَائِحِ وَالْمَظَالِمِ مَنْ هُوَ مُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ، أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاكَ تَمَذْهَبْتَ بِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِفَاعِلِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَظَالِمِ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَلُومَ (7) أَحَدٌ أَحَدًا، وَلَا يُعَاقِبَ أَحَدٌ أَحَدًا، فَكَانَ (8) لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ فِي دَمِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ مَا يَشْتَهِيهِ (9) مِنَ الْمَظَالِمِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ (10) .

(1) لَهُ ابْنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (م)، (ن) : لَهُ أَثَرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ب، أ: بَرَصٌ.

(3)

ب، أ: يُسْتَحْسَنُ.

(4)

ب، أ: يَحْسُنُ.

(5)

ب، أ: أَيْضًا بِالْقَدَرِ.

(6)

عِبَارَةُ: " وَإِلَّا فَلَا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ.

(7)

ن: أَنْ يَلْزَمَ ; م: أَنْ يَلْزَمَهُ.

(8)

ن، م، ب: وَكَانَ.

(9)

م: مَا شَاءَ.

(10)

ع، م: مُقَدَّرٌ عَلَيَّ ; ن: مَقْدُورٌ عَلَيَّ.

ص: 23

وَالْمُحْتَجُّونَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ أَعْظَمُ بِدْعَةً وَأَنْكَرُ قَوْلًا وَأَقْبَحُ طَرِيقًا مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِلْقَدَرِ، فَالْمُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمُ الْمُعَظِّمُونَ لِلْأَمْرِ (1) وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْقَدَرَ حُجَّةً لِمَنْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ وَفَعَلَ الْمَحْظُورَ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ (2) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلْحَقِيقَةِ (3) الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ (4) ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ وَلَا فِعْلِ مَحْظُورٍ (5) بِكَوْنِ ذَلِكَ مُقَدَّرًا (6) عَلَيْهِ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ.

وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي شَرٌّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ، وَهُمْ أَعْدَاءُ الْمِلَلِ. وَأَكْثَرُ مَا أَوْقَعَ النَّاسَ فِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ احْتِجَاجُ هَؤُلَاءِ بِهِ. وَلِهَذَا اتُّهِمَ بِمَذْهَبِ الْقَدَرِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُونُوا قَدَرِيَّةً، بَلْ كَانُوا (7) لَا يَقْبَلُونَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ (8)، كَمَا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَدَرِيًّا، فَقَالَ: النَّاسُ (9) كُلُّ مَنْ شَدَّدَ عَلَيْهِمُ الْمَعَاصِي، قَالُوا هَذَا قَدَرِيٌّ (10) وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ بِهَذَا السَّبَبِ (11) نُسِبَ إِلَى

(1) ن، م: الْمُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ، ع: الْمُعْصِمُونَ لِلْأَمْرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

لِلْحَقِيقَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(4)

ب، أ: لِلْقَدَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(5)

ب، أ: فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ.

(6)

ب، أ، م: مَقْدُورًا.

(7)

ن، م، ع: وَلَكِنْ كَانُوا.

(8)

ع: عَلَى الْمَعَاصِي لِلْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ.

(9)

النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ.

(10)

ن، م: هُوَ قَدَرِيٌّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 158، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَوْ بَرِئَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنَ الْقَدَرِ، مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْهُ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ، ص [0 - 9] 8، 335، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 9/303 - 307 الْأَعْلَامَ 7/61.

(11)

ب، أ: وَقَدْ قِيلَ لِهَذَا السَّبَبِ.

ص: 24

الْحَسَنِ (1) الْقَدَرُ، لِكَوْنِهِ كَانَ شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلْمَعَاصِي نَاهِيًا عَنْهَا، وَلِذَلِكَ نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ، وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوهُ (2) . فَيُقَالُ لِهَذَا (3) : وَإِنْكَارُ هَذَا الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَنَقَضْتَ قَوْلَكَ بِقَوْلِكَ.

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ: أَنَا كَافِرٌ بِرَبٍّ يُعْصَى، وَيَقُولُ: لَوْ قَتَلْتُ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَمْ أَكُنْ مُخْطِئًا (4) وَيَقُولُ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ: أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا يَخْتَارُهُ مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ (5) .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ احْتِجَاجَ آدَمَ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا (6) جَهْلٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَمْرًا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَنَهْيًا عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَذَمًّا لِمَنْ ذَمَّهُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا بُعِثُوا بِالْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ (7) ، وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (8) أَنْ يَعْصِيَ عَاصٍ لِلَّهِ مُحْتَجًّا بِالْقَدَرِ؟ وَلِأَنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِإِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَلَكِنْ كَانَ مَلَامُ مُوسَى لِآدَمَ [عليهما السلام](9) لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ (10)

(1) وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

(2)

مَا فَعَلُوهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .

(3)

أ: فَيُقَالُ هَذَا الْمُنْكَرَ، ب: فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُنْكَرِ.

(4)

ن، م، ع: مَا كُنْتُ مُخْطِئًا.

(5)

ع فَقَطْ: طَاعَاتِي.

(6)

ب: وَهُوَ. وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) .

(7)

ن، م، ع: بِطَاعَةِ اللَّهِ.

(8)

ب، أ: وَاحِدٌ مِنْهُمْ.

(9)

عليهما السلام: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.

(10)

ب، أ: لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ، م: بِسَبَبِ الْمُصِيبَةِ.

ص: 25

الَّتِي لَحِقَتْهُمْ بِسَبَبِ أَكْلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ (1) : لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ (2) مِنَ الْجَنَّةِ؟ .

وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْقَدَرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، لَا عِنْدَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي (3) ، فَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَيَسْتَغْفِرُ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [سُورَةُ غَافِرٍ 55] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الْأَيَّةِ [سُورَةُ الْحَدِيدِ 22] وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 11] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ [رضي الله عنه](4) : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.

و [لِهَذَا] قَالَ (5) غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ [وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] لَا يَبْلُغُ (6) الرَّجُلُ (7) حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.

فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالتَّسْلِيمِ لِذَلِكَ، هُوَ مِنْ حَقِيقَةِ (8) الْإِيمَانِ. وَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِيهَا بِقَدَرِ اللَّهِ

(1) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

(2)

وَنَفْسَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

ن، م: وَالْمَعَايِبِ.

(4)

رضي الله عنه: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

ن، م: وَقَالَ.

(6)

ن، م: مِنَ السَّلَفِ: لَا يَبْلُغُ ; ب، أ: مِنَ السَّلَفِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يَبْلُغُ. . .

(7)

ن، م: الْعَبْدُ.

(8)

ب، أ: لِذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ ; م: لِذَلِكَ مِنْ حَقِيقَةِ.

ص: 26

تَعَالَى (1) ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ (2) آدَمُ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ:(3) اثْنَانِ أَذْنَبَا ذَنْبًا: آدَمُ وَإِبْلِيسُ (4) فَآدَمُ تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ [وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ] ، وَإِبْلِيسُ (5) أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، فَمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ، وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ أَشْبَهَ إِبْلِيسَ.

وَإِذَا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ (6) وَبَيْنَ غَيْرِهِ مُسْتَقِرًّا فِي بَدَائِهِ (7) الْعُقُولِ، حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا فِي بَدَائِهِ (8) الْعُقُولِ أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ تُكْسِبُ نَفْسَ الْإِنْسَانِ صِفَاتٍ مَحْمُودَةً وَصِفَاتٍ مَذْمُومَةً، بِخِلَافِ لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ، فَإِنَّهَا لَا تُكْسِبُهُ ذَلِكَ.

