الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِثْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّسَّاكِ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الشَّيْخِ أَنْ يَعْلَمَ أُمُورًا لَا يَكَادُ يَعْلَمُهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، فَيَصِفُونَ الشَّيْخَ بِصِفَاتٍ مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَعْصُومِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ. ثُمَّ مُنْتَهَى (1) هَؤُلَاءِ اتِّبَاعُ (2) شَيْخٍ جَاهِلٍ أَوْ ظَالِمٍ (3)، وَاتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ لِمُتَوَلٍّ ظَالِمٍ أَوْ (4) جَاهِلٍ مِثْلِ الَّذِي جَاعَ وَقَالَ: لَا يَأْكُلُ (5) مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ (6) حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (7) ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَصَارَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا عَلَفُ الْبَهَائِمِ، فَبَيْنَا هُوَ يَدْعُو إِلَى مَثَلِ طَعَامِ الْجَنَّةِ، انْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى عَلَفِ الدَّوَابِّ كَالْكَلَأِ النَّابِتِ فِي (8) الْمُبَاحَاتِ. وَهَكَذَا مَنْ غَلَا فِي الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْعَدْلِ الشَّرْعِيِّ، يَنْتَهِي أَمْرُهُ إِلَى الرَّغْبَةِ الْفَاسِدَةِ وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ، كَمَا قَدْ رُؤِيَ ذَلِكَ وَجُرِّبَ.
[فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ (9) : وَذَهَبَ الْجَمِيعُ مِنْهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَالْأَخْذِ بِالرَّأْيِ، فَأَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ،
(1) أ: مُنْتَهَى، ب: فَمُنْتَهَى.
(2)
و: هَذَا الِاتِّبَاعُ.
(3)
أ، ب: ظَالِمٍ أَوْ جَاهِلٍ.
(4)
أَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) ، (ب) .
(5)
أ، ب: لَا آكُلُ.
(6)
ن، م: الْبَلْدَةِ.
(7)
ن: طَعَامِ الْبَلْدَةِ، م، و: طَعَامِ الْجَنَّةِ.
(8)
ن: مِنَ.
(9)
فِي (ك) ص 93 (م) .
وَحَرَّفُوا أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، وَأَحْدَثُوا (1) مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2) وَلَا زَمَنِ صَحَابَتِهِ (3) ، وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ (4) الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى تَرْكِ الْقِيَاسِ، وَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ ".
فَيُقَالُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ، فَقَدْ عُرِفَ فِيهِمْ طَوَائِفُ لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، كَالْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ (5) ، وَكَالظَّاهِرِيَّةِ كَدَاوُدَ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ.
وَأَيْضًا فَفِي الشِّيعَةِ (6) مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ كَالزَّيْدِيَّةِ. فَصَارَ النِّزَاعُ فِيهِ بَيْنَ الشِّيعَةِ كَمَا هُوَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الْقِيَاسُ وَلَوْ قِيلَ (7) : إِنَّهُ ضَعِيفٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ (8) عِلْمٌ
(1) أ، ب: وَاتَّخَذُوا.
(2)
ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
(3)
أ، ب: وَلَا زَمَنِ الصَّحَابَةِ، م: وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ، و: وَلَا مِنْ زَمَانِ صَحَابَتِهِ، ك: وَلَا فِي زَمَنِ صَحَابَتِهِ.
(4)
ب: تَأْوِيلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
أ، ب: كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْبَغْدَادِيِّينَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
ن، م: وَفِي الشِّيعَةِ، و: وَأَيْضًا فِي الشِّيعَةِ.
(7)
قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب
(8)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
وَإِنْصَافٌ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمِثْلَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ مِنَ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا (1) .
وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ مَنْقُولٌ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّصَّ الثَّابِتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمٌ عَلَى (2) الْقِيَاسِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ وَلَمْ يَقُلْ (3) بِالْقِيَاسِ كَانَ جَاهِلًا، فَالْقِيَاسُ (4) الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ الَّذِي لَا عِلْمَ مَعَهُ وَلَا ظَنَّ، فَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ: كُلُّ مَا يَقُولُونَهُ هُوَ ثَابِتٌ (5) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ (6) هَذَا أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَا (7) يَقُولُهُ الْمُجْتَهِدُ فَإِنَّهُ قَوْلُ (8) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَقَوْلُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِضَةِ (9) فَإِنَّ قَوْلَ أُولَئِكَ كَذِبٌ صَرِيحٌ.
