المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مكان تجمع الجيش: - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌جن

- ‌الجنة

- ‌الجهاد

- ‌جهنم

- ‌جهور

- ‌جهينة

- ‌الجواليقى

- ‌الجوبرى

- ‌جودت عبد الله

- ‌الجودى

- ‌جوف

- ‌الجوف

- ‌جوف السرحان

- ‌جوف كفرة

- ‌الجوهر

- ‌جوهر الصقلى

- ‌الجوهرى

- ‌جيزان

- ‌جيش

- ‌حالة الجيش الراهنة:

- ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌توزيع الجيش وسلاحه وزيه:

- ‌المصادر:

- ‌العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌ح

- ‌حاتم

- ‌المصادر:

- ‌حاجب

- ‌1 - الخلافة

- ‌2 - الأندلس

- ‌المصادر:

- ‌3 - دول المشرق

- ‌المصادر:

- ‌4 - مصر والشام

- ‌ المصادر

- ‌5 - إفريقية الشمالية

- ‌حاجى خليفة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن جبلة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن كعب

- ‌تاريخها:

- ‌المصادر:

- ‌حازم بن محمد

- ‌المصادر:

- ‌الحافظ

- ‌المصادر:

- ‌حافظ إبرهيم

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم بأمر الله

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم النيسابورى

- ‌المصادر:

- ‌حام

- ‌المصادر:

- ‌الحامدى

- ‌المصادر:

- ‌حايل

- ‌المصادر:

- ‌حبة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب بن مسلمة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب النجار

- ‌المصادر:

- ‌الحجاب

- ‌المصادر

- ‌المصادر:

- ‌الحجاز

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحج

- ‌1 - الحج فى الإِسلام

- ‌2 - أصل الحج فى الإِسلام:

- ‌3 - الحج فى الجاهلية:

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحج

- ‌حجة

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حجر

- ‌المصادر:

- ‌حد

- ‌الحديبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديبية

- ‌الحديث

- ‌1 - موضوع الحديث وصفته

- ‌2 - نقد المسلمين للحديث

- ‌3 - تصنيف الحديث

- ‌4 - مجموعات الحديث

- ‌5 - رواية الحديث

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديث

- ‌الحديث القدسى

- ‌المصادر:

- ‌حرب

- ‌(1) النظرة الشرعية

- ‌المصادر:

- ‌(2) الخلافة

- ‌المصادر:

- ‌(3) سلطنة المماليك:

- ‌مكان تجمع الجيش:

- ‌نظام المعركة فى الميدان:

الفصل: ‌مكان تجمع الجيش:

وكان خروج الجيش من القاهرة إلى مكان قريب للتجمع يسمى "تبريز". وحين كان السلطان يخرج بنفسه إلى المعركة فإنه يكون فى جميع الأحوال قائد "التجريدة" فإذا لم يخرج تولاها الأمير الذى تخوله رتبته ومنصبه أن يجلس أقرب ما يكون إلى السلطان فى المحافل الرسمية. وكان اللقب المألوف لهذا القائد حتى منتصف القرن التاسع الهجرى تقريبًا (الخامس عشر الميلادى) هو "مقدم العسكر" أو "العساكر"؛ وقلما كان يلقب بمقدم الجيش أو الجيوش؛ وكان لقبه يختصر أحيانًا فيقال المقدم فحسب. وفى الحملات التى تقتضى رحلات بحرية، كان يقام فى بعض الأحيان قائدان: مقدم العسكر فى البحر، ومقدم العسكر فى البر (النجوم الزاهرة، جـ 2، ص 548).

‌مكان تجمع الجيش:

