المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية] - منهاج السنة النبوية - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر]

- ‌[الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت]

- ‌[كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وَظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ " والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا والرد عليه]

- ‌[كَلَامُ الرَّافِضِيُّ على مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد]

- ‌[كلام الرافضي على الْحَسَن الْعَسْكَرِيّ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه]

- ‌[الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه]

- ‌[كلام الرَّافِضِيُّ على وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ]

- ‌[زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة]

- ‌[الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه]

- ‌[كلام الرافضي على مَنْعِ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا]

- ‌[الْجَوَابُ على كلام الرافضي مَنْعَ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ وُجُوهٍ]

- ‌[كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك]

- ‌[كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ " والرد عليه]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ]

- ‌[زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه]

- ‌[زعم الرافضي أن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وجوابه من وجوه]

- ‌[الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة مع كلامه على معاوية والرد عليه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وَكَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[فصل وقوع أمور فِي الأمة بالتأويل في دِمَائِهَا وَأَمْوَالِهَا وَأَعْرَاضِهَا]

- ‌[الراففضة يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعَرَّسَ بِامْرَأَتِهِ والرد عليه]

- ‌[عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الناس في يزيد طرفان ووسط]

- ‌[النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه طرفان ووسط]

- ‌[أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ وبِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ]

- ‌[عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية]

- ‌[زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته]

الفصل: ‌[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية]

ضَعِيفٌ ; فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْخُلْ بِفَاطِمَةَ رضي الله عنهما إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ (1) .

[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية]

(فَصْلٌ)(2) .

قَالَ الرَّافِضِيُّ (3) : " وَتَوَقَّفَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ فِي لَعْنِهِ (4) مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ ظَالِمٌ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَنَهْبِ حَرِيمِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَابِلَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما](5) قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَإِنِّي قَاتِلٌ بِابْنِ بِنْتِكَ (6) سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا. وَحَكَى السُّدِّيُّ وَكَانَ مِنْ فُضَلَائِهِمْ (7) قَالَ: نَزَلْتُ بِكَرْبَلَاءَ وَمَعِيَ طَعَامٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَزَلْنَا عَلَى رَجُلٍ فَتَعَشَّيْنَا

(1) أ، ب: بَدْرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " فِي تَرْجَمَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها 4/366: " وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ مَقْدَمِهِمُ الْمَدِينَةَ وَبَنَى بِهَا مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ وَلَهَا يَوْمَئِذٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً ".

(2)

هـ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ، ر، ص: الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ.

(3)

فِي (ك) ص 117 (م) 118 (م) .

(4)

لَعْنِهِ: كَذَا فِي (م)، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي لَعْنَتِهِ.

(5)

رضي الله عنهما: لَيْسَتْ فِي (ك) ، (و) ، (ن) ، (م) ، (ر) .

(6)

ك: بِابْنِ بِنْتِكَ فَاطِمَةَ.

(7)

ك: فَضَائِلِهِمْ.

ص: 564

عِنْدَهُ، وَتَذَاكَرْنَا قَتْلَ الْحُسَيْنِ (1) وَقُلْنَا: مَا شَرَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ إِلَّا وَمَاتَ أَقْبَحَ مَوْتَةٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا أَكْذَبَكُمْ، أَنَا شَرَكْتُ فِي دَمِهِ (2) وَكُنْتُ مِمَّنْ قَتَلَهُ فَمَا (3) أَصَابَنِي شَيْءٌ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ (4) اللَّيْلِ إِذَا أَنَا بِصَائِحٍ (5) . قُلْنَا: مَا الْخَبَرُ؟ قَالُوا: قَامَ الرَّجُلُ يُصْلِحُ الْمِصْبَاحَ فَاحْتَرَقَتْ إِصْبَعُهُ، ثُمَّ دَبَّ الْحَرِيقُ فِي جَسَدِهِ (6) فَاحْتَرَقَ. [قَالَ السُّدِّيُّ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ وَهُوَ حُمَمَةٌ سَوْدَاءُ (7) ] (8) . وَقَدْ سَأَلَ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ. قُلْتُ: وَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: نَهَبَ الْمَدِينَةَ.

وَقَالَ لَهُ صَالِحٌ وَلَدُهُ يَوْمًا: إِنَّ قَوْمًا يَنْسُبُونَنَا (9) إِلَى تَوَلِّي (10) يَزِيدَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَلْ يَتَوَلَّى (11) يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقَالَ: لِمَ لَا تَلْعَنُهُ؟ (12) ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [فِي كِتَابِهِ](13) ؟

(1) ك: الْحُسَيْنِ عليه الصلاة والسلام ص: الْحُسَيْنِ رضي الله عنه.

(2)

فِي دَمِهِ: كَذَا فِي (ك)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ.

(3)

أ، ب: وَمَا.

(4)

ك: فِي آخِرِ.

(5)

ك: بِصِيَاحٍ.

(6)

ك: ثُمَّ سَرَى الْحَرِيقُ فِي جَسَدِهِ، أ، ب: ثُمَّ دَبَّ الْحَرِيقُ إِلَى جَسَدِهِ.

