المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الراففضة يعظمون الأمر على من قاتل عليا ويمدحون من قتل عثمان] - منهاج السنة النبوية - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر]

- ‌[الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت]

- ‌[كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وَظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ " والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا والرد عليه]

- ‌[كَلَامُ الرَّافِضِيُّ على مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد]

- ‌[كلام الرافضي على الْحَسَن الْعَسْكَرِيّ والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه]

- ‌[الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه]

- ‌[كلام الرَّافِضِيُّ على وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ]

- ‌[زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة]

- ‌[الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه]

- ‌[كلام الرافضي على مَنْعِ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا]

- ‌[الْجَوَابُ على كلام الرافضي مَنْعَ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ وُجُوهٍ]

- ‌[كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك]

- ‌[كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ " والرد عليه]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ]

- ‌[الرد على قول الرافضي أن النبي أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ]

- ‌[زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه]

- ‌[زعم الرافضي أن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وجوابه من وجوه]

- ‌[الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه]

- ‌[كلام الرافضي على عائشة مع كلامه على معاوية والرد عليه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً

- ‌[مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وَكَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ

- ‌[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[فصل وقوع أمور فِي الأمة بالتأويل في دِمَائِهَا وَأَمْوَالِهَا وَأَعْرَاضِهَا]

- ‌[الراففضة يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعَرَّسَ بِامْرَأَتِهِ والرد عليه]

- ‌[عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه]

- ‌[الناس في يزيد طرفان ووسط]

- ‌[النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه طرفان ووسط]

- ‌[أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ وبِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ]

- ‌[عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه]

- ‌[مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية]

- ‌[زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته]

الفصل: ‌[الراففضة يعظمون الأمر على من قاتل عليا ويمدحون من قتل عثمان]

الْخَمْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" «لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» "(1) وَلَمْ يُعَاقِبِ اللَّاعِنَ لِتَأْوِيلِهِ.

وَالْمُتَأَوِّلُ الْمُخْطِيءُ مَغْفُورٌ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (2) أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ ; " قَدْ فَعَلْتُ "(3)

. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ» "(4) .

[الراففضة يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ]

(فَصْلٌ) .

إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَيُقَالُ: قَوْلُ الرَّافِضَةِ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ وَأَشَدِّهَا تَنَاقُضًا ; فَإِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْإِثْمَ لِمَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّمِّ وَالْإِثْمِ لِمَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، فَإِنَّ عُثْمَانَ

(1) الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي: الْبُخَارِيِّ 8/158 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْمِلَّةِ) .

(2)

ص: فِي الصَّحِيحَيْنِ.

(3)

هَذَا جُزْءٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/116 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ سبحانه وتعالى لَمْ يُكَلِّفْ إِلَّا مَا يُطَاقُ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم فِي: مُسْلِمٍ 1/115 - 116 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/341 - 342 (رَقْمُ 2070) ، 5 - 31 (رَقْمُ 3071) . وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرَيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/142 - 145. وَانْظُرْ أَيْضًا 6/104 - 105 وَسَبَقَ الْحَدِيثُ، ص [0 - 9] 20.

(4)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/659 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي) وَفِي آخِرِهِ. . . وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) . قَالَ الْمُعَلِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. . . ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/102.

ص: 458

كَانَ خَلِيفَةً اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْتُلْ (1) .

1 -

مُسْلِمًا، وَقَدْ قَاتَلُوهُ لِيَنْخَلِعَ مِنْ (2)

الْأَمْرِ، فَكَانَ عُذْرُهُ فِي أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ أَعْظَمَ مِنْ عُذْرِ عَلِيٍّ فِي طَلَبِهِ لِطَاعَتِهِمْ (3)

لَهُ، وَصَبَرَ عُثْمَانُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلِيٌّ بَدَأَ بِالْقِتَالِ (4) أَصْحَابَ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَهُ، وَلَكِنِ امْتَنَعُوا مِنْ بَيْعَتِهِ.

فَإِنْ جَازَ قِتَالُ مَنِ امْتَنَعَ عَنْ بَيْعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي بَايَعَهُ نِصْفُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ [أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ](5)، فَقِتَالُ مَنْ قَاتَلَ (6) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَيُقَالُ مَنْ قَاتَلَ.

وَقَتْلُ الْإِمَامِ الَّذِي أَجْمَعَ (7)

الْمُسْلِمُونَ عَلَى بَيْعَتِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ أَشْيَاءَ أَنْكَرُوهَا.

