المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجلد الأصفر لها سنابل طويلة بدلا من المهاميز.   ‌ ‌المصادر: (1) السلاوى: كتاب - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌جن

- ‌الجنة

- ‌الجهاد

- ‌جهنم

- ‌جهور

- ‌جهينة

- ‌الجواليقى

- ‌الجوبرى

- ‌جودت عبد الله

- ‌الجودى

- ‌جوف

- ‌الجوف

- ‌جوف السرحان

- ‌جوف كفرة

- ‌الجوهر

- ‌جوهر الصقلى

- ‌الجوهرى

- ‌جيزان

- ‌جيش

- ‌حالة الجيش الراهنة:

- ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌توزيع الجيش وسلاحه وزيه:

- ‌المصادر:

- ‌العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌ح

- ‌حاتم

- ‌المصادر:

- ‌حاجب

- ‌1 - الخلافة

- ‌2 - الأندلس

- ‌المصادر:

- ‌3 - دول المشرق

- ‌المصادر:

- ‌4 - مصر والشام

- ‌ المصادر

- ‌5 - إفريقية الشمالية

- ‌حاجى خليفة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن جبلة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن كعب

- ‌تاريخها:

- ‌المصادر:

- ‌حازم بن محمد

- ‌المصادر:

- ‌الحافظ

- ‌المصادر:

- ‌حافظ إبرهيم

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم بأمر الله

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم النيسابورى

- ‌المصادر:

- ‌حام

- ‌المصادر:

- ‌الحامدى

- ‌المصادر:

- ‌حايل

- ‌المصادر:

- ‌حبة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب بن مسلمة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب النجار

- ‌المصادر:

- ‌الحجاب

- ‌المصادر

- ‌المصادر:

- ‌الحجاز

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحج

- ‌1 - الحج فى الإِسلام

- ‌2 - أصل الحج فى الإِسلام:

- ‌3 - الحج فى الجاهلية:

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحج

- ‌حجة

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حجر

- ‌المصادر:

- ‌حد

- ‌الحديبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديبية

- ‌الحديث

- ‌1 - موضوع الحديث وصفته

- ‌2 - نقد المسلمين للحديث

- ‌3 - تصنيف الحديث

- ‌4 - مجموعات الحديث

- ‌5 - رواية الحديث

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديث

- ‌الحديث القدسى

- ‌المصادر:

- ‌حرب

- ‌(1) النظرة الشرعية

- ‌المصادر:

- ‌(2) الخلافة

- ‌المصادر:

- ‌(3) سلطنة المماليك:

- ‌مكان تجمع الجيش:

- ‌نظام المعركة فى الميدان:

الفصل: الجلد الأصفر لها سنابل طويلة بدلا من المهاميز.   ‌ ‌المصادر: (1) السلاوى: كتاب

الجلد الأصفر لها سنابل طويلة بدلا من المهاميز.

‌المصادر:

(1)

السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ في مواضع مختلفة وخاصة جـ 3، 4.

(2)

Etablissement des dy -: cour nasties des Cherifs، باريس سنة 1904 في مواضع مختلفة.

(3)

Le Maroc: E. Aubin d'aujourd'hui، باريس سنة 1905 ص 172 وما بعدها.

(4)

Trois mois de Cam-: Weisgerber pagne au Maroc، باريس سنة 1904، ص 82 وما بعدها.

(5)

Le Maroc dans les: Massignon. premieres Annees du XVIe. siecle، الجزائر سنة 1906، ص 172 وما بعدها.

(6)

Le Maroc de 1631 a: Houdas 1812، باريس سنة 1885، في مواضع مختلفة.

خورشيد [كور A.Cour]

‌العصر الحديث

إن تاريخ الجيوش الإسلامية خلال العصور الحديثة هو في أهم وجوهه تاريخ الإصلاح والأخذ بأساليب الغرب. وقد مكن تقدم العلوم في الدول الأوربية من شن الحرب بكفاءة زائدة وأصبح خطر هذه الدول على الأملاك الإسلامية يصعب شيئًا فشيئًا احتواؤه على أنه حدث حوالى آخر القرن الثامن عشر فحسب أن غدا الحكام المسلمون يقدرون هذا الخطر في أوسع مداه وبدءوا يتخذون التدابير لمواجهته صحيح أن الأساليب الفنية الأوربية في الحرب قد أدخلت في هذا البلد الإسلامى أو ذاك قبل هذا الوقت، ولكن هذه المحاولات لم تكن تسير على نهج أو تدوم وقتًا طويلا. وقد استخدمت الحكومة العثمانية في الحملة التي شنتها على جزيرة إقريطش ما بين سنتى 1644 و 1669 معلمين إنكليز أو هولنديين لتدريب مهندسى جيشها. وفى نهاية القرن السابع عشر كان يشرف على المسابك التي تصنع المدافع ضابط بندقى من ضباط المدفعية

