المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ابن سينا أبو على الحسين بن عبد الله (باللاتينية: أفيسنا، وهى - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌أ

- ‌الآثار العلوية

- ‌الآخر

- ‌آدم عليه السلام

- ‌آذر / أو آدر

- ‌آذربيجان *

- ‌آسية

- ‌آكادير إغر

- ‌ ال

- ‌الأمدى

- ‌الآمر بأحكام الله

- ‌آمنة

- ‌أمين

- ‌آيا صوفيا

- ‌الآية

- ‌الإباضية

- ‌الأباضية

- ‌أبجد أو "أبوجد

- ‌أبخاز

- ‌أبد

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌إبراهيم (ابن الأغلب)

- ‌إبراهيم باشا

- ‌إبراهيم بك

- ‌إبراهيم الموصلى

- ‌أبرهة

- ‌إبليس

- ‌ابن الأبّار

- ‌ابن أبى أصيبعة

- ‌ابن الأثير

- ‌ابن الأحنف أبو الفضل العباس

- ‌ابن إسحاق

- ‌ابن إياس

- ‌ابن بطوطة

- ‌ابن البيطار

- ‌ابن تيمية

- ‌ابن الجوزى

- ‌ابن الجوزى

- ‌ابن الحاجب

- ‌ابن حجر العسقلانى

- ‌ابن حزم

- ‌ابن الخطيب

- ‌ابن خلكان

- ‌ابن رشد

- ‌ابن الرشيد

- ‌ابن رشيق

- ‌ابن الرومي

- ‌ابن زيدون

- ‌ابن سعود

- ‌ابن سينا

- ‌ابن طفيل

- ‌ابن عبد الحكم

- ‌ابن (الـ) العربى

- ‌ابن عساكر

- ‌ ابن قتيبة

- ‌ابن قزمان

- ‌ابن مسعود

- ‌ابن مسكويه

- ‌ابن المقفع

- ‌ابن منظور

- ‌ابن النفيس

- ‌ابن هشام

- ‌ابن الهيثم

- ‌أبها

- ‌أبو الأسود الدؤلى

- ‌أبو البركات

- ‌ أبو بكر" أول خليفة

الفصل: ‌ ‌ابن سينا أبو على الحسين بن عبد الله (باللاتينية: أفيسنا، وهى

‌ابن سينا

أبو على الحسين بن عبد الله (باللاتينية: أفيسنا، وهى مأخوذة عن العبرية أُفن سينا): كان يعد طوال عدة قرون- ولايزال يعد فى بعض بلاد الشرق الإسلامى- إمام العلوم كلها "الشيخ الرئيس"، أما سيرته التى وردت فى كتاب ابن أبى أصيبعة (طبعة ميلر، جـ 2، ص 2 وما بعدها) فقد كتبها تلميذه أبو عبيد الجوزجانى كما أملاها الرئيس بنفسه. وتقول هذه الترجمة إنه ولد عام 370 هـ) (980 م) بأفشنة بالقرب من بخارى. وكان أبوه من أهل بلخ، انتقل إلى بخارى وتولى العمل بقلعة خرميثن، وتزوج امرأة من أفشنة. وبعد أن رزق منها بابنيه، استقر ببخارى وفيها للقى ابناه العلم، وحفظ ابن سينا القرآن ودرس الأدب على مؤدب حتى بلغ العاشرة. وقد دعاة الإسماعيلية الذين كانوا يترددون على دار أبيه إلى الأخذ بعلومهم، إلا أن أنظارهم عن النفس والعقل لم تترك فى نفسه أثرا بليغا أول الأمر. وبعد أن درس الفقه، أخذ المنطق والهندسة وعلم النجوم عن أبى عبد الله الناتلى، ولما كان التلميذ قد نما جسمه ونضج عقله فى سن مبكرة، فقد بذ أستاذه ودرس وحده الطبيعيات والإلهيات والطب. وسرعان ما مكنته ممارسته للطب من فهم هذه الصناعة فهما جيدا، بيدأنه لم يستطع فهم الإلهيات إلا بعد قراءة مصنف للفارابى. وقد حددت هذه القراءة تكوينه الفلسفى، ذلك لأن أنظار الفارابى فى

