الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
Gilson E. فى Archives d،histoire doctrinale et du Moy- en-dge مجلد، 1، ص 35 - 44، وانظر له أيضا المجلد 2، ص 35 - 44، ولا سيما ص 89 إلى 151، وانظر له كذلك المجلد 3، ص 38 - 74.
(4)
De ENTe et Esseniia: R. GOsselin ص 51 - 85، ومواضع أخرى.
(5)
Th.Arnold Legacy Of Islam 1932، انظر فصلى الطب والفلسفة.
(6)
Fourlani انظر مقاله عن ابن سينا وذيكارت فس مجلة Islamica ليبسك سنة 1927، المجلد 3، ب 1، ص 53 - 72.
(7)
Crecas،Critique of Aristotle: Wolfson، كامبورديج سنة 1929، ص 101 - 110، ص 486 - 487، ص 682 - 686 وغير ذلك.
ابن طفيل
فيلسوف مغربى مشهور، وهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طُفْيل القَيسْى: من قبيلة قيس المعروفة. وكان يسمى كذلك الأندلسى والقرطبى أو الإشبيلى، وأطلق عليه علماء النصارى فى القرون الوسطى "أبو باسر" Abubacer وهو تحريف لأبى بكر، والراجح أن ابن طفيل ولد فى العقد الأول من القرن الثانى عشر الميلادى فى وادى اش على مسيرة أربعين ميلا شمالى غرب غرناطة، ولا نعرف شيئا عن أسرته أو تعليمه وليس من الصواب أن نقول، كما قال بعض المؤلفين، إنه كان تلميذ ابن باجة لأنه يقرر فى مقدمة قصته الفلسفية أنه لم يتعرف إلى هذا الفيسلوف، وقد مارس ابن طفيل فى أول أمره الطب فى غرناطة، ثم أصبح كاتب سر والى هذا الإقليم، وفى عام 549 هـ (1154 م) أصبح كاتب سر والى سبتة وطنجة، وهو ولد عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين، ثم أصبح أخيرا (558 - 580 هـ = 1163 - 1184 م) طبيب السلطان الموحدى أبى يعقوب يوسف، ويقال إنه وزر لهذا السلطان أيضا، ويرى ليون كوتييه Leon Gauthier أنه من المشكوك فيه أن ابن طفيل نال لقب
الوزارة، اذ لم يرد ذلك الا فى نص واحد، أضف الى ذلك أن البطرْوجى وهو أحد تلاميذه، لم يقرن اسَمه إلا بلفظ القاضى فقط (Thofail lbn: L.Gauthier ص 6). ومهما يكن من شئ فإن ابن طفيل كان دائما ذا تأثير كبير على هذا السلطان. وقد استغل هذا التأثير فى اجتذاب العلماء الى البلاط، مثال ذلك أنه قدم الشاب ابن رشد إلى السلطان. وقد وصف المؤرخ عبد الواحد المراكشى (للمعجب، طبعة دوزى، ص 174، 175، ترجمة فانيان Fagnan، ص 201 - 210) هذه المقابلة اعتماداً على رواية ابن رشد نفسه، تلك المقابلة التى أظهر فيها أمير المؤمنين دراية واسعة بالمسائل الفلسفية. كما أن ابن طفيل هو الذى حبب إلى ابن رشد -تلبية لرغبة الخليفة- شرح كتب أرسطو، ذكر ذلك أبو بكر بندود تلميذ ابن طفيل، وهو يقول أيضا:"وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له، وبلغنى أنه كان يقيم فى القصر عنده أياما ليلا ونهارا لا يظهر".
ولما طعن فيلسوفنا فى السن، حل ابن رشد محله فى الطبابة للخليفة عام 578 هـ، ـ ومع ذلك فقد ظل ابن طفيل محتفظا بمحبة الخليفة أبى يعقوب. وبعد وفاة هذا الخليفة عام 580 هـ، احتفظ بصداقة ولده أبى يوسف يعقوب. وتوفى ابن طفيل عام 581 هـ (1185 - 1186 م) بمراكش، وحضر الخليفة بنفسه جنازته.