فَالْعِلْمُ النَّافِعُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالصَّلَاةُ الْحَسَنَةُ، وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ: تُورِثُ الْقَلْبَ صِفَاتٍ مَحْمُودَةً. كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ لَنُورًا فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَسِعَةً فِي الرِّزْقِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ. وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ لَسَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً (9) فِي الْقَلْبِ، وَوَهَنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ.

(1) بِالْقَدَرِ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى.

(2)

ع: فَعَلَهُ.

(3)

ن، م:. . . آدَمُ قَالَ بَعْضَ السَّلَفِ.

(4)

ب، أ: إِبْلِيسُ وَآدَمُ.

(5)

ن: تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِبْلِيسُ؛ م: تَابَ وَإِبْلِيسُ؛ ب، أ: تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ وَهَدَاهُ، وَإِبْلِيسُ.

(6)

ب، أ، ن: بَيْنَ تَعْذِيبِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ.

(7)

ب، أ، ن: بَدَايَةِ.

(8)

ب، أ، ن: بَدَايَةِ.

(9)

ع: وَظُلْمًا.

ص: 27

فَفِعْلُ الْحَسَنَةِ لَهُ آثَارٌ مَحْمُودَةٌ مَوْجُودَةٌ (1) فِي النَّفْسِ وَفِي الْخَارِجِ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ (2) السَّيِّئَاتِ. وَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْحَسَنَاتِ سَبَبًا لِهَذَا، [وَالسَّيِّئَاتِ سَبَبًا لِهَذَا، كَمَا جَعَلَ أَكْلَ السُّمِّ سَبَبًا لِلْمَرَضِ وَالْمَوْتِ. وَأَسْبَابُ الشَّرِّ لَهَا أَسْبَابٌ تُدْفَعُ بِمُقْتَضَاهَا](3) ، فَالتَّوْبَةُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ تُمْحَى بِهَا السَّيِّئَاتُ، وَالْمَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا تُكَفَّرُ بِهَا السَّيِّئَاتُ، كَمَا أَنَّ السُّمَّ تَارَةً يَدْفَعُ مُوجِبَهُ بِالدَّوَاءِ، وَتَارَةً يُورِثُ مَرَضًا يَسِيرًا، ثُمَّ تَحْصُلُ الْعَافِيَةُ.

وَإِذَا قِيلَ: خَلْقُ الْفِعْلِ مَعَ حُصُولِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ (4) ظُلْمٌ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: خَلْقُ أَكْلِ (5) السُّمِّ ثُمَّ حُصُولِ الْمَوْتِ بِهِ ظُلْمٌ. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ هَذَا الْفَاعِلِ لِأَثَرِ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ، كَاسْتِحْقَاقِهِ لِأَثَرِهِ إِذَا ظَلَمَ الْعِبَادَ (6) .

وَهَذَا الْآنَ يَنْزِعُ (7) إِلَى مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ يَكُونُ سَبَبًا لِمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَحُصُولِ مَا يُلَائِمُهُ، وَسَبَبًا لِحُصُولِ مَضَرَّتِهِ، وَحُصُولِ مَا يُنَافِيهِ، قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ قَدْ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ وَصِفَةَ نَقْصٍ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي كَوْنِهِ [يَكُونُ](8) سَبَبًا لِلْعِقَابِ وَالذَّمِّ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ.

(1) مَوْجُودَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(2)

فِعْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

ع: تَدْفَعُ مُقْتَضَاهَا، وَالْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

م: ثُمَّ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ.

(5)

ن: آكِلِ، م: كُلِّ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ب) ، (أ) .

(6)

ن، م: الْعَبْدَ.

(7)

ب، أ: وَهَذَا إِلَّا أَنْ يَنْزِعَ.

(8)

يَكُونُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

ص: 28

وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (1) مَالِكٍ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (2) الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا النِّزَاعُ (3) يَرْجِعُ إِلَى الْمُلَاءَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ (4) ، وَالْمُنَفِّعَةِ وَالْمُضِرَّةِ، فَإِنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ مِمَّا يَضُرُّ الْعَبْدَ وَلَا يُلَائِمُهُ، فَلَا يَخْرُجُ الْحُسْنُ (5) وَالْقُبْحُ عَنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، فَالْحَسَنُ مَا حَصَّلَ الْمَحْبُوبَ الْمَطْلُوبَ الْمُرَادَ لِذَاتِهِ (6) ، وَالْقَبِيحُ مَا حَصَّلَ الْمَكْرُوهَ الْبَغِيضَ، فَإِذَا كَانَ الْحَسَنُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَالْقَبِيحُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَكْرُوهِ، بِمَنْزِلَةِ النَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ، وَلِهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ نَافِعًا إِذَا صَادَفَ حَاجَةً، وَيَكُونُ ضَارًّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَلِكَ الْفِعْلُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَكُونُ قَبِيحًا تَارَةً وَيَكُونُ حَسَنًا أُخْرَى.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَخْتَلِفُ، سَوَاءً كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْفَاعِلُ (7) بِغَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ، أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا فِي سَائِرِ مَا هُوَ نَافِعٌ وَضَارٌّ وَمَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ.

وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلَ الْيَقِينِيَّةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فَاللَّهُ خَالِقُهُ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ

(1) ب، أ: وَأَصْحَابِ.

(2)

ب، أ: وَأَصْحَابِ.

(3)

ن، م، ب، أ: النَّوْعُ.

(4)

ب، أ، ع: وَالْمُنَافَاةِ.

(5)

ب، أ: لِلْحُسْنِ.

(6)

ع (فَقَطْ) : الْمُرَادَ لَهُ.

(7)

ع (فَقَطْ) : سَوَاءً الْفَاعِلُ الْعَبْدُ.

ص: 29

لَمْ يَكُنْ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُمْكِنَاتِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ (1) الْعَبْدَ إِذَا فَعَلَ الْفِعْلَ فَنَفْسُ الْفِعْلِ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا بُدَّ لَهُ (2) مِنْ سَبَبٍ.

وَإِذَا قِيلَ: حَدَثَ بِالْإِرَادَةِ، فَالْإِرَادَةُ أَيْضًا حَادِثَةٌ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَبَبٍ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ (3) : الْفِعْلُ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَعَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِهِمْ (4) فَلَا (5) يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَكَوْنُ الْعَبْدِ فَاعِلًا لَهُ حَادِثٌ مُمْكِنٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ مُرَجِّحٍ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ حَادِثٍ وَحَادِثٍ. (* [وَالْمُرَجِّحُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَامًّا مُسْتَلْزِمًا (6) وُجُودَ الْمُمْكِنِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَعَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ يُمْكِنُ وُجُودَ الْفِعْلِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى، لَكَانَ مُمْكِنًا بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَجِّحِ، يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجَّحٍ، وَهَذَا الْمُرَجَّحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَامًّا مُسْتَلْزِمًا وُجُودَ الْفِعْلِ، (وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ)(7) مَعَهُ يُمْكِنُ (8) وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ الْفِعْلُ بِحَالٍ، وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلُ.

(1) ب، أ، م: أَنَّ.

(2)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ)، وَفِي (ن) : وَلَا بُدَّ لَهُ.

(3)

ب، أ: وَإِنَّ سَبَبَ قَلْبِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

(4)

ب، أ: وَعَلَى طَرِيقَةِ أَحَدِهِمْ، ن، م: وَطَرِيقَةُ بَعْضِهِمْ.