وَأَيْضًا فَهَذَا كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ (10) : عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (11) مُتَلَقًّى عَنْ
(1) أ، ب: وَأَمْثَالِهِمْ.
(2)
أ، ب: عَنْ.
(3)
ن، م: فَلَا يَقُولُ، و: وَلَا يَقُولُ.
(4)
أ، ب: وَالْقِيَاسُ.
(5)
أ، ب: هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُونَهُ ثَابِتٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(6)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
أ، ب: كَمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(8)
ن، م: هُوَ قَوْلُ.
(9)
ن: الرَّأْيِ وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ، م: الرَّأْيِ وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِضَةِ.
(10)
ن، م: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ، أ، ب: فَهَذَا كَقَوْلِ مَنْ قَالَ.
(11)
ن، م: السُّنَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.
الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ (1) مُتَلَقًّى (2) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ فِي غَيْرِ (3) مَجَارِي الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا (4) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ (5) أَوِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ (6) هُوَ إِلْهَامٌ مِنَ اللَّهِ وَوَحْيٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ.
فَإِنْ قَالَ: هَؤُلَاءِ تَنَازَعُوا.
قِيلَ: وَأُولَئِكَ تَنَازَعُوا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى دَعْوَى بَاطِلَةٌ إِلَّا أَمْكَنَ مُعَارَضَتُهُمْ بِمِثْلِهَا [أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا](7) ، وَلَا يَقُولُونَ حَقًّا (8) إِلَّا كَانَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ [مَنْ يَقُولُ](9) مِثْلَ ذَلِكَ الْحَقِّ أَوْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْبِدْعَةَ مَعَ السُّنَّةِ كَالْكُفْرِ مَعَ الْإِيمَانِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 33] .
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَحَرَّفُوا
(1) وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ن: مُلْتَقًى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ن، م، و: الصَّحَابِيُّ مِنْ غَيْرِ.
(4)
ن، و، أ: تَوْفِيقًا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ب) .
(5)
أ، و: مَنْ يَقُولُ الْمُجْتَهِدُ، ب: مَنْ يَقُولُ مَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ.
(6)
الْعَارِفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
أ: وَلَا يَقُولُ، ب: وَلَا بِقَوْلِ حَقٍّ.
(9)
مَنْ يَقُولُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ لَيْسُوا فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَكْذِبْهُ غَيْرُهُمْ، وَرَدُّوا مِنَ الصِّدْقِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ غَيْرُهُمْ، وَحَرَّفُوا الْقُرْآنَ (2) تَحْرِيفًا لَمْ يُحَرِّفْهُ غَيْرُهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:(3) : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55](4) نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 19] عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 22] الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سُورَةُ يس: 12] عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (5){إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33](6) هُمْ (7) آلُ أَبِي طَالِبٍ (8) وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عِمْرَانُ، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 12] طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 60] :
(1) ن، م، و: عَلَى النَّبِيِّ.
(2)
و: مِنَ الْقُرْآنِ.
(3)
ن، م: مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى.
(4)
ن، م، و:. . وَالَّذِينَ آمَنُوا. . الْآيَةَ.
(5)
أ، ب: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
(6)
أ، ب:(وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) .
(7)
هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
ن: آلُ طَالِبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ.
هُمْ (1) بَنُو أُمَيَّةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 67] عَائِشَةُ، وَ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 65] لَئِنْ أَشْرَكْتَ (2) بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فِي الْوِلَايَةِ.
وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ وَجَدْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ. ثُمَّ مِنْ هَذَا دَخَلَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ فِي تَأْوِيلِ (3) الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، فَهُمْ أَئِمَّةُ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ مَا عِنْدَهُمْ وَجَدَ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ (4) وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ مِنْهَا (5) وَالتَّحْرِيفِ لِمَعَانِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي صِنْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَهُمْ قَطْعًا أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ (6) مَا لَيْسَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَحَرَّفُوا (كِتَابَهُ تَحْرِيفًا لَمْ يَصِلْ غَيْرُهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنْهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ (7) : قَوْلُهُ: " وَأَحْدَثُوا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ (8) صلى الله عليه وسلم وَلَا زَمَنِ صَحَابَتِهِ، وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ ".
فَيُقَالُ لَهُ: (9) مَتَى كَانَ مُخَالَفَةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُدُولُ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ (10) مُنْكَرًا
(1) هُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: أَيْ: إِنْ أَشْرَكْتَ.
(3)
ن، م، و: تَأْوِيلَاتِ.
(4)
أ، ب: مِنَ الْكُفْرِ فِي الْمَنْقُولِ.
(5)
ن، م: فِيهَا.
(6)
أ، ب: فِي الدِّينِ.
(7)
ن، م، و: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(8)
أ، ب: رَسُولِ اللَّهِ.
(9)
أ، ب، و: لَهُمْ.
(10)
ن، م، و: أَقْوَالِهِمْ.
عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ؟ وَهَؤُلَاءِ مُتَّفِقُونَ (1) عَلَى مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ وَمُوَالَاتِهِمْ وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْقُرُونِ وَعَلَى (2) أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ، وَعَلَى (3) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمُ الْخُرُوجُ عَنْ إِجْمَاعِهِمْ (4) ، بَلْ عَامَّةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ عَنْ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَطْعَنُ عَلَيْهِمْ بِمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَيَنْسِبُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ؟ .
فَإِنْ كَانَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حُجَّةً فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ.
وَإِنْ قَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ يَجْعَلُونَهُ حُجَّةً وَقَدْ خَالَفُوهُ.
قِيلَ: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ (5) أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، مَعَ مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ (6) فِي الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ - بَنُو هَاشِمٍ - (7) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (8) صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ
(1) أ: وَلَا مُتَّفِقُونَ، ب: وَلَا هُمْ مُتَّفِقُونَ.
(2)
ب فَقَطْ: وَلَا عَلَى.
(3)
ب فَقَطْ: وَلَا عَلَى.
(4)
كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا عَلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَفَهِمَ مُحَقِّقُ نُسْخَةِ (ب) أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا عَلَى الشِّيعَةِ، فَغَيَّرَ فِي النَّصِّ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ.
(5)
ب فَقَطْ: أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ.
(6)
ن: وَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ ; م: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ.
(7)
بَنِي هَاشِمٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
أ، ب: رَسُولِ اللَّهِ.
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم (1) مَنْ يَقُولُ بِإِمَامَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ (2) وَلَا بِعِصْمَةِ أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بِكُفْرِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ وَلَا مَنْ (3) يَطْعَنُ فِي إِمَامَتِهِمْ، بَلْ وَلَا مَنْ يُنْكِرُ الصِّفَاتِ، وَلَا مَنْ (4) يُكَذِّبُ بِالْقَدْرِ.
فَالْإِمَامِيَّةُ بِلَا رَيْبٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ (5) الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَالِفْ لَا إِجْمَاعَ (6) الصَّحَابَةِ وَلَا إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ؟ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ (7) : أَنَّ قَوْلَهُ: " أَحْدَثُوا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُحْدِثُوا هَذِهِ الْمَذَاهِبَ مَعَ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَكُونُوا فِي (8) عَصْرٍ وَاحِدٍ، بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ سُنَّةَ (9) خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَالِكٌ سَنَةَ (10) تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ
(1) رضي الله عنهم: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: اثْنَيْ عَشَرَ.
(3)
مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(4)
مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(5)
إِجْمَاعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) .
(6)
أ، ب: عَلَى مَنْ لَا يُخَالِفُ إِجْمَاعَ.
(7)
ن، م، و: السَّادِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(8)
أ، ب: عَلَى.
(9)
ن، م: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ.
(10)
ن، م: وَمَالِكٌ تُوَفِّي سَنَةَ.