المنطق والإلهيات التى يرجع أصلها إلى شروح فلاسفة الأفلاطونية الجديدة، وتعليقاتهم على كتب أرسطو، هى التى حددت وجهة تفكيره الفلسفى. وكانت سنه إذ ذاك تتراوح بين السادسة عشرة والسابعة عشرة. وفى هذه الأثناء أتاحت الفرصة السعيدة لهذا الشاب النابه معالجة سلطان بخارى نوح بن منصور، وتمكن بذلك من دخول دار كتبه. ولما كان سريع الفهم قوى الذاكرة إلى حد عجيب، فقد استطاع فى قليل من الزمن أن يحصل من العلم ما جعله قادرا على إبراز معارف عصره فى صورة علمية. وبدأ يصنف الكتب فى سن الواحدة والعشرين، وأسلوبه بالجملة واضح مفهوم.

ص: 227

وتوفى أبوه وهو فى الثانية والعشرين من عمره، فاضطربت حياته غاية الاضطراب، وكثر فيها الجد واللهو، كما كثر فيها الإخفاق أيضا. وكتب أهم تصانيفه فى أويقات الهدوء التى كان يغتنمها فى بلاط جرجان والرى وهمذان وإصفهان، نذكر منها بنوع خاص دائرة معارفه الفلسفية، "كتاب الشفاء"(طهران سنة 1303 هـ) ومصنفه الهام فى الطب "القانون فى الطب" طهران سنة 1273 هـ. بولاق سنة 1294 هـ)، وكتب أثناء أسفاره مختصرات لكتبه الكبرى، كما كتب عدة

رسائل فى موضوعات متنوعة. واشتغل بالعلم حينا وبالسياسة حينا آخر، إلا أن نجاحه فى هذا الميدان الأخير كان ضئيلا. وترجع مكانته إلى أنه كان كاتبا موسوعيا دون العلوم للأجيال اللاحقة. وقضى فيلسوفنا أيامه الأخيرة فى كنف علاء الدولة بإصفهان، ومرض ابن سينا فى الطريق أثناء الحملة التى قام بها علاء الدولة على همذان عام 428 هـ (1037 م) وتوفى بهمذان، ويوجد قبره بها إلى الآن. وقد أكثر الناس من قراءة تواليفه ومن شرحها، كما نقل الكثير منها إلى اللغات الأوربية. وتراه العامة فى المشرق كساحر هاملن Hamlen الذى جذب الجرذان بمزماره.

ولا نستطيع أن نفصل القول هنا فى آراء ابن سينا التى لا يزال يرجع إليها فى الاوساط الدينية والفلسفية والطبية فى الشرق إلى اليوم رغم ما وجهه الغزالى إلى بعض أجزائها من المطاعن، ولكنا نكتفى هنا باجمالها والإشارة إلى مميزاتها.

فهو يتبع الفارابى إلى حد بعيد فى المنطق وفى نظرية المعرفة، وكذلك الحال فى مسألة "الكليات" التى تتصل بالإلهيات والمنطق معا، فالكلى يوجد مستقلا عن وجود الأشخاص المتكثرة "كصورة معقولة بالذات" فى عقل الله وعقول الملائكة (العقول الفلكية) وتفيض هذه الكليات عن عقل الله وتتصل بتوسط العقول المفارقة بالأشخاص من جهة وبالعقل الإنسانى من جهة أخرى، وهو العقل الذى ترد فيه الكثرة إلى تصور كلى. وكان ابن سينا أميل إلى اعتبار هذا التصور

ص: 228

صادرا عن العقل الفعال أكثر منه نتيجة لقوة التجريد الخاصة بالعقل الإنسانى، وهو فى هذه النظرة أقرب إلى الأفلاطونية الجديدة منه إلى المشائية.