ص: 3334

السابقين اسمه سردى، وقد أسلم هذا الرجل. وفى سنة 1731 عهد إلى الكونت ده بونفال (سنة 1675 - 1747) الذي أسلم وتسمى باسم أحمد بمهمة إصلاح فرقة قاذفى القنابل ودرب نحوا من 300 من هؤلاء وفتح مدرسة للهندسة. وهذه البدعة لم تخلف معارضة من الإنكشارية. وفى السبعينيات من القرن الثامن عشر استخدام البارون ده توت Baron de Tott لتجنيد كتيبة من المدفعية على النمط الحديث، وكان هذا الرجل ضابطًا فرنسيًا من أصل هنغارى قدم تركيا في سفارة فركن Vergenne واستخدمه شوازيل Choiseul في سفارة إلى تتر القريم. وقد كون ده توت فرقة من ستمائة مقاتل من السرعتجية وأقام مسبكًا لصنع المدافع، واستحدث أيضًا استعمال "سنجة" البنادق وفتح مدرسة للرياضيات من أجل الأسطول. وواصل عمله بعد عودته إلى فرنسا سنة 1775 رجل اسكتلندى اسمه كامبيل Campbell، وقد أسلم هذا الرجل وعرف باسم "إنكليز مصطفى"، ولما ضم الروس القريم إليهم 1783، حفز ذلك العثمانيين إلى صبغ الجيش العثمانى بالصبغة الغربية، وخشيت الحكومة الفرنسية من ازدياد سلطان الروس اتساعًا، فأعارت الجيش العثمانى ضباطًا فرنسيين برئاسة الجنرال لافيت Lafitte لتدريب هذا الجيش التدريب الفنى والهندسة العسكرية وفن التحصين.

على أن الأمر ظل على هذه الحال ولم تبذل محاولة ثابتة لنقل الجيش من النمط القديم إلى النمط الذي يمكنه من أن يكون أداة صالحة للظروف الحديثة إلا في عهد السلطان سليم الثالث (1203 - 1222 هـ = 1767 - 1807 م). فقد حاول هذا السلطان أن يصلح المعاهد المدنية والعسكرية في الإمبراطورية وأن يقيم نظامًا جديدًا (نظام جديد) فأصدر سنة 1792 وسنة 1793 ضمن هذه المحاولة لوائح لإقامة جيش نموذجى جديد قدر له أن يعرف بعد بهذا العنوان نفسه. ويمكن أن نستخلص المزايا التي يمكن أن تتحصل من إقامة هذا الجيش النموذجى من رسالة نشرت ترجمتها

ص: 3335

في ذيل كتاب ويلكنسون (- W.Wilkin: An Account of the Principalities of: son Wallachia and Moldevia.، لندن سنة 1820). وهذه الرسالة التي يقرر كاتبها أنها ترجمة لمخطوط تركى تاريخه 1804 وهو الوقت الذي كان فيه السلطان معنيا بنشر إصلاحاته العسكرية، تقول إنها "تفسير للنظام الجديد" وأنها كتبت بأمر السلطان كتبها جلبى أفندى وهو من كبار أعيان الإمبراطورية العثمانية والوزير المستشار للدولة إلخ (هو جلبى مصطفى رشيد أفندى المعروف باسم كوسه كتخدا) والرسالة دفاع مستفيض عن سياسة السلطان وهى تكشف عن مساوئ النظام القديم وسبب تفوق الجيوش الأوربية وتعلل ذلك بما يأتى: "

