الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّوَائِفِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ مِنَ الْمُظْهِرِينَ لِلْعِلْمِ وَالدِّينِ بَاطِنًا (1) فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، أَوْ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا.
[كلام الرَّافِضِيُّ على وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ]
فَصْلٌ (2) .
قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : " الْوَجْهُ الْخَامِسُ: فِي بَيَانِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا (4) إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (5) ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ (6) ، وَهُمَا (7) إِمَامَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ تَسْطِيحَ الْقُبُورِ هُوَ الْمَشْرُوعُ، لَكِنْ لَمَّا جَعَلَتْهُ الرَّافِضَةُ شِعَارًا لَهُمْ (8) عَدَلْنَا عَنْهُ إِلَى التَّسْنِيمِ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ،
(1) أ، ب: بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " بَاطِنًا وَظَاهِرًا " مِنْ (هـ) ، (ص) ، (ر) .
(2)
هـ، ص، ر: الْفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ. وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
فِي (ك) ص [0 - 9] 08 (م) .
(4)
ك: الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَمْ يَذْهَبُوا.
(5)
عِبَارَةُ " بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ": لَيْسَتْ فِي (ك) .
(6)
وَالْمَاوَرْدِيُّ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي (ك) : وَالْمُتَوَكِّلُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُبَرِّدِ. وَالْمُبَرِّدُ هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْأَكْثَرِ الثُّمَالِيُّ الْأَزْدِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالنَّحْوِ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَخَاصَّةً فِي الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ وُلِدَ عَامَ 210 وَتُوُفِّيَ عَامَ 286 (انْظُرِ الْأَعْلَامَ 8/15)، فَمَا فِي النُّسَخِ الْمُخْتَلِفَةِ تَحْرِيفٌ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا مَا فِي (ك) - أَعَنَى: الْمُتَوَكِّلَ - فَلَمْ أَجِدْهُ فِي فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ. وَمَا اخْتَارَهُ مُحَقِّقُ (ب) وَهُوَ الْمَاوَرْدِيُّ، جَائِزٌ؛ إِذْ إِنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمَاوَرْدِيُّ، وُلِدَ عَامَ 364 وَتُوُفِّيَ عَامَ 450 لَهُ كِتَابُ " الْحَاوِي " فِي فِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ: نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا، وَكَانَ أَقْضَى قُضَاةِ عَصْرِهِ، وَلَهُ " الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ " وَهُوَ مَطْبُوعٌ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 5/267 - 285؛ الْأَعْلَامِ 5/146 - 147.
(7)
ك: وَكَانَا.
(8)
ص: ذَلِكَ شِعَارًا فِي. . .
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 42] أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُصَلَّى عَلَى آحَادِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتِ الرَّافِضَةُ ذَلِكَ فِي (1) أَئِمَّتِهِمْ مَنَعْنَاهُ، وَقَالَ مُصَنِّفُ " الْهِدَايَةِ " مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْمَشْرُوعَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ (2) ، وَلَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتْهُ الرَّافِضَةُ جَعَلْنَا التَّخَتُّمَ فِي (3) فِي الْيَسَارِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. فَانْظُرْ إِلَى مَنْ يُغَيِّرُ الشَّرِيعَةَ وَيُبَدِّلُ الْأَحْكَامَ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّصُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (4) وَيَذْهَبُ إِلَى ضِدِّ الصَّوَابِ مُعَانَدَةً لِقَوْمٍ [مُعَيَّنِينَ](5) ، فَهَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إِلَى أَقْوَالِهِ (6) ؟ ".
وَالْجَوَابُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِالرَّافِضَةِ أَلْصَقُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ بُرَآءٌ مِنْ هَذَا.
أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَيُقَالُ: لَا نَعْلَمُ طَائِفَةً أَعْظَمَ تَعَصُّبًا فِي الْبَاطِلِ مِنَ الرَّافِضَةِ، حَتَّى أَنَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الطَّوَائِفِ عُرِفَ مِنْهُمْ شَهَادَةُ الزُّورِ لِمُوَافِقِهِمْ
(1) ص: ذَلِكَ شِعَارًا فِي. . .
(2)
ك: بِالْيَمِينِ.
(3)
أ، ب: جَعَلْنَاهُ فِي. .
(4)
أ، ب، م: وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ و، ن، ر، هـ: وَرَدَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ ك: وَرَدَ بِهَا أَخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. وَمَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ص) .
(5)
مُعَيَّنِينَ: فِي (ك) ، (ب) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ.
(6)
ن، م، ص، هـ، ر، و: قَوْلِهِ.
