المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم والرد عليه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل قول الرافضي إن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ]

- ‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه]

- ‌[حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعتهِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ]

- ‌[فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ]

- ‌[فصل مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله: لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ]

- ‌[الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ " والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه]

- ‌[شرك الفلاسفة وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ]

- ‌[أدلة الوحدانية عند الفلاسفة]

- ‌[الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين]

- ‌[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ]

- ‌[فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه]

- ‌[فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ

- ‌[فصل تابع رد ابن تيميَّة على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ]

- ‌[الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة]

- ‌[التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود]

- ‌[الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه]

الفصل: ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم والرد عليه]

[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه]

(فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (1) : " وَمِنْهَا إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ إِذَا قَالَ لِلْكَافِرِ: آمِنْ بِي وَصَدِّقْنِي، يَقُولُ (2) قُلْ لِلَّذِي بَعْثَكَ يَخْلُقُ فِيَّ الْإِيمَانَ أَوِ الْقُدْرَةَ (3) الْمُؤَثِّرَةَ فِيهِ حَتَّى أَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِيمَانِ وَأُومِنَ بِكَ (4) ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تُكَلِّفُنِي الْإِيمَانَ وَلَا قُدْرَةَ لِي عَلَيْهِ؟ بَلْ خَلَقَ فِيَّ الْكُفْرَ (5) ، وَأَنَا لَا أَتَمَكَّنُ مِنْ مُقَاهَرَةِ (6) اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْقَطِعُ النَّبِيُّ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جَوَابِهِ ".

فَيُقَالُ: هَذَا مَقَامٌ يَكْثُرُ فِيهِ خَوْضُ النُّفُوسِ (7) ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ إِذَا أُمِرَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلَّلَ بِالْقَدَرِ، وَقَالَ: حَتَّى يُقَدِّرَ اللَّهُ لِي (8) ذَلِكَ، أَوْ يُقَدِّرُنِي اللَّهُ (9) عَلَى ذَلِكَ، أَوْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ ذَلِكَ (10)، وَكَذَلِكَ إِذَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَالَ: اللَّهُ قَضَى (11) عَلَيَّ بِذَلِكَ، أَيُّ حِيلَةٍ لِي فِي هَذَا؟ وَنَحْوِ (12) هَذَا الْكَلَامِ.

(1) م، ن: الْإِمَامِيُّ. وَالْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ فِي ك 86 (م) .

(2)

ب، أ، ن: يَقُولُ لَهُ.

(3)

م: وَالْقُدْرَةَ.

(4)

بِكَ: لَيْسَتْ فِي (ك) .

(5)

ك: بَلْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ الْكُفْرَ.

(6)

ن: مَا أُمَكَّنُ مِنْ مُعَارَفَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(7)

ب، أ، ن، م: يَكْثُرُ خَوْضُ النُّفُوسِ فِيهِ.

(8)

لِي: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (ن) .

(9)

لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (م) .

(10)

ن، م: أَوْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ.

(11)

ن، م: قَضَى اللَّهُ.

(12)

ب، أ: أَيُّ خِيلَةٍ لِي وَنَحْوِ. . . .

ص: 54

وَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ دَاحِضَةٌ (1) بِاتِّفَاقِ كُلِّ ذِي عَقْلٍ وَدِينٍ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، وَالْمُحْتَجُّ بِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْحُجَّةِ إِذَا احْتَجَّ بِهَا فِي (2) ظُلْمٍ ظَلَمَهُ إِيَّاهُ، أَوْ تَرَكَ (3) مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ، بَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ (4) مَا لَهُ عَلَيْهِ، وَيُعَاقِبُهُ عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ (5) مِنْ جِنْسِ شُبَهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الْعُلُومِ، فَكَمَا أَنَّكَ تَعْلَمُ فَسَادَهَا بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْرِضُ كَثِيرًا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ (6) حَتَّى قَدْ يَشُكُّ فِي وُجُودِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَارِفِ (7) الضَّرُورِيَّةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا يَعْرِضُ فِي الْأَعْمَالِ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهَا شُبْهَةٌ (8) فِي إِسْقَاطِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِبَاحَةِ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَعْلَمُ الْقُلُوبُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ بَاطِلَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَقْبَلُهَا أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ (9) عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَلَا يَحْتَجُّ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحُجَّةِ بِمَا فَعَلَهُ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ عِلْمٌ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ (10) وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ، لَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعَهُ عِلْمٌ بِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ (11) لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، أَوْ لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ أَوْ لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِهِ، لَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، بَلْ إِذَا كَانَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ.

(1) دَاحِضَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(2)

ن، م: عَلَى.

(3)

ب، أ: وَتَرَكَ.

(4)

مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(5)

هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(6)

ن: وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرًا تَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ. وَالْعِبَارَةُ مُحَرَّفَةٌ فِي (م) .

(7)

ب (فَقَطْ) : الْمَعَارِضُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(8)

ن، م: أَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ.

(9)

مِنْ أَحَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(10)

بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(11)

ن: أَنَّ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ ; م: أَنَّ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ.

ص: 55

وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148، 149] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَعْلَمُونَ بِفِطْرَتِهِمْ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ دَاحِضَةٌ بَاطِلَةٌ (1) .

فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ فِي مَالِهِ، أَوْ فَجَرَ بِامْرَأَتِهِ (2) أَوْ قَتَلَ وَلَدَهُ، أَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الظُّلْمِ فَنَهَاهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ هَذِهِ الْحُجَّةَ، وَلَا هُوَ يَقْبَلُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَا الْمُحْتَجُّ دَفْعًا لِلَّوْمِ بِلَا وَجْهٍ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَلْ (3) عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا بِأَنَّ هَذَا الشِّرْكَ وَالتَّحْرِيمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ (4) يَنْبَغِي فِعْلُهُ، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ، بِذَلِكَ إِنْ تَظُنُّونَ ذَلِكَ إِلَّا ظَنًّا، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ: تُحْرِزُونَ (5) وَتَفْتَرُونَ، فَعُمْدَتُكُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَنُّكُمْ وَخَرْصُكُمْ، لَيْسَ عُمْدَتُكُمْ (6) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَوْنَ اللَّهِ شَاءَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ لَا يَكُونُ (7) عُمْدَةً لِأَحَدٍ فِي الْفِعْلِ، وَلَا حُجَّةً لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا

(1) ب، أ: وَبَاطِلَةٌ.