قِيلَ: تِلْكَ الْأَشْيَاءُ لَمْ تُبِحْ خَلْعَهُ وَلَا قَتْلَهُ (8)

، وَإِنْ أَبَاحَتْ خَلْعَهُ وَقَتْلَهُ كَانَ مَا نَقَمُوهُ عَلَى عَلِيٍّ أَوْلَى أَنْ يُبِيحَ تَرْكَ مُبَايَعَتِهِ ; فَإِنَّهُمْ إِنِ ادَّعَوْا عَلَى عُثْمَانَ نَوْعًا مِنَ الْمُحَابَاةِ لِبَنِي أُمَيَّةَ فَقَدِ ادَّعَوْا (9)

عَلَى عَلِيٍّ تَحَامُلًا عَلَيْهِمْ وَتَرْكًا لِإِنْصَافِهِمْ، وَأَنَّهُ بَادَرَ بِعَزْلِ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَسْتَحِقَّ (10) الْعَزْلَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ

(1) أ، ب: وَلَمْ يُقَاتِلْ

(2)

ب: عَنْ.

(3)

أ، ب: طَاعَتَهُمْ.

(4)

أ، ب: بِقِتَالِ.

(5)

أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(6)

فَقِتَالُ مَنْ قَاتَلَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (أ) .

(7)

أ، ب، ر: اجْتَمَعَ.

(8)

أ، ب: قَتْلَهُ وَلَا خَلْعَهُ.

(9)

ص، ب: فَإِنَّهُمُ ادَّعَوْا. . . وَقَدِ ادَّعَوْا.

(10)

لِيَسْتَحِقَّ: كَذَا فِي (ص)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَسْتَحِقُّ.

ص: 459

- صلى الله عليه وسلم وَلَّى أَبَاهُ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى نَجْرَانَ، وَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا (1) ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَعْمَالِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ; فَإِنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى صَدَقَاتِ مَذْحِجٍ وَصَنْعَاءَ الْيَمَنِ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرًا عَلَى تَيْمَاءَ [وَخَيْبَرَ وَقُرَى عُرَيْنَةَ](2)

وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ [اسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى الْبَحْرَيْنِ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا حِينَ عَزَلَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَرْسَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى سَرَايَا مِنْهَا سَرِيَّةٌ إِلَى نَجْدٍ](3) وَوَلَّاهُ عُمَرُ رضي الله عنه، وَلَا يُتَّهَمُ لَا فِي دِينِهِ وَلَا فِي سِيَاسَتِهِ. [وَقَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (4) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» "(5) .

(1) وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ: كَذَا فِي (ن) ، (أ)، وَفِي (م) : وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَبُو سُفْيَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا. (ب: أَمِيرٌ عَلَيْهَا) . وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9]45.

(2)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ، وَفِيهَا:" خَيْبَرُ قُرَى عُرَيْنَةَ " وَالْعِبَارَةُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى وِلَايَةِ عَتَّابٍ وَخَالِدٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 44 وَأَمَّا عَمْرٌو فَهُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/532:" كَانَ خَالِدٌ عَلَى الْيَمَنِ وَأَبَانٌ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعَمْرٌو عَلَى سَوَادِ خَيْبَرَ ". . وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَادِي الْقُرَى وَغَيْرِهَا وَقُبِضَ وَهُوَ عَلَيْهَا.

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ، ص [0 - 9]44.

(4)

ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ ; ص: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

(5)

سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116.

ص: 460

قَالُوا: وَمُعَاوِيَةُ كَانَتْ رَعِيَّتُهُ تُحِبُّهُ وَهُوَ يُحِبُّهُمْ (1)

، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ. [وَقَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (2) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ» "(3)

. قَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: " وَهُمْ بِالشَّامِ " قَالُوا: " وَهَؤُلَاءِ كَانُوا عَسْكَرَ مُعَاوِيَةَ ".

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» "(4) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (5) أَهْلُ

(1) أ: يُحِبُّونَهُ وَيُحِبُّهُمْ ; ب: يُحِبُّونَهُ وَهُوَ يُحِبُّهُمْ.

(2)

ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ.

(3)

الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَثَوْبَانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/85 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمُسِ، بَابُ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ، 4/207 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ بَابُ رَقْمِ 28) ، 9/101 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ) ، 9/136 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/137 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) ، 3/1523 - 1525 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي دَوَامِ الْجِهَادِ) وَهُوَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، 4/138 - 139 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/342 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ.