وتستمسك جنودها بأن تكون كتلة متماسكة تقدم أرجلها معا حتى لا يتفرق نظامها في المعركة، وقد لمعت مدافعها كأنها ساعات ماركوفتش (ماركويك مركم Markwich Markham ساعدتى لندنى له مقام كبير عند الأتراك) وهم يعبئون مدافعهم اثنتى عشرة مرة في الدقيقة ويجعلون الرصاص ينهال كأنه طلقات البندقية". ومزايا النظام الجديد في رأى الكاتب هو أن ارتداء زى موحد متميز يجعل الهروب أصعب وأعسر، وأن الجنود - بصفهم صفوفا مع جنود المقدمة موازين لجنود الخلف - ييسر المناورة، وأن النظام يكون أيسر في فرضه، وأن الهزائم لا تتحول إلى اكتساح. وقد لخص كتيب أصدره ديوان البحرية البريطانية سنة 1920 مناهج الجيوش النموذجية القديمة والجديدة وأغراضها وقارن بينها فقال: "إن السمات الكبرى للمناهج الجديدة هى (1) تدريب الجنود تدريبًا نظاميًا في السير وفى استعمال الأسلحة (2) تنظيمهم في وحدات متناسقة (كتائب وخلافه) وكانت القوات غير المدربة في الجيوش القديمة تعول في القتال إلى حد كبير على الأفراد، وكانت الوحدات العسكرية، بقدر ما توجد، يعوزها التماسك والنظام، ومن ثم افتقرت إلى الفاعلية الكاملة في الهجوم والدفاع. أما في النظام الجديد فإن القواد زاد إشرافهم على الجنود في المعركة وأصبحوا أكثر قدرة على إحصاء عدد جنودهم وأقدر

ص: 3336

من ثم على تحريكهم بدقة أكبر وفقًا للخطة الموضوعة [على حين أن وحدات الجيوش القديمة لم تكن موحدة الحجم حتى ولو على وجه التقريب]. وكان الجيش، وهو يخوض المعركة في النظام الجديد، مرتبا صفين أو ثلاثة صفوف متعاقبة، وكان الصف الخلفى يعمل لتعزيز الأمامى ويكون احتياطيًا له، كما كانت كل وحدة ذات عمق موحد. واستبدل بالحركة الهلالية القديمة للصف الأول حركة الخطوط المستقيمة (Naval Intelligence Division، A Handbook of: Naval Staff. Admiralty syria سنة 1920، ص 163). ويمكن أن نخلص من كل هذا إلى أن أغراض الإصلاحات العسكرية كانت ثلاثة: الحصول على الأسلحة الحديثة وصنعها، إدخال المعرفة الفنية في الأقسام، وإقامة كيان منظم من الجنود يمكن أن يستخدمهم القواد في المناورة بسهولة، وكان الغرض الثاني دائمًا في العصر الحديث أعسر إدراكًا من الغرض الأول، كما كان الغرض الثالث أعسر بإطلاق من الثاني.

وقد تبنى سليم الثالث المحاولات الأولى لصبغ الجيش بالصبغة الحديثة وعزز هذه المحاولات، فأدخل إصلاحات في المدفعية، واشتد في فرض النظام، وزاد في رواتب الأنفار من 20 إلى 40 أسير في اليوم. ووضع الجيش تحت قيادة "طوبجى باشى" ورقى هذا الطوبجى إلى رتبة الباشوية ذات الذيلين، وقد فصل بين إدارة الجيش والتموين والشئون المالية وبين قيادة العمليات وعهد بالمهمة الأولى إلى "ناظر" وفى سنة 1796 نفذ سفير الجمهورية الفرنسية أوبيرت دوباييه Aubert - Dubayet ما اتفق عليه في مفاوضات سابقة فأحضر معه إلى استانبول عددًا من الضباط كلفوا بتدريب جيش "نظام جديد" وكان الجيش الجديد من المجندين المتطوعين يتألف من طوبجية وسباهية ومشاة. ودرب المجندون على النمط الأوربى وعلموا كيف يقومون بالمناورة في جماعة بميدان المعركة. وأراد السلطان أن يتحاشى حدوث احتكاك لا داعى له مع الإنكشارية - الذين كانوا ينظرون شزرًا إلى هذه البدع - فأسكن الجيش

