الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وأصبح الرأى الذى عليه أهل السنة أن فناء الذى لن يكون كما نعلم من الوحى) جائز لأنه شئ فى قدرة الله (البغدادى الفرق بين الفروق، ص 319). فالدنيا ستفنى أما الجنة والنار فلا تفنيان.
المصادر:
(1)
عولجت هذه المسالة بالتفصيل فى الغزالى: تهافت الفلاسفة، الفصل الثاني، طبعة Bouyges، ص 80 وما بعدها.
(2)
ابن رشد: تهافت التهافت، طبعة Bouyges، ص 118 وما بعدها، ترجمة، S.van den Bergh، ص 69 وما بعدها مع تعليقات.
(3)
S. Pines فى- Bgitrage zur islamis chen Atomenlehre، 15، تعليق 1.
د. مصطفى حلمى [س. فان دن برغ S.van den Bergh]0
إبراهيم عليه السلام
هو أبراهام المذكور فى التوراة: وقد ورد فى القرآن (سورة الأنعام، آية 74) أنه ابن "آزر"، وهذا الاسم مشتق فيما يظهر من اسم خادمه "إليعازر" (1) (انظر Zeitschr.der Deutsch.: S. Fraenkel Morgenl. Gesell. عدد 56، ص 72). وأسماء آباء ابراهام كما وردت فى التوراة هي: تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عامر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ذكرها الثعلبى، (قصص الأنبياء، ص 44) وابن الأثير (جـ 1، ص 67)،
(1) قد يفهم من ذلك أن القرآن الكريم يختلف مع التوراة فى اسم أبى إبراهيم، ومظهر هذا الخلاف فى نظر كاتب المقال أن القرآن الكريم قد جعل خادم إبراهيم (اليعاذر) أبا له (آزر)، فى حين تذكر التوراة أن اسمه تارخ. وهذا الخلاف ظاهرى فى الواقع: أولا - أن العرب قد تسمى العم والجد "أبا" (وهذا الاستعمال معروف فى القرآن الكريم نفسها كما قال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب إذ قالوا لأبيهم: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} . فسمى إبراهيم أبا ليعقوب وهو جد له، وسمى إسماعيل أبا ليعقوب وهو عم له، فليس يبعد أن يكون آزر هنا أبا بمعنى الجد أو العم. ثانيًا - يجوز أن يكون تارخ اسما له وآزر لقبًا ويكون القرآن قد ذكره بلقبه اشارة إلى الرسوخ فى العلم به وبقصته. ثالثا - يجوز أن يكون آزر قد ذكر للذم وهو وصف أجرى مجرى العلم ومعناه فى اللغة العبرية على ما يقول بعض العلماه "المخطئ" فيكون قد ذكر للذم والتحقير. ويقرب من هذا جعله اسما للخادم كما فى التوراة، ولعله يطلق فى لغتهم على الخادم اطلاق الأوصاف لا اطلاق الاعلام، فكأنه يقول الحقير بسبب خدمته للأصنام.
يوسف الدجوى
وتتفق هذه تمامًا مع ما ورد فى الإصحاح الحادى عشر من سفر التكوين الآيات 10 - 31، وسفر الأيام الأصل، الإصحاح الأول، الآيات 13 - 27، ويظهر أن "قينان" وحده أضيف إلى هذا النسب وفقًا لرواية سفر التكوين، الإصحاح الخامس، الآية 12. ولد يعد الطوفان بثلاث وستين ومائتين وألف سنة، أو بعد خلق العالم بسبع وثلاثين وثلثمائة وثلائة آلاف سنة (الثعلبى: كتابه المذكور). وبمقارنة التواريخ الواردة فى سفر التكوبن، الإصحاح الخامس الآيات 3 - 10، والإصحاح الحادى عشر، الآيات 10 - 25، يتضح أن أبراهام ولد بعد نوح بإحدى وتسعين ومائتى سنة، أو بعد خلق العالم بثمانى عشرة وتسعمائة وألف سنة. وسرعان ما عمل على تحقيق رسالته بإعلانه الجهاد على الملك نمروذ.
