المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه: تتوزع جنود الجيش توزيعًا غير متساو بين - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌جن

- ‌الجنة

- ‌الجهاد

- ‌جهنم

- ‌جهور

- ‌جهينة

- ‌الجواليقى

- ‌الجوبرى

- ‌جودت عبد الله

- ‌الجودى

- ‌جوف

- ‌الجوف

- ‌جوف السرحان

- ‌جوف كفرة

- ‌الجوهر

- ‌جوهر الصقلى

- ‌الجوهرى

- ‌جيزان

- ‌جيش

- ‌حالة الجيش الراهنة:

- ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌توزيع الجيش وسلاحه وزيه:

- ‌المصادر:

- ‌العصر الحديث

- ‌المصادر:

- ‌ح

- ‌حاتم

- ‌المصادر:

- ‌حاجب

- ‌1 - الخلافة

- ‌2 - الأندلس

- ‌المصادر:

- ‌3 - دول المشرق

- ‌المصادر:

- ‌4 - مصر والشام

- ‌ المصادر

- ‌5 - إفريقية الشمالية

- ‌حاجى خليفة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن جبلة

- ‌المصادر:

- ‌الحارث بن كعب

- ‌تاريخها:

- ‌المصادر:

- ‌حازم بن محمد

- ‌المصادر:

- ‌الحافظ

- ‌المصادر:

- ‌حافظ إبرهيم

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم بأمر الله

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحاكم النيسابورى

- ‌المصادر:

- ‌حام

- ‌المصادر:

- ‌الحامدى

- ‌المصادر:

- ‌حايل

- ‌المصادر:

- ‌حبة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب بن مسلمة

- ‌المصادر:

- ‌حبيب النجار

- ‌المصادر:

- ‌الحجاب

- ‌المصادر

- ‌المصادر:

- ‌الحجاز

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌الحج

- ‌1 - الحج فى الإِسلام

- ‌2 - أصل الحج فى الإِسلام:

- ‌3 - الحج فى الجاهلية:

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحج

- ‌حجة

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌حجر

- ‌المصادر:

- ‌حد

- ‌الحديبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديبية

- ‌الحديث

- ‌1 - موضوع الحديث وصفته

- ‌2 - نقد المسلمين للحديث

- ‌3 - تصنيف الحديث

- ‌4 - مجموعات الحديث

- ‌5 - رواية الحديث

- ‌المصادر:

- ‌تعليقات على مادة "الحديث

- ‌الحديث القدسى

- ‌المصادر:

- ‌حرب

- ‌(1) النظرة الشرعية

- ‌المصادر:

- ‌(2) الخلافة

- ‌المصادر:

- ‌(3) سلطنة المماليك:

- ‌مكان تجمع الجيش:

- ‌نظام المعركة فى الميدان:

الفصل: ‌ ‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه: تتوزع جنود الجيش توزيعًا غير متساو بين

‌توزيع الجيش، أسلحته، ولباسه:

تتوزع جنود الجيش توزيعًا غير متساو بين المدن الأربع: فاس ومكناسة والرباط ومراكش، وهى المدن التي بها قصور للسلطان كما توجد في الثغرين طنجة والعرائش، وهناك حاميات صغيرة قليلة في الغرب والشرق والجنوب من مراكش ويعيش رجالها في هذه الأماكن هم ومن يتصلون بهم في عزلة عن الناس، وقلما يمتزجون بالأهالى الذين يخافونهم.

ويتسلح هؤلاء الفرسان في الوقت الحالى ببنادق ونشستر Winchester وهى التي حلت محل البنادق القديمة flintlock وهم يحملون أيضًا السكين، وهو سيف ذو حد مستقيم تقريبًا، ومقبض مصنوع من قرن الحيوان وله جراب من الخشب مغطى بجلد أحمر. ويتسلحون أيضًا بالكُميَّة والخنجر وهو سلاح ذو حد مقوس جدًا وخيولهم جيدة بوجه عام، أما لحمها فرديئة كما هى العادة عند العرب، وهم يلبسون قفطانا ذا لون زاه عليه فرجية بيضاء ويتمنطقون على القفطان والفرجية بزنار من الجلد مطرز بالحرير. ويلبسون على رؤوسهم شاشية حمراء مخروطية الشكل يلفون حولها عمامة من الحرير الأبيض. ويلبسونه في أرجلهم خفافا لينة من الجلد الأصفر لها أطراف طويلة يستعيضون بها عن المهماز، وبذلك يكمل زيهم الذي يسترعى الأنظار.

‌المصادر:

(1)

السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ في مواضع مختلفة، وخاصة جـ 3، جـ 4

(2)

Etablissement des: Cour Dynasties des Cherifs، باريس سنة 1904، في مواضع مختلفة.

(3)

aujourd': E. Aubin hui Le Maroc d'، باريس سنة 1905، ص 172 وما بعدها.

(4)

Trots Mois de: Weisgerber Campagne au Maroc، باريس، سنة 1904، ص 82 وما بعدها

(5)

Le Maroc dans les: Massignon Premieres Annees du XVI، Siecle الجزائر سنة 1906، ص 172 وما بعدها

ص: 3307

(6)

Le Maroc de 1631 a: Houdas 1812، باريس سنة 1886 في مواضع مختلفة.

[كور A. Cour]

+ جيش: من المصطلحات العربية التي تدل - هى وجند وعسكر - على الجيش بمعناه المعروف.