وابن طفيل هو مؤلف القصة الفلسفية المعروفة "حى بن يقظان" التى تعد من أعجب كتب العصور الوسطى، وسنفصل الكلام عنها فيما بعد. ولا نعرف له غير هذه القصة الا القليل. فقد كتب رسالتين فى الطب، وكانت بينه وبين ابن رشد رسائل حول كتاب ابن رشد "الكليات".
ويظهر أنه كان لابن طفيل آراء مبتكرة فى علم الفلك، كما يفهم من أقوال البطروجى المنجم ومن كلام ابن رشد فى شروحه الوسطى على كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو (الكتاب الثانى عشر). وحاول البطروجى أن يجرح نظرية بطليموس الخاصة بفلك التدوير Epicycle وبالفلك الخارج المركز، ويقول فى مقدمته إنه يتبع فى ذلك آراء ابن طفيل.
وقصة "حى بن يقظان" الفلسفية التى نشرها بوكوك Pococke بعنوان Philosophus Autodidactues، تعرف ايضا باسم "أسرار الحكمة الإشراقية".وليست هذه الفلسفة فى حقيقتها سوى فلسفة المدرسة الأفلاطونية الجديدة فى أشد صورها صوفية (انظر مادة "الإشراقيون"). وقد عرض ابن طفيل فى كثير من المهارة هذه الفسلفة على مراحل متدرجة متخذا لذلك إنسانا قصصيا موهوبا قادرا على التفكير وجد منذ طفولته فى جزيرة مقفرة. وهناك استطاع بقوة عقله فقط أن يميط اللثام عن الفسلفة، وأسس لنفسه مذهب الأفلاطونية الجديدية فى صورته الإسلامية. وسمى ابن طفيل هذا الإنسان، وهو رمز للعقل، "حى بن يقظان" أى ابن الله، وتظهر فى نهاية هذه القصة شخصيتان هما: سلامان وأسال، لهما أيضا شأن رمزى فى هذه القصة.
وقد ظهرت فى المصنفات الفلسفية من قبل أسماء "حى" و"سلامان" و"أبسال ""أو أسال" اذ كتب ابن سينا ابن طفيل قصته المرموزة "حى بن يقظان" وهى القصة التى نالت شهرة كبيرة فى العصور الوسطى والتى قلده فيها ابن عزرا وينسب الجوزجانى إلى ابن سينا فيما أحصى له من كتب رسالة عن قصة سلامان وأبسال. وقد أثبت لصبر الدين الطوسى رواية لهذه القصة، كما جعلها الشاعر الفارسى المعروف "جامى" موضوعا لإحدى منظوماته المشهورة. ويخللف شأن سلامان وأبسال فى هذه المؤلفات المختلفة، ولكنه دائما رمزى، وهو يمثل بصفة عامة العقل فى نضاله مع العالم المادى. وسلامان فى آشعار جامى أمير يافع، أما أبسال فهى ظئره التى تصبح معشوقته فيما بعد. وأبسال أيضا امرأة فى إحدى القصص التى ذكرها نصير الدين الطوسى، كما أن سلامان وأبسال شقيقان فى قصة أخرى له، وهما عند ابن طفيل ملك ووزير، ويقال إن حنين بن إسحق قد نقل إحدى هذه القصص عن اليونانية. ومع ذلك فإن من المرجح كثيرا أن هذه
القصص كلها ترجع إلى أصل إسكندرى (1).
