الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناشر بمخطوطات هذا الكتاب الأربعة الموجودة بمكتبة المتحف البريطانى بلندن رقم 520 والمكتبة الأهلية بباريس رقم 1686، 1687، ومكتبة المعهد العلمى بليون رقم 962 وهذا المخطوط الأخير ناقص خال من أسماء الرواة الذين روى عنهم المؤلف وقد جاء تورى Charles C. Torrey فنشر كتاب "فتوح مصر" بمدينة ليدن عام 1920 م وأودعه ما نشره هنرى ماسيه فى كتاب فتوح مصر الذى نشره عام 1914 م. وقد صدر تورى كتاب فتوح مصر بمقدمة تقع فى 24 صفحة. ثم نشر أخبار مصر قبل الفتح فى 44 صفحة وأخبار الفتح من صفحة 45 إلى صفحة 183 (وهو نفس ما نشره هنرى ماسيه) ثم زاد عليه أخبار فتح إفريقية (صفحة 182 - 225) وفتح الأندلس (ص 204 - 225) وختم هذا الكتاب بما كتبه ابن عبد الحكم عن قضاة مصر ويقع بين صفحتى 126 - 319.
وقد روى عن ابن عبد الحكم من جاء بعده من مؤرخى مصر الإسلامية نخص بالذكر منهم الكنْدى المتوفى سنة 350 هـ وابن زُولاق المتوفى سنة 357 هـ والقُضَاعى المتوفى سنة 454 وابن دُقْماق المتوفى سنة 809 هـ والمقريزى المتوفى سنة 845 هـ وأبا المحاسن المتوفى سنة 874 هـ والسيوطى المتوفى سنة 910 هـ وابن إياس المتوفى سنة 930 هـ حتى أصبحوا عالة عليه يأخذون عنه من غير نقد أو تعليق.
حسن إبراهيم حسن
ابن (الـ) العربى
أبو بكر محمد بن على محيى الدين، الحاتمي الطائى (من نسل حاتم الطائى) الأندلسى: متصوف مشهور من أنصار مذهب وحدة الوجود، أطلق عليه أتباعه "الشيخ الأكبر" وكان يعرف فى الأندلس باسم "ابن سراقة" أما فى المشرق فكان يعرف بابن عربى من غير أداة التعريف تمييزا له عن القاضى أبى بكر بن العربى. ولد فى السابع عشر من رمضان عام 560 هـ (28 يولية
1165) بمُرْسية ورحل عام 568 هـ (1172 - 1173 م) إلى إشبيلية واستقر
بها حوالى ثلاثين عاما متوالية. ودرس الحديث والفقه فى هذه المدينة ثم فى سبتة، وزار تونس عام 590 هـ (1194 م). وفى عام 598 هـ (1201 - 1202 م) نزح الى المشرق ولم يعد منه إلى وطنه، ووصل إلى مكة فى نفس هذا العام، وقضى اثنى عشر يومامن عام 601 هـ فى مدينة بغداد التى زارها كذلك عام 608 هـ (1211 - 1212 م) ثم قفل راجعا إلى مكة بعد ذلك بثلاثة أعوام (611 هـ = 1214 - 1215 م) ومكث فيها عدة اشهر، ولكننا نجده بمدينة حلب فى بداية العام التالى. ثم زار المَوْصل وآسية الصغرى. وكانت شهرته تسبقَه إلى كل مكان يحل فيه: فيجرى عليه ذوو اليسار معاشا كبيرا كان يصرفه فى أعمال البر، وفى أثناء إقامته بآسية الصغرى أهداه أميرها النصرانى بيتا، لم يقبله إلا ليهبه لأحد السائلين. واستقرأ خيرا بدمشق، وتوفى بها فى ربيع الثانى عام 638 اكتوبر 1240 ودفن بسفح جبل قاسيُون، ودفن فى هذا المكان ابناه بعد ذلك
أما فيما يختص بأصول الفقه، فقد كان ابن عربى فيما يظهر من أنصار مواطنه ابن حزم ومذهبه الظاهرى (انظر مادة "ابن حزم"، وانظر Die zahuuen: Goldziher ص 185 وما بعدها) ولكنه أبطل "التقليد". أما فيما يختص بالعقائد الدينية فقد كان "باطنا". وابن عربى مع قيامه بفرائض الإسلام وتمسكه بعقائده، كان رائده الوحيد هو ذلك النور الباطنى الذى أفاضه الله عليه على ما كان يعتقد. وذهب بن عربى إلى أن الوجود كله واحد، وأنه ليس إلا مظهرا للذات الإلهية. وعلى ذلك فالأديان المختلفة كانت فى نظره متكافئة. ورغم أنه رأى النبى الأكرم، وعرف اسم الله الأعظم، وعرف الكيمياء بالمكاشفة لا بالتحصيل. واتهمه الناس بالزندقة، وحاولوا اغتياله فى مصر.
