المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الجواب على كلام الرافضي منع أبي بكر فاطمة إرثها من وجوه] - منهاج السنة النبوية - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر]

- ‌[الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت]

- ‌[كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وَظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ " والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا والرد عليه]

- ‌[كَلَامُ الرَّافِضِيُّ على مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد]

- ‌[كلام الرافضي على الْحَسَن الْعَسْكَرِيّ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه]

- ‌[الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه]

- ‌[كلام الرَّافِضِيُّ على وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ]

- ‌[زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة]

- ‌[الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه]

- ‌[كلام الرافضي على مَنْعِ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا]

- ‌[الْجَوَابُ على كلام الرافضي مَنْعَ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ وُجُوهٍ]

- ‌[كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك]

- ‌[كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ " والرد عليه]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ]

- ‌[زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه]

- ‌[زعم الرافضي أن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وجوابه من وجوه]

- ‌[الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة مع كلامه على معاوية والرد عليه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وَكَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[فصل وقوع أمور فِي الأمة بالتأويل في دِمَائِهَا وَأَمْوَالِهَا وَأَعْرَاضِهَا]

- ‌[الراففضة يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعَرَّسَ بِامْرَأَتِهِ والرد عليه]

- ‌[عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الناس في يزيد طرفان ووسط]

- ‌[النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه طرفان ووسط]

- ‌[أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ وبِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ]

- ‌[عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية]

- ‌[زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته]

الفصل: ‌[الجواب على كلام الرافضي منع أبي بكر فاطمة إرثها من وجوه]

وَكَانَ هُوَ الْغَرِيمَ لَهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ - لِأَنَّ (1) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ (2) صَدَقَةٌ» " عَلَى أَنَّ مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ (3) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11](4) وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ دُونَهُ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَّبَ رِوَايَتَهُمْ (5) فَقَالَ تَعَالَى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5، 6] .

[الْجَوَابُ على كلام الرافضي مَنْعَ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ وُجُوهٍ]

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها: أَتَرِثُ أَبَاكَ وَلَا أَرِثُ أَبِي؟ لَا يُعْلَمُ (6) صِحَّتُهُ عَنْهَا، وَإِنْ (7) صَحَّ فَلَيْسَ (8) فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَا يُقَاسُ بِأَحَدٍ مِنَ

(1) لِأَنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب)، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَنَّ.

(2)

ك: وَمَا تَرَكْنَاهُ.

(3)

ن، م: عَلَى أَنَّ مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ؛ ر، ص: عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ ب: عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ ك: عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنْهُ. وَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ.

(4)

ك: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ.

(5)

ن، م، رِوَايَتَهُ

(6)

أ، ب: نَعْلَمُ.

(7)

ن، م: فَإِنْ.

(8)

أ، ب: لَيْسَ.

ص: 194

الْبَشَرِ، وَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [كَأَبِيهَا](1) ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ كَأَبِيهَا، وَلَا هُوَ أَيْضًا مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ مَحَبَّتَهُ مُقَدَّمَةً عَلَى مَحَبَّةِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ، كَمَا جَعَلَ أَبَاهَا كَذَلِكَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَانَ الْأَنْبِيَاءَ عَنْ أَنْ يُوَرِّثُوا دُنْيَا (2) ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً لِمَنْ يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ بِأَنَّهُمْ طَلَبُوا الدُّنْيَا وَخَلَّفُوهَا (3) لِوَرَثَتِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو الصِّدِّيقِ (4) وَأَمْثَالُهُ فَلَا نُبُوَّةَ لَهُمْ يُقْدَحُ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، كَمَا صَانَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّنَا عَنِ الْخَطِّ وَالشِّعْرِ صِيَانَةً لِنُبُوَّتِهِ عَنِ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الصِّيَانَةِ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: " وَالْتَجَأَ فِي ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةٍ (5) انْفَرَدَ بِهَا " كَذِبٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ ثَابِتَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ (6) ، مَشْهُورَةٌ يَعْلَمُهَا أَهْلُ

(1) كَأَبِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(2)

ن: دِينَارًا.

(3)

أ، ب: وَوَرَّثُوهَا.

(4)

ب: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؛ و: وَأَمَّا قُحَافَةُ؛ هـ، ص: وَأَمَّا الصِّدِّيقُ؛ ر: وَأَمَّا أَبُو قُحَافَةَ.

(5)

أ، ب: الثَّانِي قَوْلُهُ وَالْتَجَأَ إِلَى رِوَايَةٍ.

(6)

ن، م، و، هـ، ر: وَالْمَسَانِدِ.

ص: 195

الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (1)، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ، يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ (2) جَهْلِهِ أَوْ تَعَمُّدِهِ (3) الْكَذِبَ.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: " وَكَانَ هُوَ الْغَرِيمَ [لَهَا] " كَذِبٌ (4) ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ يَدَّعِ هَذَا الْمَالَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَدَقَةٌ لِمُسْتَحِقِّهَا (5) ، كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ (6) حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ. [وَالْعَدْلُ](7) لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ (8) أَنَّهُ وَصَّى (9)

(1) جَاءَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالْعَبَّاسِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَعَائِشَةَ (زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَطَلْحَةَ) فِي: الْبُخَارِيِّ 4/79 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) 5/20 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ. . .) ، 5/89 - 90 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ. . .) ، 5/139 - 140 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، 7/63 - 64 (كِتَابُ النَّفَقَاتِ، بَابُ حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ) ، 8/149 - 150 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) ، 9/98 - 100 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ. .) ، مُسْلِمٍ 3/1376 - 1383 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ حُكْمِ الْفَيْءِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/192 - 199 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/81 - 83 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) . وَجَاءَ الْحَدُّ أَيْضًا فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَسَيَرِدُ بِنَصِّهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ.

(2)

وَ: عَلَى غَايَةِ. .

(3)

أ، ب: وَتَعَمُّدِهِ.

(4)

ن، م: كَانَ هُوَ الْغَرِيمَ كَذِبٌ. .

(5)

و، هـ، ص: لِمُسْتَحِقِّيهَا.

(6)

ن، م، هـ، ر: كَمَا هُوَ الْمَسْجِدُ؛ ص: كَالْمَسْجِدِ.

(7)

وَالْعَدْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

(8)

أ، ب: لِرَجُلٍ.

(9)

ن، م: أَوْصَى.