(7)

أ: قَالَ السُّدِّيُّ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ وَهُوَ جَمْرَةٌ، ك: وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ فَحْمَةٌ.

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(9)

ن، م، أ، ص، ر، هـ: يَنْسُبُونَا.

(10)

ن، م، ر، أ، ك: تَوَالِي.

(11)

ن، م، أ، ر، و: يَتَوَالَى.

(12)

ك: فَقَالَ: لَا تَلْعَنْهُ.

(13)

فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

ص: 565

فَقُلْتُ: وَأَيْنَ لُعِنَ يَزِيدُ (1) ؟ فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 23، 22] ، فَهَلْ يَكُونُ فَسَادٌ أَعْظَمَ مِنَ الْقَتْلِ وَنَهْبِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْيِ أَهْلِهَا؟ وَقَتَلَ جَمْعًا (2) مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ مَنْ يَبْلُغُ (3) عَدَدُهُمْ سَبْعَمِائَةٍ، وَقَتَلَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوِ امْرَأَةٍ (4) عَشَرَةَ آلَافٍ، وَخَاضَ النَّاسُ فِي الدِّمَاءِ حَتَّى وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَامْتَلَأَتِ الرَّوْضَةُ وَالْمَسْجِدُ، ثُمَّ ضَرَبَ الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَدَمَهَا وَأَحْرَقَهَا.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ (5) ، وَقَدْ شُدَّ (6) يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نَارٍ يُنْكَسُ (7) فِي النَّارِ حَتَّى يَقَعَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ،

(1) ر، ص، هـ، ب: وَأَيْنَ لَعَنَ اللَّهُ يَزِيدَ.

(2)

ك، و،: وَقُتِلَ جَمْعٌ.

(3)

أ، ب: مَنْ بَلَغَ، ك: مَا بَلَغَ.

(4)

ب: مِنْ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَأَمَةٍ، أ: مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ أَمَةٍ، ر: مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، ص: مِنْ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَإِمْرَةٍ.

(5)

ك: أَهْلِ الدُّنْيَا.

(6)

ك: وَقَدْ شُدَّتْ.

(7)

ك: مُنَكَّسًا.

ص: 566

وَلَهُ رِيحٌ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ النَّارِ (1) إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ شِدَّةِ نَتْنِ رِيحِهِ، وَهُوَ فِيهَا خَالِدٌ وَذَائِقٌ (2) الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلَ اللَّهُ لَهُمُ الْجُلُودَ حَتَّى يَذُوقُوا الْعَذَابَ، لَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ سَاعَةً، وَيُسْقَى (3) مِنْ حَمِيمِ جَهَنَّمَ. الْوَيْلُ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عز وجل» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي» ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْلَ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ كَالْقَوْلِ فِي لَعْنَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ الْخُلَفَاءِ (4) وَغَيْرِهِمْ، وَيَزِيدُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ: خَيْرٌ مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَمِيرِ الْعِرَاقِ، الَّذِي أَظْهَرَ الِانْتِقَامَ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ ; فَإِنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ. وَخَيْرٌ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ أَظْلَمُ مِنْ يَزِيدَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.

وَمَعَ هَذَا فَيُقَالُ: غَايَةُ يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَكُونُوا فُسَّاقًا، فَلَعْنَةُ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَتْ مَأْمُورًا بِهَا، إِنَّمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِلَعْنَةِ (5) الْأَنْوَاعِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ; يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ»

(1) أ، ب: أَهْلُ جَهَنَّمَ.

(2)

ك: خَالِدٌ ذَائِقٌ.

(3)

ب (فَقَطْ) : وَيُسْقَوْنَ.

(4)

ن، م: الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ.

(5)

أ، ب: بَلَعْنِ.

ص: 567

يَدُهُ " (1) . وَقَوْلِهِ: "«لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» " (2) . وَقَوْلِهِ: "«لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ» " (3) . وَقَوْلِهِ: "«لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» " (4) ، " «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ،

(1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رِضَى اللَّهِ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/159 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ لَعْنِ السَّارِقِ: إِذَا لَمْ يُسَمَّ) ، 8/161 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ، مُسْلِمٍ 3/1314 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/58 59 (كِتَابُ قَطْعِ السَّارِقِ، بَابُ تَعْظِيمِ السَّرِقَةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/862 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ حَدِّ السَّارِقِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/175.

(2)

هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1567 (كِتَابُ الْأَضَاحِي، بَابُ تَحْرِيمِ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعْنِ فَاعِلِهِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/204 205 (كِتَابُ الضَّحَايَا، بَابُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/156، 197، 326 327.

(3)

جَاءَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ) ضِمْنَ حَدِيثٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 7/169 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: مُسْلِمٍ 3/1219 (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) . كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/332 333 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابٌ فِي آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/340 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي آكِلِ الرِّبَا) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/764 (كِتَابُ التِّجَارَاتِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الرِّبَا،) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/246 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابٌ فِي لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/126 127 (كِتَابُ الزِّينَةِ، بَابُ الْمُوتَشِمَاتِ) ; وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/53، 75، 96، 208.