ص: 3337

الجديد ثكنات خارج استانبول - ولما دخل الفرنسيون أثناء حملة نابليون على مصر في فلسطين سنة 1798 استخدم الجيش الجديد الذي كانت عدته وقتذاك ثلاثة آلاف أو أربعة من المدفعيين وحملة البنادق، في المساعدة على الدفاع عن عكا وأبلى بلاء حسنًا. وقد رفع هذا من صيته وخاصة عند سكان استانبول وشجع السلطان على اتخاذ خطوة أخرى. وهنالك أراد السلطان أن يجند جنودًا للجيش الجديد بالقرعة العسكرية من الإنكشارية ومن عامة الشعب. وهذه النقلة الجديدة أيدها ولى زاده محمد أمين، وغيره من كبار رجال الدين الذين اقتنعوا بضرورة الإصلاح ومن المظنون أن رسالة جلبى أفندى التي أسلفنا ذكرها كتبت لتأييد هذه السياسة. وقد أصدر السلطان "خطًا" شريفًا يقوم على هذه الأسس سنة 1805، ولكن سرعان ما ظهرت المعارضة لذلك وقد قوطعت قراءة هذا الخط بشغب قام في أدرنة. بل لقد قتل بالفعل قاض راح يقرأ نصه في رودستو. وخرج الإنكشارية على النظام مفتتنين في الروملى ولم تجرؤ السلطات على قراءة الخط في استانبول. وهزمت كتيبة من الجيش الجديد أنفذت من الأناضول إلى الإنكشارية المتمردين هزيمة حاسمة. واضطر السلطان إلى تعيين أغا الإنكشارية صدرًا أعظم وأعاد الجيش الجديد إلى الأناضول. وأرجأ إلى حين التوسع في هذه الاصلاحات. على أنه فيما يظهر لم يتخل عن الإصلاحات تمامًا، ذلك أنه بذلت محاولة سنة 1806 للتجنيد للجيش الجديد في قره مان التي كان واليها عبد الرحمن باشا قد أظهر مقدرة وولاء في تنفيذ سياسة السلطان وفى سنة 1807 أمر المجندون الاحتياطيون - وهم اليماق - بارتداء زى الجيش الجديد. وكان هذا إيذانًا بقيام فتنة، وسار اليماق إلى إستانبول ولم يلبثوا أن سيطروا على الأمور فيها. وحاول السلطان أن ينقذ عرشه ولكنه خلع بفتوى قالت بأن فعاله وأوامره مخالفة للدين. وأحرق الإنكشارية ثكنات النظام الجديد (الجيش الجديد).

على أن بير قدار مصطفى باشا - الذي حقق بعيد ذلك خلع مصطفى

ص: 3338

الرابع خليفة سليم وإقامة محمود الثاني على العرش - حاول سنة 1808 أن يواصل مشروعات سليم بتجنيد جنود للجيش النموذجى الجديد وسعى إلى أن يخفى غرضه بتلقيب هؤلاء الجنود باللقب التقليدى: السكبانية، فقضى عليه الإنكشارية وقتلوه، وبذلك انتهت محاولات الإصلاح إلى حين. واستمر الحال على ذلك ثمانين سنة، وهنالك، أى سنة 1826، استطاع السلطان محمود الثاني (1808 - 1839) بضربة ذكية موفقة أن يقضى على سلطان الإنكشارية ويمنح الإمبراطورية جيشًا حديثًا ففى هذه السنة كان السلطان قد حصل على تأييد المفتى وضباط الإنكشارية الكبار في مؤتمر عقد 24 - 25 مايو سنة 1826، فأصدر خطا شريفًا تحدث عن السنن القديمة للإمبراطورية واقترح في الوقت نفسه الاستمرار في إصلاحات سليم. وقضى بإقامة جيش جديد تمده كل سرية إنكشارية مرابطة في استانبول بمائة وخمسين مقاتلا من بين صفوفها، وبذلك تكون جملة المقاتلين الذين يجندون 5000 مقاتل. ونص الخط على الدفع المنتظم للرواتب، والترقية بالأقدمية وتنظيم منح الأجازات والمعاشات ومنع بيع الوظائف العسكرية ورتب أن يزود الجنود بالبنادق والسيوف وأن يدربوا على يد ضباط مسلمين لا أوربيين. وثار الإنكشارية على هذه البدعة بالرغم من موافقة رؤسائهم الصريحة، وأعلنوا العصيان في 15 يونية، ولكن السلطان كان مستعدًا لهم وقضى على عصيانهم. وفى 17 يونية ألغى نظام الإنكشارية ولم يلبث أيضا أن ألغى "السباهية" و"السلحدارية" و"الغربا" و"العلوفجيه" كذلك.