(5)

ع: لَا.

(6)

ع: يَسْتَلْزِمُ.

(7)

مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

(8)

ب، أ: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 30

فَعُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مُرَجِّحٌ تَامٌّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ هُوَ الدَّاعِي التَّامُّ (وَالْقُدْرَةُ)(1) وَهَذَا مِمَّا سَلَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ؛ سَلَّمُوا أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الدَّاعِي التَّامُّ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الدَّاعِيَ وَالْقُدْرَةَ خَلْقٌ لِلَّهِ عز وجل، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ (2) الَّذِينَ يَقُولُونَ:(إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ:)(3) إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً (4) يُكَوِّنُ بِهَا فِعْلُهُ، وَأَنَّ (5) الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، فَقَوْلُهُمْ فِي خُلُقِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (6) كَقَوْلِهِمْ فِي خَلْقِ سَائِرِ الْحَوَادِثِ بِأَسْبَابِهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْأَسْبَابَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَجْسَامِ وَيُنْكِرُ تَأْثِيرَ الْقُدْرَةِ (الَّتِي لِلْعَبْدِ)(7) الَّتِي بِهَا يُكَوِّنُ الْفِعْلَ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ أَصْلًا فِي فِعْلِهِ (8) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ (9) ، وَالْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ.

وَلَيْسَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَلَا جُمْهُورِهِمْ، بَلْ أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ

(1) وَالْقُدْرَةُ: فِي (ع) فَقَطْ.

(2)

ع: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ.

(3)

مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

(4)

ب، أ: وَاللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ وَقَدَّرَهُ. . . إِلَخْ.

(5)

ب، أ: فَإِنَّ.

(6)

ب، أ: بِإِرَادَةٍ وَقُدْرَةٍ.

(7)

الَّتِي لِلْعَبْدِ: فِي (ع) فَقَطْ.

(8)

ع فَقَطْ: أَصْلًا فِي فِعْلِهِ أَصْلًا.

(9)

ب، أ: كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ.

ص: 31

حِكْمَةً أَوْ رَحْمَةً، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ فِعْلٌ أَوْ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجَذْمَى وَيَقُولُ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يَفْعَلُ (مَثَلَ)(1) هَذَا؟ إِنْكَارًا لِأَنْ تَكُونَ لَهُ رَحْمَةً يَتَّصِفُ بِهَا، وَزَعْمًا مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مَشِيئَةٌ مَحْضَةٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِحِكْمَةٍ، بَلْ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ.

وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ لِحِكْمَةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ لِحِكْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ " لَامُ " كَيْ، لَا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَلَا فِي أَمْرِ اللَّهِ. (2) وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ فِي (3) طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ (4) .

وَقَوْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِهَا لَيْسَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَلَا قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ يَقُولُ بِقَوْلِ جَهْمٍ، فَالْكَلَامُ (5) إِنَّمَا هُوَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَهَذَا الِاسْمُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ

(1) مِثْلَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(2)

ب، أ: وَلَا فِي أَمْرِهِ.

(3)

ب، أ: مِنْ.

(4)

كَتَبَ مُسْتَجَى زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) : وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ الْقَدَرِيَّةُ فِي طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ، لِأَنَّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَفْعَالَ الْعِبَادِ بِقُدْرَتِهِمْ وَإِيجَادِهِمْ لَا مَدْخَلَ لِقُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ فِيهَا، وَعِنْدَ الْمُجْبِرَةِ أَنَّهَا بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ وَخَلْقِهِ لَا مَدْخَلَ لِقَدَرِ الْعَبْدِ وَإِيجَادِهِ فِيهَا. قُلْتُ: إِلَّا أَنَّهُ فُرِّقَ بَيْنَ قَوْلِ جَهْمٍ وَبَيْنَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ بِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ بِقُدْرَةٍ غَيْرِ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْعَبْدِ إِلَّا أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهَا، كَالنَّارِ الَّتِي يَخْلُقُ عِنْدَهَا الْإِحْرَاقَ، كَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي الْعَبْدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ، فَالنَّارُ وَالْقُدْرَةُ هُمَا سَبَبَانِ مَادِّيَّانِ لِأَثَرِهِمَا مِنَ الْإِحْرَاقِ وَالْفِعْلِ، لَا سَبَبَانِ حَقِيقِيَّانِ لَهُمَا، وَالْمُؤَثِّرُ الْحَقِيقِيُّ وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

(5)

ب، أ: وَالْكَلَامُ.

ص: 32

وَالتَّصَوُّفِ، وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْهُورُ طَوَائِفِهِمْ، لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا إِلَّا بَعْضُ الشِّيعَةِ، وَأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ الْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا قَوْلَ جَهْمٍ وَأَتْبَاعِهِ الْجَبْرِيَّةِ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ شَيْئًا مِنَ الْحَوَادِثِ أَفْعَالَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسَّنَةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ] (1) *) (2) .

وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ أَوْ أَفْعَالَ (3) الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَمَاءَ اللَّهِ وَأَرْضَهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.

وَاللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا يَخْلُقُ (4) لِحِكْمَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مَا قَدْ يَحْصُلُ بِهِ (5) ضَرَرٌ عَارِضٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَالْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ وَأَسْبَابِ ذَلِكَ، فَخَلْقُ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُهُ (6) مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً، (* وَإِذَا كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَفَهًا، وَإِذَا كَانَ الْعِقَابُ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيِّ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا. فَهَذَا الْحَادِثُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّبِّ لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ *)(7) يَحْسُنُ (8) لِأَجْلِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ وَبِالنِّسْبَةِ (9) إِلَى الْعَبْدِ عَدْلٌ، لِأَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى فِعْلِهِ، فَمَا ظَلَمَهُ اللَّهُ وَلَكِنْ هُوَ ظَلَمَ نَفْسَهُ.

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ (ن) ، (م) .

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ (وَالْمُرَجِّحُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ (ص [0 - 9] 0) . . . . . السَّلَفُ وَالْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ (ص 33) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

ن، م: وَأَفْعَالَ.

(4)

ن، م، ب، أ: مَا يَخْلُقُهُ.

(5)

م (فَقَطْ) : مَا يَحْصُلُ مِنْهُ.

(6)

ب (فَقَطْ) : أَسْبَابٌ.

(7)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.

(8)

ب، أ، ن: تَحْسُنُ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ.

(9)

ب، أ: بِالنِّسْبَةِ.

ص: 33

وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي عَاقَبَهُ عَلَى ظُلْمِهِ، لَوْ (1) عَاقَبَهُ وَلِيُّ أَمْرٍ عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَى النَّاسِ فَقَطَعَ (2) يَدَ السَّارِقِ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلًا (3) مِنْ هَذَا الْوَالِي؟ وَكَوْنُ الْوَالِي مَأْمُورًا بِذَلِكَ يُبَيِّنُ (4) أَنَّهُ عَادِلٌ.

لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا أَمَرَ الْغَاصِبَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ، وَضَمِنَ التَّالِفَ بِمِثْلِهِ، أَنَّهُ يَكُونُ حَاكِمًا بِالْعَدْلِ، وَمَا زَالَ الْعَدْلُ مَعْرُوفًا فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ. وَلَوْ قَالَ هَذَا الْمُعَاقَبُ: أَنَا قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ هَذَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا (5) حُجَّةً لَهُ، وَلَا مَانِعًا لِحُكْمِ الْوَالِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.

فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ إِذَا اقْتَصَّ (6) لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ فِي الْآخِرَةِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ، فَإِنْ (7) قَالَ الظَّالِمُ: هَذَا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيَّ، لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا صَحِيحًا وَلَا مُسْقِطًا لِحَقِّ الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَذَاكَ (8) لِحِكْمَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي الْفِعْلِ، فَخَلْقُهُ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِمَا [لَهُ](9) فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ الْمَخْلُوقُ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ (10) ، لِمَا عَلَيْهِ

(1) ب، أ: وَلَوْ.

(2)

ن، م: فَيَقْطَعُ.

(3)

ع: أَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَدْلًا ; ن، م: أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلٌ.

(4)

ن: يَتَبَيَّنُ، أ، ع: تَبَيَّنَ.

(5)

هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(6)

ب، أ: إِذَا اقْتَضَى.

(7)

ب، أ: فَإِذَا.

(8)

ب، أ: فَذَلِكَ.

(9)

لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ.

(10)

ن، م: وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ مِنَ الْمَخْلُوقِ هُوَ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ.

ص: 34

فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ الْوَالِي بِعُقُوبَةِ الظَّالِمِ يَسُرُّ الْوَالِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ (1) ، وَهُوَ عَدْلُهُ وَأَمْرُهُ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ يَضُرُّ الْمُعَاقَبَ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ.

وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا الْوَالِيَ كَانَ سَبَبًا فِي حُصُولِ ذَلِكَ الظُّلْمِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُلَامُ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ عُذْرًا لِلظَّالِمِ، مِثْلَ حَاكِمٍ شَهِدَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ (2) بِمَالٍ لِغَرِيمٍ (3) ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ أَوْ عُقُوبَتِهِ، حَتَّى أَلْجَأَهُ ذَلِكَ إِلَى أَخْذِ مَالٍ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ أَيْضًا يُعَاقِبُهُ [فِيهِ](4)، فَإِذَا قَالَ: أَنْتَ (5) حَبَسَتْنِي وَكُنْتَ عَاجِزًا عَنِ الْوَفَاءِ، وَلَا (6) طَرِيقَ لِي إِلَى الْخَلَاصِ إِلَّا أَخْذَ مَالِ هَذَا، لَكَانَ حَبْسُهُ الْأَوَّلُ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَعُقُوبَتُهُ ثَانِيًا عَلَى أَخْذِ مَالِ [الْغَيْرِ] (7) ضَرَرًا عَلَيْهِ وَالْوَالِي يَقُولُ: أَنَا حَكَمْتُ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، فَلَا ذَنَبَ لِي فِي ذَلِكَ، وَغَايَتِي أَنِّي أَخْطَأْتُ، وَالْحَاكِمُ إِذَا أَخْطَأَ لَهُ أَجْرٌ. وَقَدْ يَفْعَلُ كُلٌّ مِنَ الرَّجُلَيْنِ بِالْآخَرِ (8) مِنَ الضَّرَرِ مَا يَكُونُ فِيهِ (9) مَعْذُورًا، وَالْآخَرُ مُعَاقَبًا، بَلْ (10) مَظْلُومًا لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ.

(1) ن، م: لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ.

(2)

الْبَيِّنَةُ هُنَا الشَّاهِدَانِ، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ: وَالْبَيِّنَةُ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَحْسُوسَةً، وَسُمِّيَ الشَّاهِدَانِ بَيِّنَةً لِقَوْلِهِ عليه السلام: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.

(3)

ن، م: لِلْغَرِيمِ.

(4)

فِيهِ: فِي (ع) فَقَطْ.

(5)

أَنْتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(6)

ع: لَا، وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) .

(7)

ن، م، ع: عَلَى أَخْذِ الْمَالِ.

(8)

بِالْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(9)

ع: مَا لَا يَكُونُ فِيهِ. أ، ب: مَا يَكُونُ.

(10)

بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

ص: 35

وَهَذِهِ الْأَمْثَالُ لَيْسَتْ مِثْلَ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الِاخْتِيَارَ فِي الْمُخْتَارِ، وَالرِّضَا فِي الرَّاضِي، وَالْمَحَبَّةَ فِي الْمُحِبِّ. وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ.

وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ: جَبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ، كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: الْجَبْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ عَاجِزٍ، كَمَا يَجْبُرُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهَا.

وَاللَّهُ خَالِقُ الْإِرَادَةِ وَالْمُرَادِ، فَيُقَالُ: جَبَلَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَلَا يُقَالُ: جَبَرَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ](1) . (2) . (3) .

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جِهَةُ خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ غَيْرُ جِهَةِ أَمْرِهِ وَتَشْرِيعِهِ، فَإِنَّ أَمْرَهُ وَتَشْرِيعَهُ، مَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَنْفَعُ الْعِبَادَ إِذَا فَعَلُوهُ وَمَا يَضُرُّهُمْ، بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ بِمَا يَنْفَعُهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِمَصِيرِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، وَأَمَرَ بِمَا يُوصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ، وَنَهَى عَمَّا يُوصِلُ إِلَى الشَّقَاوَةِ.

(1) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: زِيَادَةٌ (ع) فَقَطْ

(2)

قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ " فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: " بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا " فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ

(3)

الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهم فِي مُسْلِمٍ 1/48 - 49 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1401 (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ الْحِلْمِ) الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ 3/23، 4/206. سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/483 (كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ فِي قُبْلَةِ الرَّجُلِ) . وَالْحَدِيثُ فِيهَا عَنْ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/247 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّأَنِّي وَالْعَجَلَةِ) .

ص: 36

وَخَلْقُهُ وَتَقْدِيرُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِجُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ يَفْعَلُ لِمَا فِيهِ حِكْمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومِ خَلْقِهِ، (1) وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّهُ يُنَزِّلُ الْمَطَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ الْعَامَّةِ وَالْحِكْمَةِ (2) وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَضَرُّرُ (3) بَعْضِ النَّاسِ بِسُقُوطِ مَنْزِلِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ (4) سَفَرِهِ وَتَعْطِيلِ مَعِيشَتِهِ وَكَذَلِكَ يُرْسِلُ نَبِيَّهُ [مُحَمَّدًا] صَلَّى (5) اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي إِرْسَالِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ سُقُوطُ رِيَاسَةِ قَوْمٍ وَتَأَلُّمِهِمْ بِذَلِكَ. فَإِذَا قُدِّرَ عَلَى الْكَافِرِ كُفْرُهُ، قَدَّرَهُ اللَّهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَعَاقَبَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا (6) ، وَلِمَا لَهُ فِي عُقُوبَتِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.

وَقِيَاسُ أَفْعَالِ اللَّهِ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ أَمَرَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَلِغَرَضِ السَّيِّدِ فَإِذَا أَثَابَهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حِكْمَةٌ يَطْلُبُهَا إِلَّا حُصُولَ ذَلِكَ [الْمَأْمُورِ بِهِ](7) وَلَيْسَ هُوَ الْخَالِقُ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يُعَوِّضِ الْمَأْمُورَ، أَوْ لَمْ (8) يَقُمْ بِحَقِّ عَبْدِهِ الَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ كَانَ ظَالِمًا كَالَّذِي يَأْخُذُ سِلْعَةً وَلَا يُعْطِي (9) ثَمَنَهَا، أَوْ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ.

(1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَمَكَانَهُ فِيهَا كَلِمَةُ " كَالْمَطَرِ ".

(2)

سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَمَكَانُهُ فِيهَا كَلِمَةُ كَالْمَطَرِ.