مَنْ يُقَلِّدُ الْآخَرَ وَلَا مَنْ يَأْمُرُ بِاتِّبَاعِ النَّاسِ لَهُ، بَلْ (1) كُلٌّ مِنْهُمْ يَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِذَا قَالَ: غَيْرُهُ قَوْلًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عِنْدَهُ (2) رَدَّهُ وَلَا يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ تَقْلِيدَهُ.
وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اتَّبَعَهُمُ النَّاسُ، فَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِمُوَطَّأَةٍ، بَلِ اتَّفَقَ أَنَّ قَوْمًا اتَّبَعُوا هَذَا، [وَقَوْمًا اتَّبَعُوا هَذَا](3) كَالْحُجَّاجِ الَّذِينَ طَلَبُوا مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ فَرَأَى قَوْمٌ هَذَا دَلِيلًا خَبِيرًا (4) فَاتَّبَعُوهُ، وَكَذَلِكَ الْآخَرُونَ (5) .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى بَاطِلٍ، بَلْ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ (6) يُنْكِرُونَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ (7) مِنَ الْخَطَأِ، فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَا قَالَهُ، بَلْ جُمْهُورُهُمْ (8) لَا يَأْمُرُونَ الْعَامِّيَّ بِتَقْلِيدِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ الْعِصْمَةَ لِلْأُمَّةِ، فَمِنْ تَمَامِ الْعِصْمَةِ أَنْ يَجْعَلَ
(1) ن: بَلْ كَثِيرٌ.
(2)
عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
أ، ب: خَيِّرًا.
(5)
أ، ب: آخَرُونَ.
(6)
مِنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(7)
و: مَا عِنْدَهُمْ.
(8)
أ، و، ن: بَلْ وَجُمْهُورُهُمْ.
عَدَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ أَخْطَأَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي (1) شَيْءٍ كَانَ الْآخَرُ قَدْ أَصَابَ فِيهِ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْحَقُّ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ مَسَائِلُ، كَبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَوْرَدَهَا، كَانَ الصَّوَابُ فِي قَوْلِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى ضَلَالَةٍ أَصْلًا. وَأَمَّا خَطَأُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الدِّينِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ كَخَطَأِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَكُلُّ مَا خَالَفُوا فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ كُلُّهُمْ فَهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ كَمَا أَخْطَأَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ الْمُسْلِمِينَ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ (2) : أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا الصَّحَابَةِ إِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَقْوَالَ الَّتِي لَهُمْ (3) لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ (4) ، بَلْ (5) تَرَكُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ (6) وَابْتَدَعُوا خِلَافَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ، بَلْ هُمْ -[وَسَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ](7) مُتَّبِعُونَ لِلصَّحَابَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ (8) ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ (9) خَالَفَ الصَّحَابَةَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَقَاوِيلِهِمْ، فَالْبَاقُونَ يُوَافِقُونَهُمْ وَيُثْبِتُونَ خَطَأَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ أَصْحَابِهَا لَمْ
(1) أ، ب: إِذَا أَخْطَأَ الْوَاحِدُ فِي.
(2)
ن، م، و: السَّابِعُ.
(3)
عِبَارَةُ الَّتِي لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
أ، و: وَعَنِ الصَّحَابَةِ، م: وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، ب: أَوْ عَنِ الصَّحَابَةِ.
(5)
ب فَقَطْ: بِأَنْ.
(6)
ن، م: وَأَصْحَابِهِ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
و: أَقَاوِيلِهِمْ.
(9)
ن، م: أَنَّ بَعْضَهُمْ.
يَكُونُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (1) فَهَذَا لَا (2) مَحْذُورَ فِيهِ. فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ يَأْتِي يَكُونُ بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: (3) قَوْلُهُ: " وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ " كَذِبٌ مِنْهُ، بَلْ كُتُبُ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ مَشْحُونَةٌ بِنَقْلِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهَا مَا لَيْسَ عِنْدَ الْأُخْرَى. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ (4) بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمَعَ الْآثَارَ وَمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْهَا، فَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، كَمَا تُضَافُ كُتُبُ الْحَدِيثِ إِلَى مَنْ جَمَعَهَا، كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ، وَكَمَا تُضَافُ الْقِرَاءَاتُ إِلَى مَنِ اخْتَارَهَا كَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ.
