المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(حتى رقم 678 فقط). وطبع ببولاق عام 1275 ،1299 هـ - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌أ

- ‌الآثار العلوية

- ‌الآخر

- ‌آدم عليه السلام

- ‌آذر / أو آدر

- ‌آذربيجان *

- ‌آسية

- ‌آكادير إغر

- ‌ ال

- ‌الأمدى

- ‌الآمر بأحكام الله

- ‌آمنة

- ‌أمين

- ‌آيا صوفيا

- ‌الآية

- ‌الإباضية

- ‌الأباضية

- ‌أبجد أو "أبوجد

- ‌أبخاز

- ‌أبد

- ‌إبراهيم عليه السلام

- ‌إبراهيم (ابن الأغلب)

- ‌إبراهيم باشا

- ‌إبراهيم بك

- ‌إبراهيم الموصلى

- ‌أبرهة

- ‌إبليس

- ‌ابن الأبّار

- ‌ابن أبى أصيبعة

- ‌ابن الأثير

- ‌ابن الأحنف أبو الفضل العباس

- ‌ابن إسحاق

- ‌ابن إياس

- ‌ابن بطوطة

- ‌ابن البيطار

- ‌ابن تيمية

- ‌ابن الجوزى

- ‌ابن الجوزى

- ‌ابن الحاجب

- ‌ابن حجر العسقلانى

- ‌ابن حزم

- ‌ابن الخطيب

- ‌ابن خلكان

- ‌ابن رشد

- ‌ابن الرشيد

- ‌ابن رشيق

- ‌ابن الرومي

- ‌ابن زيدون

- ‌ابن سعود

- ‌ابن سينا

- ‌ابن طفيل

- ‌ابن عبد الحكم

- ‌ابن (الـ) العربى

- ‌ابن عساكر

- ‌ ابن قتيبة

- ‌ابن قزمان

- ‌ابن مسعود

- ‌ابن مسكويه

- ‌ابن المقفع

- ‌ابن منظور

- ‌ابن النفيس

- ‌ابن هشام

- ‌ابن الهيثم

- ‌أبها

- ‌أبو الأسود الدؤلى

- ‌أبو البركات

- ‌ أبو بكر" أول خليفة

الفصل: (حتى رقم 678 فقط). وطبع ببولاق عام 1275 ،1299 هـ

(حتى رقم 678 فقط). وطبع ببولاق عام 1275 ،1299 هـ ، وبالقاهرة عام 1310 هـ ، وطبع طبعة حجرية في طهران عام 1284 هـ ،وترجم إلى التركية في استانبول 1280 هـ؛ وترجمه إلى الفرنسية ده سلان M.G. de Slane في أربعة مجلدات، باريس، لندن من سنة 1843 إلى 1871.

والراجح أن يكون أخوه محمد بهاء الدين الذي توفي عام 683 هـ (1284 م) شاغلا منصب قاضى بعلبك، هو مصنف "التاريخ الأكبر في طبقات العلماء وأخبارهم "(انظر - Bib. Bod leianae Godd. Mss. Orient. Catalogus رقم 747؛ فستنفلد، كتابه المذكور، رقم 359).

المصادر:

(1)

برزالى (وقد اعتمد على أقوال ابن خلكان نفسه) في كتاب ألغخانى عن تاريخ كجرات، طبعة روس Ross، ص 184.

(2)

السبكي: طبقات الشافعية "الكبرى، جـ 5، ص 14.

(3)

السيوطي: حسن المحاضرة، جـ 1، ص 320.

(4)

Mamlouks: Quatremere. المجلد الأول جـ 2، ص 180 وما بعدها.

(5)

الكاتب نفسه في المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة جـ 3، ص 467.

(6)

Geschichtschreiber: Wustenfeld. ص 358.

(7)

Gesch. der Arab.: Brockelmann . Litt جـ 1، ص 326 - 328.

[بروكلمان Brockelmann]

‌ابن رشد

أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، المعروف عند الغربيين في القرون الوسطى باسم أفرّويس Averroes ولد بقرطبة عام 520 هـ (1126 م). وكان جده قاضى قرطبة، وقد خلف عدة مؤلفات قيمة؛ وكذلك كان أبوه قاضيا. ودرس ابن رشد في مسقط رأسه الفقه والطب، ومن شيوخه أبو جعفر هارون، وهو من مدينة