ومع أن ابن سينا يسهب فى كلامه عن المنطق إلا أنه لايعده إلا مدخلا للفلسفة. أما الفلسفة الحقة فهى إما نظرية واما عملية، وتشمل الأولى الطبيعيات والرياضيات والإلهيات وفروعها، وتشمل الثانية الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة. ولم يعن ابن سينا إلا عناية قليلة بالفلسفة العملية، وهو فى تصنيفه للعلوم الفلسفية الذى راعى فيه وضع الطبيعيات أولا ثم الرياضيات ثم الإلهيات، ينظر إلى تجرد موضوعاتها عن المادة شيئا فشيئا. ولا ريب أن الإلهيات تعرف بأنها علم الموجود المطلق، والموجود المجرد مطلوب فيها وليس موضوعا لها، ولكن هذا المطلوب يصبح موضوعها الأساسى عند التعمق فى البحث.

ومع أن طبيعيات ابن سينا تأخذ فى جملتها بالسنة الأرسطاطاليسية إلا أننا نجد فيها أيضا أثرا للأفلاطونية الجديدة. ويظهر هذا الأثر بنوع خاص هْى نظريته القائلة بأن الأحداث الأرضية تتأثر بالأجرام السماوية لا عن طريق الحرارة المنبعثة منها، وإنما عن طريق ما تشعه من الضوء. ويجب أن نعد آراءه عن العقل من الأفلاطونية الجديدة أيضا، تلك الآراء التى أدت فى غير ذلك إلى تطورات دقيقة فى علم النفس.

وقد كان أثر ابن سينا كبيرا فى الطب بنوع خاص، وظل هذا الأثر فى الغرب إلى القرن السابع عشر، أما فى الشرق فأثره باق إلى الآن. فهو جالينوس العرب. ومازلنا فى حاجة إلى البحث عن مقدار ما أضافه ابن سينا إلى هذا العلم من نتائج مشاهداته الخاصة. على أننا نرى، من الوجهة النظرية على الأقل، أنه كان يحل التجربة المحل الأكبر، ويدرس الحالات المختلفة التى يظهر فيها أثر العلاج الناجح.

ونجد فى شرح ابن سينا لإلهيات أرسطو (ولنترك رياضياته التى لا نعرف عنها إلا القليل) إلى جانب العناصر المستمدة من الأفلاطونية

ص: 229

الجديدة محاولة ترمى إلى التوفيق بينها وبين العقيدة الإسلامية. وإ ثنينية الروح والمادة (الفعل والقوة) والله والعالم أوضح عند ابن سينا مما هى عند الفارابى، كما أنه عرض مسألة خلود النفوس الفردية على وجه أدق. وهو يعرف المادة بأنها إمكان الوجود، وليس الخلق إلا نوال الوجود وتحققه بالفعل بعد أن كان بالقوة، وليست الماهية والوجود شيئا واحدا إلا فى الله، أما فيما هو خارج عنه فالوجود عارض على ماهيته. ويسمى نوال هذا الوجود بلغة الإلهيات "خلقا" وهذا الخلق قديم. والله الذى هو واجب الوجود وواحد لا كثرة فيه من أى جهة من جهاته علة ضرورية من شأنها أن تفعل منذ القدم، ومعلولها الذى هو العالم يكون على هذا قديما كذلك. وهذا العالم ممكن فى نفسه (حادث) ضرورى بعلته. ويفرق ابن سينا بين حدوث هذا العالم الذى هو ممكن وضرورى فى آن واحد، وبين حدوث جميع الكائنات الأرضية التى لاتدوم إلا حينا من الزمن، ذلك لأن الإمكان محصور فيما دون فلك القمر. ولقد قادته بنوع خاص آراؤه عن النفس من الوجهة الإلهية إلى أنظار صوفية، بعضها فى قالب شعرى. وكما اضطره مرة خطر داهم إلى الفرار من وجه أعدائه متنكرا فى زى الصوفية، كذلك يحتمل أن تكون قد ألجأته الضرورة فى ساعات انقباضه إلى الكتابة بروح صوفية، وإذن فتصوفه شئ عارض يتوج بناء مذهبه، ولكنه لا يدعمه أو يقومه.

المصادر:

(1)

توجد مصنفات ابن سينا وغيرها من المصنفات القديمة فى Gesch d. ar. Litt: Brockelmann، جـ 1 ص 452 وما بعدها.