أما أهم تصانيفه وهو "الفتوحات المكية" الذى اختصره فيما بعد الشَعْرانى المتوفى عام 973 هـ فهو يجمع شتات العلوم الصوفية فى خمسمائة وستين بابا، وقد أعطانا فى الباب التاسع والخمسين بعد
الخمسمائة خلاصة للكتاب كله. ولما طلب ابن عربى الى معاصره ابن الفارض المتوفى عام 632 هـ أن يكتب شرحا على"تائيته" أجاب هذا بأنه لايعرف لها شرحا أفضل من كتاب الفتوحات نفسه، وقد كلف كثير من مشاهير الرجال بهذا الكتاب، وطبع ببولاق عام 1274 هـ والقاهرة 1329 هـ، ويلى هذا الكتاب أهمية مصنفه "فصوص الحكم" الذى فرغ من تأليفه فى دمشق فى أوائل عام 627 هـ (آخر عام 1226 م). وقد طبع مع شرح باللغة التركية فى بولاق عام 252 اهـ، كما طبع طبعة حجرية مع شرح عبد الرزاق القاشانى بالقاهرة عامى 1309، 1321 هـ. وتعرف ابن عربى أثناء إقامته بمكة عام 598 هـ (1201 - 1202 م) بامرأة عالمة من للك المدينة. ولا عاد إلى مكة عام 611 هـ (1214 - 1215 م) نظم مجموعة صغيرة من الأشعار الغزلية، أشاد فيها بعلم هذه المرأة وجمالها الفتان وما كان بينه وبينها من حب. وفى العام التالى رأى أنه من المفيد أن يتبع أشعاره بشرح صوفى. وقد نشر هذه الأشعار وشرحها وترجمها الى اللغة الإنكليزية نيكلسون- R.A.Nichol: The Tarjuman al-Ashwaq Colletion son of Mystica Odes. Or. Transl، Fund. السلسلة الجديدة، المجلد 20، لندن عام 1911) وهذه الأشعار هى الأثر الوحيد الذى نشر لابن عربى فى أوروبا، إذا استثنينا قاموسا فى اصطلاحات الصوفية (نشر فى ذيل كتاب "التعريفات" للجرجانى، طبعة فولكل Flugel عام 1845) ورسالة مختصرة عنوانها "كتاب الأجوبة" تنسب إليه فى مخطوط بكلاسكو. وقد نشرت الترجمة الإنكليزية لهذه الرسالة فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية عام 1901.
ونشر له إلى جانب ذلك كتاب، محاضرة الأبرار" وهو فى الأدب والتاريخ (القاهرة عام 1282، 1305 هـ، وديوان فى الأشعار الصوفيه بولاق عام 1271 هـ بومباى عام 1890 م) وتفسير للقرآن (بولاق عام 1287، القاهرة 1317 هـ) و"كتاب الأخلاق" طبع فى القاهرة طبعة غير مؤرخة (محاسن أخلاق؟ وهو ترجمة تركية لأحمد مختار، إستانبول 1314 هـ) وكتاب "الأمر
المحكم "نشر بإستانبول مع ترجمة تركية عام 1315 هـ، وكتاب "تحفة السَفَرْة إلى حضرة البَرَرَة) (الآستانة عام 1300 هـ) ونشرت الترجمة التركية باستانبول عام 1303 هـ، وكتاب "مجموع الرسائل الإلهية"(القاهرة عام 1325 هـ) وكتاب "مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم"(القاهرة عام 1325 هـ). ويبلغ ما بقى لنا من تواليفه مائة وخمسين كتابا، ويظهر أن هذا العدد ليس إلا نصف ما ألفه ابن العربى فى الواقع.