ص: 186

تُرجْيلة Truxillo بالأندلس. وقد كان ابن رشد عام 548 هـ (1153 م) بمدينة مراكش، والراجح أن ابن الطفيل قد رغبّه في الرحلة إليها. وهناك قدمه هذا الفيلسوف إلى أبي يعقوب يوسف الموحدى فشمله برعايته. وثمة وصف لهذا اللقاء (المراكشى: المعُجِب في تلخيص أخبار المغرب، طبعه دوزى ص 174 - 175) لا يزال باقيا حتى اليوم، فقد سأل الخليفة ابن رشد عن رأى الفلاسفة في السماء (الكون) هل هي جوهر قديم أم حادث، فامتلأ رعبا ولم يحر جوابا، فهش له الخليفة وبدأ يناقش هذه المسألة بنفسه ويبسط آراء العلماء على اختلافهم في تثبت ودراية واسعتين يندر وجودهما عند أمثاله من الأمراء؛ وصرفه الخليفة بعد أن أجازه. وأشار عليه ابن الطفيل بشرح كتب أرسطو وقال له إن أمير المؤمنين كثيرا ما شكا من غموض فلاسفة الإغريق، أو قل من الترجمات التي كانت موجودة في ذلك العين، وأنه ينبغى عليه أن يضطلع بشرحها.

ولقد ولى ابن رشد القضاء بإشبيلية عام 565 هـ، ثم ولى القضاء بقرطبة عام 567 هـ، ورغم اشتغاله بما تتطلبه تلك المناصب من أعباء فقد صنف أهم كتبه في ذلك العهد، ونجده عام 578 هـ في مراكش، وكان قد استدعاه إليها يوسف ليكون طبيبه الخاص بدلا من ابن الطفيل الذي كان قد طعن في السن، وبعثه الخليفة بعد ذلك إلى قرطبة قاضيا لقضاتها.

وكان ابن رشد موضع رعاية يعقوب المنصور خليفة يوسف في بداية حكمه، ولكنه فقد رضاه بعد ذلك لأن المتكلمين كانوا قد عارضوا مصنفاته واتهموه بضروب مختلفة من الزندقة، وحو كم من أجل ذلك، ونفى إلى أليسانة بالقرب من قرطبة. وأمر الخليفة في الوقت نفسه بإحراق كتبه في الفلسفة ما عدا الطب والحساب والمواقيت (حوالى عام 1195 م). ويلاحظ دنكان مكدونلد - Dncan Mac donald أن أوامر الخليفة الموحدى، الذي كان حتى ذلك العين نصيرا للفلسفة، لا بد أن تكون قد صدرت إرضاء لمسلمى الأندلس الذين كانوا أكثر تمسكا بالسنة من البربر. والواقع أن الخليفة كان في

ص: 187

ذلك الوقت مشغولا بالجهاد مع النصارى فى الأندلس، وما إن رجع إلى مراكش حتى ألغى أوامره وقرب إليه ابن رشد ثانية (De-: D. Macdonald velopment of Muslim Theology نيويورك سنة 1903، ص 255).

ولما عاد ابن رشد إلى مراكش لم يستمتع طويلا بحظوته لدى الخليفة إذ توفى فى التاسع من صفر عام 595 (10 ديسمبر 1198 م) (ودفن بقرب تلك المدينة خارج باب تاغزوت.

وقد فقد الجزء الأكبر من المتن العربى لمؤلفات ابن رشد إلا القليل، وقد بقى لنا بالعربية كتابه "تهافت التهافت" وهو رد على كتاب الغزالى المشهور "تهافت الفلاسفة"(انظر بحث Miguel Asin Palacins فى معنى كلمة، "تهافت" فى كتب الغزالى وابن رشد: المجلة الإفريقية، العددين 261، 262 عام 1906، ص 202 بنوع خاص) وشروحه الوسطى على كتابى الشعر والخطابة لأرسطو (نشرها وطبعها لاينيو Lasinio) ورسالة فى المنطق ملحقة بشرحيه على الكتابين السابقين، وتعليق على بعض قطع من شرح الإسكندر الأفروديسى على كتاب "ما بعد الطبيعة" لأرسطو، (انظر Freudenthal . s: وبحثهما المذكور فى المصادر) والشرح الأكبر على "ما بعد الطبيعة" وتوجد فى ليدن SCat. Cod. Orient رقم 2821). وشروح صغيرة على جوامع كتب أرسططا ليس، بمجريط (انظر Guillen Cati logo.، Bibl. Nacion: Robles، رقم 37؛ وانظر V Aj manus. ar. de رقم 37 فى D. Franc. Codera Madrid ص 577 وما بعدها). وهى: الطبيعيات، السماء والعالم، الكون والفساد، الآثار العلوية، النفس، وبعض مسائل فيما بعد الطبيعة (انظر أيضا Le com-: H. Derenbourg mentaire Arabe d'Averroes sur quelques petits ecrits physiques d'Aristote فى - Ar fur Gesch. der Philosophie chiv جـ 18، سنة 1905، ص 250) ورسالتان طريفتان عن الصلة بين الدين والفلسفة درسهما ليون غوتييه Leon Gauthier وميكويل أسين Miguel Asin، تسمى إحداهما "فصل المقال فيما بين الشريعة