ولم يضع السلطان الوقت بل بادر إلى إعلان قيام جيش جديد، لتوكيد الصفة الإسلامية والتقليدية لإصلاحاته، وسمى السلطان الجيش الجديد "عساكر منصوره محمديه". وقد قسم القانون العسكرى الجديد الذي نشر حوالى نهاية سنة 1826، الجيش إلى ثمانية أقسام ووضع على رأسه "سر عسكر" يجمع بين واجبات

ص: 3339

القائد العام ووزير الحرب، وهو يشرف على جميع الجيش في ظل السلطان، إلا فيما عدا أن ناظر الطويخانه (أى رئيس المدفعية) قد جعل مسؤولا مباشرة أمام السلطان عن المدفعية والمهندسين والتموين وظل هذا التقسيم للمهام بين القائد العام وناظر الطوبخانه مرعيا حتى سنة 1909. وقد قدر أن يتألف الجيش من 12،000 جندى يظلون في الخدمة العسكرية اثنى عشر عامًا، على أن هذه الخدمة كانت تزداد في بعض الأحيان عن هذه المدة، كما يتبين من رسالة كتبها هلموت فون مولتكه - Hel mut von Moltke سنة 1838 وتحدث فيها عن مدة الخدمة وقدرها 15 عامًا.

وفى العقود التالية من هذا القرن زيد في حجم الجيش كثيرا، ونظمت إدارته على هدى المنطق السليم. وصدر سنة 1843 قانون حدد مدة الخدمة العسكرية بخمس سنوات. وأُنقصت هذه المدة سنة 1869 إلى أربع سنوات، وأنُقصت سنة 1869 إلى ثلاث سنوات. وقد نص قانون الجيش الصادر سنة 1886 على خضوع الرعايا العثمانيين للخدمة في الجيش مدة تسع سنوات من سن العشرين ثم ينقلون بعد ذلك إلى "الرديف"(الإحتياطى) تسع سنوات أخرى، وبعدها للجيش الإقليمى (مستحفظ) سنتين أخريين. ونص قانون سنة 1843 على قيام خمس فرق في الجيش: الحرس السلطانى، وفرقة إستانبول، وفرقة الروملى، وفرقة الأناضول، وفرقة عربستان. وفى سنة 1848 أنشئت فرقة سادسة اتخذت مقرها في بغداد وقد رتبت رتب الجيش على النمط الأوربى (ويجد القارئ ثبتا بالرتب في الجيش العثمانى وما يناظرها من الرتب في الجيش البريطانى في P. Ward،R Captain M. C. .Handbook of th Turkish Army: A، لندن سنة 1900). وسرعان ما زاد عدد الجيش الذي جنده السلطان محمود من 12،000 مقاتل. وما وافت الأربعينات من القرن التاسع عشر حتى بلغ عدد أفراد الجيوش العثمانية نحوا من 150،000 مقاتل، والظاهر أن هذا العدد ظل على حاله زمن السلم من بعد.

ص: 3340

وكان الجيش حتى صدور "خط همايون" سنة 1856 يجند من السكان المسلمين بالإمبراطورية العثمانية دون سواهم. وقد وضع هذا الخط موضع الاعتبار المساواة بين جميع رعايا السلطان في الحقوق والواجبات فقرر من ثم ان يتحمل الجميع عبء الخدمة العسكرية وقضى بإلغاء ضريبة الرؤوس على الذميين. وهذا الغرض ظل حبرًا على ورق حتى سنة 1909، ذلك أن رعايا السلطان غير المسلمين قد أعفوا من الخدمة العسكرية نظير دفع البدل والظاهر أن هذا الإعفاء قد طبق على الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية فالقانون الصادر سنة 1909، الذي ألغى إعفاء غير المسلمين قد ألغى أيضا الإعفاء من الخدمة العسكرية الذي كان ميزة يتمتع بها أهل إستانبول.

وهذا الإعفاء الأخير يدل على قيام ضرب من الصعوبة وقف في سبيل توحيد الإدارة العسكرية ذلك أن اختلاف أجناس الإمبراطورية العثمانية وتعدد أديانها وفرقها، وبقاء امتيازات قديمة ومنح امتيازات جديدة، كل ذلك كان يناهض قيام الوحدة. فقانون سنة 1886 الذي ينص على إعفاء أهل استانبول ينص أيضًا على أن سكان سنجق لبنان وساموس يعفون أيضًا وكذلك لم يطبق القانون في إسكودار (اللهم إلا في دوراتزو) وفى اليمن وفى الحجاز وفى نجد وفى طرابلس وفى بنغازى وهذه المتناقضات دليل كاف على المقاومة التي أثارها اتخاذ النمط الأوربى في الإدارة العسكرية.