(4)

الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي مُسْلِمٍ 3/1525 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ. . .) . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 14/68: ". . وَقَالَ مُعَاذٌ: هُمْ بِالشَّامِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: هُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ".

(5)

بْنُ حَنْبَلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 461

الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهَذَا [النَّصُّ](1) يَتَنَاوَلُ عَسْكَرَ مُعَاوِيَةَ.

قَالُوا: وَمُعَاوِيَةُ أَيْضًا (2) كَانَ خَيْرًا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنِ اسْتَنَابَهُ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْزَلَ وَيُوَلَّى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا اسْتَنَابَ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ، وَقَدْ أَشَارُوا (3) عَلَى عَلِيٍّ بِتَوْلِيَةِ مُعَاوِيَةَ. [قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُوَلِّيهِ شَهْرًا وَاعْزِلْهُ دَهْرًا] (4) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَانَ هُوَ الْمَصْلَحَةَ، إِمَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ وَإِمَّا لِتَأْلِيفِهِ (5) وَاسْتِعْطَافِهِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، وَوَلَّى أَبَا سُفْيَانَ، وَمُعَاوِيَةُ خَيْرٌ مِنْهُ، فَوَلَّى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ مَنْ هُوَ دُونَ مُعَاوِيَةَ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ.

قِيلَ: وَعُثْمَانُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَ. وَأَيْنَ الِاجْتِهَادُ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ النَّاسِ بِوِلَايَةٍ [أَوْ إِمَارَةٍ](6) أَوْ مَالٍ، مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي سَفْكِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، حَتَّى ذَلَّ الْمُؤْمِنُونَ وَعَجَزُوا عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكُفَّارِ، حَتَّى طَمِعُوا فِيهِمْ وَفِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، بَلْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مُقِيمًا عَلَى سِيَاسَةِ رَعِيَّتِهِ، وَعَلِيٌّ مُقِيمًا (7) عَلَى سِيَاسَةِ رَعِيَّتِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ

(1) النَّصُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) .

(2)

ن، م، و: أَيْضًا وَمُعَاوِيَةُ.

(3)

ن، م: زَيْدَ بْنَ أَبِيهِ (وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ بِمِقْدَارِ نِصْفِ سَطْرٍ) .

(4)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ر) ، (ص) ، (ب) .

(5)

ص، ب: لِتَأَلُّفِهِ.

(6)

أَوْ إِمَارَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(7)

مُقِيمًا: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مُقِيمٌ.

ص: 462

مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمُ (1) مِمَّا حَصَلَ بِالِاقْتِتَالِ ; فَإِنَّهُ بِالِاقْتِتَالِ لَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ وَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ، بَلْ سُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَقَوِيَتِ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، وَضَعُفَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ، وَهِيَ طَائِفَةُ عَلِيٍّ، وَصَارُوا يَطْلُبُونَ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْمُسَالَمَةِ مَا [كَانَتْ](2) تِلْكَ تَطْلُبُهُ ابْتِدَاءً.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي تَكُونُ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهِ، يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ (3) . وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ بِالِاقْتِتَالِ مَصْلَحَةٌ، بَلْ كَانَ الْأَمْرُ مَعَ عَدَمِ الْقِتَالِ (4) خَيْرًا وَأَصْلَحَ مِنْهُ بَعْدَ الْقِتَالِ، و [كَانَ] عَلِيٌّ وَعَسْكَرُهُ [أَكْثَرَ] وَأَقْوَى (5) ، وَمُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَتِهِ وَمُسَالَمَتِهِ (6) وَمُصَالَحَتِهِ، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الِاجْتِهَادِ مَغْفُورًا لِصَاحِبِهِ، فَاجْتِهَادُ عُثْمَانَ أَنْ يَكُونَ مَغْفُورًا أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ وَأَعْوَانُهُ فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا قَاتَلْنَا عَلِيًّا قِتَالَ دَفْعٍ عَنْ أَنْفُسِنَا وَبِلَادِنَا ; فَإِنَّهُ بَدَأَنَا (7) بِالْقِتَالِ فَدَفَعْنَاهُ بِالْقِتَالِ وَلَمْ نَبْتَدِئْهُ بِذَلِكَ وَلَا اعْتَدَيْنَا عَلَيْهِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي كَانَتْ تَجِبُ طَاعَتُهُ عَلَيْكُمْ وَمُبَايَعَتُهُ وَأَنْ لَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ. قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِمَامٌ تَجِبُ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الشِّيعَةِ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالنَّصِّ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1) أ، ب: أَكْثَرُ.