ص: 188

والحكمة من الاتصال" والأخرى "كتاب مناهج الأدلة فى علم الأصول"، وقد نشر ميلر I Muller هاتين الرسالتين وترجمهما إلى الألمانية (انظر المصادر) ونشرا بالقاهرة معا بعنوان "كتاب فلسفة ابن رشد" (1313، 1328 هـ). وبقيت أيضا بعض مصنفاته مكتوبا نصها العربى بحروف عبرية: مختصر فى المنطق، الشرح الأوسط لكتب "الكون والفساد" و"الآثار العلوية" و "النفس"، وشروحه، للطبيعيات الصغرى"(المكتبة الأهلية بباريس، رقم 303، 317) وشروحه على "السماء والعالم" و"الكون والفساد" والآثار العلوية بمكتبة بودليانا (uri، ص 86، الفهرس العبرى؛ انظر رينان: ابن رشد، الطبعة الثالثة، ص 83).

وشروح ابن رشد لكتب أرسطو التى اشتهر أمرها على ثلاثة أنواع، أو قل إنه شرح كل كتاب من كتب أرسطو شروحا ثلاثة: فثمة شرح أكبر، وشرح أوسط، وشرح أصغر. وهذا التأليف الثلاثى يتمشى مع مراحل التعليم الثلاث المعروفة فى الجامعات الإسلامية، فالشرح الأصغر يدرس فى العام الأول، والأوسط فى العام الثانى، والأكبر فى العام الثالث؛ وكانت العقائد تدرس على هذا النحو أيضا.

رأينا فيما تقدم ما بقى من كتبه بالعربية، ونذكر الآن ما بقى منها باللاتينية والعبرية: شروحه الثلاثة على "الأنالوطيقا الثانية"و "الطبيعيات" و"السماء والعالم " و"النفس" و"ما بعد الطبيعة" وقد فقدت شروحه الكبرى على كتب أرسطو الأخرى، كما فقدت كل شروحه على كتاب "الحيوان".

وكتب ابن رشد أيضا شرحا لجمهورية أفلاطون، ونقد منطق الفارابى وطريقته فى فهم أرسطو، كما ناقش بعض أنظار ابن سينا، وعلق على عقيدة المهدى ابن تومرت. وصنف كتبًا مختلفة فى الفقه (كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة سنة 1329 هـ) والفلك والطب. وكان لكتابه فى الطب المسمى "الكُليُّات" -الذى حرف فى الترجمات اللاتينية باسم- Col liget - بعض الشأن فى العصور الوسطى، بيد أنه لم يكن يضارع بأية

ص: 189

حال ما كان لكتاب ابن سينا المسمى "القانون"، (يوجد "كتاب الكليات" مخطوطا بغرناطة، انظر دوزى فى Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Gesell، جـ 36، سنة 1882 م، ص 343؛ وبسانت بطرسبرغ، انظر فهرس دورن، رقم 124، والراجح أنه يوجد أيضا بمجريط، انظر فهرس Robles، رقم 132، وانظر. etc، رقم 132، وفى ص 587 وما بعدها).

ولا يمكننا أن نعد فلسفة ابن رشد فلسفة مبتكرة (انظر فى هذا الحكم: رينان فى كتابه عن ابن رشد ومدرسته، الطبعة الثالثة، ص 88) لأنها فلسفة تلك المدرسة التى نحا أفرادها منحى اليونان وعرفوا "بالفلاسفة" والتى أخذ بها من قبله الكندى والفارابى وابن سينا فى المشرق، وابن باجة فى المغرب. ولا شك أنه خالف هؤلاء الفلاسفة العظام الذين سبقوه فى عدة مسائل، إلا أن تلك المسائل كانت فى الدرجة الثانية من الأهمية. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إن ابن رشد قد اتبع مذهب أولئك الفلاسفة وطريقهم فى التفلسف.

وعلى هذا فإن شهرة ابن رشد ترجع فى الأغلب إلى عمقه فى التحليل وقدرته فى الشرح، وهما صفتان يصعب علينا اليوم أن نقدرهما حق التقدير لاختلاف طرائق تفكيرنا ومناهجنا العلمية، مع أن هاتين الصفتين كانتا موضع تقدير علماء القرون الوسطى، وخاصة الأوساط اليهودية والنصرانية. وكان الإعجاب بشروحه عظيما حتى بين رجال الدين الذين كانوا يرون فى مذهبه خطرا يهدد العقيدة.

