المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قالوا للنبى [صلى الله عليه وسلم]، "ومن بيننا وبينك حجاب" - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌جن

- ‌الجنة

- ‌الجهاد

- ‌جهنم

- ‌جهور

- ‌جهينة

- ‌الجواليقى

- ‌الجوبرى

- ‌جودت عبد الله

- ‌الجودى

- ‌جوف

- ‌الجوف

- ‌جوف السرحان

- ‌جوف كفرة

- ‌الجوهر

- ‌جوهر الصقلى

- ‌الجوهرى

- ‌جيزان

- ‌جيش

- ‌حالة الجيش الراهنة:

- ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌توزيع الجيش وسلاحه وزيه:

- ‌المصادر:

- ‌العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌ح

- ‌حاتم

- ‌المصادر:

- ‌حاجب

- ‌1 - الخلافة

- ‌2 - الأندلس

- ‌المصادر:

- ‌3 - دول المشرق

- ‌المصادر:

- ‌4 - مصر والشام

- ‌ المصادر

- ‌5 - إفريقية الشمالية

- ‌حاجى خليفة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن جبلة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن كعب

- ‌تاريخها:

- ‌المصادر:

- ‌حازم بن محمد

- ‌المصادر:

- ‌الحافظ

- ‌المصادر:

- ‌حافظ إبرهيم

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم بأمر الله

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم النيسابورى

- ‌المصادر:

- ‌حام

- ‌المصادر:

- ‌الحامدى

- ‌المصادر:

- ‌حايل

- ‌المصادر:

- ‌حبة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب بن مسلمة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب النجار

- ‌المصادر:

- ‌الحجاب

- ‌المصادر

- ‌المصادر:

- ‌الحجاز

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحج

- ‌1 - الحج فى الإِسلام

- ‌2 - أصل الحج فى الإِسلام:

- ‌3 - الحج فى الجاهلية:

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحج

- ‌حجة

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حجر

- ‌المصادر:

- ‌حد

- ‌الحديبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديبية

- ‌الحديث

- ‌1 - موضوع الحديث وصفته

- ‌2 - نقد المسلمين للحديث

- ‌3 - تصنيف الحديث

- ‌4 - مجموعات الحديث

- ‌5 - رواية الحديث

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديث

- ‌الحديث القدسى

- ‌المصادر:

- ‌حرب

- ‌(1) النظرة الشرعية

- ‌المصادر:

- ‌(2) الخلافة

- ‌المصادر:

- ‌(3) سلطنة المماليك:

- ‌مكان تجمع الجيش:

- ‌نظام المعركة فى الميدان:

الفصل: قالوا للنبى [صلى الله عليه وسلم]، "ومن بيننا وبينك حجاب"

قالوا للنبى [صلى الله عليه وسلم]، "ومن بيننا وبينك حجاب" وجاء فى سورة الشورى (الآية 51) " "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب" كما كانت الحال مع موسى (أسباط فى رواية السدى؛ الطبرى: التفسير، جـ 25، ص 45).

والحجاب عند المتصوفة "كل ما يستر المطلوب" ومعناه انطباع الصور الكونية فى القلب المانعة لقبول تجلى الحق (الجرجانى: التعريفات، ص 86، عبد الرازق: كشاف اصطلاحات الفنون، ص 35، رقم 116) والنفس هى السبب الرئيسى فيما يعرض من ظلمات، غير أن لكل جارحة شهوة معينة من شأنها أن تولد حجابًا خاصًا: فالجواهر والأعراض والأركان (العناصر) والأجسام والصور والصفات، كل أولئك حجب كثيرة تحول دون كشف الأسرار الإلهية. والحق الأعلى محجوب عن الناس جميعًا، اللهم إلا عن الأولياء وحدهم. وضد الحجاب الكشف، ويطلق على الحال الأولى القبض، كما يطلق على الحال الثانية البسط. ويثير الوجد ما يعترضه من عقبات فى المشاهدة. وقد استعيرت هذه العبارات من العارفين (Pistis Sophia فى E. de Faye: Gnostique et gnosticisme 1913 م، ص 269).