(2)

ويوجد له من الكتب المطبوعة أيضا: قصيدته عن النفس، طبعت ضمن "الكشكول" للعاملى، وطبعت كذلك مع شرح المناوى بالقاهرة عام 1318 هـ وطبعها أيضا كاراده فو مع ترجمة فرنسية وشرح لرجل مجهول، المجلة الأسيوية،

يولية- أغسطس سنة 1899.

(3)

مبحث عن القوة النفسانية، طبعة فان ديك Nan Dyck القاهرة سنة 1325 هـ.

ص: 230

(4)

منطق المشرقيين، والقصيدة المزدوجة فى المنطق، القاهرة سنة

(5)

كتاب النجاة.

(6)

تسع رسائل فى الحكمة والطبيعيات، الآستانة سنة 1298 هـ.

(7)

كتاب السياسة، نشره لويس معلوف ضمن - Traites inedits d'an ciens philosophes Arabes الطبعة، الثانية، بيروت سنة 1911، ص 1 - 18. ونشرت فى مجلة "المشرق"، جـ 9، سنة 1906، ص 976 وما بعدها.

(8)

شرح قسم الإلهيات من إشارات ابن سينا، شرحه نصير الدين الطوسى وفخر الدين الرازى.

(9)

رسالة حى بن يقظان، بالعبرية، طبعها كوفمان D. Kaufmann . سنة 1887.

(10)

وقد نشر بالألمانية هوشبرغ q .J. Hirschberg . وليييرت قسما من كتاب القانون عن طب العيون بعنوان Die Augenheilkunde des Ibn Sina ليبسك سنة 1902.

(11)

Avicenne: Bar. Carra de Vaux باريس سنة 1900) انظر عن هذا الكتاب باسيه Revue de: R- Racset 'hist. des Religions، يوليه - أغسطس سنة 1902).

(12)

وانظر لكارا ده فو أيضا مقاله عن ابن سينا فى دائرة المعارف الدينية والأخلاقية التى نشرها هيستنجر Hastings. جـ 2، إدنبرة سنة 1909، ص 272 وما بعدها.

(13)

de Boer losophie im Zslam شتوتكارت سنة 1901، ص 119 وما بعدها (الترجمة الإنكليزية، لندن سنة 1903، ص 131 وما بعدها).

(14)

Die islamische and die: Goldziher judische Philosophie (فى: Die Kultur der Gegerwart، جـ 1، 5).

(15)

Ibn Sinas Ans-: Wiedemann chauung vom Sehvorgang) فى. Arch.fd. Gesch. d. Naturwiss.u.d Technik ، جـ 4، ص 239 ما بعدها، لييسك سنة 1912).

ص: 231

(16)

Horten Meteorol Zeitschr،) Regenbogen سنة 1913، ص 534 وما بعدها).

(17)

Uber Avicennas Opus: M. Winter egregium de Anima ميونخ سنة 1903.

(18)

وقد نقل هورتن M. Horten إلى اللغة الألمانية إلهيات الشفاء مع شرح بعنوان - Die Metapyhsic Av، هال وغيرها سنة 1907 - 1909.

(19)

Avicennas Bearbitung: S. Sauter der Aristotelischen Metaphysik فريبورغ سنة 1912.

(20)

وعن شعر ابن سينا الفارسى انظر Literary History of Persia: Browne جـ 2، ص 106 - 111.

(21)

وعن ابن سينا بوصفه شخصية أسطورية، انظر مقال باسيه. R Basset المتقدم ذكره.

[ده بور T.J. De Boer]

تعليق على مادة "ابن سينا"

إن ما يعرف الآن عن حياة ابن سينا لم يعد مقصورا على ما أورده ابن ابى أصيبعة ومن نحا نحوه (كالقفطى وابن خلكان) فى إثبات الترجمة المعروفة التى كتبها بالعربية أبو عبيد عبد الواحد الجوزجانى عن أستاذه ابن سينا، ذلك لأنه إلى جانب هذه الترجمة العربية التى لم ينشر بعد نصها الكامل كما ورد فى مخطوطين: أحدهما لظهير الدين البيهقى عنوانه "تاريخ حكماء الإسلام" والآخر لشمس الدين محمد بن محمد الشهرزورى عنوانه "روضة الأفراح ونزهة الأرواح"- توجد ترجمة