وقد اضطرت أمه عُوشاء أن تكجأ إلى كهف بالقرب من كوثى، وهناك رأى أبراهام نور الحياة للمرة الأولى، (الثعلبى كتابه السابق؛ الطبرى، جـ 1 ص 256؛ الزمخشرى، جـ 1، ص 172؛ البيضاوى جـ 1، ص 133؛ ابن الأثير، جـ 1، ص 96؛ ياقوت، مادة "كوثى"؛ البكرى، ص 485؛ المقدسى، ص 86؛ بابا باثرا، ص 91 أ: ابن ميمون: دلالة الحائرين، الفصل 29). وقد دفعت الأحلام المزعجة الملك نمروذ إلى مراقبة الحوامل وقتل الذكور من مواليدهن. وزار عمّاله أم إبراهيم للكشف عليها قبل أن يأتيها المخاض، وجسوا جانبها الأيمن فاختفى الجنين فى الجانب الأيسر. وجسوا الأيسر فاختفى الجنين فى الجانب الأيمن. فانصرفوا دون أن يظفروا بطائل (الكسائى، ص 115 - 120).
والقصة التى وردت فى "سفر هياشار"(فصل نوح) والتى أمر فيها تارخ بذبح ولده أبراهام، فأحَل محله ابن خادمته، نجد أصولها فى الروايات الإسلامية. ولقد هدته تجربة فى صباه، (كتاب النذور "تلمود نداريم" فصل 22) إلى معرفة الله، وجاء القرآن بمثل ذلئا أيضًا (سورة الأنعام الآيات 75 - 79) ولما ترك الغار ميممًا شطر بيت أبيه جن عليه الليل فرأى كوكبًا: {هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ
الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. ونجد هذه القصص كذلك فى الكتاب العبرى "غصن الأدب"(شبط موسر، أزمير سنة 1729، ص 190 - 111) وفى "سفر هيّاشار"(فصل نوح). ومن بين القصص المختلفة (الثعلبى، ص 45 - 47؛ الكسائى، ص 125 - 140) التى تصف نضال إبراهيم مع نمروذ والتى أخذت مكانها فى الآداب العبرية المتأخرة Beth Hammidr: Jellinek، جـ 1، ص 25 - 34؛ سفر هياشار، فصل نوح، سقر إلياهو زوطا، قصل 35؛ المعلم إليعاذر: فصل 32) نذكر هنا القصة الآتية المستمدة من القرآن الكريم (سورة الأنبياء، الآيات 59 - 67) ومن سفر التكوين الكبير (فصل 38) وهى: خرج قوم إبراهيم ذات يوم من المدينة لتقديم القرابين لآلهتهم، وتمارض إبراهيم فبقى فى المدينة، ثم حمل فأسًا وذهب إلى معبد الآلهة حيث كانت الموائد محملة بالأطعمة، وقال يخاطب هذه الأوثان: ما لكم لا تأكلون؟ ثم حطم يد وثن وقدم آخر ورأس ثالث، وترك الفأس فى يد كبيرهم ووضع أمامه عدة صحاف من الطعام؛ ولما عاد قومه ورأوا ما حل بآلهتهم اتهموه:{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
فألقوه فى النار ولكنه خرج منها سالمًا بعد أن ظل فيها ثلاثة أيام أو سبعة (انظر الثعلبى والكسائى فى المواضع المذكورة) ودُحر نمروذ بينما سار إبراهيم وأتباعه إلى فلسطين وسمى منذ ذلك الحين، خليل الله، (الكسائى والثعلبى، يتبعان فى ذلك "أشعيا" 41، 8؛ وكتاب السبت 137؛ وكتاب الهدايا، 53) ولما كان فى مصر
أخذت زوجته الجميلة "سارة" إلى قصر فرعون (سفر التكوين، الإصحاح 12، الآية 10 - 20؛ الثعلبى، ص 44؛ الطبرى، جـ 1، ص 225، ابن الأثير، جـ 1، ص 72) فادعت أنه أخوها حتى لا يقتل بسببها، ولم تكن فى ذلك كاذبة لأنها اخته فى الدين. وما أن حاول فرعون مسها حتى شلت يده ولكنها برئت بعد أن أخلى سبيلها. وقد احتفر ابراهيم بئرًا عذبة فى مدينة "سبع " بفلسطين، ولما ضاق ذرعًا بالسكان اضطر إلى الهجرة من تلك المدينة فجفت البئر بعد رحيله (سفر التكوين، الإصحاح 21، الآيات 25 - 30؛ والثعلبى وابن الأثير فى المواضع المذكورة) فخف السكان فى أثره يرجون عودته ولكنه أبى ثم منحهم سبع نعاج (سفر التكوين، الإصحاج 16، الآية 30) توضع عند البئر فلا يلبث الماء ان يفيض من جديد. وشربت امراة حائض من هذه البئر فغاض ماؤها مرة أخرى. ولما بلغ العشرين بعد المائة اختتن (الثعلبى، ص 59). وتوفى فى الخامسة والسبعين بعد المائة ودفن فى مقبرة الأسرة فى حبرون.