وقد هاجم المتكلمون فى الشرق الإسلامى الفلاسفة فى عنف، وكان كتاب "تهافت الفلاسفة" الذى نقد الغزالى فيه الفارابى وابن سينا على الخصوص أهم أثر لهذا النزاع. أما فى الغرب فقد هاجمهم أولا متكلمو الأندلس من المسلمين، ثم علماء اللاهوت من النصارى عندما ترجمت لهم شروح ابن رشد. وحرم أساقفة باريس وأكسفورد وكانتربرى فى القرن الثالث عشر الميلادى قراءة مصنفات ابن رشد لنفس الأسباب التى حدت بفقهاء الأندلس السنيين إلى تحريم قراءتها. وأهم ما فى مذهب ابن رشد من المسائل

ص: 190

التى اتهم من أجلها بالزندقة ما يأتى: قدم العالم، وعلم الله وعنايته، وكلية النفس والعقل، والبعث. وقد يكون من اليسير أن تظهر زندقة ابن رشد فى هذه المسائل المختلفة، على أنه لم ينكر العقيدة ولكنه فسرها على وجه جعلها تتمشى مع الفلسفة.

ففى مسألة قدم العالم لم ينكر ابن رشد أنه مخلوق، ولكنه جاء برأى فى الخلق خالف فيه المتكلمين بعض المخالفة. فالخلق عنده لم يكن دفعة واحدة، أى مسبوقا بالعدم. ولكنه خلق متجدد آنا بعد آن به يدوم العالم ويتغير؛ وبمعنى آخر: هناك قوة خالقة تفعل باستمرار فى هذا العالم وتحفظ عليه بقاءه وحركته. والأجرام السماوية على وجه خاص لا توجد إلا بالحركة، وهذه الحركة تأتيها من القوة المحركة التى تؤثر فيها منذ الأزل؛ فالعالم قديم ولكنه معلول لعلة خالقه ومحركه، والله وحده قديم لا علة له.

أما فيما يختص بعلم الله فإن ابن رشد يأخذ بذلك الأصل الموضوع الذى قالت به الفلاسفة من قبل وهو "أن المبدأ الأول لا يعقل إلا ذاته"، ولابد أن يكون الأمر كذلك عند هؤلاء الفلاسفة، حتى يحتفظ المبدأ الأول بوحدانيته، لأنه إذا عقل كثرة الموجودات صار متكثرا فى ذاته. وإذا دققنا النظر فى هذا الأصل فإن الموجود الأول يجب ألا يعدو حدود ذاته لأنه لا يعقل غير ماهيته، ويترتب على هذا أن تصبح العناية أمرا مستحيلا. وذلك هو المأزق الذى كان يجتهد المتكلمون أن يدفعوا الفلاسفة إليه.

ولكن مذهب ابن رشد كان أكثر مرونة مما يظن، لأنه يذهب إلى أن الله يعقل جميع الأشياء فى ذاته، وهو لا يعقلها على وجه كلى أو على وجه جزئى كما نعقلها نحن، ولكنه يعقلها على وجه أسمى يدق عن إدراكنا. فعلم الله لا يمكن أن يكون كعلم الإنسان، لأنه لو كان كذلك لكان لله شركاء فى علمه ولما إلها واحدا. زد على ذلك أن علم الله لا يستمد هن الموجودات كما هى الحال عند الإنسان، فهو علم لم تسببه الموجودات بل هو على عكس ذلك علة كل الموجودات. فليس من الصواب

ص: 191

إذا أن نقول كما قال المتكلمون إن مذهب ابن رشد ينكر العناية الإلهية.

أما فيما يتعلق بمسألة النفس فقد اتهم ابن رشد بأنه يذهب إلى أن النفوس الفردية تندمج فى النفس الكلية بعد الموت، وأنه ينكر على هذا النحو خلود كل نفس إنسانية على انفرادها، وليس هذا من الحق فى شئ، إذ أنه يجب أن نميز فى مذهب ابن رشد -كما فى مذاهب غيره من الفلاسفة- بين "النفس" و"العقل"؛ فالعقل مجرد غاية التجريد مخلص عن المادة، ولا يكون بالفعل إلا إذا اتصل بالعقل الكلى أو العقل الفعال" وما نسميه عقلا عند الإنسان ليس إلا قوة أو استعدادا لقبول المعقولات الصادرة عن العقل الفعال، وتسمى هذه القوة "العقل المنفعل"، وهى ليست موجودة بالفعل وإنما يجب أن تخرج إلى الفعل وأن تصير لاعقلا مستفادا"، فهى إذا تتصل بالعقل الفعال الذى هو محل المعقولات الأزلية الأبدية، واتصالها بهذا العقل الفعال تصير بدورها أبدية.