أخرى كتبها بالفارسية احمد بن عمر بن على المعروف بالنظامى العروضى السمرقندى فى مصنفه "جهار مقاله" اى أربع مقالات (انظر القصص: 14، 15، 21، 24، 26، 32، 34، 36، 38) الذى نشره بالانجليزية إدارد براون عام 1921 (وانظر المجلة الأسيوية، يولية وأكتوبر سنة 1899) وتلقى هذه الترجمة الفارسية - مضافا إليها الزيادات الواردة فى المخطوطين

ص: 232

المذكورين، وكذلك ما جاء عن فيلسوفنا فى كتاب الكامل لابن الأثير وتاريخ الأولياء لفريد الدين العطار وكشف الظنون لحاجى خليفة- ضوءا جديدا على ما خفى من جوانب حياة الرئيس، وخاصة على تواريخ أسفاره وكتبه، وذكر شيوخه وتلاميذه والأعلام الذين اتصل بهم مما لا يعرف من الترجمة المتداولة التى اعتمد عليها ده بور.

ولد ابن سينا بأفشنة عام 370 هـ وانتقل مع أسرته إلى بخارى عام 375 هـ وأتم دراسة اللغة والأدب وهو فى سن العاشرة على رجل لم تذكره الرواية المعروفة، ويحتمل أن يكون هذا الرجل هو أبا بكر أحمد بن محمد البرقى الخوارزمى (حاجى خليفة، جـ 3، ص 376). وتذهب الترجمة المعروفة إلى أنه درس الطب بمفرده، ويروى من جهة أخرى أنه تلقاه على أبى سهل المسيحى وأبى منصور الحسن بن نوح القمرى.

وانتقل من بخارى إلى كركانج عام 392 هـ إثر سقوط عرش السامانيين بين يدى أمير غزنة السلطان محمود بن سبكتكين وخرج من كركانج إلى جرجان عام 403 فارا من وجه سلطان غزنة أيضا (السمرقندى القصة 36)، ويحتمل أن تكون قصة لقائه لأبى سعيد بن أبى الخير شيخ متصوفة ذلك العصر التى ذكرها فريد الدين العطار قد وقعت فى نفس هذا العام، ونجده فى عام 406 هـ بالرى ثم بهمذان حيث ولى الوزارة مرتين ولاشك فى أنه ترك الوزارة قبل عام 411 هـ لأننا نجد فى أخبار هذا العام عند ابن الأثير ذكرا لوزير آخر. وبقى بعد وزارته مضطهدا من أمير همذان الجديد ووزيره تاج الملك: فبثت حوله العيون، وسجن بعض الزمن، وظل زمنا مختبئا حتى فاز بالفرار إلى أصفهان عام 414 هـ. ولاشك فى أن رسائله الرمزية التى صنفها فى فترة اضطهاده وفراره لاتصور نزعة صوفية -كما يرى مهرن Menhren - بقدر ما تصور أزمتة النفسية ولم تقتصر حياته السياسية على الوزارة والنضال فى سبيلها بهمذان، ذلك لأنه عاش طوال حياته يبغض أمراء غزنة رغم ما بذلوه فى اجتذابه إليهم (انظر قصة فراره من كركانج، السمرقندى، القصة 36) واشترك إذ كان بأصفهان فى بعض

ص: 233

المؤامرات السياسية ضدهم (البيهقى، ص 37، الشهرزورى، ص 229) وربما كان سبب ذلك ما وقع منهم آنئذ من اضطهاد للفلاسفة والنجوميين والمعتزلة (ابن الأثير، جـ 9، أخبار سنة 420). على أنه عاش نديما لأمير أصفهان علاء الدولة بن كاكويه الذى اتهم بالزندقة لملازمة ابن سينا له (ابن الأثير، جـ 9، أخبار 428) إلى أن توفى عام 428 هـ. ويروى ابن خلكان روايات مختلفة عن موضع وفاته، كما ذهب بعض أوربيى العصور الوسطى إلى أنه توفى بالأندلس بدسيسة من ابن رشد (Vossius Die Philos Secre. ف 14، ص 113)، والواقع أن قبره لايزال يزار بهمذان إلى الآن.