(1)

في الزمن القديم

كانت جزيرة العرب في العصر الجاهلى تعيش في ظل ظروف من القتال على نطاق صغير، ولم تكن تعرف الجيوش بمعنى الكلمة خارج نطاق الاحتلال الأجنبى اللهم إلا في اليمن فيما يحتمل. وكان القتال بين القبائل يستنفر إلى ميدان النزال كل الرجال القادرين تقريبًا، ولكنه كان خاليًا من أى تنظيم حربى، وكان التلاحم في أكثر الأحيان يحسمه نزال أشخاص مسلحين. ويمكن أن نقول إن نواة الجيش قد ظهرت بظهور الإسلام في الحملات التي قادها النبى عليه الصلاة والسلام أو جهزّ لها، ولو أن الجهاد كان في هذه المرحلة فرضًا على جميع المسلمين الأصحاء الأبدان، ولا يستطيع المرء أن يتحدث عن جيش بالمعنى الصحيح إلا في أوائل الفتوح، حين ظهرت لأول مرة تفرقة بين فريق المحاربين وفريق غير المحاربين من المسلمين ومع أن جميع المسلمين الأصحاء كان من الممكن من حيث النظر أن يدعوا للجهاد، إلا أن القبائل من حيث العمل كانت تبعث إلى الجهاد نسبة معينة من رجالها فحسب، وكانت الأعداد المطلوبة توفى في العادة بالمتطوعين القابلين للزيادة والنقص. وكانت إقامة هؤلاء في الأراضى المفتوحة تبعد هؤلاء الرجال إن لم يكن عن أسرهم التي جرت على صحبتهم فإنها تفصلهم عن غيرهم من أبناء قبيلتهم وعن نهج الحياة الذي ألفوه. وكان هؤلاء لا يكونون جيشًا بالمعنى الدقيق للكلمة من حيث أنهم كانوا في الفترات التي تتخلل المعارك يقومون بنشاط آخر إذا شاءوا، كما أنهم كانوا مع استثناء قليل لا يعتكفون في ثكنات بعيدًا عن أسرهم ومهما يكن من شئ فإنهم كانوا فريقًا من الناس مفروضا عليهم دائمًا أن يستجيبوا لنداء الحرب ويعتمدوا في معاشهم عليها أما بالنسبة

ص: 3308

لموقفهم ممن غزيت أرضهم فإنهم كانوا لا يعدون أنفسهم من أول الأمر قوما غزاة بمعنى الكلمة بل يعدون أنفسهم أقرب إلى جيش فاتح. وكانوا متفوقين على أعدائهم بفضل سرعة تحركهم واعتيادهم الحياة الخشنة واتصافهم بحماسة منذورة يدعمها رغبة في الغنيمة ويعززها النصر، ومع ذلك فقد ظلت أسلحتهم بدائية، وكذلك كان نجاحهم يرجع في الأكثر إلى ضعف الإمبراطوريات التي يقاتلونها وعدم ولاء الشعوب التي تتكون منها هذه الإمبراطوريات واستعانتها في التجنيد بجنود مرتزقة وربما كنا ننأى عن دواعى الحرص إذا حاولنا تقدير عدد القوة العاملة التي كان في مقدور العرب فعلا أن يعبئوها للحرب: وربما كان هذا العدد يبلغ حوالى خمسين ألفا تحت إمرة عمر، وضعف هذا العدد أيام أكبر توسع حققته الإمبراطورية الأموية.

ولم يكن الجنود العرب يرابطون في محلات الأهالى مع استثناء الشام إلى حد ما، بل كانوا يرابطون في معسكرات أصبحت في النهاية مدنا جديدة هى الأمصار، وهكذا ظهرت إلى حيز الوجود البصرة والكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، والقيروان بعد ذلك بمدة في إفريقية وهلم جرا. وكان تنظيم هؤلاء الجنود توفيقًا بين الحاجات الجديدة والتراث القبلى، ذلك أن الجيش بأسره كان مزاجا من رجال من قبائل مختلفة، وكان الجنود في الأصل ليس لهم من دخل إلا نصيبهم من غنائم النصر، وسرعان ما غدا هذا النصيب كبيرا، وكانت تحكمه القواعد المتصلة بالغنيمة ولما ضمت أراض شاسعة إلى الغنائم التي ظفر بها في ميدان القتال، قام خلاف في المصالح بين أولئك الذين كانوا يميلون إلى أن يروا هذه الأراضى مقسمة كلها وأولئك الذين كانوا يلوذون بالخلافة النامية السلطان ووفقوا إلى فرض مبدأ هو أن الأراضى المفتوحة ملك للجماعة الإسلامية كلها في حالها ومستقبلها، وقد كان معنى هذا في الواقع أن يسمح للمالكين الأصلاء للأرض بأن يحتفظوا بها نظير أداء ضرائب، وقد أدى ذلك بدوره إلى توفير

ص: 3309

المال للأداء المنتظم لرواتب الجند، وفى الشام، ثم في الغرب الإسلامى من بعد، ظهر تنظيم الجند العسكرى الإقليمى التعاونى وهو تنظيم لم يظهر له نظير دقيق قط في أراضى الفتوح المترامية الأطراف في المشرق (العراق وإيران).