‌المصادر

(1)

على بن عثمان الجلابى الهجويرى: كشف المحجوب، ترجمة نيكلسون Nicholson فى مجموعة كب التذكارية، ص 48، 149، 325، 374، 414.

(2)

New Researches: Hirschfeld، into the Exegesis of the Qoran، ص 43.

[إيوار Cl. Huart]

+ الحجاب (من الفعل "حجب"): يستعمل للدلالة على كل ستر يوضع أمام شخص أو شئ ليحجبه عن الرؤية أو يعزله، وهو فى الطب غشاء يفصل بعض أجزاء من الجسم العضوى مثل "الحجاب الحاجز" أو "حجاب الجوف"(diaphragm)، و"الحجاب المسْتَبْطِن" (pleura) و"حجاب البكورية" أي البكارة (التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون؛ لسان العرب؛ Suppl.: Dozy).

ص: 3430

ولا نكاد نعلم شيئًا عن الاستعمال الجاهلى لهذا اللفظ، على أن القرآن، وإن ورد فيه هذا اللفظ سبع مرات، فإنَّه يزودنا بمعلومات قيمة عن معناه الأصلى والمجازى، كما يزودنا إلى حد ما بمعلومات قيمة عن تطوره. والحجاب فى القرآن يدل على الاعتزال: فهو الستر والستارة التى اعتزلت وراءها مريم أسرتها (سورة مريم، الآية 17)؛ ثمَّ هو أيضًا السكن المستقل (السكن الداخلى من بعد) الذى فرض على أزواج النبى [صلى الله عليه وسلم](سورة الأحزاب، الآية 53؛ وانظر السورة نفسها الآية 32، 33) وقد تم هذا فيما يظهر بناء على مشورة عمر. ولسوف يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يوم القيامة حجاب، فسره المفسرون بأنه سور وقد استنبطوا هذا التفسير من القرآن (سورة الواقعة، آية 13) "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب

" (سورة الشورى، الآية 51) وهو حجاب المقصود منه فيما يظهر حجب المصطفين عن النور المنبعث من وجه الله. والحجاب آخر الأمر هو نوع من الستر يحجب بالفعل (الشمس التى تتوارى وراء ستار الليل، سورة ص، الآية 32) أو يحجب - بمعنى صوفى - الناس والأشياء.

وهذا المعنى الأخير جدير بالالتفات خاصة. فالكافرون يقولون للرسول

قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون" (سورة فصلت الآية 5). وجاء فى القرآن "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا" (سورة الإسراء، الآية 45)، ولا يتفق المفسرون فى تفسير معنى هذه العبارة. وقد رؤى أن هذا الحجاب إما أن يكون ستارًا محجوبًا بعث به الله ليخفى الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن أعين أولئك الذين سعوا إلى قتله (تفسير الجلالين) وأما حجابًا يطمس على المرتدين فيعجزون عن فهم ما تتلوه عليهم من القرآن (تفسير البيضاوى). وهذا التفسير الأخير يقارن بالآية 14 وما بعدها من سورة المطففين إذ جاء فيها أن المعتدين قد ران على قلوبهم ما يكسبون وأنهم عن ربهم لمحجوبون.

ص: 3431

وجاء فى حديث رواه أبو ذر أن الحجاب يستعمل مرادفًا لستار الموت، إذ روى عن الرسول عليه السلام "أن الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب. قيل: يا رسول الله وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهى مشركة

".

وفى الإِسلام القديم والمعاصر يبدو أن الحجاب قد تطور فى أربعة اتجاهات مبتدئًا فى كثير من الأحيان من أسسه التى وردت فى القرآن.