ولقد اتصل بكثير من علماء عصره كابن مسكويه وأبى الريحان البيرونى وأبى القاسم الكرمانى والطبيب أبى الفرج بن طيب بن الجاثليق وأبى نصر العراق وأبى الخير بن الخمار وغيرهم. وذكر السمرقندى من تلاميذه: الجوزجانى، وأبا الحسن بهمنيار بن المرزبان الأذربيجانى وأبا منصور بن زبلا (زبله؟ ) والأمير أبا كاليجار وسليمان الدمشقى، ويضيف البيهقى أبا عبد الله المعصومى (المعصرى خطأ) وكان يقول ابن سينا عنه:"هو منى بمنزلة أرسطو من أفلاطون"، وينفرد ابن أبى أصيبعة بذكر أبى القاسم عبد الرحمن النيسابورى والسيد عبد الله بن يوسف شرف الدين الإيلافى:

ولقد ألم ابن سينا بكل معارف عصره إلماما عجيبا، حتى فق الأجيال اللاحقة التى خلقت منه شخصا أسطوريا هائلا. ويوجد فى الأدب التركى كتاب بأكمله عن هذه الشخصية الأسطورية (Basset: des Religions سنة 1903). نظم ابن سينا بالعربية، كما كان من أوائل من نظموا الرباعيات بالفارسية. وبرز بصفة خاصة فى الطب، وكان الأمراء يتهافتون عليه لطبه. ولقد حدثنا ده بور عن أثر القانون فى الشرق والغرب، ومما يدل على سعة انتشاره بين الغربين أنه طبع باللاتينية ست عشرة مرة فى السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن الخامس عشر، أعيد طبعه

ص: 234

عشرين مرة فى القرن السادس عشر. وهذا الإحصاء لا يشمل إلا الطبعات الكاملة للقانون، أما الطبعات التى تقتصر على قسم أو أكثر فلا حصر لها، وظل يدرس فى أوروبا إلى عهد قريب، إذ كان من أهم مراجع جامعة مونبلييه حتى العقد الثالث من القرن التاسع عشر (Civil des - Le Bon Arabes ص 528) وعنى بدراسة طب ابن سينا أخيرا ده كوننج De Koning وليبيرت وهرشبرغ وغيرهم. أما الفلسفة فهى ميدان انتصاره الخالد، فقد حلت كتبه فيها محل كتب أرسطو عند فلاسفة الأجيال اللاحقة، قال ابن خلدون: وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات، والنجاة" (المقدمة، طبعة باريس، جـ 3، ص 117). بدأ بتأليف الشفاء إبان وزارته، وأتمه عام 418 هـ، وكتب النجاة فى هذا العام نفسه وهو فى طريقه إلى الحرب مع علاء الدولة، ويؤخذ من رواية لحاجى خليفة (جـ 6، ص 303 وما بعدها) أن الجوزجانى أتم هذا الكتاب، وكتب الإشارات بعد عام 420، ويجدر بنا أن نقف قليلا عند آرائه فى النفس والإلهيات.

يرتب ابن سينا النفوس ترتيبا تصاعديا. فيتحدث أولا عن النفس النباتية ثم الحيوانية ثم الناطقة، وهو يدرس النفس الناطقة من جهات مختلفة. وليس فى كلامه عن الحواس شئ جديد غير وصفه الفسيولوجى لمراكز الحواس من المخ وانتقال الصور المحسة فى الجهاز العصبى على أحسن ما كان يسمح به علم الحياة فى عصره. وأثر جالينوس فى هذه الناحية ظاهر، أما آراؤه فى العقل فهى تخالف آراء سلفيه الكندى والفارابى بعض المخالفة. نظر إلى العقل على أنه قوة تستكمل بالمعقولات شيئا فشيئا، فالعقل "هيولانى" فى بادئ الأمر خال من كل معقول، ثم يصير "بالملكة " إذا استكمل بالمعقولات الأولى، ثم "بالفعل" إذا حصل شيئا من العلوم الكسبية. ثم مستفادا إذا كانت تلك العلوم الكسبية حاضرة فيه بالفعل وهو يطالعها بالفعل. والعقل يكتسب العلم بالفكر والحدس. والفكر (Pensee discursiv) حركة للنفس الناطقة تبحث بها عن الحدود الوسطى لمطلوب ما حتى إذا ظفرت بها رتبتها قى مقدمات قياسية،

