الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ بِفَاعِلِيَّةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ حَدَثَتْ بِالْأُولَى (1) لَزِمَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ حَدَثَتْ (2) بِغَيْرِهَا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ ; فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنَ الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْمَدْحَ وَالذَّمَّ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فَقِيرًا إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَا يَسْتَغْنِي عَنِ اللَّهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ (3) ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَ جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَأَنْ يَكُونَ نَفْسُ فِعْلِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمُمْكِنَاتِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ.
[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى]
(فَصْلٌ)
قَالَ [الرَّافِضِيُّ](4) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْهُ الْكُفْرَ، وَقَدْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَفْعَلِ الْإِيمَانَ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ مِنْهُ (5) فَيَكُونُ قَدْ أَطَاعَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا كَرِهَهُ (6) ، وَيَكُونُ النَّبِيُّ عَاصِيًا لِأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ [مِنْهُ] (7) وَيَنْهَاهُ عَنِ الْكُفْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْهُ "(8) .
(1) ن، م: حَدَثَتْ بِالْأَوَّلِ.
(2)
ع، ن، م: وَإِنْ حَدَثَتْ.
(3)
ع: لَا يَسْتَغْنِي عَنْ شَيْءٍ قَطُّ.
(4)
الرَّافِضِيُّ فِي (ع) فَقَطْ. وَالنَّصُّ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 8 (م) 189 (م) .
(5)
سَاقِطٌ مِنْ (ع) .
(6)
ن، م: مَا يَكْرَهُهُ.
(7)
مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
م: يُرِيدُهُ اللَّهُ ; ك: يُرِيدُهُ مِنْهُ.
الْجَوَابُ [مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ] : أَنَّ هَذَا (1) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ: هَلْ هِيَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ؟ أَوْ مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ؟ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ أَمْ لَا؟ وَأَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ هَلْ هُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؟
وَمِنَ الْمَعْلُومِ (2) أَنَّ كَثِيرًا مِنْ نُظَّارِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ (3) لِلْقَدَرِ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ لَا مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْقَدَرِيُّ لَمْ يُبَيِّنْ صِحَّةَ قَوْلِهِ وَلَا فَسَادَ قَوْلِ مُنَازِعِيهِ، بَلْ أَخَذَ ذَلِكَ دَعْوَى مُجَرَّدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ مُنَازِعُوهُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، كَفَى فِي هَذَا الْمَقَامِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ بِمَا تَقَدَّمَ (4) مِنْ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُهَا بِإِرَادَتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْكُفْرِ (5) وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، فَعُلِمَ بِأَنَّهُ قَدْ (6) يَخْلُقُ بِإِرَادَتِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (7) وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ (8) حَقَّهُ فِي غَدٍ (9) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَخَرَجَ الْغَدُ وَلَمْ يَقْضِهِ، مَعَ
(1) ن، م: الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا، ع: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا.
(2)
ع: وَمَعْلُومٌ.
(3)
أ، ب: مِنْ نُظَّارِ الْإِثْبَاتِ ; ن، م: مِنَ النُّظَّارِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ.
(4)
أ، ب: بِمَا قُدِّمَ.
(5)
م: لَمْ يَأْمُرْ بِإِرَادَةِ الْكُفْرِ.
(6)
قَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
ن، م: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ.
(8)
أ، ب: لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيَقْضِيهِ.
(9)
ن، م: حَقَّهُ غَدًا.
قُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَطَالَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ (1) ، لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لَحَنِثَ (2) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ (3) الْحَلِفِ عَلَى فِعْلٍ مَأْمُورٍ إِذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [سُورَةُ يُونُسَ: 99] مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يَشَأْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ضَلَالَهُ (4) وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ (5) بِالضَّلَالِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: طَرِيقَةُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ (6) وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ (7) تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ، وَإِرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ. فَالْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَمْرِ أَنْ يُرِيدَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ (8) وَأَمَّا إِرَادَةُ الْخَلْقِ فَأَنْ يُرِيدَ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ. فَإِرَادَةُ الْأَمْرِ هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَهِيَ الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ. وَالثَّانِيَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ (9) بِالْخَلْقِ هِيَ الْمَشِيئَةُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ.
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: يَحْنَثُ.
(3)
سَائِرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
ن، م: إِضْلَالَهُ.
(5)
أ، ب، ع: لَمْ يَأْمُرْ.
(6)
أ، ب: الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ.
(7)
ع، ن، م: نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إِرَادَةٌ.
(8)
ع: مَا أَمَرَ بِهِ ; أ، ب: مَا أَمَرَهُ.
(9)
ب فَقَطْ: وَالْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ.
فَالْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26] إِلَى قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 28]، وَقَوْلِهِ:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] .
وَالثَّانِيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلِ نُوحٍ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] .
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ لِمَنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ (1) : هَذَا يَفْعَلُ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ. وَإِذَا (2) كَانَ كَذَلِكَ فَالْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ لَيْسَ مُرَادًا لِلرَّبِّ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَالطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ تِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِلْأَمْرِ (3) الْمُسْتَلْزِمِ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ، فَأَمَّا مُوَافَقَةُ مُجَرَّدِ النَّوْعِ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ بِهِ مُطِيعًا، وَحِينَئِذٍ فَالنَّبِيُّ يَقُولُ [لَهُ] (4) : بَلِ الرَّبُّ يُبْغِضُ كُفْرَكَ (5) وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ لَكَ
(1) ن: قَوْلُهُمْ: لَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ الْقَبَائِحَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(2)
أ، ب: فَإِذَا.
(3)
ب: مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِلْأَمْرِ، أ: مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ.
(4)
لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
أ، ب: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْكُفْرَ.
