الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث
(*)
لهذه الكلمة معنى عام هو الخبر أو المحادثة، دينية كانت أم غير دينية؛ (1) ثم أصبح لها معنى خاص، هو ما ورد عن النبى [صلى الله عليه وسلم] ورواه صحابته من قول أو فعل. وفى هذا المعنى يطلق على جملتة عند المسلمين اسم "الحديث"، ويطلق على العلم الخاص به "علم الحديث".
1 - موضوع الحديث وصفته
كان السير على سنة الآباء الأولين (والسنة هى النهج القديم المأثور الذى يعتاده المرء فى المبادلة والأخذ والعطاء)(انظر Muhamm. Stud.: Goldziher؛ جـ 1، ص 41، تعليق 8) ولما جاء الإسلام لم يُبق على القديم، وهو اتباع عادات الآباء الكفار وأحوالهم وكان لا بد للمسلمين من أن ينشئوا لهم سنة جديدة. فأصبح واجبًا على المؤمن أن يتخذ من خلق الرسول وصحابته مثلا يحتذيه فى جميع أحوال معاشه، ولهذا بذل كل جهد ممكن فى سبيل جمع أخبار النبى [صلى الله عليه وسلم] وصحابته (2).
وفى أول الأمر كان الصحابة أحسن مرجع لمعرفة سنة محمد [صلى الله عليه وسلم]، فهم قد عاشروه، وسمعوا قوله بآذانهم، وشاهدوا فعله بأبصارهم. ثم كان على المسلمين بعد ذلك أن يطمئنوا إلى أخبار التابعين وهم أهل الجيل الأول بعد النبى [صلى الله عليه وسلم]، وقد أخذوا الحديث عن الصحابة. واطمأنت نفوس المسلمين فى الأجيال اللاحقة إلى الوثوق بروايات تابعى التابعين أيضًا، وهم من أهل الجيل الثانى بعد النبى [صلى الله عليه وسلم] وقد عاصروا الصحابة وهكذا (3).
واحتفظت الأحاديث بصبغة الأقوال الشخصية أجيالا عدة، فكان كل حديث صحيح يتألف من شطرين: الأول عبارة عن أسماء الرواة الذين نقلوا المتن أحدهم عن الآخر، ويسمى هذا الشطر "الإسناد" أو "السند" أى البرهان على صحة الرواية. فمن يروى الحديث كان يقول: سمعت فلانًا، أو حدثنى فلان عن فلان، وهكذا يبدأ الإسناد بالمحدث، ثم
(*) توجد تعليقات على هذه المادة لاحقة بها.
يذكر سلسلة السند إلى أن يرفع الحديث إلى مصدره الأول.
والشطر الثانى من الحديث هو "المتن" أى النص أو القول المروى (انظر تفصيل ذلك فى Goldziher: المصدر المذكور، جـ 2، ص 6 - 8)
وبعد وفاة محمد [صلى الله عليه وسلم] لم تستطع الآراء والمعاملات الدينية الأصلية التى سادت فى الرعيل الأول أن تثبت على حالها من غير تغير: فقد حل عهد للتطور جديد، وبدأ العلماء يدخلون شيئًا من التطور فى نظام مرتب من الأعمال والعقائد يتواءم والأحوال الجديدة. فقد أصبح الإسلام بعد الفتوح العظيمة يبسط سيادته على مساحات شاسعة، واستعير من الشعوب المغلوبة على أمرها آراء ونظم جديدة، وتأثرت حياة المسلمين وأفكارهم حين ذاك فى بعض النواحى بالاسرائيليات وغيرها.
وعلى أية حال فإن المسلمين التزموا أيما التزام المبدأ القائل بأن سنة النبى [صلى الله عليه وسلم] والسابقين الأولين فى الإسلام هى وحدها التى يمكن أن تكون القانون الخلقى للمؤمنين.
وسرعان ما أدى هذا بالضرورة إلى وضع الأحاديث فاستباح البعض لأنفسهم اختراع أحاديث تتضمن القول أو الفعل ونسبوها إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] لكى تتفق وآراء العصر التالى، وكثرت الأحاديث الموضوعة وتداولها الناس منسوبة إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] بحيث تجعله يقول أو يفعل شيئًا مما كان يعد فى ذلك العصر من الأمور المستحسنة وظهرت فى الحديث أقوال مأخوذة من أقوال الرسل والأناجيل المنحولة، ومن الآراء الإسرائيلية والعقائد الفلسفية اليونانية إلخ .. تلك الآراء التى لقيت الحظوة عند فريق معين من المسلمين، ونسبت كل هذه الأقوال إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] (انظر جولدتسيهر: المصدر المذكور، جـ 2، ص 582 وما بعدها؛ Neu-: Goldziher -testamentliche Elemente in der Trad itionslitteratur der Islam فى oriens Christianus طبعة 1902، ص 390 وما بعدها).