ص: 196

بِجَعْلِ بَيْتِهِ مَسْجِدًا، أَوْ بِجَعْلِ بِئْرِهِ مُسَبَّلَةً، أَوْ أَرْضِهِ مَقْبَرَةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَشْرَبَ مِنْ تِلْكَ (1) الْبِئْرِ، وَيُدْفَنَ فِي تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ. فَإِنَّ هَذَا (2) شَهَادَةٌ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ، وَالشَّاهِدُ دَخَلَ فِيهَا بِحُكْمِ الْعُمُومِ لَا بِحُكْمِ التَّعْيِينِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ خَصْمًا.

وَمِثْلُ هَذَا شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ (3) بِحَقٍّ لِبَيْتِ الْمَالِ (4) مِثْلُ كَوْنِ هَذَا الشَّخْصِ (5) لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَشَهَادَتُهُ بِأَنَّ (6) هَذَا لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا بَيْتَ الْمَالِ، وَشَهَادَتُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ بِمَا يُوجِبُ نَقْضَ عَهْدِهِ وَكَوْنَ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَلَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ مَالَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ [الشَّاهِدُ](7) فَقِيرًا.

الرَّابِعُ: أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ، بَلْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَا انْتَفَعَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ (8) بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ؛ فَهُوَ (9)

(1) أ، ب: ذَلِكَ.

(2)

أ، ب، م: هَذِهِ

(3)

ن، م: الْمُسْلِمِينَ.

(4)

أ، ن، م: بَيْتِ.

(5)

ب (فَقَطْ) :. . الْمَالِ عَلَى شَخْصٍ. . .

(6)

أ، ب: أَنَّ.

(7)

الشَّاهِدُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(8)

أ، ب: وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ؛ ر، هـ، ص: وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.

(9)

فَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 197

كَمَا لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَصَّى بِصَدَقَةٍ لِلْفُقَرَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ بِالِاتِّفَاقِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الرَّاوِي لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَقُبِلَتْ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ (1) ، وَالْمُحَدِّثُ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فِي حُكُومَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ (2) ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَتَضَمَّنُ حُكْمًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ الرَّاوِي وَغَيْرُهُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، كَالشَّهَادَةِ (3) بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَإِنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَنَاوَلُ الرَّاوِيَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ مَا نَهَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَبَاحَهُ (4) .

وَهَذَا الْحَدِيثُ تَضَمَّنَ (5) رِوَايَةً بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلِهَذَا تَضَمَّنَ تَحْرِيمَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَتَضَمَّنَ تَحْرِيمَ شِرَائِهِ لِهَذَا (6) الْمِيرَاثِ مِنَ الْوَرَثَةِ وَاتِّهَابِهِ (7) لِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَتَضَمَّنَ وُجُوبَ صَرْفِ هَذَا الْمَالِ فِي مَصَارِفِ الصَّدَقَةِ.

السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " عَلَى أَنَّ (8) مَا رَوَوْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

(1) أ، ب: لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لِلْحَدِيثِ.

(2)

(1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

كَالشَّهَادَةِ: كَذَا فِي (أ)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَالشَّاهِدِ.

(4)

ن، م: مَا نَهَى عَنْهُ وَمَا أَبَاحَهُ.

(5)

أ، ب: يَتَضَمَّنُ.

(6)

أ، ب: سِرَايَةِ هَذَا. . .

(7)

أ: وَاتِّهَامِهِ م، ر: وَإِيهَابِهِ. وَفِي " اللِّسَانِ " وَاتَهَبَ: قَبِلَ الْهِبَةَ. وَاتَّهَبْتُ مِنْكَ دِرْهَمًا افْتَعَلْتُ، مِنَ الْهِبَةِ. وَالِاتِّهَابُ: قَبُولُ الْهِبَةِ ".

(8)

أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 198

قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ دُونَهُ [صلى الله عليه وسلم] .

فَيُقَالُ] : أَوَّلًا: لَيْسَ فِي عُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ [مَا يَقْتَضِي](1) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُورَثُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 12] ، وَهَذَا الْخِطَابُ شَامِلٌ لِلْمَقْصُودِينَ بِالْخِطَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُخَاطَبٌ بِهَا.

وَ " كَافُ " الْخِطَابِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَصَدَهُ الْمُخَاطَبُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمُعَيَّنَ مَقْصُودٌ بِالْخِطَابِ لَمْ يَشْمَلْهُ اللَّفْظُ، حَتَّى ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَنَّ الضَّمَائِرَ مُطْلَقًا لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (2)[فَكَيْفَ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ؟](3) فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا مَنْ قُصِدَ بِالْخِطَابِ دُونَ مَنْ لَمْ يُقْصَدْ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، فَإِنَّهُ عَامٌّ لِلْمَقْصُودِينَ بِالْخِطَابِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي كَوْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا (4) .

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ن، م، و: إِلَى أَنَّ ضَمِيرَ الْخِطَابِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(4)

ن، م: بِهَا.

ص: 199

فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ [الضَّمَائِرَ](1) ضَمَائِرَ التَّكَلُّمِ (2) وَالْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ لَا تَدُلُّ بِنَفْسِهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ بِحَسَبِ مَا يُقْتَرَنُ بِهَا (3) ؛ فَضَمَائِرُ الْخِطَابِ مَوْضُوعَةٌ لِمَنْ يَقْصِدُهُ الْمُخَاطِبُ بِالْخِطَابِ، وَضَمَائِرُ التَّكَلُّمِ (4) لِمَنْ يَتَكَلَّمُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْخِطَابَ (5) بِالْقُرْآنِ هُوَ لِلرَّسُولِ (6) صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ (7) جَمِيعًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 183] وَقَوْلِهِ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [سُورَةِ الْمَائِدَةِ: 6] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] .

قِيلَ: بَلْ كَافُ الْجَمَاعَةِ فِي الْقُرْآنِ تَارَةً تَكُونُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، وَتَارَةً تَكُونُ لَهُمْ دُونَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةِ الْحُجُرَاتِ: 7] ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَافَ لِلْأُمَّةِ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1) الضَّمَائِرَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(2)

أ: الْمُتَكَلِّمِ.

(3)

أ: يُقْرُونَ بِهَا؛ ب: يُقْرَنُ بِهَا.

(4)

أ، ب: الْمُتَكَلِّمِ.

(5)

ب (فَقَطْ) : الْمُخَاطَبَ.

(6)

أ، ب: الرَّسُولُ.

(7)

أ، ب: وَالْمُؤْمِنُونَ.

ص: 200

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 128] .