وليس الأمر كذلك فى النفس، لأن النفس عند هؤلاء الفلاسفة هى القوة المحركة التى تحيى الأجسام الطبيعية الآلية [العضوية] وتغذيها وتنميها؛ هى نوع من القوة يحيى المادة، وليس مخلصا من غواشيها كخلوص العقل، بل هو عكس ذلك شديد الاختلاط بها، حتى إن النفس قد تكون متكونة مما يشبه المادة أو من مادة لطيفة بالغة اللطف. وهذه النفوس الانسانية "صور" للأجسام، وهى لذلك لا تتقوم بها بل تبقى بعدها وتستطيع أن تحيا منفردة بعد فناء الأجسام.

وليس هذا البقاء عند ابن رشد إلا مجرد إمكان فحسب، فهو لا يعتقد أن الأدلة الفلسفية البحتة تستطيع أن تعطينا برهانا قاطعا على خلود النفس إذا تصورناها على هذا النحو. وحل هذه المسألة متروك إلى الوحى (تهافت التهافت، ص 137).

وقد اتهم المتكلمون فيلسوفنا أيضا بأنه أنكر بعث الأجسام مع أن مذهبه فى هذه المسألة أقرب إلى التمشى مع العقيدة منه إلى إنكارها. فهو يقول إن

ص: 192

أجسامنا فى الحياة الأخرى لن تكون عين الأجسام التى لنا فى هذه الحياة، ذلك لأن الجسم الذى يفنى لا يبعث بعينه وإنما يبعث شئ يشبهه. والحياة الأخرى عند ابن رشد ستكون أكثر كمالا من الحياة الدنيا، وعلى هذا فإن أجسامنا فى الحياة الأخرى سوف تكون أكثر كمالا منها فى هذه الحياة. على أن ابن رشد لا يقر للك الأساطير والتصورات التى تصاغ عن الحياة الأخرى.

ولما كان أهل السنة قد هاجموا هذا الفيلسوف أكثر من الفلاسفة الذين تقدموه، فقد حدد تحديدا أدق من هؤلاء الصلة بين الحكمة والشريعة، وبسط مذهبه فى هذه المسألة فى الرسالتين اللتين سبق ذكرهما وهما "فصل المقال" و"الكشف عن مناهج الأدلة".

وأول مبادئه فى هذه الصلة هو أن الحكمة ينبغى ان تتمشى مع الشريعة، وقد أخذ بهذا المبدأ جميع فلاسفة الإسلام. ويمكننا ان نقول إن هناك حقيقتين أو بديهيتين هما الحقيقة الفلسفية والحقيقة الدينية. ويجب أن تتفقا معا. فالفلاسفة أنبياء على

أسلوبهم يتوجهون بتعاليمهم إلى العلماء خاصة. ويجب ألا تتعارض تعاليمهم مع تعاليم الأنبياء الحقيقيين الذين أرسلوا إلى جمهور الناس بنوع خاص. وعلى تعاليم الفلاسفة أن تؤدى الحقيقة الدينية عينها ولكن فى ثوب أكثر كمالا وأقل مادية.

ويجب أن نفرق فى الدين بين المعنى الحرفى والمعنى الذى يحتاج إلى التأويل. فإذا بدا لنا أن فى القرآن نصا يتعارض والنتائج الفلسفية فعلينا أن نعتقد أن هذا النص له معنى آخر يخالف المعنى الحرفى، وعلينا أن نبحث عنه. وواجب العامة أن يتمسكوا بالمعنى الحرفى، أما العلماء فشأنهم التأويل. وعلى العامة من الناس أن يقبلوا القصص والرموز كما ينص عليها الوحى. أما الفلاسفة فلهم الحق فى أن يستخلصوا المعانى العميقة المجردة التى تنطوى عليها تلك النصوص. ويجب على العلماء أن يأخذوا أنفسهم بألا يذيعوا تأويلاتهم فى العامة.

