الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم بك
من أبرز أمراء المماليك الأواخر فى مصر. كان رقيقًا جركسيًا، جلب إلى مصر فاشتراه محمد أبو الذهب المملوك المقرب إلى على بك الكبير. وأعتقه سيده، وزوجه أخته (انظر ما قاله الجبرتى فى حوادث 4 ربيع الثانى عام 1216). وفى عام 1182 هـ (1767 - 1768 م) عُين إبراهيم أحد البكوات الأربعة والعشرين، وأقيم فى عام 1186 هـ أميرًا للحج وقاد قافلة الحجاج المصريين إلى مكة. ولما عاد منها، كان النضال القائم بين محمد أبى الذهب وعلى بك الكبير قد انتهى بفوز على بك. ولا شك أن نفوذ إبراهيم قد ازداد زيادة كبيرة خلال السنوات القلائل التى قام فيها بالحكم صهره أبو الذهب. وفى عام 1187 هـ أصبح إبراهيم دفتردارًا وبقى فى القاهرة شيخا للبلد أثناء حملة محمد أبى الذهب على الشام سنة 1189 هـ، ولما مات أبو الذهب فى عكا، ورث إبراهيم، بصفته أقرب أقربائه، ثروته العظيمة ونفوذه الكبير. واقتسم إبراهيم حكم مصر مع مراد بك، وهو أمير آخر من بيت محمد أبى الذهب انتخبته الجنود قائدًا لها، فصار إبراهيم شيخا للبلد (عمدة القاهرة) يقوم بالشئون الإدارية، على حين كان مراد يقوم على شئون الجيش. ويدل عدد مماليكهما على ما كان للاثنين من مركز غلاب. وقد ذكر "فولنى" Volney الذى كان فى مصر عام 1783 م أن إبراهيم بك كان يملك ستمائة مملوك، وكان مراد بك يملك أربعمائة مملوك، على حين أن غيرهما من البكوات كان يملك ما بين خمسين مملوكا ومائتى مملوك، وكان معظم الفضل فى بقائهما مشتركين فى الحكم راجعا فى الحق إلى تسامح إبراهيم وحبه للمسالمة. والراجح أنه كان يعامل مراد بك المتهور فى حذر حتى أنه لم تنشأ بينهما خلافات خطيرة إلا فى سنتى 1198، و 1199 هـ. وظل حكمهما المشترك قائما حتى مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1213 هـ (1798 م)، ولو أنه قد تخلل حكمهما فترتان انقطع فيهما، وذلك لوصول إسماعيل بك أقوى أمراء بيت على بك نفوذًا إلى الحكم، الفترة الأولى
عام 1191 هـ، ولم يستطع أن يمكث فى الحكم غير ستة شهور، والفترة الثانية عام 1201 هـ (1786 م) عندما عين شيخا للبلد للمرة الثانية على يد قبودان باشا حسن التركى. ولقد كان الغرض من حملة حسن على مصر تقوية نفوذ الباب العالى، ذلك النفوذ الذى كان قد تضاءل إلى أدنى حد منذ أيام إبراهيم كتخدا وخصوصا إبان حكم على بك، ولكن لم يتحقق الغرض من هذه الحملة، واضطر إبراهيم ومراد، بعد أن رأى فيهما حسن باشا أكبر الآثمين، إلى ترك القاهرة، ومع ذلك فلم يجسرا على مقاومة رسول الباب العالى صراحة، إلا أن حسن باشا اضطر فى آخر الأمر إلى ترك مقاليد حكم مصر فى أيدى المماليك، بل لقد استطاع إسماعيل بك أن يسترد منصب شيخ البلد بعد انسحاب حسن باشا، ذلك الانسحاب الذى عجل به تعقد أمور السياسة بين تركية وروسيا. ولم يستطع إبراهيم ومراد العودة إلى القاهرة إلا بعد أن اجتاح الطاعون إسماعيل وغيره من الأمراء عام 1206 هـ. وعفا عنهما الباب العالى فاقتسما من جديد حكم البلاد.
وفى أثناء تقدم الفرنسيين عام 1213 هـ (1798 م) انتظر إبراهيم على الشاطئ الشرقى للنيل، بين شبرا وبولاق، نتيجة وقعة الأهرام، وأمر بإحراق السفن المصرية الراسية ببولاق حتى يصعب على الجيش الفرنسى عبور النيل. وبعد وقعتى الخانقاه
والصالحية، تمكن إبراهيم من الهرب إلى الشام بحاشيته ومتاعه ومكث فى غزة ثم انسحب منها إلى الشمال الشرقى أثناء حملة نابليون على فلسطين.
وعاد إبراهيم إلى مصر مع جيش يوسف باشا الصدر الأعظم، ودخل القاهرة (فبراير عام 1800) أثناء واقعة عين شمس صحبة نصوح باشا الذى كان الباب العالى قد أقامه واليًا على مصر؛ ثم ترك إبراهيم المدينة ثانية مع الجيش التركى، عندما استطاع الفرنسيون الثبات فيها، ورفض التقرب بحال إلى الفرنسيين بينما هادنهم مراد بك فحصل بذلك على حكم مصر العليا. وتوفى الأخير بعد ذلك بقليل بالطاعون فى أبريل عام 1801.