(4)

الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/307 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي التَّحْلِيلِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/294 295 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُحِلِّ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/622 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/158 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّحْلِيلِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/149 150.

ص: 568

وَسَاقِيَهَا، وَشَارِبَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا» " (1) .

وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي لَعْنَةِ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ. فَقِيلَ: إِنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ (2) لَعْنِ الْمُعَيَّنِ، كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] وَقَدْ ثَبَتَ فِي [صَحِيحِ] الْبُخَارِيِّ (3)«أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا (4) ، وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَضْرِبُهُ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَلْعَنْهُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (5) .

فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَعْنَةِ هَذَا الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم

(1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/445 446 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ الْعِنَبِ يُعْصَرُ لِلْخَمْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ 4/321322، 8/89. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/19، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

(2)

أ، ب، و: وَكَرَاهِيَةُ.

(3)

ن، م: فِي الْبُخَارِيِّ.

(4)

ب (فَقَطْ) : خِمَارًا.

(5)

سَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص [0 - 9] 58) .

ص: 569

لَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ مُطْلَقًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ [يَجُوزُ أَنْ](1) يُلْعَنَ الْمُطْلَقُ وَلَا تَجُوزُ لَعْنَةُ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

[وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَلَا بُدَّ (2) أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ](3) ، وَلَكِنْ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ مَنْ هُمْ مُنَافِقُونَ، فَأُولَئِكَ مَلْعُونُونَ لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ عَلِمَ حَالَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 84] .

وَمَنْ جَوَّزَ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ](4) لَعْنَةَ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ (5) ; فَإِنَّهُ يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَأَنْ أَلْعَنَهُ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ [مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ](6) ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الثَّوَابَ، وَاللَّعْنَةُ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِقَابَ (7) . وَاللَّعْنَةُ الْبُعْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ سَبَبٌ لِلرَّحْمَةِ، فَيُرْحَمُ مِنْ وَجْهٍ، وَيُبْعَدُ عَنْهَا مِنْ وَجْهٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَمَنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ مِنَ الْكَرَامِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ، وَمَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَاسِقَ لَا يَخْلُدُ فِي

(1) يَجُوزُ أَنْ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.

(2)

أ، ب: لَا بُدَّ.

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(5)

ن، م، و: الْمُعَيَّنِ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

(6)

مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) .

(7)

أ، ب: الْعَذَابَ.

ص: 570

النَّارِ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ كَالْخَوَارِجِ (1) وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ الشِّيعَةِ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ لَا يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ.

وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بِالشَّفَاعَةِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَالَّذِي يُجَوِّزُ لَعْنَةَ يَزِيدَ [وَأَمْثَالِهِ] (2) يَحْتَاجُ إِلَى شَيْئَيْنِ: إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُسَّاقِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ تُبَاحُ لَعْنَتُهُمْ، [وَأَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ] (3) . وَالثَّانِي: أَنَّ لَعْنَةَ الْمُعَيَّنِ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ. وَالْمُنَازِعُ يَطْعَنُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ، لَا سِيَّمَا الْأُولَى.

فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] فَهِيَ آيَةٌ عَامَّةٌ كَآيَاتِ الْوَعِيدِ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ سَبَبُ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ، لَكِنْ قَدْ يَرْتَفِعُ مُوجِبُهُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ: إِمَّا تَوْبَةٍ، وَإِمَّا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ. فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ يَزِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَذِهِ (4) ؟ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَاحِيَةٌ تَمْحُو ظُلْمَهُ؟ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ؟ [وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى] (5) :{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (6)

(1) أ، ب، ر، هـ، و: مِنَ الْخَوَارِجِ.

(2)

وَأَمْثَالِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(4)

ن، م: مِنْ هَذَا.

(5)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

ن، م: وَفِي صَّحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

ص: 571

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» "(1) وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدَ، وَالْجَيْشُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لَا مُطْلَقٌ، وَشُمُولُ الْمَغْفِرَةِ لِآحَادِ هَذَا الْجَيْشِ أَقْوَى مِنْ شُمُولِ اللَّعْنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّ هَذَا أَخَصُّ، وَالْجَيْشُ مُعَيَّنُونَ.

وَيُقَالُ: إِنَّ يَزِيدَ إِنَّمَا غَزَا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ظُلْمٍ، فَإِنْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ سَاغَ (2) أَنْ يُلْعَنَ أَكْثَرُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَأْمُرْ بِلَعْنَتِهِمْ (3) .

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي لَعْنَةِ الْأَمْوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ لَعْنَةِ الْحَيِّ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ

(1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ وَجَدْتُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه الْحَدِيثَ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/42 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ) وَنَصُّ الْحَدِيثِ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا " قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ". فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لَا ". وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/111 - 112 وَقَالَ: إِنَّهُ فِي مُسْنَدِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ وَفِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ وَفِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ. وَوَجَدْتُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/335 حَدِيثًا عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ رضي الله عنه نَصُّهُ: " لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ "

(2)

ن، م: شَاعَ.

(3)

وَ: بِاللَّعْنَةِ لَهُمْ.

ص: 572

فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» " (1) . حَتَّى أَنَّهُ قَالَ: "«لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» " (2) لَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَسُبُّونَ أَبَا جَهْلٍ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَسْلَمَ أَقَارِبُهُمْ، فَإِذَا سَبُّوا ذَلِكَ آذَوْا قَرَابَتَهُ.

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ، فَالْمَنْصُوصُ الثَّابِتُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: " وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا؟ [لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَلَا تَلْعَنُ يَزِيدَ؟ فَقَالَ: وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا؟](3) وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَكَرَ الْحَجَّاجَ وَنَحْوَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ وَأَرَادَ أَنَ يَلْعَنَ يَقُولُ (4) : {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، وَكَرِهَ أَنْ يُلْعَنَ الْمُعَيَّنُ بِاسْمِهِ.

وَنُقِلَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ وَأَنَّهُ قَالَ: أَلَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ، لَكِنَّهَا رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عَنْهُ، وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى لَعْنِ الْمُعَيَّنِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ ذَنْبٍ لُعِنَ (5) فَاعِلُهُ، يُلْعَنُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي فَعَلَهُ؛ لَلُعِنَ جُمْهُورُ

(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/104 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُنْهَى عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ، 8/107 108 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/43 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/239 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/180.

(2)

الْحَدِيثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/238 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّتْمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ 4/252. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/259. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/151.

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(4)

ن، م، ر: وَيَقُولُ.

(5)

ن (فَقَطْ) : كُلُّ ذَنْبٍ فُعِلَ لُعِنَ. .

ص: 573

النَّاسِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَعِيدِ الْمُطْلَقِ، لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ، وَهَكَذَا اللَّعْنُ. وَهَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ فَعَلَ مَا يُقْطَعُ بِهِ الرَّحِمُ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا تَحَقَّقَ فِي كَثِيرٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ تَقَاتَلُوا مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالطَّالِبِيِّينَ، فَهَلْ يُلْعَنُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ ظَلَمَ قَرَابَةً لَهُ لَا سِيَّمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِدَّةُ آبَاءٍ، أَيَلْعَنُهُ بِعَيْنِهِ؟ ثُمَّ إِذَا لُعِنَ هَؤُلَاءِ لُعِنَ كُلُّ مَنْ شَمِلَهُ أَلْفَاظُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُلْعَنُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 23، 22] وَعِيدٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَ بَنُو هَاشِمٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ يَزِيدُ.

فَإِنْ قِيلَ بِمُوجِبِ هَذَا لُعِنَ (1) مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: الْعَلَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فَلَهُ كِتَابٌ فِي [إِبَاحَةِ](2) لَعْنَةِ يَزِيدَ، رَدَّ فِيهِ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ النَّاصِرَ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُغِيثِ عَنْ ذَلِكَ قَصَدَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَرَفَ عَبْدُ الْمُغِيثِ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ، وَلَمْ يُظْهِرْ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ فَقَالَ: يَا هَذَا أَنَا قَصْدِي كَفُّ (3) أَلْسِنَةِ النَّاسِ عَنْ لَعْنَةِ (4) خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ، وَإِلَّا فَلَوْ

(1) وَ: بِمُوجِبِ هَذَا اللَّعْنِ لُعِنَ. .

(2)

إِبَاحَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(3)

ن، م، و، هـ: أَكُفُّ.

(4)

م، أ، ب: لَعْنِ.

ص: 574

فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَكَانَ خَلِيفَةُ وَقْتِنَا أَحَقَّ بِاللَّعْنِ ; فَإِنَّهُ يَفْعَلُ أُمُورًا مُنْكَرَةً أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَهُ يَزِيدُ ; فَإِنَّ هَذَا يَفْعَلُ كَذَا وَيَفْعَلُ كَذَا. وَجَعَلَ يُعَدِّدُ مَظَالِمَ (1) الْخَلِيفَةِ، حَتَّى قَالَ لَهُ: ادْعُ لِي يَا شَيْخُ، وَذَهَبَ (2) .

وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِأَهْلِ الْحَرَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَلَعُوهُ وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَعَشِيرَتَهُ (3) ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَطْلُبُ الطَّاعَةَ، فَامْتَنَعُوا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ، وَأَمَرَهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبِيحَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ [أَيَّامٍ] (4) . وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَظُمَ إِنْكَارُ النَّاسِ لَهُ مِنْ فِعْلِ يَزِيدَ. وَلِهَذَا قِيلَ لِأَحْمَدَ: أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ؟ قَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ. أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ؟ .

لَكِنْ لَمْ يَقْتُلْ جَمِيعَ الْأَشْرَافِ، وَلَا بَلَغَ عَدَدُ الْقَتْلَى عَشَرَةَ آلَافٍ،

(1) ن، م، و: خَطَايَا.