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سُورَةِ مُحَمَّدٍ: 33]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 31](1) وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَافَ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، بَلْ تَنَاوَلَتْ مَنْ أُرْسِلَ (2) . إِلَيْهِمْ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] مِثْلَ هَذِهِ الْكَافَاتِ، فَلَا يَكُونُ فِي السُّنَّةِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ.

وَمِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 3، 4] ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ هُنَا (3) فِي " خِفْتُمْ " وَ " تُقْسِطُوا " وَ " انْكِحُوا " وَ " طَابَ لَكُمْ " وَ " مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ دُونَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ [النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم](4) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

(1) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تُوجَدُ وَرَقَةٌ لَمْ تُصَوَّرْ مِنْ نُسْخَةِ (م) .

(2)

إِلَيْهِمْ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِلَيْهِ.

(3)

هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(4)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

ص: 201

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْأَمْثِلَةِ فِيهَا مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْأُمَّةِ (1) ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ مَا يَجِبُ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ خَاطَبَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَذِكْرِ بَعْثِهِ (2) إِلَيْهِمْ، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ.

قِيلَ: وَكَذَلِكَ آيَةُ الْفَرَائِضِ لَمَّا قَالَ: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11]، وَقَالَ:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11]، ثُمَّ قَالَ:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} " [سُورَةِ النِّسَاءِ: 13، 14] ، فَلَمَّا خَاطَبَهُمْ بِعَدَمِ الدِّرَايَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ حَالَ الرَّسُولِ، وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَقَادِيرِ الْفَرَائِضِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ، وَإِنْ خَالَفُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (3) اسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ (4) ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْطُوا الْوَارِثَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ يَمْنَعُوا الْوَارِثَ مَا يَسْتَحِقُّهُ - دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ الْمَسْلُوبِينَ الدِّرَايَةَ [لَمَّا ذَكَرَ](5) ، الْمَوْعُودِينَ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، الْمُتَوَعِّدِينَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ

(1) أ، ب: الْآيَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ص: بَعْثَتِهِ.

(3)

أ، ب: وَإِنْ خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ ن، م، و: وَإِنْ خَالَفُوا الرَّسُولَ.

(4)

أ، ب: الْعَذَابَ.

(5)

لَمَّا ذَكَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ)، (ب) : لَمَّا ذَكَرَهُ.

ص: 202

فِيمَا قَدَّرَهُ مِنَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمُ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي نَظَائِرِهَا.

وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ تَعَدِّي الْحُدُودِ عَقِبَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ الْمَحْدُودَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ، وَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، [وَرَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ](1) ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ آيَةَ الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا نُسِخَتْ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَبَيْنَ اسْتِحْقَاقِ (2) الْوَصِيَّةِ مُنَافَاةً، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ تَنَافِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)، وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/155 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/293 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ مَا جَاءَ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ "؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/207 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ إِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ) وَهُوَ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/905 - 906 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسِ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/186 - 187 - 238 - 239 (عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ) ، 5/267 (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ) ؛ سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/252 - 253.

(2)

ب (فَقَطْ) : الْإِرْثِ وَاسْتِحْقَاقِ. .

ص: 203

وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ فَقَالُوا: النَّاسِخُ هُوَ آيَةُ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فَرَائِضَ مَحْدُودَةً، وَمَنَعَ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ، فَإِذَا أَعْطَى (1) الْمَيِّتُ لِوَارِثِهِ أَكْثَرَ مِمَّا حَدَّهُ اللَّهُ لَهُ، فَقَدْ تَعَدَّى حَدَّ اللَّهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا، فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمَحْدُودِ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ مِنَ الْوَرَثَةِ أَوِ الْعَصَبَةِ، فَإِذَا أَخَذَ حَقَّ الْعَاصِبِ فَأَعْطَاهُ لِهَذَا كَانَ ظَالِمًا (2) لَهُ.

وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ عَاصِبٌ (3) : هَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَمَنْ مَنَعَ الرَّدَّ قَالَ: الْمِيرَاثُ حَقٌّ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهُ غَيْرُهُ. وَمَنْ جَوَّزَ الرَّدَّ قَالَ: إِنَّمَا يُوضَعُ الْمَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ خَاصٌّ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ رَحِمٌ عَامٌّ وَرَحِمٌ خَاصٌّ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه:" ذُو السَّهْمِ أَوْلَى مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ ".

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ إِقَامَةُ دَلِيلٍ عَلَى شُمُولِ الْآيَةِ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَصْلًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِثَهُ، كَمَا مَاتَتْ بَنَاتُهُ الثَّلَاثُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ؟ .

قِيلَ: الْخِطَابُ فِي الْآيَةِ لِلْمَوْرُوثِ دُونَ الْوَارِثِ (4) ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا دَخَلَ أَوْلَادُهُ فِي كَافِ الْخِطَابِ لِكَوْنِهِمْ (5) مَوْرُوثِينَ (6) أَنْ يَدْخُلُوا إِذَا كَانُوا وَارِثِينَ.

(1) ن: وَأَمَّا إِذَا أَعْطَى.

(2)

ن، م: كَانَ ظُلْمًا.

(3)

ن: لَيْسَ بِغَاصِبٍ؛ و: لَيْسَ بِعَاصِبٍ؛ ص: لَيْسَ عَاصِبٌ.

(4)

أ، ب: لِلْمَوْرُوثِ دُونَ الْوَرَثَةِ؛ ر، ص، هـ: لِلْمُوَرِّثِ دُونَ الْوَارِثِ.

(5)

كَذَا فِي (ب) فَقَطْ وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِكَوْنِهِنَّ.

(6)

ص: مُوَرِّثِينَ.

ص: 204

(* يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ، [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] فَذَكَرَهُ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لَا بِضَمِيرِ الْخِطَابِ، وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى (1) الْمُخَاطَبِ بِكَافِ الْخِطَابِ (2) وَهُوَ الْمَوْرُوثُ، فَكُلُّ مَنْ سِوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ مَوْرُوثُونَ شَمِلَهُمُ النَّصُّ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَارِثًا لِمَنْ خُوطِبَ، وَلَمْ يُخَاطَبْ هُوَ بِأَنْ يُورِثَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَوْلَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَمِلَهُمْ (3) كَافُ الْخِطَابِ فَوَصَّاهُمْ بِأَوْلَادِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَفَاطِمَةُ رضي الله عنها وَصَّاهَا اللَّهُ فِي أَوْلَادِهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلِأَبَوَيْهَا لَوْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ *) (4) .

فَإِنْ قِيلَ: فَفِي آيَةِ الزَّوْجَيْنِ قَالَ: (وَلَكُمْ) ، (وَلَهُنَّ) .

