المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي] - منهاج السنة النبوية - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل قول الرافضي إن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ]

- ‌[فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه]

- ‌[حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عليهما السلام]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعتهِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ]

- ‌[فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ]

- ‌[فصل مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً]

- ‌[فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله: لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ]

- ‌[الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه]

- ‌[فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ " والرد عليه]

- ‌[فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه]

- ‌[شرك الفلاسفة وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ]

- ‌[أدلة الوحدانية عند الفلاسفة]

- ‌[الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين]

- ‌[التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ]

- ‌[فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه]

- ‌[فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه]

- ‌[فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ

- ‌[فصل تابع رد ابن تيميَّة على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة]

- ‌[فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه]

- ‌[فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ]

- ‌[الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب]

- ‌[الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة]

- ‌[التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود]

- ‌[الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه]

- ‌[فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه]

الفصل: ‌[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي]

الْإِلَهِيَّةَ كَالدَّجَّالِ ; لِأَنَّ (1) ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، لِظُهُورِ (2) كَذِبِهِ فِي دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمُمْتَنَعُ ظُهُورُ دَلِيلِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذَّابِ.

فَإِنْ قَالُوا: فَجُوِّزُوا ظُهُورَ الْخَوَارِقِ (3) عَلَى [يَدِ] مُدَّعِي (4) النُّبُوَّةِ مَعَ كَذِبِهِ.

قُلْنَا: [نَعَمْ](5) ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، مِثْلَ مَا يُظْهِرُ السَّحَرَةُ وَالْكُهَّانُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَمْنَعُ صِدْقَهُمْ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ (6) .

[الْوَجْهُ] الرَّابِعُ: (7) أَنَّ دَلِيلَ النُّبُوَّةِ وَأَعْلَامَهَا (8) وَمَا بِهِ يُعْرَفُ صِدْقُ النَّبِيِّ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً (9) فِي الْخَوَارِقِ، بَلْ طُرُقُ مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا أَنَّ طُرُقَ مَعْرِفَةِ الْكَذِبِ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ (10) .

[فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي]

(فَصْلٌ)

قَالَ [الرَّافِضِيُّ](11) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ

(1) أ، ب: فَإِنَّ.

(2)

أ: فِي ظُهُورِ، ب: مَعَ ظُهُورِ.

(3)

ن، م، ع: الْخَارِقِ.

(4)

ن: عَلَى مَنْ يَدَّعِي، أ، ب: عَلَى يَدَيِ الْمُدَّعِي، م: عَلَى يَدِ مَنْ يَدَّعِي.

(5)

نَعَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

أ، ب: فِي مَوَاضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(7)

ن: الرَّابِعُ، م: فَصْلٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(8)

ن، م: دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ وَعَلَائِمَهَا.

(9)

ن، م: مُنْحَصِرَةً.

(10)

أ، ب: فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(11)

الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 0 (م) .

ص: 228

الْمَعَاصِي، فَإِنَّ الزِّنَا إِذَا كَانَ وَاقِعًا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالسَّرِقَةُ إِذَا صَدَرَتْ عَنِ اللَّهِ، وَإِرَادَتُهُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ (1)[لَمْ يَجُزْ](2) لِلسُّلْطَانِ (3) الْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَصُدُّ السَّارِقَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ. وَلَوْ صَدَّ الْوَاحِدُ مِنَّا غَيْرَهُ عَنْ (4) مُرَادِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ، اسْتَحَقَّ مِنْهُ اللَّوْمَ. وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرِيدًا لِلنَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادٌ لَهُ أَيْضًا ".

فَيُقَالُ: فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مَا يُبَيِّنُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا، لَكِنْ نُوَضِّحُ جَوَابَ هَذَا [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (5) مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا وَقَعَ، دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ [بَعْدُ](6) . وَمَا وَقَعَ لَا يَقْدِرُ (7) أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ (8) مَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

فَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ يَصُدُّ السَّارِقَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ "(9) [كَذِبٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا

(1) ك: مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ الْمُؤَثِّرَةُ.

(2)

لَمْ يَجُزْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

ن، م: لِسُلْطَانٍ.

(4)

ك: مِنْ.

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(6)

بَعْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(7)

ن، م: لَمْ يَقْدِرْ.

(8)

ن، م: بِالْحُدُودِ الزَّوَاجِرِ.

(9)

بَعْدَ عِبَارَةِ " عَنْ مُرَادِ اللَّهِ " يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن)(م) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ عِنْدَ مَوْضِعِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

ص: 229

يَصُدُّهُ عَمَّا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَمَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ. وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ: لَيَسْرِقَنَّ هَذَا الْمَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَمْ يَسْرِقْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ سَرِقَتَهُ.

وَلَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ (1) لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ السَّرِقَةَ إِذَا كَانَتْ مُرَادَةً كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَعُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِمْ، أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِالسَّرِقَةِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا مُرَادٌ، يَقُولُ: إِنَّهُ مُرَادٌ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَلَا يَقُولُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إِلَّا كَافِرٌ. لَكِنَّ هَذَا قَدْ (2) يُقَالُ لِلْمُبَاحِيَّةِ الْمُحْتَجِّينَ (3) بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى أَنْ يُعَارِضَ الْإِنْسَانَ فِيمَا يَظُنُّهُ مُقَدَّرًا عَلَيْهِ (4) مِنَ الْمَعَاصِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُعَاوِنَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعَاوَنَةً، لِمَا ظَنَّ أَنَّهُ مُرَادٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ (5) - وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَمَعْصِيَةً - فَهُمْ لَمْ يَصُدُّوا عَنْ مُرَادِ اللَّهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّدَّ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ لَيْسَ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ (6) أَنَّ تَنَاهِيَ النَّاسِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَالْقَبَائِحِ، وَالظُّلْمِ، وَدَفْعِ الظَّالِمِ (7) ، وَأَخْذِ حَقِّ الْمَظْلُومِ مِنْهُ، وَرَدِّ احْتِجَاجِ

(1) أ، ب: الْإِرَادَةُ عِنْدَهُمْ.

(2)

قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

(3)

أ، ب: لِلْمُبَاحَثَةِ لِلْمُحْتَجِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمَقْصُودُ بِهِمْ أَهْلُ الْإِبَاحَةِ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي وَيُبِيحُونَ الْمُحَرَّمَاتِ.

(4)

ع: مَقْدُورًا عَلَيْهِ.

(5)

أ: أَنَّهُ مُرِيدٌ وَهَذَا الْفِعْلُ، ب: أَنَّهُ مُرِيدٌ هَذَا الْفِعْلَ.

(6)

ع: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ.

(7)

ع: النَّاسَ عَنِ الْقَبَائِحِ وَالْمَظَالِمِ وَدَفْعِ الْمَظَالِمَ.

ص: 230

مَنِ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدَرِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ جَمِيعِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ مَعَ إِقْرَارِ جَمَاهِيرِهِمْ (1) بِالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَلَاحُ حَالِهِمْ وَلَا بَقَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا مَكَّنُوا كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ مِنْ مَفَاسِدِهِمْ وَيَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا (2) أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي إِذَا طَرَدُوا قَوْلَهُمْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ (3) .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَقْدُورَةَ بِالِاتِّفَاقِ إِذَا كَانَ فِيهَا فَسَادٌ يَحْسُنُ رَدُّهَا وَإِزَالَتُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا (4) ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِالِاتِّفَاقِ مُرَادٌ لِلَّهِ، وَمَعَ هَذَا يَحْسُنُ مِنَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَهُ بِالِاحْتِمَاءِ وَاجْتِنَابِ أَسْبَابِهِ، وَيَحْسُنُ مِنْهُ السَّعْيُ فِي إِزَالَتِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَفِي هَذَا (5) إِزَالَةُ مُرَادِ اللَّهِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ قَطْعَ السَّارِقِ يَمْنَعُ مُرَادَ اللَّهِ كَانَ شُرْبُ الدَّوَاءِ لِزَوَالِ الْمَرَضِ مَانِعًا (6) لِمُرَادِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ (7) السَّيْلِ الْآتِي مِنْ صَبَبٍ، وَالنَّارِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَحْرِقَ الدُّورَ، وَإِقَامَةُ الْجِدَارِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، كَمَا أَقَامَ الْخَضِرُ ذَلِكَ الْجِدَارَ. وَكَذَلِكَ إِزَالَةُ الْجُوعِ الْحَاصِلِ بِالْأَكْلِ وَإِزَالَةُ الْبَرْدِ الْحَاصِلِ (8) بِالِاسْتِدْفَاءِ، وَإِزَالَةُ الْحَرِّ بِالظِّلِّ.

(1) أ، ب: جَمِيعِهِمْ.

(2)

ع: وَبَيَّنَّا.

(3)

أ، ب: بِالْقَدَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(4)

أ، ب: يَحْسُنُ رَدُّهُ وَإِزَالَتُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

(5)

أ، ب: وَفِي هَذِهِ.

(6)

ع: مَنْعًا.

(7)

دَفْعُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

(8)

الْحَاصِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

ص: 231

وَقَدْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: " هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» ". (1) .

فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَرُدُّ قَدَرَ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ إِمَّا دَفْعًا وَإِمَّا رَفْعًا، إِمَّا دَفْعًا لِمَا انْعَقَدَ سَبَبٌ لِوُجُودِهِ، وَإِمَّا رَفْعًا لِمَا وُجِدَ كَرَفْعِ الْمَرَضِ وَدَفْعِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ 11]] قِيلَ: مُعَقِّبَاتٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَهُ (2) وَقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي وَرَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ (3) يَحْفَظُونَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ (4) وَحِفْظُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرِيدًا لِلنَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادُ اللَّهِ. كَلَامٌ سَاقِطٌ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ، أَوْ مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَهُمَا الْمُتَضَادَّانِ.

