المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليقات على مادة "الحج - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌جن

- ‌الجنة

- ‌الجهاد

- ‌جهنم

- ‌جهور

- ‌جهينة

- ‌الجواليقى

- ‌الجوبرى

- ‌جودت عبد الله

- ‌الجودى

- ‌جوف

- ‌الجوف

- ‌جوف السرحان

- ‌جوف كفرة

- ‌الجوهر

- ‌جوهر الصقلى

- ‌الجوهرى

- ‌جيزان

- ‌جيش

- ‌حالة الجيش الراهنة:

- ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌توزيع الجيش وسلاحه وزيه:

- ‌المصادر:

- ‌العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌ح

- ‌حاتم

- ‌المصادر:

- ‌حاجب

- ‌1 - الخلافة

- ‌2 - الأندلس

- ‌المصادر:

- ‌3 - دول المشرق

- ‌المصادر:

- ‌4 - مصر والشام

- ‌ المصادر

- ‌5 - إفريقية الشمالية

- ‌حاجى خليفة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن جبلة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن كعب

- ‌تاريخها:

- ‌المصادر:

- ‌حازم بن محمد

- ‌المصادر:

- ‌الحافظ

- ‌المصادر:

- ‌حافظ إبرهيم

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم بأمر الله

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم النيسابورى

- ‌المصادر:

- ‌حام

- ‌المصادر:

- ‌الحامدى

- ‌المصادر:

- ‌حايل

- ‌المصادر:

- ‌حبة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب بن مسلمة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب النجار

- ‌المصادر:

- ‌الحجاب

- ‌المصادر

- ‌المصادر:

- ‌الحجاز

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحج

- ‌1 - الحج فى الإِسلام

- ‌2 - أصل الحج فى الإِسلام:

- ‌3 - الحج فى الجاهلية:

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحج

- ‌حجة

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حجر

- ‌المصادر:

- ‌حد

- ‌الحديبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديبية

- ‌الحديث

- ‌1 - موضوع الحديث وصفته

- ‌2 - نقد المسلمين للحديث

- ‌3 - تصنيف الحديث

- ‌4 - مجموعات الحديث

- ‌5 - رواية الحديث

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديث

- ‌الحديث القدسى

- ‌المصادر:

- ‌حرب

- ‌(1) النظرة الشرعية

- ‌المصادر:

- ‌(2) الخلافة

- ‌المصادر:

- ‌(3) سلطنة المماليك:

- ‌مكان تجمع الجيش:

- ‌نظام المعركة فى الميدان:

الفصل: ‌تعليقات على مادة "الحج

‌تعليقات على مادة "الحج

"

(1)

وكذلك لا يجب الحج على المريض الذى لا يتحمل مشاق السفر وإن تيسر له الزاد والراحلة ولم يشترط مالك الزاد والراحلة، بل أوجبه على من يقدر على المشى والتكسب فى الطريق.

(2)

ليس هذا من مذهب الشافعى ولا غيره من الفقهاء، بل لا يقول هذا مسلم، ولعل الذى أوقع كاتب المادة فى الشبهة أنهم اختلفوا فيمن لا يقدر على الحج لمرضه أو شيخوخته، وعنده من المال ما يستطيع به إنابة غيره من القادرين، هل تجب عليه الإنابة أم يسقط عنه الحج؟ فأوجب الشافعى عليه الإنابة ولم يوجبها مالك ولا أبو حنفية، وعند الشافعى أن الذى يدركه الموت ولم يستطع أن يحج يلزم ورثته أن يخرجوا من ماله ما يحج به عنه.

فيكون ما بناه على هذا من أن معظم المسلمين أدركتهم الوفاة ولم يروا مكة خطأ بينا. على أنَّه ليس معظم المسلمين والسلاطين شافعية، بل الخلفاء والسلاطين الذين يعنيهم - وهم العثمانيون - كانوا أحنافًا متعصبين لحنفيتهم أشد التعصب.

(3)

وإنما أخذ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالسنة القمرية لأنَّ الله هو الذى جعل الأهلة مواقيت للناس والحج، إذ قال في سورة البقرة {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وذلك لأنها أدق الآيات وأضبطها لحساب الشهور، وهي مع ذلك أوضح العلامات وأبينها للكافة.