عَلَى مُخَالِفِهِمْ، وَلَيْسَ فِي التَّعَصُّبِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ، وَحَتَّى أَنَّهُمْ فِي التَّعَصُّبِ جَعَلُوا لِلْبِنْتِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ، لِيَقُولُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها وَرِثَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ [رضي الله عنه](1) ، وَحَتَّى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ حَرَّمَ لَحْمَ الْجَمَلِ (2) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَاتَلَتْ عَلَى جَمَلٍ، فَخَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةَ لِأَمْرٍ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ (3) ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْجَمَلَ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ [رضي الله عنها](4) مَاتَ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَيٌّ فَرُكُوبُ الْكُفَّارِ عَلَى الْجِمَالِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا، وَمَا زَالَ الْكُفَّارُ يَرْكَبُونَ جِمَالًا (5) وَيَغْنَمُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، وَلَحْمُهَا حَلَالٌ لَهُمْ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي رُكُوبِ عَائِشَةَ لِلْجَمَلِ مِمَّا (6) يُوجِبُ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ؟ .
وَغَايَةُ مَا يَفْرِضُونَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا رَكِبَ جَمَلًا (7) ، مَعَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ فِيمَا يَرْمُونَ بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها.
وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ (8)" الْعَشَرَةِ " بَلْ يَقُولُونَ: تِسْعَةٌ وَوَاحِدٌ. وَإِذَا بَنَوْا أَعْمِدَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يَجْعَلُونَهَا عَشَرَةً، وَهُمْ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ.
(1) رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
ص، هـ، ر: حَرَّمَ أَكْلَ لَحْمِ الْجَمَلِ.
(3)
ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(4)
رضي الله عنها: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
أ، ب: الْجِمَالَ.
(6)
ن، م، ر، ص، هـ، أ: مَا: وَسَقَطَتْ مِنْ (ب) . وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (و) . وَفِي (ص) : فَلَيْسَ رُكُوبُ عَائِشَةَ لِلْجَمَلِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ.
(7)
ن، م، ر، ص، هـ: الْجَمَلَ.
(8)
ن، م: لَا يَذْكُرُونَ فِي أَبْنِيَتِهِمْ.
مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ قَدْ جَاءَ بِذِكْرِ " الْعَشَرَةِ " وَ " الْعَشْرِ "(1) فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 196]، وَقَالَ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 234]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 142]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سُورَةِ الْفَجْرِ: 1، 2] .
فَذَكَرَ سبحانه وتعالى اسْمَ " الْعَشَرَةِ " فِي مَوَاضِعَ مَحْمُودَةٍ. وَذَكَرَ اسْمَ " التِّسْعَةِ " فِي مَوْضِعٍ مَذْمُومٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 48] .
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» "(2) . وَكَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ: " «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ» "(3) فَإِذَا كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِاسْمِ " الْعَشَرَةِ " وَعَلَّقَ بِهَذَا
(1) وَالْعَشْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي: الْبُخَارِيِّ 3/47 (كِتَابٌ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. . .) ؛ مُسْلِمٍ 2/828 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. . .) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/144 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ غَيْرَ مَوْصُولٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي: الْمُوَطَّأِ 1/319 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) .
(3)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/129 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/550 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صِيَامِ الْعَشْرِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/298 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 2: 124 "، 5/54. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهُ وَهُوَ فِيهِ 2/20 (كِتَابُ الْعِيدَيْنِ، بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) . وَانْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي 2/457 - 458.
[الْعَدَدِ](1) أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً مَحْمُودَةً، كَانَ نُفُورُهُمْ عَنِ التَّكَلُّمِ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ تَسَمَّى بِهِ (2) عَشَرَةٌ مِنَ النَّاسِ يُبْغِضُونَهُمْ غَايَةَ الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ.
ثُمَّ قَوْلُهُمْ: تِسْعَةٌ وَوَاحِدَةٌ، هُوَ مَعْنَى الْعَشَرَةِ مَعَ طُولِ الْعِبَارَةِ. وَإِذَا (3) كَانَ اسْمُ الْعَشَرَةِ أَوِ التِّسْعَةِ أَوِ السَّبْعَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْدُودٍ بِهَذَا الْعَدَدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ النَّاسِ أَوِ الدَّوَابِّ أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الدَّرَاهِمِ، وَبَعْضُ الْمَعْدُودَاتِ يَكُونُ مَحْمُودًا، وَبَعْضُهَا يَكُونُ مَذْمُومًا، فَنُفُورُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الْأَعْدَادِ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ (4) ، وَإِنَّمَا هُوَ كَنُفُورِهِمْ عَنِ التَّكَلُّمِ بِأَسْمَاءِ قَوْمٍ يُبْغِضُونَهُمْ، كَمَا يَنْفِرُونَ عَمَّنِ اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ [وَعُثْمَانُ](5) لِبُغْضِهِمْ لِشَخْصٍ كَانَ اسْمُهُ هَذَا الِاسْمَ.