أَنْ تَفْعَلَهُ وَلَا يُرِيدُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَالنَّبِيُّ يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ لَهُ (1) وَيُرِيدُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ يُقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (2) مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ: وَهُوَ (3) أَنَّ الْحُبَّ وَالرِّضَا هَلْ هُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ هُوَ صِفَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْإِرَادَةِ؟ فَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ [الْإِمَامِ](4) أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَجْعَلُونَهُمَا (5) جِنْسًا وَاحِدًا. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلَا يُرِيدُهُ (6)، وَالْمُثْبِتَةُ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ يُرِيدُ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ.
وَأُولَئِكَ يَتَأَوَّلُونَ الْآيَاتِ الْمُثْبِتَةَ لِإِرَادَةِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125]، وَ [قَوْلِهِ] (7) :{إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] .
وَهَؤُلَاءِ يَتَأَوَّلُونَ الْآيَاتِ النَّافِيَةَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ بِهَا (8)، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205]، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] ، وَقَوْلِهِ (9) :{إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] .
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) .
(2)
الْمَسْأَلَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(3)
أ، ب، م: هُوَ.
(4)
الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ (أ) ، (ب) .
(5)
ن، أ، ب: يَجْعَلُونَهَا.
(6)
ن، م: وَلَا يُرِيدُهُ.
(7)
قَوْلِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(8)
أ، ب: وَرِضَاهُ لَهَا.
(9)
وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
وَأُمًّا جَمَاهِيرُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، [وَهُوَ قَوْلُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ، مِثْلِ ابْنِ كِلَابٍ كَمَا ذَكَرَهُ (1) أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ] مَا (2) ، فَإِنَّ النُّصُوصَ (3) قَدْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَلَا يُحِبُّ ذَلِكَ، مَعَ كَوْنِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى (4) لَا يَرْضَاهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (5) أَوْ لَا يَرْضَاهَا وَلَا يُحِبُّهَا (6) دِينًا بِمَعْنَى: لَا يُرِيدُهَا - يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَرْضَى الْإِيمَانَ أَيْ مِنَ الْكَافِرِ (7) أَوْ لَا يُرِيدُهُ غَيْرَ دِينٍ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَعَاصِيَ بِقَوْلِهِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 38]، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» "(8) .
(1) أ، ب: الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِثْلُ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ.
(2)
بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
أ، ب: فَالنُّصُوصُ.
(4)
بِمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م: لَا يَرْضَاهَا لِلْمُؤْمِنِينَ.
(6)
ع: أَوْ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا، ن: وَلَا يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، م: أَوْ لَا يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا.
(7)
ب: يُقَالُ يَرْضَى الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافَّةِ، أ: يُقَالُ يَرْضَى الْإِيمَانَ أَيْ مِنَ الْكَافِرِ ; ع: يُقَالُ لَا يَرْضَى الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافِرِ.
(8)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 2 124 كِتَابِ الزَّكَاةِ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا 3 120 كِتَابِ الِاسْتِقْرَاضِ، بَابِ مَا يَنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، مُسْلِمٍ 3 1341 كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، بَابِ النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4 246، 249، 254، وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ، 16 144، رَقْمِ 8316. 16 292 - 293 رَقْمِ 7803، الْمُوَطَّأِ 2 990 كِتَابِ الْكَلَامِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَوَّلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا. . . الْحَدِيثَ.
وَالْأُمَّةُ (1) مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ، وَيُحِبُّ الْمَأْمُورَاتِ، دُونَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَأَنَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَأَنَّهُ يَمْقُتُ الْكَافِرِينَ وَيَغْضَبُ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ» ". (2) وَقَالَ: " «مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» ". (3)، وَقَالَ:" «إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ» "(4) ،
(1) م: فَالْأُمَّةُ ; ن: فَالْآيَةُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
(2)
الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَاخْتِلَافٍ فِي أَوَّلِهِ، فَجَاءَ أَحْيَانًا بِلَفْظِ: لَا أَحَدٌ أَحَبَّ، وَأَحْيَانًا " لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ ". عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَسَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ 60 - 61.
(3)
أ، ب: أَنَّهُ يَرَى عَبْدَهُ يَزْنِي بِأَمَتِهِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها فِي الْبُخَارِيِّ 7 35 كِتَابِ النِّكَاحِ بَابِ الْغَيْرَةِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهَا مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُ: فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. الْحَدِيثَ وَهُوَ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْبُخَارِيِّ 2 34 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ مُسْلِمٍ 2 618 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 108 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 6 164.
(4)
جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ 4 2062 - 2063 كِتَابِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. بَابٍ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 8 87 كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بَابِ لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ، الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 13 244 رَقْمِ 7493 وَتَكَرَّرَ فِي أَرْقَامِ: 7612، 8131، 9509، 10486، 10539، 10696، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 1269 كِتَابِ الدُّعَاءِ، بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ عز وجل، وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2 83 كِتَابِ الْوَتْرِ بَابِ اسْتِحْبَابِ الْوَتْرِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1 282 كِتَابِ الْوَتْرِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَتْرِ لَيْسَ بِحَتْمٍ. سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 187، كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ بَابِ الْأَمْرِ بِالْوَتْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهُ 1 370 كِتَابِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَتْرِ. الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 2 124، 164 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. وَجَاءَ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 8 177 بِلَفْظِ: وَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَتَكَرَّرَ 9 216
" « [إِنَّ] اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» "(1)، وَقَالَ:" «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» "(2) .
وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» "(3) ، " «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ
(1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي: مُسْلِمٍ 1 93 كِتَابِ الْإِيمَانِ بَابِ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ، وَأَوَّلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4 133، 134، 151.
(2)
أ، ب: كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ. وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 8 170 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 3 162 وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَأَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2 146 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ:(حم) أَحْمَدُ (حب) ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، (هب) الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ.
(3)
مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2 65 ت [0 - 9] .
ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» " (1) .
وَقَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ [الْمُؤْمِنِ] (2) مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَاضْطَجَعَ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا أَفَاقَ إِذَا أ، ب: فَإِذَا. بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا [الرَّجُلِ] (3) بِرَاحِلَتِهِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهُوَ مُسْتَفِيضٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ (4) ، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهُ.
وَإِذَا (5) كَانَ كَذَلِكَ فَالطَّاعَاتُ يُرِيدُهَا مِنَ الْعِبَادِ الْإِرَادَةَ (* الْمُتَضَمِّنَةَ
(1) هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِي ص 159 وَنَصُّهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. وَذَكَرْتُ فِيمَا سَبَقَ أَنِ الْحَدِيثَ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 16 144، 292 - 293 وَجَاءَ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ.
(2)
الْمُؤْمِنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(3)
الرَّجُلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(4)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 8 68 كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بَابِ التَّوْبَةِ، مُسْلِمٍ 4 2102 - 2105 كِتَابِ التَّوْبَةِ بَابٍ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفَرَحِ بِهَا، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5 225 ط. الْحَلَبِيِّ 4 275 جَامِعِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 3 65 - 67.
(5)
م، ن: فَإِذَا.
لِمَحَبَّتِهِ لَهَا وَرِضَاهُ بِهَا إِذَا وَقَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا، وَالْمَعَاصِي يُبْغِضُهَا وَيَمْقُتُهَا وَيَكْرَهُ مِنَ الْعِبَادِ *) (1) أَنْ يَفْعَلُوهَا وَإِنْ أَرَادَ (2) أَنْ يَخْلُقَهَا هُوَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ (3) وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَرِهَهَا (4) لِلْعَبْدِ لِكَوْنِهَا تَضُرُّ الْعَبْدَ [وَيُبْغِضُهَا أَيْضًا](5) - أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَخْلُقَهَا هُوَ لِمَا لَهُ فِيهَا (6) مِنَ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَحْسُنُ مِنْ أَحَدِ الْمَخْلُوقِينَ وَيَقْبُحُ مِنَ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْفَاعِلِينَ الْفَاعِلِينَ:(7) ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ أَنَّهُ مَا قَبُحَ مِنَ الْعَبْدِ قَبُحَ (8) مِنَ الرَّبِّ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِلْمَخْلُوقِ مَعَ الْخَالِقِ (9) وَإِذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ قَدْ (10) يُرِيدُ مَا لَا يُحِبُّهُ، كَإِرَادَةِ الْمَرِيضِ لِشُرْبِ (11) الدَّوَاءِ الَّذِي يُبْغِضُهُ (12) ، وَيُحِبُّ مَا لَا يُرِيدُهُ كَمَحَبَّةِ الْمَرِيضِ الطَّعَامَ الَّذِي يَضُرُّهُ، [وَمَحَبَّةِ الصَّائِمِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَمَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِلشَّهَوَاتِ الَّتِي يَكْرَهُهَا بِعَقْلِهِ وَدِينِهِ](13) .
فَقَدْ عَقَلَ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِمُسْتَلْزِمٍ
(1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .
(2)
أ، ب: مَنْ يَفْعَلُهَا إِنْ شَاءَ.
(3)
ن، م: ذَلِكَ بِهَا.
(4)
ن فَقَطْ: وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إِذَا كَرِهَهَا.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) وَأُبْغِضُهَا أَيْضًا.
(6)
أ، ب: لِمَا لَهُ فِيهِ، ع: لِمَا فِيهَا.
(7)
سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(8)
أ، ب: أَنَّ مَا قَبُحَ مِنَ الْعَبْدِ يَقْبُحُ.
(9)
ن، م، ع: إِلَى الْخَالِقِ وَحُرِّفَتْ (نِسْبَةَ) فِي (ن) إِلَى يُشْبِهُ.
(10)
قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(11)
أ، ب: لِيَشْرَبَ.
(12)
م: يَكْرَهُهُ وَلَا يُرِيدُهُ.
(13)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ)، (ب) : الشَّهَوَاتِ، وَفِي (ع) حُرِّفَتْ بِعَقْلِهِ إِلَى بِفِعْلِهِ.
لِلْآخَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ: (1) . فَكَيْفَ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي حَقِّ الْخَالِقِ تَعَالَى؟
وَقَدْ يُقَالُ: كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ مُرَادَةٌ مَحْبُوبَةٌ (2) ، لَكِنَّ فِيهَا مَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ مُرَادٌ بِالذَّاتِ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ (3) مَرَضِيٌّ لَهُ، وَفِيهَا (4) مَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُرَادٌ بِالْعَرَضِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْمُرَادِ الْمَحْبُوبِ لِذَاتِهِ.
فَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ الْعَافِيَةَ لِنَفْسِهَا (5) وَيُرِيدُ شُرْبَ الدَّوَاءِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَيْهَا، وَهُوَ (6) يُرِيدُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوبًا (7) فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُرَادٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْمَحْبُوبُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَى مُرَادٍ لِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا قَدْ لَا يُحَبُّ لِنَفْسِهِ، أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ (8) مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَالْإِرَادَةُ نَوْعَانِ: فَمَا كَانَ مَحْبُوبًا فَهُوَ مُرَادٌ لِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَحْبُوبٍ فَهُوَ (9) مُرَادٌ لِغَيْرِهِ. وَعَلَى هَذَا تَنْبَنِي مَسْأَلَةُ مَحَبَّةِ الرَّبِّ [عز وجل](10) نَفْسَهُ وَمَحَبَّتِهِ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ جَعَلُوا الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا هُوَ
(1) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن)، (ع) : فِي الْمَخْلُوقِ.
(2)
مَحْبُوبَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .
(3)
م: لِلرَّبِّ، ن: بِالرَّبِّ.
(4)
ن، م: وَمِنْهَا.
