الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ]
وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: " كَانَ (1) بِالْيَمَنِ يَطْعَنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَتَبَ إِلَى أَبِيهِ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ يُعَيِّرُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَبْيَاتَ ".
فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، لَمْ يَكُنْ بِالْيَمَنِ، وَأَبُوهُ «أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ لَيْلَةَ نَزَلَ بِهَا، وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يُحِبُّ الشَّرَفَ. فَقَالَ [النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم] (2) : " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» " (3) .
وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ (4) هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، لَمَّا سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَهُمْ (5) ، وَمَا كَانَ عِنْدَهُ (6) مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، لَكِنَّ الْحَسَدَ مَنَعَهُ مِنَ
(1) ن، م، ر، ص، هـ: أَنَّهُ كَانَ.
(2)
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) .
(3)
هَذَا الْخَبَرُ عَنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ، فَهُوَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/46 ; زَادِ الْمَعَادِ 3/404 ; جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص 229 ; إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 371 372. وَجَاءَ حَدِيثٌ بِمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1407 1408 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فَتْحِ مَكَّةَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/538. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْحَدِيثَ فِي فَتْحِ الْبَارِي 8/12 وَقَالَ إِنَّهُ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ. " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ ". . .
(4)
ن، م، ر، ص، هـ: مَا أَخْبَرَ بِهِ
(5)
حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه مَعَ هِرَقْلَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهم فِي: 1/4 6 (كِتَابِ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ) . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ فِي 1/15 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) ، 3/180 (كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، بَابِ مَنْ أُمِرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ) وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى.
(6)
ب (فَقَطْ) : عِنْدَهُمْ.
الْإِيمَانِ، حَتَّى أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، بِخِلَافِ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَنْ أَخِيهِ يَزِيدَ.
وَهَذَا الشِّعْرُ كَذِبٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَطْعًا ; فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ:
فَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ قَوْلِ الْوُشَاةِ لَنَا
…
خَلِّي ابْنَ هِنْدٍ عَنِ الْعُزَّى لَقَدْ فَرَقَا.
وَكَانَتْ قَرِيبًا مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ لَا عُزَّى وَلَا مَنْ يَلُومُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْعُزَّى. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الْكَذَّابِينَ عَلَى لِسَانِ مُعَاوِيَةَ. وَهُوَ كَذَّابٌ (2) جَاهِلٌ لَمْ يَعْلَمْ (3) كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ.
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَالِ جَدِّهِ أَبِي أُمَيَّةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَخَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَعَمِّ أُمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَخِيهِ حَنْظَلَةَ، أَمْرٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ هُوَ وَجُمْهُورُ قُرَيْشٍ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ (4) إِلَّا وَلَهُ أَقَارِبُ كُفَّارٌ، قُتِلُوا كُفَّارًا أَوْ مَاتُوا (5) كُفَّارًا، فَهَلْ كَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ فَضِيحَةٌ؟ ! .
وَقَدْ أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَكَانَا مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبَوَاهُمَا قُتِلَا بِبَدْرٍ. وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ قُتِلَ أَخُوهُ يَوْمَ
(1) ن، م، ر: يَا عُزَّى.
1 -
(2)
ب، ر، ص: وَهُوَ كَذِبٌ.
(3)
ص، ب: لَا يَعْلَمُ.
(4)
أ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ، ب: فَمَا كَانَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ; ص: فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ.
(5)
أَوْ مَاتُوا كَذَا فِي (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَمَاتُوا.
بَدْرٍ. وَفِي الْجُمْلَةِ الطَّعْنُ بِهَذَا طَعْنٌ فِي عَامَّةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَهَلْ يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ فِي عَلِيٍّ بِأَنَّ عَمَّهُ أَبَا لَهَبٍ كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ . أَوْ يَطْعَنَ فِي الْعَبَّاسِ رضي الله عنه بِأَنَّ أَخَاهُ كَانَ مُعَادِيًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ (1) أَوْ يُعَيِّرَ عَلِيًّا بِكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ أَوْ يُعَيِّرَ بِذَلِكَ الْعَبَّاسَ؟ وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ كَلَامِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ (2) .
ثُمَّ الشِّعْرُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ الْقَدِيمِ (3) ، بَلْ هُوَ شِعْرٌ رَدِيءٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الْفَتْحَ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِثَمَانٍ مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ " فَهَذَا صَحِيحٌ (4) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ هَارِبًا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى صَارَ (5) إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَرًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ ".
فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:" إِنَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ " وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ مِنْ غَنَائِمِ هَوَازِنَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أَعْطَاهُ [مِنْهَا،
(1)(11) : سَاقِطٌ مِنْ (هـ) .
(2)
ص: مِنْ جِنْسِ الْمُسْلِمِينَ.
(3)
أ، ب: الشِّعْرِ الْأَوَّلِ.
(4)
أ، ب: فَهُوَ صَحِيحٌ.
(5)
ب: سَارَ.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَأَلَّفُ السَّادَةَ الْمُطَاعِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ] (1) ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا مِنْ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ.
وَمَنْ كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يُؤْمِنَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْلِيفٍ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:" «قَصَّرْتُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَرْوَةِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [وَلَفْظُهُ: «أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ قَالَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ لَهُ: لَا أَعْلَمُ هَذَا حُجَّةً إِلَّا عَلَيْكَ» ](2) . وَهَذَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ (3) الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ (4) أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمُ الْحِلَّ كُلَّهُ، وَيَصِيرُوا مُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ سَاقُوا
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ. وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم فِي: الْبُخَارِيِّ 2/174 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ) ; مُسْلِمٍ 2/913 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ التَّقْصِيرِ فِي الْعُمْرَةِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/217 218 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي الْإِقْرَانِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/196 197 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ أَيْنَ يُقَصِّرُ الْمُعْتَمِرُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/96، 97، 98.
(3)
الْمَرْوِيَّةِ فِي: (ن) فَقَطْ.
(4)
ر، ص، هـ، و: أَمَرَ جَمِيعَ أَصْحَابِهِ.
الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلُّوا، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَسُقِ [الْهَدْيَ](1) فَحَلَلْنَ. وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ (2) .
فَعُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ مُعَاوِيَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَكِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَبَاحَ لِلْمُتَمَتِّعِ السَّائِقِ لِلْهَدْيِ (3) أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِهِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، كَمَا أَنَّ عَنْهُ رِوَايَةً أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ. وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُبِيحَانِ لِكُلِّ مُتَمَتِّعٍ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ - وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَعْلَمُونَ (4) بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّ سَائِقَ الْهَدْيِ لَا يُحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ (5) .
وَتَقْصِيرُ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا قَدْ (6) كَانَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: إِمَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ - وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ
(1) الْهَدْيَ: فِي (ر) فَقَطْ.
(2)
ص، ب: وَالْمَسَانِيدِ.
(3)
لِلْهَدْيِ: فِي (ص)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْهَدْيَ.
(4)
ن، م، و، ر: فَيَعْلَمُونَ.
(5)
يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " 3/351: " فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَلَكِنْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً وَلَا يَمَسُّ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ شَيْئًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: " قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ عِنْدَ الْمَرْوَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: لَهُ التَّحَلُّلُ وَنَحْرُ هَدْيِهِ. وَيُسْتَحَبُّ نَحْرُهُ عَنِ الْمَرْوَةِ ".
(6)
قَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
كَمَا زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ، لَكِنْ لَا يُعْرَفُ صِحَّةُ هَذَا - وَإِمَّا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ هَذَا التَّقْصِيرَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، وَكَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَبَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَبَعْدَ حِصَارِهِ لِلطَّائِفِ (1) ; فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ فَقَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِالْجِعْرَانَةِ، وَاعْتَمَرَ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، فَقَصَّرَ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه، وَكَانَ [مُعَاوِيَةُ](2) قَدْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ (3) عِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَاسْتَكْتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخِبْرَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُمَا آذَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا كَانَ يُؤْذِيهِ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ.
وَأَخُوهُ يَزِيدُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَبَعْضُ الْجُهَّالِ يَظُنُّ أَنَّ يَزِيدَ هَذَا هُوَ يَزِيدُ الَّذِي تَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ (4) ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي زَمَنِهِ، فَيَظُنُّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا جَهْلٌ ظَاهِرٌ ; فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَأَمَّا يَزِيدُ عَمُّهُ هَذَا (5) فَرَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، وَمَشَى فِي رِكَابِهِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَوَلَّى عُمَرُ رضي الله عنه أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه مَكَانَهُ أَمِيرًا، ثُمَّ لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّهُ عَلَى الْإِمَارَةِ وَزَادَهُ، وَبَقِيَ أَمِيرًا، إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، إِلَى أَنْ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ [عَلِيٌّ رضي الله عنه](6) وَبَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَنَ بْنَ
(1) ص، أ، ب: الطَّائِفِ.