وَغَالِبُ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ مَنْقُولٌ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا لَيْسَ مَنْقُولًا عَمَّنْ (5) ، قَبْلَهُ لَكِنَّهُ (6) اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ. ثُمَّ قَدْ (7) جَاءَ بَعْدَهُ مَنْ تَعَقَّبَ أَقْوَالَهُ (8) فَبَيَّنَ مِنْهَا مَا كَانَ خَطَأً عِنْدَهُ (9) ، كُلُّ ذَلِكَ حِفْظًا لِهَذَا الدِّينِ، حَتَّى يَكُونَ أَهْلُهُ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ:
(1) ن، م: الْزَمَنِ.
(2)
أ، ب: فَهُوَ لَا.
(3)
ن، و: الْوَجْهُ الثَّامِنُ، م: الثَّامِنُ.
(4)
أ، ب: فَإِنْ أَرَدْتُ.
(5)
ب فَقَطْ: قَبْلَهُمْ.
(6)
أ، ب: لَكِنْ.
(7)
قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
أ، ب: بَعْدَهُمْ مَنْ تَعَقَّبَ قَوْلَهُمْ، ن، م: بَعْدَهُ مَنْ نَقَضَ أَقْوَالَهُ.
(9)
ن، م: مَا كَانَ فِيهَا غَلَطًا عِنْدَهُ، و: مَا كَانَ غَلَطًا عِنْدَهُ.
{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَمَتَى وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ مُنْكَرٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
وَلَيْسَ الْعُلَمَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 78، 79] .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ [ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ](1) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (2) لِأَصْحَابِهِ عَامَ الْخَنْدَقِ: " «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ; فَأَدْرَكَتْهُمْ صَلَاةُ الْعَصْرِ (3) فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ، فَصَلُّوا فِي الطَّرِيقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلُّوا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَمَا عَنَّفَ وَاحِدَةً (4) مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ» ". (5) فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَفِي (أ)، (ب) : عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ.
(2)
ن، م، و: أَنَّهُ.
(3)
أ، ب: فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ.
(4)
ن، م: وَاحِدًا.
(5)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الْبُخَارِيِّ 5/112 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَحْزَابِ) ، 2/15 (كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، بَابُ صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً) ، مُسْلِمٍ 3/1391 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْمُبَادَرَةِ بِالْغَزْوِ)، وَفِيهِ: أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.
الْمُجْتَهِدِينَ يَتَنَازَعُونَ فِي فَهْمِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ آثِمًا (2) .
الْوَجْهُ الثَّامِنُ (3) : أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِنَّ إِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ (4) الْأَرْبَعَةِ حُجَّةٌ مَعْصُومَةٌ، وَلَا قَالَ: إِنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ (5) فِيهَا وَإِنَّ مَا خَرَجَ عَنْهَا بَاطِلٌ، بَلْ إِذَا قَالَ: مَنْ لَيْسَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ قَوْلًا يُخَالِفُ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (6) ، رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (7) ، وَكَانَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ (8) الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ (9) : قَوْلُهُ: " الصَّحَابَةُ نَصُّوا عَلَى تَرْكِ (10) الْقِيَاسِ ". يُقَالُ لَهُ: (11) الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْقِيَاسَ قَالُوا: قَدْ ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالرَّأْيِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَقَاسُوا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ ذَمُّ مَا
(1) ن، م، و: كَلَامِ الرَّسُولِ.
(2)
عِبَارَةُ: وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمْ آثِمًا، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن)، (م) : وَلَيْسَ فِيهِ آثِمٌ وَفِي (و) : وَلَيْسَ إِثْمٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ.
(3)
ن، م، و: التَّاسِعُ.
(4)
أ، ب: الْفُقَهَاءِ.
(5)
ن، م: مَحْصُورٌ.
(6)
ن، م، و: يُخَالِفُ الْأَرْبَعَةَ.
