الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْ جَعَلَ عِبَادَ اللَّهِ (1) كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ (2) فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ.
[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ]
وَأَمَّا جَوَابُهُ (3) عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (4) : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 59 - 96] بِأَنَّ (5) الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ، فَلَا نُنَازِعُهُ (6) فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَ " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمُرَادُ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ (7)، فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ قَالَ:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 95 - 96] فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ.
وَالتَّقْدِيرُ (8) وَاللَّهُ خَلَقَ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي ذَمَّهَمْ عَلَى الشِّرْكِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ إِقَامَةُ عُذْرٍ لَهُمْ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وَاوُ
(1) أ، ب: عِبَادَةَ اللَّهِ.
(2)
أ، ب: الْمَلِكِ.
(3)
أ، ب: وَأَمَّا الْجَوَابُ، وَالْكَلَامُ هُنَا عَنِ الرَّافِضِيِّ ابْنِ الْمُطَهَّرِ.
(4)
تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م: فَإِنَّ.
(6)
م: فَلَا مُنَازَعَةَ.
(7)
ن، م: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(8)
ن، م: فَالتَّقْدِيرُ.
الْحَالِ. وَالْحَالُ هُنَا شِبْهُ الظَّرْفِ، كِلَاهُمَا قَدْ يَتَضَمَّنُ (1) مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَمَا يُقَالُ: أَتَذُمُّ فَلَانًا (2) وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَتُسِيءُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (3) إِلَيْكَ؟ فَتَقَرَّرَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ ذَمَّهُ وَنَهْيَهُ عَمَّا أَنْكَرْتَهُ عَلَيْهِ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ مَا يَنْحِتُونَ، فَذَكَرَ (4) قَوْلَهُ:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} مُتَضَمِّنًا مَا يُوجِبُ ذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَنَهْيَهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى خَلَقَ مَعْمُولَهُمْ، وَلَوْ أُرِيدَ وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَعَمَلَكُمُ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ وَغَيْرُهُ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُنَاسِبُ ذَمَّهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيَانِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ مَا يُوجِبُ ذَمَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ] (5) .
لَكِنْ يُقَالُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ، وَالْأَصْنَامُ كَانُوا يَنْحِتُونَهَا، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ وَالْعَمَلِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ.
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذِكْرُ كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْمَعْمُولُ الْمَنْحُوتُ. لَكِنَّ الْمَخْلُوقَ مَا لَمْ يُعْمَلْ وَلَمْ يُنْحَتْ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَلْقَهَا بَعْدَ (6) الْعَمَلِ وَالنَّحْتِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّحْتَ الَّذِي فِيهَا هُوَ أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ (7) .
(1) أ، ب: وَكِلَاهُمَا يَتَضَمَّنُ.
(2)
أ، ب: أَيُذَمُّ فُلَانٌ.
(3)
ع: يُحْسِنُ.
(4)
أ، ب: وَذَكَرَ.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
أ، ب: بِهَذَا.
(7)
أ: النَّحْتُ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُمْ وَعِلْمُهُمْ، ب: النَّحْتُ هُوَ أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ، م، ن، ع: النَّحْتُ الَّذِي فِيهَا أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.
وَعِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ فِعْلُهُ لَا فِعْلَ اللَّهِ، فَيَكُونُ هَذَا النَّحْتُ وَالتَّصْوِيرُ فِعْلُهُمْ لَا فِعْلَ اللَّهِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ، ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ (1) فِعْلِهِمْ [وَالْمُتَوَلِّدُ لَازِمٌ لِلْفِعْلِ (2) الْمُبَاشِرِ وَمَلْزُومٌ لَهُ، وَخَلْقُ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ يَسْتَلْزِمُ خَلْقَ الْآخَرِ، فَدَلَّتِ (3) الْآيَةُ أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمُ الْقَائِمَةِ بِهِمْ، وَخَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا، وَخَالِقُ الْأَعْيَانِ الَّتِي قَامَ بِهَا الْمُتَوَلِّدُ (4) ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنِ (5) الرَّبِّ وَالْآخَرُ عَنْ (6) غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ افْتِقَارُهُ إِلَى غَيْرِهِ.](7) .
وَأَيْضًا فَنَفْسُ حَرَكَاتِهِمْ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (8) : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} ، فَإِنَّ أَعْرَاضَهُمْ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِمْ، فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ بِجَمِيعِ أَعْرَاضِهِ، وَحَرَكَاتُهُ مِنْ أَعْرَاضِهِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ أَعْمَالَهُمْ بِقَوْلِهِ:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} وَمَا تَوَلَّدَ (9) عَنْهَا
(1) أ، ب: مِنْ.
(2)
أ، ب: لِفِعْلِ.
(3)
ع: فَثَبَتَ أَنَّ.
(4)
ب فَقَطْ: التَّوَلُّدُ.
(5)
ع: مِنْ.
(6)
ع: مِنْ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ن، م: وَأَمَّا نَفْسُ حَرَكَاتِهِمْ فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ.
(9)
ن، م: وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ.
مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْوِيرِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَعْمَلُونَ} فَثَبَتَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ خَالِقُ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. مَعَ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى خَلْقِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا (1)[لَكِنَّ خَلْقَهُ لِلْمَصْنُوعَاتِ (2) مِثْلَ الْفُلْكِ وَالْأَبْنِيَةِ وَاللِّبَاسِ هُوَ نَظِيرُ خَلْقِ الْمَنْحُوتَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يس: 41، 42] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 81]] (3) .
(1) ن، م، ع: عَلَيْهِ.
(2)
أ، ب: الْمَصْنُوعَاتِ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م)، وَفِي (ع) بَعْدَ ذَلِكَ عِبَارَةُ:" وَاللَّهُ أَعْلَمُ "، وَهُنَا تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ع)، وَكُتِبَ بَعْدَ عِبَارَةِ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ " مَا يَلِي: آخِرُ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيَعِ الْقَدَرِيَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، أَنْهَاهُ كِتَابَةً الْعَبْدُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَعْلِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَكُتِبَ فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي حِجَّةٍ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى خَاتِمَتَهَا بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ.