الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُقَالُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ فِيهَا الْجُمْهُورُ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ (1) وَمَأْخَذُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ سَقَطَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْإِقْرَارِ إِلَّا إِذَا كَانَ (2) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: الْإِقْرَارُ يُؤَكِّدُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُبْطِلُهَا (3) ; لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهَا لَا مُخَالِفٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ كَزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَكَإِقْرَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَهُوَ قَوْلُهُمْ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ هُوَ الصَّوَابُ (4) فَهُوَ قَوْلُهُمْ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ، وَيَرُدُّونَ عَلَى مَنْ قَالَهَا بِحُجَجٍ وَأَدِلَّةٍ لَا تَعْرِفُهَا الْإِمَامِيَّةُ.
[الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ أَكْلِ الْكَلْبِ، وَاللِّوَاطِ بِالْعَبِيدِ، وَإِبَاحَةِ الْمَلَاهِي كَالشَّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ ".
فَيُقَالُ: نَقْلُ هَذَا عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْ جُمْهُورِهِمْ. بَلْ فِيهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُقِرِّينَ بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ،
(1) ن، م، و: كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. .
(2)
ص: أَقَرَّ.
(3)
أ، ب: يُؤَكِّدُ عِلْمَ الشُّهُودِ وَلَا يُبْطِلُهَا.
(4)
ن، م: وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ صَوَابًا.
وَفِيهِ (1) مَا هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُهُمْ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ضَلَالَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ الشَّنِيعَةِ (2) الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَعْظَمُ وَأَشْنَعُ (3) مِمَّا يُوجَدُ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ فُرِضَتْ مِنْ طَوَائِفِ السُّنَّةِ، فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ السُّنَّةِ (4) يُوجَدُ فِي قَوْلِهَا مَا هُوَ (5) ضَعِيفٌ إِلَّا وَيُوجَدُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَأَشْنَعُ مِنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ (6) .
فَتَبَيَّنَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْكَذِبَ الَّذِي (7) يُوجَدُ فِيهِمْ، وَالتَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ، وَفَرْطَ الْجَهْلِ، وَالتَّصْدِيقَ بِالْمُحَالَاتِ، وَقِلَّةَ الْعَقْلِ، وَالْغُلُوَّ فِي اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ (8) ، وَالتَّعَلُّقَ بِالْمَجْهُولَاتِ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي طَائِفَةٍ أُخْرَى.
وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ إِبَاحَةِ اللِّوَاطِ بِالْعَبِيدِ، فَهُوَ كَذِبٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ (9) السُّنَّةِ، وَأَظُنُّهُ قَصَدَ التَّشْنِيعَ بِهِ عَلَى مَالِكٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مِنَ الْجُهَّالِ مَنْ يَحْكِي هَذَا عَنْ مَالِكٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا يُحْكَى عَنْهُ فِي حُشُوشِ
(1) ن، م: مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ ; وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ " الثَّلَاثَةِ " مِنْ (و) ، (ص) ، (ر) ، (هـ) .
(2)
النَّكِرَةِ الشَّنِيعَةِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
وَأَشْنَعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) .
(4)
سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(5)
ب فَقَطْ: فَمَا يُوجَدُ فِي قَوْلِنَا مَا هُوَ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(6)
ن، م، و، هـ، ر، ص: إِلَّا يُوجَدُ مَا هُوَ أَضْعَفُ وَأَكْثَرُ فِي أَقْوَالِ الشِّيعَةِ.
(7)
الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(8)
أ، ب: الْهَوَى.
(9)
أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (ن) .
النِّسَاءِ (1) ، فَإِنَّهُ لَمَّا حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِبَاحَةُ ذَلِكَ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ظَنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ أَدْبَارَ الْمَمَالِيكِ كَذَلِكَ.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ عَلَى مَنْ هُوَ (2) دُونَ مَالِكٍ، فَكَيْفَ عَلَى مَالِكٍ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَشَرَفِ مَذْهَبِهِ وَكَمَالِ صِيَانَتِهِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَأَحْكَامِهِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَبْلَغِ الْمَذَاهِبِ إِقَامَةً لِلْحُدُودِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْبِدَعِ (3) .
وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ إِتْيَانَ الْمَمَالِيكِ أَنَّهُ يَكْفُرُ، كَمَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْلَالِ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ بِنْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ هِيَ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ، فَكَمَا أَنَّ مَمْلُوكَتَهُ إِذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعٍ أَوْ صَهْرٍ لَا تُبَاحُ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَمْلُوكُهُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ مُحَرَّمٌ (4) مُطْلَقًا لَا يُبَاحُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْإِنَاثِ.
وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ أَنَّ اللُّوطِيَّ (5) يُقْتَلُ رَجْمًا،
(1) ن، م: مَا يُحْكَى عَنْهُ مِنْ إِبَاحَةِ أَدْبَارِ النِّسَاءِ.
(2)
أ، ب: مِمَّنْ هُوَ.
(3)
وَالْبِدَعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي 9/31: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله فِي حَدِّهِ حَدَّ اللِّوَاطِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ حَدَّهُ الرَّجْمُ بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرَ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ.
(4)
و: يَحْرُمُ.
(5)
أ، ب: اللَّائِطَ.
مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، سَوَاءً تَلَوَّطَ بِمَمْلُوكِهِ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَهُمُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ.
كَمَا فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (1) . .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ (2) .، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. فَمَنْ يَكُنْ مَذْهَبُهُ أَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا، كَيْفَ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُبِحْهُ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ (3) بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ يَتَّفِقُونَ (4) . عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَيَتَنَازَعُونَ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهَا: هَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الَّتِي هِيَ ابْنَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ الْمَلَاهِي كَالشَّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ ".
فَيُقَالُ: مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (5) . أَنَّ الشَّطْرَنْجَ حَرَامٌ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ
(1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: 4/220 - 221 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)، وَنَصُّهُ فِيهِ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 - 9 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/856 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/258 - 259. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
(2)
أ، ب، ن، م، ر، هـ: الْمَنْصُورَةِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي (و) : مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
(3)
أ، ب: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.
(4)
أ، ب: مُتَّفِقُونَ
(5)
ن، م، و: مَذْهَبُ جُمْهُورِهِمْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه (1) . أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (2) .؟ .
وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهَا مَعْرُوفٌ عَنْ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَتَنَازَعُوا فِي أَيِّهِمَا أَشَدُّ (3) . تَحْرِيمًا: الشَّطْرَنْجُ أَوَالنَّرْدُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الشَّطْرَنْجُ أَشَدُّ مِنَ النَّرْدِ. وَهَذَا مَنْقُولٌ (4) . عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِالْفِكْرِ الَّذِي يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنَ النَّرْدِ.
وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: النَّرْدُ أَشَدُّ، فَإِنَّ الْعِوَضَ يَدْخُلُ فِيهَا أَكْثَرَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقُلْ (5) .: إِنَّ (6) . الشَّطْرَنْجَ حَلَالٌ، وَلَكِنْ قَالَ: النَّرْدُ حَرَامٌ وَالشَّطْرَنْجُ دُونَهَا، وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي (7) . أَنَّهَا حَرَامٌ، فَتَوَقَّفَ فِي التَّحْرِيمِ. وَلِأَصْحَابِهِ فِي تَحْرِيمِهَا قَوْلَانِ (8) .: فَإِنْ كَانَ التَّحْلِيلُ هُوَ الرَّاجِحُ فَلَا ضَرَرَ،
(1) رضي الله عنه: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، (هـ)، وَفِي (م) : كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ
(2)
أَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ (52) مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ لِأَنْ يَمَسَّ صَاحِبُكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَأَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا
(3)
ن، م، ص، ر، هـ، و: وَتَنَازَعُوا أَيُّمَا أَشَدُّ
(4)
ن، م، و: مَعْرُوفٌ
(5)
م، و: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَلَمْ يَقُلْ، ن: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فَلَمْ يَقُلْ
(6)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(7)
لِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)
(8)
ن، م، هـ، ر، ص: وَجْهَانِ
وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ هُوَ الرَّاجِحُ فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْرُجُ الْحَقُّ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ الْغِنَاءِ ".
فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ (1) . الَّتِي هِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ عِنْدَهُمْ لَمْ يَضْمَنْ صُورَةَ التَّالِفِ، بَلْ يَحْرُمُ عِنْدَهُمُ اتِّخَاذُهَا. وَهَلْ يَضْمَنُ الْمَادَّةَ: عَلَى قَوْلَيْنِ (2) . مَشْهُورِينَ لَهُمْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ أَوْعِيَةَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُحَرَّمُ (3) . مِنَ الْمَادَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، كَمَا أَتْلَفَ مُوسَى الْعِجْلَ الْمُتَّخَذَ مِنَ الذَّهَبِ (4) . .
وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ يَحْرِقَ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ» (5)
(1) ب: الْمَلَاهِي. وَمَكَانَ الْكَلِمَةِ بَيَاضٌ فِي (أ)
(2)
ن، م: وَجْهَيْنِ
(3)
أ، ب: الْخَمْرُ
(4)
ر، هـ، ص: الَّذِي اتُّخِذَ مِنَ الذَّهَبِ، أ، ب: الَّذِي اتُّخِذَ مِنْ ذَهَبٍ، و: الْمُتَّخَذُ مِنْ ذَهَبٍ
(5)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فِي مُسْلِمٍ 3/1647 (كِتَابُ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الرَّجُلِ الثَّوْبَ الْمُعَصْفَرَ)، وَنَصُّهُ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: أَأَمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: بَلِ احْرَقْهُمَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِهِ: مُعَصْفَرَيْنِ: أَيُّ مَصْبُوغَيْنِ بِعُصْفُرٍ، وَالْعُصْفُرُ صَبْغٌ أَصْفَرُ اللَّوْنِ. .
وَكَمَا أَمَرَهُمْ عَامَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي كَانَ (1) . فِيهَا لُحُومُ الْحُمُرِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي إِرَاقَةِ (2) . مَا فِيهَا (3) .، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ.
وَكَمَا أَمَرَ لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِشَقِّ الظُّرُوفِ وَكَسْرِ الدِّنَانِ (4) . .
وَكَمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما (5) . أَمَرَا بِتَحْرِيقِ الْمَكَانِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ.
وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - فِي
(1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)(و)
(2)
هـ، ر، ص: بِإِرَاقَةِ
(3)
الْحَدِيثُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 5/130 - 131 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَفِيهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا. قَالَ: أَوْ ذَاكَ. وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/136 (كِتَابُ الْمَظَالِمِ، بَابُ هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ) ، مُسْلِمٍ 3/1427 - 1429 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1065 - 1066 (كِتَابُ الذَّبَائِحِ، بَابُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ)
(4)
فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/379 - 380 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ)، عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ: أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدِّنَانَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ. حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ، رَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ عِنْدَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/227 الْحَدِيثَ، وَانْظُرْ: الْبُخَارِيَّ 7/106 - 107 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْيِ)
(5)
رضي الله عنهما: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالُوا: هَذِهِ عُقُوبَاتٌ مَالِيَّةٌ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: لَمْ يَنْسَخْ ذَلِكَ (1) . شَيْءٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ (2) . إِلَّا بِنَصٍّ مُتَأَخِّرٍ عَنِ الْأَوَّلِ يُعَارِضُهُ، وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (3) .