(5)
ن، م: لِنَفْسِهِ، أ: بِنَفْسِهَا.
(6)
ب فَقَطْ: فَهُوَ.
(7)
ن، م: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْبُوبَةً.
(8)
أ، ب، ع: وَالْمَشِيئَةِ.
(9)
ن، م: فَهَذَا.
(10)
عز وجل: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
الْإِرَادَةُ (1) الْعَامَّةُ، قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ لَا يُحِبُّ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يُحَبُّ، وَتَأَوَّلُوا مَحَبَّتَهُ [تَعَالَى](2) لِعِبَادِهِ بِإِرَادَتِهِ (3) ثَوَابَهُمْ وَمَحَبَّتَهُمْ لَهُ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِمْ (4) لَهُ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَ [مِنْهُمْ] طَائِفَةٌ (5) كَثِيرَةٌ قَالُوا: هُوَ مَحْبُوبٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ، وَلَكِنَّ مَحَبَّتَهُ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى مَشِيئَتِهِ.
وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ [وَأَئِمَّةُ] أَهْلِ (6) الْحَدِيثِ [وَأَئِمَّةُ](7) التَّصَوُّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، فَأَقَرُّوا بِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ، بَلْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ إِلَّا هُوَ.
وَهَذَا (8) حَقِيقَةُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ (9) وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهَ مَعْبُودًا لِذَاتِهِ، وَلَا أَثْبَتَ التَّلَذُّذَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ أَقْوَالِ الْخَارِجِينَ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِكَوْنِ اللَّهِ هُوَ الْمَعْبُودُ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ مَنْ أَظْهَرُهُ، وَهُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ يَوْمَ الْأَضْحَى، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِرِضَا عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: " ضَحُّوا أَيُّهَا
(1) أ، ب، ع: الْمَشِيئَةُ.
(2)
تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
أ، ب: بِإِرَادَةِ.
(4)
ن، م، ع: طَاعَتِهِ.
(5)
ن، م: وَطَائِفَةٌ.
(6)
وَأَئِمَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَ " أَهْلِ " سَاقِطَةٌ مِنَ (أ) ، (ب) .
(7)
وَأَئِمَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (م) .
(8)
ع: وَهَذِهِ.
(9)
ن، م: وَالْأُلُوهِيَّةِ.
النَّاسُ، تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا " ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ» ". (1) .
وَقَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (2) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ [فِي دُعَائِهِ](3) : " «وَأَسْأَلُكَ (4) لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ» "(5) .
وَرَوَى [الْإِمَامُ] أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ [وَغَيْرُهُمَا] عَنْ (6) عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ [يَقُولُ فِي] دُعَائِهِ (7) : " «أَسْأَلُكَ
(1) الْحَدِيثُ عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ: 1 163 كِتَابِ الْإِيمَانِ بَابِ إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ رَبَّهُمْ سبحانه وتعالى. الْحَدِيثُ رَقْمُ 298، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 92 كِتَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ تبارك وتعالى، 4 349 كِتَابِ التَّفْسِيرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ يُونُسَ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1 67 الْمُقَدِّمَةِ بَابِ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ.
(2)
ع: مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
(3)
فِي دُعَائِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)، وَفِي (ع) : فِي الدُّعَاءِ.
(4)
ن، م، ع: أَسْأَلُكَ.
(5)
انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَعْلِيقِ \ 2 فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ.
(6)
ن، م: وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ.
(7)
ن، م: كَانَ يَدْعُو، ع: كَانَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ.
لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ ع، م: فِي. غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» " (1) .
وَأَمَّا الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَنَّهُ مَحْبُوبٌ، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى (2) مَشِيئَتِهِ، فَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَخْرُجُونَ إِلَى مَذَاهِبِ الْإِبَاحَةِ (3)، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [وَيَرْضَى ذَلِكَ](4) ، وَأَنَّ الْعَارِفَ إِذَا شَهِدَ هَذَا الْمَقَامَ (5) لَمْ يَسْتَحْسِنْ حَسَنَةً وَلَمْ يَسْتَقْبِحْ سَيِّئَةً لِشُهُودِهِ الْقَيُّومِيَّةَ الْعَامَّةَ، وَخَلْقَ الرَّبِّ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا [طَائِفَةٌ مِنَ الشُّيُوخِ الْغَالِطِينَ](6) مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ وَالنُّظَّارِ (7) ، وَهُوَ غَلَطٌ عَظِيمٌ.
وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَ [اتِّفَاقُ] سَلَفِ (8) الْأُمَّةِ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ
(1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ طَوِيلَيْنِ: الْأَوَّلُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 46 - 47 كِتَابِ السَّهْوِ، بَابِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الذَّكْرِ، نَوْعٌ مِنْهُ. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ. الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4 264 وَالْحَدِيثُ الثَّانِي بِمَعْنَى الْأَوَّلِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِي: الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5 191.
(2)
ن، م: يَعْنِي.
(3)
ن، م: الْإِبَاحِيَّةِ.
(4)
وَيَرْضَى ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ن، م: عِنْدَ الْحَاكِمِ، ع: هَذَا الْحُكْمَ، أ: هَذَا الْحَاكِمَ، وَمَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ب) هُوَ الصَّوَابُ.
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(7)
ن، م، ع: وَالنَّظَرِ.
(8)
أ، ب: وَسَلَفِ.
وَأَوْلِيَاءَهُ، وَيُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا يُحِبُّ الشَّيَاطِينَ وَلَا مَا نَهَى عَنْهُ، وَإِنْ [كَانَ](1) كُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْجُنَيْدِ [بْنِ مُحَمَّدٍ](2) وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يُفَرِّقُوا فِي الْمَخْلُوقَاتِ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا لَا يُحِبُّهُ، فَأَشْكَلَ هَذَا عَلَيْهِمْ لِمَا رَأَوْا أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ مَا لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَكَانَ مَا قَالَهُ الْجُنَيْدُ وَأَمْثَالُهُ (3) هُوَ الصَّوَابُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْإِرَادَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا [بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَهُوَ](4) أَنْ يُرِيدَ الْفَاعِلُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا، فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْلِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا (5) فَهَذِهِ إِرَادَةٌ (6) لِفِعْلِ الْغَيْرِ.