(2)
مُعَاوِيَةُ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .
(3)
ن (فَقَطْ) : فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ.
(4)
ن، م، و، هـ: بَعْدَ مَوْتِهِ.
(5)
أ، ب: وَأَمَّا يَزِيدُ هَذَا عَمُّهُ.
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
عَلِيٍّ رضي الله عنهما، فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ سَلَّمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، تَحْقِيقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» "(1) وَبَقِيَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ إِسْلَامُ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِيُقِيمَ الْحَجَّ، وَيُنَادَى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ نُبِذَتِ الْعُهُودُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأُجِّلُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، فَكَانَ هَذَا أَمَانًا عَامًّا لِكُلِّ مُشْرِكٍ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَغَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ لِقِتَالِ النَّصَارَى بِالشَّامِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ.
وَلَوْ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا كَانَ لَكَانَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَنْبٌ يَهْرُبُ لِأَجْلِهِ، أَوْ يُهْدَرُ دَمُهُ لِأَجْلِهِ؟ ! وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أُهْدِرُ دَمَهُ عَامَ الْفَتْحِ. فَهَذِهِ مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ (2) ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَكُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهَا تَنْطِقُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَيَذْكُرُونَ
(1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 540.
(2)
هـ، و: مُحَمَّدِ بْنِ عَابِدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 150 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 233 وَمِنْ كُتُبِهِ كِتَابُ " السِّيَرِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/241 242 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/78 ; الْأَعْلَامِ 7/48.
مِنْ إِهْدَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ، مِثْلُ مَقِيسِ بْنِ حُبَابَةَ (1) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَهَذَانِ قُتِلَا. وَأُهْدِرَ دَمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، ثُمَّ بَايَعَهُ. وَالَّذِينَ أَهْدَرَ دِمَاءَهُمْ كَانُوا [نَفَرًا](2) قَلِيلًا نَحْوَ الْعَشَرَةِ.
وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ (3) عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ [الَّذِي](4) أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ [هُوَ الَّذِي](5) جَمَعَ الْأَمْوَالَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَبَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ يُنْفِقَهَا فِي قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ قُوَّادِ الْجَيْشِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ قَائِدُ الْأَحْزَابِ أَيْضًا، وَقَدْ أَخَذَهُ الْعَبَّاسُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، وَمَشَى عُمَرُ مَعَهُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو سُفْيَانَ، قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَاوَلَهُ الْعَبَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، وَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:" «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، [وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ] (6) ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» ".
فَكَيْفَ يُهْدَرُ (7) دَمُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ شَابٌّ صَغِيرٌ لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَخْتَصُّ بِهِ،
(1) ن، ص، أ: مَقِيسِ بْنِ صَبَابَةَ ; ب، ر، هـ: مَقِيسِ بْنِ ضَبَابَةَ ; و: قَيْسِ بْنِ صَبَابَةَ ; م: حُفَيْسِ بْنِ صِنَاعَةَ. وَمَا أُثْبِتُهُ مِنْ سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/52 53 وَفِيهَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ 4/53.
(2)
نَفَرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(3)
أ، ب: مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ; ن: أَشَدِّ النَّاسِ.
(4)
الَّذِي: فِي (أ) ، (ب) ، (هـ) فَقَطْ.
(5)
هُوَ الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(7)
ن: هَدَرَ.
وَلَا عُرِفَ [عَنْهُ](1) أَنَّهُ كَانَ يَحُضُّ عَلَى عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَمَّنَ رُءُوسَ الْأَحْزَابِ؟ (2) فَهَلْ يَظُنُّ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالسِّيرَةِ؟ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ [بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ](3) مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم " لَمَّا ذَكَرْنَا مَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ [عَامَ الْفَتْحِ](4) ، وَذَكَرْنَاهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا (5) . نَعَمْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ (6) رضي الله عنه أَتَى بِهِ فَأَسْلَمَ بِمَكَّةَ (7) وَحَقَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ ".
فَفِرْيَةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ كُتَّابِ الْوَحْيِ (8) . وَأَمَّا [عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
(1) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(2)
(22) سَاقِطٌ مِنْ (و) .