(1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 270 كِتَابِ الطِّبِّ بَابِ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالْأَدْوِيَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، 3 308 كِتَابُ الْقَدَرِ بَابُ مَا جَاءَ لَا تَرُدُّ الرُّقَى وَلَا الدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا. وَانْظُرْ تَعْلِيقَ التِّرْمِذِيِّ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2 1137 كِتَابَ الطِّبِّ، بَابَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً. الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ 3 421، الْمُسْتَدْرَكَ لِلْحَاكِمِ بِمَعْنَاهُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه 1 32، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

(2)

سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

ع: وَلَمْ يَصِلْ.

(4)

أ: إِلَيْهِمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

ص: 232

وَالزَّجْرُ لَيْسَ عَمَّا وَقَعَ وَأُرِيدَ، بَلْ هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْمَاضِي وَزَجْرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالزَّجْرُ الْوَاقِعُ بِإِرَادَتِهِ إِنْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ (1) لَمْ يَحْصُلِ الْمَزْجُورُ عَنْهُ فَلَمْ يُرِدْهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الزَّجْرَ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا تَامًّا بَلْ يَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَ هَذَا الزَّاجِرِ (2) وَفِعْلَ ذَاكَ، كَمَا يُرَادُ ضَرْبُ هَذَا لِهَذَا بِهَذَا السَّيْفِ (3) وَحَيَاةُ هَذَا، وَكَمَا يُرَادُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ (4) الَّذِي قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَيُرَادُ مَعَهُ الْحَيَاةُ.

فَإِرَادَةُ (5) السَّبَبِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِإِرَادَةِ الْمُسَبِّبِ، إِلَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ تَامًّا مُوجَبًا. (6) وَالزَّجْرُ سَبَبٌ لِلِانْزِجَارِ وَالِامْتِنَاعِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ، وَكَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهِ سَبَبٌ لِوُقُوعِهِ، ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الْمُسَبَّبُ (7) وَقَدْ لَا يَقَعُ، فَإِنْ وَقَعَ كَانَا مُرَادَيْنِ، وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ مَا وَقَعَ خَاصَّةً (8) .

الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِمَا خَلَقَ، فَهَذَا مُتَنَاوِلٌ (9) لِكُلِّ حَادِثٍ دُونَ مَا لَا (10) يَحْدُثُ، وَنَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِمَا أَمَرَ بِهِ فَهَذَا إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ (11) بِالطَّاعَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا

(1) أ: بِإِرَادَةِ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ.

(2)

أ، ب: الزَّجْرِ.

(3)

ع: لِهَذَا بِالسَّيْفِ.

(4)

أ: الْمَرَضُ لِلْخَوْفِ.

(5)

أ، ب: وَإِرَادَةُ.

(6)

أ، ب: مَوْجُودًا.

(7)

أ: السَّبَبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(8)

ع: خَاصَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(9)

ع: فَهَذِهِ مُتَنَاوِلَةٌ.

(10)

ع: مَا لَمْ.

(11)

ع: فَهَذِهِ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ.

ص: 233

وَقَعَ مِنَ الْمَعَاصِي فَهُوَ مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَكُلُّ مَا وَقَعَ فَقَدْ شَاءَ كَوْنَهُ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحِبُّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَرْضَاهُ وَيُثِيبُ فَاعِلَهُ، بِخِلَافِ الْمُنْكَرِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يُثِيبُ فَاعِلَهُ، ثُمَّ الزَّجْرُ إِنَّمَا يَكُونُ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَلَى مَا (1) وَقَعَ، فَإِذَا وَقَعَتْ سَرِقَةٌ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ (2) فِيهَا فَإِقَامَةُ الْحَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ إِرَادَةَ أَمْرٍ لَا إِرَادَةَ خَلْقٍ، فَإِنْ أَعَانَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ أَرَادَهُ خَلْقًا، وَكَانَ حِينَئِذٍ إِقَامَةُ الْحَدِّ مُرَادَةً شَرْعًا وَقَدَرًا، خَلْقًا وَأَمْرًا، قَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا (3) .

وَإِنْ لَمْ يَقَعْ كَانَ مَا وَقَعَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ قَدْ شَاءَهُ خَلْقًا وَلَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُحِبَّهُ شَرْعًا.

وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ فَقَالَ لِعُمَرَ: سَرَقْتُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَأَنَا (4) أَقْطَعُ يَدَكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.

وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَأَعَانَ الْعِبَادَ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا يُعِينُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ: إِنَّ الْجَمِيعَ (5) وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لَكِنْ مَا أَمَرَ بِهِ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ شَرْعًا وَدِينًا كَمَا شَاءَهُ خَلْقًا وَكَوْنًا بِخِلَافِ مَا نَهَى عَنْهُ.

(1) ع: عَمَّا.

(2)

أ: الْحُدُودِ.

(3)

أ: مُرَادَةً شَرْعًا وَقَدَرًا خَلْقًا، وَمُرَادًا قَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا، ب: مُرَادَةً شَرْعًا، وَقَدْ أَرَادَهَا خَلْقًا وَأَمْرًا، وَقَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا.

(4)

ع: فَقَالَ أَنَا.

(5)

ب فَقَطْ: الْكُفَّارِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ.

ص: 234