(4)

ليس من السنن الدينية القديمة ولا الجديدة أن يتكلف الناس في حجهم أو أي عبادة من عباداتهم ما لا يطيقون وما يشق عليهم. فإن الله تعالى يقول في سورة الحج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وفي سورة البقرة {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقد ثبت أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حج راكبا ولم يرغب أحدا ممن حج معه في المشى.

على أنَّه يلاحظ أن هذه المشاق كانت أكثر وجودًا في السنين الماضية. أما اليوم فلا يحج على الرواحل إلا أهل جزيرة العرب فقط. والفقراء من البلاد

ص: 3472

التي يستعمرها الأوربيون في أواسط أفريقيا وغربها مثل الكونغو وكانو نيجريا، وهم قلة لا تذكر بجانب عشرات الآلاف التى تحملها البواخر من مصر والشام وبلاد المغرب والهند ونحوها، والذي يحج أو يقرأ رحلات الحجاج في هذه الأيام يعلم أن الحال قد تبدلت كل التبدل عما يتحدث عنه الكاتب وبالأخص في الأمن الذي شمل الجزيرة كلها بإقامة الملك ابن السعود الحدود وتنفيذ أحكام الإِسلام وشرائعه؛ حتى أصبحت أعظم أمنا من كل بلاد العالم بفضل الله.

(5)

لقد كان ذلك أيام كان حكام الحجاز وولاته أنفسهم ظلمة مضيعين لشرائع الإِسلام معتدين حدود الله منتهكين حرماته، بل كانوا أنفسهم ينبهون الحجاج وأهل البلاد ويسلبونهم أموالهم وأرواحهم ويعيثون في الأرض فسادًا. [وهذا قد تغير بعد ذلك وأصبح محلّ التقدير فى عصرنا حيث يسودها جُلّ الأمن والأمان].

(6)

هذا خطأ لم يتحر فيه كاتب المادة الوقائع الصحيحة. فإن حادثة القرامطة الزنادقة التي وقعت لم تتكرر، وأما السلطات المصرية، فإنها كانت تحرص أشد الحرص على تحسين سمعتها في العالم الإِسلامي بخدمة الحرمين الشريفين. وهذه أوقاف ملوكها وسلاطينها وأعيانها من الزمن القديم على الحرمين تدل على ذلك أوضح الدلالة، اللهم إلا في الفترات التي كانت فيها الحروب بين بني العباس والفاطميين. وقد كانت الحروب بعيدة عن الحرمين. وأين هذه الحروب مما يفيد كلام الكاتب من أن السلطات المصرية كانت تعتمد إلى قطع الطريق على الحاج وتصده عن سبيل الله.

وإنه ليبدو من كلام الكاتب أنه لا يعرف عن الوهابيين شيئًا، إذ يجعلهم والسلطات المصرية مع القرامطة والقرصان قطاعًا للطريق، لقد كان جديرا به أن يدرس أولا تاريخ الوهابيين وعقيدتهم ومبدأهم الإِسلامى الصحيح وما كان يملى عليهم من تعظيم شعائر الله وإقامة شرائع الإِسلام والوقوف عند حدوده فإنَّه لو درس غير هذه الدراسة لقال غير ذلك.

ص: 3473

(7)

إن الشرع لم يأمر الحاج بالإحرام من بلده وإنما حدد مواقيت حول مكة يحرم منها الحاج.

(8)

وهذا ليس من الإِسلام في شيء. فلم يأمر الله ولا رسوله ولا أحد من العلماء والأئمة أن يتخذ الحاج هذا الشيخ يردد أدعيته. وإنما هى عادة نشأت عن الجهل فاتبعها العوام. وقد حج رسول الله والمسلمون معه، فلم يكن يدعو وهم يرددون دعاءه، بل كان كل واحد يدعو ربه ويذكره بما يملى عليه قلبه الخاشع المخبت وحاجته التي يرجو الله أن يعطيه إياها.

والأصل في هؤلاء الأدلاء أنهم جعلوا لخدمة الحاج الغريب ومساعدته على قضاء المعيشة، ثمَّ اتخذهم الجهلة بعد ذلك على الصورة التي لا أصل لها في الشريعة.

(9)

ربما كان ذلك في الأزمنة الماضية أيام الفوضى التي كانت ضاربة أطنانها. أما اليوم فإنما يشتغل الناس بذكر الله وعبادته منتهزين فرصة هذه الأيام المباركة وساعاتها القليلة، لا يضيعون منها لحظة في لهو ولعب ينهى عنهما الإسلام ويكرهمها، فضلا عن الشعوذة وأعمال الحواة، فلقد طهرت الحكومة السعودية الحجاز من هذه المهازل. فلا ترى فيه شيئًا منها في غير أيام الحج، ولا في مشاعره ومناسكه وأيامه المباركة.