قِيلَ: أَوَّلًا: الرَّافِضَةُ يَقُولُونَ: إِنَّ زَوْجَاتِهِ (5) لَمْ يَرِثْنَهُ وَلَا عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَإِنَّمَا وَرِثَتْهُ (6) الْبِنْتُ وَحْدَهَا.

الثَّانِي (7) : أَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ (8) مِنْ أَزْوَاجِهِ وَلَهَا مَالٌ حَتَّى يَكُونَ وَارِثًا لَهَا. وَأَمَّا خَدِيجَةُ رضي الله عنها فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا

(1) أ، ب: إِلَى.

(2)

عِبَارَةُ " بِكَافِ الْخِطَابِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

ر، ص: وَأَوْلَادُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوْلَادِهِ وَمُوَرِّثُوهُ مِمَّنْ شَمِلَهُمْ.

(4)

(* - *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) ، (هـ) .

(5)

أ، ب: أَزْوَاجَهُ.

(6)

أ، ب: تَرِثُهُ.

(7)

ب (فَقَطْ) : ثَانِيًا.

(8)

وَاحِدَةٌ: كَذَا فِي (أ)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَحَدٌ.

ص: 205

زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ فَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، لَكِنْ مِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ أَنَّهَا خَلَّفَتْ مَالًا، وَأَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 12] إِنَّمَا تَنَاوَلَ مَنْ مَاتَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا تَرِكَةٌ، فَمَنْ لَمْ تَمُتْ زَوْجَتُهُ أَوْ مَاتَتْ (1) وَلَا مَالَ لَهَا لَمْ يُخَاطَبْ (2) بِهَذِهِ الْكَافِ.

وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ شُمُولِ إِحْدَى الْكَافَيْنِ لَهُ شُمُولُ الْأُخْرَى، بَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ وَبِالْعَكْسِ. فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ تَنَاوَلَ الْأُمَّةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِعَادَةِ (3) الشَّرْعِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 37]، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَلِكَ لَهُ؛ لِيَكُونَ (4) حَلَالًا لِأُمَّتِهِ وَلَمَّا خَصَّهُ بِالتَّحْلِيلِ قَالَ:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْكَافَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ؟ .

قِيلَ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَالَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الشَّارِعِ (5) فِي خِطَابِهِ، كَمَا يُعْرَفُ مِنْ عَادَةِ الْمُلُوكِ إِذَا خَاطَبُوا أَمِيرًا بِأَمْرٍ أَنَّ نَظِيرَهُ مُخَاطَبٌ

(1) أ، ب: فَمَنْ لَمْ تَمُتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا تَرِكَةٌ أَوْ مَاتَتْ. . .

(2)

أ، ب، ن: لَمْ تُخَاطَبْ.

(3)

أ، ب: بِعِبَارَةِ.

(4)

أ، ب: فَيَكُونُ. 1

(5)

ن: الشَّرْعِ.

ص: 206

بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ (1) الْمُسْتَقِرِّ (2) فِي خِطَابِ الْمُخَاطَبِ، كَمَا يُعْلَمُ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِالْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ (3) لِأَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ: أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْخِطَابُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَدْ تَنَوَّعَتْ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا: تَارَةً تَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَتَارَةً لَا تَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ (4) وَغَايَةُ مَا يَدَّعِي الْمُدَّعِي أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ شُمُولُ الْكَافِ لَهُ، كَمَا يَقُولُ: الْأَصْلُ مُسَاوَاةُ أُمَّتِهِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَمُسَاوَاتُهُ لِأُمَّتِهِ فِي الْأَحْكَامِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ خَصَائِصَ كَثِيرَةً خُصَّ بِهَا عَنْ أُمَّتِهِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذَا الْحُكْمِ إِلَّا كَمَا يُنْكَرُ اخْتِصَاصُهُ (5) بِسَائِرِ (6) الْخَصَائِصِ، لَكِنْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَالِبَ بِدَلِيلِ الِاخْتِصَاصِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ، بَلِ الْمُتَوَاتِرَةَ [عَنْهُ](7) فِي (8) أَنَّهُ لَا يُورَثُ، أَعْظَمُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِالْفَيْءِ (9) وَغَيْرِهِ.

(1) أ، ب: وَالْفَرْقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُنَا تَعُودُ نُسْخَةُ (م) .

(2)

ن، م: الْمُسْتَمِرِّ.

(3)

ن، م: الْمُسْتَمِرَّةِ.

(4)

ب (فَقَطْ) : مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ.

(5)

(5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(6)

أ، ب: كَسَائِرِ.

(7)

عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(8)

فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(9)

أ، ب، م، و: بِالصَّفَى؛ ن: بِالصَّفَا

ص: 207

وَقَدْ تَنَازَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ: هَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ؟ كَتَنَازُعِهِمْ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ، هَلْ كَانَ مِلْكًا لَهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ أُبِيحَ لَهُ مَنْ (1) حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنَ النِّسَاءِ أَمْ لَا؟ .

وَلَمْ يَتَنَازَعِ السَّلَفُ فِي أَنَّهُ لَا يُورَثُ، لِظُهُورِ ذَلِكَ عَنْهُ وَاسْتِفَاضَتِهِ فِي أَصْحَابِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةِ الْأَنْفَالِ: 1]، وَقَالَ فِي [كِتَابِهِ] (2) :{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةِ الْأَنْفَالِ: 41]، [وَقَالَ فِي كِتَابِهِ:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ] (3)[سُورَةِ الْحَشْرِ: 7] . وَلَفْظُ آيَةِ الْفَيْءِ كَلَفْظِ آيَةِ الْخُمُسِ، وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَدْرٍ، فَدَخَلَتِ الْغَنَائِمُ فِي ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَائِرُ مَا نَفَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ. كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْفَيْءِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنَائِمُ، وَقَدْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ (4) بَخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ.

وَمِنَ الْأَوَّلِ (5) قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ

(1) أ، ب: مَا.

(2)

فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

أ، ب: الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ. وَالْإِيجَافُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَأَوْجَفَ دَابَّةً: حَثَّهَا.

