الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ قَدْ نَزَلَتْ (1) آيَاتُ (2) بَرَاءَتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَجَعَلَهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ (3) .
[كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه]
فَصْلٌ. ر، هـ، ص: الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ (4)
: " وَأَذَاعَتْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكِ تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» (5)
، ثُمَّ إِنَّهَا خَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] وَخَرَجَتْ (6) فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ لِتُقَاتِلَ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ
(1) أ، ب: وَقَدْ كَانَتْ نَزَلَتْ.
(2)
أ، ب، ص: آيَةُ.
(3)
أ، ب: مِنَ الصَّيِّنَاتِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَفِي (وَ) :" وَكَانَ قَدْ نَزَلَتْ آيَاتُ الْقَذْفِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا مِنَ السَّمَاءِ وَجَعَلَهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ اللَّوَاتِي لِلطَّيِّبِينَ ". وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[سُورَةُ النُّورِ: 26] : " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ: وَنَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ وَأَهْلِ الْإِفْكِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالضَّحَّاكِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ ". وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. بُولَاقٍ) 18/84 - 86.
(4)
فِي (ك) ص [0 - 9] 12 (م) .
(5)
لَهُ: سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(6)
ن، م، و: خَرَجَتْ.
عُثْمَانَ، وَكَانَتْ هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، وَتَقُولُ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا (1) .
، قَتَلَ اللَّهُ نَعْثَلًا ; لَمَّا (2)
بَلَغَهَا قَتْلُهُ فَرِحَتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَتْ: مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ فَخَرَجَتْ لِقِتَالِهِ (3)
عَلَى دَمِ عُثْمَانَ، فَأَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ (4) .
اسْتَجَازَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا مُطَاوَعَتَهَا عَلَى ذَلِكَ؟ وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ (5)
امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا (6)
كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ، وَكَيْفَ أَطَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ (7)
مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَاعَدُوهَا عَلَى حَرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (8)
وَلَمْ يَنْصُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا شَخْصٌ وَاحِدٌ [كَلَّمَهُ](9)
بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ ".
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ قَائِمُونَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءُ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُمْ حَقٌّ وَعَدْلٌ لَا يَتَنَاقَضُ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ
(1) فِي هَامِشِ (ك) : " نَعْثَلَ: اسْمُ يَهُودِيٍّ عَظِيمِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَدِينَةِ فَشُبِّهَ عُثْمَانُ بِهِ وَسُمِّيَ بِهِ "
(2)
ك: فَلَمَّا.
(3)
ك: تُقَاتِلُهُ.
(4)
ك: لِعَلِيٍّ عليه السلام وَكَيْفَ.
(5)
ن، م، ص، و، ر: عَلَى.
(6)
أ، ب: أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا.
(7)
أ، ب: عَشَرَةُ آلَافٍ ; ن، م، ص، هـ، وَ: عَشَرَاتُ أَلْفٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، (ك) .
(8)
ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه الصلاة والسلام.
(9)
كَلَّمَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَفِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْبَاطِلِ وَالتَّنَاقُضِ مَا نُنَبِّهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى بَعْضِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ: عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ هُمْ سَادَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ [بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ](1) .
لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِمْ سَلَامَتُهُمْ عَنِ (2)
الْخَطَأِ، بَلْ وَلَا عَنِ الذَّنْبِ (3)
، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُذْنِبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ذَنَبًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَيَتُوبَ مِنْهُ (4)
. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَالصَّغَائِرُ مَغْفُورَةٌ بِاجْتِنَابِ (5) .
الْكَبَائِرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِهِمْ، بَلْ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَبَائِرَ قَدْ (6)
تُمْحَى بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَبِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَا يُذْكَرُ (7)
عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ السَّيِّئَاتِ كَثِيرٌ مِنْهُ كَذِبٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْرِفْ (8)
كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجْهَ اجْتِهَادِهِمْ، وَمَا قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ [لَهُمْ](9)
فَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُمْ: إِمَّا بِتَوْبَةٍ، وَإِمَّا بِحَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ (10) قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ: إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ
(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ
(2)
ن، م: مِنَ.
(3)
ر: الذُّنُوبِ.
(4)
ن، م: عَنْهُ.