(3)

ن: يَتَضَرَّرُ، م: ضَرَرُ.

(4)

ن، م، ع: مِنْ.

(5)

ن، م: يُرْسِلُ نَبِيَّهُ صَلَّى. . .، ب: رِسَالَةُ نَبِيِّهِ صَلَّى، أ: بِرِسَالَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى. . .

(6)

ب، أ، م: مَقْدُورًا.

(7)

الْمَأْمُورِ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

ب، أ: وَلَمْ.

(9)

ب، أ: وَلَمْ يُعْطِ.

ص: 37

وَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الْعِبَادِ، إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى عِبَادِهِ بِالْأَمْرِ لَهُمْ، مُحْسِنٌ (1) لَهُمْ بِإِعَانَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَالِمًا صَالِحًا أَمَرَ النَّاسَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، ثُمَّ أَعَانَ بَعْضَ النَّاسِ (2) عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَلَمْ يُعِنْ آخَرِينَ، لَكَانَ مُحْسِنًا إِلَى هَؤُلَاءِ إِحْسَانًا تَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ عَاقَبَ الْمُذْنِبَ (3) الْعُقُوبَةَ الَّتِي يَقْتَضِيهَا عَدْلُهُ وَحِكْمَتُهُ (4) ، لَكَانَ [أَيْضًا] مَحْمُودًا عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ حِكْمَةِ [أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ] ، وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ (5) ؟ ! .

فَأَمْرُهُ (6) لَهُمْ إِرْشَادٌ وَتَعْلِيمٌ وَتَعْرِيفٌ (7) بِالْخَيْرِ، فَإِنْ أَعَانَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ قَدْ أَتَمَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَهُوَ مَشْكُورٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعِنْهُ وَخَذَلَهُ حَتَّى فَعَلَ الذَّنْبَ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةَ تَأَلُّمِ هَذَا، فَإِنَّمَا تَأَلَّمَ بِأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُورِثَهُ نَعِيمًا أَوْ أَلَمًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِيرَاثُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَجَعَلَهُ الْمُخْتَارَ (8) مُخْتَارًا مِنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَتَرْتِيبِ آثَارِ الِاخْتِيَارِ عَلَيْهِ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

(1) أ، ع: مُحْسِنًا، وَفِي (م)، (ن) : بِالْأَمْرِ لَهُمْ وَبِإِعَانَتِهِمْ. ن: وَبِإِعَانَتِهِ.

(2)

ن، م: ثُمَّ أَعَانَ بَعْضَهُمْ.

(3)

ن، م: الْمُذْنِبِينَ.

(4)

ب، أ: وَحُكْمُهُ.

(5)

ن، م: لَكَانَ مَحْمُودًا عَلَى فِعْلِ هَذَا وَهَذَا، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ حِكْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.

(6)

ب، أ: وَأَمْرُهُ.

(7)

ب، أ: وَتَعْرِيفُهُمْ.

(8)

ب، أ: لِلْمُخْتَارِ.

ص: 38

لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي نَفْسِ الْحِكْمَةِ الْكُلِّيَّةِ (1) فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ، فَهَذِهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ مَعْرِفَتُهَا، وَيَكْفِيهِمُ التَّسْلِيمُ لِمَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ (2) مَا لَوْ عَلِمَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَضَرَّهُمْ عِلْمُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. وَلَيْسَ اطِّلَاعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى حُكْمِ (3) اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَافِعًا لَهُمْ بَلْ قَدْ يَكُونُ ضَارًّا. قَالَ تَعَالَى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 101] .

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (4) : مَسْأَلَةُ غَايَاتِ أَفْعَالِ اللَّهِ وَنِهَايَةِ حِكْمَتِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَعَلَّهَا أَجْلُ الْمَسَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى مَسَائِلِ الْقَدَرِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْفِعْلِ (5) ظُلْمًا، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ قِيلَ (6) : إِنَّهُ مَقْدُورٌ، فَإِنَّ الظُّلْمَ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ أَنْ يُعَاقَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمَلِ غَيْرِهِ، فَأَمَّا عُقُوبَتُهُ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَهُوَ مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي بَابِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (7) بَيْنَ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ

(1) ب، أ: الْكَمِّيَّةِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ب (فَقَطْ) : الْعُلُومُ.

(3)

ب، أ: حِكْمَةِ

(4)

ب، أ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

(5)

الْفِعْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(6)

قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(7)

ب، أ، ع: وَالتَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

ص: 39

يَقِيسُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فِي عَدْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ، وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَجْعَلُونَ لِأَفْعَالِ (1) اللَّهِ حِكْمَةً (2) ، وَلَا يُنَزِّهُونَهُ عَنْ ظُلْمٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ مَا يُقَالُ: هُوَ عَدْلٌ وَإِحْسَانٌ، وَبَيْنَ مَا يُقَالُ هُوَ ظُلْمٌ.

وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَوِيَتْ بِهَا شَنَاعَاتُ (3) الْقَدَرِيَّةِ، حَتَّى غَلَوْا فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَدِينُ اللَّهِ عَدْلٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَبَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى اللَّوْنِ وَالطُّولِ (4) ، كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ الْمُعَاقَبُ بَعْضَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ خُلِقَ فِيهِ إِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كُلِّهِ (5) مَخْلُوقًا، كَمَا يُعَاقِبُهُ (6) غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ مَخْلُوقًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ " فَهَذَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَكُلُّ (7) مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ (8) عَاجِزًا عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ (9) يَقُولُونَ لَا يُكَلَّفُ

(1) ب، أ: أَفْعَالِ.

(2)

ب (فَقَطْ) : لِحِكْمَةٍ.

(3)

ب، أ: سَاعَاتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)

ب، أ: اللَّوْنِ وَالْقِصَرِ وَالطُّولِ.

(5)

ب، أ، م: وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ.

(6)

ب، أ: كَمَا يُعَاقَبُ.

(7)

ع: وَكُلُّ.

(8)

ب، أ، ن، م: وَلَكِنْ لَا يَكُونُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(9)

قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

ص: 40

الْعَبْدُ (1) مَا يَعْجَزُ عَنْهُ، وَلَكِنْ يُكَلَّفُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (2) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ (3) .

وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ. و [لَيْسَ] هَذَا (4) قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ (5) يُثْبِتُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهَذِهِ قَدْ تَكُونُ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ، لَا يُجَوِّزُونَ (6) أَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ بِقُدْرَةٍ مَعْدُومَةٍ [وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ](7) ، كَمَا لَا يُوجَدُ بِفَاعِلٍ مَعْدُومٍ.

وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَمَنْ قَابَلَهُمْ مِنَ الْمُثْبِتَةِ يَقُولُونَ: لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ.

وَقَوْلُ [الْأَئِمَّةِ] وَالْجُمْهُورِ (8) هُوَ الْوَسَطُ: أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ، وَقَدْ تَكُونُ مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ (9)[كَقُدْرَةِ الْمَأْمُورِ الْعَاصِي](10) ، فَإِنَّ تِلْكَ الْقُدْرَةَ تَكُونُ مُتَقَدِّمَةً (11) عَلَى الْفِعْلِ بِحَيْثُ تَكُونُ لِمَنْ لَمْ يُطِعْ (12)، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

(1) الْعَبْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(2)

ع: وَلَكِنْ يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ن، م: وَلَكِنْ لَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

(3)

م فَقَطْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ.

(4)

ن، م: وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

عِبَارَةُ ((بَلْ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ)) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(6)

ن، م، ع: لَا يَجُوزُ.