(2)

ب، أ: لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ أَوْ حَرِجَ فِي مَالِهِ أَوْ فَرَجَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

ن: قُلْ هَلْ. . . .

(4)

مَصْلَحَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(5)

تُحْرِزُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب)، (أ) . وَحَرَزَ الشَّيْءَ يَحْرِزُهُ (بِضَمِّ زَايِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا) : قَدَّرَهُ بِالْحَدْسِ.

(6)

ب، أ: لَيْسَ فِي عُمْدَتِكُمْ.

(7)

ب، أ: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ لَا تَكُونُ، م، ن: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ.

ص: 56

عُذْرًا لِأَحَدٍ (1) ، إِذِ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي الْقَدَرِ (2) ، فَلَوْ كَانَ هَذَا حُجَّةً وَعُمْدَةً، لَمْ يَحْصُلْ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَادِلِ وَالظَّالِمِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ، وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ النَّاسَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَا يُفْسِدُهُمْ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ.

وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُحْتَجُّونَ (3) بِالْقَدَرِ عَلَى تَرْكِ مَا أَرْسَلَ [اللَّهُ] بِهِ رُسُلَهُ (4) مِنْ تَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، لَوْ (5) احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي إِسْقَاطِ (6) حُقُوقِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ، بَلْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَذُمُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، [وَيُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا](7) عَلَى فِعْلِ مَا يَرَوْنَهُ (8) تَرْكًا لِحَقِّهِمْ أَوْ ظُلْمًا، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ إِلَى حَقِّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ احْتَجُّوا بِالْقَدَرِ، فَصَارُوا يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى تَرْكِ حَقِّ رَبِّهِمْ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ بِمَا لَا يَقْبَلُونَهُ مِمَّنْ تَرَكَ حَقَّهُمْ (9) وَخَالَفَ أَمْرَهُمْ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ [بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه](10) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: (11) «يَا مُعَاذُ " أَتُدْرِي (12) مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ حَقُّهُ عَلَى

(1) م (فَقَطْ) : وَلَا عُمْدَةً لِأَحَدٍ.

(2)

ع: إِذَا كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي الْقَدَرِ.

(3)

ن، م: إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ.

(4)

ن: مَا يُرْسِلُ بِهِ رُسُلَهُ ; م: مَا أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ.

(5)

ن، م: وَلَوْ.

(6)

ب، أ: سُقُوطِ.

(7)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

ب: مَنْ يُرِيدُ ; أ: مَا يُرِيدُ.

(9)

م (فَقَطْ) : مِمَّنْ تَرَكَ بَعْضَهُمْ.

(10)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(11)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(12)

ب، أ: قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَتُدْرِي ; ن: قَالَ لَهُ: أَتُدْرِي.

ص: 57

عِبَادِهِ (1) أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتُدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ [حَقُّهُمْ عَلَيْهِ] أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» " (2) .

فَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ حَالُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ وَيَتْرُكُونَ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. وَهُمْ إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي تَرْكِ حَقِّ رَبِّهِمْ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، لَا فِي تَرْكِ مَا يَرَوْنَهُ حَقًّا لَهُمْ [وَلَا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِمْ](3) .

وَلِهَذَا تَجِدُ [كَثِيرًا مِنْ](4) الْمُحْتَجِّينَ بِهِ (5) وَالْمُسْتَنِدِينَ إِلَيْهِ مِنَ النُّسَّاكِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ، وَالْعَامَّةِ وَالْجُنْدِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، يَفِرُّونَ إِلَيْهِ عِنْدَ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ عِلْمٌ وَهُدًى لَمْ يَحْتَجُّوا بِالْقَدَرِ أَصْلًا، بَلْ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ (6) .

(1) ن، م: حَقُّهُ عَلَيْهِمْ.

(2)

م، ن: إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ. وَالْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 8/105 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ) وَأَوَّلُهُ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:" يَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. . . . الْحَدِيثُ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 9/114 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تبارك وتعالى ; مُسْلِمٍ 1/58 - 59 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) ; سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/135 - 136 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) ; سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1435 - 1436 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/260 - 261 (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) .

(3)

وَلَا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِمْ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ن) .

(4)

كَثِيرًا مِنْ: فِي (ع) فَقَطْ.

(5)

بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(6)

ن، م: الْعِلْمِ وَالْهُدَى.

ص: 58

وَهَذَا أَصْلٌ شَرِيفٌ مَنِ اعْتَنَى بِهِ عَلِمَ (1) مَنْشَأَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ (2) . وَلِهَذَا تَجِدُ الْمَشَايِخَ وَالصَّالِحِينَ (3) الْمُتَّبِعِينَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَثِيرًا مَا يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُ كَثِيرًا (4) مَا يَعْرِضُ لَهُمْ إِرَادَاتٌ فِي أَشْيَاءَ وَمَحَبَّةٌ لَهَا، فَيَتَّبِعُونَ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ ظَانِّينَ أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ (5) ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الظَّنُّ وَالذَّوْقُ وَالْوَجْدُ (6) الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَإِرَادَتِهَا، فَيَحْتَجُّونَ تَارَةً بِالْقَدَرِ (7) ، وَتَارَةً بِالظَّنِّ وَالْخَرْصِ، وَهُمْ مُتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا اتَّبَعُوا الْعِلْمَ، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم، خَرَجُوا عَنِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَاتَّبَعُوا مَا مَا جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَهُوَ الْهُدَى.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [سُورَةُ طه: 123] .

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ وَالزُّخْرُفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 20] فَبَيَّنَ (8) أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.

(1) ع، ن: مَنِ اعْتَنَى بِهِ عَرَفَ، م: مَنِ اعْتَمَدَ بِهِ عَرَفَ.

(2)

ع: وَالُغَىُّ بَيْنَ النَّاسِ.

(3)

ع: الْمَشَايِخَ الصَّالِحِينَ.

(4)

ب: يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِالْعِلْمِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ كَثِيرًا، أ: يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمُ بِالْعِلْمِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ كَثِيرًا، م: يُوصَفُونَ أَتْبَاعُهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا، ن: يُوصَفُونَ أَتْبَاعُهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُ كَثِيرًا

(5)

م فَقَطْ: أَهْوَاءَهُمْ مِيرَاثُهُمْ دِينُ اللَّهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(6)

ب: وَالْوِجْدَانُ، أ: وَالْوَاجِدُ

(7)

ن: بِالْقُدْرَةِ.