ومن نافلة القول أن نذكر أن هذا الجيش الأول البدائى كان كله من العرب المسلمين وفى الولايات البوزنطية السابقة كان هذا على كل حال يسير التحقيق كل اليسر، ذلك أن السكان الأصليين كانوا قد نسوا منذ أمد طويل عادة امتهان مهنة القتال، ومع ذلك فما أسرع ما بدأ القواد العرب يجيئون معهم بمواليهم، على حين نجد أن أقوامًا أخرى نزاعة إلى القتال من سكان الحدود (في آسية الوسطى، وشمال إيران وأرمينية وفى أمانوس السورية) كانوا - من غير أن يسلموا - يلحقون بالحملات الحربية الإسلامية جنود احتياط معفين من الضرائب. وإنما حدث بعد ذلك بأمد وجيز أن أصبح البربر هم أغلبية الجيش الذي خرج لفتح الأندلس.

ولم يمض وقت طويل حتى ألفت كتيبة خاصة باسم "الشرطة"، وكانت وثيقة الارتباط بالخليفة أو الوالى، وتعنى - أولا وقبل كل شئ - بحفظ النظام الداخلى أكثر من عنايتها بالحرب، وأصبحت هذه الكتيبة - شيئًا فشيئًا - ضربا من الشرطة بمفهومها الحديث.

وعدلت أحوال النظام العسكرى تعديلًا كبيرًا منذ أيام الأمويين. فقد أصبحت الحرب لا تجر من الغنائم ما كانت تجره من قبل، لازدياد المقاومة وطول خطوط المواصلات: وقد أدى ذلك إلى أن الرواتب - التي لم تكن مرتفعة - قد أصبحت أنئذ هى المورد الوحيد للجنود، إن لم تكن المورد الوحيد أيضًا للقواد، ومن ثم أصبح هؤلاء يطالبون دائمًا بالزيادة. ثم إنه ظهرت فُرقة جديدة بين جنود الاحتياط - المرابطين في البصرة والكوفة وغيرهما - الذين أخذوا يعيشون حياة مدنية تزداد صفتها هذه بمرور الأيام، وبين جنود التخوم الذين لم يعودوا إلى ديارهم وإنما استمروا يعيشون على حدود

ص: 3310

آسية الصغرى وآسية الوسطى والمغرب والأندلس. ونذكر أخيرًا أن طبيعة الأعمال الحربية تغيرت وأصبحت تتطلب مواد حربية وطرائق استقاها المسلمون من أعدائهم؛ ولم يكن العرب في جميع الأحوال مستعدين كل الاستعداد لاصطناع هذه المواد وتلك الطرائق، وتنسب الروايات إصلاحا في فن الحركات الحربية لمروان الثاني، الذي كانت له خبرة طويلة بالحرب في أرمينية على أننا نستطيع أن نقول إن الجيش لم يعد تنظيمه في الجوهر حين أطاح العباسيون بحكم الأيوبيين.

ويرجع نجاح العباسيين من الناحية العسكرية إلى الجيش الجديد الذي عبأه أبو مسلم من أهل خراسان: وقد ظل هذا الجيش قرابة قرن من الزمان عصب نظام الحكم الجديد، وكان الخراسانيون دون سواهم في أول الأمر هم الجنود الذين رابطوا بالقرب من الخليفة وفي المراكز السياسية الكبرى. ومن ثم ظل يقوم مدة من الزمن جيشان جنبًا إلى جنب. ومن الأمور البالغة الأهمية من الناحية الاجتماعية أن تدخل الخراسانيين لم يكن أقل من ذلك شأنًا من الناحية العسكرية - وقد كان لإيران، وخاصة خراسان، في هذا الصدد تقاليدها الخاصة بها التي لم ينجح الفتح العربى في أن يمحوها. ذلك أن الإيرانيين كانت لهم في الرمى بالنبال وفى فن الحصار وفى استخدام النار الإغريقية مهارات لم يستطع العرب أن ينافسوهم فيها، ومن ثم زود هذا العباسيين بعنصر من الإصلاح الفنى كان يفتقر إليه الجيش الأموى على أن العرب كانوا يقسمون حياتهم بين المعيشة المدنية والمعيشة في المعسكرات، وكانوا لا يزالون مرتبطين ارتباطا وثيقًا بالمنازعات القبلية والعشائرية. أما الخراسانيون فكانوا جيشًا من المرتزقة واضح القسمات والمعالم يرتبط بشخص الخليفة. والحق إنهم - فيما عدا بعض الاستثناءات البارزة - كانوا يستخدمون على الأغلب في إخماد الفتن الداخلية أكثر من استخدامهم في الحرب الخارجية، ونخلص من هذا إلى أن العرب أنفسهم كانوا ينتمون إلى فئتين: فئة أولئك الذين كانوا يعيشون بعيدا

ص: 3311

كل البعد من مناطق النشاط الحربى - وكانوا قبل كل شئ - السبب في قيام الفتن، وهم الذين عمد الخليفة المعتصم - لهذا السبب - إلى أن يمحوا أسماءهم في مصر من سجلات الديوان؛ وفئة جنود التخوم الذين لم يكن في الإمكان تسريحهم على هذا النحو، وإنما هم ينظمون أنفسهم على مقتضى العالم الجديد المستقل استقلالا ذاتيا، عالم "الغزاة" و"المرابطين" الذين يقطعون حبل صلتهم بالجيش النظامى الأساسى. وكانت نتيجة ذلك - من الناحية الاجتماعية - أن العرب لم يصبحوا في أغلب الأحوال هم منشأ طبقة الأشراف، وكانوا يعدون أنفسهم من المحظوظين إذا هم لم يرتدوا إلى الحياة البدوية التعيسة.