(5)

أ، ب: وَمِنَ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 208

عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " (1) . فَلَمَّا أَضَافَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ رَأَى طَائِفَةٌ مِنْ لِعُلَمَاءَ (2) أَنَّ [هَذِهِ](3) الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَسَائِرِ أَمْلَاكِ النَّاسِ، ثُمَّ جُعِلَتِ الْغَنَائِمُ بَعْدَ ذَلِكَ لَلْغَانِمِينَ، وَخُمْسُهَا لِمَنْ سَمَّى (4) ، وَبَقِيَ الْفَيْءُ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ (5) ، مِلْكًا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدُوا فِي الْفَيْءِ، فَإِنَّهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يُخَمِّسُونَ الْفَيْءَ، وَإِنَّمَا قَالَ بِتَخْمِيسِهِ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ (6)

(1) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/119 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما)(كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بَعِيرًا فَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:" إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلَا هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/109 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الْإِمَامِ يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَيْءِ لِنَفْسِهِ) حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/272 - 273، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ الثَّالِثَ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 2/587 - 588. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي: الْمُوَطَّأِ 2/457 - 458 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ) . وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/127 - 128، وَهُوَ فِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ 5/316 - 319 - 326.

(2)

أ، ب: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

(3)

هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(4)

ن، و: بَقِيَ؛ م: يَفِي.

(5)

أ، ب: لِمَنْ سَمَّى بِفَيْءِ الْفَيْءِ أَوْ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(6)

سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 209

كَالْخِرَقِيِّ. وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرَوْنَ تَخْمِيسَ الْفَيْءِ، وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلْ (1) هَذِهِ الْإِضَافَةُ لَا تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ مِلْكًا لِلرَّسُولِ، بَلْ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فَالرَّسُولُ يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ [بِهِ](2) .

كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» "(3) . .

وَقَالَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " تَسَمَّوْا (4) بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا (5) بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ "(6) .

(1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(2)

ن، م: فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ؛ ص، ر، هـ، و: فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ.

(3)

مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2/206 وَذَكَرْتُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/85. وَنَصُّهُ فِيهِ: " مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ. أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ ". وَالْحَدِيثُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/482 وَنَصُّهُ فِيهِ: " وَاللَّهِ مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُهُ حَيْثُ أُمِرْتُ ". وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (فَتْحِ الْبَارِي 6/218) :" وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنْ أَنَا إِلَّا خَازِنٌ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه بِلَفْظِ: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي. . الْحَدِيثَ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْهُ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 8/278 (ت [0 - 9] )

(4)

ب: سَمُّوا.

(5)

أ، ب: وَلَا تَكْتَنُوا.

(6)

الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/84 - 85 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1682 - 1683 (كِتَابُ الْآدَابِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: " سَمُّوا (أَوْ: تَسَمَّوْا) بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا (أَوْ تَكْتَنُوا) بِكُنْيَتِي " عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ وَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْكُنْيَةِ. انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ 4/1860 (كِتَابُ الْمَنَاقِبُ، بَابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) ؛ مُسْلِمًا 3/1682 - 1684 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/399 - 401 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَتَكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ، بَابُ مَنْ رَأَى أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/214 - 215 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامَ: 730، 7371، 7372، 8094، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/455، 3/450، 5/364.

ص: 210

فَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَالْمَالُ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُصْرَفُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي مَلَكَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّ لَهُمْ صَرْفَهَا فِي الْمُبَاحَاتِ.

وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُكَاتَبِينَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سُورَةِ النُّورِ: 33] ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا، إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ: آتَاكُمْ [اللَّهُ](1) مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي مَلَّكَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ (2) ، فَإِنَّهُ لَمْ يُضِفْهَا إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، بِخِلَافِ مَا أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى إِلَّا فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.

فَالْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ؛ لِأَنَّ (3) قِسْمَتَهَا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ لَيْسَتْ كَالْمَوَارِيثِ الَّتِي قَسَّمَهَا اللَّهُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ. وَكَذَلِكَ مَالُ الْخُمُسِ وَمَالُ الْفَيْءِ.

(1) لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي (أ) ، (ب) ، (م) فَقَطْ.

(2)

أ، ب: الْعِبَادَ.

(3)

ن، م، و: فَإِنَّ.

ص: 211

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ، فَقَالَ مَالِكٌ [وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ] (1) : مَصْرِفُهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَعَيَّنَ مَا عَيَّنَهُ (2) مِنَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ تَخْصِيصًا لَهُمْ بِالذِّكْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَعَلَ مَصْرِفَ الْخُمُسِ مِنَ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ، وَهُوَ تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ (3) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ: الْخُمُسُ (4) يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَأَسْقَطَ (5) سَهْمَ الرَّسُولِ وَذَوِي الْقُرْبَى بِمَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ (6) دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: بَلْ مَالُ الْفَيْءِ [أَيْضًا](7) يُقَسَّمُ [عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ](8) . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ [الْأَقْوَالِ](9) كَمَا قَدْ بُسِطَتْ أَدِلَّتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (10) ، وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.

فَقَوْلُهُ: (11){لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} فِي الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ، كَقَوْلِهِ فِي الْأَنْفَالِ: (لِلَّهِ

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

ن، م: مَا عَيَّنَ.

(3)

و، هـ، ص، ر: الْمَغَانِمِ.

(4)

أ، ب: وَالْخُمُسُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ص) .

(5)

و، هـ، م، ص، ر: سَقَطَ؛ ن: يُسْقِطُ.

(6)

أ، ب: قَالَ.

(7)

أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. 1

(9)

الْأَقْوَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . 1

(10)

ن، م: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

(11)

ن: بِقَوْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 212

وَالرَّسُولِ) فَالْإِضَافَةُ (1) لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل فِيهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَهَذَا أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَالْمَلِكُ يَصْرِفُ الْمَالَ فِيمَا أَحَبَّ (2) وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ الرَّسُولُ لَا يَصْرِفُ الْمَالَ إِلَّا فِيمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَكُونُ فِيمَا (3) يَفْعَلُهُ عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَةٌ لَهُ (4) ، لَيْسَ فِي قَسْمِهِ مَا هُوَ مِنَ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ كُلِّهِ.

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " يُؤَيِّدُ (5) ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:" لِي " أَيْ أَمْرُهُ إِلَيَّ، وَلِهَذَا قَالَ:" «وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» ". وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَفَدَكَ وَخُمُسِ خَيْبَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هِيَ كُلُّهَا مِنْ مَالِ (6) الْفَيْءِ الَّذِي (7) لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهُ فَلَا (8) يُورَثُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ عَنْهُ مَا يَمْلِكُهُ.

(1) أ، ب: فَأَضَافَهُ.

(2)

أ: فَإِنَّ الْمَلِكَ يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ فِيمَا أَحَبَّهُ؛ ب: فَإِنَّ الْمَلِكَ النَّبِيَّ يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ فِيمَا أَحَبَّهُ.