(7)

وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

ن، م: وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ.

(9)

ن، م: وَقَدْ تَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ.

(10)

عِبَارَةُ ((كَقُدْرَةِ الْمَأْمُورِ الْعَاصِي)) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(11)

ب، أ: مُقَدَّمَةً ; ن: مُقَدَّرَةً.

(12)

ن، م: عَلَى الْفِعْلِ تَكُونُ لِمَنْ يُطِيعُ.

ص: 41

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 97] فَأَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، فَلَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَّا مَنْ حَجَّ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ قَدْ وَجَبَ إِلَّا عَلَى مَنْ حَجَّ، وَلَمْ يُعَاقَبْ أَحَدٌ (1) عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ. وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ 16] ، فَأَوْجَبَ التَّقْوَى بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَلَوْ كَانَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّقْوَى لَمْ يَكُنْ قَدْ أَوْجَبَ التَّقْوَى إِلَّا عَلَى مَنِ اتَّقَى، وَلَا يُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَتَّقِ (2) ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّ الْقَدَرِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ (3) وَالشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، لِتَكُونَ صَالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ: الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَأَمَّا حِينَ الْفِعْلِ (4)[فَلَا يَكُونُ إِلَّا الْفِعْلُ، فَزَعَمُوا أَوْ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ](5) لَا يَكُونُ قَادِرًا ; لِأَنَّ الْقَادِرَ لَا بُدَّ أَنْ (6) يَقْدِرَ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَحِينَ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ قَادِرًا.

وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا حِينَ الْفِعْلِ، ثُمَّ أَئِمَّتُهُمْ قَالُوا: وَيَكُونُ أَيْضًا قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ. وَقَالَتْ (7) طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ

(1) ب، أ: وَلَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا.

(2)

م فَقَطْ: وَلَمْ يُعَاقِبِ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَتَّقِ.

(3)

ن، م، ع: الْقَدَرِيَّةَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.

(4)

ب، أ: وَأَمَّا مِنْ حِينِ الْفِعْلِ.

(5)

ب، أ: وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ، وَسَقَطَتِ الْعِبَارَاتُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) إِلَّا كَلِمَاتٍ قَلِيلَةً فِي (م) .

(6)

ع: لَا بُدَّ وَأَنْ.

(7)

ب، أ، ن: وَقَالَ.

ص: 42

قَادِرًا إِلَّا حِينَ الْفِعْلِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ عِنْدَهُمْ (1) فَإِنَّ الْقُدْرَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ، إِذْ لَوْ صَلَحَتْ لِلضِّدَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ أَمْكَنَ وُجُودَهَا مَعَ عَدَمِ (2) أَحَدِ الضِّدَّيْنِ، وَالْمُقَارِنُ لِلشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ (3) لَا يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ (4) الْمَلْزُومُ بِدُونِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ، وَمَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ [فَهُوَ] بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ (5) الْفَاسِدِ، وَهُوَ أَنَّ إِقْدَارَ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ (6) وَالْكَافِرَ وَالْبَرَّ وَالْفَاجِرَ سَوَاءٌ، فَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنَ (7) الْمُطِيعَ بِإِعَانَةٍ حَصَّلَ بِهَا الْإِيمَانَ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ إِعَانَتَهُ لِلْمُطِيعِ (8) وَالْعَاصِي سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الطَّاعَةَ ; وَهَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ. كَالْوَالِدِ الَّذِي أَعْطَى (9) كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ ابْنَيْهِ (10) سَيْفًا، فَهَذَا جَاهَدَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ، أَوْ أَعْطَاهُمَا مَالًا، فَهَذَا أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُطِيعِ [الْمُؤْمِنِ](11) نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ خَصَّهُ بِهَا دُونَ

(1) عِنْدَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

(2)

عَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ.

(3)

ب، أ: الْمُسْتَلْزِمُ لَهُ.

(4)

م فَقَطْ: فَإِنْ وُجِدَ.

(5)

ن: وَهَذَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ، م: وَهَذَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ.

(6)

ع: وَهُوَ إِقْدَارُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ.

(7)

الْمُؤْمِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(8)

ب، أ: إِعَانَةَ الْمُطِيعِ.

(9)

ب، أ: يُعْطِي.

(10)

م فَقَطْ: كُلًّا مِنْ وَلَدَيْهِ.

(11)

الْمُؤْمِنِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .

ص: 43

الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ إِعَانَةً لَمْ يُعِنْ بِهَا الْكَافِرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 7] ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ.

فَالْقَدَرِيَّةُ تَقُولُ: (1) هَذَا التَّحْبِيبُ وَالتَّزْيِينُ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ (2) ، أَوْ هُوَ (3) بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَإِظْهَارِ دَلَائِلِ الْحَقِّ. وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ:(أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) ، وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا رَاشِدِينَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] .

وَقَالَ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 122] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 53] .

وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 17] .

(1) ب، أ، م: يَقُولُونَ.

(2)

ب، أ: وَالتَّزْيِينُ عَلَى كُلِّ الْخَلْقِ.

(3)

ن، م: إِذْ هُوَ.

ص: 44

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ (1) يَقُولُوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .

وَالدُّعَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ حَاصِلٍ يَكُونُ (2) مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ غَيْرُ الْهُدَى الَّذِي هُوَ بَيَانُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَتَبْلِيغِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سُورَةُ النُّورِ: 21] .

وَقَالَ الْخَلِيلُ صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 41] .

وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُبَيِّنُ سبحانه وتعالى اخْتِصَاصَهُ (3) عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْهُدَى وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا (4) قُدِّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِعْلِ مِنَ الْفَاعِلِ كَمَا هِيَ مِنَ التَّارِكِ، كَانَ

(1) ب: بِأَنْ وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) .

(2)

ب، أ: غَيْرِ حَاصِلٍ بَلْ يَكُونُ.

(3)

ب: يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ، أ: يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَهُ، ن: تُبَيِّنُ تَعَالَى اخْتِصَاصَ ; م: يُبَيِّنُ اللَّهُ اخْتِصَاصَ.

(4)

ب، أ: فَإِذَا.

ص: 45

اخْتِصَاصُ الْفَاعِلِ بِالْفِعْلِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ (1) الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ إِثْبَاتَ الصَّانِعِ، فَإِنْ قَدَحُوا فِي ذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ.

وَغَايَتُهُمْ أَنْ قَالُوا: الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْجَائِعِ وَالْخَائِفِ. وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَسْبَابِ (2) الْمُوجِبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَمْتَنِعُ الرُّجْحَانُ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، إِنْ كَانَ لِقَوْلِهِ " يُرَجِّحُ " مَعْنَى زَائِدٌ عَلَى وُجُودِ الْفِعْلِ (3) فَذَاكَ هُوَ السَّبَبُ الْمُرَجِّحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى زَائِدٌ، كَانَ حَالُ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ (4) كَحَالِهِ (5) عِنْدَ الْفِعْلِ (6) ، ثُمَّ الْفِعْلُ حَصَلَ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى (7) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا (8) مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ.

فَلَمَّا كَانَ أَصْلُ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ فَاعِلَ الطَّاعَاتِ وَتَارِكَهَا كِلَاهُمَا فِي الْإِعَانَةِ وَالْإِقْدَارِ سَوَاءٌ، امْتَنَعَ عَلَى أَصْلِهِمْ (9) أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةٌ تَخُصُّهُ (10) ;

(1) ب، أ: تَرْجِيحَ أَحَدِ.

