الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجة
كلمة عربية وجمعها حجج، ومعناها البرهان والإدلاء به: والكلمة قرآنية، وهي تطلق على أية حجة، أى من يحاول أن يثبت ما هو باطل كما تطلق على من يحاول أن يثبت ما هو حق فقد جاء في القرآن {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: 165]؛ كما جاء فيه {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ. . . .} [الشورى: 16]؛ سورة الجاثية، الآية 25): وجاء فيه أيضا: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149]، و "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه"(سورة الأنعام، الآية 83). والحجة في معنى البيّنة قريبة كل القرب من البرهان وفي معنى المحاجّة وثيقة القرب بالدليل ولكن لما كان الدليل هو، في المحل الأول، "العلامة" و "الهادي" الذي يؤدى إلى اليقين فإن الحجة توحى بأنها الدليل القاطع الذي يفحم الخصم فلا يحير جوابًا. ولما كان "البرهان"، في المحل الأول، هو الدليل الواضح على بيّنة لا تدحض، ومن ثمَّ فهو التدليل السليم الذي يؤدى إلى البرهان، فإن الحجة تحتفظ بفكرة البينة المعارضة. وربما كان "البرهان الجدلى" هو الترجمة التي تؤدى خير أداء المعنى الأول للحجة.
على أن هذا الظل من ظلال المعنى كثيرًا ما يغيب عن الأنظار ولكنه لا يختفى اختفاءً تامًا والحجة تتخذ أيضًا معنى إصطلاحيًا دقيقًا في "علم الحديث" ثمَّ هى تصبح فوق ذلك من المراحل الأولى للمعرفة عند الإسماعيلية. وهي إذا استعملت عند المتكلمين والفلاسفة (في الرسائل الخاصة بالمنطق أو المناقشات حول المنهج) تظل، بحسب نزعات الكتاب، مشوبة بشية من عدم الدقة: واستفراغ القول في هذا المبحث طويل جدًا، وحسبنا إشارات قليلة نسوقها في هذا المقام.
ابن سينا: قد يشير "الدليل" عند ابن سينا إلى أية حجة أو بينة، وهو
يدل بمعنى أضيق من هذا على برهان الإنة (أو الإن) وهو الدليل على الوجود. أما القسم من كتاب الشفاء الذي يتناول المنطق فإنَّه يعد الدليل بمعنى عام هو المحاجة، ذلك أنَّه يقسمه إلى "قياس" و "استقراء" أي مشابهة المثل بالمثل (أى التمثيل) وقد عرّفت "الحجة" في الصفحة التالية بأنها "المواقعة" أو "التصديق" (انظر الشفاء: المنطق، جـ 1، [المدخل]، القاهرة سنة 1371 هـ = 1952 م، ص 18 - 19). ومن الأمور ذات الدلالة أن الترجمات اللاتينية قد ترجمت كلمة حجة في هذا المقام بكلمة ratio (انظر Lexique de la: A.M. Goichon langue philosophique d' lbn Sina، باريس سنة 938، رقم 120). ونحن نجد هذه الفكرة نفسها متضمنة في صيغة الجمع "حجج" وذلك في كتاب "الإشارات"، وكذلك هذا التقسيم الثلاثى (طبعة Forget، ص 64 وما بعدها). ويردد كتاب "منطق المشرقيين" أيضًا (القاهرة سنة 1328 هـ = 1910، ص 10) فكرة "الشفاء"(المدخل، ص 19): وهي أن الحجة هى "المواقعة". على أن "الحجج" في "أقسام العلوم العقلية"(تسع مسائل، القاهرة سنة 1326 هـ = 1908 م، ص 117) يفرق بينها وبين البرهان وتتخذ المعنى الأدق وهي المحاجة الجدلية (في الجدل) المقصود بها إقناع خصم ويترجمها ألباكو Argumentatio: Alpago (انظر A.M. Goichon: كتابه المذكور)
علم الكلام: إن الغرض من علم الكلام هو الرد على المتشككين والمنكرين، وكثيرا ما تستعمل كلمة "حجة" في هذا العلم هى وكلمة "دليل" في بيان الحجج (انظر على سبيل المثل: الباقلانى: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات، طبعة - R.J. Mac Carthy بيروت سنة 1958 الفهرس)، ولكنها قلما تبلغ قوة المصطلح الخالص. والحجة في علم الكلام هى أولا الدليل (والجمع أدلّة) أو الدلالة في عدد من نصوص المعتزلة كما هى في الأشعرى (كتاب اللُّمَع، طبعة R.J. MacCarthy، بيروت سنة 1953، ص 6، 12؛
استحسان، ص 91). وفي المقدمات التي صدر بها كتاب "الإرشاد"(طبعة Luciani، باريس سنة 1938، 5/ 18 - 19) يتحدث الجوينى عن "النظر" ثم يفرد فقرة عن الحجج؛ وهو يستعمل كلمة "الأدلة" ويفرّق بين "الأدلة العقلية" و"الأدلة السمعية" ويمكننا أن نسجل شواهد أخرى كثيرة على هذا.