(3)

أ، ب، م، ص، و، هـ: مَا.

(4)

لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(5)

ن، م: يُؤَكِّدُ؛ أ، ب: يُرِيدُ.

(6)

أ: هِيَ مِنْ مَالِ؛ ب: هُوَ مِنْ مَالِ.

(7)

ن، م، و: وَالَّذِي.

(8)

أ، ب: وَلَا.

ص: 213

بَلْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ يَجِبُ أَنْ تُصْرَفَ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَكَذَلِكَ قَالَ [أَبُو بَكْرٍ] الصِّدِّيقُ [رضي الله عنه](1) . وَأَمَّا مَا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، كَمَالٍ أَوْصَى لَهُ (2) بِهِ [مُخَيْرِيقُ](3) وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ (4)، فَهَذَا إِمَّا أَنْ يُقَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مِلْكُهُ، وَلَكِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَالِ حَاجَتَهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ صَدَقَةً وَلَا يُورَثُ.

كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (* «لَا يَقْتَسِمُ (5) وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَمَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ (6) نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» " (7) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ *) (8) : «لَا نُورَثُ مَا

(1) أ: وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه؛ ب: وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه؛ ن، م، هـ، و، ر، ص: وَكَذَلِكَ قَالَ الصِّدِّيقُ.

(2)

كَمَا أَوْصَى لَهُ. . كَذَا فِي (ص) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَمَا أَوْصَى لَهُ. .

(3)

مُخَيْرِيقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَهُوَ مُخَيْرِيقُ النَّضْرِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ مِنْ بَنِي النَّضْرِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 3/373 " ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ. . . وَكَانَ أَوْصَى بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَى سَبْعُ حَوَائِطَ. . . فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةً ".

(4)

ن: حُنَيْنٍ.

(5)

أ، ب: لَا تُقَسِّمُ.

(6)

أ، ب: بَعْدَ مُؤْنَةِ.

(7)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 4/12 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ) ؛ مُسْلِمٍ؛ 3/1382 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا نُورَثُ. . .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/198 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَمْوَالِ) ؛ الْمُوَطَّأِ 2/993 (كِتَابُ الْكَلَامِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/25 - 26، 17/53 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/464.

(8)

(* - *) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

ص: 214

تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ (1) .

يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} ، [سُورَةِ النِّسَاءِ: 3، 4] إِلَى قَوْلِهِ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخَاطَبْ بِهَذَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِمَثْنَى وَلَا ثُلَاثَ وَلَا رُبَاعَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مَأْمُورًا بِأَنْ يُوَفِّيَ كُلَّ امْرَأَةٍ صَدَاقَهَا، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ تَهِبُ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. كَمَا قَالَ تَعَالَى (2) :{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] إِلَى قَوْلِهِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] .

وَإِذَا كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ دُونَهُ لَمْ يَدْخُلْ هُوَ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ.

(1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ.

(2)

ب (فَقَطْ) : كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُ.

ص: 215

فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْخِطَابُ (1) مُتَنَاوِلٌ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ (2) ، لَكِنْ خُصَّ هُوَ مِنْ آيَةِ النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ.

قِيلَ: وَكَذَلِكَ خُصَّ مِنْ آيَةِ الْمِيرَاثِ، فَمَا قِيلَ فِي تِلْكَ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ وَسَوَاءٌ (3) قِيلَ: إِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ شَمِلَهُ وَخُصَّ مِنْهُ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَشْمَلْهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ (4) مِنَ الْمُخَاطَبِينَ: يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا (5) .

السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ مَنْ يُورَثُ [وَمَنْ لَا يُورَثُ](6) ، وَلَا بَيَانُ صِفَةِ الْمَوْرُوثِ وَالْوَارِثِ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا أَنَّ الْمَالَ الْمَوْرُوثَ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مِقْدَارِ أَنْصِبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ إِذَا كَانُوا وَرَثَةً. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَهَؤُلَاءِ كُفَّارًا لَمْ يَرِثُوا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كَافِرًا وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ لَمْ يَرِثُوا بِالسُّنَّةِ وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ (7) ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَهُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ كَانَ حُرًّا وَهُمْ عَبِيدٌ. وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ خَطَأً مِنَ الدِّيَةِ. وَفِي غَيْرِهَا نِزَاعٌ.

(1) ن، م، و: فَإِنْ قِيلَ فَالْخِطَابُ.

(2)

عِبَارَةُ " فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ " فِي (م) فَقَطْ. وَفِي (ن) : فِي عُمُومِ.

(3)

أ، ب، ر، هـ، ص: سَوَاءٌ.

(4)

لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

(5)

عِبَارَةُ " يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

(6)

وَمَنْ لَا يُورَثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(7)

(7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 216

وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَوْتَى مَنْ يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ، وَالْآيَةُ لَمْ تُفَصِّلْ (1) : مَنْ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَمَنْ لَا يَرِثُهُ، وَلَا صِفَةِ الْوَارِثِ وَالْمَوْرُوثِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ ذَلِكَ، بَلْ قُصِدَ بِهَا بَيَانُ حُقُوقِ هَؤُلَاءِ إِذَا كَانُوا وَرَثَةً.

وَحِينَئِذٍ (2) فَالْآيَةُ إِذَا لَمْ تُبَيِّنْ مَنْ يُورَثُ وَمَنْ يَرِثُهُ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِ [غَيْرِ](3) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرِثُ أَوْ لَا يُورَثُ (4) ، فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ هُوَ يُورَثُ بِطُرُقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وَهَكَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ (5) بِالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ فَنَصِفُ (6) الْعُشْرِ» (7) . " فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَبَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ بَيَانَ مَا يَجِبُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَمَا لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلِهَذَا لَا يُحَتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ.

(1) ن، م، ر، هـ، ص: لَمْ تُفَصِّلْ بَيْنَ. . .

(2)

أ، ب: وَرَثَةً حِينَئِذٍ. .

(3)

غَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(4)

أ، ب: يَرِثُ وَلَا يُورَثُ.

(5)

ن، م: وَمَا يُسْقَى؛ و، ر، هـ: وَمَا سَقَى؛ ص: وَسَقَى.

(6)

أ، ب، و: نَصِفُ.

(7)

الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم فِي: الْبُخَارِيِّ 2/126 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ) ؛ مُسْلِمٍ 2/675 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/145 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ فِيمَا يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ الدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ

ص: 217

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 275] قُصِدَ فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا: فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا حَلَالٌ وَالْآخَرَ حَرَامٌ، وَلَمْ يُقْصَدْ فِيهِ بَيَانُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) يَعُمُّ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْكَلْبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفِ وَمِلْكِ الْغَيْرِ وَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ - كَانَ غَالِطًا.