وَقَدْ كَانَ مِنَ (6) الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَنْ هُوَ مُسَمًّى بِأَسْمَاءٍ تُسَمَّى بِهَا (7) بَعْضُ الْكُفَّارِ كَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
(1) الْعَدَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: سُمِّيَ بِهِ.
(3)
أ، ب: وَإِنْ.
(4)
ب (فَقَطْ) : غَايَةٌ فِي الْجَهْلِ.
(5)
وَعُثْمَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(6)
أ، ب: فِي.
(7)
أ، ب: يُسَمَّى بِهَا؛ ص: يَتَسَمَّى بِهَا.
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ [إِذَا قَنَتَ](1) : اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَنْجِ سَلَمَةَ (2) بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» " (3) .
وَهَذَا الْوَلِيدُ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَأَبُوهُ الْوَلِيدُ كَافِرٌ شَقِيٌّ، وَكَذَلِكَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ وَأُتِينَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابَ (4) ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا (5) فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ لَنَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» (6) ".
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَفِي الْكُفَّارِ عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ قُتِلَ هُوَ وَأَبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرَيْنِ. وَفِي الصَّحَابَةِ
(1) إِذَا قَنَتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
أ، ب: وَسَلَمَةَ؛ ن، م: وَنَجِّ سَلَمَةَ؛ ص: اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ.
(3)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 6/48 - 49 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَابُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ. .) ، 9/19 - 20 (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/466 - 468 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ. . .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/92 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ) .
(4)
أ: ابْنِ طَاطَ؛ ب: مِنْ طَابَ.
(5)
ب: بِالرِّفْعَةِ.
(6)
الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 4/1779 (كِتَابُ الرُّؤْيَا، بَابُ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ مَعْرُوفٌ. . . وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى ابْنِ طَابَ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/418 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/286.
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ شَاعِرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُهُ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ (1) الْأَشْرَفِ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (2) حَتَّى نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِقَتْلِهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابَهُ (3) . وَفِي الصَّحَابَةِ «أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (4) الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} » [سُورَةِ الْبَيِّنَةِ: 1] (5) يَعْنِي قِرَاءَةَ (6) تَبْلِيغٍ لَا قِرَاءَةَ تَعَلُّمٍ (7) . وَفِي الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ [أَحَدًا] (8) غَيْرَهُ، وَقَالَ: " «إِنَّ (9) مِنْ أَشَدِّ
(1) بْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
أ، ب: آذَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
(3)
خَبَرُ مَقْتَلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي شَبَّبَ بِأُمِّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَحَرَّضَ الْكُفَّارَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ. 3/54، 61 وَفِيهَا (58) :" فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ".
(4)
أ، ب: وَفِي الصَّحَابَةِ: كَعْبٌ.
(5)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 6/175 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ لَمْ يَكُنْ) وَسَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ نَصُّ أَوَّلِهَا: ". . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيٍّ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)". قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: " نَعَمْ "، فَبَكَى.
(6)
أ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ، قِرَاءَةٌ، ب: أَقْرَأُ عَلَيْكَ يَعْنِي قِرَاءَةً؛ هـ، ر، ص،: أَقْرَأُ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ يَعْنِي قِرَاءَةً؛ وَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ قِرَاءَةٌ.
(7)
أ، ب: تَعْلِيمٍ.
(8)
أَحَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) ، (و) .
(9)
إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ» " (1) . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ.
[وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ](2) ، وَقَدْ سَمَّى عَلِيٌّ رضي الله عنه ابْنَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ (3) .
فَفِي الْجُمْلَةِ أَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، كَمَا تُسَمِّي الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُسَمُّونَ بِذَلِكَ أَيْضًا، فَلَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ الْكَافِرِ بِاسْمٍ مَا يُوجِبُ هِجْرَانَ ذَلِكَ الِاسْمِ (4) ، [فَلَوْ فُرِضَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ، كَمَا يَقُولُ الْمُفْتَرُونَ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ (5) - لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ هِجْرَانَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ](6) ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّعَصُّبِ وَالْجَهْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَكْرَهُونَ هَذَا الِاسْمَ لِأَنَّ الْمُسَمًّى بِهِ يَكُونُ سُنِّيًّا.
(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/322 333 بِلَفْظِ: " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ ". وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/335، وَقَالَ عَنْهُ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/136 137 (رَقْمَ 281) إِنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ وَالْهَيْثَمِيَّ فِي: مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.