(8)

ب، أ: ن: فَتَبَيَّنَ.

ص: 59

وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149]

[أَيْ](1) بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 165]، ثُمَّ أَثْبَتَ الْقَدَرَ بِقَوْلِهِ:{فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149] ، فَأَثْبَتَ الْحُجَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَبَيَّنَ الْمَشِيئَةَ الْقَدَرِيَّةَ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ.

وَقَالَ فِي النَّحْلِ: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 35] ، بَيَّنَ (2) سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ تَكْذِيبٌ لِلرُّسُلِ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُجَّةً (3) لَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى تَكْذِيبِ كُلِّ صِدْقٍ وَفِعْلِ كُلِّ ظُلْمٍ، فَفِي فِطْرَةِ (4) بَنِي آدَمَ أَنَّهُ لَيْسَ حُجَّةً صَحِيحَةً، بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ احْتَجَّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الظَّنِّ (5) ، كَفِعْلِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ بِهَذِهِ الْمُدَافَعَةِ، بَلِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لِلَّهِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ.

كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ

(1) أَيْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ب، أ: فَبَيَّنَ.

(3)

ب، أ: فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ فَلَوْ كَانَ حُجَّةً، م، ن: فِيمَا جَاءُوا بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُجَّةً.

(4)

م، ن: فِطَرِ.

(5)

م، ن: بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ يَحْتَجُّ بِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ، ع: بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الظَّنِّ.

ص: 60

مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ". (1) . فَبَيَّنَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ (2) وَأَنْ يَعْذُرَ وَيُبْغِضَ الْفَوَاحِشَ، فَيُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَنْ لَا يُوصَفَ بِالظُّلْمِ (3) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مَنْ تَقَدَّمَ (4) إِلَى أَتْبَاعِهِ بِأَنِ افْعَلُوا كَذَا وَلَا تَفْعَلُوا كَذَا (5) وَبَيَّنَ لَهُمْ وَأَزَاحَ عِلَّتَهُمْ، ثُمَّ تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَأَفْسَدُوا أُمُورَهُ (6) كَانَ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ.

فَإِذَا قَالُوا: أَلَيْسَ اللَّهُ قَدَّرَ عَلَيْنَا هَذَا؟ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلْنَا هَذَا.

قِيلَ لَهُمْ: أَنْتُمْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ، وَلَا عِنْدَكُمْ مَا تَعْتَذِرُونَ بِهِ، يُبَيِّنُ (7) أَنَّ مَا فَعَلْتُمُوهُ كَانَ حَسَنًا أَوْ كُنْتُمْ مَعْذُورِينَ فِيهِ، فَهَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْكُمْ، وَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ وَالْإِعْذَارِ.

(1) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَفِي أَوَّلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 6/57 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ؛ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، بَابُ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) 7/35 (كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ الْغَيْرَةِ) 9/120 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) ، مُسْلِمٍ 4/2113 - 2114 (كِتَابُ التَّوْبَةِ بَابُ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى) ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/200 - 201 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) ، الْمُسْنَدَ ط الْمَعَارِفِ 5/219 - 220، 6/56 - 57، 59 سُنَنَ الدَّارِمِي 2/149 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي الْغَيْرَةِ) ، وَسَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9]60.

(2)

ب، أ: يُحِبُّ الْمَدْحَ.

(3)

ن، م: بِالظُّلْمِ وَيُبْغِضُ الْفَوَاحِشَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(4)

ب، أ: قَدَّمَ.

(5)

كَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) .

(6)

م: أَمْرَهُ ; ن: أَوَامِرَهُ، ب، أ: أُمُورَهُمْ.

(7)

ن: تَبَيَّنَ.

ص: 61

وَلَوْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ أَعْطَى قَوْمًا مَالًا لِيُوصِلُوهُ إِلَى بَلَدٍ (1) آخَرَ (2) فَسَافَرُوا بِهِ وَتَرَكُوهُ فِي الْبَرِّيَّةِ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَبَاتُوا فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ، وَكَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ قَدْ أَرْسَلَ جُنْدًا [لَهُ](3) يَغْزُونَ بَعْضَ الْأَعْدَاءِ، فَاجْتَازُوا تِلْكَ، الطَّرِيقَ فَرَأَوْا ذَلِكَ الْمَالَ فَظَنُّوهُ لُقَطَةً لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ فَأَخَذُوهُ وَذَهَبُوا، لَكَانَ يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يُعَاقِبَ الْأَوَّلِينَ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ (4) وَتَضْيِيعِهِمْ حِفْظَ مَا أَمَرَهُمْ بِحِفْظِهِ (5) .

وَلَوْ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ الْمَالَ مِنْهُمْ. قَالَ لَهُمْ (6) : هَذَا لَا يَجِبُ عَلَيَّ، وَلَوْ فَعَلْتُهُ لَكَانَ زِيَادَةَ إِعَانَةٍ لَكُمْ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا ذَلِكَ، كَمَا تُحْفَظُ (7) الْوَدَائِعَ وَالْأَمَانَاتِ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ قَائِمَةً، وَلَمْ يَكُنْ إِنْ عَاقَبَهُمْ ظَالِمًا (8) وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعِنْهُمْ بِالْإِعْلَامِ بِذَلِكَ الْجُنْدِ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمَصْلَحَةِ فِي إِرْسَالِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ.

وَاللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى حَكِيمٌ (9) عَدْلٌ فِي [كُلِّ] مَا يَفْعَلُهُ (10) ، وَلَا

(1) م (فَقَطْ) مَحَلِّهِ.

(2)

آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(3)

لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.

(4)

ب، أ: لِتَفْرِيطِهِمْ.

(5)

ب، أ: مَا أَمَرَهُمْ بِهِ.

(6)

ع: وَلَوْ قَالُوا لَهُ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ، لَقَالَ لَهُمْ ; م، ن وَلَوْ قَالُوا لَهُ أَنْتَ، (م: إِنَّكَ) ، لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تُرْسِلُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ لَقَالَ لَهُمْ ; ب، أ: وَلَوْ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ بَعْدَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ، (ب: يَحْتَرِزَ) ، الْمَالَ مِنْهُمْ قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ.

(7)

ب: كَمَا تَحْفَظُونَ، أ: كَمَا تَحْفَظُوا.

(8)

ب: وَلَمْ يَكُنْ يُدْعَى فِيهِمْ ظَالِمًا ; أ: وَلَمْ يَكُنْ إِذْ عَافِيهِمْ ظَالِمًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(9)

ب، أ: حَكَمٌ.