1 -

الحجاب الذى فرض أولا على زوجات الرسول عليه السلام ثمَّ توسع فيه من بعد حتى شمل جميع النساء المسلمات الأحرار. وليس الحجاب هو الانتقال من الطفولة إلى البلوغ، ومن العزوبة إلى الزواج. والحق إن الأداة التى استخدمت فى تغطية الرأس والوجه قد عرفت عادة بالأسماء:"لثام" و"قناع" و"برقع"(Dict des: Dozy Vetements). على أن الحجاب إذ يدل أيضًا على القناع نفسه فإنه يشير بخاصة إلى نظامه.

ويدل الشعر الجاهلى العربى على أن سنة الحجاب كانت مرعية من قبل مجئ النبى عليه السلام، ذلك أن الحجاب كان ميزة النساء من درجة خاصة، وكان يشار إليه بأسماء "نصيف" و"سِتْر" و"سجف" وغير ذلك (على الهاشمى: المرأة فى الشعر الجاهلى، ص 79 - 80، 146). ولعل آيتى القرآن اللتين أمرتا زوجات النبى [صلى الله عليه وسلم] وبناته "يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن .... "(سورة الأحزاب، الآية 59) و"وقل للمؤمنات .... وليضربن بِخُمُرِهنَّ على جيوبهن .. "(سورة النور، الآية 31) ترجعان إلى السنة الخامسة للهجرة (ابن سعد: الطبقات، جـ 8، ص 173 - 17). ومع ذلك فإن عائشة يقال إنها لبست الحجاب من وقت زواجها بالنبى عليه السلام (الطبقات، جـ 8، ص 55) وقد حدث هذا الزواج فى شوال من السنة الأولى للهجرة (البلاذرى: أنساب الأشراف، جـ 1، ص 403)

ومن المحقق أن سُنْة الحجاب لم تكن مرعية فى المدينة إلا فى القليل النادر. ويبرر القرآن ذلك فى الواقع على

ص: 3432

أساس أن ذلك "

أدنى أن يعرفن فلا يؤذين

" (سورة الأحزاب، الآية 59). على أنَّه لما اتسعت رقعة الإِسلام انتشرت هذه السُنة بسرعة فى جزيرة العرب وغيرها من الأقطار. وقد التزمتها كل النساء فى الحضر، وخاصة النساء اللائى ينتمين إلى الطبقات الخلية. ولكن هذه السُنة لم تراعها كل المراعاة نساء البدو أو الفلاحات أو النساء العاملات. وارتداء الحجاب الذى هو عام فى الحضر حيث تطورت الحركات العقلية وانتشرت، أسهم إلى حد كبير فى إبقاء النساء المسلمات فى نوع من العزلة. على أنَّه حدث فى نهاية القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى إسماعيل الذى أقام فى القاهرة حوالى سنة 1295 هـ (1873 م) أول مدرسة للبنات، أن هجر بعض النسوة المصريات الحجاب. غير أن النصير الحقيقى لحركة المرأة كان هو قاسم أمين. وقد استنكر فى كتابه "تحرير المرأة" الذى يتضح فيه أثر تفسير محمَّد عبده المتحرر للقرآن، إبقاء المرأة فى حالة خضوع، وقرر حقها فى التعلم ومع ذلك فإنَّه لم يطالب بإلغاء الحجاب كلية، وإنما اقترح ببساطة أنَّه يجب ألا يتمشى إلا مع فروض الدين الحقة. وقد قرر، وهو الفقيه، بأنه لا يوجد فى الشريعة الإِسلامية حقا نص يبرر استعمال الحجاب على النحو الذى كان شائع الاستعمال وقتذاك. وقد كان ذلك إيذانًا بفتح باب المعركة لتحرير المرأة، وعاد قاسم أمين إلى استئناف هجومه فى كتابه الآخر "المرأة الجديدة". وقد هز هذان الكتابان مصر وصدماها وثارت المشاعر حولهما وقاد طلعت حرب معارضة حركة قاسم أمين، وكتب فى الرد عليها كتابين طالب فيهما أيضًا باسم الدين الالتزام بالنظام القديم للتعليم. ومن الواضح أن النساء كانت فى صف قاسم أمين وقد قامت ملك حفنى ناصف - المعروفة أكثر باللقب باحثة البادية - بنشر نسائياته، وكتبت مى زيادة سلسلة من المقالات حول هذه المسألة وأهدتها إلى زميلتها. وفى سنة 1925 ولدت الحركة النسائية المصرية، وقد نبذت رئيستها السيدة هدى شعراوى باشا الحجاب سنة 1926، وائتست

ص: 3433

بذلك أعداد متزايدة من النساء الأخريات.