(10)

لا أرى من أين جاء الكاتب بهذا التعبير؟ فليس في القرآن ولا في حديث النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء يشعر بهذا التفسير، ولا من بُعد، ولعله أخذه من بعض جهلة العوام الذين لا يفقهون ما يقولون. وإنما هو شيء صنعه النبي [صلى الله عليه وسلم] من شعائر الحج وأمر المسلمين أن يحجوا كما رأوه ويتبعوه فيما شرع لهم. ولأن شعائر الحج كلها أشياء تعبدية ليس مما يدخل فيه التعليل ولا التفسير. فالمسلمون يعبدون ربهم كما أمرهم أن يعبدوه.

(11)

لعل ذلك كان في الأيام الأولى التي كان الجهل والفوضى يتحكمان فيها. أما اليوم فقد خصص للذبح مكان بعيد عن منازل الحاج، حتى لا تفسد الروائح العفنة الهواء ولا تعكر الجو. وفعل الجهال البعيدين عن الإِسلام لا

ص: 3474

يكون حجة على الدين. ولقد كان هذا التحرى للصخرة منهم بزعم أنها الصخرة التي ذبح عندها إبراهيم عليه السلام كبش الفدية عن إسماعيل. وهذا الزعم باطل، والتاريخ لم يحدد موضع هذه الصخرة ولا جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم] تحديد لموضعها.

(12)

ليس في نصوص الإِسلام شيء يدل على أن من لم يقدر على التضحية يوم النحر يصوم وهذا خطأ من الكاتب، لعله نشأ عنده من أن المتمتع - الذي دخل مكة معتمرًا، ثمَّ تحلل من عمرته، ثمَّ أحرم بالحج يوم التروية - عليه ما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فلما اختلط على الكاتب الأمر عمم الحكم بالصيام لكل من لم يستطع التضحية يوم النحر في مشارق الأرض ومغاربها.

(13)

هذا تعبير غريب نشأ عن خطأ في الفهم. فإن الحاج برميه جمرة العقبة يوم النحر ونحره لهديه وحلقه له من كان حرم عليه بالإحرام: من لبس الثياب العادية وقص أظفاره وحلق شعره والتطيب، إلا النساء فلا يحل له إتيان امرأته حتى يطوف طواف الإفاضة يوم النحر أو بعده في أيام التشريق. وبطوافه يحل له النساء أيضًا.

(14)

إن هذه المناسك الثلاثة وغيرها قد عدها الشرع من الواجبات، لا من المسنونات. والذي في كتب الفقه: وثبت أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رمى في حجته الجمرة يوم النحر بعد طلوع الشمس ثمَّ نحر بدنه ثمَّ حلق رأسه ثمَّ طاف طواف الإفاضة. وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج ا. هـ فلعله فهم من قولهم "إن هذا سنة الحج" إن هذه الثلاثة سنة بالمعنى الاصطلاحى عند الفقهاء. وهو خطأ. فإن معنى "هذا سنة الحج" واضح أنَّه الطريق العملى الذي عمله رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهذا هو معنى كلمة "سنة" إذا أطلقت ولم تقابل بالفرض أو الواجب.

(15)

كان هذا مما يعمله الجهال في الأيام الأولى وليس هو من سنن الحج ولا مناسكه. ولم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] يفعله ولا أحد من أصحابه ولا من الأئمة

ص: 3475

وعلماء المسلمين. وكذلك رمى قبر أبى لهب هو من قبيل تحرى الجهال والعوام للذبح عند الحجر المزعوم.

(16)

ليس في شرع الرسول [صلى الله عليه وسلم] شيء يسمى عمرة الوداع. وإنما هى من جهل العوام.

(17)

قد انتهى الحج بنزول الحجاج من منى بعد رمى الجمرات في اليوم الثاني أو الثالث عشر من ذى الحجة.

(18)

إن الشرع لم يقسم المناسك كما زعم الكاتب وإنما جعلها كلها مناسك وشعائر لا بد في إتمام الحج من أدائها كلها على الوجه المشروع.