(3)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(4)
عَامَ الْفَتْحِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(5)
ر: وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. وَطُبِعَ كِتَابُ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، مِنْهَا طَبْعَةٌ فِي حَيْدَرَ آبَادْ الدَّكْن، سَنَةَ 1322، وَطَبْعَةٌ بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد رحمه الله، 1379/1960، وَالْكَلَامُ عَمَّنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ مَثْبُوتٌ فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ.
(6)
و: عُمَرَ.
(7)
ص، ب: أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ.
(8)
ر: مِنْ كُتَّابِهِ ; هـ: مِنْ كِبَارِ الْمُسْلِمِينَ.
سَعْدٍ] (1) بْنُ أَبِي سَرْحٍ فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَافْتَرَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنَّهُ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} .
فَهُوَ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، لَمَّا (2) أُكْرِهَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ عَلَى الْكُفْرِ. وَرِدَّةُ هَذَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ (3) بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ ; فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبِلَ إِسْلَامَهُ وَبَايَعَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَدْ «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي " فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ (4) مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ» ".
(1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: فِي (ص) ، (ب) فَقَطْ.
(2)
أ، ب: حِينَ.
(3)
ن، م، ر: عَلَى الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، وَهَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ.
(4)
ص: مِنْ.
فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; [فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ](1) لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَذِبٌ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ (2) . وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا. ثُمَّ مِنْ جَهْلِهِ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ثَلْبِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قِيلَ لَهُ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ (3) .
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(2)
لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ لَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ.
(3)
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 8/153: " وَقَالَ هُشَيْمُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَلَا عُمَرُ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ. وَرَوَاهُ أَبُو سُفْيَانَ الْحِيرِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ. وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ: قِيلَ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ خَيْرًا مِنْهُ، وَهُوَ أَسْوَدُ. وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ ". وَانْظُرْ تَعْلِيقَ أُسْتَاذِي الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ رحمه الله عَلَى الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص 204 ط. السَّلَفِيَّةِ، 1371.
قَالَ أَحْمَدُ [بْنُ حَنْبَلٍ](1) : السَّيِّدُ الْحَلِيمُ [يَعْنِي مُعَاوِيَةَ](2) ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ كَرِيمًا حَلِيمًا.
ثُمَّ إِنَّ خُطَبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً، بَلْ كَانَ يَخْطُبُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمُعَاوِيَةُ وَأَبُوهُ يَشْهَدَانِ الْخُطَبَ، كَمَا يَشْهَدُهَا الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ. أَفَتَرَاهُمَا (3) فِي كُلِّ خُطْبَةٍ كَانَا يَقُومَانِ وَيُمَكَّنَانِ مِنْ ذَلِكَ؟ هَذَا قَدْحٌ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ يُمَكِّنُونَ اثْنَيْنِ دَائِمًا يَقُومَانِ وَلَا يَحْضُرَانِ (4) الْخُطْبَةَ وَلَا الْجُمْعَةَ. وَإِنْ كَانَا يَشْهَدَانِ كُلَّ خُطْبَةٍ، فَمَا بَالُهُمَا يَمْتَنِعَانِ [مِنْ سَمَاعِ] خُطْبَةٍ (5) وَاحِدَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا؟ .
ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ سِيرَةِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، وَأَصْبَرِهِمْ عَلَى مَنْ يُؤْذِيهِ، وَأَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِمَنْ يُعَادِيهِ، فَكَيْفَ يَنْفِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَعَ أَنَّهُ أَعْظَمُ الْخَلْقِ (6) مَرْتَبَةً فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ؟ فَكَيْفَ لَا يَصْبِرُ عَلَى سَمَاعِ كَلَامِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْمُلْكِ [كَانَ](7) يَسْمَعُ كَلَامَ مَنْ يَسُبُّهُ (8) فِي وَجْهِهِ؟ فَلِمَاذَا لَا (9) يَسْمَعُ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(2)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
(3)
أَفَتَرَاهُمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَفَتَرَاهُ.
(4)
ر، ص، هـ: أَنْ يَقُومَا وَلَا يَحْضُرَانِ.
(5)
ن، م، و، أ: يَمْتَنِعَانِ فِي خُطَبٍ. وَفِي (ب) : عَنْ سَمَاعِ.
1 -
(6)
ن: النَّاسِ.
(7)
كَانَ: فِي (و) فَقَطْ.
(8)
أ، ب: مَنْ يَشْتُمُهُ.