وَكِلَا النَّوْعَيْنِ مَعْقُولٌ (7) فِي النَّاسِ، لَكِنَّ الَّذِينَ قَالُوا:[إِنَّ](8) الْأَمْرَ لَا (9) يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ، لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا النَّوْعَ (10) الْأَوَّلَ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَالَّذِينَ
(1) كَانَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
بْنِ مُحَمَّدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
ن، م: وَأَصْحَابُهُ.
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
فِعْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
أ، ب: فَهَذَا الْإِرَادَةُ، ن، م: وَهَذِهِ إِرَادَةٌ.
(7)
أ، ب: مَفْعُولٌ.
(8)
إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(9)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(10)
ن، م: الْأَنْوَاعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ، لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا النَّوْعَ الثَّانِيَ.
وَهَؤُلَاءِ (1) الْقَدَرِيَّةُ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ خَلْقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقُهَا عِنْدَهُمْ وَأُولَئِكَ الْمُقَابِلُونَ لَهُمْ (2) يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بِمَعْنَى إِرَادَةِ أَنْ يَخْلُقَ، فَمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ لَهُ، فَعِنْدَهُمْ هُوَ مُرِيدٌ لِكُلِّ مَا خَلَقَ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا، وَلَمْ يُرِدْ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ (3) وَإِنْ كَانَ إِيمَانًا.
وَهَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ إِثْبَاتُ النَّوْعَيْنِ، كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ; وَلِهَذَا قَالَ جَعْفَرٌ:" أَرَادَ بِهِمْ وَأَرَادَ مِنْهُمْ "، فَالْوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ مُرِيدًا لِنُصْحِهِ، وَبَيَانًا لِمَا يَنْفَعُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَكُونُ مَصْلَحَتِي فِي أَنْ آمُرَ بِهِ غَيْرِي وَأَنْصَحَهُ يَكُونُ مَصْلَحَتِي (4) فِي أَنْ أُعَاوِنَهُ [أَنَا](5) عَلَيْهِ، بَلْ تَكُونُ (6) مَصْلَحَتِي إِرَادَةَ مَا يُضَادُّهُ.
كَالرَّجُلِ الَّذِي يَسْتَشِيرُهُ (7) غَيْرُهُ فِي خِطْبَةِ امْرَأَةٍ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ، وَالْآمِرُ يَرَى (8) أَنَّ مَصْلَحَتَهُ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا هُوَ دُونَهُ، فَجِهَةُ أَمْرِهِ لِغَيْرِهِ نُصْحًا - غَيْرُ جِهَةِ فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ.
(1) أ، ب، ع: فَهَؤُلَاءِ.
(2)
أ، ب، ن: الْقَائِلُونَ لَهُمْ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
(3)
أ، ب: مَا لَمْ يَخْلُقْ.
(4)
ن: وَتَكُونُ مَصْلَحَتِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(5)
أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
(6)
ب فَقَطْ: بَلْ قَدْ تَكُونُ.
(7)
يَسْتَشِيرُهُ: كَذَا فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَسْتَشِيرُ.
(8)
أ: وَإِلَّا يَرَى، ب: وَإِلَّا فَهُوَ يَرَى.
وَإِذَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ. فَهُوَ (1) سُبْحَانَهُ أَمَرَ الْخَلْقَ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ، وَلَكِنْ (2) مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ فِعْلَهُ، فَأَرَادَ هُوَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَيَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَ فِعْلَهُ. فَجِهَةُ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ - غَيْرُ جِهَةِ أَمْرِهِ لِلْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِمَا هُوَ (3) مَصْلَحَةٌ لِلْعَبْدِ أَوْ مَفْسَدَةٌ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَمَرَ فِرْعَوْنَ وَأَبَا لَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا بِالْإِيمَانِ، كَانَ قَدْ بَيَّنَ (4) لَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَيُصْلِحُهُمْ (5) إِذَا فَعَلُوهُ وَلَا يَلْزَمُ (6) إِذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُعِينَهُمْ، بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي خَلْقِهِ لَهُمْ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهِ وَجْهُ مَفْسَدَةٍ، مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ لَهُ، فَإِنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَخْلُقُ لِحِكْمَةٍ لَهُ (7) ، وَلَا يَلْزَمُ (8) إِذَا كَانَ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَصْلَحَةً لِلْمَأْمُورِ إِذَا فَعَلَهُ، أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةً لِلْآمِرِ إِذَا فَعَلَهُ [هُوَ](9) ، أَوْ جَعَلَ الْمَأْمُورَ فَاعِلًا لَهُ (10) ، فَأَيْنَ جِهَةُ الْخَلْقِ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ؟
(1) ن، م: وَهُوَ.
(2)
ن: وَلْيَكُنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
أ: عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ الظَّاهِرِ، ب: وَعَلَى وَجْهِ بَيَانٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
(4)
أ، ب، ن: تَبَيَّنَ.
(5)
ن: مَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ.
(6)
ب فَقَطْ: وَلَا يَلْزَمُهُ.
(7)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(8)
ن، م: فَلَا يَلْزَمُ.
(9)
هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(10)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .
وَالْقَدَرِيَّةُ تَضْرِبُ مَثَلًا فِيمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ (1) ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ (2) أَنْ يَفْعَلَ مَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ أَقْرَبَ إِلَى فِعْلِهِ، كَالْبِشْرِ وَالطَّلَاقَةِ وَتَهْيِئَةِ الْمَقَاعِدِ وَالْمَسَانِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمَرَ غَيْرَهُ (3) لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، كَأَمْرِ الْمَلِكِ جُنْدَهُ (4) بِمَا يُؤَيِّدُ مُلْكَهُ، وَأَمْرِ السَّيِّدِ (5) عَبْدَهُ بِمَا يُصْلِحُ مَالَهُ (6) ، وَأَمْرِ الْإِنْسَانِ شَرِيكَهُ (7) بِمَا يُصْلِحُ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ يَرَى الْإِعَانَةَ (8) لِلْمَأْمُورِ مَصْلَحَةً [لَهُ](9) ، كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ [إِذَا](10) أَعَانَ الْمَأْمُورَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى إِعَانَتِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ (11) الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، فَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْآمِرَ (12) إِنَّمَا أَمَرَ الْمَأْمُورَ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ لَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِهِ كَالنَّاصِحِ الْمُشِيرِ (13) وَقُدِّرَ أَنَّهُ إِذَا (14) أَعَانَهُ
(1) ن: أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرِهِ، م: أَمَرَ عِنْدَهُ بِأَمْرِهِ، ع: أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ.
(2)
أ: لَا بُدَّ، ب: فَلَا بُدَّ.
(3)
م: عَبْدَهُ.
(4)
ن، م: عَبْدَهُ.
(5)
ن، م: الْآمْرِ.
(6)
ن، م، ع: مُلْكَهُ.
(7)
ن، م، ع: شُرَكَاءَهُ.
(8)
ن، م: إِعَانَةً.
(9)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(10)
ع: وَإِذَا.
(11)
ع: وَأَنَّهُ فِي عَوْنِ.
(12)
أ، ب: فَإِذَا كَانَ الْآمِرُ.
(13)
أ: كَالنَّاصِحِ لِلْمُشِيرِ، ب: كَالنَّاصِحِ لِلْمُسْتَشِيرِ.
(14)
إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ (1) ، لِأَنَّ فِي حُصُولِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ مَضَرَّةً عَلَى الْآمِرِ] (2) كَمَنْ يَأْمُرُ (3) مَظْلُومًا أَنْ يَهْرَبَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَهُوَ لَوْ أَعَانَهُ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، مِثْلَ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى وَقَالَ (4) لِمُوسَى:{إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 20] فَهَذَا مَصْلَحَتُهُ فِي أَنْ يَأْمُرَ مُوسَى بِالْخُرُوجِ لَا فِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ لَوْ أَعَانَهُ لَضَرَّهُ قَوْمُهُ.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ (5) كَالَّذِي يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أَوْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا أَوِ اسْتِئْجَارِ مَكَانٍ يُرِيدُ اسْتِئْجَارَهُ، أَوْ مُصَالَحَةِ قَوْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِمْ وَهُمْ أَعْدَاءُ الْآمِرِ يَتَقَوَّوْنَ بِمُصَالَحَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَفْعَلُ مَا يُعِينُ الْمَأْمُورَ، وَإِنْ (6) كَانَ نَاصِحًا لَهُ [بِالْأَمْرِ](7) مُرِيدًا لِذَلِكَ.
فَفِي الْجُمْلَةِ أَمْرُ الْمَأْمُورِ بِالْفِعْلِ لِكَوْنِ (8) الْفِعْلِ مَصْلَحَةً لَهُ - غَيْرُ كَوْنِ الْآمِرِ يُعِينُهُ عَلَيْهِ إِنْ (9) كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِعَانَةِ [لَهُ](10) .
(1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَمَكَانَ هَذِهِ السُّطُورِ عِبَارَةُ (لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ) .
(3)
ن: أَمَرَ.
(4)
أ، ب: قَالَ، ن، م: فَقَالَ.
(5)
بَعْدَ كَلِمَةِ " كَثِيرٌ " تُوجَدُ عِبَارَاتٌ فِي (ن) ، (م) مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُمَا.
(6)
ن: فَإِنْ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(7)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) بِالْأَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ع: كَوْنَ.
(9)
ع: وَإِنْ.
(10)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
فَإِذَا (1) قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَأَرَادَ مَصْلَحَتَهُمْ عِبَارَةُ (2) بِالْأَمْرِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعِينَهُمْ هُوَ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ [بِهِ](3) ، لَا سِيَّمَا وَعِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ (4) لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ أَحَدًا عَلَى مَا بِهِ يَصِيرُ فَاعِلًا، فَإِنَّهُ إِنْ (5) لَمْ يُعَلِّلْ أَفْعَالَهُ بِالْحِكْمَةِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ مُرَادٍ عَنْ مُرَادٍ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لِفِعْلِهِ لِمِيَّةٌ (6) ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْفَرْقَ.
وَإِنْ عُلِّلَتْ أَفْعَالُهُ بِالْحِكْمَةِ، وَقِيلَ إِنَّ اللِّمِيَّةَ (7) ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نَعْلَمُهَا فَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكْمَةٌ فِي الْأَمْرِ، أَنْ (8) يَكُونَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ [بِهِ](9) حِكْمَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ (10) فِي الْمَخْلُوقِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ (11) وَالْمَصْلَحَةِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ لِلْآمِرِ أَنْ لَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِمْكَانُ (12) ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّبِّ أَوْلَى وَأَحْرَى.
(1) ن، م: إِذَا، ع: وَإِذَا.
(2)
وَأَرَادَ مَصْلَحَتَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(3)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن، م: لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، ع: لَا سِيَّمَا وَعِنْدَ الْقُدْرَةِ.
(5)
ن، م، ع: إِذَا.
(6)
ن، م: كَمِّيَّةٌ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمَعْنَى: لِفِعْلِهِ سَبَبٌ، أَيْ: لِمَ فَعَلَهُ.