ص: 235

أما الحدس (itton) فهو ظفر بالمطالب وحدودها الوسطى دفعة واحدة. ومن الناس من يكون من اصحاب الفكر وحده، ومنهم من يحدس إلى جانب الفكر، ومنهم من يكون علمه كله حدسا وهؤلاء هم الأنبياء، ويسمى العقل حينئذ عقلا "قدسيا" وهكذا يجعل ابن سينا علم الأنبياء أرفع علم على خلاف الفارابى الذى يرى علم الفلاسفة أوثق وابعد عن الخيال والرمز.

ولاشك فى أن أرسطو كان يذهب إلى أن المعقولات مستمدة من المحسوسات، وقد أشار ابن سينا فى كتابه "التعليقات على كتاب النفس لأرسطو"(مخطوط بالقاهرة، ص 69 - 70) إلى هذا الرأى، ولكنه نبه إلى أن للمشرقيين رأيا مخالفا. ونجد رأى المشرقيين هذا مبسوطا فى كل كتبه الأخرى، وهو رأى يدفع بعلم النفس إلى مجاهل الإلهيات، ولكنه يجعل المعرفة العقلية وثيقة مطابقة للماهيات الأزلية التى لا تتغير، ذلك لأنه يذهب إلى أن المعقولات تفيض عن عقل خارج عنا أزلى أبدى انتهت إليه صور الماهيات من مبدع الكل، ذلك العقل هو "العقل الفعال"، وليس البدن وحواسه إلا وسائل تهيئ العقل الإنسانى لقبول فيض العقل الفعال. فالمحسوسات شأنها عند ابن سينا ثانوى فى المعرفة العقلية (الشفاء، النفس، م 5، ف 2، ص 352، ف 5، س 256، النجاة، 297 - 299).

وقد كانت براهين القدماء على لا مادية النفس ومباينتها للجسم منطقية، أما ابن سينا فقد كان أول من لجا إلى التجربة النفسية، قال: لنتصور إنسانا خلق محجوب البصر لايرى من إهابه شيئا، متباعد الأطراف لا يلمس جزء من جمسه جزءا آخر، يهوى فى خلاء لا يصدمه فيه قوام الهواء حتى لا يحس ولايسمع، أليس يغفل مدو هذا الإنسان عن جملة بدنه؟ أليس يشعر بشئ واحد فقط هو ثبوت إنيته (نفسه)؟ فالنفس إذن موجودة وجودا غير بدنى. ونحن نجد مثل هذا البرهان عند ديكارت مما جعل بعض الباحثين- أمثال: فالوا Valois وفورلانى - يذهبون إلى إمكان اطلاع ديكارت

ص: 236

على آراء الفيلسوف الإسلامى، وقد أثبت فورلانى (فى مقالة Cogito ergo Islamicas um di Certesic المجلد 3، ص 53 - 72، ليبسك 1927) أن النصين الواردين فى الشفاء عن هذا الموضوع (الشفاء، النفس، م 1، ف 1، م 5، ف 7) كان قد نقلهما إلى اللاتينية الفيلسوف غليوم أوفرنى.

أما الهياته فموضوعها البحث فى "الوجود المطلق". ويبدأ ابن سينا إلهياته بتحديد صلة "الوجود" بماهيات الأشياء، فيرى أن هناك من الأشياء مالا يؤخذ فى حده معنى الوجود، كالمثلث مثلا فإنا نتمثله خطا وسطحا ولا نتمثله موجودا، مثل هذا الشئ وجود ، زائد على ماهيته عارض عليها، وهو يحتاج فى وجوده إلى علة. ولما كانت العلل لايمكن أن تتداعى إلى غير نهاية لامتناع الدور والتسلسل فلابد من الانتهاء إلى علة أولى بالإطلاق ماهيتها عين وجودها، وهذه العلة لا نستطيع أن نتمللها معدومة، لأن مهايتها الوجود نفسه، ولأنها مبدأ كل موجود. هكذا يؤدى التمييز بين ماهية الشئ ووجوده إلى التمييز بين "الممكن" و"الواجب"، إذ الممكن ما يستوى وجود. وعدمه، والواجب هو الضرورى الوجود الذى يترتب على عدمه عدم كل موجود، ويقابلهما العالم والله على الترتيب.