(2)

كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)

مِمَّا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِمَّا لَا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ.

(4)

ن، م، ص،: الِاقْتِتَالِ.

(5)

ن: وَعَلِيٌّ كَانَ وَعَسْكَرُهُ أَقْوَى ; ص: وَكَانَ عَلِيٌّ وَعَسْكَرُهُ أَقْوَى وَأَكْثَرَ.

(6)

ن، م، و: مُسَالَمَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ.

(7)

ن، م، و: بَدَأَ.

ص: 463

وَسَلَّمَ - نَصٌّ بِإِمَامَتِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ عُذْرَهُمْ فِي هَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّصَّ الْجَلِيَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ الْإِمَامِيَّةُ حَقٌّ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ كُتِمَ وَأُخْفِيَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم، فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْلَمَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَاطِلًا؟ ! .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً " وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً شُهْرَةً يَعْلَمُهَا مِثْلُ أُولَئِكَ ; إِنَّمَا هِيَ مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ [لَا سِيَّمَا](1) وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِذَا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَأَلْصَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ» "(2) وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى هَدَمَ (3) مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي وَلَّيْتُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّاهُ. مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضي الله عنها[ثَابِتٌ] صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى [صِحَّتِهِ] عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ (4)، فَلَأَنْ يَخْفَى عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ قَوْلُهُ:" «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، مَعَ أَنَّ هَذَا فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَا يَدُلُّ عَلَى عَلِيٍّ عَيْنًا، وَإِنَّمَا عُلِمَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا مَاتَ رضي الله عنه، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي إِثْبَاتِ خَلِيفَةٍ مُعَيَّنٍ.

(1) لَا سِيَّمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

(2)

سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص [0 - 9] 78 581) وَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَاكَ كَلَامًا مُفَصَّلًا فَارْجِعْ إِلَيْهِ.

(3)

ن، م: عَلَى هَدْمِ.

(4)

ن، م: عَائِشَةَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

ص: 464

وَمَنْ جَوَّزَ خَلِيفَتَيْنِ (1) فِي وَقْتٍ يَقُولُ: كِلَاهُمَا خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه كَانَ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ مَحْمُودًا عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ فِي آخِرِهَا. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ خِلَافَةَ عَلِيٍّ ثَبَتَتْ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ، كَمَا ثَبَتَتْ خِلَافَةُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ بِذَلِكَ، أَوْرَدُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ طَلْحَةَ بَايَعَهُ مُكْرَهًا، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ قَاتَلُوهُ، فَلَمْ تَتَّفِقْ (2) أَهْلُ الشَّوْكَةِ عَلَى طَاعَتِهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّمَا تَجِبُ مُبَايَعَتُهُ كَمُبَايَعَةِ مَنْ قَبْلَهُ إِذَا سَارَ سِيرَةَ مَنْ قَبْلَهُ. وَأُولَئِكَ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَمَّنْ يُبَايِعُهُمْ، وَفَاعِلِينَ لِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: إِذَا بَايَعْنَاهُ كُنَّا فِي وِلَايَتِهِ مَظْلُومِينَ بِوِلَايَتِهِ (3) مَعَ الظُّلْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِعُثْمَانَ، وَهُوَ لَا يُنْصِفُنَا إِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِمَّا تَأْوِيلًا مِنْهُ، وَإِمَّا لِمَا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ ; فَإِنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَحُلَفَاءَهُمْ أَعْدَاؤُنَا، وَهُمْ كَثِيرُونَ فِي عَسْكَرِهِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِمْ، بِدَلِيلِ مَا جَرَى يَوْمَ الْجَمَلِ ; فَإِنَّهُ لَمَّا طَلَبَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الِانْتِصَارَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، قَامَتْ قَبَائِلُهُمْ فَقَاتَلُوهُمْ (4) .

وَلِهَذَا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ مِثْلِ هَذَا هُوَ الْمَصْلَحَةَ، كَمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيٌّ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ الْقَتَلَةَ أَحَسُّوا بِاتِّفَاقِ الْأَكَابِرِ، فَأَثَارُوا الْفِتْنَةَ (5) وَبَدَأُوا بِالْحَمْلَةِ عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَقَالُوا لِعَلِيٍّ: إِنَّهُمْ

(1) ن: خَلِيفَةً بِنَصٍّ مُعَيَّنٍ وَمَوْجُودٍ وَمِنْ جَوَازِ خَلِيفَتَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(2)

ص: فَلَمْ يَبْقَوْا. .