وسوف يجلس إبراهيم عن يسار الله يوم الدين ويقود المتقين إلى الجنة (الثعلبى، ص 60؛ سفر التكوين الكبير، فصل 48).
المصادر:
(1)
الثعلبى: قصص الأنبياء، طبعة القاهرة سنة 1312 هـ، ص 43 - 47، 59 - 60.
(2)
الكسائى: قصص الأنبياء، ص 128 - 145، 153.
(3)
الطبرى: جـ 1، ص 220 - 225.
(4)
ابن الأثير، جـ 1، ص 67 - 98.
(5)
Biblische Legenden der Mu-: Weil Selman ص 78 - 79.
(6)
Beitrage: Grunbaum ص 122 - 130.
(7)
Abraham in der Arab،: Eisenberg Legende طبعة 1912.
(8)
Leben Abrahams: Weiss، برلين سنة 1913 (فى هذا الكتاب قطعة مقتطفة من كتاب الكسائى، ويظهر أن
المقتطف يرجع إلى عصر متأخر وهو يختلف فى كثير من نواحيه عن الأصل).
[ج. أيزنبرغ J. Eisenberg]
كان شيرنكر Leben und: Sprenger) Lehre des Mohammad جـ 2، ص 276 وما بعدها) أول من لاحظ أن شخصية إبراهيم كما فى القرآن مرت بأطوار قبل أن تصبح فى نهاية الأمر مؤسسة للكعبة. وجاء سنوك هرجرونى (Het Mekkaansche Feest، ص 20 وما بعدها) بعد ذلك بزمن فتوسع فى بسط هذه الدعوى فقال: إن إبراهيم فى أقدم ما
نزل من الوحى (الذاريات آية 24 وما بعدها، الحجر، آية 5 وما بعدها؛ الصافات، آية 81 وما بعدها؛ الأنعام، آية 74 وما بعدها؛ هود، آية 72 وما بعدها؛ مريم، آية 42 وما بعدها، الأنبياء، آية 52 وما بعدها؛ العنكبوت، آية 15 وما بعدها) هو رسول من الله أنذر قومه كما تنذر الرسل، ولم تُذكر لإسماعيل صلة به، والى جانب هذا يشار إلى أن الله لم يرسل من قبل إلى العرب نذيرًا (السجدة، آية 2؛ سبأ، آية 43، يس، آية 5) ولم يُذكر قط أن إبراهيم هو واضع البيت ولا أنه أول المسلمين.
أما السور المدنية فالأمر فيها على غير ذلك، فإبراهيم يُدعى حنيفا مسلمًا، وهو واضع ملة إبراهيم، رفع مع إسماعيل قواعد بيتها المحرم -الكعبة- (البقرة، آية 118 وما بعدها؛ آل عمران، آية 60، 84
…
الخ). وسر هذا الاختلاف أن محمدًا كان قد اعتمد على اليهود فى مكة فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطة عداء، فلم يكن له بد من أن يلتمس غيرهم ناصرًا؛ هناك هداه ذكاء مسدد إلى شأن جديد لأبى العرب- إبراهيم، وبذلك استطاع أن يخلص من يهودية عصره ليصل حبله بيهودية إبراهيم تلك اليهودية التى كانت ممهدة للإسلام. ولما أخذت مكة تشغل جل تفكير الرسول أصبح إبراهيم أيضًا المشيد لبيت هذه المدينة المقدس.