إذا استثنينا السنوات الأولى القليلة للحكم المملوكى فإن المماليك كانوا يجعلون المكان الذى تتجمع فيه جيوشهم التى تقوم بالحملات قرب القاهرة. وقد أقام السلطان الصالح نجم الدين أيوب (637 - 647 هـ = 1240 - 1249 م) سنة 676 هـ (1248 م) مدينة الصالحية فى الجزء الشمالى الشرقى من مصر السفلى لتخدم غرضين: أن تكون مكان استراحة للجيوش العائدة بعد عبورها صحراء سيناء؛ ومكان تجمع للجيوش الخارجة قبل تحركها فى سيرها المنتظم إلى الشام. وقد استغنى المماليك عن الغرض الثانى بعد تسلمهم مقاليد السلطة. ولعل السلطان قطز فى سيره إلى عين جالوت كان آخر سلطان استخدم الصالحية فى هذا الغرض (السلوك، جـ 1، ص 330، س 4 - 6، ص 373، س 15 - 17، ص 381، س 6 - 21، ص 382، س 15 - 16؛ ص 411، س 4 - 5، ص 429، 13 - 14؛ النهج السديد، جـ 20، ص 18، س 18، الخطط، جـ 1، ص 184، س 22 - 24، ص 232، س 3 - 11). ومن وقتها درج المماليك على تجميع جيوشهم بالقرب من القاهرة. وكان مكان تجميعها أول الأمر فى مسجد التبر (يحرف فى كثير من

ص: 3542

الأحيان فيقال التبن)، ولكنهم استبدلوا بهذا المسجد منذ نهاية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) الريدانية التى وفت فى الوقت نفسه بغرض تجمع قافلة الحجيج إلى مكة فيها.

السلطان فى الريدانية: كان محور مضارب الجيش فى الريدانية بطبيعة الحال هو مضرب السلطان نفسه. وقد كان يقام فى نهاية صف مضارب الأمير التى كانت تنتظم من حيث المبدأ على أساس أن تكون المضارب الأقل أهمية فى المقدمة فى حين تأتى المضارب الأكثر أهمية فى المؤخرة (الظاهرى: الزبدة، ص 136 - 137؛ ). وكان النظام المتبع لحراسة خيمة السلطان فى قول المصادر المملوكية، شبيها كل الشبه بالحراسة داخل الخيمة (صبح الأعشى، جـ 4، ص 48، س 2، جـ 9، ص 49، س 13، ص 56، س 15 - 17؛ ضوء الصبح، ص 258، س 1 - 4؛ الخطط، جـ 2 ص 210، ص 210، س 30 - 36؛ الحوادث. ص 680، س 11 - 12). وكانت حاشية السلطان بأسرها تسمى "الركاب الشريف (أو السلطانى).

وكان الجيش فى الميدان لا يحمل معه أية منشآت خاصة لأداء الصلوات اليومية، وقد يقتضى ذلك فيما يقتضى أن يؤدى الجيش صلواته وهو فى الميدان فى العراء والاستثناء الوحيد لذلك هو ما فعله بيبرس الأول، فقد أمر سنة 661 هـ (1262 - 1263 م) بإقامة جامع خيام (جامع خام) اقتضى الأمر إقامته على يمين الخيمة السلطانية.

وكان لهذا الجامع محراب ومقصورة (ابن عبد الظاهر، طبعة- Sa deque، ص 89 - 90، المتحف البريطانى، المخطوطات الإضافية رقم 331، 23، ورقة 71 ب، س 3 - 7). وأغلب الظن أن بيبرس قد ائتسى فى هذا المقام، كما فى غيره، بالمغول، ونحن قد استقينا المعلومات عن استخدامهم لهذه المساجد من وليام الربركى (لندن، سنة 1900، جـ 29، 31، ص 29) وكان لبركه خان حاكم القبيلة الذهبية وخليف بيبرس مساجد خيام (مساجد

ص: 3543

خام! ) حيث كانت تؤدى الصلوات الخمس اليومية (اليونينى جـ 2، ص 365، س 6 - 7). وقد رأى ابن بطوطة (جـ 2، ص 380 = طبعة كب، جـ 2، ص 482) بعض هذه المساجد عند القبيلة الذهبية فى تاريخ متأخر عن ذلك كثيرًا. وانظر عن التزام الجنود الدقيق بأداء الصلوات حتى أصبحت عندهم عادة فى ظل بيبرس الأول: كتاب ابن عبد الظاهر (ورقة 63 ب، س 13 - 15).