(9)
أ، ب: لَمْ.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَاتِبًا مَنْ هَذِهِ حَالُهُ؟ . (1)
وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ زَيْدًا أَوْ يَزِيدَ "(2) فَمُعَاوِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ زَيْدٌ (3) . وَأَمَّا يَزِيدُ ابْنُهُ (4) الَّذِي تَوَلَّى [بَعْدَهُ](5) الْمُلْكَ وَجَرَى فِي خِلَافَتِهِ مَا جَرَى، فَإِنَّمَا وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَلَدٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ نَاصِرٍ (6) : " خَطَبَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُزَوَّجْ (7) لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَوُلِدَ لَهُ يَزِيدُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ".
ثُمَّ نَقُولُ ثَالِثًا: هَذَا الْحَدِيثُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ "(8) : " قَدْ تَعَصَّبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ، فَوَضَعُوا فِي
(1) ن، م: وَكَيْفَ يَتَّخِذُ كَاتِبًا مَنْ هَذِهِ حَالُهُ ; و: وَكَيْفَ يَتَّخِذُهُ كَاتِبًا وَهَذِهِ حَالُهُ ; أ، ب: وَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَاتِبًا مَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(2)
ص: ابْنِهِ يَزِيدَ أَوْ زَيْدٍ ; أ، ب: ابْنِهِ يَزِيدَ.
(3)
أ، ب، و: اسْمُهُ يَزِيدُ.
(4)
أ، ب: وَأَمَّا ابْنُهُ يَزِيدُ.
(5)
بَعْدَهُ: فِي (و) ، (ص) ، (هـ) فَقَطْ.
(6)
ن: ابْنُ مَاضِرٍ ; م ابْنُ مَاصِرٍ.
(7)
ن، م، هـ، ر: فَلَمْ يَتَزَوَّجْ.
(8)
2/15
فَضْلِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه أَحَادِيثَ لِيَغِيظُوا (1) الرَّافِضَةَ، وَتَعَصَّبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّافِضَةِ فَوَضَعُوا فِي ذَمِّهِ أَحَادِيثَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْخَطَأِ الْقَبِيحِ ".
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ بَالَغَ فِي مُحَارَبَةِ عَلِيٍّ ".
فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ اقْتَتَلَ الْعَسْكَرَانِ: عَسْكَرُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ يَخْتَارُ الْحَرْبَ ابْتِدَاءً، بَلْ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ حِرْصًا (2) عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ قِتَالٌ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَحْرَصَ عَلَى الْقِتَالِ مِنْهُ. وَقِتَالُ صِفِّينَ لِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كِلَاهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا [مُصِيبًا](3) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، مِمَّنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَيَقُولُ: كَانَا مُجْتَهِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ (4) مِنْ أَصْحَابِ [أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ](5) وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقُولُ الْكَرَّامِيَّةُ: كِلَاهُمَا إِمَامٌ مُصِيبٌ، وَيَجُوزُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ لِلْحَاجَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمُصِيبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، [وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ] .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَلِيٌّ هُوَ الْمُصِيبُ وَحْدَهُ، وَمُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.
(1) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي فَضْلِهِ أَحَادِيثَ لِيُغْضِبُوا.
(2)
ن، م، و، هـ، ر، ص: مِنْ أَشَدِّ عَسْكَرِهِ حِرْصًا. .
(3)
مُصِيبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (و) : مُجْتَهِدًا أَيْضًا.
(4)
أ، ب: قَوْلُ كَثِيرٍ.
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
وَقَدْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ الصَّوَابُ أَنْ لَا يَكُونَ قِتَالٌ، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ خَيْرًا لِلطَّائِفَتَيْنِ، فَلَيْسَ فِي الِاقْتِتَالِ صَوَابٌ، وَلَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْقِتَالُ قِتَالُ فِتْنَةٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ خَيْرًا لِلطَّائِفَتَيْنِ، مَعَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَوْلَى بِالْحَقِّ.
وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرِ أَئِمَّةِ (1) الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ](2) ، وَهُوَ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي ذَلِكَ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ: هُوَ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَكْثَرِ مَنْ بَقِيَ مِنَ السَّابِقِينَ [الْأَوَّلِينَ] مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (3) وَالْأَنْصَارِ رضي الله عنهم.
وَلِهَذَا كَانَ مِنْ مَذَاهِبِ (4) أَهْلِ السُّنَّةِ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ،
(1) ن، م، و: وَكَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ. .