وأيًا كان أفراد الجيش النظامى، فإن هذا الجيش كان يتميز عن تلك الجماعات الأخرى العارضة من المقاتلين، بأن أفراده كانوا هم دون سواهم الذين تظهر أسماؤهم في سجلات الديوان بأن لهم الحق في عطاء ثابت وحالة تجعل منهم نظامًا حكوميًا. أما الآخرون الذين كانوا أنواعًا شتى من المتطوعة، فلم يكونوا يتقاضون فحسب أعطيات أقل، بل كانوا - فيما هو أهم من ذلك - لا يتقاضون هذه الأعطيات إلا في الحرب التي تتطلب وجودهم، كما أنهم لم يكونوا يعدون من الجنود المحترفين. أما "الغزاة" فكانوا يعيشون مما يجنونه من نشاطهم غير الحربى في الفترات بين قتال وقتال، ومن نصيبهم من الغنائم أثناء القتال، ومن أعمال البر التي أخذ المسلمون في الداخل يكثرون منها ويقفونها عليهم عوضًا عن اشتراكهم في الجهاد، وكذلك كان هؤلاء لا يذكرون في السجلات العادية للجيش، كما كان من الواضح أنهم جنود غير محترفين.

ولم يبق الجيش الخراسانى بدوره بعد العصر العباسى الأول. وحين خلع الخليفة المأمون الحكم الذاتى لخراسان على الأسرة الطاهرية، نزع هؤلاء الطاهرية إلى أن يحتفظوا لأنفسهم بجزء كبير من المجندين الخراسانيين. ثم إنه إذا كانت دولة بنى العباس تدين بسلطانها إلى هؤلاء الخراسانيين، كما

ص: 3312

أن المأمون بصفة خاصة استطاع بعد ذلك بزمن أن ينتصر على أخيه الأمين بفضلهم، فإن الخراسانيين أنفسهم أدركوا ذلك، وقد ظهر الاستياء منهم آخر الأمر في بغداد نفسها. والإحساس بأنهم أصبحوا حماة للدولة يتسببون في بعض المتاعب، أجل حدث هذا في بغداد التي كان الطاهرية مسؤولين عن حفظ الأمن فيها. وقد لجأ المعتصم نفسه - وهو الذي أخمد الجيش النظامى في مصر - إلى المبادرة بإحلال الأتراك محل الخراسانيين. والحق إن المقصود بهؤلاء الأتراك أول الأمر هو - على الأغلب - الأتراك المقيمين في نطاق الحدود الإسلامية، وفى مقدمتهم جميعًا أهل فرغانة الذين كانت ظروفهم الإجتماعية تشبه ظروف هؤلاء الخراسانيين وسرعان ما أصبح الشبان الذين يولدون في خارج الديار الإسلامية ويجلبون مماليك من أواسط آسية أو مما يعرف الآن بفيافى روسيا على يد المقاتلين أو التجار، يجندون باسم الاتراك. والأتراك الذين كانوا قبل كل شئ فرسانا مهرة لم يتصفوا فحسب بشهرة واضحة لها ما يبررها في الشجاعة الحربية والطبيعية والأدبية كما تشهد بذلك رسالة صغيرة للجاحظ، بل اتصفوا أيضًا بأنهم، وقد ارتبطوا بشخص مولاهم؛ وقد جلبوا صغار السن بحيث يستطيع أن يطبعهم بالطابع الذي يشاء فضلا عن بعدهم عن مطامع الأهلين على اختلاف أوطانهم ومنافساتهم، يمكن أن يتخذ منهم جيش يعول عليه الخليفة أكثر من تعويله على الخراسانيين الأولين. والحق إن التجربة أثبتت أنهم إذ جعلوا الخليفة يقع في قبضة سلطانهم، قد أصبحوا أبهظ عبئًا وأكثر ولاء لقوادهم بكثير من ولائهم للخليفة (لم يستطع الخليفة قط بعد المعتصم أن يعود إلى الهيمنة عليهم هيمنة مباشرة). ومع ذلك فإن مؤهلات الأتراك الفنية والعناية التي كان يبذلها القواد الأتراك في دعم التجنيد، بل كون الحصول على مماليك جدد كان أسهل وسائل العلاج لافتقار المماليك القدامى إلى النظام (ولو أن ذلك قد أدى على مر الزمن بطبيعة الحال إلى تكرار هذه الآفة) كل أولئك فيما يبدو قد جعل من المتعذر على الدول الإسلامية الشرقية حتى الأزمنة