ولقد هاجت مؤلفات ابن العربى الفقهاء فاتهموه بنشر مذاهب الزنادقة كمذهب "الحلول" ومذهب "الاتحاد"ومع ذلك فقد تشيع له الكثيرون ودافعوا عن آرائه فى حماسة. فبينما كان يرميه بالزندقة ابن تيمية والتفتازانى وإبراهيم بن عمر البقاعى، انتصر له عبد الرزاق القاشانى والفيروز آبادى (انظر حبيب الزيات، خزائن الكتب فى دمشق وضواحيها ص 50، رقم 20، 2) والسيوطى.
المصادر:
(1)
سبط بن الجَوْزى: المرآة (طبعة جوت Jewett) ص 487.
(2)
الشَعْرانى: اليواقيت والجواهر، القاهرة عام 1306 هـ، ص 6 - 14.
(3)
المَقَّرى، طبعة دوزى الخ، جـ 1، ص 567 - 583.
(4)
خاتمة الفتوحات، طبعة بولاق سنة 1274 هـ، جـ 4.
(5)
حاجى خليفة، الفهرست، جـ 7، ص 1171.
(6)
Litteraturgeschichte: Purgstell Hammer d. Araber جـ 7 ص 422 وما بعدها.
(7)
Gesch.d.herrsch. Ideen: Von Kremer des Islams، ص 120 وما بعدها.
(8)
The Lives of Umar: R.A. Nicholson Ibnu،L-Farid and Ibnu،L-Arabi في مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، عام 1906، ص 197 وما بعدها.
(9)
الكاتب نفسه: ALiterary history of the Arabs، ص 399 وما بعدها
(10)
وله أيضا The Tarjuman al- Ashwaq، لندن عام 1911.
(11)
وله كذلك: The Mystics of Islam، لندن عام 1914، انظر الفهرست.
(12)
Beitr. Z.Gesch. d.: M. Shreiner Theol. Bewegungen in Islam فى Zeitsch. d. Deutsch Mor. GE 4 SEll. المجلد 52، ص 516 - 525 (وانظر ص 52 وما بعدها من المقالة نفسها وهى منفصلة)
(13)
La psicologia segun: Asin Palacios Mohidin Aben Arabi فى أعمال مؤتمر المستشرقين السادس عشر، الجزائر عام 1905، جـ 3، ص 79 - 150.
(14)
vorlesungen: Goldziher ص 171 وما بعدها. وانظر الفهرس.
(15)
Muslim theology: Macdonald، ص 261 وما بعدها.
(16)
Gesch. etc.: Brockelmann، جـ 1، ص 441 وما بعدها، وانظر المصادر المذكورق فى هذا الكتاب.
[فاير T.H.Weir]
تعليق على مادة ابن (الـ) عربى
قد أثار مذهب ابن العربى اختلافا كبيرا فى آراء المسلمين فى عقيدته وكثر محبوه والمعجبون به كما كثر الناقمون عليه ووصفت عقيدته بأعظم المتناقضات فسماه قوم قطب الله ووليه والعارف بالله كما نعته آخرون بأنه أكبر زنديق وأدنا مشرك. وكان من أشهر المعجبين به مجد الدين الفيروزآبادى الذى كتب كتابا يدافع فيه عنه ردا على رضى الدين بن الخياط الذى كتب عن عقيدته ورماه بالكفر. ومنهم سراج الدين المخزومى الذى ألف كتابا سماه "كشف الغطاء عن أسرار محيى الدين" وكمال الدين الزملكانى وقطب الدين الحموى وصلاح الدين الصفدى وشهاب الدين عمر السهروردى ومؤيد الدين الخجندى وكمال الدين الكاشى وفخر الدين الرازى ومحمد المغربى أستاذ الجلال السيوطى وبدر الدين بن جماعة وسراج الدين البلقينى وتقى الدين السبكى والجلال السيوطى الذى ألف كتابا فى الدفاع عنه سماه (تنبيه الغبى
فى تبرئة ابن العربى) وابن كمال باشا وعبد الرازق القاشانى وغيرهم. وكان من أشهر الناقمين عليه ابن الخياط الآنف الذكر والحافظ الذهبى. ومن ألد أعدائه وأعداء الصوفية على الإطلاق ابن تيمية وابن إياس صاحب تاريخ مصر والتفتازانى وعلى القارى والإمام جمال الدين محمد بن نور الدين الذى ذكره فى كتابه "كشف الظلمة عن هذه الأمة" وكثيرون غيرهم.