(2)

ذَكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي " الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/356 عِنْدَ تَرْجَمَتِهِ لِعَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ 1/354 - 358، وَهُوَ أَبُو الْعِزِّ عَبْدُ الْمُغِيثِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ عَلَوِيٍّ الْحَرْبِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 500 تَقْرِيبًا وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 583 وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُغِيثِ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ سَبِّ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَلَّفَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي كَانَ يَطْعَنُ عَلَيْهِ فَأَلَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى عَبْدِ الْمُغِيثِ هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَعُنْوَانُهُ " الرَّدُّ عَلَى الْمُتَعَصِّبِ الْعَنِيدِ الْمَانِعِ مِنْ ذَمِّ يَزِيدَ " وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ: فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/275 - 276 ; وَالْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 12/328 وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ " وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي فَضْلِ يَزِيدَ أَتَى فِيهِ بِالْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ " ; الْأَعْلَامَ 4/300 وَأَمَّا كِتَابُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَتْ تِلْمِيذَتِي الدُّكْتُورَة آمِنَة مُحَمَّد نُصَيْر فِي رِسَالَتِهَا لِلْمَاجِسْتِيرِ " ابْنَ الْجَوْزِيِّ وَآرَاءَهُ الْكَلَامِيَّةَ وَالْأَخْلَاقِيَّةَ " ص [0 - 9] 5 أَنَّ مِنْهُ عِدَّةَ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ فِي بَرْلِينَ وَبَغْدَادَ وَلِيدِنْ بِهُولَنْدَا.

(3)

و: وَعِتْرَتَهُ.

(4)

ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: كَذَا فِي (أ)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ثَلَاثًا.

ص: 575

وَلَا وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا إِلَى الرَّوْضَةِ، وَلَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَّفَهَا وَعَظَّمَهَا وَجَعَلَهَا مُحَرَّمَةً، فَلَمْ يُمَكِّنِ اللَّهُ أَحَدًا (1) مِنْ إِهَانَتِهَا لَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَا بَعْدَهُ، بَلْ لَمَّا قَصَدَهَا أَهْلُ الْفِيلِ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ الْمَشْهُورَةَ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ - تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ - فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سُورَةُ الْفِيلِ: 1 - 5] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 25] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَنْ يُلْحِدَ فِي الْحَرَمِ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (2) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا (3) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ [مِنْ] أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ، الَّذِينَ قَتَلُوا

(1) أ: فَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ ; ص، ب، ر، ن، م: فَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا.

(2)

أ، ب: الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.

(3)

الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/65 - 66 (رَقْمُ 4071) . وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 7: 70 وَقَالَ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ 5: 571 مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَفِي آخِرِهِ بَعْدَ كَلَامِ شُعْبَةَ: قَالَ يَزِيدُ: " هُوَ قَدْ رَفَعَهُ "، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ. قُلْتُ (الْقَائِلُ ابْنُ كَثِيرٍ) : هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ، وَلِهَذَا صَمَّمَ شُعْبَةُ عَلَى وَقْفِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسْبَاطٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَوْقُوفًا ". وَهَذَا تَحَكُّمٌ مِنْ شُعْبَةَ ثُمَّ مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَكَلِمَةُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَلِمَةٌ حَكِيمَةٌ، وَإِشَارَةٌ دَقِيقَةٌ يُرِيدُ أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ حَكَى رَفْعَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَهُوَ قَدْ رَفَعَهُ رِوَايَةً إِنْ وَقَفَهُ رَأْيًا، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ فَتُقْبَلُ، وَنَحْنُ نَأْخُذُ عَنِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ، وَلَا نَتَقَيَّدُ بِرَأْيِهِ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ شُعْبَةَ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمَرْفُوعِ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ كَمَا قُلْنَا ".

ص: 576

الْحُجَّاجَ، وَأَلْقَوْهُمْ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً، ثُمَّ أَعَادُوهُ، وَجَرَى فِيهِ عَبْرَةٌ حَتَّى أُعِيدَ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُسَلَّطُوا عَلَى الْكَعْبَةِ بِإِهَانَةٍ، بَلْ كَانَتْ مُعَظَّمَةً مُشَرَّفَةً، وَهُمْ كَانُوا مِنْ (1) أَكْفَرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا مُلُوكُ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ [وَنُوَّابُهُمْ](2)، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَقْصِدْ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ: لَا نَائِبُ يَزِيدَ، وَلَا نَائِبُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَلَا غَيْرُهُمَا. بَلْ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُعَظِّمِينَ لِلْكَعْبَةِ (3) ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُمْ حِصَارَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَالضَّرْبُ بِالْمَنْجَنِيقِ كَانَ لَهُ لَا لِلْكَعْبَةِ، وَيَزِيدُ لَمْ يَهْدِمِ الْكَعْبَةَ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِحْرَاقَهَا: لَا هُوَ وَلَا نُوَّابُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ هَدَمَهَا [تَعْظِيمًا لَهَا](4) ، لِقَصْدِ إِعَادَتِهَا وَبِنَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَكَانَتِ النَّارُ قَدْ أَصَابَتْ بَعْضَ سَتَائِرِهَا فَتَفَجَّرَ بَعْضُ الْحِجَارَةِ.

ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمَرَ الْحَجَّاجَ بِإِعَادَتِهَا إِلَى الْبِنَاءِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ زَمَنَ رَسُولِ

(1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

وَنُوَّابُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

ن، م: مُعَظِّمِينَ لَهَا ; ص: مُعَظِّمِينَ الْكَعْبَةَ.