ولقد كان العالم عند أرسطو قديما قدم الله، ومثل هذه الأثنينية لاتتفق مع نزعة المسلم إلى التوحيد، لذلك لما اضطر ابن سينا إلى القول بقدم العالم حتى يجعل أفعال الله قديمة مثله، رأى أن يجعل الله متقدما على أفعاله القديمة "بالذات" بالزمان، والزمان نفسه -مع أنه قديم- مخلوق أيضا تقدمه الواجب بالذات لا بزمان آخر.

وقد فاض العالم عن الله بمحض إرادته لا عن حاجة الى ذلك. فكان عنه أولا العقل الأول الذى هو ممكن فى ذاته واجب بعلته. وهذان الاعتباران فى العقل الأول هما بدء حدوث الكثرة فى الوجود، وفاض عن العقل الأول بعقله لعلته الواجبة عقل ثان" وبعقله لذاته الواجبة بعلتها نفس الفلك الأول، وبعقله لذاته الممكنة جرم هذا الفلك. وهكذا تستمر الموجودات فى التكاثر فيصدر عن كل عقل عقل آخر ونفس فلكية

ص: 237

وجرم سماوى حتى ينتهى الصدور إلى العقل العاشر وهو "الفعال" فى عالمنا هذا. وهو على عكس أرسطو يرى أن العقل الأول -لا الله- هو المحرك الأول.

وإله أرسطو لا يعقل إلا ذاته وهو مشغول بها عما عداها. أما إله ابن سينا فليس يعقل ذاته فقط بل يعقل الماهية الكلية كما يدرك الجزئيات ولكن من حيث هى كلية فلا يعزب عنه مثقال ذرة. ويرجع إداركه للجزئيات إلى علمه بعللها ومباديها كما يرجع إدراك النجومى بكل كسوف جزئى إلى علمه بالحركات السماوية علما كليا.

وتحيط عناية الله بكل شئ، ويعرف ابن سينا العناية فيقول:"هى إحاطة علم الأول بالكل وبالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن نظام. فعلم الأول بكيفية الصواب فى ترتيب وجود الكل" منبع لفيضان الخير فى الكل". فإذا كان الله خيرا محضا وأبدع الموجودات على ما يقتضيه الخير فمن اين جاء الشر فى هذا العالم؟ يختم ابن سينا إلهياته بنظرية فى التفاؤل تقرب من نظرية ليبنتز Leibniz الفيلسوف الألمانى فهو يرى أن الشر إنما يلحق الأشياء التى فى طباعها استعداد للتغير والتبدل، فالشر إذن يلازم القوة وبالحرى"المادة"، على أن المادة التى هى مصدر الشر طفيفة محدودة لأنها هى هذه المادة العنصرية الموجودة دون فلك القمر. ولا يقف تفاؤل ابن سينا عند حصره الشر فى المادة العنصرية دون الفلكيه بل يحصره فى الأشخاص دون الأنواع، ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن الأشخاص لا يصيبهم الشر دائما بل أحيانا. فالمادة علة الشر، والشر محدود محصور، والله لم يقض به إلا بالعرض" إذ أنه أراد الخير إرادة أولية، ولم يعبأ بما قد تؤدى إليه المادة من شر مادام الخير موجودا. فتفاؤل ابن سينا يقول إن عالمنا يغلب خيره على شره، فهو إذن "أفضل العوالم الممكنة" كما يقول ليبنتز.

مصادر أخرى:

(1)

AVICENNA: CHAUVIN مجلة MUSEON Nouv.serie جـ 4، ص 77 - 90.

(2)

Etudes sur Metaphysique: Dj.Saliba d،Avicenne باريس سنة 1926.

ص: 238