من الريدانية إلى دمشق (أو حلب): وكان الجيش فى جميع الأحوال يخرج من الريدانية جماعات منفصلة، ويدخل قصبة الشام على هذا النمط (أرسالا، أفواجًا، على دفعات)، ومن ثم تنشر الحملة التأديبية مسافة طويلة فى تقدمها. وقد خبّرنا فى بعض المناسبات بأن ميسرة الجيش المصرى وميمنته وقلبه قد دخلت دمشق فى ثلاثة أيام متعاقبات (النهج السديد، جـ 20، ص 22، س 3 - 6؛ ابن الدوادارى: كنز الدرر، طبعة Roemer، جـ 9، ص 32.، س 10 - 13). وإنما نستدل من شواهد أخرى هل كان الجيش المملوكى يتقدم دائمًا بنفس التشكيل الذى يخوض به ميدان المعركة؟

وكان من أكثر الإجراءات المألوفة التى يتخذها الجيش المتقدم هو إنفاذ كشافة خاصة إلى مختلف الاتجاهات.

وكان يصحب الحملة العسكرية قافلة كبيرة جدًا من الجمال تحمل أثقالها. وكان كل مملوك يشترك فى حملة يتلقى على، الأقل جملا واحدًا، وكان فى بعض الأحيان يتلقى جملين، على حين كان جنود الحلقة من غير المماليك يتلقى كل رجلين منهم ثلاثة جمال (انظر D.Ayalon في Journal of the -Economic and Social History of the Ori ent، جـ 1، سنة 1958، ص 270 - 271). وقد جعل السلطان برقوق لمماليكه 7،000 جمل و 5،000 جواد حين كان يخطط سنة 796 هـ (1394 م) لحملته على تيمور لنك (ابن الفرات، ص 380، س 13 - 16. النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 562، س 6 - 8). وكانت أكبر الحملات تتطلب من

ص: 3544

800 إلى 1000 جمل لحمل السلاح الخفيف دون سواه (ابن الفرات، ص (371، س 8 - 11؛ ابن قاضى شهبة، ورقة 99 أ، س 6 - 7). وكانت البغال قلما تستخدم لحمل متاع الجيش، وقد استخدمها جيش السلطان سنة 691 هـ (1292 م) فى إقليم حلب لأن معظم الجمال نفقت بفعل وباء من الأوبئة (بيبرس المنصورى، ورقة 111 أ، س 6 - 9). وكذلك كان استخدام العجلات لحمل عدد الحصار نادرا جدا.

وكان الجيش المتقدم يصحبه فى جميع الأحوال كثير من الأطباء والجراحين والصيدلانية ومقادير كبيرة من العقاقير (انظر مثلا صبح الأعشى، جـ 4، ص 49، س 4 - 7) ومع ذلك فالظاهر أن عدده كان يتناقص فى كثير هن الأحيان بفعل الأمراض التى كانت تدهم أفراده فى تقدم الجيش وهذا بخلاف الأوبئة التى كانت فى كثير من الأحوال تفتك فتكا بالمماليك وخاصة الشباب منهم، (انظر Ayalon D. فى. Journ of the Roy .As. Soc سنة 1946، ص 62 - 73). ولا تنبئنا المصادر كيف وأين يعالج المرضى. وكان الضعفاء ومن يتخلفون وراء الجيش يعادون فى كثير من الأحيان إلى مصر.

وتسوق المصادر المملوكية معلومات وافرة موثوقا بها عن الجدول الزمنى لسير الجيش على الطريق الرئيسى لتقدمه من القاهرة إلى غزة إلى دمشق فحماة فحمص فحلب (وانظر الثبت المفصل للمحطات على طول الطريق Egypt and Syria. under the: W. Popper Circassian Sultans، ص 47، 48 - 49). وهذه المعلومات ليست موزعة بالقسطاس على العصر المملوكى، ذلك أن المصادر لا تذكر هذا الجدول إلا حين كان السلطان نفسه هو الذى يقود الحملة العسكرية. أما المعلومات عن الأقاليم القائمة خارج خط القاهرة - حلب، أى منطقة الدلتا، ومصر الوسطى والعليا والحجاز، فمتفرقة.