(10)

ب، أ: كُلِّ مَا جَعَلَهُ ; ن، م: فِيمَا يَفْعَلُهُ.

ص: 62

يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. فَإِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِحِفْظِ الْحُدُودِ وَإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ لِمَصْلَحَتِهِمْ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَعْرِيفِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ. وَإِذَا خَلَقَ أُمُورًا أُخْرَى، فَإِذَا فَرَّطُوا وَاعْتَدَوْا بِسَبَبِ خَلْقِهِ لِأُمُورٍ أُخْرَى (1) أَوْجَبَتِ (2) الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ، وَكَانَ لَهُ فِي خَلْقِ الْمَخْلُوقِ الثَّانِي حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ أُخْرَى (3) ، كَانَ عَادِلًا حَكِيمًا (4) فِي خَلْقِ هَذَا وَخَلْقِ هَذَا، وَالْأَمْرِ بِهَذَا وَالْأَمْرِ بِهَذَا. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُدَّ الْأَوَّلِينَ بِزِيَادَةٍ يَحْتَرِسُونَ (5) بِهَا مِنَ التَّفْرِيطِ وَالْعُدْوَانِ، لَا سِيَّمَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَوْ خَلَقَهَا لَلَزِمَ مِنْهَا تَفْوِيتُ مَصْلَحَةٍ أَرْجَحَ مِنْهَا (6) ، فَإِنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ أَحَدٌ بِالْقَدَرِ إِلَّا حُجَّةَ تَعْلِيلٍ، لِعَدَمِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ الَّذِي بَيَّنَهُ الْعِلْمُ (7) ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ حَيٌّ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ وَهَمَّامٌ» "(8) فَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ، وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ، وَالْهَمُّ مَبْدَأُ

(1) ب، أ: الْأُمُورَ الْأُخْرَى.

(2)

سَاقِطٌ مِنْ (ب)، (أ) وَفِي (م) فَقَطْ: مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ.

(3)

سَاقِطٌ مِنْ (ب)، (أ) وَفِي (م) فَقَطْ: مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ.

(4)

ب، أ: حَكَمًا.

(5)

م فَقَطْ: يَحْتَرِزُونَ.

(6)

مِنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(7)

م، ن: مِنْهُ الْعِلْمُ.

(8)

ع: وَالْهَمَّامُ. وَالْحَدِيثُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/394 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةٌ. وَالْحَدِيثُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4/345.

ص: 63

الْإِرَادَةِ [وَالْقَصْدِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ حَارِثٌ هَمَّامٌ، وَهُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ](1) وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْحِسِّ وَالشُّعُورِ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ مَسْبُوقَةٌ بِالشُّعُورِ بِالْمُرَادِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إِرَادَةٌ وَلَا حُبٌّ وَلَا شَوْقٌ وَلَا اخْتِيَارٌ وَلَا طَلَبٌ إِلَّا بَعْدَ الشُّعُورِ، وَمَا هُوَ [مِنْ] جِنْسِهِ (2) ، كَالْحِسِّ وَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْأُمُورِ. فَهَذَا الْإِدْرَاكُ وَالشُّعُورُ هُوَ (3) مُقَدِّمَةُ الْإِرَادَةِ وَالْحُبِّ وَالطَّلَبِ.

وَالْحَيُّ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ مَا يُلَائِمُهُ وَيَنْفَعُهُ (4) ، وَبِغَضِّ مَا يَكْرَهُهُ وَيَضُرُّهُ، فَإِذَا تَصَوَّرَ الشَّيْءَ الْمُلَائِمَ النَّافِعَ أَرَادَهُ وَأَحَبَّهُ (5) وَإِذَا (6) تَصَوَّرَ الشَّيْءَ الضَّارَّ أَبْغَضَهُ وَنَفَرَ عَنْهُ، لَكِنَّ ذَلِكَ التَّصَوُّرَ قَدْ يَكُونُ عِلْمًا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنًّا وَخَرْصًا، فَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مُرَادَهُ هُوَ النَّافِعُ، وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ الَّذِي يُلَائِمُهُ، كَانَ عَلَى الْهُدَى وَالْحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ (7) ، كَانَ مُتَّبِعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى نَفْسُهُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْمُ وَالْبَيَانُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَصْلَحَةً، أَخَذَ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ حُجَّةَ لَدَدٍ وَتَعْرِيجٍ (8) عَنِ الْحَقِّ (9) ، لَا حُجَّةَ اعْتِمَادٍ عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، فَلَا يَحْتَجُّ أَحَدٌ فِي بَاطِنِهِ أَوْ ظَاهِرِهِ بِالْقَدَرِ، إِلَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ (10) .

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ن: وَمَا هُوَ جِنْسُهُ، م: وَمَا هُوَ حَقُّهُ.

(3)

أ، ع: هِيَ، ن: وَهِيَ.

(4)

م، ع، أ، ب: مَا يَنْفَعُهُ وَيُلَائِمُهُ.

(5)

ع: أَرَادَهُ وَحَبَّهُ.

(6)

ب، أ: وَإِنْ.

(7)

ن: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِذَاكَ عِلْمٌ.

(8)

ب (فَقَطْ) : لَدَدٍ وَتَفْرِيجٍ.

(9)

عَنِ الْحَقِّ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(10)

ب، أ: لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَقُّ ; ن، م: لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ.

ص: 64

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الرُّسُلِ مُقِرًّا بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ بِهِ عِلْمٌ، [وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ](1) ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مُبْطِلًا فِي كَلَامِهِ، وَمَنِ احْتَجَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَتْ حُجَّتُهُ دَاحِضَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الْعِلْمَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ الْحَقَّ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الْحَقَّ وَيَدَعَ هَوَاهُ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِالْقَدَرِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ.

وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ انْقِطَاعًا لَوْ كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ سَائِغًا (2) ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا بُطْلَانًا ضَرُورِيًّا مُسْتَقِرًّا (3) فِي [جَمِيعِ](4) الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا، وَذَلِكَ (5) أَنَّهُ (6) مِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ أَنَّهُ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ (7) لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَنْ طَلَبَ دِينًا لَهُ (8) عَلَى آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أُعْطِيكَ (9) حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ الْعَطَاءَ، وَمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ (10) لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفْعَلُهُ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ فِعْلَهُ، وَمَنِ

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ن، م: سَابِقًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

ع: مُتَقَرِّرًا.