ونحن نلخص فيما يلى قصة ابن طفيل: بدأ المؤلف كتابه بمقدمة أعطانا فيها إلمامة طريفة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية. وهو يمتدح فى هذه المقدمة أسلافه من الفلاسفة وخاصة ابن سينا وابن باجة والغزالى. ثم يبين أن غرض الفلسفة -كما يرى متصوفة العصور الوسطى- هو الوصول إلى الاتحاد بالله، أعنى الوصول إلى حالة من البهجة والمكاشفة لا يعرف المرء فيها الحقيقة بطريق القياس العقلى، وإنما يعرفها بالحدس. ثم يأخذ بعد ذلك فى سرد قصته: ولد ولد من غير أب فى جزيرة مقفرة، أو قل إن أميرة من أميرات الجزائر المجاورة ألقت به فى اليم فحمله التيار إلى هذه الجزيرة، وهنا يناقش المؤلف بالتفصيل النظرية القائلة بامكان التولد الذاتى عن طريق تخمر الطين فى درجة حرارة معتدلة. ثم تولت ظبية إطعام الطفل وأصبحت أول معلميه، ولما شب الطفل قليلا لاحظ أنه عارى الجسد أعزل من السلاح على خلاف ما كان يلقاه من حيوان، فغطى جسده بأوراق الشجر وتسلح بعصا، وأدرك منذ تلك اللحظة فضل يديه، ولما أصبح صيادا تقدمت أساليبه الصناعية فاستعاض عن أوراق الشجر بلباس من جلد نسر. ولما أسنت الظبية التى ربته وأصابها المرض أهمه ذلك، وأخذ يبحث عن سبب مالحقها من آفة. وشرع لهذا فى دراسة نفسه حتى تنبه إلى ما عنده من حواس. وظن أن الآفة قد تكون فى صدر الظبية، فرأى أن يشق بين أضلاعها بحجر حاد، وعرف من هذه التجربة القلب والرئتين. كما أعطته أول
(1) تشبه قصة حى بن يقظان فى جوهرها كتاب بيمندريس (أى راعى الناس) المنسوب إلى هرمس وهو محاورة امتزج فيها المذهب الافلاطونى باعتقادات قدماء المصريين، دارت بين العقل الالهى الذى يتمثل فى صورة شبح بهى المنظر وبين تلميذه هرمس إله الحكمة، وتناولت الكلام فى ذات الاله وكيفية الخلق وفيض الاشراق الالهى على الانسان. وقد عرف العرب هذا الكتاب وأشار إليه القفطى فى تاريخ الحكماء.
والغاية التى رمى اليها ابن طفيل من كتابه حى بن يقظان هى شرح بعض المسائل الفلسفية فى أسلوب قصصى كالكلام فى الله، وصدور الكون. ونظرية المعرفة، والفلسفة الطبيعية وغير ذلك من المسائل التى نهج فيها ابن طفيل نهج من تقدمه من فلاسفة الإسلام كالفارابى وابن سينا. وقد انتهى الى تقرير التوفيق بين الفلسفة والدين وإن العقل والوحى سبيلان للمعرفة الصحيحة. غير أن الفلسفة ينبغى أن يترك امرها إلى الخاصة دون العامة من الناس، وقد رمز الى ذلك فى قصته بعجز الملك سلامان عن فهم ما وصل اليه حى بن يقظان عن طريق العقل وإن كان قد ادركه عن طريق الدين.
عباس محمود
فكرة عن شئ خفى قد فارق الجسد. وهو الذى يكون الذات أكثر من الجسد. ولما بدأ الفساد يدب فى جسد الظبية، عرف حى من الغربان كيف يواريه التراب.
واكتشف "حى" النار صدفة، إذ انقدحت نار فى أجمة من احتكاك أغصانها، فأتى بقبس منها إلى مأواه وعمل على ابقائه مشتعلا. وقد جعله هذا الكشف يفكر فى أمر هذه النار وفى الحرارة الحيوانية التى أحس بها فى ألأحياء، فأخذ فى تشريح حيوانات أخرى. ولم يقف تفتنه عند هذا الحد، بل اكتسى بجلود الحيوانات وتعلم غزل الصوف والقنب وصنع الإبر، واهتدى إلى البناء بما رأى من فعل الخطاطيف، واستعان بجوارح الطير فى الصيد له، وانتفع ببيض الدواجن وصياصى البقر. إلخ. وهذا الجزء من القصة دائرة معارف شائقة للغاية مرتبة ترتيبا يشهد لمؤلفها بالبراعة والحذق.