الْوَجْهُ (1) الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ عَامٌّ، فَإِنَّهُ خُصَّ مِنْهَا الْوَلَدُ الْكَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْقَاتِلُ بِأَدِلَّةٍ هِيَ أَضْعَفُ مِنَ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ أَكْثَرُ وَأَجَلُّ مِنَ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ (2) أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ، وَأَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ (3) الْمُبْتَاعُ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، كَانَ تَخْصِيصُهَا بِنَصٍّ آخَرَ جَائِزًا بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. بَلْ قَدْ (4) ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ يَبْقَى مُجْمَلًا. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْصِيصِ (5) عُمُومِ الْقُرْآنِ

(1) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(2)

(2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

أ، ب: أَنْ يَشْتَرِطَ.

(4)

أ، ب: وَقَدْ.

(5)

أ: وَقَدْ تَنَازَعَ فِي تَخْصِيصِ؛ ب: وَقَدْ تُنُوزِعَ فِي تَخْصِيصِ.

ص: 218

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْصُوصًا [بِخَبَرِ الْوَاحِدِ](1) ، فَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ عَوَامِّهِمْ، لَا سِيَّمَا الْخَبَرُ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِهِ.

وَهَذَا الْخَبَرُ تَلَقَّتْهُ الصَّحَابَةُ بِالْقَبُولِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى](2) .

وَالتَّخْصِيصُ بِالنَّصِّ الْمُسْتَفِيضِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ يَقُولُ: ظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ (3) ، لَكِنَّهُ عُمُومٌ مَخْصُوصٌ. وَمَنْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الْأَوَّلَ لَمْ يُسَلِّمْ ظُهُورَ الْعُمُومِ إِلَّا فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَهُ، وَلَا يُقَالُ (4) : إِنَّ ظَاهِرَهَا مَتْرُوكٌ، بَلْ نَقُولُ (5) : لَمْ يُقْصَدْ بِهَا إِلَّا بَيَانُ (6) نَصِيبِ الْوَارِثِ، لَا بَيَانُ الْحَالِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْإِرْثُ (7) ، فَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْأَوْلَادِ وَالْمَوْتَى، مُطْلَقَةٌ فِي [الْمَوْرُوثِينَ. وَأَمَّا](8) شُرُوطُ الْإِرْثِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْآيَةُ، بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فِيهِ (9) : لَا تَدُّلُ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ.

كَمَا فِي قَوْلِهِ (10) تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 5]

(1) عِبَارَةُ " بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(2)

عِبَارَةُ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

ب (فَقَطْ) : يَقُولُ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ.

(4)

ب (فَقَطْ) : وَلَا يَقُولُ.

(5)

أ، ب، ن، م: يَقُولُ.

(6)

أ: إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ. .؛ ب: إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ.

(7)

أ، ب: الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْإِرْثُ.

(8)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(9)

ر، هـ، ص: مُطْلَقَةٌ فِي ذَلِكَ.

(10)

ب (فَقَطْ) : كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ. .

ص: 219

عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ، مُطْلَقٌ فِي الْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ. فَالْخِطَابُ الْمُقَيِّدُ لِهَذَا الْمُطْلَقِ يَكُونُ خِطَابًا مُبْتَدَأً مُبَيِّنًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُنَافِيهِ (1) ، لَا يَكُونُ (2) رَافِعًا لِظَاهِرِ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُورَثُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، فَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ عُمُومٌ، وَإِنْ كَانَ عُمُومًا فَهُوَ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ دَلِيلًا لَمَا كَانَ إِلَّا ظَنِّيًّا، فَلَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ؛ إِذِ الظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ.

وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي أَوْقَاتٍ وَمَجَالِسَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُنْكِرُهُ، بَلْ كُلُّهُمْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ. وَلِهَذَا لَمْ يُصِرَّ أَحَدٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، وَلَا أَصَرَّ الْعَمُّ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، بَلْ مَنْ طَلَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخْبِرَ (3) بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ عَنْ طَلَبِهِ. وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَسَّمَ لَهُ تَرِكَةً.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ أَعْطَيَا عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ مِنَ الْمَالِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَالِ. وَالْمَالُ الَّذِي خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ [مِنْهُمَا](4) مِنْهُ بِشَيْءٍ، بَلْ

(1) أ، ب: لَمْ يَتَقَدَّمْ مُنَافِيهِ.

(2)

ب (فَقَطْ) : وَلَا يَكُونُ.

(3)

أ: شَيْئًا أُخْبِرَ؛ ب: شَيْئًا وَأُخْبِرَ؛ ص: شَيْئًا فَلَمَّا أُخْبِرَ.

(4)

مِنْهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

ص: 220

سَلَّمَهُ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رضي الله عنهم يَلِيَانِهِ وَيَفْعَلَانِ فِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ (1) عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ.

الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الظَّلَمَةَ مِنَ الْمُلُوكِ إِذَا تَوَلَّوْا بَعْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا إِلَيْهِمْ أَوْ رَبَّوْهُمْ (2) ، وَقَدِ انْتَزَعُوا الْمُلْكَ مِنْ بَيْتِ ذَلِكَ الْمَلِكِ، اسْتَعْطَفُوهُمْ وَأَعْطَوْهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُمْ مُنَازَعَتَهُمْ، فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما مُتَغَلِّبَانِ مُتَوَثِّبَانِ، لَكَانَتِ الْعَادَةُ تَقْضِي (3) بِأَنْ يُزَاحِمَا الْوَرَثَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوِلَايَةِ وَالتَّرِكَةِ [فِي الْمَالِ](4) ، بَلْ يُعْطِيَانِهِمْ ذَلِكَ وَأَضْعَافَهُ؛ لِيَكُفُّوا عَنِ الْمُنَازَعَةِ فِي الْوِلَايَةِ. وَأَمَّا مَنْعُ الْوِلَايَةِ وَالْمِيرَاثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ (5) أَنَّهُ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَظْلَمِ النَّاسِ وَأَفْجَرِهِمْ. فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ الْعَادَةِ (6) الطَّبِيعِيَّةِ فِي الْمُلُوكِ، كَمَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْعَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ (7) ؛ إِذِ الْأَنْبِيَاءُ لَا يُورَثُونَ.

(1) أ، ب: التُّهَمِ.