(7)
ن، م، و: وَالرَّسُولِ.
(8)
الْقَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(9)
ن، م، و: الْعَاشِرُ.
(10)
تَرْكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(11)
ن: فَقَالَ لَهُ، م، و: يُقَالُ.
ذَمُّوهُ مِنَ الْقِيَاسِ. قَالُوا: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ، فَالْمَذْمُومُ الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لِلنَّصِّ، كَقِيَاسِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَقِيَاسُ إِبْلِيسَ الَّذِي عَارَضَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ (1) بِالسُّجُودِ لِآدَمَ (2)، وَقِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: أَتَأْكَلُونَ (3) مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَهُ (4) اللَّهُ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 121] .
وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَكُونُ الْفَرْعُ فِيهِ (5) مُشَارِكًا لِلْأَصْلِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ، فَالْقِيَاسُ يُذَمُّ إِمَّا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ؛ وَهُوَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ، وَإِمَّا لِوُجُودِ مَانِعِهِ؛ وَهُوَ النَّصُ الَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا يَفُوتُ الشَّرْطُ إِلَّا وَالْمَانِعُ مَوْجُودٌ، وَلَا يُوجِدُ الْمَانِعُ (6) إِلَّا وَالشَّرْطُ مَفْقُودٌ.
فَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي يَسْتَوِي (7) فِيهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي يُتَّبَعُ. (8)
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ فَاسِدٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَاسُوا أَقْيِسَةً فَاسِدَةً،
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
لِآدَمَ: زِيَادَةٌ فِي (ب)، وَفِي (أ) : لَازِمٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
أ، ب: تَأْكُلُونَ.
(4)
ن، م، و: مَا قَتَلَ.
(5)
فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(6)
ن: الْمَنْعُ.
(7)
ن: يُوجَدُ.
(8)
أ، ب: الَّذِي لَا يُتَّبَعُ.
بَعْضُهَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ، وَبَعْضُهَا مِمَّا اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى بُطْلَانِهِ (1) ، لَكِنَّ بُطْلَانَ كَثِيرٍ مِنَ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ جَمِيعِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْكَذِبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ كَذِبَ جَمِيعِهِ.
وَمَدَارُ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الصُّورَتَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي مُوجَبِ الْحُكْمِ وَمُقْتَضَاهُ (2) ، فَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنْ قَدْ يَظُنُّ الْقَايِسُ مَا لَيْسَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مَنَاطًا فَيَغْلَطُ، وَلِهَذَا كَانَ عُمْدَةُ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْقَايِسِينَ عَلَى بَيَانِ تَأْثِيرِ الْمُشْتَرِكِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ جَوَابَ سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرِكُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، حَتَّى يَلْحَقَ هَذَا الْفَرْعُ بِهِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا تَثْبُتُ صِحَّتُهُ حَتَّى تَكُونَ الصُّورَتَانِ مُشْتَرِكَتَيْنِ (3) فِي الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَلْزِمِ (4) لِلْحُكْمِ إِمَّا فِي الْعِلَّةِ نَفْسِهَا، وَإِمَّا فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ: تَارَةً بِإِبْدَاءِ الْجَامِعِ، وَتَارَةً بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، فَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ يُؤَثِّرُ، عُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا (5) فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْجَامِعِ.
وَهُمْ يُثْبِتُونَ قِيَاسَ الطَّرْدِ، وَهُوَ إِثْبَاتٌ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ.
(* وَقِيَاسُ الْعَكْسِ وَهُوَ نَفْيُ حُكْمِ الْأَصْلِ عَنِ الْفَرْعِ، لِافْتِرَاقِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ *)(6) فَهَذَا (7) يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ
(1) ن، م، و: بَعْضُهَا بِالنَّصِّ وَبَعْضُهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
(2)
ن، م، و: وَمُقْتَضِيهِ.
(3)
و: مَسْتُورَتَيْنِ.
(4)
ن، م: الْمُلْتَزِمِ.
(5)
ن، م: اشْتِرَاكُهُمَا.
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(7)
أ، ب: هَذَا، ن، م: وَهَذَا.