ص: 3313

الحديثة أن تستغنى عن وجود جيش تركى فيها، وراحت كل واحدة منها بعد الأخرى تصطنع لنفسها جيشًا من هذا القبيل. وكان هؤلاء الأتراك - في أحسن الحالات في المشرق - يوازن سلطانهم باستدعاء عناصر أخرى من أهل الجبال الأشداء البارعين في قتال المشاة مثل الديلم، أو الفرسان كالأكراد، أو الزنوج المحليين أو الهنود (جيش الغزنويين) أما في مصر، فإن الفاطميين الذين غزوها بمجندين من البربر المعززين، كما حدث في إفريقية، بالزنوج والصقالبة والروم، قد حاولا من بعد أن يوازنوا سلطان هؤلاء بإدخال الأتراك في الجيش، ثم سعوا بدورهم إلى إحلال الأرمن بدلهم تحت قيادة قواد يصعب أن نزعم أنهم مسلمون، ثم عمدوا آخر الأمر إلى رد بعض شئون الجيش إلى العرب وكذلك أتاح انهيار الإمبراطورية العباسية فرصة العمل الحربى لعرب من الجزيرة والشام أيدوا الإمارات الحمدانية والمرداسية والعُقَيْليَة وكان البويهيون في غربى إيران يدينون بقوتهم الخاصة إلى الديلم، ولكن حاجتهم إلى الفرسان حملتهم على أن يعززوا الديلم من أول الأمر بالأتراك على أن اختلاف أرومة هؤلاء المجندين الذي حالت اللغة والفروق الفنية بين امتزاجهم بعضهم ببعض في سهولة ويسر، أدى إلى قيام اضطرابات بسبب غيرتهم بعضهم من بعض، فتشاحنوا على نصيبهم من موارد الدولة وتركوا الخلافات التي قامت بين قوادهم، وجعلوا شوارع بغداد والقاهرة تجرى فيها الدماء حين كانوا يفرغون من تزكية قوادهم ورفعهم إلى تسنم السلطان، ولكن حدث من بعد في عهد السلاجقة، وهم شعب تركى، حين أقام هؤلاء أنفسهم على أراض إسلامية ولم يعودوا يعتمدون في ذلك على الجيش فحسب، أن أصبح كيان الجيش لا يتأثر في جميع الأحوال: ففى أول أمر السلاجقة حقق لهم التركمان النصر، وكان هؤلاء التركمان بدوا محاربين بالطبيعة يشبهون العرب الأولين. على أن السادة الجدد للشرق الإسلامى أعادوا تنظيم جيشهم على النهج التقليدى مستخدمين قوات تركية مسلمة، وإنما استطاع التركمان أن يفيدوا من صفاتهم النزاعة للقتال غزاة

ص: 3314

في ميادين القتال الخارجية بآسية الصغرى التي انتزعوها من البوزنطيين (الروم). وقد عمد خلفاء السلاجقة إلى إضافة عنصر جديد إلى الجيش فأدخلوا بين الأتراك بعض الأكراد الذين قامت من بينهم الدولة الأيوبية. ولكن الأيوبيين سادة مصر الذين انتزعوها من الفاطميين، كان تحت إمرتهم جيش أصبح العنصر التركى فيه يتزايد وقد أضاف سلاجقة آسية الصغرى إلى جيشهم مرتزقة من الأرمن، وفرنجة وغير هؤلاء على النهج البوزنطى، وجلب الغزاة المغول الكرج إلى قواتهم أما العرب، فإن الفتح التركى - الذي جمع كما هو شأنه بين بلاد الهلال الخصيب شبه البدوية وبين الجزء الأسيوى من الإمبراطورية البوزنطية التي كانت مسرح نشاط غزاتهم العارض - قد استبعدهم استبعادًا، فلم يعد لهم أى شأن كان في الحياة العسكرية اللهم إلا في بعض أركان جزيرة العرب.

وهذا التطور الذي وصفناه وشيكا لم يكن من خصائص العالم الإسلامى دون سواه، ذلك أن بوزنطة في العهود الإسلامية قد نهجت نهج الإمبراطورية الرومانية السابقة لها، فتركت أمر القيام بحروبها شيئًا فشيئًا للمرتزقة وكان من بينهم عدد كبير من الأتراك. ولم يكن لها عهد بالتجنيد من صفوف المماليك الأقحاح، ولكن هذا الإهمال منها للمماليك لم يأت فيما يرجح بفارق عملى. ذلك أنه لم يكن من مألوف الجنود المرتزقة أن يعودوا إلى وطنهم الأصلى وكانوا مرتبطين بالعهد للإمبراطور. أما من الناحية الإسلامية فإن الأمر يقتضينا أن ننوه بأن "المملوك" في جيش سلطان، وكان هذا المملوك هو أداة قوته، لم يكن في الإمكان مقارنته بالملوك الخاص الذي نشأ في بيته. كان هذا المملوك كالجندى المرتزق يتناول عطاءه، وكانت له حرية كبيرة في العمل خارج واجباته العسكرية، وإذا ترقى في الرتبة استطاع أن يحصل على حريته من سيده بل إن من يبلغ من المماليك أقصى النجاح يمكن أن يلى أمر الولايات ويحكم الأحرار.

ص: 3315

وقد سبق أن بينا أن التطور الذي ألممنا به هنا قد أثرت فيه عوامل فنية وعوامل اجتماعية، وما بنا من حاجة في هذا المقام إلى أن نسوق بيانا كاملا بالأسلحة والفن الحربى (وهذا عسير على أى حال لافتقارنا إلى دراسات سابقة لهذه الموضوعات) وحسبنا أن نقول إن السمة الرئيسية لتطور الحرب هو الشأن المتزايد لسلاح الفرسان الثقيل. وكان هذا أيضًا هو الحال في أوربا، على أن اعتماد المشارقة في فن الحركات الحربية على الحركة جعلهم لا يبلغون المدى الذي بلغه الأوربيون في الاعتماد في العتاد على ثقل وطأة المعدات. ولم يتغير التسليح في طبيعته إلا تغيرًا قليلا منذ أيام الفتوح العربية حتى ظهور الأسلحة النارية، ولكنه كان من الممكن أن يتغير في ضخامة السلاح وفوق ذلك كله في المقاييس النسبية للأسلحة المختلفة، والتقدم الفنى، ويأتى في المقام الثاني بعض الأثر الذي يحدثه ذلك في فن القتال ومقدرات الحرب ولعل القتال مع الصليبيين قبل مجئ المغول كان له شأن محلى يحفز الهمم في هذا الشأن.