(4)

تَعْظِيمًا لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ص: 577

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَا زَادَ فِي طُولِهَا فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدَعَهُ، فَهِيَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى الْآنَ.

وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ (1) ; فَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ السَّلَفِ رَأَوْا إِعَادَتَهَا إِلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ لِعَائِشَةَ: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا» ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: يَعْنِي بَابًا. وَعَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ - لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ» ". وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ (2) فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ» "(3) .

وَ [رَوَى] مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (4) قَالَ (5) : لَمَّا

(1) أ، ب: اجْتِهَادِيَّةٌ.

(2)

أ، ب: وَلَزِدْتُ.

(3)

الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ: 2/146. (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا) ، 4/146 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ (يَزِفُّونَ) النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ) . 6/20 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ، بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) . وَالْحَدِيثُ عَنْهَا فِي: مُسْلِمٍ 2/968 - 972 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا) الْأَحَادِيثَ 398 - 404، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/169 - 171 (كِتَابُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، بَابُ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/363 - 364) كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) .

(4)

ن، م: وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ

(5)

الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/970 - 971 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا) ، وَسَأُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ص: 578

احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ (1) أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ (2) عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ: أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي (3) بِنَاءَهَا (4) أَمْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي فِيهَا رَأْيٌ (5) أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا (6) وَتَدَعَ بَيْتًا (7) أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ (8) . فَكَيْفَ بَيْتُ (9) رَبِّكُمْ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي. فَلَمَّا مَضَتْ (10) الثَّلَاثُ أَجْمَعَ أَمْرَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا، فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الْأَرْضَ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ (11) عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى

(1) مُسْلِمٌ: غَزَاهَا.

(2)

ن: يُحَرِّبَهُمْ، وَهَى رِوَايَةٌ فِي مُسْلِمٍ جَعَلَهَا بَيْنَ قَوْسَيْنِ.

(3)

ص، ر، ب، هـ: أُثَنِي.

(4)

ن، م: بَابَهَا.

(5)

مُسْلِمٌ: رَأْيٌ فِيهَا.

(6)

ب (فَقَطْ) مِنْهَا مَا وَهَى.

(7)

أ: بِنَاهَا، ب: بِنَاءً.

(8)

أ، ب، ص،: يُجَدِّدَهُ. وَيُجِدَّهُ: أَيْ يَجْعَلَهُ جَدِيدًا.

(9)

ن، ص، ر، ب، و: بِبَيْتِ.

(10)

مُسْلِمٌ: مَضَى.

(11)

مُسْلِمٌ 2/971: وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ.

ص: 579

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ (1) وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّينِي (2) عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ (3) بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ» ". قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسًّا (4) نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ (5) . فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ (6) عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَجَعَلَ لَهَا (7) بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ (8) . مِنْهُ فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ [بْنِ مَرْوَانَ](9) بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ. أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ

(1) النَّاسَ بِحَدِيثِ عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ: كَذَا فِي (و) ، مُسْلِمٌ. وَفِي (ن)، (ر) . (هـ) : قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ. وَفِي (ص)، (ب) : حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ. وَفِي (م) : حَدِيثُو عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ. وَفِي (أ) : حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرِهِمْ.

(2)

مُسْلِمٌ: مَا يُقَوِّي.

(3)

بَابَيْنِ: لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ.

(4)

حَتَّى أَبْدَى أُسًّا: كَذَا فِي (و)، وَمُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَتَّى بَدَا أَسَاسٌ.

(5)

ن، م: نَظَرَ فِيهِ النَّاسُ ; مُسْلِمٌ: نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ.

(6)

ن، م، ص، ب، ر، هـ، أ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.

(7)

مُسْلِمٌ: لَهُ.

(8)

أ، ب: بَابٌ يُدْخَلُ مِنْهُ وَبَابٌ يُخْرَجُ مِنْهُ ; م ; أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ.

(9)

بْنِ مَرْوَانَ: لَيْسَتْ فِي (م) ، (أ) ، (ب) .

ص: 580

الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ ". وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ (1) : وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (2) - مَا كَانَ زَعَمَ (3) أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَالَ الْحَارِثُ: بَلَى أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا، قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَتْ (4) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "«إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ (5) مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ " فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» ، هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ.

وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْحَارِثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (6) : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ بِالْأَرْضِ (7) : شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا. وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ [قَالَتْ:] (8) " قُلْتُ: لَا. قَالَ: " تَعَزُّزًا أَلَّا (9) يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ أَرَادُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي، حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا (10) دَفَعُوهُ فَسَقَطَ» ". قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ

(1) فِي: مُسْلِمٍ 2/971 972.

(2)

رضي الله عنها: لَيْسَتْ فِي (مُسْلِمٍ) .

(3)

مُسْلِمٌ: يَزْعُمُ.

(4)

مُسْلِمٌ: قَالَ: قَالَتْ.

(5)

ب (فَقَطْ) : لَأَعَدْتُ.

(6)

مُسْلِمٌ: وَزَادَ عَلَيْهِ الْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ.