ص: 193

وقد بين ابن رشد كيف ينبغى أن يعلم الدين تبعا لمدارك الناس، فقسم الناس تبعا لمواهبهم العقلية إلى ثلاث طبقات: الأولى -وهى أوسع الطبقات- تتألف من هؤلاء الذين يوعظون بكلام الله فيؤمنون، وهم لا يستجيبون إلا للخطابيات؛ والثانية تتألف من اولئك الذين يتم اعتقادهم بعد البرهان، ذلك البرهان الذى يعتمد على مقدمات سبق أن اعتقدوا بها وليست موضع نقد عندهم؛ والثالثة -وهى أقل الطبقات- تتألف من أولئك الذين لا يعتقدون إلا بعد أدلة تستند إلى مقدمات يقينية وثيقة.

وهذا الأسلوب فى تعليم الدين وفقا لمدارك الناس يدل على أن ابن رشد كان عالما نفسيا خبيرا، ولكن قد يستهدف صاحب هذا الأسلوب إلى الاتهام بالغرض، ومن ثم نفهم لماذا أثار هذا الأسلوب شكوك رجال الدين.

ولسنا نعتقد بعد هذا كله أن ابن رشد كان مارقا على الدين حاول أن يحتمى من هجمات أهل السنة بما ذهب إليه من تأويلات تتفاوت قوة وضعفا، بل نعتقد أنه كان ينزع- مثل كثير من علماء المشرق- إلى التوفيق بين المذاهب المتضاربة، قائلا بإخلاص إن الحقيقة الواحدة يمكن أن يتصورها الإنسان بصور مختلفة، ووصل بفضل مقدرته الفلسفية العظيمة إلى التقريب بين المذاهب التى تبدو واضحة التنافر لدى العقول القليلة المرونة.

وقد نقل شروح ابن رشد إلى العبرية فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر يعقوب الأنطولى (1232 م) وهو من مدينة نابلى، وموسى بن تبون (1)(1260 م) وهو من مدينة لونيل، وقلونيموس (2)(1314 م)، وشموئيل بن تبون (3)، ويهودا بن سليمان كوهين

(1) كان موسى وشمونيل من أسرة تبون المشهورة التى انجبت عددا غير قليل من عظماء اليهود وفلاسفتها فى القرن الثانى والثالث عشر للميلاد، استوطنت جنوب فرنسا بعد أن هاجرت من الأندلس من جراء اضطهاد دولة الموحدين لليهود.

(2)

هو قلونيموس بن قلونيموس بن ماير الذى عرف عند الافرنج باسم Maestro Caln ولد سنة 1280. وتوفى سنة 1328 للميلاد.

(3)

اشتهر شموئيل بن تبون بترجمته لكتاب "دلالة الحائرين" للفيلسوف اليهودى موسى بن ميمون من العربية إلى العبرية، وكان ظهور الترجمة العبرية حادثا عظيما فى الحياة العقلية عند اليهود في الغرب والشرق.

ص: 194

(1247 م) وهو من مدينة طُلَيطْلة، وشم طوب بن يوسف بن فلقرى. وقد شرح ليون بن جرشون (4) كتب ابن رشد، كما شرح ابن رشد كتب أرسطو. وفى العالم المسيحى بدأ كل من ميخائيل سكوت وهرهان -وكانا يتصلان ببيت هوهنشتاوفن- بنقل مصنفات ابن رشد من العربية إلى اللاتينية عام 1230، 1240 م. وحوالى نهاية القرن الخامس عشر أصلح كل من نيفوس وزيمارا الترجمات القديمة. وقد ترجم كتب ابن رشد ترجمة جديدة معتمدة على النص العبرى: يعقوب منتينو الطرطوشى، وأبراهام ده بالمز، وجيوفانى فرنشسكو بورانا من فيرونا. وكان نيفوس (1495 - 1497 م) ويونتاس (1553 م) أفضل من ترجم ابن رشد.

المصادر:

(1)

ابن رشد: تهافت التهافت، القاهرة 1303.

(2)

انطون فرح: ابن رشد وفلسفته، الإسكندرية 1903.

(3)

Philosophie and Theo- A. J. Muller dogie von Averroes النص العربى، ميونخ 1859؛ الترجمة الألمانية، ميونخ سنة 1875.

(4)

comento medio di Aver-: Lasinio me ally Pnetica di Aristotele، النصان العربى والعبرى؛ الترجمة الإيطالية، بيزا سنة 1872.

(5)

الكاتب نفسه - Commento medio di Averroe alla Re torica di Aristotele. فلورنسة سنة 1875 - 1878.

(6)

Die: S. Fraenkel. J. Freudenthal -durch Averroes erhaltenen Fragmente Al exanders zur metaphysik des Aristoteles فى مجلة ، Abhandl. d. Kg! . Akad. d. Wiss zu Berlin 1884 .