(2)

ن: أَوْرَثُوهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

ر، ص، هـ: تَقْتَضِي.

(4)

فِي الْمَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ر)، (ص) : وَالشَّرِكَةِ فِي الْمُلْكِ، وَفِي (هـ) : وَالتَّرِكَةِ فِي الْمُلْكِ.

(5)

أ، ب: لَا نَعْلَمُ.

(6)

أ، ب، م: الْعَادَاتِ.

(7)

أ، ب: وَهُوَ الْأَنْزَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ص: 221

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16]، وَقَوْلَهُ تَعَالَى [عَنْ زَكَرِيَّا] (1) :{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5، 6] ، لَا يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ، وَالدَّالُّ عَلَى مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا بِهِ الِامْتِيَازُ. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا حَيَوَانٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَعِيرٌ. وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْإِرْثِ " (2) يُسْتَعْمَلُ فِي إِرْثِ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِقَالِ. قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [سُورَةِ فَاطِرٍ: 32] .

وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: 10، 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةِ الزُّخْرُفِ: 72] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 27] .

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 128] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 137] .

(1) عَنْ زَكَرِيَّا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(2)

ن، م: وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ " لَا يَرِثُ ". .

ص: 222

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: 105] .

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (1) .

وَهَكَذَا لَفْظُ " الْخِلَافَةِ " وَلِهَذَا يُقَالُ: الْوَارِثُ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ، أَيْ خَلَفَهُ فِيمَا تَرَكَهُ. وَالْخِلَافَةُ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَالِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْمُلْكِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْعِلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16]، وَقَوْلُهُ:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 6] إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْإِرْثِ، لَا يَدُلُّ عَلَى إِرْثِ الْمَالِ. فَاسْتِدْلَالُ الْمُسْتَدِلِّ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى خُصُوصِ إِرْثِ الْمَالِ جَهْلٌ مِنْهُ بِوَجْهِ الدَّلَالَةِ، كَمَا لَوْ قِيلَ: هَذَا خَلِيفَةُ هَذَا، وَقَدْ خَلَفَهُ - كَانَ دَالًّا عَلَى خِلَافَةٍ مُطْلَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى

(1) بَعْدَ عِبَارَةِ " أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ " تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (ر) . وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبَى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/432 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/153 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/81 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/98 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/196. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/302. وَلِابْنِ رَجَبٍ رِسَالَةٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ طُبِعَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.

ص: 223

أَنَّهُ خَلَفَهُ فِي مَالِهِ أَوِ امْرَأَتِهِ أَوْ مُلْكِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِرْثِ إِرْثُ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا إِرْثُ الْمَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كَثِيرُونَ غَيْرُ سُلَيْمَانَ، فَلَا يُخْتَصُّ سُلَيْمَانُ بِمَالِهِ.

وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ وَرِثَ مَالَهُ صِفَةَ مَدْحٍ، لَا لِدَاوُدَ وَلَا لِسُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ يَرِثُ أَبَاهُ مَالَهُ (1) ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ فِي بَيَانِ الْمَدْحِ لِسُلَيْمَانَ، وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النِّعْمَةِ.

وَأَيْضًا فَإِرْثُ الْمَالِ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَدَفْنِ الْمَيِّتِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَصُّ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (2) ، وَإِنَّمَا يُقَصُّ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ وَفَائِدَةٌ تُسْتَفَادُ، وَإِلَّا فَقَوْلُ الْقَائِلِ:" مَاتَ فُلَانٌ وَوَرِثَ ابْنُهُ مَالَهُ "(3) مِثْلُ قَوْلِهِ: " وَدَفَنُوهُ " وَمِثْلُ قَوْلِهِ: " أَكَلُوا وَشَرِبُوا وَنَامُوا "(4) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَصَصِ الْقُرْآنِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ [عَنْ زَكَرِيَّا](5) : {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 6] : [لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِرْثَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ شَيْئًا مِنْ](6)

(1) ن، م: يَرِثُ ابْنُهُ مَالَهُ؛ و: يَرِثُ أَبَاهُ ابْنُهُ مَالَهُ.

(2)

عِبَارَةُ " إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

(3)

أ، ب: وَوَرِثَ مَالَهُ ابْنُهُ.

(4)

أ، ب: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَنَامُوا.

(5)

عَنْ زَكَرِيَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)(و) .

(6)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. و " شَيْئًا مِنْ " فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.

ص: 224

أَمْوَالِهِمْ بَلْ إِنَّمَا يَرِثُهُمْ ذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ وَسَائِرُ وَرَثَتِهِمْ لَوْ وَرِثُوا؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَطْلُبُ (1) وَلَدًا لِيَرِثَ مَالَهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ يُورَثُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمَالُ إِلَى غَيْرِهِ: سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ غَيْرَهُ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ بِالْوَلَدِ أَنْ يَرِثَ مَالَهُ، كَانَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الْوَلَدِ (2) .

وَهَذَا لَا يَقْصِدُهُ أَعْظَمُ النَّاسِ بُخْلًا وَشُحًّا عَلَى مَنْ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا وَقَصَدَ إِعْطَاءَهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَكَانَ الْمَقْصُودُ إِعْطَاءَ الْوَلَدِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْوَلَدِ إِلَّا أَنْ يَجُوزَ (3) الْمَالَ دُونَ غَيْرِهِ، كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَأْخُذَ أُولَئِكَ الْمَالَ، وَقُصِدَ الْوَلَدُ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، وَهَذَا يُقَبَّحُ (4) مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عَقْلًا وَدِينًا.

وَأَيْضًا فَزَكَرِيَّا عليه السلام لَمْ يُعْرَفْ (5) لَهُ مَالٌ، بَلْ كَانَ نَجَّارًا. وَيَحْيَى ابْنُهُ عليه السلام كَانَ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَأْخُذُوا (6) مَالَهُ [مِنْ بَعْدِهِ](7) إِذَا مَاتَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُخَوِّفٍ (8) .

(1) أ، ب: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْلُبُ. .

(2)

أ، ب: أَحَدٌ غَيْرُهُ؛ ن، م: أَحَدٌ عَنِ الْوَلَدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(3)

أ، ب: يُحْرِزُ.

(4)

أ: وَهُوَ قُبْحٌ؛ ب: قَبِيحٌ.

(5)

ن، م: لَمْ يُعْلَمْ.

(6)

أ، ب: أَنْ يَأْخُذَ.

(7)

مِنْ بَعْدِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(8)

أ، ب: بِمُخَوِّفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

ص: 225