(2)

ع، أ، ب: فَإِنَّهُ مَعَ الْأَسْبَابِ.

(3)

ع، أ، ب، فَإِنَّهُ مَعَ الْأَسْبَابِ

(4)

سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَالْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ فِي (ع) فِيهَا. . كَانَ حَالُ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

ب، أ: لِحَالِهِ.

(6)

م فَقَطْ: كَحَالِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ.

(7)

ب: أَحَدُ الْحَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; أ: إِحْدَى الْحَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; م: أَحَدُ الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، ع: إِحْدَى الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى.

(8)

ب، أ: فَهَذَا.

(9)

م فَقَطْ: امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ.

(10)

ب: أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً تَخُصُّهُ ; أ: أَنْ يَكُونَ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً تَخُصُّهُ.

ص: 46

لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي تَخُصُّ الْفِعْلَ لَا تَكُونُ لِلتَّارِكِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْفَاعِلِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِحَالِ وُجُودِ الْفِعْلِ. ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْفِعْلِ، قَالُوا: لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَحَالَ وُجُودِ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ التُّرْكُ. فَلِهَذَا قَالُوا: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ (1) وُجُودَ الْأَثَرِ مَعَ عَدَمِ (2) بَعْضِ شُرُوطِهِ الْوُجُودِيَّةِ مُمْتَنِعٌ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْفِعْلِ، فَنَقِيضُ قَوْلِهِمْ حَقٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ (3) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قُدْرَةٌ، لَكِنْ صَارَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ هُنَا (4) حِزْبَيْنِ؛ حِزْبًا قَالُوا: لَا تَكُونُ الْقُدْرَةُ إِلَّا مَعَهُ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعٌ وَاحِدٌ [لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ (5) ] ، وَظَنًّا مِنْ بَعْضِهِمْ (6) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَرَضٌ فَلَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ.

وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مُصَحِّحٌ لِلْفِعْلِ يُمْكِنُ مَعَهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَهَذِهِ تَحْصُلُ (7) لِلْمُطِيعِ وَالْعَاصِي وَتَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذِهِ تَبْقَى (8) إِلَى حِينِ

(1) ن، م، ع: فَإِنَّ.

(2)

عَدَمِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(3)

سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

(4)

هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(5)

لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

ع فَقَطْ: وَظَنًّا مِنْهُمْ.

(7)

ب، أ: تَصْلُحُ.

(8)

ب، أ: وَهَذَا يَبْقَى.

ص: 47

الْفِعْلِ: إِمَّا بِبَقَائِهَا (1) عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ (2)، وَإِمَّا بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَبْقَى، وَهَذِهِ قَدْ تَصْلُحُ (3) لِلضِّدَّيْنِ.

وَأَمْرُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ مَشْرُوطٌ بِهَذِهِ الطَّاقَةِ، فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ مَنْ لَيْسَتْ مَعَهُ هَذِهِ الطَّاقَةُ، وَضِدُّ هَذِهِ الْعَجْزُ، وَهَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 25]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 42]، وَقَوْلُهُ فِي الْكَفَّارَةِ:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 4] فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ لِاسْتِطَاعَةِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا يَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ.

وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا (4) ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» "(5) ، فَإِنَّمَا نَفَى اسْتِطَاعَةً لَا فِعْلَ مَعَهَا.

(1) ب، م: إِمَّا بِنَفْسِهَا ; أ، ن: إِمَّا بِنَفْيِهَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

(2)

ن، م: عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَعْرَاضَ تَبْقَى.

(3)

ب، أ، م: وَهَذَا قَدْ يَصْلُحُ.

(4)

ن، م: فَجَالِسًا.

(5)

الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 2/48

ص: 48

وَأَيْضًا فَالِاسْتِطَاعَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي يَمْتَنِعُ (1) الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا، فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَدْ تَكُونُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ (2) ، فَالشَّارِعُ يُيَسِّرُ (3) عَلَى عِبَادِهِ، وَيُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ (4) فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

وَالْمَرِيضُ قَدْ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ مَعَ زِيَادَةِ مَرَضِهِ وَتَأَخُّرِ بُرْئِهِ، فَهَذَا فِي الشَّرْعِ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِأَجْلِ حُصُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمِّيهِ [بَعْضُ] النَّاسِ مُسْتَطِيعًا (5) .

فَالشَّارِعُ لَا يَنْظُرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَى مُجَرَّدِ إِمْكَانِ الْفِعْلِ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى لَوَازِمِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا مَعَ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اسْتِطَاعَةٌ شَرْعِيَّةٌ، كَالَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَحُجَّ مَعَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مَعَ زِيَادَةِ مَرَضِهِ، أَوْ يَصُومَ الشَّهْرَيْنِ مَعَ انْقِطَاعِهِ عَنْ مَعِيشَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (6) فَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدِ اعْتَبَرَ فِي الْمُكْنَةِ عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، فَكَيْفَ يُكَلِّفُ مَعَ الْعَجْزِ؟ ! .

وَلَكِنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ بَقَائِهَا إِلَى حِينِ الْفِعْلِ لَا تَكْفِي فِي وُجُودِ الْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَتْ كَافِيَةً لَكَانَ التَّارِكُ كَالْفَاعِلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِحْدَاثِ إِعَانَةٍ

(1) ن، م: تَمْنَعُ.

(2)

ب، أ: قَدْ تَكُونُ مَا يُتَصَوَّرُ بِالْعَقْلِ مَعَ عَدَمِهَا فَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ ; ع: قَدْ تَكُونُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ بِالْفِعْلِ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ ; ن، م: قَدْ تَكُونُ مَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ.

(3)

ن، م: فَإِنَّ الشَّارِعَ مُيَسِّرٌ.

(4)

أ، ب، ع: عَلَيْكُمْ.

(5)

ن، م: وَإِنْ كَانَ قَدْ يُسَمِّيهِ النَّاسُ مُسْتَطِيعًا ; ع: وَإِنْ كَانَ يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ مُطِيعًا.

(6)

وَنَحْوِ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

ص: 49

أُخْرَى تُقَارِنُ هَذِهِ (1) ، مِثْلَ جَعْلِ الْفَاعِلِ مُرِيدًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ (2) إِلَّا بِقُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ.

وَالِاسْتِطَاعَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ تَدْخُلُ فِيهَا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ، بِخِلَافِ الْمَشْرُوطَةِ فِي التَّكْلِيفِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِرَادَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى (3) يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُ بِهِ مَنْ لَوْ (4) أَرَادَهُ لَعَجَزَ عَنْهُ (5) .

وَهَذَا الْفُرْقَانُ هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَهَكَذَا أَمْرُ النَّاسِ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ (6) يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ الْعَبْدُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُهُ بِمَا يَعْجَزُ عَنْهُ الْعَبْدُ. وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُوَّةُ التَّامَّةُ (7) لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُسْتَلْزِمُ لِلْفِعْلِ مُقَارِنًا لَهُ، لَا يَكْفِي تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُقَارِنْهُ، فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِلْفِعْلِ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ، لَا تَتَقَدَّمُهُ. وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ [وَكَوْنَ الْفَاعِلِ قَادِرًا] ، وَالشَّرْطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ [الَّذِي بِهِ الْقَادِرُ يَكُونُ قَادِرًا] لَا يَكُونُ [الشَّيْءُ] مَعَ عَدَمِهِ بَلْ مَعَ وُجُودِهِ (8) ، [وَإِلَّا فَيَكُونُ الْفَاعِلُ (9) فَاعِلًا حِينَ لَا يَكُونُ قَادِرًا، أَوْ غَيْرُ (10) الْقَادِرِ لَا يَكُونُ قَادِرًا](11) .