(4)

جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(5)

ب (فَقَطْ) : وَلِذَلِكَ.

(6)

سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَحْرِيفٌ فِي (ن) ، (م) .

(7)

سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَحْرِيفٌ فِي (ن) ، (م) .

(8)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(9)

ب، أ: مَا أُعْطِيكَ.

(10)

ب (فَقَطْ) : بِشَيْءٍ.

ص: 65

ابْتَاعَ شَيْئًا وَطَلَبَ (1) مِنْهُ الثَّمَنَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَقْضِيهِ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ الْقَضَاءَ أَوِ الْقُدْرَةَ (2) عَلَى هَذَا.

وَهَذَا أَمْرٌ جَبَلَ [اللَّهُ] عَلَيْهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ (3) ، مُسَلِّمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، مُقِرُّهُمْ بِالْقَدَرِ وَمُنَكَّرُهُمْ لَهُ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ مِنْهُمُ الِاعْتِرَاضَ بِمِثْلِ هَذَا، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِالْقَدَرِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ (4) مَعْرُوفَ الْفَسَادِ فِي بَدَائِهِ (5) الْعُقُولِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى الرَّسُولِ.

الثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ (6) يَقُولُ لَهُ: أَنَا نَذِيرٌ لَكَ إِنْ فَعَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ نَجَوْتَ وَسَعِدْتَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهُ عُوقِبْتَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا صَعِدَ عَلَى الصَّفَا وَنَادَى:" «يَا صَبَاحَاهُ "(7) فَأَجَابُوهُ، فَقَالَ:" أَرَأَيْتُمْ (8) لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ عَدُوًّا مُصَبِّحُكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» "(9) وَقَالَ: " «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» "(10) .

(1) ن، م: فَطَلَبَ.

(2)

ع، م: وَالْقُدْرَةَ.

(3)

ن، أ، ب: جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَجَاءَتْ نَفْسُ الْعِبَارَةِ فِي (م) وَلَكِنْ سَقَطَتْ مِنْهَا كَلِمَةُ (كُلُّهُمْ) .

(4)

م (فَقَطْ) الْأَمْرُ.

(5)

ن، م، أ، ب: بِدَايَةِ.

(6)

ب، أ: الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم.

(7)

ع: يَا صَاحِبَاهُ.

(8)

م فَقَطْ: أَرَأَيْتَكُمْ.

(9)

الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/111 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، 6/122 \ (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ سَبَأٍ 6/179 - 180 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/121 \ كِتَابُ التَّفْسِيرِ وَمِنْ سُورَةِ تَبَّتْ) ، الْمُسْنَدَ ط الْمَعَارِفِ 4/186 - 286.

(10)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 8/101 - 102 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي)، وَأَوَّلُهُ: مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنِي وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَا النِّجَاءُ. . . . . الْحَدِيثُ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 9/93 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ) ، مُسْلِمٍ 4/1788 - 1789 كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمَّتِهِ.

ص: 66

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَنْذَرَ بِعَدُوٍّ يَقْصِدُهُ لَمْ يَقُلْ لِنَذِيرِهِ: قُلْ لِلَّهِ يَخْلُقُ فِيَّ قُدْرَةً عَلَى الْفِرَارِ حَتَّى أَفِرَّ، بَلْ يَجْتَهِدُ فِي الْفِرَارِ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْفِرَارِ.

فَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُكَذِّبٌ لِلرُّسُلِ، إِذْ لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ مَعَ تَصْدِيقِ النَّذِيرِ الِاعْتِلَالُ بِمِثْلِ هَذَا. وَإِذَا كَانَ هَذَا تَكْذِيبًا حَاقَ بِهِ مَا حَاقَ بِالْمُكَذِّبِينَ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا لَيْسَ لِي أَنْ أَقُولَ لِرَبِّي [مِثْلَ](1) هَذَا الْكَلَامِ، بَلْ عَلَيَّ أَنَّ أُبَلِّغَ رِسَالَاتِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيَّ مَا حُمِّلْتُ وَعَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ، وَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَقَدْ قُمْتُ بِهِ (2) .

الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ لِي وَلَا لِغَيْرِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: لِمَ لَمْ [تَجْعَلْ](3) فِي هَذَا كَذَا وَفِي هَذَا كَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مَنْ يَقُولُ (4) : إِنَّهُ لَا حِكْمَةَ إِلَّا مَحْضُ الْمَشِيئَةِ، يَقُولُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَمَنْ يَقُولُ:[إِنَّ] لَهُ حِكْمَةً (5)، يَقُولُ: لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ (6) إِلَّا لِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ فِيهِ.

(1) مِثْلَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.

(2)

أ، ب: وَقَدْ تَمَّتْ بِهِ.

(3)

تَجْعَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

ب، أ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

ب، أ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً، ن، م: وَمَنْ يَقُولُ لَهُ حِكْمَةٌ.

(6)

ن، م: وَلَا تَرَكَهُ.

ص: 67

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ (1) مِثْلَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 23] .

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ: إِعَانَتُكَ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ هُوَ، فَمَا فَعَلَهُ فَلِحِكْمَةٍ، وَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَلِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الطَّاعَةِ فَمِنْ أَفْعَالِكَ الَّتِي تَعُودُ مَصْلَحَتُهَا عَلَيْكَ (2) ، فَإِنْ أَعَانَكَ كَانَ فَضْلًا [عَلَيْكَ] مِنْهُ (3) وَإِنْ خَذَلَكَ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ، فَتَكْلِيفُكَ لَيْسَ لِحَاجَةٍ (4) لَهُ إِلَى ذَلِكَ لِيَحْتَاجَ إِلَى إِعَانَتِكَ، كَمَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِمَصْلَحَتِهِ.

فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ قَادِرٍ أَعَانَهُ حَتَّى يَحْصُلَ مُرَادُ الْآمِرِ الَّذِي يَعُودُ إِلَيْهِ نَفْعُهُ، بَلِ التَّكْلِيفُ إِرْشَادٌ وَهُدًى وَتَعْرِيفٌ لِلْعِبَادِ بِمَا (5) يَنْفَعُهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْفِعْلَ يَضُرُّهُ، وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ (6) إِلَى ذَلِكَ الَّذِي يَنْفَعُهُ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفْعَلُ الَّذِي أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَنْفَعُنِي (7) حَتَّى يُخْلُقَ فِيَّ الْفِعْلُ، بَلْ مِثْلُ هَذَا يَخْضَعُ وَيُذَلُّ لِلَّهِ حَتَّى يُعِينَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَنْفَعُهُ، كَمَا لَوْ قِيلَ: هَذَا الْعَدُوُّ قَدْ قَصَدَكَ (8) ، أَوْ هَذَا السَّبْعُ، أَوْ هَذَا السَّيْلُ (9) الْمُنْحَدِرُ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ: لَا أَهْرُبُ وَأَتَخَلَّصُ

(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

(2)

ب، أ، ن: إِلَيْكَ.