[فنسنك A.J. Wensinck]
تعليق على مادة "إبراهيم"
لم يقل واحد من المؤرخين سواء أكانوا مسلمين أم غيرهم إن النبى صلى
الله عليه وسلم استعان فى نشر دعوته باليهود بل قالوا إنهم كانوا من أشد المعارضين له والمؤلبين عليه فى مكة والمدينة معًا. وقد ورد ذلك فى القرآن نفسه فقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} .
ولم يكن عرب الجاهلية يمنحون كل ما عليه طابع يهودى أى اعتبار، بل الذي ورد أنهم كانوا يكرهون جوارهم ويقاتلونهم ليجلوهم عن مواطنهم التى اختاروها دارًا لهجرتهم.
وليس للقرآن الكريم أول من قال إن جد، العرب الإسماعيلية أو العدنانية إبراهيم: ولكن التوراة سبقت إلى ذلك إد قالت إن إبراهيم أسكن سريته هاجر "وابنها إسماعيل بلاد العرب فنشأ منهم العرب الإسماعيلية".
ولم يعتز الإسلام قط بالانتساب إلى يهودية إبراهيم، ولكنه نازع اليهود عقيدتهم في يهوديته فقال تعالى:"ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا" 68 آل عمران. وقال: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
وما كان الإسلام فى عهد من عهوده بحاجة إلى ممهد من اليهودية، لأن مذهب القرآن أن الإسلام كان الدين الأقدم الذى أوحاه الله للبشرية فحرفه رؤساء الأديان وأخرجوه عن صراطه، فكان الله يرسل المرسلين لتخليصه مما أدخل إليه حتى أرسل به محمد، صلى الله عليه وسلم فى آخر الزمان، فقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ (أى إلى الاتفاق على
هذا الأصل المشترك يين جميع الأديان توحيدًا لها) وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ (تحقيقًا لوحدة الأديان)، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ (أى لا محاجة ولا خصومة)، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا (على هذا الأصل الحق رفعا للخلاف من بين البشر) وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وهذه الآيات فى سورة الشورى المكية.
فالقرآن كما ترى يرتفع بالدين إلى أصله الأول على عهد نوح لا إبراهيم، ويصرح بأن إبراهيم تلا نوحًا فى القيام على هذا الأصل فهو تابع لا متبوع.
فإذا كان القرآن يصرح باتباع ملة إبراهيم فليس ذلك باعتبار أنه أول من أرسل بالإسلام، ولكن باعتبار أنه أبو فريق كبير من العرب تشويقًا لهم إلى اتباعه.
أما الكعبة فلم تكن هيكلا عجيب الصنع كالكرنك أو أنس الوجود، بعيدة الغور فى الفن والزخرف حتى تتنازعها الأمم، ولكنها كانت بناء ساذجًا مربعًا، والعرب تسمى كل بناء مربع بالكعبة، من الطراز الذى يبنيه الناس بأنفسهم وإن لم يكونوا بنائين ليجعلوه مصلى فهل يستبعد على إبراهيم، وكان نبيًا بإجماع الأمم، أن يبتنى له ولابنه بناءً من هذا الطراز يصليان فيه؟
وإذا ثبت أن إبراهيم أوصل ابنه إلى تلك البقعة من بلاد العرب، وقد ثبت بنص التوراة ذلك، فيكون من المتعين أن يتخذ له فيه بنية ساذجة يجعلها متعبدًا له على مثال الصوامع. ولم يتازع أحد إلى اليوم إبراهيم فى أنه بانى ذلك المصلى حتى يصح أن يقال إن محمدًا نسبه إليه تعظيمًا لشأنه. ولم تختص الكعبة وحدها بأنها بيت الله فكل المساجد بيوت لله عند المسلمين، وإنما عظمت الكعبة لأنها أول بيت لله وضع للناس ببكة.
ومما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتخذ بناء الكعبة أساسيًا من أسس دعوته أنه أمر أصحابه أن يولوا وجوههم فى صلاتهم بيت المقدس طوال مقامه بمكة.