وكانت الأسلحة الرئيسة عند العرب القدماء هي: "السيف" و"الرمح" و "الحربة" يستخدمها المشاة. ولم يكن القوس معروفا، وإنما كان يستخدمه الفرسان قليلًا ذلك أنه كان يفاد منه سلاحًا في الصيد أكثر منه في الحرب، ذلك أنه لم يكن يصلح في المبارزات الفردية على النهج التقليدى وهنا يقوم الفرق بين العرب وبين الفرس والأتراك. ذلك أن جذب القوس على اختلاف أشكاله وأحجامه، كان عادة قائمة بين الفرس جميعًا، وقد برع الأتراك في الرمى السريع بحشد من السهام (ناوق) من كل اتجاه، فتنشر الاضطراب بين صفوف أعدائهم. ثم إن النبل (جرخ) الذي يرد كثيرًا مع القوس المألوف كان فيما يظهر معروفا في المشرق منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكان الفرسان العباسيون ومن أتوا بعدهم يستعملون هذا القوس وإن كانوا قد ظلوا يستعملون الرمح والحربة، اللذين

ص: 3316

أصبحا آنئذ من سلاح الفرسان. وكان المشاه يستعملون النبل وإن ظلوا مستمسكين أيضًا بالسيف الذي تطور في طبيعته باستخدام الصلب الدمشقى، وهو في الحقيقة صنعة هندية. ومن الأسلحة الأخرى: العمود (بالفارسية كرز) وكان لا يزال مستعملا هو والسكين. وكان العرب يستخدمون في الدفاع "الدرَقَة" و"الترس" وصنوفا أخرى من الواقيات مثل الدرْع والزَرَد والجَشْوشْن والخوذة. على أنهم كانوا يتحاشون السلاح الكثير الثقل، والظاهر أن الدرع الثقيلة لم تكن شائعة الاستعمال قبل الصليبيين، ثم أصبحت الدروع التي بهذا الحجم شائعة. وكان الفارس في أغلب الأحيان يمتطى صهوة جواد تحميه أيضًا الدروع. وفى جيوش إيران الشرقية كان الفيل الهندى يستخدم في بعض الفرق الثقيلة. على أن الجمل كان هو الأداة الوحيدة للنقل. وكان الفارس المجهز تجهيزًا كاملا يسمى بأسماء مختلفة منها اسم عرف عند الأيوبيين هو الطواشى، ويجب أن يفرق بعناية بين معناه في هذا الشأن ومعناه الذي يدل على الخصى، ويجب على الجنود العناية بأسلحتهم عنايتهم بدوابهم، ولكن الذي كان يحدث هو عكس ذلك في الأيام الأولى؛ فقد كانت الأسلحة تعطى لهم وتغير عند الحاجة، ومعظم هذه الأسلحة كان يجلب من مصانع الدولة. وكانت مصر تكاد تحتكر صنع السلاح احتكارا، وأكثر من هذا أن مصانع الدولة وحدها كانت هى التي تحتكر صنع الآلات التي تديرها جماعة ونعنى بها أولا آلات الحصار التي تطور استعمالها تطورا متزايد وهى المنجانيق، والعرَّادة والدبابة وغير ذلك. ولم يستغرق المسلمون وقتا طويلا في أكتشاف النفط. - أو النار الإغريقية - التي كانت تسخدمها القوات البرية والقوات البحرية. وقد عثر علماء الآثار على قدور النفط التي كان يرمى بها العدو. وقد أطلق بخاصة المصطلح عسكر (بالفارسية لشكر) على الجيش الذي يملك مثل هذه المعدات جميعًا. وهم في حالة الحرب يرابطون في معسكرات ويعتدون على حصن أو قلعة يقتضى الهجوم عليه أو عليها من ناحية العدو صورة من أهم صور الحرب ثم نذكر أخيرا أمرا قد يكون مهما في بداية

ص: 3317

المعركة وهو النفير وغيره من الآلات المدوّية.

ونحن لا نعلم إلا القليل عن كيفية تدريب الغلمان (شباب الجنود) في الجيش العباسى وما قاله نظام الملك عن الجيش الغزنوى يجب أن نأخذة ببعض الاحتياط. أما إن شئنا المعلومات الدقيقة فإن الأمر يقتضينا أن ننتظر حتى عصر المماليك فقد كان الجنود يعيشون مع الناس في بعض الأحيان، ويجتمعون في أكثر الأحيان في ثكنات أو معسكرات، ويجتمع طائفة منهم هم "الحُجَرية" بالقرب من قصر السلطان خليفة كان أو يحمل غير ذلك من ألقاب الملك. وكانت المشاحنات التي تدب مع ذلك بينهم وبين الأهلين كثيرًا من الأسباب التي أدت الى انتقال الخلافة إلى حين إلى سامراء منذ أيام المعتصم. على أن الشرطة لم يعودوا يجندون من بين هؤلاء، بل جنح الأمر إلى اختيارهم من عناصر من الأهليين كانوا معادين لهم. على أن الفتح السلجوقى جدّد الوحدة بين الطرفين بزيادة عدد قوات الحاميات (الشحنة) والعهد إليهم بواجبات الشرطة التي ألغيت بصفة عامة. وكان الجيش يؤدى تدريبه العسكرى في الساحات المكشوفة القائمة في أرباض المدن.