(3)

بِوِلَايَتِهِ: سَاقِطَهٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " مَظْلُومِينَ بِوِلَايَتِهِ " مِنْ (ن) ، (م) وَجَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي (ن) ، (م) ، (و) عِبَارَاتٌ بِمِقْدَارِ سَطْرٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.

(4)

فَقَاتَلُوهُمْ: كَذَا فِي (ص)، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قَاتَلُوهُمْ.

(5)

ن، م، و: فَأَثَارُوا الْقِتَالَ.

ص: 465

حَمَلُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَاتَلَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ [دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ] ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ (1) وَلَا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ غَرَضٌ فِي الْقِتَالِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّرُّ (2) مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ.

[وَإِذَا كَانَ لَا يُنْصِفُنَا إِمَّا تَأْوِيلًا مِنْهُ وَإِمَّا عَجْزًا مِنْهُ عَنْ نُصْرَتِنَا، فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ مَنْ نُظْلَمُ بِوِلَايَتِهِ لَا لِتَأْوِلِيهِ وَلَا لِعَجْزِهِ](3) . قَالُوا: وَالَّذِينَ جَوَّزُوا قِتَالَنَا قَالُوا: إِنَّا بُغَاةٌ، وَالْبَغْيُ ظُلْمٌ، فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ الظُّلْمِ مُبِيحًا لِلْقِتَالِ، فَلَأَنْ يَكُونَ مُبِيحًا لِتَرْكِ الْمُبَايَعَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنَّ الْقِتَالَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ تَرْكِ الْمُبَايَعَةِ بِلَا قِتَالٍ.

وَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِظُلْمِهِمْ، بَلْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْعَدْلِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.

قَالُوا: وَكَذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَكُنْ مُتَعَمِّدِينَ لِلْبَغْيِ، بَلْ مُجْتَهِدِينَ فِي الْعَدْلِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَإِذَا كُنَّا بُغَاةً كُنَّا بُغَاةً لِلتَّأْوِيلِ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِي ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْبَغْيِ مُبِيحًا لِلْقِتَالِ، بَلْ قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} سُورَةُ الْحُجُرَاتِ فَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ عِنْدَ الِاقْتِتَالِ، ثُمَّ قَالَ:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَهَذَا بَغْيٌ بَعْدَ الِاقْتِتَالِ، فَإِنَّهُ بَغْيُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ لَا بَغْيٌ بِدُونِ الِاقْتِتَالِ، فَالْبَغْيُ الْمُجَرَّدُ

(1) ن، م، و: قَبْلَ ذَلِكَ وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ. .

(2)

ن: أَصْلًا أَبَدًا، بَلِ الشَّرُّ ; م: أَصْلًا بَلِ الشَّرُّ ; و: أَصْلًا بَلْ. . .

(3)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ عِبَارَاتٌ سَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) وَسَبَقَ أَنْ جَاءَتْ فِيهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.

ص: 466

لَا يُبِيحُ الْقِتَالَ، مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ (1)

الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، قَدْ تَكُونُ (2) الْفِئَةُ الَّتِي بَاشَرَتْ قَتْلَهُ أ، ن، ص، و، هـ: الْفِئَةُ هِيَ الَّتِي بَاشَرَتْ قَتْلَهُ.

1 -

[هُمُ الْبُغَاةُ](3) لِكَوْنِهِمْ قَاتَلُوا لِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقِتَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ بُغَاةٍ قَبْلَ الْقِتَالِ، لَكِنْ لَمَّا اقْتَتَلَتَا بَغَيَتَا، وَحِينَئِذٍ قَتَلَ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ كَانَ مِنَّا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَلَمَّا بَغَيْنَا كَانَ عَسْكَرُ عَلِيٍّ مُتَخَاذِلًا لَمْ يُقَاتِلْنَا. وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ ".

فَيُقَالُ: الَّذِينَ قُتِلُوا [قُتِلُوا](4) مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ ; قَتَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَأَكْثَرُ الَّذِينَ كَانُوا يَخْتَارُونَ الْقِتَالَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لَمْ يَكُونُوا يُطِيعُونَ لَا عَلِيًّا وَلَا مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ رضي الله عنهما أَطْلَبَ لِكَفِّ الدِّمَاءِ مِنْ أَكْثَرِ الْمُقْتَتِلِينَ، لَكِنْ غُلِبَا فِيمَا وَقَعَ. وَالْفِتْنَةُ إِذَا ثَارَتْ عَجَزَ الْحُكَمَاءُ (5) عَنْ إِطْفَاءِ نَارِهَا، وَكَانَ فِي الْعَسْكَرَيْنِ مِثْلُ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ [الْمِرْقَالِ](6) وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي الْأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُحَرِّضِينَ عَلَى الْقِتَالِ: قَوْمٌ يَنْتَصِرُونَ لِعُثْمَانَ

(1) ن، م، و: وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ عَنْ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ.