أما مذهبه فوحدة الوجود Pantheism وليس من الإسلام فى قليل أو كثير لأنه يرى أن الوجود حقيقة واحدة ويعد التعدد والكثرة أمرا قضت به الحواس الظاهرة والعقل الإنسانى القاصر عن أن يدرك الوحدة الذاتية للأشياء أو يدرك الهجموع كمجموع. ويتلخص مذهبه فى عبارته القصيرة الواردة فى الفتوحات (جـ 2، ص 604) وهى "سبحان من خلق الأشياء وهو عينها" فانه يقرر فيها وجود الأشياء ووجود خالق لها كما يقرر الوحدة الذاتية أو العينية للاثنين. الخالق والمخلوق، وفى البيتين الآتيين الواردين فى الفصوص (139) إشارة إلى هذا المعنى وهما:
يا خالق الأشياء فى نفسه
…
أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهى كونه
…
فيك فانك الضيق الواسع
فلا فرق فى نظره بين الواحد والكثير أو الحق والخلق إلا بالاعتبار والنظر العقلى- أما العارف فيدرك بطريق الذوق وحدتها- وعلى هذا فمذهبه واحدى Monistic لا ثنوى- Du atistic إلا إذا اعتبرنا الثنوية فى الصفات لاغير لأنه كثيرا ما يصف الحقيقة الوجودية الواحدة بالمتقابلات أمثال الحق والخلق والباطن والظاهر والأول والآخر والمشبه والمنزه وأمثال ذلك: أما الحقيقة فى ذاتها فواحدة لاتقبل كثرة ما. ويظهر أن مذهبه هذا مستند إلى مذهب الأشاعرة فى الجوهر والأعراض، فالذات الإلهية أو العين الواحدة التى هى أصل كل شئ تقابل الجوهر عند الأشاعرة، والمجالى المختلفة التى تظهر فيها هذه الذات تقابل الأعراض والأحوال عندهم. واختلاف الأعراض على الجوهر الواحد وعدم استقرارها عند الأشاعرة يقابل ما يسميه ابن العربى "بالخلق الجديد"
وهو ظهور الذات الإلهية فى صور الموجودات المختلفة فى كل لحظة فى ثوب جديد، والفرق بين مذهبه ومذهبهم ينحصر فى أن ما يسميه الأشاعرة جوهرا يسميه ابن العربى ذاتا إلهية وحقيقة مطلقة وحقا وباطنا، وما يسمونه أعراضا وأحوالا يسميه هو الخلق والعالم الظاهرى وعالم الحس وغير ذلك.
ولا يحاول ابن العربى أن يقيم الدليل على وجود الحق ولا على وحدة الحق والخلق. أما وجود الحق فغنى فى نظره عن البرهان لأن الحق ظاهر بصور جميع الموجودات ولاشئ أظهر من الوجود ولا أعرف منه. وأما وحدته مع الحق فليست مما يقوم عليه الدليل المنطقى، بل طريق إدراكها الذوق لاغير، لذلك لايبالغ ابن العربى فى إظهار عجز العقل عن إدراك الحقائق، ويصف لنا القلب وأسراره والذوق وإدراكه، وهذا الجزء من فلسفته يشرح نظرياته فى المعرفة وفى ماهية النفس. وقد أداه قوله بوحدة الوجود إلى قوله بوحدة الأديان لا فرق بين سماويها وغير سماويها إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلى فى صورهم وصور جميع المعبودات، والغاية الحقيقية من عبادة العبد لربه هى التحقق من وحدته الذاتية معه، وإنما الباطل من العبادة أن يقصر العبد ربه على مجلى واحد دون غيره ويسميه إلها.