(19)

لم تكن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود والمشركين حين هاجر إلى المدينة عن آمال عقدها على أولئك اليهود خدع فيها بعد ذلك. فقد كانت أولًا على ما رسم الله له من الخطة الحكيمة في قوله من سورة البقرة {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولقد كان أبدًا يعقد آماله على تأييد الله ونصره، لا على اليهود ولا غيرهم. وكانت هذه المحالفة لإتقاء شر اليهود وكتبهم حتى يستقر للإسلام نظام حكمه وشرائعه في المدينة، التي كانت في هذا الوقت فوضى بلا نظام ولا حكم ولأجل أن يعذر إليهم - يعرف بما علمه الله - مكر اليهود وخبثهم، وشدة عدواتهم للحق وللنظام والإصلاح، وحبهم العميق للشر وإثارة الفتنة وسعيهم الحثيث في الأرض بالفساد، مما كان واقعًا في المدينة بسعاية اليهود بين الأوس والخزرج وإشعال نيران العداوة والحرب بينهم. وكان اليهود هم الذين نقضوا عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبدأوه بإعلان العداوة والحرب، أما الشقاق الدينى بين اليهود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما كان عداوة من اليهود لله ورسوله والنبى الأمى الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويضع عنهم إصرَهم والأغلال التي كانت عليهم. فكانت صراعًا بين الحق والباطل والهدى والضلال، والصلاح والفساد.

وما فكر النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة بالسيف إلا بعد نقض أهل مكة لصلح الحديبية.

ص: 3476

وإعلانهم الحرب على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيومئذ فكر في فتح مكة واتخذ لذلك أهبته ففتحها الله له. وقبل ذلك زار مكة مرتين معتمرًا، ففى سنة ست من الهجرة - بعد فشل أهل مكة وأحزابهم في غزو المدينة - ذهب معتمرًا، فمنعه أهل مكة وعقد معهم صلح الحديبية، وفي سنة سبع ذهب معتمرًا، فأتم عمرته وقضى مناسكه في ثلاثة أيام قضاها بمكة. وكان من أثر صلح الحديبية التمهيد لفتح مكة بكثرة اختلاط أهل مكة والمدينة، فانتشر الإِسلام في مكة باستعداد القلوب لسماع القرآن، وذهاب الضغائن التي كانت تمنع القلوب أن تصغى إلى دعوة الإِسلام التي أخرجتهم من الظلمات إلى النور.

(20)

إن دين إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين ليس نظرية كما يزعم الكاتب ولكنه حقيقة واقعية أثبتها التاريخ الصحيح والحجج القطعية، ولم يبق مجال للشك في ذلك إلا في رءوس أصحاب الهوى.

(21)

يقصد الكاتب "النظريات" الفرضية التي لم تكن حقيقة واقعة، وهذه جرأة واضحة على العلم والتاريخ الذي أثبت الحج ثبوتًا قطعيًا في الكتب اللغوية والأدبية، والدينية والتاريخية. وإذا لم يكن هذا كله كافيًا لثبوت الحج وأنه لا يزال عنده نظريات يجوز للعقل أن يصدقها كما يجوز للعقل أن يصدقها كما يجوز له أن ينفيها ويكذبها، فأى سبيل بعد ذلك إلى إثبات شيء من العلم أو حوادث التاريخ؟

(22)

الطواف ثابت أنَّه جزء من أهم أجزاء الحج، إذ يقول الله لإبراهيم في سورتى البقرة والحج {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} ثمَّ هو ثابت في سجلات تاريخ العرب من أشعارهم وغيرها. ووصف الطواف مفصلًا في كثير من نصوص التاريخ، حتى وصفوا أنهم كانوا يطوفون بالبيت عرايا لما أحدثت لهم قريش هذه البدعة المنكرة فكيف لم يصل الكاتب بعد ذلك إلى معرفة الطواف؟

(23)

أما الأسواق فقد كان التجار - ولا يزالون - ينتهزون فرص الاجتماعات فيعرضون فيها بضائعهم.

(24)

ومن الذي قال من المسلمين:

ص: 3477

إن في عرفات طوافًا كالطواف حول الكعبة؟ إنما في عرفات وقوف من بعد الزوال إلى غروب الشمس يوم التاسع من ذى الحجة. وهذا منصوص عليه في الآية 198 سورة البقرة في قوله { .. فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. } .