ويعتمد تدريب الجيش القائم على القرعة العسكرية وسياسته وبلاؤه في الحرب على اكتمال الصحة والتموين والخدمات المالية وإمساك جيد للسجلات. وبالطبع كانت هذه هى الحال التي استوجبت قيام هذه الخدمات في نفس الوقت الذي كان فيه الجيش يجند ويتسع، وكان من المنتظر أن هذه الخدمات وقت الطوارئ وخاصة في أولها سوف تكون دون الحاجه المطلوبة ففى سنة 1842 مثلا كان الجنود ينامون بثيابهم ويرتدون

ص: 3341

مجموعة من الأزياء غير المتجانسة. زد على ذلك ان الجيش النموذجى الجديد كان يعتمد اعتمادًا شديدًا في التدريب على ضباط من شتى الأجناس: فرنسيين وإنكليز وبروسيين ونمساويين، وكانوا، وهم نصارى، يعاملون معاملة تنطوى على احترام يسير من جمهرة الجيش. ولعل القيادات العليا كانت مقتدرة على علم، إلا أن الملازمين وضباط الصف كانوا قليلين على غير خبرة وهذا هو حكم ملاحظ سنة 1828 (C. Macfarlane: Constantinople in 1828 .. لندن سنة 1829، ص 26). وردد هذا الحكم المارشال ده سانت أرنو de st.Arnaud سنة 1854 الذي كتب يقول إنه لم يكن في الجيش التركى إلا شيئان فحسب: قائد عام وجنود، ولا يوجد وسط ولا ضباط. فما بالك بضباط الصف. E La Turquie et le Tanzimat: Engelhardt، باريس سنة 1882، جـ 1، ص 116). وفى رأى هلموت فون مولتكه أن مزايا التدريب الأوربى قد ضاعت في خضم عدم الشخصية والصفة الجماهيرية للجيش المجند بالقرعة العسكرية. وقد كتب يقول إن الفرسان "قد تعلموا امتطاء صهوة الجياد حشودًا حشودًا، ولكنهم فقدوا حمية الهجوم التركى الضارى، وأدى تحملهم للعادات الجديدة إلى اختفاء الروح القديمة القائمة على التعصب، فقد ضاع ما هو خير في القتال البربرى دون أن يجنوا منفعة كبيرة من زاد الحضارة. وتزلزلت الأهواء العامة، ولكن الروح القومية تحطمت في الوقت نفسه، وكان التغيير الوحيد إلى أحسن هو أن الجنود أصبحوا يطيعون أوامر قوادهم أكثر من ذى قبل (

The Russians in Bulgaria and Rumelia، لندن سنة 1854، ص 269). وعوض نقص الضباط شيئًا فشيئًا، فقد بعث محمود الثاني تلاميذ الحربية والبحرية إلى الكليات الأوربية سنة 1827، وفى سنة 1834 فتحت الكلية الحربية في بانكالتى وشهدت العقود التالية زيادة مطردة في المعرفة العسكرية وتحصيلها، ولكنه لم يحدث توسع مذكور في التعليم العسكرى إلا بقيام إصلاحات التعليم التي أدخلها

ص: 3342

السلطان عبد الحميد الثاني. وقد كان لقيام هذه الصفوة العسكرية الحديثة المدركة لعلمها الرفيع وتفتحها للمثل الأوربية بفضل التدريب، آثار خطيرة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية والدول التي خلفتها.