ولم تمنع هذه العقيدة ابن العربى -كما لم تمنع اسبنوزا من بعده- من أن يشعر شعورا دينيا عميقا إزاء تلك الحقيقة الكلية الشاملة للكون وجميع مافيه، ولكنه شعور من يوقن بافتقاره إلى ربه افتقار ممكن الوجود إلى واجب الوجود وافتقار الصورة إلى الهيولى المقومة لها، فهو وإن اعتبر الحق والخلق شيئا واحدا لا يزال يعشق ذلك الحق ويعبده لاعبادة توسل وتضرع بل عبادة يتحقق فيها من تلك الوحدة الذاتية التى بينه وبين الحق، فهى بمعنى من معانيها عبادة الضعيف للقوى والفقير للغنى، وهذا النوع من العاطفة الدينية يميز ابن العربى وأمثاله عن غيرهم من اتباع مذهب وحدة
الوجود الذين تقرب عقيدتهم من المادية المحضة. هكذا غير ابن العربى عقيدة التوحيد الإسلامى من لا إله إلا الله ولا معبود بحق إلا الله، إلى مذهب فى وحدة الوجود يقرر أن ليس فى الوجود على الحيققة الا الله ولا معبود فى الواقع غير الله.
هذان عنصران من العناصر التى يتألف منها مذهبه. وهناك عنصر ثالث يظهر تأثره فيه بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة بوجه خاص وذلك فيما يسميه "يالتجليات" ولكن من الخطأ القول بأن التجليات التى يتكلم عنها ابن العربى هى الفيوضات التى يتكلم عنها أفلوطين - فأنه بالرغم من أنه يذكر الطفل الأول والنفس الكلية والطبيعة والجسم الكلى وغيرها من الألفاظ التى يطلقها أفلوطين على فيوضاته لايعنى بها هو سوى أسماء مختلفه لمسمى واحد هو الحقيقة الوجودية المطلقة الآنفة الذكر. ولا يعتبرها أسماء لموجودات مختلفة متمايزة كما يفعل أفلوطين، أى أن التجليات عنده مسائل اعتباريه محضة، فاذا اعتبرنا الواحد مجردا عن العلاقات والنسب وعن كل ما من شأنه أن يحده أو يقيده قلنا إنه تجلى فى صورة الأحدية أو فى العماء، وإذا نظرنا إليه من حيث علاقته بما هو ممكن الوجود من الكائنات قلنا إنه تجلى فى مرتبة الألوهية أو مرتبة الوحداينة أو فى مقام الجمع أو مرتبة الأعيان الثابتة. وإذا نظرنا إليه من حيث كونه عقلا كليا يحتوى جميع صور الموجودات قلنا إنه تجلى فى صورة العقل الأول فى الاسم الباطل أو فى الغيب أو فى صورة حقيقة الحقائق. وإذا نظرنا إليه من حيث أنه مبدأ الحياة فى الكون قلنا إنه تجلى فى صورة النفس الكلية، أو من حيث ظهوره بالفعل فى صورة الكائنات قلنا إنه تجلى فى صور أعيان الموجودات أو الجسم الكلى أو فى الاسم الظاهر، أو من حيث كونه جوهرا يتقبل جميع صور الكون قلنا إنه تجلى فى صورة الهيولى أو للكتاب المسطور وهكذا بهذه الطريقة يشرح ابن العربى ما يسميه "بالتجليات" ويضعها موضع فيوضات أفلوطين مؤولا هذه الفيوضات بما يلائم مذهبه الخاص واضعا
اصطلاحات جديدة لها مستمدة من القرآن أو غيره زائدا عليها عناصر جديدة من فلسفة أنباذ قليس وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.
فالتشابه إذن بين مذهبه ومذهب أفلوطين صورى أكثر منه حقيقى وهو أقرب إلى المذهب العقلى المطلق Absolute idealism الذى يعتنقه هيجل. ومع هذا فلا ينبغى أن نفهم من لفظة الفيض ولفظة الواحد والكثرة وما أشبهها من الألفاظ التى يستعملهما ابن العربى أى معنى يفسد مفهوم الوحدة فى الواحد أو يكثر وجوده أو يجعل أى وجود غيره وجودا ذاتيا مستقلا، فان الوجود فى نظره حركة مستديرة تنتهى إلى حيث تبتدئ، أما الوجود فى المذهب الأفلاطونى الجديد فحركة فى خط مستقيم لا يلحق آخره بأوله.