وكان سير الجيش من القاهرة إلى حلب يستغرق ما بين 30 يومًا وأربعين يوما؛ ومن القاهرة إلى دمشق ما بين 20 يومًا وخمسة وعشرين يومًا، ومن

ص: 3545

القاهرة إلى غزة ما بين عشرة أيام أو اثنى عشر يومًا؛ ومن غزة إلى بيسان من خمسة أيام إلى ستة أيام، ومن بيسان إلى دمشق ما بين ثلاثة أيام وأربعة أيام؛ ومن دمشق إلى حمص ما بين يومين وثلاثة أيام؛ وما بين حماة وحلب من يومين إلى ثلاثة أيام. وكانت هذه الأرقام أحيانًا تشمل أيام الراحة فى المحطات الوسطى وأحيانًا لا تشملها. وكان متوسط مدد الراحة فى المحطات الرئيسية: فى غزة ما بين ثلاثة أيام وخمسة أيام؛ وفى بيسان، ما بين يومين وثلاثة أيام؛ وفى دمشق ما بين خمسة أيام وسبعة أيام، وفى حماة ما بين يومين وثلاثة أيام. وكانت مدة الراحة فى حمص وكذلك المدة المطلوبة لنقطع المسافة بين حمص وحماة، غير مقررة.

وثمة ظاهرة فى الحملات الحربية عند المماليك وهى أنه لم تكن هناك نسبة ثابتة بين الضباط والجنود فى معظم عصر المماليك على الأقل. صحيح أن القاعدة كانت تقتضى أن يكون تحت إمرة أمير الألف ألف جندى من جنود الحلقة وعدد غير محدد من أمراء الأربعين وأمراء العشرة، إلا أن مقدم الحلقة كان يجب أن يكون تحت إمرته أربعون من جنود الحلقة فى المحلة الواحدة (انظر D .Ayalon فى Bulletin of the School of Oriental and African Studies جـ 15 سنة 1953، ص 450 - 451). وليس من الواضح إلى أى حد كان هذا فى الواقع يطبق أثناء العصر الأول للمماليك، حين كانت الحلقة لا تزال قوية وافرة العدد. ولكن الحلقة كانت فى معظم هذا العصر تتقلص باطراد. وقد توقفت فى عصر المماليك الجراكسة عن المضى إلى المعركة توقفًا يكاد يكون تامًا. وحين كانت الحلقة تمضى إلى الحرب فإن عدد أفرادها لم يكن يتجاوز بحال مئات قليلة. واسم "مقدم حلقة" نفسه الذى كان كثير التردد فى عصر المماليك البحرية، اختفى كلية فى عصر المماليك الجراكسة (انظر BuIIetin of the SchooI of OrientaI and African Studies جـ 15، ص 448 وما بعدها؛ وهذا يتضمن أن النسبة المذكورة آنفا بين الجنود فحسب وبين من يفوقونهم فى

ص: 3546

الرتبة إبان الحملة لم يكن له إلا قيمة قصاصة الورق.

أما المماليك السلطانية (انظر Bulletin of the School of Oriental and African Studies، جـ 15، ص 204 وما بعدها) الذين كانوا قوام الجيش يتحملون عبء القتال فإننا لا نعلم حتى النسبة النظرية بين ضباطهم وجنودهم إبان الحملة. ويذكر أن عدد المماليك السلطانية بلغ فى الروك الناصرى لسنة 715 هـ (1315 م) 2000 وبلغ عدد قوادهم (مقدمو المماليك السلطانية) 40 مقدمًا. ولكننا لا نعلم هل قامت هذه النسبة قبل هذه السنة أو بعدها وهل اصطنعت بصفة خاصة فى ميدان المعركة.

وبحسب حالة معلوماتنا فإنه لم يكن وجد إلا تشكيل واحد يشترك فى المعركة التى يمكن وصفها وصفا وافيا. وهذا التشكيل الذى يسمى "طُلب"(والجمع "أطلاب") والذى تردد ترددًا كثيرًا فى المصادر، كان ذا طبيعة مهلهلة جدا، وربما كان عدد الجنود المشتركين فيه يختلف اختلافًا كبيرًا. وكان التشكيل الذى يخرج للحرب تحت إمرة أمير يتكون من "طُلبْ" كما كانت المماليك السلطانية كلها المشتركة فى حملة من الحملات ويزيد عدد جنودها كثيرًا عن عدد جميع الأطلاب الأخرى مجتمعة، تؤلف طلبًا واحدًا فقط.