(3)

ن: كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ. وَعَلَيْكَ فِي (ع) فَقَطْ.

(4)

ن، م: بِحَاجَةٍ.

(5)

بِمَا فِي (م) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَا.

(6)

يَحْتَاجُ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مُحْتَاجٌ.

(7)

ب، أ: يَنْفَعُهُ.

(8)

ع: هَذَا عَدُوٌّ وَقَدْ قَصَدَكَ.

(9)

ن، م: وَهَذَا السَّبْعُ، أَوِ السَّيْلُ.

ص: 68

[مِنْهُ](1) حَتَّى يَخْلُقَ [اللَّهُ](2) فِيَّ الْهَرَبَ، بَلْ يَحْرِصُ عَلَى الْهَرَبِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَفِرُّ مِنْهُ إِذَا عَجَزَ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ (3)، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ: لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ وَلَا أَلْبَسُ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ (4) فِي ذَلِكَ، بَلْ يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَسْعَى فِيهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَيْسِيرَهُ [عَلَيْهِ](5) .

فَالْفِطْرَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهَا، وَأَنَّهَا تَسْتَعِينُ اللَّهَ عز وجل عَلَى ذَلِكَ. هَذَا [هُوَ] مُوجَبُ الْفِطْرَةِ (6) الَّتِي فَطَرَ [اللَّهُ](7) عَلَيْهَا عِبَادَهُ، وَإِيجَابَهَا ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إِمَّا أَنْ يَقُولَهُ مَنْ يُرِيدُ الطَّاعَةَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ، أَوْ مَنْ لَا يُرِيدُهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ، وَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ [مِنْهُ](8) أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَنْ أَرَادَ الطَّاعَةَ وَعَلِمَ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ أَطَاعَ قَطْعًا إِذَا (9) لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا، فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ

(1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

(3)

ع، ن، م وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ.

(4)

لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، (أ) ، (ب) .

(5)

عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

ب، أ: تَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مُوجَبُ الْفِطْرَةِ ; ن، م: تَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ. هَذَا مُوجَبُ الْفِطْرَةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) .

(7)

لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(9)

ع: فَإِذَا.

ص: 69

لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ (1) تُوجِبُ الطَّاعَةَ، [فَإِنَّهَا مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ تُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ](2) فَإِذَا كَانَتِ الطَّاعَةُ بِالتَّكَلُّمِ (3) بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ [إِرَادَةً جَازِمَةً] فَعَلَهُ قَطْعًا [لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ] ، وَمَنْ (4) لَمْ يَفْعَلْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَإِنْ كَانَ (5) لَا يُرِيدُ الطَّاعَةَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الرَّسُولِ (6) أَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ، إِذَا طَلَبَ مِنَ الرَّسُولِ (7) أَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ فِيهِ كَانَ مُرِيدًا لَهَا (8) ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا مُرِيدٌ، وَلَا يَكُونُ مُرِيدًا لِلطَّاعَةِ الْمَقْدُورَةِ (9) إِلَّا وَيَفْعَلُهَا.

وَهَذَا يَظْهَرُ بِالْوَجْهِ السَّابِعِ: (10) وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَنْتَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْإِيمَانِ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَرَدْتَهُ فَعَلْتَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤْمِنْ لِعَدَمِ إِرَادَتِكَ لَهُ، لَا لِعَجْزِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِكَ عَلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَمْرِ تَكُونُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْفِعْلِ فِي الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي، [وَتَكُونُ مَوْجُودَةً مَعَ الْأَمْرِ فِي الْمُطِيعِ](11) بِخِلَافِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُطِيعِ، فَإِنَّهَا لَا تُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ.

(1) ن: فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ ; م: فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُوَّةِ.

(2)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ن) .

(3)

ن، م: التَّكَلُّمُ.

(4)

ن، م: فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَعَلَهُ ن: فَعَلَيْهِ قَطْعًا وَمَنْ.

(5)

ب، أ: أَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ فَإِنْ كَانَ إِلَخْ.

(6)

ب، أ: أَنْ يَكُونَ بِطَلَبٍ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

(7)

ب، أ: مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

(8)

لَهَا: لَيْسَتْ فِي (ع) .

(9)

ب، أ: الْمَقْدُورِ وَهُوَ خَطَأٌ.

(10)

ب، أ: وَهَذَا يَظْهَرُ. الْوَجْهُ السَّابِعُ ; ن: وَهَذَا يَظْهَرُ فَالْجَوَابُ السَّابِعُ، م: وَهَذَا يَظْهَرُ بِالْجَوَابِ السَّابِعِ.

(11)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 70

وَقَدْ بَيَّنَّا (1) أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقُدْرَةَ نَوْعًا وَاحِدًا: إِمَّا مُقَارِنًا لِلْفِعْلِ (2) ، وَإِمَّا سَابِقًا عَلَيْهِ، فَقَدْ (3) أَخْطَأَ. هَذَا إِذَا عُنِيَ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ مَجْمُوعُ مَا يَسْتَلْزِمُ الْفِعْلَ، كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَرِدْ بِالْقُدْرَةِ إِلَّا الْمُصَحِّحَ فَهِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ.

فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْقُدْرَةِ: هَلْ هِيَ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ؟ عِدَّةَ أَقْوَالٍ (4) : أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْفِعْلِ، وَتِلْكَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَهُ، وَقَدْ يَبْنُونَهُ عَلَى (5) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَرْضٌ، وَالْعَرْضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ.

وَالثَّانِي: [أَنَّهَا](6) لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الْمُصَحِّحَةُ فَقَطْ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُقَارِنَةً.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَهُ وَمَعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.

ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْقُدْرَةُ نَوْعَانِ: مُصَحِّحَةٌ، وَمُسْتَلْزِمَةٌ. فَالْمُصَحِّحَةُ قَبْلَهُ وَالْمُسْتَلْزِمَةُ مَعَهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْقُدْرَةُ هِيَ الْمُصَحِّحَةُ فَقَطْ، وَهِيَ تَكُونُ مَعَهُ وَقَبْلَهُ. وَأَمَّا الِاسْتِلْزَامُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْإِرَادَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا بِنَفْسِ (7)

(1) ع: وَقَدْ ثَبَتَ.