(7)

مُسْلِمٌ: فِي الْأَرْضِ، ن م: فِي هَذَا الْبَابِ.

(8)

قَالَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) .

(9)

فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: تَعَزُّرًا لَا، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ مُسْلِمٍ 2/972.

(10)

مُسْلِمٌ: أَنْ يَدْخُلَ.

ص: 581

لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَنَكَتَ (1) سَاعَةً بِعَصَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ ".

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ (2) عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: قَالَ: شَهِدْتُ (3) ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ [حِجَارَةً](4) كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ " فَذَكَرَ الزِّيَادَةَ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا.

قُلْتُ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى رَأَوْا إِقْرَارَهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهَا كَذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ تُعَادَ [كَمَا كَانَتْ](5) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيهِ، وَلَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَدَّ أَنَّهُ تَرَكَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ الرَّشِيدِ رحمه الله، شَاوَرَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (6) أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّهُ رَجَّحَ فِعْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

وَكُلٌّ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ رَأَوْا هَذَا وَهَذَا مُعَظِّمُونَ لِلْكَعْبَةِ مُشَرِّفُونَ لَهَا، إِنَّمَا يَقْصِدُونَ (7) مَا يَرَوْنَهُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ

(1) مُسْلِمٌ: قَالَ: فَنَكَتَ. .

(2)

الْبُخَارِيُّ 2/147 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا) .

(3)

الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. . . . . . . قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ.

(4)

حِجَارَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتُّهَا مِنَ (الْبُخَارِيِّ) .

(5)

كَمَا كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(6)

مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(7)

ن، م: يَعْتَقِدُونَ.

ص: 582

وَرَسُولِهِ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ (1) . وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَصَدَ رَمْيَ الْكَعْبَةِ بِمَنْجَنِيقٍ أَوْ عَذِرَةٍ (2) فَقَدْ كَذَبَ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ (3) . وَالَّذِينَ كَانُوا [كُفَّارًا](4) لَا يَحْتَرِمُونَ الْكَعْبَةَ، كَأَصْحَابِ الْفِيلِ وَالْقَرَامِطَةِ، لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا، فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الْكَعْبَةَ؟ ! (5) .

وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ أَحَدًا يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَمْيِهَا بِالْمَنْجَنِيقِ، بَلْ يُمْكِنُ تَخْرِيبُهَا بِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا تُخَرَّبُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ الْقِيَامَةَ فَيُخَرِّبَ بَيْتَهُ، وَيَرْفَعَ كَلَامَهُ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ وَالْقُلُوبِ قُرْآنٌ، وَيَبْعَثُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَقْبِضُ (6) رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَلَا يُبْقَى فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَتَخْرِيبُهَا بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهَا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ» "(7) .

(1) ن، م: يَقْصِدُ إِهَانَتَهَا.

(2)

الْعَذِرَةُ: الْغَائِطُ.

(3)

م، أ، ب: فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ.

(4)

كُفَّارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(5)

بَعْدَ كَلِمَةِ " الْكَعْبَةِ " جَاءَتْ عِدَّةُ أَسْطُرٍ فِي (و) هِيَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ وَكَانَ سَاقِطًا مِنْ (و) وَجَاءَ هُنَا فِي غَيْرِ مَكَانِهِ الصَّحِيحِ.

(6)

ن، م، و: تَقْبِضُ.

(7)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 2/148 149، 149 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ، بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ) ; مُسْلِمٍ 4/2232 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/14 15، 15 227 (مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ) .

ص: 583

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا» "(1) .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 97] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةً وَاحِدَةً لَمَا نُوظِرُوا. وَقَالَ: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ لَا يَحُجُّوا لَسَقَطَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمَنَاسِكِ "(2) . وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إِنَّ الْحَجَّ كُلَّ عَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.

وَالْمَنْجَنِيقُ إِنَّمَا يُرْمَى بِهِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ (3) بِدُونِهِ، كَمَا «رَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» ، لَمَّا دَخَلُوا حِصْنَهُمْ وَامْتَنَعُوا فِيهِ، وَالَّذِينَ حَاصَرُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا اسْتَجَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رَمَوْهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، حَيْثُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلُوا بَعْدَ هَذَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَطَافُوا بِالْكَعْبَةِ، وَحَجَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ذَلِكَ الْعَامَ بِالنَّاسِ، وَأَمَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَنْ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ.

فَلَوْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِالْكَعْبَةِ شَرًّا لَفَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنُوا مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَكَّنُوا مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوهُ.

(1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي: الْبُخَارِيِّ 2/149 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/315 316. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رحمه الله " أَفْحَجُ: مِنَ الْفَحَجِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْحَاءِ وَآخِرُهُ جِيمٌ، وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ ".

(2)

ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ " ص 248 مِنْ مُصَنَّفَاتِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: " الْمَنَاسِكُ الْكَبِيرُ " وَ " الصَّغِيرُ ".

(3)

ن، م: مِمَّنْ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ.