وقد عاصرت الإصلاحات التي أدخلت على الجيش العثمانى الإصلاحات التي أدخلها محمد على وإلى مصر على الجيش المصرى. وذلك أنه ما إن مكّن لنفسه في حكم هذه البلاد حتى استقر رأيه على إنشاء جيش كفء، فقد عمد سنة 1815 إلى إدخال التدريب الأوربى في قواته بعد عودته من الحجاز، وقد أثار هذا الفعل منه سخطًا عظيمًا وتمردًا قام في القاهرة. واضطر محمد على إلى إرجاء مشروعاته إلى حين. وفى سنة 1819 استخدم الكولونيل يوسف سيف، وهو ضابط من ضباط نابليون كان قد اعتزل الخدمة العسكرية (اعتنق الإسلام من بعد وأصبح يعرف باسم سليمان باشا ليشرف على التدريب في مدرسة حربية جديدة أنشأها في أسوان بعيدا عن القاهرة وكان الجنود الذين يدربون رقيقًا من السودان و 300 مملوك من مماليك محمد على. وقد واجه سيف الصعوبات المعهودة التي واجهها الضباط الأوربيون في الإمبراطورية العثمانية وهى: التمرد النابع من احتقار النصارى الأوربيين، والنفور المطلق من الأساليب الفنية الأوربية في التدريب. وحاول محمد على بادئ ذى بدء أن يجند رقيقا من السودان في جمهرة جيشه، ولكن نسبة الوفيات بينهم كانت مرتفعة جدا، ذلك أنه لم يبق من الأربعة والعشرين ألف رقيق الذين جندوا سنة 1824 إلا نحو من ثلاثة آلاف في هذه السنة ومن ثم تخلى عن هذه الطريقة وبدأ محمد على يجند جنوده من بين الفلاحين المصريين. فقد أمر مديرى المديريات بأن يقدم كل منهم نصيبًا من المجندين واستخدمت أول الأمر فصائل من الجند للم المجندين بالقوة، ثم بذلت محاولة للعدول عن هذه الطريقة العنيفة إلى التجنيد بالقرعة، ولكن لا القوة ولا الإقناع استطاعا أن يتغلبا على كراهية

ص: 3343

الفلاحين للخدمة العسكرية، إذ كان هؤلاء يلجئون إلى المقاومة، والفرار وتشويه أنفسهم، ثم استعملت مرة أخرى فصيلة الجند التي تُجنِّد بالقوة وبعد حملة المورة زاد محمد على يؤازره ابنه إبراهيم من التيسيرات المبذولة لتدريب الضباط، فأقام مدرسة للمشاة، ومدرسة للفرسان، ومدرسة للمدفعية، وكان يشرف عليها جميعًا أوربيون، وقد ترجم القانون العسكرى الفرنسى واقتبس لتطبيقه في الجيش المصرى وقد عهد محمد على بإدارة الجيش إلى "ناظر الجهادية"، وكان يشرف عليه مجلس من الموظفين اسمه "ديوان الجهادية". وما وافى عام 1831 حتى قامت قوة منظمة من 20 كتيبة من المشاة وعشر كتائب من الفرسان وأصبحت مستعدة لخوض المعركة أمام الجيش العثمانى في الشرق. وبنهاية حملات الشرق سنة 1841 قدر عدد الجنود الذين كانوا تحت إمرة والى مصر بنحو من مائة ألف جندى من بينهم الجنود غير النظاميين. وقد خفض الجيش المصرى إلى 18،000 جندى ضمن أحكام الاتفاق الذي عقد بين محمد على والإمبرطورية العثمانية بعد انسحابه من الشرق وكان ذلك بفرمان صدر في 13 فبراير سنة 1841، على أن هذا العدد زيد زيادة غير رسمية برسائل وزارية تبودلت في عهد الخديوى عباس الأول والخديو سعيد، وهذا الاتفاق غير الرسمى قد صدَّق عليه فرمان صدر في 27 مايو سنة 1866 للخديو إسماعيل. وقد نجح هذا الخديو من بعد في تجاوز العدد المحدد للجنود المصريين، وقد صدر إليه فرمان في هذا الخصوص تاريخه 8 يونيه سنة 1873 فلما خلع واستتبع ذلك اضطراب الحالة في مصر وضعفها، استطاعت الحكومة العثمانية أن تسحب هذا التنازل من جانبها باعتلاء توفيق عرش مصر، وصدر فرمان في 7 أغسطس سنة 1879 حدد مرة أخرى عدد الجنود المصريين بثمانية عشر ألف جندى. وشهد العام التالى من حكم توفيق صدور قانون (تاريخه 31 يولية سنة 1880) نص على أن جميع الرعايا العثمانيين في مصر يخضعون بلا تمييز من دين للخدمة العسكرية العاملة 4 سنوات من

ص: 3344

سن التاسعة عشرة، يعقبها خمس سنوات في الرديف وست سنوات أخرى للخدمة العسكرية في الاحتياطى الإقليمى. وكان المجندون يختارون بالقرعة من بين من بلغوا سن التجنيد. والظاهر أن هذا القانون كان من أسباب السخط الذي أدى إلى حركة عرابى، ذلك أن عرابى وأصدقاءه قد احتجوا بأن مدة الأربع سنوات في الخدمة العسكرية العاملة ليست كافية للترقية من صفوف الجند - ومن ثم عدوا هذا القانون قد قصد به العنصر التركى في الجيش الضرر بالعنصر المصرى. وكان من آيات شعورهم في هذا الصدد صدور قانون 22 سبتمبر سنة 1881، وهو القانون الذي أجبروا الخديو على إصداره، والذى جعل الترقية منتظمة حتمية ما دام المرشح لها قد أمضى المدة المقررة في الخدمة العسكرية واجتاز الامتحانات.