(7)
ن: الْكَمِّيَّةَ ; م: الْحِكْمَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(8)
ن، م، ع: بِأَنْ.
(9)
بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(10)
ع: وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ ; م: فَإِذَا أَمْكَنَ.
(11)
أ، ب: أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ.
(12)
ع: وَإِنْ كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
فَاللَّهُ تَعَالَى (1) أَمَرَ الْكُفَّارَ بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ لَوْ فَعَلُوهُ، وَهُوَ لَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يَخْلُقْ غَيْرَهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ أَنْ لَا يَخْلُقُهَا.
وَالْمَخْلُوقُ إِذَا رَأَى أَنَّ مَصْلَحَةَ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ (2) الرَّمْيَ وَأَسْبَابَ الْمُلْكِ لِيَنَالَ (3) الْمُلْكَ، وَرَأَى هُوَ أَنَّ مَصْلَحَةَ وَلَدِهِ أَنْ لَا يَتَقَوَّى ذَلِكَ الشَّخْصُ (4) لِئَلَّا يَأْخُذَ [ذَلِكَ](5) الْمُلْكَ مِنْ وَلَدِهِ، أَوْ يَعْدُوَ (6) عَلَيْهِ، أَمْكَنَ أَنْ يَأْمُرَ ذَلِكَ (7)[الشَّخْصَ](8) بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُ (9) وَيَفْعَلُ هُوَ مَا هُوَ مَصْلَحَةُ وَلَدِهِ (10) وَرَعِيَّتِهِ.
وَالْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ بِحَسَبِ مَا يُلَائِمُ النُّفُوسَ وَيُنَافِيهَا، فَالْمُلَائِمُ لِلْمَأْمُورِ مَا (11) أَمَرَهُ بِهِ النَّاصِحُ لَهُ، وَالْمُلَائِمُ لِلْآمِرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ لِذَلِكَ مُرَادُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ الْآمِرِ وَمُرَادَاتِهِ.
وَهَذَا نَظَرٌ شَرِيفٌ، وَإِنَّمَا يُحَقِّقُهُ مَنْ عَلِمَ جِهَةَ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ
(1) ن، م، ع: وَاللَّهُ تَعَالَى.
(2)
ن: أَنْ يَعْلَمَ.
(3)
ن: لِسَانَ، م: لَسَارَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
ن: أَنْ لَا تَقْوَى مَصْلَحَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ، م، ع: أَنْ لَا يَقْوَى ذَلِكَ الشَّخْصُ.
(5)
ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .
(6)
م: أَوْ يَعْدُ.
(7)
أ، ب: عَلَيْهِ أَمَرَ ذَلِكَ.
(8)
الشَّخْصَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(9)
أ: بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ، ب: بِمَا هُوَ مَصْلَحَتُهُ.
(10)
ع: مُصْلِحَةٌ لَهُ بِحَسَبِ مَصْلَحَةِ وَلَدِهِ.
(11)
ن: وَمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.
[وَأَمْرِهِ](1) ، وَاتِّصَافِهِ سُبْحَانَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْفَرَحِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ الْمَحْبُوبِ (2) ، إِلَّا بِدَفْعِ ضِدِّهِ وَوُجُودِ لَازِمِهِ، لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَامْتِنَاعِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ.
وَلِهَذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَحْمُودًا عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
فَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ (3) فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا يَعْلَمُ وَيَذْكُرُ فَهُو مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، لَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي ذَاتِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ (4) ، وَلَهُ (5) الْحَمْدُ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ نَوْعُ ضَرَرٍ لِبَعْضِ النَّاسِ لِمَا لَهُ فِي (6) ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْبَيَانِ.
وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْحَمْدُ مَلْءَ السَّمَاوَاتِ (7) وَمَلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمَلْءَ مَا شَاءَ مِنْ (8) شَيْءٍ بَعْدُ. فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخْلُوقٌ [لَهُ](9) ، وَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ [لَهُ](10) ، لَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ.
(1) وَأَمْرِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
ن، م: لَا يَكُونُ حُصُولُ مَحْبُوبٍ.
(3)
ن، م: مَا هُوَ فِي الْوُجُودِ.
(4)
سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .
(5)
أ، ب، ع: لَهُ.
(6)
ن: فَقَطْ لِمَا فِيهِ فِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(7)
ن: السَّمَاءِ.
(8)
ع: مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ.
(9)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(10)
سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَسَقَطَتْ لَهُ مِنْ (ن) ، (م) .
وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي تُذْكَرُ (1) فِي الْمَخْلُوقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ نَظِيرِهَا فِي حَقِّ الرَّبِّ، فَالْمَقْصُودُ [هُنَا](2) أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ الْحَكِيمِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ وَلَا يُعِينَهُ [عَلَيْهِ](3) ، فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِإِمْكَانِ (4) ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مَعَ حِكْمَتِهِ، فَمَنْ أَمَرَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ، فَشَاءَهُ خَلْقًا وَمَحَبَّةً، فَكَانَ (5) مُرَادًا لِجِهَةِ الْخَلْقِ وَمُرَادًا لِجِهَةِ الْأَمْرِ. وَمَنْ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ، كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خَلْقُهُ (6) ، لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَعَلُّقِ الْخَلْقِ بِهِ، وَلِحُصُولِ الْحِكْمَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخَلْقِ ضِدِّهِ.
وَخَلْقُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يُنَافِي خَلْقَ الضِّدِّ الْآخَرِ، فَإِنَّ خَلْقَ الْمَرَضِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذُلُّ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَدُعَاؤُهُ لِرَبِّهِ، وَتَوْبَتُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَتَكْفِيرُهُ خَطَايَاهُ، وَيَرِقُّ [بِهِ](7) قَلْبُهُ، وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ وَالْعُدْوَانُ، يُضَادُّ خَلْقَ الصِّحَّةِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ مَعَهَا هَذِهِ الْمَصَالِحُ.