ص: 584

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَقَوْلُهُ (1) : " «إِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ شُدَّتْ (2) يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نَارٍ، يُنَكَّسُ فِي النَّارِ حَتَّى يَقَعَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَلَهُ رِيحٌ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ (3) النَّارِ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ شِدَّةِ نَتْنِ رِيحِهِ، وَهُوَ فِيهَا خَالِدٌ» " إِلَى آخِرِهِ.

فَهَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنَ الْمُجَازَفَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) ، فَهَلْ يَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ؟ أَوْ يُقَدَّرُ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ؟ وَأَيْنَ عَذَابُ آلِ فِرْعَوْنَ [وَآلِ الْمَائِدَةِ](5) وَالْمُنَافِقِينَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ؟ وَأَيْنَ قَتَلَةُ (6) الْأَنْبِيَاءِ، وَقَتَلَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ؟ .

وَقَاتِلُ عُثْمَانَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ قَاتِلِ الْحُسَيْنِ. فَهَذَا الْغُلُوُّ الزَّائِدُ يُقَابَلُ بِغُلُوِّ النَّاصِبَةِ، الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ خَارِجِيًّا، وَأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ قَتْلُهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (7) .

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَرُدُّونَ غُلُوَّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ

(1) وَقَوْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(2)

شُدَّتْ: كَذَا فِي (ص) ، (ب)، (أ) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: شُدَّ.

(3)

ب (فَقَطْ) : يَتَعَوَّذُ مِنْهُ أَهْلُ.

(4)

لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.

(5)

وَآلِ الْمَائِدَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(6)

و: قَاتِلُو.

(7)

سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564.

ص: 585

قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَإِنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُ كَانُوا ظَالِمِينَ مُعْتَدِينَ. وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ (1) الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ; فَإِنَّهُ رضي الله عنه لَمْ يُفَرِّقِ (2) الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ (3) إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [إِلَى] الثَّغْرِ (4) ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ (5) . وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟ ! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي» .

كَلَامٌ لَا يَنْقُلُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ إِلَّا جَاهِلٌ (6) . فَإِنَّ الْعَاصِمَ لِدَمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَتَى بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ أَوْ قَطْعَهُ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

(1) أ، ب: بِقَتْلِ.

(2)

ص، ب: يُفَارِقْ.

(3)

أ، م، ب: الرُّجُوعَ.

(4)

أَوْ إِلَى الثَّغْرِ: كَذَا فِي (أ)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَوِ الثَّغْرِ.

(5)

أ، ب: عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمَّةِ.

(6)

لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.

ص: 586

كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ (1) فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ (2) الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» "(3) .

فَقَدْ أَخْبَرَ (4) أَنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لَوْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَأَقَامَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ زَنَى الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مُحْصَنٌ رُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا مَحْضًا لَجَازَ قَتْلُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَ الْحَبَشَةِ أَوِ الرُّومِ أَوِ التُّرْكِ أَوِ الدَّيْلَمِ.

فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» "(5) فَدِمَاءُ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ سَوَاءٌ إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِرَاقَةِ دَمِ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ، فَكَيْفَ

(1) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(2)

م، ص: مِنْهُمْ.

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْجُزْءِ. ص 534.

(4)

أ، ب: ذَكَرَ.

(5)

هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/107 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي السَّرِيَّةِ تَرِدُ عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/895 " (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/199، 212، 213، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثُ فِي " إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مَنَارِ السَّبِيلِ " 7/265 (2207) ، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، بَيْرُوتَ 1399 1979 (وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَيْهِ) .

ص: 587

يَخُصُّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ بِأَنْ يَشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَهُمْ.

فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ إِلَّا بِحَقٍّ، فَالْمَقْتُولُ بِحَقٍّ لِمَ يَشْتَدُّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ هَاشِمِيًّا أَوْ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؟ .

وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، {وَمَنْ يَقْتُلْ (1) مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . فَالْعَاصِمُ لِلدِّمَاءِ وَالْمُبِيحُ لَهَا يَشْتَرِكُ فِيهِ بَنُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا يُضِيفُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مُنَافِقٌ يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ، أَوْ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ الْعَدْلَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ صلى الله عليه وسلم.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَنْ آذَانِي فِي عِتْرَتِي» " فَإِنَّ إِيذَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَامٌ فِي عِتْرَتِهِ وَأُمَّتِهِ وَسُنَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (2) .

(1) ن، م، و: فَمَنْ قَتَلَ.

(2)

أ، ب: وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَعِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْتَهِي الْجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ نُسْخَةِ (ر) وَفِيهَا:. . وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ آخِرُ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ. . . وَارْجِعْ إِلَى مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ لِوَصْفِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَذَلِكَ تَنْتَهِي نُسْخَةُ (هـ) وَفِيهَا: " تَمَّ هَذَا الْجُزْءُ الثَّالِثُ لِتَاسِعِ يَوْمٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ رَجَبٍ سَنَةَ 1275 وَيَتْلُوهُ الْجُزْءُ الرَّابِعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . .، إِلَخْ. وَالْوَصْفُ أَيْضًا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي نُسْخَةِ (ص) هُنَا مَا يُشِيرُ إِلَى نِهَايَةِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ وَبِدَايَةِ الْجُزْءِ الرَّابِعِ.

ص: 588