(2)

ع: لِلْفَاعِلِ.

(3)

فَقَدْ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ.

(4)

ب: أَقْوَالًا، أ: قَوْلَانِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " عِدَّةَ ".

(5)

ب، أ: وَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا.

(6)

أَنَّهَا فِي (ع) فَقَطْ.

(7)

ب، أ: نَفْسِ.

ص: 71

مَا يُسَمَّى قُدْرَةً وَالْإِرَادَةُ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى الْقُدْرَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ [هُوَ] الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْقُرْآنِ (1) ، بَلْ وَلُغَاتِ سَائِرِ الْأُمَمِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.

وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: أَنْتَ قَادِرٌ مُتَمَكِّنٌ خَلَقَ فِيكَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ أَنْتَ لَا تُرِيدُ الْإِيمَانَ، فَإِنْ قَالَ [لَهُ:] قُلْ (2) لَهُ يَجْعَلُنِي مُرِيدًا لِلْإِيمَانِ. قَالَ [لَهُ] : (3) إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُرِيدٌ لِلْإِيمَانِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ذَلِكَ فَأَنْتَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِكَ، قُلْ لَهُ: يَجْعَلُنِي مُرِيدًا لِلْإِيمَانِ. فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي (4) بِمَا لَمْ يَجْعَلْنِي مُرِيدًا لَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا طَلَبًا لِلْإِرَادَةِ، بَلْ [كَانَ](5) هَذَا مُخَاصَمَةً، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ جَوَابُهُ، [بَلْ] وَلَا (6) فِي تَرْكِ جَوَابِهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ الْقَدَرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ (7) .

[الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ دَعَاهُ غَيْرُهُ إِلَى فِعْلٍ وَأَمْرَهُ بِهِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِرَادَتِهِمْ (8) وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا شَاءَهُ، (أَوْ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَشَاؤُهُ)(9) ، وَهُمْ يُحْدِثُونَ إِرَادَاتِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا إِرَادَتِهِ. (10)

(1) ب، أ: وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْقُرْآنِ.

(2)

لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ.

(3)

أ، ب: قُلْ لَهُ ; ن، م: قَالَ.

(4)

أ، ب: يَأْمُرُنِي.

(5)

كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

أ، ب: لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بَلْ وَلَا ; ع، ن، م، لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ جَوَابُهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ.

(7)

بَعْدَ عِبَارَةِ ((يَحْتَجَّ بِهِ)) يُوجَدُ سَقْطٌ فِي نُسْخَتَيْ (م) ، (ن) ، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

(8)

ب، أ: وَإِرَادَتِهِمْ.

(9)

مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

(10)

ب، أ: أَوْ هُمْ يَجْذِبُونَ إِرَادَةَ أَنْفُسِهِمْ بِلَا إِرَادَتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 72

فَإِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ كُلَّ ظَالِمٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (1) قَدْ خُلِقَتْ إِرَادَتُهُ لِلظُّلْمِ فَظَلَمَهُ (2)، وَهُوَ لَا يَعْذُرُ الظَّالِمَ فِي ذَلِكَ. فَيُقَالُ لَهُ: أَنْتَ مُقِرٌّ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ (3) لِمَنْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يَسُوغُ لَكَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَإِنْ كَانَ (4) مُنْكِرًا لِلْقَدَرِ امْتَنَعَ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا، فَثَبَتَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ لِإِفْحَامِ الرُّسُلِ لَا يَسُوغُ (5) لَا (6) عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَلَا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْمُدَّعِي لَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ يَعْتَقِدُهُ بَلْ هُوَ سَاذَجٌ.

قِيلَ لَهُ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، فَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ (الْحَقُّ)(7) قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلٌ. فَثَبَتَ بُطْلَانُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِاتِّفَاقِ الطَّائِفَتَيْنِ: الْمُثْبِتَةِ وَالنُّفَاةِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْعَذَابِ لِمَنْ كَذَّبَ وَعَصَى، كَمَا قَالَ مُوسَى وَهَارُونُ عليهما السلام لِفِرْعَوْنَ:{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [سُورَةُ طه: 48] .

وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قَالَ: هُوَ خُلِقَ فِي الْكُفْرِ وَلَمْ يُخْلَقْ فِي إِرَادَةِ الْإِيمَانِ.

(1) ع: وَلِغَيْرِهِ.

(2)

ب (فَقَطْ) : فَظَلَمَ.

(3)

ع: حُجَّةً.

(4)

ب، أ: فَلَا يَسُوغُ ذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ وَإِنْ كَانَ. . . إِلَخْ.

(5)

ب، أ: لَا يَجُوزُ.

(6)

لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(7)

الْحَقُّ: فِي (ع) فَقَطْ.

ص: 73

قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يُنَاقِضُ وُقُوعَ الْعَذَابِ بِمَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْلُقْ فِيكَ الْإِيمَانَ فَأَنْتَ مِمَّنْ يُعَاقِبُهُ، وَإِنْ جَعَلَكَ مُؤْمِنًا فَأَنْتَ مِمَّنْ يُسْعِدُهُ (1) وَنَحْنُ رُسُلٌ مُبَلِّغُونَ لَكَ مُنْذِرُونَ لَكَ، فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الرَّسُولِ (2) وَبُلِّغَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَإِنَّمَا الْمُكَلَّفُ يُخَاصِمُ رَبَّهُ حَيْثُ أَمَرَهُ بِمَا لَمْ يُعِنْهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ وَلَا يَضُرُّهُ (3) ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ هَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى (هَذَا) الْمُصَنِّفِ (4) وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّ (5) حَيْثُ قَالَ إِنَّهُ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمَقْدُورِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدَّاعِيَ فِي الْعَبْدِ. وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَمُتَّبِعِيهِ فِي الْقَدَرِ (6) وَهُوَ قَوْلُ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَإِرَادَتَهُ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِخَلْقِهِ (7) فِعْلَ الْعَبْدِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (وَمُحْدِثٌ لِفِعْلِهِ)(8) ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ (9) مُحْدِثًا لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ

(1) ب، أ: أَسْعَدُهُ.

(2)

ب، أ: الرِّسَالَةِ.