وَكَذَلِكَ خَلْقُ ظُلْمِ الظَّالِمِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَظْلُومِ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْصُلُ بِالْمَرَضِ، يُضَادُّ خَلْقَ عَدْلِهِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ هَذِهِ الْمَصَالِحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ [هُوَ] فِي (8) أَنْ يَعْدِلَ.
(1) ن، م: ذُكِرَتْ.
(2)
هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .
(3)
عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
أ، ب: لِإِمْكَانِ.
(5)
فَكَانَ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَانَ.
(6)
أ: قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ، ب: قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرُهُ دُونَ خَلْقِهِ.
(7)
بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
ع: وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي، ن، م: وَإِنْ كَانَ مَصْلَحَةً فِي.
وَتَفْصِيلُ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ يَعْجَزُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا عُقُولُ الْبَشَرِ. وَالْقَدَرِيَّةُ دَخَلُوا فِي التَّعْلِيلِ عَلَى طَرِيقَةٍ فَاسِدَةٍ مَثَّلُوا اللَّهَ فِيهَا بِخَلْقِهِ، وَلَمْ يُثْبِتُوا (1) حِكْمَةً تَعُودُ إِلَيْهِ فَسَلَبُوهُ قُدْرَتَهُ وَحِكْمَتَهُ (2) وَمَحَبَّتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَقَابَلَهُمْ خُصُومُهُمْ [الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ](3) بِبُطْلَانِ التَّعْلِيلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
كَمَا تَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَأُولَئِكَ أَثْبَتُوهُ عَلَى طَرِيقَةٍ سَوَّوْا فِيهَا بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ (4) ، وَأَثْبَتُوا حُسْنًا وَقُبْحًا لَا يَتَضَمَّنُ مَحْبُوبًا وَلَا مَكْرُوهًا، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا أَثْبَتُوا تَعْلِيلًا لَا يَعُودُ إِلَى الْفَاعِلِ حُكْمُهُ.
وَخُصُومُهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ [جَمِيعِ](5) الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ مَحْبُوبًا وَلَا مَكْرُوهًا، وَزَعَمُوا أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ صِفَةً ذَاتِيَّةً لِلْفِعْلِ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ. وَغَلِطُوا، فَإِنَّ الصِّفَةَ الذَّاتِيَّةَ لِلْمَوْصُوفِ قَدْ يُرَادُ بِهَا اللَّازِمَةُ لَهُ (6) وَالْمَنْطِقِيُّونَ يُقَسِّمُونَ اللَّازِمَ إِلَى ذَاتِيٍّ وَعَرَضِيٍّ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ خَطَأً. وَقَدْ يُرَادُ بِالصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ مَا تَكُونُ ثُبُوتِيَّةً قَائِمَةً بِالْمَوْصُوفِ، احْتِرَازًا عَنِ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اضْطَرَبُوا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَزَعَمَ (7) نُفَاةُ الْحُسْنِ
(1) ع: وَلَمْ يُبَيِّنُوا.
(2)
ن فَقَطْ: فَسَلَبُوهُ حِكْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحِكْمَتَهُ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
ن: وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
(5)
جَمِيعِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
أ، ب: اللَّازِمُ لَهُ.
(7)
وَزَعَمُوا، ب: وَزَعَمَ، م: فَوَهِمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لِلْأَفْعَالِ وَلَا مُسْتَلْزِمَةً صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لِلْأَفْعَالِ، بَلْ هِيَ مِنَ الصِّفَاتِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ، فَالْحُسْنُ هُوَ الْمَقُولُ فِيهِ: افْعَلْهُ أَوْ لَا بَأْسَ بِفِعْلِهِ، وَالْقَبِيحُ هُوَ الْمَقُولُ فِيهِ: لَا تَفْعَلْهُ (1) .
قَالُوا: وَلَيْسَ لِمُتَعَلِّقِ الْقَوْلِ مِنَ الْقَوْلِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ، وَذَكَرُوا عَنْ مُنَازِعِيهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَحْكَامُ صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ (2) لِلْأَفْعَالِ، وَنَقَضُوا ذَلِكَ بِجَوَازِ تَبَدُّلِ أَحْكَامِ الْفِعْلِ مَعَ كَوْنِ الْجِنْسِ (3) وَاحِدًا.
وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لِلْأَفْعَالِ لَيْسَتْ مِنَ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ، بَلْ [هِيَ](4) مِنَ الْعَارِضَةِ لِلْأَفْعَالِ بِحَسَبِ مُلَاءَمَتِهَا وَمُنَافَرَتِهَا، فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ مَحْبُوبًا وَمَكْرُوهًا وَنَافِعًا وَضَارًّا، وَمُلَائِمًا وَمُنَافِرًا. وَهَذِهِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ، لَكِنَّهَا تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ أَحْوَالِهِ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لَهُ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا صِفَاتٌ تَقْتَضِي الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَيْسَ فِي الْأَجْسَامِ صِفَاتٌ تَقْتَضِي التَّسْخِينَ وَالتَّبْرِيدَ وَالْإِشْبَاعَ وَالْإِرْوَاءَ، فَسَلْبُ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْآثَارِ، كَسَلْبِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْآثَارِ.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ طَبَائِعَ الْأَعْيَانِ وَصِفَاتِهَا، فَهَكَذَا (5) ، يُثْبِتُونَ مَا فِي الْأَفْعَالِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ بِاعْتِبَارِ مُلَاءَمَتِهَا وَمُنَافَرَتِهَا، كَمَا
(1) أ، ن: لَا يَفْعَلُهُ، م: لَا تَفْعَلْ.
(2)
أ، ب: أَزَلِيَّةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(3)
ع: الْحَسَنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(4)
هِيَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
م: فَكَذَلِكَ، ب: فَإِنَّهُمْ.