ومما يثبت أن النبى لم يجعل معتمده فى الدعوة إلى الإسلام أنه دين إيراهيم ما يقوله شيرنكر وشنوك هرجرونى
نفساهما أنه لم يصرح بذلك إلا فى المدينة. فلو كان ما ادعياه صحيحًا لكان أولى بذلك أن يكون وهو بمكة بين قبائل كلها تعتزى إلى إبراهيم. أما وقد انتقل إلى المدينة وجميع أهلها من قبائل اليمن الذين لا ينتسبون إلى إبراهيم فلم يكن من ضروب الخلابة، لو كان محمد يعتمد عليها، أن يتذرع بهذا الموضوع لأنه ليس موضعه.
أما الأصل الذى اعتمد عليه الإسلام وجعله أساس دعوته فإنه دين أول المرسلين كما رأيت راميًا بذلك إلى رفع الخلافات من بين البشر ليقوموا على الوحدة معتمدين على العقل والعلم، وليستهدوا فى عقائدهم وشرائعهم على ما أقامه الله من أعلام الحق فى الكون نفسه لا على ما فى سيرة هذا أو ذاك من المرسلين، معلنًا إياهم أن كل إنسان مأخود بسيرته الشخصية، فقال تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
يتبين مما مر أن معتمد الإسلام لم يكن الاعتزاء إلى شخص معين أو قبيلة أو شعب، بل كان معتمده الحقائق الوجودية دون سواها. فقد قرر وحدة البشرية على اختلاف أصولها وبيئاتها وألوانها فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . ثم قرر أن هذه البشرية الموحدة يجب أن يكون دينها واحد، هو الدين الأقدم الذى أوحاه إلى أبى البشرية الثانى وهو نوح كما رأيت.
فهذا الدين يقوم على أصل طبيعى لا يختلف فيه البشر وهى الفطرة الإنسانية، وعلى أساسى العقل والعلم وهما ينبوع كل الترقيات الصورية والمعنوية، ولا ملتحد للإنسانية غيرهما فى أى مجال من مجالات نشاطها النفسى والعقلى إلى يوم القيامة.
محمد فريد وجدى،
تعليق آخر على مادة "إبراهيم"
1 -
الذى يعزوه كل من هرجرونى
وفنسنك -ومن على شاكلتها- ان يقولوا إن الاسلام فى مكة غير الاسلام فى المدينة بالنسبة لابراهيم عليه السلام.
فإن إبراهيم فى مكة أو فى القرآن المكى لم تكن له صلة بالعرب فليس أبا لهم، ولم يكن بانى البيت، ولا صلة له بإسماعيل ولا بالعرب.
2 -
إن النبى لما جاء إلى المدينة كان يحمل أكبر الآمال فى أن يؤمن به اليهود ويظاهروه على أمره فلما أخلفوه ما أمّله وكذّبوه أراد أن يتصل بهم عن طريق إبراهيم، وعبر عن ذلك "يهودية إبراهيم" وهم فى ذلك كله على ضلال مبين.
(أما عن الأول) فقد أخطأ خطأ ظاهرًا. فإنى ألاحظ أن المستشرق فنسنك يقول: لم تذكر فى السور المكية أية صلة لاسماعيل بإبراهيم، وذلك ترويجًا لفكرته التى يريد أن يصل إليها وهى: أن محمد، ظل بعيد، عن صلة العرب بإبراهيم واسماعيل إلى أن هاجر إلى المدينة، فبدت له فكرة هى أن يصل حبل العرب الذين هو منهم باليهود عن طريق إسماعيل وإبراهيم، مع أنه لا صلة بينهم وبين إبراهيم واسماعيل. وهذه الفكرة تهدم التوراة قبل أن تهدم القرآن، لأنها ذكرت صلة إبراهيم بإسماعيل وأنه جدّ عدة قبائل فى بلاد العرب. وحين عد السور المكية عمد إلى التى يذكر فيها إبراهيم مجردًا عن الصلة بإسماعيل والعرب؛ لذلك تخطى سورة إبراهيم وهى مكية وقد شهدت بعكس ما يقول، وآياتها شاهدة بان إبراهيم واسماعيل بنيا البيت، وأنهما كانا يدعوان الله تعالى بالهداية وأن يجنيه وبنيه عبادة الأصنام. وإبراهيم يذكر أنه أسكن من ذريته بواد غير ذى زرع عند بيت الله المحرم، ويدعو الله أن يرزقهم من الثمرات، ويحمد الله أن وهب له إسماعيل وإسحق. واقرءوا قوله تعالى فى سورة إبراهيم:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا
إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}.