ولابن العربى نظرية خاصة فى الكلمة Logos يمكن أن يقال إنها أول نظرية من نوعها فى الاسلام وعنها أخذ كل من أتى بعده من الفلاسفة والمتصوفين الإسلاميين الذين خاضوا فى هذا الموضوع وخاصة عبد الكريم الجيلى فى كتابه "الإنسان الكامل" وتوجد عناصر هذه النظرية مشتتة فى كثير من مؤلفاته ولكنها فى جملتها تكون موضوع كتابى الفصوص والتدبيرات الإلهية، وهو يبحث فى الكلمة من ثلاث نواح: الناحية الميتافيزيقية وفيها يستعمل الكلمة كمرأدف للعقل الأول أو العقل الكلى ويسميها حقيقة الحقائق، ورأيه فى هذا أقرب إلى رأى الرواقيين فى العقل الكلى المنبث فى جميع أنحاء الكون: أى أنه يقصد بها العقل الإلهى الذى هو مبدأ الحياة والوجود فى الكون. ثانيا: الناحية الصوفية، وهنا يسمى ابن العربى الكلمة بالقطب وبروح الخاتم وبالحقيقة المحمدية ويقصد بها المنبع الذى يستمد منه كل علم إلهى وكل وحى وإلهمام وعلم باطن ولا يعنى بالحقيقة المحمدية محمدا الرسول بل الكلمة الكلية الجامعة الظاهرة بصور الأنبياء من لدن آدم، أو الواسطة فى نقل العلم الإلهى إلى قلوب الكلِم (جمع كلمة ويقصدوت بها الأنبياء والأولياء وأفراد الإنسان الكامل) بحسب ما فيها من الاستعدادات وما جبلت عليه أعيانها
وبحسب الأسماء الإلهية التى تؤثر فيها. ثالثا: الناحية الإنسانية، وفيها يبحث ابن العربى عن الكلمة ممثلة صورة الإنسان الكامل، وهو يعنى بالإنسان الكامل الإنسان الذى تحقق فيه الوجود بكل معانيه، ولذلك يصفه بأنه الكون الجامع والعالم الصغير الذى تتجلى فيه الجمعية الإلهية التى استحق من أجلها أن يسمى خليفة الله وصورته وروح العالم وعلته. وهذا الإنسان الكامل بالنسبة لحقيقة الحقائق بمثابة الظاهر من الباطن، فلا يتجلى الله فى كامل صفاته إلا فيه ولا يعرفه حق معرفته إلا هو. و"الإنسان الكامل" اسم عام يطلق على كل الأناسى الكاملين الذين تحققت بوجودهم كل معانى الوجود وأخص هؤلاء الأنبياء والأولياء.
وعلى هذا "فالكلمة" فى نظرية ابن العربى هى العقل الالهى السارى فى جميع الكون أو العالم العقلى الشامل لجميع الأعيان الثابتة للوجودات فهى لهذا مبدأ الحياة والتدبير، ومبدأ المعرفة الحقيقية والعلم الباطن، أو هى تجلى الواحد الحق فى ثلاث صور: صورة حقيقة الحقائق وصورة الحقيقة المحمدية وصورة الإنسان الكامل والكل فى نهاية مذهبه واحد.
المصادر:
(1)
المناوى: أخبار الصوفية.
(2)
الشعرانى: طبقات الصوفية.
(3)
فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء.
(4)
جامى: نفحات الأنس.
(5)
palacios Asin فى Aben Masarra وفى Islam in the Divine Comedy
(6)
Studies in a Islamic: Nicholson Mysticism ص 149 - 161.
(7)
وانظر له أيضا: Idea of personality in Sufism، وهى ثلاث محاضرات ألقاها بجامعة لندن عام 1928.
(8)
وله كذلك- The Lives Of Umar ibnu،l Farid and ibnu،l Arabi، مجلة الجمعية الملكية الأسيوية، أكتوبر 1906.
(9)
وانظر المقدمة التى صدر بها Nyberg الكتب الثلاثة التى نشرها لابن العربى بعنوان Kliener Schrif- ten des Ibnu،l -Arabi، 1919.