(1) ب، أ: هَذَا.

(2)

لَا يَتِمُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(3)

ب، أ: فَاللَّهُ تَعَالَى ; ن، م: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ.

(4)

لَوْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(5)

ب (فَقَطْ) : فَعَجَزَ عَنْهُ.

(6)

ب، أ: فَالْإِنْسَانُ ; ن، م: وَالْإِنْسَانُ.

(7)

م (فَقَطْ) : وَالْإِرَادَةُ التَّامَّةُ.

(8)

ن، م: شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ، وَالشَّرْطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِهِ بَلْ مَعَ وُجُودِهِ.

(9)

ب، أ: وَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ.

(10)

أ، ب: وَغَيْرُ.

(11)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 50

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، الَّذِي يَذْكُرُهُ مِثْلَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا: لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِكَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا هُوَ كَوْنُهُ قَادِرًا، وَوَجَدْنَا كُلَّ مُصَحِّحٍ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَالْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْمُصَحِّحِ لَهُ. (* أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِكَوْنِ الْقَادِرِ الْعَالِمِ كَوْنُهُ حَيًّا، اسْتَحَالَ كَوْنُهُ عَالِمًا قَادِرًا مَعَ [عَدَمِ] (1) كَوْنِهِ حَيًّا وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ *) (2) الْمُصَحِّحُ لِكَوْنِ الْمُتَلَوِّنِ مُتَلَوِّنًا (3) وَكَوْنُهُ مُتَحَرِّكًا كَوْنُهُ جَوْهَرًا، اسْتَحَالَ كَوْنُهُ مُتَلَوِّنًا وَمُتَحَرِّكًا (4) وَلَيْسَ بِجَوْهَرٍ.

وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي حَالٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا قَادِرًا.

قَالُوا: وَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَا يُنْفَى وُجُودُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ (5) ، فَإِنَّ الْمُصَحِّحَ يَصِحُّ وُجُودُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ (6) وَبِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا يَصِحُّ وُجُودُ الْحَيَاةِ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَالْجَوْهَرِ بِدُونِ الْحَرَكَةِ.

وَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي مَسْأَلَةِ (7) حُدُوثِ الْعَالَمِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: الْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ تُحْدِثُ الدَّوْرَةَ الثَّانِيَةَ بِشَرْطِ انْقِضَاءِ الْأُولَى.

قِيلَ لَهُمْ: لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُحْدَثِ مِنَ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَكَوْنِ الْفَاعِلِ قَادِرًا (8)

(1) عَدَمِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

(2)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.

(3)

ن، م: الْمُتَكَوِّنِ مُتَكَوِّنًا.

(4)

ب: مُتَحَرِّكًا مُتَلَوِّنًا ; ن: مُتَكَوِّنًا وَمُتَحَرِّكًا ; م: مُكَوَّنًا وَمُتَحَرِّكًا.

(5)

ب، أ، م، ن: قَبْلَ ذَلِكَ.

(6)

ن، م: الشَّرْطُ.

(7)

ع: مَسَائِلِ.

(8)

ب: وَكَوْنِهِ قَادِرًا ; أ: وَكَوْنِ قَادِرًا.

ص: 51

تَامَّ الْقُدْرَةِ مُرِيدًا تَامَّ الْإِرَادَةِ، فَلَا يَكْفِي فِي الْإِحْدَاثِ مُجَرَّدُ وُجُودِ شَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ (1) عَلَى الْإِحْدَاثِ، فَكَيْفَ يَكْفِي مُجَرَّدُ عَدَمِ شَيْءٍ يَتَقَدَّمُ عَدَمُهُ عَلَى الْإِحْدَاثِ؟ بَلْ لَا بُدَّ حِينَ الْإِحْدَاثِ مِنَ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، ثُمَّ كَذَلِكَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُؤَثِّرٍ تَامٍّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا، لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يَتَّصِفُ بِمَا بِهِ يَفْعَلُ الْحَوَادِثَ الْمَخْلُوقَةَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ الْحَاصِلَةِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، (2) كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ (3) ، وَتَقْسِيمُهَا إِلَى نَوْعَيْنِ، يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ وَالِاضْطِرَابَ الْحَاصِلَ فِي هَذَا الْبَابِ.

وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ (4) مَنْ قَالَ: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، يَقُولُ: كُلُّ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ قَدْ كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُ (5) . وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتِهِمْ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ، وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، كَفَرَ أَوْ لَمْ يَكْفُرْ، وَأَوْجَبَ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْقَادِرِينَ دُونَ الْعَاجِزِينَ، فَعَلُوا أَوْ لَمْ يَفْعَلُوا.

وَمَا لَا يُطَاقُ يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ: يُفَسَّرُ بِمَا لَا يُطَاقُ (6) لِلْعَجْزِ عَنْهُ ; فَهَذَا لَمْ يُكَلِّفْهُ

(1) ب، أ: مُقَدَّمٍ.

(2)

م (فَقَطْ) : مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.

(3)

ع: الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ.

(4)

ب، أ: وَأَنَّ.

(5)

ع، ن، م: مَا لَا يُطَاقُ.

(6)

ب، أ: يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ مَا لَا يُطَاقُ.

ص: 52

اللَّهُ أَحَدًا. وَيُفَسَّرُ بِمَا لَا يُطَاقُ (1) لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ ; فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّكْلِيفُ (2) كَمَا فِي أَمْرِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَلَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ، وَيَأْمُرُهُ إِذَا كَانَ قَاعِدًا أَنْ يَقُومَ، وَيُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِالضَّرُورَةِ.

وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى نُكَتِهَا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ (3) .

وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (4) : " لَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ "(5) لَيْسَ [هُوَ](6) قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ يَقُولُونَ خَلَقَ لَهُ (7) الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي التَّكْلِيفِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا فِي الْعِبَادِ (8) إِذَا أَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَمَا يُوجَدُ مِنْ (9) الْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، بَلْ تَكْلِيفُ اللَّهِ أَيْسَرُ، وَرَفْعُهُ (10) لِلْحَرَجِ أَعْظَمُ. وَالنَّاسُ يُكَلِّفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَعْظَمَ مِمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ مَنْ يَخْدِمُ الْمُلُوكَ وَالرُّؤَسَاءَ وَيَسْعَى فِي طَاعَتِهِمْ، وَجَدَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لِلَّهِ (11) .

(1) ب، أ: أَحَدًا وَمَا لَا يُطَاقُ.

(2)

ن: وَقَعَ بِالتَّكْلِيفِ ; م: وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيفُ.

(3)

بِهَذَا الْمَوْضِعِ: سَاقِطٌ مِنْ (ب)، (أ) وَفِي (م) : عِنْدَ الْمَوْضِعِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)

ب، أ: وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ ; م: فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ.

(5)

عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن)، (م) : لِلْإِيمَانِ.

(6)

هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(7)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(8)

ع، م: الْعِبَادَاتِ.

(9)

ن، م: كَمَا يُوجَدُ فِي ; ع: فَمَا يُوجَدُ فِي.

(10)

ع، أ، ب: وَدَفْعُهُ.

(11)

ب، أ: فِي عِبَادَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى.

ص: 53