ولا يمكن أن يمر بخاطرى أنه لم يعرف هذه الآيات ولم يلتفت إليها، بل أكبر اعتقادى أنه تخطاها عمدًا غاضا النظر عما تقضى به الأمانة فى سبيل تأييد نظريته.
(وأما عن الأمر الثانى) فإن النبى ما أمل أن يعتز باليهود، ولكن لما كانوا أهل توحيد ويجانبون الأصنام ويعادون أهلها، والنبى له ذكر عندهم فى كتبهم لم تزل آثاره إلى اليوم ناطقة تنادى عليهم بأنهم يكتمون ما أنزل الله -كان يتوقع أن يؤمنوا فلما جحدوا كانوا عنده بمثابة غيرهم فقط. ومعلوم أن القرآن يرفض أن يكون إبراهيم يهوديًا لأن اليهود هم أبناء إسرائيل، وإسرائيل إنما هو ولد إسحق، وغريب أن يكون المتقدم معزوا وتابعا لولد ولده الذى لم يره ولم يعاصره {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا} سورة آل عمران.
بقى أمر ثالث يعزوه هؤلاء المستشرقون: وهو أنهم ينكرون أن يكون إبراهيم أو إسماعيل رسولا إلى العرب مستندين إلى قوله تعالى {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وأشباهها إذ لو كان إبراهيم قد دعا العرب إلى دينه أو إسماعيل قد دعا العرب إلى دين إبراهيم لما صح ذلك القول.
والجواب على هذا: أن المفسرين يقولون إن معنى دلدُ أن الموجودين من هؤلاء القوم لم يباشرهم رسول يبلغهم دين الله ويهديهم إلى الدين الحق -فلا تناقض- لأن تبليغ إسماعيل أو إبراهيم إنما كان لآبائهم:
أما أنا فأجيب بأن العرب كان دين كثير منهم عبادة الأوثان وكانت لهم قرابين يقدمونها إليها، وقد سيبوا السوائب وبحروا البحائر ووصلوا الوصيلة، وسنوا لهم قواعد ما أنزل الله بها من سلطان. فجاء محمد لينذر هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم على دين، وأن الله قد أمرهم بما هم عليه، مع
أن الله ما أرسل إليهم نذيرا شرع لهم هذه الشرائع الباطلة، لأنهم كانوا إذا ظلموا أنفسهم بشرائعهم الباطلة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها. وقد ناقشهم الله فى ذلك ورد عليهم فى غير موضع من القرآن كقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ففى سورة الصافات بعد أن ذكر دعاوى الوثنيين بقوله {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ففى هذه الآيات من الإنباء عن السخط العظيم والانكار الفظيع لأقاويلهم والتضعيف لعقولهم واتهامهم مع الاستهزاء بهم. وفى قوله {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} أى الناطق بصحة دعواكم والأمر فيه للتعجيز وإضافة الكتاب إليهم للتهكم.
وفى قوله {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} إضراب إنتقالى من توبيخهم بما ذكر بتكليفهم مالا يدخل تحت الوجود أصلا، اى بل: ألكم حجة واضحة نزلت من السماء بأن الملائكة بناته تعالى ضرورة أن الحكم بذلك لابد له من سند حسى أو عقلى، وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلى وهو لا يوجد عندهم.
فالمعنى فى هذه الآيات معله فى قوله تعالى فى سورة الأحقاف {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ} تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلى بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلى، فهو من جملة القول أى إيتونى بكتاب إلهى كان {مِنْ قَبْلِ هَذَا} الكتاب أى القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أى بقية من علم بقيت عندكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، وهكذا كل آية وردت فى المعنى.
وتدل العبارة التى نقلها "فنسنك عن "هرجرونى) بفحواها على أن إبراهيم لم يذكر بأنه حنيف إلا فى السور المدنية. فهو خطأ أيضًا، لأنه ذكر بأنه