وتطورت معارف حى بن يقظان حتى أصبحت فلسفة. فبعد أن درس النبات والمعادن وخواصها ووظائف أعضاء الحيوان أخذ يصنفها فى أجناس ابن طفيل وأنواع، فقسم الأجسام إلى خفيفة وثفيلة، وعاد إلى درس الروح الحيوانى الذى رآه فى القلب، ثم توصل إلى فكرة النفس الحيوانية والنفس النباتية، وقد بدت له الأجسام صورا تصدر عنها أفعال، فأخذ يبحث عن عناصرها الأولية حتى اهتدى إلى العناصر الأربعة.
ولما فحص فى الطين توصل إلى فكرة الهيولى وتراءت له الأجسام على أنها هيولى فى صور مختلفة. وشاهد تبخر الماء فتنبه إلى فكرة تحول الصور بعضها إلى بعض، وعرف أن كل ما يوجد لابد له من علة فاعلة. وهكذا ارتقى إلى فكرة فاعل لهذه الصور بوجه عام. وقد بحث عنه أولا فى الطبيعة ولكنه وجد أن جميع ما فيها عرضة للتحول والفساد، فاتجه بنظره حينئذ إلى الأجرام السماوية.
وانتهى حى إلى هذا النظر على "رأس أربعة أسابيع من منشئه" أى عندما بلغ ثمانية وعشرين عاما من عمره. وبدأ منذ ذلك الحين يتأمل السماء. وتساءل: أهى ممتدة إلى غير
نهاية؟ ولكنه عرف بطلان هذا الرأى فتصورها كروية. ولاحظ ضرورة وجود أفلاك خاصة بالقمر وغيره من الكواكب، وتخيل السماء حيوانا كبيرا، كما أدرك وجوب اعتبار فاعل الكل غير جسم، واعتبار محرك هذا العالم خارجا عنه إذا كان قديما. ثم أخذ يمعن النظر فى فكرة الله، فتوصل إلى استنتاج صفاته من النظر فى صفات الكائنات الطبيعية. فالله-كما بدا له- قادر عاقل عليم رحيم .. إلخ. ولما عاد إلى تأمل نفسه انتهى إلى أنها غير فانية، واستنتج من ذلك أن لذته لابد أن تكون فى مشاهدته للموجود الكامل. والوصول إلى هذه اللذة لا يتأتى إلا بمحاكاة الجواهر السماوية، أى بأن يأخذ نفسه بالرياضة والمجاهدة.
وعند ذلك انقطع حى إلى حياة كلها تأمل حتى بلغ "رأس سبعة أسابيع من منشئه" أى تسعة وأربعين عاما. وعند ذلك هبط "أسال" من جزيرة مجاورة، وهو رجل شديد الإيمان بدين منزل. وما إن تفاهم الرجلان، حى وأسال، حتى أدركا أن ذلك الدين إن هو إلا عين العقيدة الفلسفية التى انتهى إليها حى. ووجد أسال فى تلك الفسلفة التى تعلمها على هذا الرجل الناسك، تفسيرا ساميا لدينه وللأديان المنزلة بوجه عام، وتمكن أخيرا من إقناع حى باصطحابه إلى الجزيرة المجاورة ليبسط فلسفته لملكها "سلامان" الذى كان أسال وزيره وخليصه. ولكن فلسفته لم تفهم هناك رغم ما بذله من جهود ذهبت أدراج الرياح. فرجع حى وأسال إلى الجزيرة المقفرة ووهبا حياتهما للتأمل الخالص، بينما ظل الناس يعيشون بالرموز والصور الخيالية.
وهكذا تحدد هذه الأسطورة العجيبة فى وضوح موقف الفلسفة الصوفية من الدين.
وقد كلف المسلمون كلفا شديدا بهذه القصة، ونقلت إلى لغات عدة، كما نقلها
إلى العبرية وشرحها موسى النَّرْبُونى عام 1349، وقد امتدحها الفيلسوف
ليبنتز، وكان قد قرأ طبعة يوكوك Pococke لهذه القصة.