(3)
ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي " الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ " 2/333 أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ " كَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَثَمَانِ عَشْرَةَ أُنْثَى " وَذَكَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ: " أَبُو بَكْرٍ: قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ. . . وَالْعَبَّاسُ الْأَكْبَرُ وَعُثْمَانُ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: قُتِلُوا مَعَ الْحُسَيْنِ أَيْضًا، أُمُّهُمْ أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بْنِ خَالِدٍ. . . وَعُمَرُ الْأَكْبَرُ أُمُّهُ أُمُّ حَبِيبٍ الصَّهْبَاءُ التَّغْلِبِيَّةُ. . ".
(4)
ن، م: هِجْرَانَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ.
(5)
عِبَارَةُ " لَعَنَهُمُ اللَّهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
قِيلَ: فَهُمْ قَدْ يَعْرِفُونَ (1) مَذْهَبَ الرَّجُلِ وَلَا يُخَاطِبُونَهُ بِهَذَا الِاسْمِ، بَلْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ، مُبَالَغَةً فِي هِجْرَانِ هَذَا الِاسْمِ. وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا وَجَدُوا مُسَمًّى بِعَلِيٍّ أَوْ جَعْفَرٍ أَوِ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ بَادَرُوا إِلَى إِكْرَامِهِ (2) ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَاسِقًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ سُنِّيًّا، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُسَمُّونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ. كُلُّ هَذَا مِنَ التَّعَصُّبِ وَالْجَهْلِ، وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يُبْغِضُونَ بَنِي أُمَيَّةَ كُلَّهُمْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ كَانَ مِمَّنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا.
وَقَدْ كَانَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ قَوْمٌ صَالِحُونَ مَاتُوا قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ أَكْثَرَ الْقَبَائِلِ عُمَّالًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ (3) ، وَاسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ (4) بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَخَوَيْهِ (5) أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ (6) وَسَعِيدَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى أَعْمَالٍ أُخَرَ (7) ، وَاسْتَعْمَلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ
(1) أ، ب: قَدْ عَرَفُوا.
(2)
ن، م: إِلَى كَرَامَتِهِ.
(3)
فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ " 4/83: ". . . وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ، أَمِيرًا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِهِ يُرِيدُ لِقَاءَ هَوَازِنَ ". وَجَاءَ فِي النُّسَخِ: عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرِ: الْإِصَابَةَ 2/444.
(4)
أ، ب: بْنِ أَبِي الْعَاصِ، هُوَ خَطَأٌ.
(5)
ن، م، و،: وَأَخَاهُ.
(6)
بْنَ سَعِيدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ " 5/229 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمُذْحَجٍ كُلِّهَا. وَفِي الْإِصَابَةِ 1/24: " وَفِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ. . . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ". وَفِي " الْإِصَابَةِ " 2/45 عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: " وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى سُوقِ مَكَّةَ ". .
حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى نَجْرَانَ أَوِ ابْنَهُ (1) يَزِيدَ، وَمَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا (2) ، وَصَاهَرَ [نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم](3) بِبَنَاتِهِ الثَّلَاثَةِ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَزَوَّجَ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ زَيْنَبَ بِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ (4) ، وَحَمِدَ صِهْرَهُ لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ (5) أَبِي جَهْلٍ، فَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي [أُمَيَّةَ](6) بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، وَقَالَ:" حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي (7) ، وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي "(8) .
(1) ص، ر، هـ: وَابْنَهُ.
(2)
فِي " الْإِصَابَةِ " 2/172: " وَيُقَالُ: " إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَعْمَلَهُ عَلَى نَجْرَانَ وَلَا يَثْبُتُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَكَّةَ وَقْتَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَكَانَ عَامِلُهَا حِينَئِذٍ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ". وَفِي " أُسْدِ الْغَابَةِ " 5/491 492 (ط. الشَّعْبِ) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَعْمَلَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى جَيْشٍ وَسَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَلَّاهُ فِلَسْطِينَ.
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(4)
خَبَرُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ رضي الله عنها وَعَنْهُ وَخَبَرُ أَسْرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَافْتِدَاءِ زَيْنَبَ لَهُ وَسُؤَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يُطْلِقُوهُ لَهَا وَإِطْلَاقِهِمْ لَهُ ثُمَّ إِسْلَامِهِ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/306 315. وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ 6/276.
(5)
أ، ب: بِابْنَةِ.
(6)
أُمَيَّةَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(7)
أ، ب: فَصَدَقَ.
(8)
الْحَدِيثُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 3/190 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) ، 5/22 23 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ) ؛ 7/37 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالْإِنْصَافِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1902 1904 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/304 305 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/359، 360 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها) : سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/643 644 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْغَيْرَةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/5 328.
وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ (2) يُبْغِضُونَ أَهْلَ الشَّامِ؛ لِكَوْنِهِمْ (3) كَانَ فِيهِمْ أَوَّلًا مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَكَّةَ كَانَ فِيهَا كُفَّارٌ وَمُؤْمِنُونَ، وَكَذَلِكَ الْمَدَنِيَّةُ كَانَ فِيهَا مُؤْمِنُونَ وَمُنَافِقُونَ (4) ، وَالشَّامُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ (5) مَنْ يَتَظَاهَرُ بِبُغْضِ عَلِيٍّ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَسْحَبُونَ ذَيْلَ الْبُغْضِ. وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يَذُمُّونَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ آثَارِ بَنِي أُمَيَّةَ، كَالشُّرْبِ مِنْ نَهْرِ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ لَمْ يَحْفِرْهُ [وَلَكِنْ وَسَّعَهُ](6) ،
(1) ن، م: لِعُثْمَانَ، وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " فِي مَوْضِعَيْنِ 1/481 (رَقْمَ 782)، 1/508 509 (رَقْمَ 831) وَالْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَلَا أَبُو أَيِّمٍ، أَلَا وَلِيُّ أَيِّمٍ، أَلَا أَخُو أَيِّمٍ يُزَوِّجُ عُثْمَانَ، فَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُهُ، وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ "،. قَالَ الْمُحَقِّقُ:" ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ وَرِجَالِ الْحَسَنِ ". وَقَالَ إِنَّ ابْنَ أَبِي عَاصِمٍ أَخْرَجَهُ فِي السُّنَّةِ، وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/83. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي:" إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِلْإِرْسَالِ ".
(2)
أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب.
(3)
لِكَوْنِهِمْ: كَذَا فِي أ، ب، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ لِكَوْنِهِ.
(4)
ن، م، و، ر، هـ، ص: مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ.
(5)
أ، ب، م: فِيهَا.
(6)
وَلَكِنْ وَسَّعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " تَارِيخِ مَدِينَةِ دِمَشْقَ " الْمُجَلَّدَةِ الثَّانِيَةِ، ق [0 - 9] ص 145 (ط. الْمَجْمَعُ الْعِلْمِيُّ الْعَرَبِيُّ، دِمَشْقَ 1373/1954) بَعْدَ أَنْ سَاقَ سَنَدَهُ:. . . عَنْ جَدِّي زُفَرَ قَالَ: سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ نَهْرِ يَزِيدَ وَكَيْفَ كَانَتْ قِصَّتُهُ. قَالَ: سَأَلْتَ مِنِّي خَبِيرًا، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا نَبَاطِيًّا يَجْرِي شَيْئًا يَسْقِي ضَيْعَتَيْنِ لِقَوْمٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنِي فَوْقَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لِأَحَدِهِمْ شَيْءٌ غَيْرَهُمْ، فَمَاتُوا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وَارِثٌ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ ضِيَاعَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَوَلَّى ابْنَهُ يَزِيدَ نَظَرَ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، وَكَانَ مُهَنْدِسًا، فَنَظَرَ إِلَى النَّهْرِ فَإِذَا هُوَ صَغِيرٌ فَأَمَرَ بِحَفْرِهِ، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْغُوطَةِ، وَدَافَعُوهُ، فَلَطَفَ بِهِمْ عَلَى أَنْ ضِمَنَ لَهُمْ خَرَاجَ سَنَتِهِمْ مِنْ مَالِهِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَاحْتَفَرَ نَهْرًا سَعَتُهُ سِتَّةُ أَشْبَارٍ فِي عُمْقِ سِتَّةِ أَشْبَارٍ وَلَهُ مِلْءُ جَنَبَتَيْهِ، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا شَرَطَ لَهُمْ فَهَذِهِ قِصَّةُ نَهْرِ يَزِيدَ ".
وَكَالصَّلَاةِ فِي جَامِعٍ بَنَاهُ بَنُو أُمَيَّةَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَسَاكِنِ الَّتِي بَنَوْهَا، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ [مَاءِ](1) الْآبَارِ الَّتِي حَفَرُوهَا، وَيَلْبَسُ [مِنَ](2) الثِّيَابِ الَّتِي نَسَجُوهَا، وَيُعَامِلُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي ضَرَبُوهَا. فَإِذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِمَسَاكِنِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ، وَالْمِيَاهِ الَّتِي أَنْبَطُوهَا (3) ، وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي بَنَوْهَا، فَكَيْفَ بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ ! .
فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ كَافِرًا وَحَفَرَ نَهْرًا، لَمْ يُكْرَهِ الشُّرْبُ مِنْهُ (4) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ تَعَصُّبِهِمْ كَرِهُوا مَا يُضَافُ إِلَى مَنْ يُبْغِضُونَهُ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ (5) مِنْهُمْ كَلْبٌ فَدَعَاهُ آخَرُ مِنْهُمْ: بُكَيْرٌ
(1) مَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(3)
فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " النَّبْطُ: الْمَاءُ الَّذِي يَنْبُطُ مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَ. وَقَدْ نَبَطَ مَاؤُهَا يَنْبُطُ وَيَنْبِطُ نَبْطًا وَنُبُوطًا، وَأَنْبَطَنَا الْمَاءَ، أَيِ اسْتَنْبَطْنَاهُ وَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ ".
(4)
ن، م: أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ.
(5)
أ، ب: لِوَاحِدٍ.
بُكَيْرٌ (1) فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلْبِ: أَتُسَمِّي كَلْبِي بِأَسْمَاءِ أَصْحَابِ النَّارِ (2) ؟ ! فَاقْتَتَلَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا دَمٌ. فَهَلْ يَكُونُ أَجْهَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ ! .
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي أَصْحَابَهُ بِأَسْمَاءٍ قَدْ تَسَمَّى بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ [اللَّهُ](3) فِي الْقُرْآنِ، كَالْوَحِيدِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ [فِي الْقُرْآنِ] (4) فِي قَوْلِهِ:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ: 11] وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو لِابْنِ هَذَا، وَاسْمُهُ أَيْضًا الْوَلِيدُ، وَيُسَمِّي الِابْنَ وَالْأَبَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ:" «اللَّهُمَّ انْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ» " كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ (5) .
وَمِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ (6) أَنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى يَوْمٍ أَحَبَّ اللَّهُ صِيَامَهُ فَيَرَوْنَ فِطْرَهُ، كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:«دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ (7) وَإِذَا نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ " وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ» ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (8)
(1) وَ: بِأَبِي بَكْرٍ، ن، م: كُلَيْبٌ.
(2)
أ، ب: أَهْلِ النَّارِ.
(3)
لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (ص) .
(4)
فِي الْقُرْآنِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 141.
(6)
ن: وَبُغْضِهِمْ.
(7)
أ، ب: عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ. .
(8)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي: الْبُخَارِيِّ 3/44 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) وَنَصُّهُ: " قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: " مَا هَذَا "؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ "؛ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ يُونُسَ) ؛ مُسْلِمٍ 2/795 796 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/552 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْهُمَا وَلَفْظُهُ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ 2/796: عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" صُومُوهُ أَنْتُمْ ". . .
وَمِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى دَابَّةٍ عَجْمَاءَ فَيُؤْذُونَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، إِذْ جَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُبْغِضُونَهُ (1) ، كَمَا يَعْمِدُونَ إِلَى نَعْجَةٍ حَمْرَاءَ يُسَمُّونَهَا عَائِشَةَ وَيَنْتِفُونَ شَعْرَهَا، وَيَعْمِدُونَ إِلَى دَوَابَّ لَهُمْ فَيُسَمُّونَ بَعْضَهَا أَبَا بَكْرٍ وَبَعْضَهَا عُمَرَ وَيَضْرِبُونَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُصَوِّرُونَ صُورَةَ إِنْسَانٍ مِنْ حَيْسٍ (2) يَجْعَلُونَهُ عُمَرَ وَيَبْعَجُونَ بَطْنَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْمَهُ وَيَشْرَبُونَ دَمَهُ (3) .
وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ فَنَقُولُ: الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا لَمْ يُتْرَكْ لِمُجَرَّدِ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ: لَا الرَّافِضَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَأُصُولُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ تُوَافِقُ (4) هَذَا، مِنْهَا مَسْأَلَةُ التَّسْطِيحِ الَّذِي ذَكَرَهَا،
(1) أ، ب: يُبْغِضُونَهَا.
(2)
فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " الْحَيْسُ: الْخَلْطُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَيْسُ. وَالْحَيْسُ: الْأَقِطُ يُخْلَطُ بِالتَّمْرِ وَالسَّمْنِ ".
(3)
يَقُولُ دُونَلْدُسُنْ فِي كِتَابِهِ " عَقِيدَةِ الشِّيعَةِ " ص 25 (ط. الْخَانِجِيِّ، 1365/1946) : " وَيَذْكُرُ هُيُوجِزْ فِي كِتَابِهِ " قَامُوسِ الْإِسْلَامِ " ص 128 قَضِيَّةً ظَرِيفَةً عَنْ عِيدِ الْغَدِيرِ، قَالَ: وَلِلشِّيعَةِ عِيدٌ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، يَصْنَعُونَ بِهِ ثَلَاثَةَ تَمَاثِيلَ مِنَ الْعَجِينِ يَمْلَئُونَ بُطُونَهَا بِالْعَسَلِ، وَهَى تُمَثِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، ثُمَّ يَطْعَنُونَهَا بِالْمُدَى، فَيَسِيلُ الْعَسَلُ، تَمْثِيلًا لِدَمِ الْخُلَفَاءِ الْغَاصِبِينَ ".