ولم يتورع الناس عند ذاك عن أن يجعلوا النبى [صلى الله عليه وسلم] يفصِّل على هذا النحو القصص والأساطير التى وردت
موجزة فى القرآن ويدعو إلى آراء ومعتقدات جديدة إلخ .. بل جعلوا كثير من هذه الأحاديث الموضوعة تتناول أحكام: كالحلال والحرام والطهارة وأحكام الطعام، والشريعة، وآداب السلوك ومكارم الأخلاق. ثم وضعت أحاديث تتناول العقائد، ويوم الحساب، والجنة والنار، والملائكة والخلق، والوحى والأنبياء السابقين. وفى الجملة وضعت أحاديث فى ما يتعلق بالصلة بين الله والإنسان وتشتمل هذه الأحاديث الموضوعة كذلك على عظات وتعاليم خلقية نسبت إلى النبى [صلى الله عليه وسلم].
ومع مضى الزمن ازداد ما روى عن النبى [صلى الله عليه وسلم] من قول أو فعل شيئًا فشيئًا فى عدده وفى غزارته. وفى القرون الأولى التى تلت وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم] عظم الخلاف بين المسلمين على جملة من الآراء فى مسائل تختلف طبائعها أشد الاختلاف، وعملت كل فرقة على تأييد رأيها على قدر ما تستطيع بقول أو تقرير منسوب إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] ومن استطاع أن يرد رأيه إلى أثر من آثار النبى [صلى الله عليه وسلم] فهو على الحق من غير شك. ولهذا وجدت الأحاديث الموضوعة فى سنة محمد [صلى الله عليه وسلم](4).
وفى الخلافات الكبرى التى نشأت عن العصبية، جرى كل فريق على التوسل بمحمد [صلى الله عليه وسلم] (انظر Goldziher: . Muhamm. Stud، جـ 2، ص 88 وما بعدها فمثلا نجد أنه قد نسب إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] قول تنبأ فيه بقيام دولة العباسيين. وجملة القول إنهم جعلوه يتنبأ، على نحو تمتزج فيه الرؤية بالنبوة، بما جرى بعد ذلك من حوادث سياسية وحركات دينية، بل بالظواهر الاجتماعية الجديدة التى إنما نشأت من الفتوح العظيمة (كازدياد الترف) وكان غرضهم تبرير كل ذلك فى نظر الجماعة الجديدة.
وهناك قسم خاص من هذه الأحاديث التنبئية وضعت فى صورة أقوال نسبت إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] تتعلق بفضائل أماكن متعددة ونواح فى بلاد لم يفتحها المسلمون إلا فى عصر متأخر (انظر Goldziher: نفس المصدر، جـ 2، ص 28 وما بعدها).
وعلى هذا لا يمكن أن تعد الكثرة الغالبة من تلك الأحاديث وصفًا
تاريخيًا لسنة النبى [صلى الله عليه وسلم]؛ بل هى تمثل آراء اعتنقها بعض أصحاب النفوذ بعد وفاة محمد [صلى الله عليه وسلم]، ونسبت إليه عند ذلك فقط (5).
والعلم مدين دينًا كبيرًا لما كتبه جولد تسيهر Goldziher فى هذا الموضوع (انظر. Muhamm. Stud طبع هال سنة 1890، وغيره من مؤلفاته).
وهو مدين كذلك لما كتبه سنوك هرجرونييه G. Snouck Hurgronje (انظر من بين مؤلفاته العديدة رسالته المسماة Le Droit Musulman فى مجلة تاريخ الأديان Revue de l'histoire de Religions جـ 36، ص 6 وما بعدها).
فهذان العالمان هما اللذان بيَّنا لأول مرة فى وضوح وجلاء صفة الحديث الحقيقية وأهميته التاريخية من هذه الناحية (6).
ومع أن المسلمين كانوا يلعنون
واضعى الأحاديث ومن يذيعها بين
الناس عن سوء قصد، إلا أن ثمة
اعتبارات مخففة أخذ بها فى
بعض الأحوال وبخاصة إذا كان
الحديث الموضوع يتناول بعض
العظات أو التعاليم الخلقية (7) راجع
التفصيلات فى (Goldziher المصدر
المذكور، جـ 2، ص 131 وما بعدها
وص 153 وما بعدها، والكاتب نفسه
فى - Zeitschr. der Deutsch Morgenl Ge sellsch جـ 61، ص 860).
والعالم الإسلامى كله يجعل للحديث مكانة عظيمة تتلو مكانة القرآن. وسرعان ما تغلب المسلمون على ما قام فى بعض الدوائر من الاعتراض على جمع الحديث وإذاعته بين الناس (انظر مقال Kaempfe um die Stellung: Goldziher ،des Hadith im Islam ، فى Zeitschr der Deutsch Morgenl. Gesellsch جـ 61، ص 860، وما بعدها).
وفى بعض الحالات يعتقد أن "كلام الله" نفسه يوجد فى الحديث كما يوجد فى القرآن. ومثل هذا الحديث يبدأ عادة بعبارة "قال الله" ويسميه علماء المسلمين "الحديث القدسى أو الإلهى" ويطلقون على غيره اسم "الحديث النبوى". وهناك ثبت بالأحاديث النبوية فى مخطوط بمكتبة ليدن رقم 1562 (Catal. Cod. Or جـ 4، 98).