(3)

ع: وَلَا يَضُرُّهُ شَيْئًا.

(4)

ب، أ: عَلَى الْمُصَنِّفِ.

(5)

وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّيِّبُ الْبَصْرِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 436 هـ، سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ 1/395، 2/125، 283.

(6)

فِي الْقَدَرِ: لَيْسَتْ فِي (ع) .

(7)

ب، أ: لِحَقِيقَةٍ.

(8)

وَمُحْدِثٌ لِفِعْلِهِ: فِي (ع) فَقَطْ.

(9)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

ص: 74

أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ وَأَبِي الْمَعَالِي وَالْجُوَيْنِيِّ الْمُلَقَّبِ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (1) .

وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ مُحَقِّقِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ (2) جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتِهِمْ بَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الدَّاعِيَ يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ بِلَا مَشِيئَةٍ مِنَ اللَّهِ وَلَا قُدْرَةٍ، وَبَيْنَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنْ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي فِعْلِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ فَاعِلًا لِفِعْلِهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْمُجْبِرَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ (3) ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمْ (4) كَسْبًا لَا يُعْقَلُ، كَمَا أَثْبَتَهُ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَإِذَا كَانَ (5) هَذَا النِّزَاعُ فِي هَذَا الْأَصْلِ بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ لِكَوْنِ اللَّهِ يُعِينُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَجْعَلُ فِيهِمْ دَاعِيًا إِلَيْهَا وَيَخْتَصُّهُمْ (6) بِذَلِكَ دُونَ الْكَافِرِينَ، وَبَيْنَ الْمُجْبِرَةِ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِبَادَ لَا يَفْعَلُونَ (7) شَيْئًا وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، أَوْ لَهُمْ قُدْرَةٌ لَا يَفْعَلُونَ بِهَا شَيْئًا وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي شَيْءٍ فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ بِقَوْلِ الْمُجْبِرَةِ.

وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَقُولُونَ لَا بِهَذَا

(1) ب، أ: وَغَيْرِهِمْ.

(2)

ع: وَقَوْلُ.

(3)

وَمَنِ اتَّبَعَهُ: لَيْسَتْ فِي (ع) .

(4)

ع: بَعْضُهُمْ.

(5)

ب، أ: وَإِنْ كَانَ.

(6)

ب، أ: وَيَخُصُّهُمْ.

(7)

ع: لَمْ يَفْعَلُوا.

ص: 75

وَلَا بِهَذَا. فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلِينَ بِخِلَافَةِ (1) الثَّلَاثَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ مَنْ أَخْطَأَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِي شَيْءٍ فَخَطَأُ الشِّيعَةِ أَعْظَمُ مِنْ خَطَئِهِمْ (2) .

وَهَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ يُسَوِّغُ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ وَيُقِيمُ عُذْرَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ إِذَا عَصَى بِكَوْنِ هَذَا مُقَدَّرًا عَلَيَّ (3) ، وَيَرَى أَنَّ شُهُودَ هَذَا هُوَ شُهُودُ الْحَقِيقَةِ، أَيِ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ. وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ فِي النَّاسِ، وَفِيهِمْ (4) مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنَ الْخَاصَّةِ الْعَارِفِينَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ فَنُوا فِي [تَوْحِيدِ](5) الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَقُولُ (6) إِنَّ الْعَارِفَ إِذَا فَنِيَ (7) فِي شُهُودِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يَسْتَحْسِنْ حَسَنَةً وَلَمْ يَسْتَقْبِحْ سَيِّئَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ (8) : مَنْ شَهِدَ الْإِرَادَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمُ: الْخِضْرُ (9) إِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الْإِرَادَةَ، وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ فِي مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ وَالنُّسَّاكِ (10)[وَالصُّوفِيَّةِ](11) وَالْفُقَرَاءِ، بَلْ وَفِي (12) الْفُقَهَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْعَامَّةِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ

(1) ع: بِإِمَامَةِ.

(2)

هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) ، وَبَدَأَ فِي ص 72.

(3)

ب: بِأَنَّ هَذَا مُقَدَّرٌ عَلَيَّ، م: بِأَنَّ هَذَا مُقَدَّرًا عَلَيَّ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(4)

ن، م: وَمِنْهُمْ.

(5)

تَوْحِيدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

ب، أ: وَيَقُولُونَ.

(7)

إِذَا فَنِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(8)

ن: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ.

(9)

ب، أ: الْخِضْرُ عليه السلام.

(10)

أ، ب: الشُّيُوخِ النُّسَّاكِ.

(11)

وَالصُّوفِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(12)

ب، أ، م، ن: بَلْ فِي.

ص: 76

وَيُنْكِرُونَ الْقَدَرَ، وَبِمِثْلِ هَؤُلَاءِ طَالَ لِسَانُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَفَعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَاءَ [الْمَعَاصِيَ] هُوَ قَدْ قَصَدَ (1) تَعْظِيمَ الْأَمْرِ وَتَنْزِيهَ اللَّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَإِقَامَةَ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، لَكِنْ ضَاقَ عَطَنُهُ فَلَمْ يُحْسِنِ الْجَمْعَ بَيْنَ قُدْرَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ وَمَشِيئَتِهِ (2) الْعَامَّةِ وَخَلْقِهِ الشَّامِلِ، وَبَيْنَ عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ (3) ، فَجَعَلَ لِلَّهِ الْحَمْدَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَمَامَ الْمُلْكِ.

وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا قُدْرَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ وَخَلْقَهُ وَعَارَضُوا بِذَلِكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ (4) ، شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي إِفْحَامَ الرُّسُلِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَرُدُّ مِنْ أَقْوَالِ هَذَا وَغَيْرِهِ مَا كَانَ بَاطِلًا. وَأَمَّا الْحَقُّ فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَلَا يُقَابِلَ بَاطِلًا بِبَاطِلٍ، وَالْمُنْكِرُونَ لِلْقَدَرِ وَإِنْ كَانُوا فِي بِدْعَةٍ فَالْمُحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ أَعْظَمُ بِدْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ فَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ (5) الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ.

وَقَدْ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ [رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ](6) جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْأَمْرِ فَلَا تُعْرَفُ لَهُمْ طَائِفَةٌ

(1) م، ن: وَقَدْ قَصَدَ.

(2)

أ، ب، ع: وَبَيْنَ مَشِيئَتِهِ.

(3)

سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ

(4)

سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.

(5)

الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

(6)

رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 77