(2)

ب: وَقَدْ تَكُونُ.

(3)

عِبَارَةُ " هُمُ الْبُغَاةُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

(4)

قُتِلُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (ر) ، (ص) .

(5)

الْحُكَمَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . وَفِي (و)، (هـ) : الْحُلَمَاءُ.

(6)

الْمِرْقَالِ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ن) ، (م) ، (و) .

ص: 467

غَايَةَ الِانْتِصَارِ، وَقَوْمٌ يُنَفِّرُونَ عَنْهُ، [وَقَوْمٌ يَنْتَصِرُونَ لِعَلِيٍّ، وَقَوْمٌ يُنَفِّرُونَ عَنْهُ](1) .

ثُمَّ قِتَالُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ لِأَسْبَابٍ أُخْرَى. وَقِتَالُ الْفِتْنَةِ مِثْلُ قِتَالِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَنْضَبِطُ مَقَاصِدُ أَهْلِهِ وَاعْتِقَادَاتُهُمْ، كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ:" وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ (2) أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ: أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ".

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ لَعْنِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ التَّلَاعُنَ وَقَعَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا وَقَعَتِ الْمُحَارَبَةُ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ كَانَتْ تَقْنُتُ عَلَى الْأُخْرَى. وَالْقِتَالُ بِالْيَدِ أَعْظَمُ مِنَ التَّلَاعُنِ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَنْبًا أَوِ اجْتِهَادًا: مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا، فَإِنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُنْكِرُ سَبَّ عَلِيٍّ، وَهُمْ يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَيُكَفِّرُونَهُمْ وَمَنْ وَالَاهُمْ. وَمُعَاوِيَةُ رضي الله عنه وَأَصْحَابُهُ مَا كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهُ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ، وَالرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ. فَلَوْ أَنْكَرَتِ الْخَوَارِجُ السَّبَّ لَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا أَنْكَرَتْهُ الرَّافِضَةُ؟ ! .

وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبُّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَمَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِمَّنْ سَبَّ عَلِيًّا،

(1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) .

(2)

أَوْ فَرْجٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (هـ) .

ص: 468

وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَتَأْوِيلُهُ أَفْسَدُ مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ سَبَّ عَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَوِّلُ فِي سَبِّهِمْ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ مَذْمُومِينَ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا كَانَ ذَمُّ الشِّيعَةِ الَّذِينَ سَبُّوا الثَّلَاثَةَ أَعْظَمَ مِنْ سَبِّ النَّاصِبَةِ الَّذِينَ سَبُّوا عَلِيًّا وَحْدَهُ. فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» "(1) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ سَمَّ الْحَسَنَ ".

فَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ، وَلَا نَقْلٍ يُجْزَمُ بِهِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ. وَقَدْ رَأَيْنَا فِي زَمَانِنَا مَنْ يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ سُمَّ وَمَاتَ مَسْمُومًا مِنَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ (2) ، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَالْقَلْعَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَتَجِدُ كُلًّا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ بِالشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْآخَرُ، وَيَقُولُ: هَذَا سَمَّهُ فُلَانٌ، وَهَذَا يَقُولُ: بَلْ سَمَّهُ غَيْرُهُ (3) لِأَنَّهُ جَرَى كَذَا، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِكَ، وَالَّذِينَ كَانُوا فِي قَلْعَتِهِ هُمُ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَكَ.

وَالْحَسَنُ رضي الله عنه قَدْ نُقِلَ عَنْهُ (4) أَنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا. وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ

(1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21.

(2)

ص، ب: مِنَ الْأَتْرَاكِ وَغَيْرِهِمْ.

(3)

ن، م: بَلْ سَمَّهُ فُلَانٌ.

(4)

عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

ص: 469

أَنْ يُعْلَمَ، فَإِنَّ مَوْتَ الْمَسْمُومِ لَا يَخْفَى، لَكِنْ يُقَالُ: إِنَّ امْرَأَتَهُ سَمَّتْهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَمُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، فَغَايَةُ مَا يَظُنُّ الظَّانُّ [أَنْ يُقَالَ] :(1) إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا وَأَمَرَهَا بِذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ سَمَّتْهُ امْرَأَتُهُ (2) لِغَرَضٍ آخَرَ مِمَّا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ ; فَإِنَّهُ كَانَ مِطْلَاقًا لَا يَدُومُ مَعَ امْرَأَةٍ.