السَّرية والخدع الحربية: لم تكن تبذل إلا محاولة قليلة - أو قل إنه لم تكن تبذل أية محاولة - لإخفاء الاستعدادات لشن حملة مملوكية أو إخفاء هذه الاستعدادات. وكانت إقامة علم الحرب، والاستعراض والتفتيش، ودفع الأعطيات فى محفل، قبل خروج التجريدة تتيح للعدو تحذيرًا وافيًا بأن الهجوم وشيك. ولما كان المماليك لا يستعملون الطريق البحرى لنقل جيوشهم أو عتادهم إلى الشام إلا نادرًا فإنه لم يكن لهم بد من حصر أنفسهم فى طريق برى واحد من القاهرة إلى غزة، وكان هذا ييسر إلى حد كبير مهمة العدو فى مراقبة تحركاتهم، وكان الموقف فى الشام، بالرغم من أنه أفضل بعض الشئ، إلا أنه لم يكن فى جوهره مختلفًا عن ذلك، صحيح أنه كان ثمة طريقان من غزة إلى دمشق، يتبع الأول

ص: 3547

الساحل ثم ينثنى مخترقًا وادى إسدرالون مباشرة إلى بيسان، ويخترق الآخر الكرك فى شرقى الأردن، إلا أن الطريق الأول هو الذى كان يستعمل فى الغالب لأنه كان أفضل كثيرًا من الثانى. زد على ذلك أن المؤن التى تعد على طول الطريق الذى يسلكه الجيش قبل خروجه بأمد طويل دون أى محاولة للتخفى كانت تنبئ العدو بالناحية بالضبط التى يتوقع منها الهجوم.

على أن المرء يمكن أن يجد شواهد على محاولات بذلت لتضليل العدو؛ فقد حدث مرة حين خرج بيبرس الأول على رأس جماعة من فرسانه أن منع رجاله من شراء الطعام والعليق حتى يخفوا هويتهم (السلوك، جـ 1، ص 598). وكان السلطان ططر (824 هـ = 1421 م) يعد من أعظم الخبراء بين سلاطين المماليك فى استعمال الخدع والمكائد، ذلك أنه حين خرج لقتال منافسيه من الأمراء فى الشام لم يرفع "الجاليش") انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 490 - 498)، كما قطع جميع المواصلات بين مصر والشام. وهذه الفعال التى سميت "تعمية الأخبار"(النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 495؛ ابن الفرات، جـ 9، ص 72، س 5 - 7؛ النجوم، طبعة القاهرة، جـ 8، ص 152 - 153) قد أثنى عليها المؤرخ وقال إن ططر فى هذا الصدد قد سار على نهج سلاطين المماليك الأولين (النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 494 - 496). وهناك شواهد أخرى على قطع المواصلات بين أجزاء مختلفة من السلطنة لإخفاء تحركات الجيش. وقد سجلت أيضًا حيل أخرى اصطنعها سلاطين المماليك. فقد وزع السلطان برسباى "نفقة السفر" ليجعل قرايلك يظن أن برسباى قد اعتزم أن يهاجمه. على أنه خشى ألا يستطيع استرداد ماله فوزع النفقة على الأمراء فحسب ولم يوزعها على المماليك السلطانية (النجوم جـ 6، ص 685 - 687). وقد لجأ السلطان المؤيد شيخ إلى عدة حيل استخدمها ضد نوروز الحافظى (النجوم، جـ 6، 336 - 337) ومن هذه إشعاله كثيرًا من النيران فى الخيمة التى كان قد تركها وشيكًا، فجعل

ص: 3548

نوروز بذلك يظن أن عدوه ما زال هناك هو وجيشه (النجوم جـ 6، ص 147، س 5 - 7). وكان جنود المماليك فى معاركهم مع المغول يرتدون فى بعض الأحيان قلانس "سراقوج" ليضللوا عدوهم فلا يعرف من هم. وكذلك كان الجنود الأرمن فى معسكر المغول يضعون على رؤسهم هذا اللباس حتى يحسبهم العدو من المغول (السلوك، جـ 1، ص 511، س 10 - 11، ص 783، س 14 - 15، انظر المصدر نفسه، ترجمة Quatremere، جـ 1/ 1، ص 235؛ ابن عبد الظاهر، ورقة 78 ب، س 7 - 8؛ Supplement: Dozy s، هذه المادة، Mamluk Costume: L.A. Mayer الفهرس، مادة Saraquj).