2 -

والحجاب يدل أيضًا على الستار الذى كان يحتجب وراءه الخلفاء والحكام عن أعين أهل بيتهم. وهذه السنة التى كانت فيما يظهر مجهولة عند السكان الأولين للحجاز، قد استنها فى الإِسلام الأمويون، ولعلهم فعلوا ذلك بتأثير الحضارة الفارسية. وهذا الحجاب يعرف أيضًا بالستارة والستر، ولكن السُنة هى هى، وقد تطورت آخر الأمر إلى نظام (يجب التمييز بينها وبين الحجابة التى تسمى فى بعض الأحيان أيضًا "حجاب" وهى تدل على منصب الحاجب).

وفى رواية الكتاب المنحول للجاحظ أن معاوية ومعظم خلفائه كان يحجبهم عن آل بيتهم "ستارة" حتى لا يستطيع أحد من آل هذا البيت أن يرى أفعال الخليفة وهو تحت تأثير الخمر عاجزا عن أن يسيطر على نفسه (كتاب التاج = livre de la couronne Le، ترجمة Pellat، ص 59). وكان سلوك الخلفاء العباسيين فى بعض الأحيان أقل من ذلك رصانة: فالأمين بخاصة كان يؤثر صحبة حاشيته وخاصته على الاعتكاف وراء حجاب (الكتاب نفسه: ص 70).

وقد أدخل هذا النظام فى بلاد الأندلس وشمالى إفريقية ومصر وأصبح هناك أكثر تعقيدًا إذ تطورت حياة البلاط، وخاصة عند الفاطميين. ويجب أن نذكر أنَّه بالرغم من أن هذا النظام كان هو هو عند الفاطميين الذين تأثروا كشأنهم بالآراء الشيعية فى طبيعة الإمام (انظر المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 456) فإنَّه يظهر أن النظام قد عززته اعتبارات أخرى وأنه قد استجاب لحاجات مختلفة. فالخليفة الذى يعد جوهر العقل الفعّال للعالم أصبح يكاد يكون المقصود بالعبادة. ومن أجل هذا كان من المنتظر منه أن يستتر بقدر الاستطاعة عن عيون أتباعه المخلصين الذين يحرمون لذلك من نور وجهه.

وكان العامل المسئول فى القاهرة عن الستر يدعى "صاحب المجلس"(القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 485؛ المقريزى: الخطط جـ 1، ص 386). وهذه الوظيفة وظيفة مختلفة

ص: 3434

عن وظيفة صاحب الباب الذى يعادل رئيس التشريفات، وكان يسمى أيضًا "متولى الستر" (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 411) و"صاحب الستر" (M.Canard: كتابه المذكور، ص 374؛ ألف ليلة وليلة، جـ 1، ص 147، طبع المطبعة الكاثوليكية ببيروت سنة 1956). وكان هو كبير الخصيان، وكان يجمع فى بعض الأحيان بين وظيفة "صاحب الستر" ووظيفة الحاجب، أي التشريفاتى (M. Canard: كتابه المذكور، تعليق 374) وكانت مهمته الخاصة فى الحفلات إخطار الوزير حين يجلس الخليفة على عرشه وأن يأمر مساعدَيْه برفع الستار التى تحجب الخليفة، ثمَّ يظهر الخليفة. جالسا على عرشه مواجها المدعوين. وإذا انتهى الحفل أسدلت الستار ثمَّ يعود الخليفة إلى مسكنه (القلقشندى: الكتاب المذكور، جـ 3، ص 499 وما بعدها). ويقام ستر أيضًا أمام باب قاعة الاحتفالات إذا شاء الخليفة أن يركب فى موكبه بمناسبة بدء السنة الجديدة. وينتظر الوزير ووجوه القوم فى الخارج قريبًا من الخليفة. وفى اللحظة المقررة ترفع الستار ويخرج الخليفة يتقدمه خصيانه ويركب جواده (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 1، ص 506).