وَقَدْ قِيلَ (3) : إِنَّ أَبَاهَا الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ أَمَرَهَا بِذَلِكَ (4) ; فَإِنَّهُ كَانَ يُتَّهَمُ بِالِانْحِرَافِ فِي الْبَاطِنِ عَنْ عَلِيٍّ (5) وَابْنِهِ الْحَسَنِ.

وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ أَبَاهَا، كَانَ هَذَا ظَنًّا مَحْضًا. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(6)" «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» "(7) .

وَبِالْجُمْلَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْكَمُ بِهِ فِي الشَّرْعِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَتَرَتَّبُ

(1) أَنْ يُقَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

(2)

أ، ب: إِنَّ امْرَأَتَهُ سَمَّتْهُ لِغَرَضٍ. .

(3)

ن، م، و: وَقَدْ يُقَالُ.

(4)

ن، م، و: أَمَرَ بِذَلِكَ.

(5)

ر: بِنَوْعِ انْحِرَافٍ عَنْ عَلِيٍّ.

(6)

ن، م، ر، ص، هـ: وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

(7)

الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْبُخَارِيِّ 8/19 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ، بَابُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ. .) وَنَصُّهُ: " وَإِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/5 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ، 7/19 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. .) ، 8/148 - 149 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ) ، مُسْلِمٍ 4/1985 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْأَدَبِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظَّنِّ. .) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ.

ص: 470

عَلَيْهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ: لَا مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فِي الْعَامِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى عَامَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ عَامُ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ (1) ، وَكَانَ الْأَشْعَثُ حَمَا (2) الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَلَوْ كَانَ شَاهِدًا لَكَانَ يَكُونُ لَهُ ذِكْرٌ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ الْحَسَنِ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ ابْنَتَهُ أَنْ تَسُمَّ الْحَسَنَ؟ (3)

وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ * (4) بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَهُوَ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِ (5) بَعْضِهِمْ بَعْضًا [كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِتَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا](6) بِتَأْوِيلٍ، وَسَبُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَأْوِيلٍ، وَتَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَأْوِيلٍ: بَابٌ عَظِيمٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ فِيهِ وَإِلَّا (7) ضَلَّ.

(1) أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ.

(2)

حَمَا: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حُمُو.

(3)

الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، صَحَابِيٌّ، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ عَشْرٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَهْ وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَهْ، فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ فَأُصِيبَتْ عَيْنُهُ. امْتَنَعَ عَنْ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَحُورِبَ وَاسْتَسْلَمَ، وَأَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ، فَأَقَامَ فِي الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ الْوَقَائِعَ، شَارَكَ فِي حُرُوبِ الْعِرَاقِ، وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ وَحَضَرَ مَعَهُ وَقْعَةَ النَّهْرَوَانِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْكُوفَةِ فَتُوُفِّيَ فِيهَا سَنَةَ 40. رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/66 ; الْأَعْلَامِ 1/333 - 334.

(4)

مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

(5)

ن، م، و: قَتْلِ.

(6)

مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)(ر) .

(7)

وَإِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

ص: 471

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَتَلَ ابْنُهُ يَزِيدُ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ وَنَهَبَ نِسَاءَهُ ".

فَيُقَالُ: إِنَّ يَزِيدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَلَكِنْ كَتَبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ. وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنه كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَنْصُرُونَهُ وَيَفُونَ لَهُ (1) بِمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَلَمَّا قَتَلُوا مُسْلِمًا وَغَدَرُوا بِهِ وَبَايَعُوا ابْنَ زِيَادٍ، أَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَدْرَكَتْهُ السَّرِيَّةُ الظَّالِمَةُ، فَطَلَبَ (2) أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ (3) لَهُمْ، فَامْتَنَعَ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا رضي الله عنه، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَى ذَلِكَ، وَظَهَرَ (4) الْبُكَاءَ فِي دَارِهِ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُ حَرِيمًا أَصْلًا، بَلْ أَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَجَازَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِهِمْ (5) .

وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ يَزِيدَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ لَمْ يَكُنْ ذَنْبُ ابْنِهِ (6) ذَنْبًا لَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ((7) قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، لَمَّا حَضَّهُ عَلَى

(1) أ، ب، ر، ص: وَيُوَفُّونَ لَهُ.