نظام الجيش: اضمحل كثيرًا نظام الجيش المملوكى فى عصر الجراكسة بالقياس إلى نظامه فى عصر المماليك البحرية، وانحدر إلى أسفل درك فى العقود الأخيرة من حكم المماليك (انظر عن نظام الجيش وقت السلام Bulletiin of the School of Oriental and African Studies، جـ 15، ص 211 - 213).

وفى عصر المماليك البحرية لم تبد إلا شواهد قليلة على العصيان فيما يتصل بالحملات، وإذا حدث ذلك فإنه كان يعاقب عليه أشد العقاب (انظر مثلا: السلوك، جـ 1، ص 544، س 13 - 15، ابن كثير، جـ 14، ص 2). أما فى عصر المماليك الجراكسة فإن الموقف الذى ساد كان موقفًا مختلفًا عن ذلك كل الاختلاف. فقد أصبح القعود عن الاشتراك فى حملة يزداد كثرة بين المماليك السلطانية، وهم الجماعة العسكرية الوحيدة الجديرة بهذا الإسم فى ذلك العهد. وكان التهديد بأقصى العقاب، وهو الشنق فى الغالب، يمر بلا مبالاة على الإطلاق، بل لقد حدث أن حملة تأديبية بأسرها لم تقدم نفسها لأداء الواجب فيما عدا القواد بالرغم من استدعائها مرارًا وتكرارًا على أن مثل هذه الشواهد على العصيان وقعت بين الحين والحين فى حالة الحملات الصغيرة فقط إلى مصر العليا أو السفلى أو الحجاز وما إلى ذلك (النجوم الزاهرة، جـ 5، ص 28؛ جـ 7، ص 756، س 9 - 13، ص

ص: 3549

725، س 2 - 4، الحوادث، ص 26 س 14 - 7، س 121 ص 553، س 14 - 19).

وكان أفراد الحملة فى بعض الأحيان يجتمعون فى مكان التجمع ويخرجون إلى المعركة دون أن ينتظروا الأمر بالتحرك (النجوم، جـ 6، ص 259، س 1 - 19؛ جـ 7، ص 264، س 8 - 9). وكانت الحملة إذا خرجت للقتال بعزم وبلا استحثاث يعدها المؤرخ "شيئًا عظيمًا إلى الغاية"(النجوم الزاهرة، جـ 7، ص 408، س 1 - 3). وكانت الحملة الوحيدة التى تحمس فيها الجيش المملوكى كله للحرب فى عصر المماليك الجراكسة هى الحملة على قبرس سنة 829 هـ (1426 م؛ انظر النجوم الزاهرة، جـ 6، ص 600).

وثمة صورة أخرى من صور العصيان جرت وهى عودة أقسام من الحملة التأديبية، بل الحملة كلها، من ميدان القتال أو من إحدى المحطات على الطريق إلى القاهرة دون إذن من السلطان. وهذه الظاهرة أصبحت شائعة منذ قيام السلسلة الطويلة من المعارك بين المماليك وبين الزعيم التركمانى شاه سُوار وحلفائه العثمانيين أيام السلطان قايتباى، على أن الدلائل الأولى عليها كانت قد ظهرت فى تاريخ متقدم عن ذلك (ابن خلدون: جـ 5، ص 483، س 13 - 15). وكان عدد الجنود العائدين إلى القاهرة مخالفين للأوامر يكثر بصفة خاصة حين يمتد أجل الحملة وتكون عسيرة. إذ كانت ندرة الطعام والعليق والأثمان الباهظة تضطرهم إلى بيع جيادهم وسلاحهم وأزيائهم العسكرية (انظر عن الزى العسكرى المملوكى Mamluk: L.A. Mayer Costume، ص 19 - 20) والعودة إلى الوطن. وفى هذه الحالة يصبح غضب السلطان عديم الجدوى، ولم يكن له خيار إلا أن يلوذ بالصمت. وقد جرت الحال بأن يعود الآبقون سرًا ويظلوا مختفين حتى يهدأ غضب السلطان، ولكن كان يحدث أن يدخلوا القاهرة جهرًا ويطالبوا فى وقاحة بزيادة فى أعطياتهم. ولم ينجح

ص: 3550