وكان جيش الدولة الكبيرة ينقسم إلى كتائب تتفق بصفة عامة مع تقسيم جنوده إلى جماعات سلالية كما ينقسم بحسب الوظائف الفنية ويكمل هذه الكتائب سرايا من المهندسين. وكان ثمة تقسيم أيضا يراعى فيه انخراط الجندى تحت لواء القواد المشهورين أو في أثناء عهود خلفاء بعينهم. والجنود الذين كانوا بعضا من جيش قائد يظلون قسما من الجنود بعينه حتى الموت؛ والجنود الذين جندهم أمير يظلون مستقلين عن الجنود الذين يجندهم خلفه. ومن ثم قامت الخلافات ونوازع الغيرة، وكل أمير يحابى جنده. وكان في الرتب الدنيا وحدات قد تكون من عشرة جنود أو من مائة جندى وهلم، على أن هذه الأعداد لم تكن ثابتة. ورأس الجيش - الذي كان في كثير من الأحوال يسمى قائدًا في أيام الإسلام الأولى، بل بعد ذلك في المغرب الإسلامى - أخذ وقتذاك

ص: 3318

يسمى نفسه أميرا وهو لقب شمل آخر الأمر تولى أمر ولاية مرتبطة بقيادة جيش. وحيثما كان قائد أعلى لقب نفسه بلقب "أمير الأمراء"، لكن لقب أمير هانت قيمته في النهاية وأصبح لقبًا لكل الضباط، ومن ثم هان لقب الأمير فغدا يطلق على أى قائد. وفى العصر السلجوقى وغيره كان الحاجب هو الرجل الذي يمثل السلطة العسكرية للسلطان حين لم يكن يمارس هذه السلطة على جملة الجيش، وكان هذا الحاجب هو الرأس الأول القوى للحرس. أما في إيران فكان قائد الجيش يلقب بلقب "سالار" ويلقب القائد العام بلقب "إسباه سالار" أو "سر لشكر" وأما عند الأتراك فإن المرادف العملى للقب "أمير" هو "بك"، في حين أن "أمير الأمراء" كان يلقب "بكلر بك" أو "صوباشى".

ولم يكن ثمة توحيد في الزى العسكرى بالمعنى الحديث، فكان لكل كتيبة لباسها الخاص. ونحن نستطيع أن نتصور مثلا صورة زى الحرس الغزنوى من الكشوف الأثرية في لشكر بازار. وكان للفرق المختلفة أعلامها (رايه) وللقائد أو السلطان لواؤه الخاص يرفرف على الخيمة التي يقود المعركة منها، وهى التي تتجمع حولها الصفوف. وإذا لم نجد خدمات طبية بالمعنى الحقيقى فأنه هناك على الأقل نقل للسلاح والطعام وكان الطعام لا غنى عنه في ذلك. وكثيرًا ما كانت النساء تصحب الجيش، فإذا هزم كن في جملة الغنائم. وكان قرّاء القرآن "قاضى" والوعاظ، والأطباء أحيانا، يلحقون بالجيش.

وكان أول ما يشغل الجندى أو القوة التي يخدم فيها، هو الرزق أو الخبز الذي يدخل في الإشراف على القوة ورعايتها. وهذه الخدمات تعتمد على ذلك القسم من "ديوان الجيش" الذي يسمى "عرض"، وهذا القسم كان من الأهمية بمكان حتى إن الدول الإيرانية كان رئيس الإدارة العسكرية فيها يلقب "عارض". وهذا الإشراف يعتمد على تسجيل في منتهى الدقة للمقاتلة والحيوانات التي توسم بشعار الأمير. وكان الإشراف يمارس بعروض

ص: 3319

موسمية صارمة يقوم بها الأمير إن أمكن أو في حضرته على الأقل، وفى ختام العروض يعطى المقاتلون أعطياتهم.

وكانت جملة الأعطيات تختلف اختلافا كبيرا، بحكم طبيعتها والفترات التي تؤدى فيها وهى فترات قد تكون شهرية أو سنوية، في حين أن موقف جنود الاحتياط كان إلى ذلك عاملا مضطربا وصفوة القول أنه كان يجمع بين الدفع نقدا والدفع عينا في الحسابات. وبقدر ما نظن فإن المعلومات المشتتة غير الدقيقة التي لم يتسير لنا غيرها تدل على أن راتب جندى المشاة أيام الخلافة حتى القرن الرابع الهجري تقريبا (القرن العاشر الميلادي) كان بين 500 و 1000 درهم كل سنة، أى حوالى ضعفى أو ثلاثة أضعاف ما يكسبه أجير في بغداد وكان الفارس يحصل على ضعف هذا الأجر كما كان القواد يتقاضون أكثر من هذا، ويجب أن يضاف إلى ذلك ما كان يدفع عينا وهدايا السلاطين حين كانوا يعتلون العرش، والهبات التي تمنح بمناسبة الأعياد والمعارك وما إلى ذلك، وما بالك بما كان يستولى عليه الجنود حين يفقدون أسباب النظام أو الغنائم التي يأخذونها بعد الانتصارات أو في المدة التي تعقب الانتصارات ويباح فيها النهب والسلب، زد على ذلك أن ميزانية الدولة كان من المفروض أن تسد تكاليف السلاح وصيانته، والحصون والطرق ذات الأهمية الحربية والنقل والحيوانات إلخ

وإذا عرفنا أن السعر القانونى لتبادل العملة كان 3/ 1 14 من الدراهم للدينار الواحد فإننا نستطيع أن نقدر تكاليف صنع السلاح وغيره بنحو خمسة ملايين دينار، ولا يدخل في ذلك نفقات جيش عدته 50.000 مقاتل بلغت جملة ميزانيته في أوج الإمبراطورية العباسية قرابة 14 مليون دينار. ويقدر مجموع نفقات السلاح والجيش بنصف موارد الدولة، وهو عبء ثقيل استتبع فرض ضرائب ثقيلة وسخط وقيام حلقة مفرغة من فتن أثارها هذا السخط فأدى ذلك إلى قلة الفرصة لتخفيض الضرائب إذ كان الجهد الحربى وقتذاك مركَّزًا وأصبح جزء متزايد من الميزانية يستهلك في