(2)

ن: وَطَلَبَ.

(3)

ن، م: يَسْتَأْنِسَ.

(4)

أ، ب، ر: وَأَظْهَرَ.

(5)

ن، م، هـ، ر، ص: إِلَى بَلَدِهِ.

(6)

ن، م: أَبِيهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(7)

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} سُورَةُ فَاطِرٍ وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه وَصَّى يَزِيدَ بِرِعَايَةِ حَقِّ الْحُسَيْنِ وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ. وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ هُوَ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتِ الْحُسَيْنَ، وَأَبُوهُ سَعْدٌ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفِتَنِ، وَلِابْنِهِ هَذَا [مَعَهُ] مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

ص: 472

طَلَبِ الْخِلَافَةِ، وَامْتِنَاعُ (1) سَعْدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ.

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ (2) ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» (3) .

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يُقَالُ: إِنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِعُثْمَانَ، فَهَلْ رَوَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَدْحًا فِي أَبِي بَكْرٍ لِأَجْلِ فِعْلِ ابْنِهِ (4) .

وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ يَزِيدَ، وَبِسَبَبِ وِلَايَتِهِ فَعَلَ هَذَا.

قِيلَ: اسْتِخْلَافُهُ إِنْ كَانَ جَائِزًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فَذَاكَ ذَنْبٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلِ الْحُسَيْنَ. وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى إِكْرَامِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه وَصِيَانَةِ حُرْمَتِهِ، فَضْلًا عَنْ دَمِهِ (5) ، فَمَعَ هَذَا الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ فِعْلُ أَهْلِ الْفَسَادِ.

(1) ب (فَقَطْ) : وَامْتَنَعَ.

(2)

أ، ب، و: فَجَاءَ.

(3)

سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/65.

(4)

ن: أَبِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)

ن، م، هـ، ر: ذَمَّهِ.

ص: 473

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَسَرَ أَبُوهُ ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَكَلَتْ أُمُّهُ كَبِدَ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ".

فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ كَانَ قَائِدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثَنِيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَسَرَهَا بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ. لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَاشَرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَسَرَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (1) ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَبْلَعَهَا فَلَفَظَتْهَا.

وَكَانَ هَذَا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ وَإِسْلَامُ هِنْدٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْرِمُهَا، وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} سُورَةُ الْأَنْفَالِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: (2) «حَضَرْنَا (3)

(1) فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/84 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ (يَوْمَ أُحُدٍ) فَكَسَرَ رُبَاعِيَّتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى. . . إِلَخْ وَفِي " زَادِ الْمَعَادِ " 3/197: " وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى أَذَاهُ صلى الله عليه وسلم عَمْرُو بْنُ قَمِئَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، عَمُّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ الَّذِي شَجَّهُ ". وَانْظُرْ خَبَرَ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْبُخَارِيِّ (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ) فِي: فَتْحِ الْبَارِي 7/372 - 373. وَفِي الْبُخَارِيِّ 7/129 (كِتَابُ الطِّبِّ بَابُ حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ) وَالْحَدِيثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ 3/1416 - 1417 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ) .

(2)

الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 1/112 - 113 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ. .)

(3)

حَضَرْنَا: كَذَا فِي (أ)، (ب) وَهُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَضَرْتُ.

ص: 474

عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ (1) الْمَوْتِ، فَبَكَى طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ:(2) مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَتَاهُ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (3) إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ (4) شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدُّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عز وجل الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. فَقَالَ: " مَا لَكَ (5) يَا عَمْرُو؟ " قَالَ: قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ:" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ "(6) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: (7)" أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (8) .

وَفِي الْبُخَارِيِّ: لَمَّا أَسْلَمَتْ هِنْدُ [أُمُّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما] قَالَتْ: (9)

(1) سِيَاقِ: كَذَا فِي (ن) ، (هـ) ، صَحِيحَ مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: سِيَاقِ.

(2)

فِي (ر) ، (ص) ، (هـ)، (و) : يَقُولُ لَهُ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ".

(3)

أ، ب: وَقَالَ.

(4)

ن، م، أ: بَعْدَ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ".

(5)

ن: مَا بَالُكَ.

(6)

بِمَاذَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب)، مُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَاذَا.

(7)

أ، ب: فَقَالَ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ".

(8)

انْظُرْ بَاقِي الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/112 - 113.

(9)

ن، م: لَمَّا اشْتَكَتْ هِنْدُ قَالَتْ. .

ص: 475