ولما انهارت حركة عرابى واحتل البريطانيون مصر سرّح الخديو بمرسوم أصدره في 17 سبتمبر سنة 1882 الجيش المصرى قبل إعادة تنظيمه وقد نص أمر عال أصدره الخديو في ديسمبر سنة 1882 على تأليف جيش حدد عدد رجاله بعشرة آلاف مقاتل. وكان الغرض من إنشاء هذا الجيش تلبية الحاجات الداخلية، وكان ضباطه العاملون من البريطانيين وطرائق تدريبه وتنظيمه تسير على النمط البريطانى. وقد كررت المراسيم الخديوية التي صدرت سنة 1886 أحكام قانون سنة 1880 وأباحت علاوة على ذلك الإعفاء من الخدمة العسكرية نظير دفع "بدل"(منع مرسوم صدر في 22 أبريل سنة 1895 الإعفاء بدفع البدل بعد استلام قرعة التجنيد السنوية). ولما أعيد فتح السودان سنة 1898 زيد عدد أفراد الجيش إلى قرابة 30،000 جندى، ولكن عدده نقص من بعد إلى ما بين 10،000 و 15،000 جندى حتى توقيع المعاهدة الإنكليزية المصرية سنة 1936.

والمحاولات التي بذلت لإصلاح النظم العسكرية في بلاد فارس أثناء القرن التاسع عشر لم تكن مدعمة ولا

ص: 3345

منتظمة كما كانت في مصر وفى الإمبراطورية العثمانية ذلك أن فارس قد انجذبت إلى السياسة الأوربية في عصر نابليون، وقد حاولت كل من بريطانيا وفرنسا أن تنفرد بالحصول على النفوذ في هذه البلاد، فأرسل الفرنسيون بعثة لتدريب الجنود الفرس سنة 1807 - 1808، كما فعلت ذلك بريطانيا سنة 1810، ثم حدث بعد ذلك أن حاولت سلسلة من الضباط الأجانب، روس وفرنسيين وإيطاليين، أن يدخلوا التدريب الأوربى والأساليب الفنية الأوربية في البلاد، على أن أثرهم في هذا الشأن لم يكن عميقا ولا باقيًا. وفى سنة 1842 أدخلت في فارس طريقة معدلة للتجنيد فقد مسحت الأرض المزروعة وقسمت وحدات، وفرض على كل وحدة (وهى القدر من الأرض الذي يمكن حرثه بمحراث واحد) أن تقدم جنديًا واحدًا ونصيبا من المال يصرف بعضه في تدبير معاش المجند وبعضه يذهب إلى الحكومة لمواجهة نفقات الجنود وقسمت بلاد فارس إلى منطقة نفوذ بريطانية ومنطقة نفوذ روسية وفقًا للاتفاق البريطانى الروسى الذي أبرم سنة 1907، ووقعت أحداث الحرب العالمية الأولى، فحال ذلك دون أن تتمكن الحكومة الفارسية من أن تمارس إشرافًا فعالا على القوات المسلحة وظل الحال على ذلك حتى وقع الانقلاب سنة 1921 فتمكن رضا شاه الذي أصبح وقتذاك قائدًا عامًا للجيش أن ينظم الجيش الفارسى على النمط الأوربى. وقد صدر عام 1925 قانون للتجنيد فرض الخدمة العسكرية على جميع أهل فارس مدة سنتين، وأقام الشاه أيضا مدرسة حربية في طهران.

وكان لدى الدول العربية التي تخلفت عن هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وفى ظل حكم الانتداب، قوات متطوعة صغيرة نظمتها ودربتها حكومات الانتداب، وقد أدت طرائقها في التدريب والتنظيم إلى التأثير فيما مارسته هذه الدول بعد ذلك. ولما نالت الدول التي نحن بصددها استقلالها الكامل سارعت إلى الأخذ بنظام القرعة العسكرية التي تشمل جميع أهلها، ولم تكن إدارة هذه القرعة يسيرة في جميع الأحوال. وقد

ص: 3346