ولما جلت الجيوش الفرنسية عن المدينة نهائيًا فى يونية عام 1801 عين الصدر الأعظم إبراهيم بك مرة أخرى شيخًا، ولكن سرعان ما ألقى به فى السجن مع سائر أمراء المماليك فى 20 أكتوبر عام 1801 بأمر الباب العالى الذى رأى الفرصة سانحة للتخلص من نفود المماليك. وأفلح الإنكليز فى إخلاء سبيل المماليك المسجونين، فاستطاع إبراهيم الوصول إلى مصر العليا، ومن هناك أمكنه فى السنوات القليلة التالية أن يتفاوض مرارًا مع والى مصر التركى خسرو باشا. ولما طرد خسرو من مصر وقُتل طاهر باشا رئيس الألبانيين، الذى كان قد حل محل (قائمقام) خسرو باشا، استدعى محمد على إبراهيم بك إلى القاهرة فى أبريل عام 1803 ووكل إليه منصب شيخ البلد كى يمنع أحمد باشا الذى عين واليًا على جدة وكان مارا بمصر، من تثبيت قدمه فيها. ولم يكن نفوذ إبراهيم المسن فى الواقع عظيما، ولا شك أنه لاحظ أنه كان آلة فى يد محمد على. وعلى أى حال فقد أخذ شك إبراهيم فيه يزداد منذ دلك العهد. والراجح أنه فطن إلى سياسة محمد على الذى كان يرمى إلى استغلال المماليك عند الحاجة، كما كان يحرص على ألا تزداد قوتهم وأن يبذر بينهم بذور الشقاق. ولقد حاول محمد على أن يضرب إبراهيم، وعثمان البرديسى خليفة مراد، الضربة القاضية فى 13 مارس عام 1804، إلا أنه فشل من حيث أن الاثنين تخلصا من السجن وهربا. ولم يعد إبراهيم بعد ذلك إلى القاهرة. وفى أثناء مذبحة المماليك فى 18 - 19 أغسطس عام 1805 كان إبراهيم فى طرة مع ولده مرزوق وهنا كبد جند محمد على خسائر فادحة. وفشلت محاولته فى توحيد صفوف المماليك ليواجهوا محمدا عليا مجتمعين، لما كان بينهم من الشقاق ولمهارة محمد على فى أن يكتسب بعض ذوى النفوذ من المماليك إلى جانبه بمداهنتهم ومنحهم مناصب الشرف. ولقد رفض إبراهيم محاولة محمد على الصلح فى عام 1809 م محتجا بكثرة ما سفك بينهما من دماء. واستطاع المماليك بفضل مجهود إبراهيم أن يكونوا قوة (1810 م) لم يجسر محمد على على مواجهتها صراحة، ولكنه
استطاع بالخدعة أن يجتذب أكثرهم إلى القاهرة، فغمرهم بعطاياه وبذلك اطمأنوا إليه. وهكذا وقعوا فى الأحبولة التى نصبها لهم فذبحوا فى القلعة فى أول مارس عام 1811. ولم يصدق إبراهيم وعدد قليل غيره وعود محمد على، فبقى إبراهيم على حدود مصر الجنوبية وبذلك نجا. وأمضى سنواته الاْخيرة مع بقية المماليك فى دنقلة "بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه، وملابسهم القمصان التى يلبسها الجلابة فى بلادهم إلى أن وردت الأخبار بموته فى شهر ربيع الأول من
السنة [1231 هـ] " (انظر الجبرتى).
وفى عام 1811 م استطاعت امرأته التى كانت تبحث عن رفات ولدها مرزوق لتدفنه أن تحصل من محمد على على الإذن بإحضار رفات زوجها إبراهيم إلى القاهرة فوصل جثمانه فى رمضان عام 1233.
المصادر:
(1)
أهم مصادر هذا الموضوع تاريخ الجبرتى المسمى عجائب الآثار فى التراجم والأخبار (بولاق 1297 هـ وتوجد عدة طبعات له؛ وترجم إلى الفرنسية بعنوان Merveilles bio- graphiques et historiaues فى تسعة مجلدات، القاهرة 1888 - 1896) وقد ذكر إبراهيم مرارا فى هذا الكتاب فى الحوادث التى وقعت منذ سنتى 1190 - 1231 هـ. وتأتى ترجمة حياته بعد حوادث سنة 1231 هـ.
(2)
Vayage en Syrie et en: C.F. Volney Egypte pendant les annees 1783، 1784 et 1785 (باريس 1786 وتوجد منه عدة طبعات) من الفصل السادس إلى الفصل التاسع.
(3)
Histoire scientifique et militaire de l' Expedition francaise en Egypte فى عشرة مجلدات (باريس 1830 - 1836).
(4)
A History of Egypt Rev-: A. A. Paton olution from the period of the Mamelukes to the death of Mohammed Ali فى مجلدين (لندن 1763 - 1870).
(5)
مقال P.Ravaisse فى .. La Grande Encyclopedie عن "إبراهيم بك"، المجلد العشرون، ص 519.
[ب. كاله P. Kahle]