(5)
أ: فَالصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ. . . ; ب: فَالصَّغَائِرُ تُمْحَى بِاجْتِنَابِ.
(6)
قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
أ، ب: مَا ذُكِرَ.
(8)
أ، ب: لَا يَعْرِفُ.
(9)
لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(10)
وَ: لِأَنَّهُ.
الْجَنَّةِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ النَّارَ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (1)
عَلَى مُوجِبِ النَّارِ لَمْ يَقْدَحْ مَا سِوَى ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ. وَنَحْنُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقْدَحَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ بِأُمُورٍ (2) لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا تُوجِبُ النَّارَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لَيْسَ (3)
لَنَا أَنْ نَشْهَدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِالنَّارِ لِأُمُورٍ مُحْتَمَلَةٍ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مِثْلُ (4)
ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ (5)
، وَالْعِلْمُ بِتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ (6)
[مِنْهُمْ](7)
بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَحَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ (8) - أَمْرٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ؟ ! فَكَانَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ كَلَامًا فِيمَا لَا نَعْلَمُهُ، وَالْكَلَامُ بِلَا عِلْمٍ حَرَامٌ، فَلِهَذَا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِحَقِيقَةِ الْأَحْوَالِ، إِذْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ - أَوْ أَكْثَرُهُ - كَلَامًا بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا حَرَامٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَوًى وَمُعَارَضَةُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَلَامًا بِهَوًى (9)
يُطْلَبُ فِيهِ دَفْعُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ؟ ! وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1) أ، ب: أَحَدُهُمْ.
(2)
ص: لِأُمُورٍ.
(3)
أ، ب: وَلَيْسَ.
(4)
مِثْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(5)
ن، م، و: الْمُسْلِمِينَ.
(6)
وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(7)
مِنْهُمْ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.
(8)
ص: وَحَسَنَاتِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِ.
(9)
أ، ب: لِهَوًى.
وَسَلَّمَ -: " «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» "(1)
. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي قَلِيلِ الْمَالِ أَوْ كَثِيرِهِ، فَكَيْفَ بِالْقَضَاءِ (2)
بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ؟ .
فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بِجَهْلٍ أَوْ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْحَقِّ (3)
كَانَ مُسْتَوْجِبًا لِلْوَعِيدِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ لِقَصْدِ [اتِّبَاعِ](4)
الْهَوَى لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يُعَارِضُ بِهِ حَقًّا آخَرَ، لَكَانَ [أَيْضًا](5)
مُسْتَوْجِبًا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ. وَمَنْ عَلِمَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْقَوْمِ، وَرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، وَاسْتِحْقَاقِهِمُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ - لَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْمُتَيَقَّنُ الْمَعْلُومُ بِأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ: مِنْهَا مَا لَا يُعْلَمُ (6)
صِحَّتُهُ، وَمِنْهَا مَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُعْلَمُ (7)
كَيْفَ وَقَعَ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ
(1) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/406 - 407 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي الْقَاضِي يُخْطِئُ) وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ بُرَيْدَةَ (عَنْ أَبِيهِ) الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/776 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْحَاكِمِ يَجْتَهِدُ فَيُصِيبُ الْحَقَّ) وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/151، حَدِيثًا آخَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى قَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّهُ فِي الطَّبَرِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
(2)
ن، أ، ب: الْقَضَاءُ ; ص: فِي الْقَضَاءِ.
(3)
مِنَ الْحَقِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(4)
اتِّبَاعِ: فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) فَقَطْ.
(5)
أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(6)
ن، م: مَا يُعْلَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(7)
ن، م: مَا يُعْلَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
عُذْرُ الْقَوْمِ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا يَغْمُرُهُ، فَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتَقَامَ قَوْلُهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَإِلَّا حَصَلَ فِي جَهْلٍ وَكَذِبٍ (1)
وَتَنَاقُضٍ كَحَالِ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأَذَاعَتْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 3] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ [عَنْ عُمَرَ](2)
أَنَّهُمَا (3) عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ (4) .
فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَؤُلَاءِ يَعْمِدُونَ (5)
إِلَى نُصُوصِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ ذُنُوبٍ وَمَعَاصٍ بَيِّنَةٍ لِمَنْ نُصَّتْ (6)
عَنْهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ [يَتَأَوَّلُونَ النُّصُوصَ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: بَلْ أَصْحَابُ الذُّنُوبِ](7)
تَابُوا مِنْهَا وَرَفَعَ اللَّهُ دَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ.
(1) أ، ب: وَنَقْصٍ.
(2)
عَنْ عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(3)
أ، ب: أَنَّهَا.
(4)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/156 - 158 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ التَّحْرِيمِ) ; مُسْلِمٍ 2/1110 - 1113 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/52 - 254، 301.
(5)
أ: تَعَمَّدُوا ; ب: عَمِدُوا.
(6)
أ، ب، ن: نُصِّبَ.
(7)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ [بِأَوْلَى](1) .
فِي دِلَالَتِهَا عَلَى الذُّنُوبِ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ تِلْكَ (2)
سَائِغًا كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ بَاطِلًا فَتَأْوِيلُ تِلْكَ أَبْطَلُ.
وَيُقَالُ: ثَانِيًا: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ذَنْبٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَيَكُونَانِ قَدْ تَابَتَا مِنْهُ (3)
. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] فَدَعَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ، فَلَا يُظَنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتُوبَا، مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِمَا، وَأَنَّهُمَا زَوْجَتَا (4)
نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ (5)
عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَدَّلَ (6) بِهِنَّ غَيْرَهُنَّ، وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهِنَّ، وَاخْتُلِفَ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَاتَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذَّنْبَ يُغْفَرُ وَيُعْفَى عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ (7)
وَبِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَبِالْمَصَائِبِ (8)
الْمُكَفِّرَةِ.
وَيُقَالُ: ثَالِثًا: الْمَذْكُورُ عَنْ أَزْوَاجِهِ كَالْمَذْكُورِ عَمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ
(1) بِأَولَى: فِي (ب) فَقَطْ وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ
(2)
ن، م: ذَلِكَ. سَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) .
(3)
أ، ب: فَيَكُونَانِ قَدْ تَابَا مِنْهُ ; وَ: فَيَكُونَا تَابَتَا مِنْهُ.
(4)
أ، هـ، و: زَوْجَاتِ.
(5)
لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي (ن) ، (م) فَقَطْ.
(6)
أ، ب: يَسْتَبْدِلَ.
(7)
أ، ب، ر، هـ، ص: يَزُولُ عِقَابُهُ بِالتَّوْبَةِ.
(8)
أ، ب: وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ.
مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ (1)
، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَقَالَ: " «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا عَلِيًّا ابْنَتَهُمْ، وَإِنِّي لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ (2)
، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ (3)
بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا ص: أَرَابَهَا.
وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» (4)
" فَلَا يُظَنُّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ تَرَكَ الْخِطْبَةَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، بَلْ تَرَكَهَا بِقَلْبِهِ وَتَابَ بِقَلْبِهِ عَمَّا كَانَ طَلَبَهُ وَسَعَى فِيهِ.
وَكَذَلِكَ «لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" انْحَرُوا وَاحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ " فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، فَدَخَلَ مُغْضَبًا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ - أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: " مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا يُطَاعُ (5)
" فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ بِهَدْيِكَ فَانْحَرْهُ، وَأْمُرِ الْحَلَّاقَ فَلْيَحْلِقْ (6)
رَأَسَكَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ. فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ وَمَحَاهُ» (7)
" فَمَعْلُومٌ (8)
(1) ب، و: مِنْ أَصْحَابِهِ ; أ: وَأَصْحَابِهِ.
(2)
عِبَارَةُ " ثُمَّ لَا آذَنُ " الثَّالِثَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(3)
أ، ب: فَإِنَّ فَاطِمَةَ.
(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9]45.
(5)
ن، وَ: أُطَاعُ.
(6)
ن، م: يَحْلِقْ.
(7)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْحَدِيثِ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/196 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/331. وَجَاءَ الْجُزْءُ الْخَاصُّ بِأَمْرِ عَلِيٍّ بِمَحْوِ الِاسْمِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابٌ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانٌ. .) ; مُسْلِمٍ 3/1409 - 1411 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ) .
(8)
أ، ب: وَمَعْلُومٌ.
