الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - نقد المسلمين للحديث
لا يعد الحديث صحيحًا فى نظر المسلمين إلا إذا تتابعت سلسلة الإسناد من غير انقطاع وكانت تتألف من أفراد يوثق بروايتهم. وتحقيق الإسناد جعل علماء المسلمين يقتلون الأمر بحثًا، ولم يكتفوا بتحقيق أسماء الرجال وأحوالهم لمعرفة الوقت الذى عاشوا فيه وأحوال معاشهم، ومكان وجودهم، ومن منهم كان على معرفة شخصية بالآخر؛ بل فحصوا أيضًا عن قيمة المحدث صدقًا وكذبًا وعن مقدار تحريه للدقة والأمانة فى نقل المتون ليحكموا أى الرواة كان ثقة فى روايته، ويسمى نقد الرجال باسم "الجرح والتعديل" (نظر - Gold Muhamm. stud: ziher جـ 2، ص 143 وما بعدها).
ومعرفة الرجال لا بد منها لدرس الحديث، ولهذا تتضمن جميع الشروح لمجموعات الأحاديث تفصيلات مطولة عن الرجال تتفاوت طولا وقصرا. وهناك مؤلفات معينة تقتصر على هذا الموضوع، من بينها ما يسمى بكتب الطبقات وهى تراجم مرتبة فى طبقات، وتتناول سير عدة علماء ورواة للحديث وغيرهم (نظر Ursprung und: O.Loth Bedeutung der Tabakat.، Zeitschr. der .Deutsch. Morgenl. Gesellsch جـ 32، ص 593 - 614). نضرب لهذه الكتب مثلا بكتاب الطبقات لابن سعد المتوفى سنة 230 هـ (844 م)؛ وهو كتاب مشهور؛ و"طبقات الحفاظ" للذهبى المتوفى سنة 848 هـ (1347 م). ومن هذا النوع أيضًا ما صنف فى الرواة الضعفاء مثل "كتاب الضعفاء" للنسائى (أنظر Goldziher: المصدر نفسه، جـ 2، ص 141، وما بعدها). وكذلك سير الصحابة مثل كتاب "الإصابة فى تمييز الصحابة" لابن حجر المتوفى سنة 852 هـ (1448 م) وكتاب "أسد الغابة فى معرفة الصحابة" لابن الأثير المتوفى سنة 620 هـ (1232 م).
والحكم على قيمة المحدث قد يختلف اختلافًا بينًا، فربما كان ثقة عند قوم، ولكن غيرهم كانوا يعدونه فى منتهى الضعف فى روايته. بل أن الثقة ببعض كبار الصحابة لم تكن من الأمور المسلمة عند الجميع فى أول الأمر.
ولهذا نجد أن الثقة بأبى هريرة كانت محل جدل عنيف بين كثير من الناس (8).
وكان الحكم على محدث يختلف باختلاف وجهة نظر كل طائفة أو فرقة معينة، ونشأ عن هذا خلافات مرة. وينبغى أن نذكر فى هذا المقام أن مادة الحديث المروى كانت أيضا أصل التنازع. وإذا كانت الثقة بالمحدثين هى محل النزاع، فالغالب أن ما فى موضوع الحديث من هوى هو الذى كان يثير المعارضة دائمًا. فالحكم النهائى لم يكن مقصودًا به قيمة المحدث وإنما كان المقصود به الحكم على مادة الروايات التى يرويها (9).
وفى عصر متأخر، وبعد أن اتخذت العقائد والعبادات والنظم السياسية والاجتماعية وضعًا محددًا فى القرنين الثانى والثالث للهجرة نشأ رأى عام معين فيما يتعلق بالثقة بمعظم رواة الحديث وقيمة رواياتهم. وقد اعتبرت أصول العقائد التى اشتملت عليها كتب مالك بن أنس والشافعى وغيرهما من العلماء صحيحة فى نظر طوائف واعتبرت ثقة على وجه خاص فيما روته من أحاديث محمد [صلى الله عليه وسلم]. ومع مضى الزمن لم يجرؤ أحد على الشك فى صحة هذه الأحاديث؛ ولم يصبح فى الإمكان اعتبار رجال كأبى هريرة - الذى يرجع إليه الفضل فى تداول هذه الأحاديث - من الكاذبين. بل سلِّم على وجه عام بصحة كثير من الأحاديث التى تتضمن بعض أخطاء تاريخية شديدة الوضوح (10)، ولم يرفض شئ منها إلا ما كان لا يتعارض مع ما وقع الإجماع على صحته. على أن الميل على العموم كان متجها إلى الثقة بمثل هذه الأحاديث أيضًا إذا أمكن على الأقل تفسيرها بروح من التوفيق.
وعلى مر الزمن فقدت الخلافات القديمة كل أهمية عملية عند الأجيال الناشئة، ووجد أن معظم الأحاديث المتصلة بهذه الخلافات، ولو أن بعضها يعارض البعض الآخر، إلا أنه أمكن فى الغالب التوفيق بينها بفضل المهارة فى تفسير مضمونها. وعلى هذا أصبح رفض الحديث يعد عملا متطرفًا لا يلجأ إليه إلا عند اليأس من تأويله (انظر