(2)
لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: لَيْسَتْ فِي (ن)، (م) . وَذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ " أُصُولِ الدِّينِ " ص 289:" أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا (الْأَشَاعِرَةُ) عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ وَفِي قِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ، وَقَالُوا فِي الَّذِينَ قَاتَلُوهُ بِالْبَصْرَةِ إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْخَطَأِ " ثُمَّ قَالَ (ص 290) : وَقَالَ أَكْثَرُ الْكَرَّامِيَّةِ بِتَصْوِيبِ الْفَرِيقَيْنِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ عَلِيًّا أَصَابَ فِي مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَأَهْلِ صِفِّينَ، وَلَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَرْفَقَ بِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى وَأَفْضَلَ ".
(3)
ن، م: السَّابِقِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ; و: التَّابِعِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. .
(4)
أ، ب: مِنْ مَذْهَبِ.
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ فَضَائِلُهُمْ، وَوَجَبَتْ مُوَالَاتُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ. وَمَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُ مَا تَابَ صَاحِبُهُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مَغْفُورًا. فَالْخَوْضُ فِيمَا شَجَرَ يُوقِعُ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بُغْضًا وَذَمًّا، وَيَكُونُ هُوَ فِي ذَلِكَ (1) مُخْطِئًا، بَلْ عَاصِيًا، فَيَضُرُّ نَفْسَهُ وَمَنْ خَاضَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَرَى لِأَكْثَرِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ: إِمَّا مِنْ ذَمِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، وَإِمَّا مِنْ مَدْحِ أُمُورٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ (2) .
[وَلِهَذَا كَانَ] الْإِمْسَاكُ (3) طَرِيقَةُ أَفَاضِلِ السَّلَفِ (4) . وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: [كَانَ مُعَاوِيَةُ فَاسِقًا دُونَ عَلِيٍّ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَانَ كَافِرًا، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الرَّافِضَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:](5) كِلَاهُمَا كَافِرٌ: عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فَسَقَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:[بَلْ](6) مُعَاوِيَةُ عَلَى الْحَقِّ وَعَلِيٌّ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا تَقُولُهُ الْمَرْوَانِيَّةُ.
وَالْكِتَابُ - وَالسُّنَّةُ - قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُسْلِمُونَ، وَأَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنْ وُجُودِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
(1) أ، ب: فِي ذَلِكَ هُوَ: وَسَقَطَتْ " هُوَ " مِنْ (ص) .
(2)
ن، م: أَوْ مَدْحِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ.
(3)
ن، م، و: وَالْإِمْسَاكُ.
(4)
فِي (ر)، (ص) :. . . السَّلَفِ كَمَا يُنْقَلُ عَنْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ. وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (ص) : " بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ ".
(5)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَسَمَّاهُمْ (1) مُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» "(2) وَهَؤُلَاءِ الْمَارِقَةُ مَرَقُوا عَلَى عَلِيٍّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَائِفَتَهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ طَائِفَةِ مُعَاوِيَةَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» "(3) فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، فَمَدَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَسَمَّاهُمَا مُؤْمِنِينَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا هُوَ الْمَحْمُودُ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مَحْمُودًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ يَسْتَشْرِفُ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (4) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «يُوشِكُ أَنْ
(1) ص، ب: فَسَمَّاهُمَا.
(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ.
(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ.
(4)
سَبَقَ الْحَدِيثُ 1/539، 542.
يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» " (1) .
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» "(2) .
وَالَّذِينَ رَوَوْا أَحَادِيثَ الْقُعُودِ فِي الْفِتْنَةِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لَمْ يُقَاتِلُوا لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: " «مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا
(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 1/9 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ) ، 4/127 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ خَيْرِ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 8/107 - 108 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ ; بَابُ الْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1317 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعُزْلَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/6، 43، 57 ; الْمُوَطَّأِ 2/970 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ) . وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ " شَعَفَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَشَعَفَةُ الْجَبَلِ بِالتَّحْرِيكِ رَأْسُهُ، وَالْجَمْعُ شَعَفٌ وَشِعَافٌ وَشُعُوفٌ وَهِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ. وَفِي الْحَدِيثِ: مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلٌ فِي شَعَفَةٍ مِنَ الشِّعَافِ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُعْتَزِلٌ النَّاسَ ". وَانْظُرْ " النِّهَايَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ مَادَّةَ " شَعَفَ ".
(2)
الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/21 - 22 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ آطَامِ الْمَدِينَةِ) ، 4/198 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 9/48 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ) ; 4/2211 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/200.