وكان استعمال الحجاب شائعا فى احتفالات الفاطمين، واستعماله فى رمضان جدير بالذكر خاصة. ففى يوم الجمعة الثانى ويوم الجمعة الثالث ويوم الجمعة الرابع من هذا الشهر يؤم الخليفة المسجد. وحين يصل إلى المسجد يعتلى المنبر ويجلس تحت القبة، . ويصعد إليها الوزير بدعوة منه، ويدنو منه ويقبل أمام الملأ يديه وقدميه ويسدل الستائر. وهكذا يحتجب الخليفة كأنما هو فى "هودج". ثمَّ يتلو عظة قصيرة وبعد ذلك يرفع الوزير الأستار (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 511؛ المقريزى: كتابه المذكور، جـ 1، ص 451 وما بعدها). وفى يوم عيد الفطر يذكر القاضى بعد صلاة العيد أسماء وجوه القوم واحدًا واحدًا وهم الذين شرفوا بارتقاء الدرج وشغل الأماكن التى إلى يمين الخليفة وشماله. ويصدر الوزير إشارة فيحتجب كل

ص: 3435

مدعو ثمَّ يحتجب الخليفة أيضًا ويبدأ فى الحديث. وفى نهاية حديثه يرفع المدعوون أحجبتهم (القلقشندى: صبح الأعشى، جـ 3، ص 514). وفى الحفل الشيعى الذى يقام حزنا على مقتل الحسين يلقى الخليفة، وقد حجب وجهه وجلس على مقعد بلا وسادة، وجوه القوم الذين يكونون أيضًا محجبين (المقريزى: الخطط، جـ 1، ص 431).

ويميز ابن خلدون بين عدة أنواع من الحجاب الذى تصطنعه الدولة بما يتناسب مع حاجتها المتطورة. وقد اصطنع أول حجاب حين نبذ الخليفة العادات الأولية، وأخذ يعتزل الناس ولا يسمح إلا لخاصته بولوج عتبة داره. وبنمو الدولة وتعقد أعمالها اصطنع "حجاب" آخر، وهذا الحجاب لا يسمح لأولئك الذين تمرسوا بعادات البلاط وآدابه بأن يكون لهم أية صلة بالسلطان، وكذلك أقام خاصة السلطان وبطانته حجابًا بينهم وبين الناس. ونجد أخيرًا حين اضمحلت الدولة، أن هؤلاء الوجوه الذين أقاموا على العرش ورثة الأسرة الحاكمة، قد أخذوا فى بعض الأحيان يسعون إلى الاستيلاء على مزايا السلطة، وهنالك يقيم الديكتاتور نفسه قيما على السلطان، ويعزله عن أسرته ومستشاريه بحاجب موهما إياه بأن هيبته تقتضى أن ينأى عنهم (ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 100 - 103؛ ترجمة روزنتال، جـ 2، 111 - 115).

3 -

والحجاب فى نظر الصوفية "كل ما يستر المطلوب"، ومعناه انطباع الكونية فى القلب المانعة لقبول تجلى الحق (الجرجانى: التعريفات، ص 86) وهو الحجاب بين المريد وبين مطلوبه وبين الرامى وهدفه. والمحجوب هو الذى أغلق قلبه دون النور الإلهى لأنَّ صحوه تهيمن عليه شهوته الحسية أو العقلية. وقد قال الحلاج إن حجاب المرء هو شهوته (Massignon: كتابه المذكور، ص 699). والحق إن ثمة أسبابا كثيرة للحجاب. فما إن يزداد المرء التجاءً إلى الغذاء لتغذية ميوله الطبيعة قويت نفسه السفلى وانتشرت الشهوة غلابة فى جوارحه، وظهر فى كل عرق من عروقه نوع مختلف من

ص: 3436