(7)

كتاب فلسفة ابن رشد، القاهرة 1313 هـ.

(8)

Die Metaphysik des A. Horten Z Averroes ترجمة، فى مجلة

(4) هو ليون بن جرشون المعروف عند الأسبان باسم j Leon de Bagnols وعند بقية الافرنج باسم Leo Hebracus . ولد سنة 1288 وتوفى سنة 1344.

إسرائيل والفنسون

ص: 195

I Philosophie u ihrer Gesch العدد 36، هال سنة 1912.

(9)

الكاتب نفسه: die Hauptiehren des -Sohrift، die Wi في Averroes dach seine؛ derlegung des Gazal، بون سنة 1913.

(10)

La Theorie d'Ibn: Ikon Gauthier Rochd sur les Rapports de la Religion el de la Philosophie باريس 1909.

(11)

Aver-: Miguel Asin y Palacios de roismo teologico de Santo Tomas i Aquina فى Codera، ص 217 وما بعدها.

(12)

Die Lehre von der An-: M. Worms ngslosigkeit der Welt bie den mittel al/ .terlichen arabischen Philosophen etc (ذيل Abhandl. des Ibn Roshd fiber das Problem der Weltschopfg/" ung (فى Mittelalters، المجلد 3، جـ 4، طبعة Baeumker vnn HertlinR، مونستر، سنة 1900.

(13)

Averroes et I'Averroisme: Renan الطبعة الثالثة، باريس سنة 1866.

(14)

Melanges de philosophie: Munk ve؛ باريس سنة 1859.

(15)

انظر للكاتب نفسه مقالة عن ابن رشد فى Dictionnaire des Sci-: Frank ences philosophique.

(16)

Etudes sur la phi- A. F. Mehren -losophie d'Averroes، concernant ses rap d'Avicenne et de Gazali ports avec celle فى مجلة Mu-،(! on، جـ 7.

(17)

La philosophie arabe et la: Forget philos. scholastiqus بروكسل سنة 1815.

(18)

e Widerspriiche d.: T. J. de Boer Philos. u. ihr. Ausgleich durch Ibn Ro.srh l، ستراسبورغ سنة 1894.

(19)

الكاتب نفسه: - The History of Phi Iosophy in Islam. لندن 1903.

(20)

Development of: D. Maconald Muslim Theology نيويورك سنة 1903، ص 255 وما بعدها.

ص: 196

(21)

Die islam u. jUd. Phi-: Goldziher . Jos، فى مجلة المجلد الأول، جـ 5 ص 64 وما بعدها.

(22)

Gesch. d. Ar. Litt.: Brockelmann ، جـ 1، ص 461 وما بعدها، وبه ثبت يكتب ابن رشد.

(23)

Grundriss der: Ueberweg-Heinze Geschichte der Philosophie، جـ 2، فصل 25.

تعليق على مادة "ابن رشد" فلسفة ابن رشد غنية جدًا، يصعب على الناظر جمع عناصرها فى مقال واحد، ولكنا نستطيع أن نرجعها إلى مسألتين أساسيتين:

المسألة الأولى مسألة تركيبية انتقائية جمع فيها أبو الوليد بين الدين والفلسفة. وقد تم له هذا الغرض فى كتاب "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" وكتاب "الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة". ولعل مقالته: فى أن ما يعتقده المشاءون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا فى كيفية وجود العالم متقارب فى المعنى، تشتمل على هذا الغرض أيضا. وقد استطاع أن يجمع بين الحكمة والشريعة كما ذكر البارون (كارًا - دو - فو) بواسطة التأويل، وهذا ما فعله أيضا فى الجمع بين الأدلة المتناقضة فى مسألتى القضاء والقدر والجور والعدل. فلم يتبع فيهما طريقة الأشعرية ولا طريقة المعتزلة، بل طريقة متوسطة، تشتمل على محاسن الطريقتين، وتتجنب مساوئهما، وقد سبقه الفارابى إلى هذه الطريقة فى "الجمع بين رأيى الحكيمين أفلاطون وأرسطو". قال ابن رشد فى "الكشف عن مناهج الأدلة" عند البحث فى القضاء والقدر:"الظاهر من مقصد الشرع ليس هو تفريق هذين الاعتقادين وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذى هو الحق فى هذه المسألة. وذلك أن الله تبارك وتعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هى أضداد، لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التى سخرها الله لنا من الخارج وزوال العوائق عنها كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جميعا" أى بالإرادة

ص: 197

وموافقة الأفعال الخارجية لها. وما أتينا بهذا المثال إلا لنبين أن فلسفة ابن رشد التركيبية فلسفة بسيطة لم تتغلب على المشاكل إلا بالإعراض عنها.