(4)
أ، ب: يُوَافِقُونَ.
فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ تَسْنِيمَ الْقُبُورِ أَفْضَلُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُسَنَّمًا» (1) ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ مُشَابَهَةِ أَبْنِيَةِ الدُّنْيَا، وَأَمْنَعُ عَنِ الْقُعُودِ (2) عَلَى الْقُبُورِ. وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَحِبُّ التَّسْطِيحَ لِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ (3) الْقُبُورِ، فَرَأَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ هِيَ التَّسْطِيحُ (4)، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَالَ:[إِنَّ](5) هَذَا شِعَارُ الرَّافِضَةِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ، فَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ (6) وَقَالُوا: بَلْ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَإِنْ فَعَلَتْهُ الرَّافِضَةُ.
وَكَذَلِكَ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ هُوَ (7) مَذْهَبُ الرَّافِضَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ تَكَلَّمَ فِي الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِهَا، وَبِسَبَبِ (8) الْقُنُوتِ، وَنَسَبَهُ إِلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعِرَاقِ أَنَّ الْجَهْرَ [كَانَ](9) مِنْ شِعَارِ (10)
(1) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ فِي الْبُخَارِيِّ 2 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) : أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَقَبْرٌ مُسَنَّمٌ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا عَنِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَا شَيْئًا فَقَدْ تَسَنَّمَهُ. وَتَسْنِيمُ الْقَبْرِ خِلَافُ تَسْطِيحِهِ ".
(2)
أ، ب: وَأَبْعَدُ مِنَ الْقُعُودِ.
(3)
و: بِتَسْطِيحِ.
(4)
انْظُرِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا فِي: الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 2/420 421؛ أَحْكَامُ الْجَنَائِزِ لِلشِّيحِ مُحَمَّدِ نَاصِرِ الدِّينِ الْأَلْبَانِيِّ، ص 153 156، 207 209 (ط. بَيْرُوتَ، 1388، 1969) وَيَقُولُ الْأَلْبَانِيُّ ص 153) : " وَيُسَنُّ. . . أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ عَنِ الْأَرْضِ قَلِيلًا نَحْوَ شِبْرٍ، وَلَا يُسَوَّى بِالْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِيَتَمَيَّزَ فَيُصَانَ وَلَا يُهَانَ ".
(5)
إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(6)
أ: فَخَالَفُوهُمْ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ، ب: وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ.
(7)
ن، م: وَهُوَ، وَ: هِيَ.
(8)
أ، ب: وَسَبَبِ.
(9)
كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) .
(10)
و: شَعَائِرِ.
الرَّافِضَةِ، وَأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ كَانَ مِنْ شِعَارِ (1) الْقَدَرِيَّةِ [الرَّافِضَةِ](2) ، حَتَّى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَذْكُرُونَ فِي عَقَائِدِهِمْ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ، [كَمَا يَذْكُرُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ كَانَ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ](3) ، وَمَعَ هَذَا فَالشَّافِعِيُّ لَمَّا رَأَى أَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ.
وَكَذَلِكَ إِحْرَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَقِيقِ يُسْتَحَبُّ (4) عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَكَذَلِكَ مَالِكٌ يُضَعِّفُ أَمْرَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، حَتَّى أَنَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَمْسَحُ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ، الْمَشْهُورُ عَنْهُ (5) أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَسْتَظِلُّ (6) بِالْمَحْمَلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ السُّجُودَ يُكْرَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَالرَّافِضَةُ يَمْنَعُونَ مِنَ (7) السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَحِبُّ الْمُتْعَةَ - مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَيَأْمُرُ بِهَا حَتَّى يَسْتِحَبَّ (8) هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ - أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ - لِمَنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ
(1) و: شَعَائِرِ.
(2)
الرَّافِضَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) .
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(4)
أ، ب: مُسْتَحَبٌّ.
(5)
عِبَارَةُ " الْمَشْهُورِ عَنْهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
ن، م، و: لَا يَتَظَلَّلُ.
(7)
مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
أ، ب: وَيَسْتَحِبُّ.
يَفْسَخَ ذَلِكَ إِلَى الْعُمْرَةِ وَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ جَاءَتْ بِذَلِكَ؛ حَتَّى قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ (1) لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَوِيَتْ قُلُوبُ الرَّافِضَةِ لَمَّا أَفْتَيْتَ أَهْلَ خُرَاسَانَ بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْكَ أَنَّكَ أَحْمَقُ، وَكُنْتُ أَدْفَعُ عَنْكَ، وَالْآنَ فَقَدْ (2) ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّكَ أَحْمَقُ: عِنْدِي أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؟ ! .
وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى (3) غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ [رضي الله عنه (4) ] : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ (5) وَغَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ
(1) ن: شَيْبٍ. وَمَكَانُ الْكَلِمَةِ بَيَاضٌ فِي (أ)، (ب) . وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَجَرِيُّ الْمِسْمَعِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ وَمُحَدِّثُهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ 247. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/146 147، الْأَعْلَامِ 3/172.
(2)
فَقَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .
(3)
أ، ب: أَنَّ الصَّلَاهَ تَجُوزُ عَلَى. . .
(4)
رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م، هـ: وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجِيلِيُّ أَوِ الْجِيلَانِيُّ أَوِ الْكِيلَانِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 471 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 561، وَهُوَ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/198 202، الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/290 301، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِلشَّعْرَانِيِّ 1/108 114، فَوَاتِ الْوَفِيَّاتِ لِابْنِ شَاكِرٍ 2/4 6، الْأَعْلَامِ 4/171 172.
اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما (1) ] أَنَّهُ قَالَ: لَا تَصْلُحُ الصَّلَاةُ [مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ] عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2)(* وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ [رضي الله عنه] (3) قَالَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لَمَّا صَارَتِ الشِّيعَةُ تَخُصُّ بِالصَّلَاةِ عَلِيًّا دُونَ غَيْرِهِ، [وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي حَقِّهِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ](4) ، وَهَذَا خَطَأٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فَيُصَلَّى عَلَى جَمِيعِ آلِهِ تَبَعًا لَهُ (5) .
وَآلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ (6) عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا إِلَى أَنَّهُمْ أُمَّةُ [مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم] . وَقَالَتْ (7) طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّهُمُ الْأَوْلِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، وَرُوِيَ (8) فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ
(1) رضي الله عنهما: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، (ص) .
(2)
أ، ب: الصَّلَاةُ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ن، م، هـ: الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(3)
رضي الله عنه: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(4)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ: (ن) ، (م) .
(5)
ر، ص: وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَعَلَى جَمِيعِ آلِهِ تَبَعًا لَهُ.
(6)
أ، ب:. . . وَأَحْمَدَ الَّذِينَ حُرِّمَتْ، ر، ص: وَأَحْمَدَ مَنْ حُرِّمَتْ.
(7)
ن، م، ص، ر: إِلَى أَنَّهُمْ أُمَّتُهُ، وَقَالَتْ. . .
(8)
أ، ب: وَرَوَوْا.
ضَعِيفٌ (1) لَا يَثْبُتُ، فَالَّذِي قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ (2) لَا يُصَلُّونَ إِلَّا عَلَى عَلِيٍّ دُونَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا صَلَّى عَلَى عَلِيٍّ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَيُكْرَهُ (3) لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ رَافِضِيٌّ، فَأَمَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى (4) عَلَى عَلِيٍّ وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ سَائِرُ الْأَئِمَّةِ (5) . فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي فِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يَصِرْ مُسْتَحَبًّا * (6)) . [وَمِنْ هُنَا](7) ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا صَارَتْ شِعَارًا لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بِذَلِكَ (8)، لَكِنْ قَالَ (9) : فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ لَهُمْ، فَلَا يَتَمَيَّزُ السُّنِّيُّ مِنَ الرَّافِضِيِّ، وَمَصْلَحَةُ التَّمَيُّزِ (10) عَنْهُمْ لِأَجْلِ هِجْرَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ، أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذَا الْمُسْتَحَبِّ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إِذَا كَانَ فِي الِاخْتِلَاطِ وَالِاشْتِبَاهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ فِعْلِ ذَلِكَ (11) الْمُسْتَحَبِّ، لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَارِضٌ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَجْعَلَ الْمَشْرُوعَ لَيْسَ
(1) أ، ب: حَدِيثًا ضَعِيفًا.
(2)
ن، م: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ قَوْمٌ.
(3)
ن، م، ر: فَكَرِهَ، ص: وَكَرِهَ.
(4)
أ، ب: يُصَلِّي.
(5)
ص، ر: سَائِرُ الْجَمَاعَةِ.
(6)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) وَيَسْتَمِرُّ السَّقْطُ فِي (هـ) مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى كَلِمَةِ " فَصْلٌ "
(7)
وَمِنْ هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(8)
أ: فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا لِذَلِكَ، ب: فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّرْكُ وَاجِبًا لِذَلِكَ. . .
(9)
قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.
(10)
ن، م: التَّمْيِيزُ.
(11)
ن: هَذَا.