ويعرف الجوينى (كتابه المذكور)، والباقّلانى قبله، الدليل بأنه هو بيان ما خفى. ثمَّ إن الباقلانى يذكر في كتاب "التمهيد"(طبعة MacCarthy، بيروت سنة 1957، ص 14) أن هذا الدليل، الذي يشار إليه بالدلالة وهو الشئ الذي يثبت به شئ (مُسْتَدَلّ)، هو الحجة والواقع أن بيان ما لا يعرف على الفور وبالعقل، والتعريف الحق للدليل، هو الشئ الذي يقنع خصما في سياق "الكلام" والذي يكون حجة دامغة عليه. وفي الحديث عن "الحجج العقلية" يستعمل كتاب "التمهيد" أحيانًا كلمة "أدلة" وأحيانًا كلمة "حجج"(ص 102، 119). على أنَّه إذا كان الأمر أمر التفرقة الواضحة بين الحجج العقلية والحجج النقلية فإنَّه يفضل كلمة "أدلة"(التمهيد، ص 9، 12، 14).
وفي المنهج الذي اتبعه كتاب "بيان عن أصول الإيمان"(مخطوط رقم 577 في المكتبة العثمانية بحلب نقلا عن الشيخ الكوثرى والأب جورج قنواتى) يسير أبو جعفر السُمنانى تلميذ الباقلانى بأمانة على نهج السلف ويستعمل أيضًا "الأدلة" للدلالة على الحجج المؤيدة للكلام والحجج التي يستخدمها الكلام. على أنه يعرف الحجة العقلية بأنها "حجة العقول" وهي تسير على خمس قواعد: الاستبعاد والتثبت، والتوصيف، والتعميم، والتوصيف والتعميم معًا (انظر Introduction: Anawati et Gardet a la theologie musulmane باريس سنة 1948، ص 365 - 367) والقواعد الأربع الأخيرة توصف بأنها تقوم على "القياس" بمعناه الجوهرى وهو قياس المثل بالمثل. وهذا يعد في علم الكلام، أوضح الشواهد التي لدينا عن "منطق
مصطلحَيْن". ويستطيع المرء أن يقول إن الحجة في هذا المقام ينظر إليها على وجه الدقة بأنها الحجة الجدلية.
الغزالي: إن مفردات الغزالي كثيرا ما تكون كما هو شأنها ملتقى مفردات الفلسفة وعلم الكلام وهو يستعمل على القريحة كلمة "دليل" و"أدلة" بمعنى قريب جدًا من المعنى الذي يستعمله فيها ابن سينا. فقد ذكر بخاصة في أوائل كتاب المنقذ من الضلال أن الدليل (أى التدليل) يفترض الرجوع إلى المبادئ الأولى. على أننا نجد الغزالي الذي عرف رأيه الشخصى (فضلا عن تأثره بالجوينى) وشكه في الاعتماد على الدليل دون سواه، يقول "بتكافؤ الأدلة" وهو أمر يحدث بنور داخلى من طراز آخر. والحق أننا نجد أكثر من هذا أن الغزالي يترك للدليل معناه الأول وهو الشئ الهادي إلى الحقيقة الصريحة والغزالي وهو الذى قدر له أن ينعت "بحجة الإِسلام"، يستعمل الدليل على اليقين أكثر مما يستعمل الحجة للدلالة على البرهان العقلى.
على أنَّه يستعمل الحجة بمعناها العام وهو "الحجة المقنعة"، وهي تقتضى، أو يجب أن تقتضى - القبول. ثمَّ هو آخر الأمر يستعمل هذا المصطلح بمعنى أدخل في الإصطلاح حين يبسط نظريته معتمدًا على المنطق الصوري، فيردد كلمة بكلمة تقريبًا تعريفات وتفريقات مدخل الشفاء، وهي أن الحجة التي تستعمل للدلالة على أية محاجة على أنواع ثلاثة: القياس والاستقراء والتمثيل (معيار العلم، القاهرة سنة 1346 هـ = 1927 م، ص 86؛ وانظر أيضًا La notion: Farid Jabre de Certitude selon Ghazali، باريس سنة 1958، الفهرس، مادتى دليل وحجة).
وفي منهج الفلسفة والكلام تتخذ كلمة حجة معانى مختلفة اختلافًا غير هين، فأحيانًا تطابق - أو تكاد - كلمة "دليل" وأحيانًا تتميز عن هذه الكلمة؛ وهي طورا توحى بالمحاجة والقياس (والاستنباط) ذى الثلاثة حدود وذى الحدين، وطورًا المحاجة الجدلية التي