أما المسألة الثانية فهى تحليلية انتقادية تجدها فى شرحه لكتب أرسطو وانتقاده لمن تقدمه من الشارحين ورده على المتكلمين والغزالى وابن سينا. وقد ذكر البارون (كاوا - دو - فو) فى مقاله طريقة ابن رشد الانتقادية ونظن أن هذا القسم الانتقادى هو الصفة الأساسية التى تمتاز بها فلسفة ابن رشد على غيرها. فهو يبين فى انتقاده مراتب الأقاويل فى التصديق والإقناع وقصور أكثرها عن رتبة اليقين والبرهان، ولذلك يذكر فى انتقاده كلام خصومه فيناقشه ويفنده ثم يبين أنه سفسطائى أو خطابى أو جدلى ويعين درجته فى مراتب الجدل: لأن القول الصحيح لا يجوز أن يكون خطابيا ولا جدليا، بل يجب أن يكون برهانيا منطقيا.

وقد ساقته هذه الطريقة الانتقادية إلى مسائل مختلفة منها:

1 -

مسألة إثبات الخالق: ذكر ابن رشد فى انتقاد طريقة الأشعرية أنها أنبنت على بيان أن العالم حادث، وانبنى عندهم حدوث العالم على القول بأن الأجسام مركبة من أجزاء لا تتجزأ وأن الجزء الذى لا يتجزأ محدث والأجسام محدثة بحدوثه. ففريق منهم اعتمد على ثلاث مقدمات هى بمنزلة الأصول لما يرومون استنتاجه: الأولى أن الجواهر لا تنفدُ عن الأعراض، والثانية أن الأعراض حادثة، والثالثة أن ما لا ينفدُ عن الحوادث حادث. وقد رد ابن رشد على هذه المقدمات الثلاث وبين أن الطريقة الشرعية التى دعا الشرع فيها إلى الاقرار بوجود الله تنحصر فى أمرين: أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، وسمى هذا الدليل بدليل العناية. والطريقة الثانية مبنية على ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة فى الجماد والإدراكات الحسية والعقل، وسمى هذا الدليل بدليل الاختراع.

2 -

مسألة حدوث الصور: لقد لام ابن رشد ابن سينا لإذعانه لبعض

ص: 198

مقدمات المتكلمين وتقسيمه الوجود إلى ممكن وواجب، وقوله إن الصورة لا تتولد فى المادة من صورة مادية قبلها، بل يحدثها فيها واهب الصور، وهو عقل مفارق. فمما قاله إن ابن سينا جعل الموجود مركبا من موجودين متباينين هما: الصورة والمادة. ولذلك فهو يرى أن الوالد بالذات للشخص هو شخص مثله، وهذا معنى قول أرسطو أن الأنسان إنما يلده إنسان، وأن الصورة المادية متولدة بالضرورة من صورة مادية ثانية هى فى هيولى، وكأنه اجتمعت فيها الضرورة من وجهين: أحدهما من حيث هى موجودة، والثانى من حيث هى هيولى.

3 -

مسألة العقل: إن نظرية ابن رشد فى العقل تختلف عن نظرية ابن سينا، وقد توصل إليها بانتقاد شرح الإسكندر الأفروديسى لآراء أرسطو. فمن المعلوم أن الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلية صار هو إياها. فإذا كانت الصورة العقلية أزلية أبدية كان العقل أيضا أبديا. ولكن الإسكندر الأفروديسى قد أخطأ فى جعل العقل الهيولانى معرضا للكون والفساد فامتنع عليه إيضاح حصول المعقولات فيه. ولذلك وجب أن يكون الجوهر العاقل واحدا عند جميع الناس، لا يولد، ولا يفسد. أما الذى يفسد ويفنى فهو هذا العقل المنفعل الذى يقبل ما يفيض عليه من العقل الفاعل.

وقصارى القول أن طريقة ابن رشد الانتقادية قد أوصلته إلى جملة من المسائل الفلسفية العميقة، وهى تمتاز على فلسفته الانتقائية التركيبية، ولولاها لما خلد اسمه فى تاريخ الفلسفة ولا كان له هذا الأثر العظيم فى فلسفة القرون الوسطى.

مصادر أخرى:

(1)

تلخيص كتاب المقولات لابن رشد Talkhic Kitab al Maqoulat،، : : Averroes -publie par Maurice Bouyges. S. 1. Bey

(2)

تهافت خوجه زاده، طبع فى القاهرة مع تهافت الغزالى، وتهافت التهافت.

ص: 199