، بَلِ الْعُقُوبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ تُسْتَعْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ إِتْلَافَ الْأَبْدَانِ وَالْأَعْضَاءِ أَعْظَمُ مِنْ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْأَوَّلِ مَشْرُوعًا، فَجِنْسُ الثَّانِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَقَدْ تَنَازَعُوا أَيْضًا فِي الْقِصَاصِ فِي الْأَمْوَالِ: إِذَا خَرَقَ (4) . لَهُ ثَوْبًا هَلْ لَهُ أَنْ يَخْرِقَ (5) . نَظِيرَهُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَيُتْلِفَ مَالَهُ كَمَا أَتْلَفَ مَالَهُ، عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. فَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ فَسَادٌ (6) . وَمَنْ قَالَ: يَجُوزُ، قَالَ: إِتْلَافُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ أَشَدُّ فَسَادًا، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ وَالِاقْتِصَاصِ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَفِّ الْعُدْوَانِ، [وَشِفَاءِ نَفْسِ الْمَظْلُومِ] (7) . . وَمَنْ مَنَعَ قَالَ: النُّفُوسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ النُّفُوسُ (8) . فَإِنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُؤَدِّي دِيَةً، أَقْدَمَ (9) . عَلَى الْقَتْلِ وَأَدَّى (10) . الدِّيَةِ.
(1) ن: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ ذَلِكَ
(2)
أ، ب: شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ
(3)
ب: بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، هـ: شَيْءٌ بِذَلِكَ
(4)
ن، م، و: حَرَقَ، أ، ب: أَحْرَقَ
(5)
أ، ب، ن، م، و: يُحْرِقَ
(6)
ص: إِفْسَادٌ
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَفِي (ص)، (ر) : وَتَشَفِّي نَفْسِ الْمَظْلُومِ
(8)
هـ: النَّفْسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ النُّفُوسُ ; ر: النُّفُوسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ الْحُقُوقُ، أ، ب: النُّفُوسُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ ثُمَّ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ
(9)
ن، م، و: دِيَةً قَالَ: أُقْدِمُ
(10)
ن: الدِّيَةَ
بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُتْلِفِ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ، فَحَصَلَ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ الزَّجْرِ. وَأَمَّا إِتْلَافُ ذَلِكَ فَضَرَرُهُ (1) . عَلَى الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَالُهُ وَعِوَضُ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقُولُ: بَلْ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ (2) . شِفَاءِ غَيْظِ الْمَظْلُومِ. وَأَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ (3) . مِنْهُ إِلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَهَذَا (4) . أَظْهَرُ جَوَازًا ; لِأَنَّ (5) . الْقِصَاصَ عَدْلٌ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، فَإِذَا أَتْلَفَ مَالَهُ وَلَمْ يَكُنِ الِاقْتِصَاصُ (6) . مِنْهُ إِلَّا بِإِتْلَافِهِ، جَازَ ذَلِكَ.
وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ إِتْلَافِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لِلْكُفَّارِ، إِذَا فَعَلُوا بِنَا مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ (7) . عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ. وَفِي جَوَازِهِ بِدُونِ ذَلِكَ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ (8) . وَهُوَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالْجَوَازُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ.
[وَالْمَقْصُودُ هُنَا](9) . أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَمْ يُحْكَ عَنْهُمْ نِزَاعٌ فِي ذَلِكَ (10) .، إِلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرُوا فِي النِّزَاعِ وَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ. وَأَمَّا
(1) ن، م، أ: فَضَرُورَةٌ
(2)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)
(3)
ن، هـ، و، ر، ص: الِاقْتِصَاصُ
(4)
أ، ب: فَهُوَ
(5)
أ، ب: فَإِنَّ
(6)
ص: الْقِصَاصُ
(7)
أ، ب: نَقْدِرْ
(8)
مَعْرُوفٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)
(9)
عِبَارَةُ " وَالْمَقْصُودُ هُنَا " مَكَانَهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م)
(10)
ن، م: فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