(25)

إنَّ الذي يدرس دراسة صحيحة الديانات القديمة والحديثة، ويدرس القرآن دراسة فقه وتدبر يعلم يقينًا أن هذه الديانات كلها ترجع في أصلها الأول إلى دين سماوى صحيح، أفسده الناس على مر الأيام، بكثرة ما أحدثوا من البدع والأهواء والغلو حتى صارت إلى الوثنية والشرك. فإن الله تعالى يقول في سورة النحل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} .

وشرائع الله تصدر كلها عن أصل واحد، هو الوحى من عند الله وتبليغ ممن يصطفى الله من الناس رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكلهم يصدق بعضهم بعضا، والقرآن ينص على أن العبادات: من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها شرعها الله للناس قديمًا وحديثًا، وإن اختلفت في هيأتها وأوقاتها وأماكنها ومقاديرها، وللإسلام من ذلك أكمل العبادات وخير الشرائع لأنه الدين الخاتم. فالله قد شرع الحج في القديم للناس في أماكن وبقع اختارها لهم، قبل أن يقيم بيته المحرم للناس كافة، وهذا لا يمنع أبدًا أن الله قد ألغى ونسخ الحج إلى هذه البقاع كلها بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد هذا البيت، وألزم الله الناس جميعًا على لسان إبراهيم الحج إلى هذا البيت وحده، فأصبحت هذه العبادة مقصورة على الكعبة وحدها. قال الله تعالى في الآية 67، 68 سورة الحج {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} والواضح الذي لا شك فيه: أن الوثنيين قد اتخذوا بما أوحى إليهم الشيطان معابد وهياكل يحجون إليها. ليس العرب وحدهم، ولا في القديم فقط، بل الناس هذا شأنهم حين تغلب عليهم الجاهلية، ويشرعون من الدين ما

ص: 3478

لم يأذن به الله. فقد أقاموا من قبور أوليائهم ومن تماثيل معظميهم الذين غلوا فيهم، فأعطوهم الآلهية، ما يحجون إليه كل عام وينسكون عنده مناسك، يسمونها اليوم أعيادًا أو موالد كشأن الجاهلية الأولى. وكل ذلك لا يصيب به تشريع الله ولا يطعن به على الإِسلام وشرائعه وعباداته إلا من حملة الهوى أو الجهل أن يركب رأسه فيقول بغير علم ولا بينة {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} .

إذا عرفت هذا وتدبرته جيدًا تساقط بين يديك كل ما زعمه الكاتب من المقارنة بين مناسك الحج في الإِسلام وأعمال الوثنية في العرب وبنى إسرائيل. فمما لا يشك فيه باحث منصف أن الوثنية كانت منتشرة قد بدلت شرائع الله ودين الرسل الذي جاءوا به لإخلاص العبادة لله وحده، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله لتخليص العبادة الحقة لله وحده من براثن هذه الوثنية القديمة والحديثة.

(26)

إنما اشتبه على الناس صيام يوم عرفة لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله" فظن بعض الناس أن هذا يشمل يوم عرفة للحاج الواقف بعرفة. فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفضل لمن لم يكن حاجًا بعرفة.

(27)

إن توقيت الله تعالى للعبادات بحركة الشمس في زوالها أو طلوعها أو مغيبها لا دخل له في تعظيم الشمس - كما زعم الكاتب وإخوانه - ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تحرى أوقات طلوع الشمس وغروبها وتوسطها السماء بالعبادة خوفًا من التشبه بالوثنيين الذين يعبدون الشمس. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنها تطلع وتغرب بين قرنى شيطان" فكيف بعد هذا يدعى أن الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة بعد الغروب ملاحقة للشمس الغاربة إلا من غلبه الهوى وأعماه التعصب للباطل؟ ! .

(28)

إن الوقوف بالمزدلفة - المشعر الحرام - منصوص عليه في القرآن في سورة البقرة {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} وهو ينص صريحًا على أنه وقوف لذكر الله وحده

ص: 3479

الذي هداهم بعد أن كانوا ضالين في غياهب الوثنية. وهو منسك من مناسك الحج شرعه الله لإبراهيم، ثمَّ بدل أهل الجاهلية، فيما بدلوا وأقاموا عنده من وثنيتهم ما محاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطهر الأرض منه. أما الآلة قزح فلا نعرفه في تاريخ الجاهلية. ولكن الذي نعرفه أن الجبل الذي هناك يسمى إلى اليوم قزح. ولعل ذلك لأنَّ به صخورًا مختلفة الألوان، من أحمر وأخضر، وأبيض وأسود. فسماه العرب بهذا الاسم تشبهًا له بقوس قزح. فوافق ذلك هوى الكاتب، فادعى أنَّه كان إلهًا يسمى قزح.