ص: 3320

سد حاجات الجيش. وحتى إذا كانت بنود الميزانية ميسورة فإن بيت المال لم يكن دائما يملك المال السائل الذي يتطلبه أداء أعطيات الجند في الوقت المطلوب، فإذا حدث هذا وقعت الدولة في حلقة مفرغة أخرى، وكانت شكاوى أولئك الذين يقع عليهم هذا العبء من جراء تأخير الصرف إنما تهدأ خواطرهم بزيادات تتورط فيها الدولة مستقبلا تورطا أكبر. وما أكثر ما كان الخلفاء يتركون حكم ولايات الدولة للقواد على شريطة أن يؤدى هؤلاء، وليست الدولة، أعطيات جيوشهم.

ولسنا بحاجة كبيرة إلى التذكير بالطريقة التي أدى بها هذا التطور إلى قيام إمارات مستقلة استقلالا ذاتيا على أن هذه الطريقة أيضا لم تحل مشكلة إيجاد موارد بوسيلة أو بأخرى لسد تكاليف الجيش بأسره.

وكان هذا هو السبب الذي لم يلبث أن اقتضى إعادة تنظيم طريقة الدفع تنظيما شاملا وذلك بنشر وتغيير نظام الإقطاع الذي سمح باختصار للجيش أن يفرض الضرائب على قرية أو كورة وبذلك يأخذ مباشرة من المنبع المبالغ المستحقة له، وليس في الإمكان أن نتعمق هنا في بيان التعديلات التي أدخلت على النظام الإدارى الذي نشأ من هذا التطور. ولكن مما هو جدير بالملاحظة أن قيمة الإقطاع كانت فيما يظهر أكبر كثيرا من أعطيات الجيش السابقة (500 - 1000 دينار). وهذا يدل بوضوح على زيادة أهمية الجيش من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، ويتفق مع حقيقة أن المقاتل من الفرسان كان عليه أن يقدم من إقطاعه بعض الأتباع وأن يتكفل بقدر كبير متزايد من عدته ويتكفل أيضا بكل ما يحتاجه من مؤن. ويجب أن نذكر أيضا أن المُقْطَع في الناحية التي أقُطعت له اصبح عليه وقتذاك أن يتحمل النفقات التي كانت تتحملها الدولة من قبل، ومن ثم فإن كل ما يغله الإقطاع لم ينفق فقط في سد النفقات البسيطة التي كان يتطلبها الأمر في العهود الأولى. وقد جربت هذه التطبيقات المتنوعة غاية التنوع للإقطاع في ولايات مختلفة وفى أزمنة مختلفة، ولا نستطيع هنا أن نحصى إلا عددا قليلا منها، ويمكن أن يطبق نظام

ص: 3321

الإقطاع على الجيش كله أو على جزء منه. وفى مقدور هذا النظام أن يعفى المقطع من أداء الزكاة أو لا يعفيه منها، ويمكن أيضًا أن يكون هذا النظام موقوتًا أو متبادلا أو قطعيًا أو موروثا، ويمكن أن يكون شخصًا، بمعنى أن يكون قد وضع بحيث يكفل حياة الفارس وأتباعه القليلين، أو عامًا أى أوسع نطاقًا من هذا بكثير جدًا، ويوكل إلى ضابط بشرط أن يكون مسؤولا عن مؤونة الكتيبة كلها ومعيشتها. وقد خلق هذا موقفًا جعل الرواتب المستحقة تزيد أو تنقص عن منحة الإقطاع لكورة بأسرها ونذكر أخيرًا أن الإقطاع يمكن لجميع الأغراض والنوايا أن يحرر المقطع من جميع التضييقات التي يقتضيها الإشراف الحكومى وذلك في نطاق الاختصاص الممنوح للمُقطع، أو يترك المقطع على العكس من ذلك خاضعًا لإشراف تفصيلى يستدعى تدخل الإدارة الحكومية. وكان هذا هو المتبع في مصر، ومنه تطور نظام المماليك. ويمكن أن تكون قد حدثت في الشام مؤثرات متبادلة بين إقطاع المسلمين وإقطاع اللاتين الذي قام في الشام بعد الحروب الصليبية.

ونحن إذ نتغاضى عن الفروق في الزمان والمكان فإن في مقدورنا أن نرى أن الجيش في كل دولة من الدول الإسلامية في المشرق (وأقل من ذلك في المغرب) كان له دور هام وخاص. والجيش، الذي هو الحارس للسلطة الحقيقية وللثروات النامية المعتمدة على ملكية الأراضى، قد أصبح شيئًا فشيئا هو الأرستقراطية الحقة التي فرضت على الأرستقراطيتين القديمتين: أرستقراطية أهل الريف وأهل الحضر، وكان أفراد الجيش بحكم طريقة تجنيدهم التي جعلتهم يكادون أن يكونوا أجانب عن الأهالى الذين لم يكونوا من ثم يحتفلون احتفالا كبيرا بمنازعاتهم الداخلية والتغيرات التي تطرأ على السلطة، قد فرضوا على هؤلاء الأهالى ضربا من نظام الحكم العسكرى، ولا يمسك هذا النظام مع ذلك إلا التأثير المتبادل بين الجيش والإطار الدينى السنى لنظام الحكم القائم عليه، وكان هذا تطورا يتعدى

ص: 3322