أَنَّ تَأَخُّرَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ حَتَّى غَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: هَذَا ذَنْبٌ، كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِ الْقَائِلِ: إِنَّ عَائِشَةَ أَذْنَبَتْ فِي ذَلِكَ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَأَوَّلُ وَيَقُولُ: إِنَّمَا تَأَخَّرُوا مُتَأَوِّلِينَ، لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَرْجُونَ تَغْيِيرَ الْحَالِ بِأَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ: وَآخَرُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ لَمْ يَغْضَبِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ تَابُوا مِنْ ذَلِكَ التَّأْخِيرِ (1) وَرَجَعُوا عَنْهُ، مَعَ أَنَّ حَسَنَاتِهِمْ تَمْحُو مِثْلَ هَذَا الذَّنْبِ، وَعَلِيٌّ دَاخِلٌ فِي هَؤُلَاءِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: " «تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» "(2)
فَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.
، بَلْ هُوَ كَذِبٌ قَطْعًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ (3) الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أَولَى، فَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ خُرُوجَهَا تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا.
وَهَكَذَا عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ (4)
، وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ
(1) أ، ب، ص، ر، هـ: التَّأَخُّرِ.
(2)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) .
(3)
أ، ب: بِقَصْدِ.
(4)
أ، ب: الْقِتَالِ.
وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ، فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلُوا (1)
دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَعَائِشَةُ رضي الله عنها رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ (2)
. هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ (3) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (4) : " وَخَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] فَهِيَ رضي الله عنها لَمْ تَتَبَرَّجْ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْبُيُوتِ لَا يُنَافِي الْخُرُوجَ لِمَصْلَحَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا، كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي سَفْرَةٍ (5)
، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ (6)
نَزَلَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم] بَعْدَ
(1) و، هـ: فَحَمَلُوا عَلَيْهِ.
(2)
ر، ص، هـ: بِقِتَالٍ.
(3)
انْظُرْ: عَائِشَةُ وَالسِّيَاسَةُ لِلْأُسْتَاذِ سَعِيدٍ الْأَفْغَانِيِّ، ص 140 - 162، ط. الْقَاهِرَةِ، 1957 ; الْعَوَاصِمُ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص [0 - 9] 36 - 161.
(4)
ر، ص، هـ: قَوْلُهُ عَنْهَا.
(5)
أ، ب: فِي سَفَرٍ.
(6)
قَدْ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) .
ذَلِكَ (1)
[كَمَا سَافَرَ](2)
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَائِشَةَ [رضي الله عنها] وَغَيْرِهَا (3)
، وَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا فَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، وَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ (4)
الْآيَةِ، وَلِهَذَا كَانَ (5)
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْجُجْنَ كَمَا كُنَّ يَحْجُجْنَ مَعَهُ (6) خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ (7)
، وَكَانَ عُمَرُ يُوَكِّلُ بِقِطَارِهِنَّ عُثْمَانَ أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَإِذَا كَانَ سَفَرُهُنَّ لِمَصْلَحَةٍ جَائِزًا فَعَائِشَةُ اعْتَقَدَتْ أَنَّ ذَلِكَ السَّفَرَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ (8) .
وَهَذَا كَمَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29]
[وَقَوْلَهُ](9)
: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] يَتَضَمَّنُ نَهْيَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ (10) .
بَعْضًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 111] وَقَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] .
(1) ن، م: وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ ; أ، ب: وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ.
(2)
كَمَا سَافَرَ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) فَقَطْ.
(3)
ن، م، و: حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَسَافَرَ بِعَائِشَةَ وَغَيْرِهَا ; أ، ب: حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَافَرَ بِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَغَيْرِهَا.
(4)
هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(5)
أ، ب، ر، ص، هـ: كُنَّ.
(6)
فِي أ: كَمَا كُنَّ يَحْجُجْنَ فِي ; ب: كَمَا حَجَجْنَ فِي.
(7)
وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(8)
أ، ب: فِي هَذَا.
(9)
وَقَوْلَهُ: فِي (ب) فَقَطْ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ.
(10)
أ، ب: يَتَضَمَّنُ قَتْلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» "(1)
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " «إِذَا الْتَقَى الْمُسَلَّمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: " كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (2) ".