وتسمية هذا الوادى بوادى النار، لأنهم زعموا أن الله أنزل نارًا على قبر أبى رغال العربى الذي خان أهله ووطنه ودل أبرهة الحبشى حين جاء لهدم الكعبة. وأن الله أحرقه ليكون عبرة لكل من تغويه نفسه بخيانة وطنه وأهله ودينه بممالأة العدو.

(29)

ليس في الإِسلام - وهذه نصوصه من الكتاب والسنة وكتب الدين الصحيحة بين أيدى الناس - أي شبهة يتعلق بها الكاتب في أمر هذه الضوضاء والنيران. وإنما هى رعونات السفهاء وجهل الجاهلين وإنه إن أمكن للكاتب أن يتخذ من هذه الرعونات والسفاهات دليلًا على ما يهوى من طعن الإِسلام فإنَّه يمكن لكل أحد أن يطعن بما شاء من أشنع الطعون وأقذرها كل بلد تشيع الفاحشة والاستهتار فيها. وهذه حجة لا بد عند كل عاقل داحضة.

(30)

اختلط الأمر على الكاتب لعدم علمه، فابن هشام وغيره يقولون: إن رمى الجمرة يوم النحر لا بد أن يكون قبل الزوال. أما في الأيام الأخرى فيرمى بعد الزوال وانحدار الشمس من المشرق إلى المغرب.

(31)

فليرجح هوتسما وغيره ما شاءوا من الترجيحات ما داموا يأخذون في بحوثهم هذه الطرق الملتوية عن العلم والحق. ولكن الذي يرجحه كل دارس منصف لنصوص الإِسلام: أن المسلمين لا يعرفون للشمس شيطانًا يرجمونه. وأن رمى الجمار شعيرة إسلامية من يوم أن شرع الله مناسك

ص: 3480

الحج لإبراهيم وإسماعيل ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

وأعظم ما يهدم تدعيم هوتسما لترجيحه: أن الحج لم يكن موقتًا بالربيع ولا بالخريف وإنما كان ولا يزال موقتًا بالأشهر القمرية التي تكون في الخريف والربيع والصيف والشتاء. فلهم بعد ذلك أن يتخيلوا من الأوهام ما شاءوا ثمَّ يربطوا في عسر أو يسر بين طرد شيطان الشمس أو جلبه إن أحبوا.

(32)

التروية في اللغة العربية - لغة القرآن والإِسلام - مأخوذه من الرى الذي هو ضد الظمأ ومنه الرواية للقربة والرواية الناقة التي تحمل قرب الماء فيوم التروية يوم الثامن من ذى الحجة الذي كانوا يجمعون فيه الماء استعدادًا لأيام عرفة ومنى. وليساعدوا به الحجاج ويكرموهم لقلة ما كان في مكة من ماء في رشهم بماء زمزم دليلًا على أن "التروية" تعويذة لشيطان الاستسقاء.

(33)

إن إنارة المنارات في مزدلفة ومنى وأيام الأعياد عادة مجوسية أدخلها البرامكة في الإِسلام. والإِسلام برئ منها. ولا يعرف إلا إضاءة السرج لضرورة تبديد الظلام. فمن أعظم الظلم أن تؤخذ هذه البدع السخيفة المنافية لحكمة الإِسلام وهدايته حجة على شرائع الإِسلام، ودليلًا على أن أصله من وثنية بني إسرائيل أو غيرهم. ما يقول هذا منصف للإسلام ولا عارف به.

ونختم نقدنا لحضرة الكاتب بمؤاخذته لأنه اعتمد في دراسته على المصادر الإفرنجية، وقد كان الأجدر به أن يعني أكثر بالمصادر الإِسلامية. لأنَّ الموضوع الذي تناوله لا يمت إلى الفرنج بأى سبب وإنما هو موضوع إسلامى بحت. فمن ثمَّ جانبه الإنصاف ووقع في أخطاء كان من الممكن أن يتجنبها لو أنصف العلم والحق.

محمَّد حامد الفقي

(34)

استعمل الكاتب كلمة Scopel ism ومعناها رمى الحصى للتهديد أو الحيلولة دون زراعة الأرض

اللجنة

ص: 3481