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: [إِنَّ] عَلِيًّا (3)
وَمَنْ قَاتَلَهُ قَدِ الْتَقَيَا بِسَيْفِهِمَا، وَقَدِ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ (4)
، فَيَجِبُ أَنْ يَلْحَقَهُمُ الْوَعِيدُ.
لَكَانَ جَوَابُهُ (5)
: أَنَّ الْوَعِيدَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُجْتَهِدَ الْمُتَأَوِّلَ وَإِنْ كَانَ
(1) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جُزْءٌ مِنْ خُطْبَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَجَاءَتْ فِي حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الْبُخَارِيِّ 2/176 - 177 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ. . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ . . . الْحَدِيثَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1305 - 1307 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ)، وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/312 - 313 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1015 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/327 (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) . وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ.
(2)
الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ - عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 1/11 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. .) ; مُسْلِمٍ 4/2214 - 2215 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفِهِمَا) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/144 - 145 (كِتَابُ النَّهْيِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/401، 403، 410، 418 (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه) .
(3)
ر، ص، هـ، ن، م، و: قَائِلٌ: عَلِيٌّ.
(4)
ر، ص، هـ، و: الْمُؤْمِنِينَ.
(5)
أ، ب: فَجَوَابُهُ.
مُخْطِئًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] قَالَ (1)
: " قَدْ فَعَلْتُ (2)
" فَقَدْ عُفِيَ (3)
لِلْمُؤْمِنِينَ (4) عَنِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ، وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ، وَإِذَا غُفِرَ خَطَأُ هَؤُلَاءِ فِي قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَغْفِرَةُ لِعَائِشَةَ لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَرَّ فِي بَيْتِهَا إِذْ كَانَتْ مُجْتَهِدَةً أَولَى.
وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» (5)
" وَقَالَ: " «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً
(1) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(2)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/116 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ سبحانه وتعالى لَمْ يُكَلِّفْ إِلَّا مَا يُطَاقُ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم فِي: مُسْلِمٍ 1/115 - 116 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3 \ \ 341 - 342 (رَقْمُ 2070) ، 5 - 31 (رَقْمُ 3071) . وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرَيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/142 - 145. وَانْظُرْ أَيْضًا 6/104 - 105.
(3)
أ، وَ: عَفَا.
(4)
ن، م: عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.
(5)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/22 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ) وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: " الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا ". وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/97 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ) 6/80 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً) ، 9 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ. . .) ; مُسْلِمٍ 2/1006 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي شِرَارَهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/378 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/135 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ اسْتِقَالَةِ الْبَيْعَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 2/886 (كِتَابُ الْجَامِعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ. . .) .
عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» " أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي: الْمُوَطَّأِ 2/887 (كِتَابُ الْجَامِعِ، بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا) . وَفِي التَّعْلِيقِ: " قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَصَلَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ".
. [كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّهَا طَيْبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) وَإِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» "](1)
. وَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَرَجَ عَنْهَا (2) وَلَمْ يُقِمْ بِهَا كَمَا أَقَامَ الْخُلَفَاءُ قَبْلَهُ، وَلِهَذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ.
لَكَانَ الْجَوَابُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا كَانَ دُونَ عَلِيٍّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْوَعِيدُ، فَعَلِيٌّ أَولَى أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ الْوَعِيدُ لِاجْتِهَادِهِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ خُرُوجِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. وَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ مُخْطِئًا فَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهَا (3)
خَرَجَتْ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ تُقَاتِلُ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ ".
فَهَذَا أَوَّلًا: كَذِبٌ عَلَيْهَا. فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِقَصْدِ الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ أَيْضًا
(1) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ مَعَ كَلِمَاتٍ قَبْلَهَا مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَالْحَدِيثُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 3/22 - 23 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ) وَلَفْظُهُ: " إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ". وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/47 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النِّسَاءِ، بَابُ: فَمَا لَكَمَ فِي الْمُنَافِقِينَ) وَلَفْظُهُ: " إِنَّهَا طَيْبَةٌ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ " وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ تَقْرِيبًا فِي: مُسْلِمٍ 2/1006 - 1007 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي شِرَارَهَا) .
(2)
أ، ب: مِنْهَا.
(3)
إِنَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) .